أصول علم الرجال بين النظريّة والتطبيق

محمد علي صالح المعلّم

أصول علم الرجال بين النظريّة والتطبيق

المؤلف:

محمد علي صالح المعلّم


المحقق: محمد علي صالح المعلّم
الموضوع : رجال الحديث
الناشر: المؤلّف
المطبعة: نمونه
الطبعة: ١
الصفحات: ٧٠٦

ومنها : ما رواه عن محمد بن قولويه ، قال : حدّثني سعد بن عبد الله ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن البرقي ، عن عثمان بن عيسى ، عن خالد بن نجيح الجّوان ، قال : قال لي أبو الحسن عليه‌السلام : ما تقولون في المفضّل بن عمر؟

قلت : يقولون فيه هبه يهوديّا أو نصرانيّا وهو يقوم بأمر صاحبكم.

قال : ويلهم ، ما أخبث ما أنزلوه ، ما عندي كذلك ومالي فيهم مثله (١).

ومنها : ما رواه عن علي بن محمد ، قال : حدّثني سلمة بن الخطّاب ، عن علي بن حسّان ، عن موسى بن بكر ، قال : كنت في خدمة أبي الحسن عليه‌السلام ولم أكن أرى شيئا يصل إليه إلّا من ناحية المفضّل بن عمر ، ولربّما رأيت الرجل يجيء بالشيء فلا يقبله منه ويقول أوصله إلى المفضّل (٢).

والرواية الأخيرة أوردها الشيخ في الغيبة ، كما أورد رواية أخرى وهي عن هشام بن أحمر ، قال : حملت إلى أبي إبراهيم عليه‌السلام إلى المدينة أموالا ، فقال : ردّها فادفعها إلى المفضّل بن عمر ، فرددتها إلى جعفي فحططتها على باب المفضّل (٣).

ومنها : ما تقدّم ذكره في محمد بن سنان ، قال : دخلت على أبي الحسن عليه‌السلام قبل أن يحمل إلى العراق بسنة ، وعلي ابنه عليه‌السلام بين يديه فقال لي : يا محمد ، فقلت : لبيّك. قال : إنّه سيكون في هذه السنّة حركة ـ إلى أن قال : ـ يا محمد ، إنّ المفضّل كان أنسي ومستراحي (٤).

ومنها : ما رواه الكليني عن محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن ابن سنان ، عن مفضّل ، قال : قال أبو عبد الله عليه‌السلام إذا رأيت بين اثنين من شيعتنا منازعة

__________________

(١) رجال الكشي ج ٢ ص ٦٢٠.

(٢) رجال الكشي ج ٢ ص ٦٢١ مؤسسة آل البيت (ع).

(٣) كتاب الغيبة ص ٢١٠ الطبعة الثانية.

(٤) رجال الكشي ج ٢ ص ٧٩٧ مؤسسة آل البيت (ع).

٥٨١

فافتدها من مالي (١).

وبالاسناد عن ابن سنان ، عن أبي حنيفة سابق الحاجّ ، قال : مرّ بنا المفضّل وأنا وختني نتشاجر في ميراث ، فوقف علينا ساعة ، ثم قال لنا : تعالوا إلى المنزل ، فأتيناه ، فأصلح بيننا بأربعمائة درهم فدفعها إلينا من عنده ، حتى إذا استوثق كلّ واحد منّا من صاحبه ، قال : أما إنّها ليست من مالي ولكن أبو عبد الله عليه‌السلام أمرني إذا تنازع رجلان من أصحابنا في شيء أن أصلح بينهما وافتديها من ماله ، فهذا من مال أبي عبد الله عليه‌السلام (٢).

وروى عن محمد بن يحيى ، عن علي بن الحكم ، عن يونس بن يعقوب ، قال : أمرني أبو عبد الله عليه‌السلام أن آتي المفضّل وأعزّيه بإسماعيل وقال : اقرأ المفضّل السلام ، وقل له : إنّا قد أصبنا بإسماعيل فصبرنا فاصبر كما صبرنا ، إنّا أردنا أمرا وأراد الله عزوجل أمرا ، فسلّمنا لأمر الله عزوجل (٣).

وروى : عن عدّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد بن خالد البرقي ، عن بعض أصحابه ، عن أبي سعيد الخدري ، عن المفضّل بن عمر ، قال : قال لي أبو عبد الله عليه‌السلام : اكتب وبثّ علمك في إخوانك فإن متّ فأورث كتبك بنيك فإنّه يأتي على الناس زمان هرج لا يأنسون فيه إلّا بكتبهم (٤).

وغيرها من الروايات (٥) والحاصل : انّ هذه الروايات إمّا دالّة أو مؤيّدة لما

__________________

(١) اصول الكافي ج ٢ باب الاصلاح بين الناس الحديث ٣ ص ٢٠٩ مطبعة الحيدري.

(٢) ن. ص الحديث ٤.

(٣) اصول الكافي ج ٢ باب الصبر الحديث ١٦ ص ٩٢ مطبعة الحيدري طهران.

(٤) ن. ص ج ١ باب رواية الكتب والحديث وفضل الكتابة والتمسك بالكتب الحديث ١١ ص ٥٢.

(٥) بقيت روايتان ذكرهما الكشي في رجاله الاولى : علي بن محمد قال : حدثني محمد بن أحمد ،

٥٨٢

عليه المفضّل بن عمر من الوثاقة والجلالة والمنزلة عند الأئمة عليهم‌السلام.

وقد ذكر المحدّث النوري ثمان روايات اخرى (١) ، وهي وإن كان أكثرها لا دلالة فيها على الوثاقة ، إلّا أنّه يستفاد من بعضها براءة المفضّل بن عمر من نسبته إلى الخطّابية.

وأمّا ما استدلّ به على ضعفه فأمور :

الأوّل : ما ذكره النجاشي في ترجمته ، قال : كوفي ، فاسد المذهب ، مضطرب الرواية ، لا يعبأ به ، وقيل : إنّه كان خطّابيا ، وقد ذكرت له مصنّفات لا يعوّل عليها وإنّما ذكرناه للشرط الذي قدّمناه ... والرواة له مضطربوا الرواية (٢).

