أصول علم الرجال بين النظريّة والتطبيق

محمد علي صالح المعلّم

أصول علم الرجال بين النظريّة والتطبيق

المؤلف:

محمد علي صالح المعلّم


المحقق: محمد علي صالح المعلّم
الموضوع : رجال الحديث
الناشر: المؤلّف
المطبعة: نمونه
الطبعة: ١
الصفحات: ٧٠٦

ضعّفه ابن الغضائري أيضا ، وقال عنه : وهو ضعيف ، روايته مختلط (١) ، وأمّا الشيخ فإنّه لم يتعرّض له بشيء ، مع أنّه قد ذكر أنّ لسالم هذا كتابا ، فإغفال الشيخ ذكره مع انّ له كتابا ، تخيله أنّ سالم بن مكرم ، هو سالم بن أبي سلمة ، وأن الشيخ تعرّض لسالم بن مكرم ، وقال : كنية مكرم أبو سلمة ، فحينئذ ينطبق على سالم بن أبي سلمة ، فوقع الاشتباه ، وما ورد من الذمّ إنّما هو في حقّ سالم بن أبي سلمة ، لا سالم بن مكرم ، ثم إنّ كنية أبي سلمة هي لسالم لا لوالده مكرم ، وهذا اشتباه آخر فإنّهم ذكروا أنّ لسالم كنيتين : أبا خديجة وأبا سلمة ، وعليه فتضعيف الشيخ هو من باب الاشتباه في التطبيق.

وممّا يؤكّد ذلك انّ الشيخ في صدد ذكر المؤلّفين والمصنّفين من أصحاب الأئمة عليهم‌السلام ، فعدم ذكره لسالم بن أبي سلمة مع انّ له كتابا اشتباهه بسالم ابن مكرم (٢).

هذا حاصل ما ذكره السيّد الاستاذ قدس‌سره في هذا الأمر ، وبه يفرق بين التضعيف والتوثيق ، فالتضعيف لسالم بن أبي سلمة ، وأمّا سالم بن مكرم فهو ثقة بلا معارض.

ولكن يمكن أن يناقش في ما أفاده في هذا الوجه وذلك :

أوّلا : ما المانع أن تكون كنية مكرم أبا سلمة أيضا ، والوالد والولد يشتركان في الكنية ، فنسبة الاشتباه إلى الشيخ من هذه الجهة بعيدة جدّا ، مضافا إلى تصريح الشيخ بأنّ كنية سالم بن مكرم أبو سلمة (٣).

ثانيا : على فرض حصول الاشتباه في سالم بن أبي سلمة كيف ينصّ على

__________________

(١) مجمع الرجال ج ٣ ص ٩٢ مؤسسة اسماعيليان.

(٢) معجم رجال الحديث ج ٩ ص ٢٨ الطبعة الخامسة.

(٣) الفهرست ص ١٠٥ الطبعة الثانية.

٥٢١

تضعيف سالم بن مكرم؟ وبعبارة اخرى كيف يحصل الاشتباه في جانب التضعيف لا التوثيق فإذا كان سالم بن مكرم ثقة فكيف اشتبه عليه الأمر وضعّفه ولم يوثّقه؟

ثالثا : إنّ إغفال الشيخ ذكر سالم بن أبي سلمة مع أنّ له كتابا أمر آخر وهو أجنبي عن الاشتباه.

فما أفاده السيّد الاستاذ قدس‌سره في هذا الوجه محلّ تأمّل.

والذي يمكن أن نعتمده من الجمع بين التوثيق والتضعيف وقد يفهم من كلام الشيخ في الاستبصار عن سالم بن مكرم : بأنّه ضعيف عند أهل الاخبار لما لا احتياج إلى ذكره ، فهذه الجملة الأخيرة تشعر أنّ هنا شيئا بيّنا لأجلها ضعّف ، وهي من الوضوح بحيث لا تحتاج إلى ذكر ، والعلّة هي ما ذكر في أحوال سالم ابن مكرم من أنّه كان من أصحاب أبي الخطّاب مدّة من الزمن ، ثم تاب ورجع عن ذلك.

ذكر الكشّي عن محمد بن مسعود ، قال : سألت أبا الحسن علي بن الحسن عن اسم أبي خديجة ، قال : سالم بن مكرم.

فقلت له : ثقة؟

فقال : صالح ، وكان من أهل الكوفة ، وكان جمّالا ، وذكر انّه حمل أبا عبد الله عليه‌السلام من مكّة إلى المدينة.

قال : أخبرنا عبد الرحمن بن أبي هاشم ، عن أبي خديجة ، قال : قال أبو عبد الله عليه‌السلام : لا تكتني بأبي خديجة.

قلت : فبم اكتني؟

قال : بأبي سلمة.