الثاني : ما ذكره ابن الغضائري ، قال : ضعيف ، متهافت ، مرتفع القول ، خطّابي ، وقد زيد عليه شيء كثير ، وحمل الغلاة في حديثه حملا عظيما ، ولا يجوز أن يكتب حديثه (٣).

__________________

ـ عن أحمد بن كليب ، عن محمد بن الحسين ، عن صفوان ، قال بلغ من شفقة المفضل أنه كان يشتري لابي الحسن عليه‌السلام الحيتان ، فيأخذ رؤوسها ويبيعها ويشتري بها حيتانا شفقة عليه ، رجال الكشي ج ٢ ص ٦٢١ الحديث ٥٩٩ ، وهذه كما ترى فليست هي رواية عن المعصوم.

والثانية : حدثني محمد بن مسعود ، قال : حدثني اسحاق بن محمد البصري ، قال : حدثني عبد الله بن القاسم ، عن خالد الجوان ، قال : كنت والمفضل بن عمر وناس من اصحابنا بالمدينة ، وقد تكلمنا في الربوبية ، قال : فقلنا مرّوا الى باب أبي عبد الله حتى نسأله ، قال : فقمنا بالباب ، قال : فخرج الينا وهو يقول : بل عباد مكرمون لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون.

قال الكشي : اسحاق وعبد الله وخالد من أهل الارتفاع ، رجال الكشي ج ٢ ص ٦٨ الحديث ٥٩١ ، وقد جعل السيد الاستاذ قدس‌سره هذه الرواية لا مادحة ولا ذامة ، ولكن لا ندري كيف لا تكون مادحة إذا كان المراد تطبيق الآية الشريفة على المفضل وزملائه ، نعم إذا كان في المنام قرينة على أن كلامهم في الربوبية يشتمل على نسبتها الى الائمة (ع) ، فتخرج عن كونها مادحة الى انها واردة في مقام بيان حالهم (ع) وأنهم عباد لله.

(١) مستدرك الوسائل ج ٣ ص ٥٦٥ الطبع القديم.

(٢) رجال النجاشي ج ٢ ص ٣٥٩ الطبعة الاولى المحققة.

(٣) مجمع الرجال ج ٦ ص ١٣١ مؤسسة اسماعيليان.

٥٨٣

الثالث : ما ذكره الكشّي من أنّه سأل أبا النضر محمد بن مسعود عن جماعة منهم إسحاق بن محمد البصري فقال ... وأمّا أبو يعقوب إسحاق بن محمد البصري ، فإنّه كان غاليا وصرت إليه إلى بغداد لأكتب عنه ، وسألته كتابا أنسخه؟ فأخرج إليّ أحاديث المفضّل بن عمر في التفويض فلم أرغب فيه (١).

وفيه إشعار بترك رواية المفضّل بن عمر.

الرابع : ما أورده الكشّي من الروايات الذامّة وهي تسع روايات ، وبعضها معتبر ، منها : ما رواه عن جبرئيل بن أحمد ، قال : حدّثني محمد بن عيسى ، عن يونس ، عن حمّاد بن عثمان ، قال : سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول للمفضّل بن عمر الجعفي : يا كافر ، يا مشرك ، مالك ولا بني ـ يعني إسماعيل بن جعفر ـ وكان منقطعا إليه يقول فيه مع الخطابية ، ثم رجع بعد (٢).

ومنها : ما رواه عن حمدويه بن نصير ، قال : حدّثني يعقوب بن يزيد ، عن ابن أبي عمير ، عن هشام بن الحكم وحمّاد بن عثمان ، عن إسماعيل بن جابر ، قال : قال أبو عبد الله : ائت المفضّل وقل له : يا كافر ، يا مشرك ، ما تريد إلى ابني؟ تريد أن تقتله (٣)؟

ومنها : ما رواه عن الحسين بن الحسين بن بندار القمّي (٤) ، قال : حدّثني سعد بن عبد الله بن أبي خلف القمّي ، قال : حدّثني محمد بن الحسين بن أبي الخطّاب والحسن بن موسى ، عن صفوان بن يحيى ، عن عبد الله بن مسكان ،

__________________

(١) رجال الكشي ج ٢ ص ٨١٣ مؤسسة آل البيت (ع).

(٢) ن. ص ص ٦١٢.

(٣) معجم رجال الحديث چ ١٩ ص ٣٢٣ الطبعة الخامسة.

(٤) ورد في المعجم الحسين بن علي بندار القمي لاحظ معجم رجال الحديث ج ١٩ ص ٣٢٣ الطبعة الخامسة.

٥٨٤

قال : دخل حجر بن زائدة وعامر بن جذاعة الأزدي على أبي عبد الله عليه‌السلام فقالا له : جعلنا فداك ، إنّ المفضّل بن عمر يقول : إنكم تقدرون أرزاق العباد. فقال : والله ما يقدر أرزاقنا إلّا الله ، ولقد احتجت إلى طعام لعيالي فضاق صدري ، وأبلغت إلى الفكرة في ذلك حتى أحرزت قوتهم فعندها طابت نفسي ، لعنه الله وبرىء منه ، قالا : أفتلعنه وتتبرّأ منه؟ قال : نعم ، فالعناه وابرءا منه ، برىء الله ورسوله منه (١).

ومنها : ما رواه عن حمدويه وإبراهيم ابني نصير ، قالا : حدّثنا محمد بن عيسى ، عن علي بن الحكم ، عن المفضّل بن عمر انّه كان يشير انّكما لمن المرسلين.

قال الكشّي : وذكرت الطيارة الغالية في بعض كتبها عن المفضّل انّه قال : لقد قتل مع أبي إسماعيل يعني أبا الخطّاب سبعون نبيّا كلّهم رأى وهلل بنباوته ، (وهلك نبيّنا فيه) وإنّ المفضّل قال : أدخلنا على أبي عبد الله عليه‌السلام ونحن اثنى عشر رجلا ، قال : فجعل أبو عبد الله عليه‌السلام : يسلم على رجل رجل منّا ويسمّي كلّ رجل منّا بإسم نبي ، وقال لبعضنا : السلام عليك يا نوح ، وقال لبعضنا : السلام عليك يا إبراهيم ، وكان آخر من سلّم عليه وقال : السلام عليك يا يونس ، ثم قال : لا تخاير بين الأنبياء.

قال أبو عمرو الكشّي : قال يحيى بن عبد الحميد الحماني في كتابه ـ المؤلّف في إثبات إمامة أمير المؤمنين عليه‌السلام قلت لشريك : إنّ اقواما يزعمون أنّ جعفر بن محمد ، ضعيف في الحديث ، فقال : أخبرك القصّة.

كان جعفر بن محمد رجلا صالحا ، مسلما ، ورعا ، فاكتنفه قوم جهّال ، يدخلون عليه ويخرجون من عنده ويقولون : حدّثنا جعفر بن محمد ويحدّثون بأحاديث كلّها منكرات موضوعة على جعفر ، يستأكلون الناس بذلك ،

__________________

(١) رجال الكشي ج ٢ ص ٦١٤ مؤسسة آل البيت (ع).

٥٨٥

ويأخذون منهم الدراهم ، فكانوا يأتون من ذلك بكلّ منكر ، فسمعت العوامّ بذلك منهم ، فمنهم من هلك ، ومنهم من أنكر ، وهؤلاء مثل المفضّل بن عمر ، وبنان وعمرو النبطي وغيرهم ، ذكروا انّ جعفرا حدّثهم أنّ معرفة الامام تكفي من الصوم والصلاة ، وحدّثهم عن أبيه ، عن جدّه وأنّه حدّثهم قبل يوم القيامة ، وإنّ عليّا عليه‌السلام في السحاب يطير مع الريح ، وأنّه كان يتكلّم بعد الموت ، وأنّه كان يتحرّك على المغتسل ، وانّ إله السماء ، وإله الأرض الامام ، فجعلوا لله شريكا ، جهّال ، ضلّال ، والله ما قال جعفر شيئا من هذا قطّ ، كان جعفر أتقى لله وأورع من ذلك ، فسمع الناس ذلك فضعّفوه ، ولو رأيت جعفرا لعلمت انّه واحد الناس (١).

ومنها : ما رواه عن حمدويه ، قال : حدّثني محمد بن عيسى ، عن ابن أبي عمير ، عن حمّاد بن عثمان ، عن إسماعيل بن عامر ، قال : دخلت على أبي عبد الله عليه‌السلام فوصفت له الأئمّة حين انتهيت إليه قلت : وإسماعيل من بعدك؟

فقال : أمّا ذا فلا. قال حمّاد فقلت لإسماعيل وما دعاك إلى أن تقول وإسماعيل من بعدك؟

قال : أمرني المفضّل بن عمر (٢).

وهذه الروايات الذامّة ضعيفة السند إلّا روايتان أو ثلاث.

ثمّ انّ السيّد الاستاذ ذهب إلى انّ ما صحّ من الروايات الذامّة لا بدّ من ردّ علمها إلى أهلها ، فإنّها لا تعارض الروايات المادحة لكثرتها وتضافرها واشتمالها على ما هو الصحيح سندا ، بحيث لا يبعد دعوى العلم بصدورها عن المعصومين عليهم‌السلام إجمالا (٣).

__________________

(١) رجال الكشي ج ٢ ص ٦١٥ مؤسسة آل البيت (ع).

(٢) ن. ص ص ٦١٨.

(٣) معجم رجال الحديث ج ١٩ ص ٣٢٩ الطبعة الخامسة.

٥٨٦

هذا من جهة الروايات.

وأمّا تضعيف ابن الغضائري فلا اعتبار به لأنّه ممّن يبادر إلى التضعيف ، مضافا إلى عدم ثبوت نسبة كتابه إليه.

وامّا تضعيف النجاشي ، فهو راجع إلى مذهب المفضّل وعقيدته ، ولعلّ نسبة فساد المذهب إليه لاتّهامه بالغلو ولهذا قال : وقيل إنّه خطابي ، وذكر الكشّي كما في الرواية الاولى من روايات الذمّ ثمّ رجع بعد.

وهكذا بالنسبة إلى اضطرابه في الرواية.

ثمّ إنّ تضعيف النجاشي يعارضه توثيق الشيخ المفيد وعدّه من الفقهاء الصالحين ومن خاصّة أبي عبد الله عليه‌السلام وبطانته كما تقدّم ، وكلامه مقدّم على كلام النجاشي ، لاعتضاده بالروايات الكثيرة المادحة.

والحاصل : انّ تضعيف النجاشي إمّا انّ يكون مرجوحا أو يحمل على انّه من جهة الغلو لا مطلقا ، وحينئذ تكون الوجوه المادحة سليمة عن المعارضة فيحكم بوثاقة المفضّل بن عمر ، ولكن ما ذكره السيّد الاستاذ قدس‌سره بالنسبة إلى الروايات محلّ تامّل وذلك لأنّ عدد الروايات المادحة وإن كان كثيرا ، وقد يبلغ إلى ستّة وعشرين رواية ، إلّا أنّها كلّها ضعيفة والصحيح منها على مبنى السيّد الاستاذ قدس‌سره رواية واحدة ، وهي رواية الكليني ، عن محمد بن يحيى ، عن علي بن الحكم ، عن يونس بن يعقوب الواردة في تعزية الامام عليه‌السلام للمفضّل في وفاة إسماعيل بن الامام عليه‌السلام ودلالتها على الوثاقة محلّ نظر ، نعم فيها إشعار بالمنزلة والمكانة وشدّة العلاقة بين الامام عليه‌السلام وبين المفضّل.

وأمّا بقيّة الروايات فعلى مبناه عليه‌السلام ضعيفة ، ففي بعضها محمد بن سنان ، وهو يرى ضعفه ، وفي بعضها إرسال من ابن أبي عمير وهو لا يرى صحّة مراسيله ، كما أنّ في بعضها لم يرد التوثيق في رواتها.

٥٨٧

وأمّا على ما نذهب إليه فعدد الروايات المعتبرة يبلغ ثلاث روايات فما إفاده السيّد الاستاذ رحمه‌الله من دعوى العلم بالصدور إجمالا وضرورة رد علم الروايات الذامّة إلى أهلها ، وحملها على ما حملت عليه الروايات الذامّة لزرارة ومحمد بن مسلم (١) ، محلّ إشكال ، وذلك لأنّ الروايات الذامّة وإن كان عددها تسعا ، إلّا انّها تشتمل على الصحيح سندا فيقع التعارض قطعا بين الروايات.

فعلى مبناه رحمه‌الله يكون الجمع بما ذكره ـ بضميمة تضعيف النجاشي ـ مشكلا جدّا.

والذي نذهب إليه أنّ الأصحّ في الجمع بين الطائفتين من الروايات هو أنّ التضعيف إنّما كان من جهة نسبته إلى الغلو وهو لا يوجب تضعيفه من جهة الحديث والرواية ، فما ورد من التضعيفات والروايات الذامّة يرجع إلى مذهبه وما ورد من التوثيقات والروايات المادحة يرجع إلى وثاقته وصحّة حديثه ، نعم قد يقع التعارض بالنسبة إلى مذهبه ، ولا يعنينا أمر تحقيقه وإن كنّا نرجح انّه رجع إلى الاستقامة كما هو الحال في محمد بن سنان ، ولكن لا يضرّ بالمقام والحاصل انّ المفضّل بن عمر ثقة في حديثه ولا إشكال فيه والله العالم.

__________________

(١) معجم رجال الحديث ج ١٩ ص ٣٢٩ الطبعة الخامسة.

٥٨٨

الثالث عشر

المعلّى بن خنيس

وقد اختلفت الأقوال فيه ، فذهب الأكثر إلى وثاقته ، ومنهم الشيخ (١) ، ومن المتأخرين ، ابن طاووس (٢) والوحيد البهبهاني (٣) والمحقّق الكاظمي (٤) والسيّد الأستاذ رحمهم‌الله (٥).

وذهب بعضهم إلى ضعفه ، ومنهم النجاشي (٦) ، وابن الغضائري (٧) ، وظاهر المحقّق في المعتبر (٨) ، وتوقّف فيه العلّامة (٩).

وقد ورد في الكتب الأربعة بعنوان المعلّى خنيس في ثمانين موردا (١٠) غير ما ورد بعنوان المعلّى فقط.

واستدلّ للقول بوثاقته بأمور :

الأوّل : ما ذكره الشيخ في الغيبة ، وقال : وكان من قوّام أبي عبد الله عليه‌السلام

__________________

(١) كتاب الغيبة ص ٢١٠ الطبعة الثانية.

(٢) تنقيح المقال ج ٣ ص ٢٣٠ الطبع القديم.

(٣) ن. ص ص ٢٣٠.

(٤) ن. ص ص ٢٣٢.

(٥) معجم رجال الحديث ج ١٩ ص ٢٦٨ الطبعة الخامسة.

(٦) رجال النجاشي ج ٢ ص ٣٦٣ الطبعة الاولى المحققة.

(٧) مجمع الرجال ج ٦ ص ١١٠ مؤسسة اسماعيليان.

(٨) تنقيح المقال ج ٣ ص ٢٣٢ الطبع القديم.

(٩) رجال العلامة ص ٢٥٩ الطبعة الثانية.

(١٠) معجم رجال الحديث ج ١٩ ص ٢٥٧ الطبعة الخامسة.

٥٨٩

وإنّما قتله داود بن علي بسببه ، وكان محمودا عنده ، ومضى على منهاجه ، وأمره مشهور (١) ، وأورد في حقّه روايات مادحة ـ وستأتي ـ.

ويؤيّده ما ذكره ابن طاووس : أنّ المعلّى من أجّلاء وكلاء الامام الصادق عليه‌السلام.

الثاني : وقوعه في اسناد تفسير علي بن إبراهيم (٢) ، ولا سيما في القسم الأوّل في موارد متعدّدة.

الثالث : رواية الأجلاء عنه ، مثل : حمّاد بن عثمان ، وعبد الله بن مسكان ، وجميل بن درّاج ، وهشام بن سالم ، وسيف بن عميرة ، وغيرهم ، ومنهم (٣) : ابن أبي عمير في مورد واحد من الكتب الأربعة (٤).

الرابع : عدم استثناء ابن الوليد له من كتاب نوادر الحكمة.

الخامس : ما ورد في حقّه من الروايات المادحة ، ومجموعها خمسة عشر رواية ، وفيها الصحيح ، ومنها :

ما أورده الشيخ في الغيبة عن أبي بصير ، قال : لما قتل داود بن علي المعلّى بن خنيس فصلبه ، عظم ذلك على أبي عبد الله عليه‌السلام واشتدّ عليه ، وقال له : يا داود ، على ما قتلت مولاي وقيّمي في مالي وعلى عمالي؟ والله إنّه لا وجه عند الله منك ـ في حديث طويل ـ وفي خبر آخر انّه قال : أما والله لقد دخل الجنّة (٥).

ومنها : ما رواه الكليني ، عن محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن

__________________

(١) كتاب الغيبة ص ٢١٠ الطبعة الثانية.

(٢) تفسير القمي ج ١ ص ٢٥٠ الطبعة الاولى المحققة.

(٣) معجم رجال الحديث ج ١٩ ص ٤٥٧ الطبعة الخامسة.

(٤) مستدرك الوسائل ج ٣ ص ٦٨١ الطبع القديم.

(٥) كتاب الغيبة ص ٢١٠ الطبعة الثانية.

٥٩٠

ابن أبي نجران ، عن حمّاد بن عثمان ، عن المسمعي ، قال : لمّا قتل داود بن علي المعلّى بن خنيس ، قال أبو عبد الله عليه‌السلام لأدعونّ الله على من قتل مولاي ، وأخذ مالي ، فقال له داود : إنّك لتهدّدني بدعائك.

قال حمّاد : قال المسمعي : وحدّثني معتب أنّ أبا عبد الله عليه‌السلام لم يزل ليلته راكعا وساجدا ، فلمّا كان السحر سمعته يقول وهو ساجد ، اللهمّ إنّي أسألك بقوّتك القويّة ، وبجلالك الشديد الذي كل خلقك له ذليل أن تصلي على محمد وأهل بيته وأن تأخذه الساعة الساعة ، فما رفع رأسه حتى سمعنا الصيحة في دار داود بن علي ، فرفع أبو عبد الله عليه‌السلام رأسه وقال : إنّي دعوت الله بدعوة بعث الله عزوجل عليه ملكا فضرب رأسه بمرزبة من حديد انشقّت منها مثانته فمات (١).

وروى أيضا عن علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن عمير ، عن حمّاد بن عثمان ، عن الوليد بن الصبيح ، قال : جاء رجل إلى أبي عبد الله عليه‌السلام يدّعي على المعلّى بن خنيس دينا عليه ، فقال : ذهب بحقي.

فقال له أبو عبد الله عليه‌السلام : ذهب بحقّك الذي قتله ، ثم قال للوليد : قم إلى الرجل فأقضه من حقّه ، فإنّي أريد أن أبرد عليه جلده الذي كان باردا (٢).

وروى أيضا عن علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن الوليد بن صبيح ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام أنّه قال : دخلت عليه يوما وألقى إليّ ثيابا وقال : يا وليد ، ردّها على مطاويها ، فقمت بين يديه ، فقال أبو عبد الله عليه‌السلام : رحم الله المعلّى بن خنيس ، فظننت أنّه شبه قيامي بين يديه قيام المعلّى بين يديه ، ثم قال : أفّ للدنيا ، أفّ للدنيا ، إنّما الدنيا دار بلاء ، يسلّط الله فيها عدوّه على وليّه وإن

__________________

(١) اصول الكافي ج ٢ باب الدعاء على العدو الحديث ٥ ص ٥١٣ مطبعة الحيدري.

(٢) فروع الكافي ج ٣ باب الدين الحديث ٨ ص ٨٨ دار التعارف للمطبوعات.

٥٩١

بعدها دارا ليست هكذا. فقلت : جعلت فداك ، وأين تلك الدار؟ فقال : هاهنا ـ وأشار بيده إلى الأرض (١) ـ.

ومنها : ما أورده في بصائر الدرجات روى عن أحمد بن الحسين ، عن أبيه ، عن محمد بن سنان ، عن حمّاد بن عثمان ، عن المعلّى بن خنيس ، قال : كنت عند أبي عبد الله عليه‌السلام في بعض حوائجي ، قال : فقال لي : مالي أراك كئيبا حزينا؟

قال : فقلت : ما بلغني عن العراق عن هذا الوباء اذكر عيالي. قال : فاصرف وجهك ، فصرفت وجهي. قال : ثم قال : ادخل دارك. قال : فدخلت ، فإذا أنا لا أفقد من عيالي صغيرا ولا كبيرا إلّا وهو في داري بما فيها. ثم قال : خرجت فقال لي : اصرف وجهك فصرفته فنظرت فلم أر شيئا (٢).

ومنها : ما رواه الكشّي ، عن حمدويه بن نصير ، قال : حدّثني العبيدي ، عن ابن أبي عمير ، عن عبد الرحمن بن الحجاج ، قال : حدّثني إسماعيل بن جابر ، قال : كنت عند أبي عبد الله عليه‌السلام مجاورا بمكّة فقال لي : يا إسماعيل أخرج حتى تأتي مرّا أو عسفان فتسأل هل حدث بالمدينة حدث؟ قال : فخرجت حتى أتيت مرّا فلم ألق أحدا ، ثم مضيت حتى أتيت عسفان ، فلم يلقني أحد ، فارتحلت من عسفان ، فلمّا خرجت منها لقيني عير تحمل زيتا من عسفان ، فقلت لهم : هل حدث بالمدينة حدث؟ قالوا : لا إلّا قتل هذا العراقي الذي يقال له المعلّى بن خنيس. قال : فانصرفت إلى أبي عبد الله عليه‌السلام ، فلمّا رآني قال لي : يا إسماعيل ، قتل المعلّى بن خنيس؟ فقلت : نعم. قال : فقال أما والله لقد دخل الجنّة (٣).

وروى عن حمدويه : قال حدثنا محمد بن عيسى ومحمد بن مسعود ،

__________________

(١) روضة الكافي الحديث ٤٦٩ ص ٣٠٤ الطبعة الثانية.

(٢) معجم رجال الحديث ج ١٩ ص ٢٦٤ الطبعة الخامسة.

(٣) رجال الكشي ج ٢ ص ٦٧٤ مؤسسة آل البيت (ع).

٥٩٢

قال : حدّثنا جبرئيل بن أحمد ، قال : حدّثنا محمد بن عيسى ، عن إبراهيم بن عبد الحميد ، عن الوليد بن صبيح ، قال : قال داود بن علي لأبي عبد الله عليه‌السلام : ما أنا قتلته ـ يعني معلّى ـ قال : فمن قتله؟ قال : السيرافي وكان صاحب شرطته قال : أقدنا منه.

قال : قد أقدتك ، قال : فلمّا أخذ السيرافي وقدم ليقتل ، جعل يقول : يا معشر المسلمين ، يأمروني بقتل الناس فأقتلهم لهم ، ثم يقتلوني ، فقتل السيرافي (١) ، هذا ما يهمنا مما ورد في حقه من الروايات واما بقية الروايات وهي ست روايات أخرى أوردها الكشي في رجاله خمس منها راجعة الى قتله ، ودعاء الامام عليهم‌السلام له وعلى قاتله ، نظير ما تقدم. نعم ذكر في واحدة منها : أن سبب قتله هو كتمانه لأسماء أصحاب أبي عبد الله عليه‌السلام ، وعدم افشائه ، واما الرواية السادسة فهي في فعل المعلى يوم العيد ، حيث يخرج الى الصحراء شعثا مغبرّا في زي ملهوف فإذا صعد الخطيب المنبر ، مد يده نحو السماء ثم قال : اللهم هذا مقام خلفائك واصفيائك ، وموضع أمنائك الذين خصصتهم بها ، ابتزوها ، وأنت المقدر للاشياء لا يغلب قضاؤك ... الى آخر دعائه (٢).

وقد ذكر المحدّث النوري روايات اخرى تدلّ على جلالة قدره ومنزلته (٣).

وأمّا ما استدلّ به على ضعفه فامور :

الأوّل : ما ذكره النجاشي ، قال : كوفي ، بزّاز ، ضعيف جدا ، لا يعوّل عليه (٤).

الثاني : ما ذكره ابن الغضائري قال : كان أوّل أمره مغيريا ، ثم دعا إلى محمد ابن عبد الله ، وفي الظنّة أخذه داود بن علي فقتله ... ولا أرى الاعتماد على شيء

__________________

(١) رجال الكشي ج ٢ ص ٦٧٧ مؤسسة آل البيت (ع).

(٢) ن. ص ص ٦٧٩.

(٣) مستدرك الوسائل ج ٣ ص ٦٨٢ الطبع القديم.

(٤) رجال النجاشي ج ٢ ص ٣٦٣ الطبعة الاولى المحققة.

٥٩٣

من حديثه (١).

الثالث : ما ورد في حقّه من الروايات الذامّة ، وهي خمس روايات وفيها الصحيح ، وهي على ثلاث طوائف :

الاولى : انّه أذاع أسرار الأئمّة عليهم‌السلام وأفشى أخبارهم فأصابه ما أصابه.

روى الكشّي عن إبراهيم بن محمد بن العبّاس الختلي ، قال : حدّثني أحمد بن إدريس القمّي المعلّم ، قال : حدّثني محمد بن أحمد بن يحيى ، عن محمد بن الحسين ، عن موسى بن سعدان ، عن عبد الله بن القاسم ، عن حفص الأبيض التمّار ، قال : دخلت على أبي عبد الله عليه‌السلام أيّام صلب المعلّى بن خنيس رحمه‌الله فقال لي : يا حفص ، انّي أمرت المعلّى فخالفني فابتلى بالحديد ، إنّي نظرت إليه يوما وهو كئيب حزين فقلت : يا معلّى ، كأنّك ذكرت أهلك وعيالك ، قال : أجل. قلت : ادن منّي ، فدنا منّي ، فمسحت وجهه ، فقلت : اين تراك؟

فقال : أراني في أهل بيتي ، وهذه زوجتي ، وهذا ولدي.

قال : فتركته حتى تملّا منهم ، واستترت منهم حتى نال ما ينال الرجل من أهله ، ثم قلت : ادن منّي ، فدنا مني ، فمسحت وجهه ، فقلت : أين تراك؟

فقال : أراني معك في المدينة.

قال : قلت : يا معلّي ، إنّ لنا حديثا من حفظه علينا حفظ الله عليه دينه ودنياه. يا معلّى ، لا تكونوا أسراء في أيدي الناس بحديثنا ، إن شاؤا منّوا عليكم ، وإن شاؤا قتلوكم. يا معلّى ، إنّه من كتم الصعب من حديثنا جعل الله له نورا بين عينيه وزوّده القوّة في الناس ، ومن أذاع الصعب من حديثنا لم يمت حتى يعضه السلاح أو يموت بخبل. يا معلّى ، أنت مقتول فاستعدّ (٢).

__________________

(١) مجمع الرجال ج ٦ ص ١١٠ مؤسسة اسماعيليان.

(٢) رجال الكشي ج ٢ ص ٦٧٧ مؤسسة آل البيت (ع).

٥٩٤

وروى الشيخ النعماني في غيبته في ذيل هذه الرواية باسناده عن حفص ، وفيها ان لنا حديثا من حفظه علينا حفظه الله ، وحفظ عليه دينه ودنياه ، ومن أذاعه علينا سلبه الله دينه ودنياه الحديث. (١)

وروى عن أبي علي أحمد بن علي السلولي المعروف بشقران ، قال : حدّثنا الحسين بن عبيد الله القمّي ، عن محمد بن أورمه ، عن يعقوب بن يزيد ، عن سيف بن عميرة ، عن المفضّل بن عمر الجعفي ، قال : دخلت على أبي عبد الله عليه‌السلام يوم صلب فيه المعلّى ، فقلت له : يا ابن رسول الله ، ألا ترى هذا الخطب الجليل الذي نزل بالشيعة في هذا اليوم؟ قال : وما هو؟ قلت : قتل المعلّى بن خنيس. قال : رحم الله معلّى ، قد كنت أتوقع ذلك ، لأنّه أذاع سرّنا ، وليس الناصب لنا حربا بأعظم مؤنة علينا من المذيع علينا سرّنا ، فمن أذاع سرّنا إلى غير أهله لم يفارق الدنيا حتى يعضه السلاح أو يموت بخبل (٢).

الثانية : قوله إنّ الأئمّة عليهم‌السلام أنبياء.

روى الكشّي عن محمد بن الحسن البراثي وعثمان ، قالا : حدّثنا محمد بن يزداد ، عن محمد بن الحسين ، عن الحجّال ، عن أبي مالك الحضرمي ، عن أبي العبّاس البقباق ، قال : تدارأ ابن أبي يعفور ومعلّى بن خنيس ، فقال ابن أبي يعفور الأوصياء علماء ، أبرار ، أتقياء. وقال ابن خنيس : الأوصياء أنبياء. قال : فدخلا على أبي عبد الله عليه‌السلام ، فلمّا استقرّ مجلسهما قال : فبدأهما أبو عبد الله عليه‌السلام فقال : يا عبد الله ، أبرأ ممّن قال إنّا أنبياء (٣) :

الثالثة : استحلاله لذبائح اليهود وأكله منها.

__________________

(١) الغيبة باب ١ ما روى في صون سر آل محمد (ع) الحديث ٨.

(٢) ن. ص ص ٦٧٨.

(٣) رجال الكشي ج ٢ ص ٥١٥ مؤسسة آل البيت (ع).

٥٩٥

روى الكشّي عن حمدويه بن نصير ، قال : حدّثني محمد بن عيسى ، ومحمد بن مسعود ، قال : حدثنا محمد بن نصير ، قال : حدّثنا محمد بن عيسى ، عن سعيد بن جناح ، عن عدّة من أصحابنا ، وقال العبيدي : حدّثني به أيضا عن ابن أبي عمير ، أن ابن يعفور ومعلّى بن خنيس ، كانا بالنيل على عهد أبي عبد الله عليه‌السلام ، فاختلفا في ذبائح اليهود ، فأكل معلّى ولم يأكل ابن أبي يعفور ، فلمّا صارا إلى أبي عبد الله عليه‌السلام أخبره فرضي بفعل ابن أبي يعفور وخطأ المعلّى في أكله إيّاه (١).

والروايتان الأخيرتان صحيحتان.

والتحقيق في المقام ان يقال إنّ جميع ما استدلّ به على ضعفه قابل للمناقشة.

أمّا من جهة الروايات فلا دلالة فيها على الضعف ، ولا إشعار فيها بالانحراف ، فروايتا الطائفة الاولى مضافا إلى ضعف سندهما ، اشتملت الثانية منهما على ترحّم الامام عليه‌السلام على المعلّى بن خنيس ، نعم ورد في بعضها : ومن أذاعه علينا سلبه الله (٢) ، إلّا انّه يمكن أن تحمل على عدم التوفيق والمخالفة في مقام العمل ، لا في الاعتقاد ، فلا دلالة فيها على فساد المذهب ، ولا على عدم الصدق في الرواية.

والذي يسهل الخطب انّ الرواية مخدوشة من جهة السند فلا اعتبار بها.

ورواية الطائفة الثانية لا دلالة فيها على الانحراف ، أو عدم الوثاقة ، مضافا إلى أنّ المعلّى قد رجع عن هذا القول بعد سماعه قول الامام عليه‌السلام ، ويحتمل أيضا حمل هذه الطائفة على الطائفة الاولى بمعنى أنّ هذا من إذاعة السرّ فإنّه قد ورد في الروايات انّ الأئمّة عليهم‌السلام محدّثون (٣) ولم ترد رواية صحيحة انّهم أنبياء ...

__________________

(١) ن. ص ص ٥١٧.

(٢) ن. ص ص ٥١٧.

(٣) أصول الكافي ج ١ كتاب الحجة باب أن الائمة (ع) محدثون مفهمون ص ٢٧٠ مطبعة ـ

٥٩٦

فإنّه لا نبي بعدي.

وأمّا الطائفة الثالثة فقد ورد في بعض الروايات عكس ذلك ، وانّ الذي تناول من ذبائح اليهود هو ابن أبي يعفور ، لا المعلّى بن خنيس ، وأنّ الامام استحسن فعل المعلّى ، لا فعل ابن أبي يعفور كما ذكر ذلك الشيخ المفيد في رسالة الذبائح (١) والسيّد المرتضى في الطرابلسيات (٢).

وعلى فرض ثبوت النسبة إلى المعلّى فلا يضرّ بالمقام ، كما لا دلالة فيه على الانحراف وعدم الوثاقة.

والحاصل انّ الروايات القادحة لا تعارض الروايات المادحة.

وأمّا تضعيف النجاشي فهو من جهة نسبته إلى الغلو ، كما يظهر ذلك صريحا في كلام ابن الغضائري ، وان المعلّى كان أوّل أمره مغيريا وهذا أمر لم يصل إلينا ولم يثبت عندنا.

والذي يظهر من الروايات المادحة أنّه لم يكن منحرفا في عقيدته ولم يكن مغيريا ، أو أنّه كان يدعو إلى محمد بن عبد الله ، وأخذ على هذه الظنّة بل إنّما أخذ وقتل لأنّه كان على منهاج الصادق عليه‌السلام كما صرّح الشيخ بذلك ، وقد شهد له الامام بالجنّة ودعى على قاتله وهذا يدل على جلالته وعظم مكانته ومقامه عنده عليه‌السلام.

والحاصل انّ المعلّى بن خنيس ثقة ، صدوق ، وانحرافه غير ثابت ، فهو من الأجلاء الثقاة.

__________________

الحيدري.

(١) مستدرك الوسائل ج ٣ ص ٦٨٢ الطبع القديم.

(٢) ن. ص ص ٦٨٢.

٥٩٧

الرابع عشر

محمد بن إسماعيل

وهو شيخ الكليني الواقع واسطة بينه وبين الفضل بن شاذان (١).

وورد في الكافي أكثر من ألف رواية عن محمد بن إسماعيل إلّا أنّ مقدار ما يرويه الكليني عن محمد بن إسماعيل عن الفضل بن شاذان ، يبلغ خمسماءة رواية (٢) تقريبا ، وما يرويه عن محمد بن إسماعيل عن غير الفضل يبلغ اربعماءة وثمان وسبعين (٣) رواية ، كما أنّه روى عن الفضل بن شاذان ، بغير واسطة محمد بن إسماعيل بمقدار ستة عشر رواية.

ثم إنّ محمد بن إسماعيل في الروايات مشترك بين أكثر من ثلاثة عشر شخصا (٤) إلّا أنّ مورد البحث بملاحظة الطبقة ـ ثلاثة أشخاص وفيهم الثقة وغيره ، فلا بدّ من تمييز شيخ الكليني من بينهم ، وتترتّب على هذا البحث فوائد جمّة ، ويقع الكلام في أمور ثلاثة :

الأوّل : تمييزه عمّن يشترك معه في الاسم.

الثاني : بيان وثاقته وعدمها.

الثالث : رواياته والتعامل معها ، ولا سيما انّ له في الكافي روايات كثيرة.

أمّا عن الأمر الأوّل ، ففيه أربعة أقوال :

__________________

(١) تنقيح المقال ج ٣ الفائدة السابعة من خاتمة الكتاب ص ٩٥ الطبع القديم.

(٢) معجم رجال الحديث ج ١٦ ص ٩٠ الطبعة الخامسة.

(٣) ن. ص ص ٩٠.

(٤) تنقيح المقال ج ٣ الفائدة السابعة من خاتمة الكتاب ص ٩٥ الطبع القديم.

٥٩٨

أ ـ ما ذهب إليه صاحب المنتقى ـ ابن الشهيد الثاني (١) ـ وصاحب مجمع الرجال (٢) ، وهو الظاهر من صاحب الوافي (٣) ، وكثير من الفقهاء ، ومنهم السيّد الاستاذ قدس‌سره (٤) انّه محمد بن إسماعيل النيسابوري البندقي.

ب ـ ما ذهب إليه الشيخ البهائي (٥) ، والفاضل الاردبيلي (٦) ، في جامع الرواة ، أنّه محمد بن إسماعيل البرمكي المعروف بصاحب الصومعة.

ج ـ ما ذهب إليه المحقّق الأردبيلي (٧) ، وهو الظاهر من ابن داود (٨) ، انّه محمد بن إسماعيل بن بزيع.

د ـ التوقف ، وهو ظاهر المحقّق السبزواري في الذخيرة (٩).

والصحيح من هذه الأقوال هو الأوّل ، وذلك لوجهين :

الأوّل : من حيث الطبقة فإنّ النيسابوري البندقي هو الذي يروي عن الفضل بن شاذان ، وأمّا البرمكي ، وابن بزيع ، فلا يمكن أن يرويا عنه.

ويؤيّده أوّلا انّ الكشّي يروي عن محمد بن إسماعيل ، عن الفضل بن شاذان في غير مورد ، منها في ترجمة سلمان الفارسي (١٠) ، ومنها في ترجمة أبي

__________________

(١) منتقى الجمان ج ١ الفائدة الثانية ص ٤٣ الطبعة الاولى جامعة المدرسين ١٣٦٢ ه‍ ش.

(٢) مجمع الرجال ج ٥ ص ١٥٤ مؤسسة اسماعيليان.

(٣) تنقيح المقال ج ٣ الفائدة السابعة من خاتمة الكتاب ص ٩٥ الطبع القديم.

(٤) معجم رجال الحديث ج ١٦ ص الطبعة الخامسة.

(٥) تنقيح المقال ج ٣ الفائدة السابعة من خاتمة الكتاب ص ٩٥ الطبع القديم.

(٦) ن. ص ص ٩٥.

(٧) تنقيح المقال ج ٣ الفائدة السابعة من خاتمة الكتاب ص ٩٥.

(٨) رجال ابن داود ص ٥٥٥ طبع جامعة طهران.

(٩) تنقيح المقال ج ٣ الفائدة السابعة من خاتمة الكتاب ص ٩٨.

(١٠) رجال الكشي ج ١ ص ٣٨ مؤسسة آل البيت (ع).

٥٩٩

حمزة الثمالي (١) ، ومنها في ترجمة أبي يحيى الجرجاني (٢) ، وهو في الموردين الأوّلين وإن اكتفى بإطلاق محمد بن إسماعيل إلّا انّه في المورد الثالث قيّده بنيسابور ، وأصرح من ذلك ما سيأتي من عبارة الكشي في ترجمة الفضل ابن شاذان ، فيعلم أنّ المراد في الموارد الثلاثة شخص واحد ، مضافا إلى أنّ الكليني والكشّي في طبقة واحدة.

وثانيا : انّ الكليني يروي عن علي بن محمد بن قتيبة ، وهو معدود من تلاميذ الفضل بن شاذان ، فيكون محمد بن إسماعيل النيسابوري ، وعلي بن محمد بن قتيبة ، في طبقة واحدة ، فقد قال الكشّي في ترجمة الفضل بن شاذان : وذكر أبو الحسن محمد بن إسماعيل البندقي النيسابوري : أنّ الفضل بن شاذان ابن الخليل نفاه عبد الله بن طاهر عن نيسابور (٣).

الوجه الثاني : من البعيد جدّا أن يروي الكليني ـ من حيث الطبقة أيضا ـ عن البرمكي ، وابن بزيع ، وذلك لأنّ الكليني يروي عن محمد بن إسماعيل بن بزيع بواسطتين ، أو ثلاث ، لأنّ الذي يروي عن ابن بزيع هو أحمد بن محمد بن عيسى ، والكليني (٤) يروي عن أحمد بن محمد بواسطة فيكون بين الكليني وبين ابن بزيع واسطتان (٥).

ويظهر هذا من الرجوع إلى ترجمة محمد بن إسماعيل بن بزيع وإلى

__________________

(١) رجال الكشي ج ٢ ص ٤٥٨ مؤسسة آل البيت (ع).

(٢) ن. ص ص ٨١٤.

(٣) ن. ص ص ٨١٨.

(٤) اصول الكافي ج ٢ باب اخوة المؤمنين بعضهم لبعض الحديث ٨ ص ١٦٧ مطبعة الحيدري ـ طهران ـ.

(٥) معجم رجال الحديث ج ١٦ ص ١٠٦ الطبعة الخامسة ، ومنتقى الجمان ج ١ الفائدة الثانية عشر ص ٤٣ الطبعة الاولى.

٦٠٠