وكان سالم من أصحاب أبي الخطاب ، وكان في المسجد يوم بعث عيسى

٥٢٢

ابن موسى بن علي بن عبد الله بن العباس ، وكان عامل المنصور على الكوفة إلى أبي الخطاب ، لما بلغه أنّهم أظهروا الاباحات ودعوا الناس الى نبوّة أبي الخطّاب ، وأنّهم يجتمعون في المسجد ولزموا الأساطين ، يرون الناس أنّهم لزموها للعبادة ، وبعث إليهم رجلا فقتلهم جميعا لم يفلت منهم إلّا رجل واحد ، أصابته جراحات فسقط بين القتلى يعدّ فيهم ، فلمّا جنّه الليل خرج من بينهم فتخلّص وهو أبو سلمة سالم بن مكرم الجمّال الملقّب بأبي خديجة ، فذكر بعد ذلك أنّه تاب وكان ممّن يروي الحديث (١).

وقد وقعت هذه الحادثة قبل وفاة الامام الصادق عليه‌السلام بعشر سنوات ولعلّ أمره عليه‌السلام سالما بتغيير كنيته إلى أبي سلمة لأنّه كان معروفا بكنيته الاولى أيّام صحبته لأبي الخطّاب ، فبعد توبته وللستر عليه أمره الامام عليه‌السلام بتغيير الكنية ، وقد ذكر في أحواله انّه روى عن أبي الحسن موسى بن جعفر عليه‌السلام ، والخطابية تنصب العداء للأمام موسى بن جعفر عليه‌السلام.

وعليه فيمكن الجمع بين كلام الشيخ وكلام النجاشي بأن الشيخ لم يتيقّن بتوبته أو يطمئّن بها ، فهو عنده ضعيف.

وهناك احتمال آخر ولعلّه الأرجح وهو انّ الشيخ علم بتوبة سالم إلّا إنّها ترتبط بمسألة فقهية ، وهي هل أنّ هذه التوبة مقبولة أم لا؟ وذلك لتحقّق الارتداد عن فطرة ، فإنّ الخطّابية يقولون بألوهيّة الامام الصادق عليه‌السلام ، ونبوّة محمد بن أبي المقلاص المعرف بابي الخطّاب ، فبعد تحقّق الارتداد من سالم وحصول التوبة منه فهل تكون توبته مقبولة؟ وهذه مسألة خلافية بين الفقهاء (٢) ، فإنّهم ذكروا انّ

__________________

(١) رجال الكشي ج ٢ ص ٦٤١ مؤسسة آل البيت (ع).

(٢) جواهر الكلام ج ٤١ ص ٦٠٠ وما بعدها الطبعة السادسة.

٥٢٣

الارتداد على نحوين تارة يكون عن فطرة ، واخرى عن ملّة ، والأوّل لا تقبل فيه التوبة ، وتترتّب عليه جملة من الأحكام ، فيجب قتل المرتدّ وتبيّن منه زوجته وتقسم أمواله ، وعلى فرض عدم قتله فهل يعامل معاملة المسلم أم لا؟

وهذه أيضا مسألة خلافية اخرى.

فلا يبعد ابتناء الامر على هذه المسألة ، ولعلّ تضعيف الشيخ من هذه الجهة ولا بدّ من التحقيق لمعرفة مبنى الشيخ في هذه المسألة.

وهنا قول بالتفصيل فالتوبة غير مقبولة بالنسبة إلى الأحكام المتعلّقة بالارتداد ، وفي ما عداها تقبل توبته (١).

وبناء على كون الاسلام شرطا في الرواي عند الشيخ وإن لم يشترط الايمان ، فالمخالف الثقة يقبل قوله ـ وإن كان فاسد المذهب ـ فيكون سالم بن مكرم عنده ضعيفا ، وتوبته لا تنفع لوثاقته بناء على عدم قبول توبته مطلقا.

ويؤيّد هذا قوله في بيان العلّة : «لما لا احتياج إلى ذكره» مع أنّه هو المهذّب لرجال الكشّي ، وقد اطّلع على ما أورده الكشّي في كتابه من أحوال سالم وتوبته إلّا أنّ المسألة مبنائية.

وأمّا النجاشي فلعلّ مبناه أنّه بعد توبة المرتدّ يعامل معاملة المسلم ، ويقبل قوله فتكون وثاقته عنده ثابتة ، ولهذا عبرّ عن سالم بأنه ثقة ، ثقة.

والحاصل أنّه يمكن الاعتماد على توثيق النجاشي ، وتكون روايات سالم ابن مكرم معتبرة بهذه الجهة ، والله العالم.

__________________

(١) مباني تكملة المنهاج ج ١ ص ٣٢٥ مطبعة الآداب ـ النجف الاشرف.

٥٢٤

السابع

داود بن كثير الرقّي

وقد اختلف فيه ، فوثّقه بعضهم ، ومنهم العلّامة ، فقد رجّح الأخذ بروايته (١) ، مع أنّه توقّف في سالم بن مكرم ، كما أن بعضهم نسبه إلى الضعف وتوقّف فيه آخرون ، ومنهم الشهيد (٢).

وقد استدلّ للقول بوثاقته بأمور هي :

الأوّل : عدّه الشيخ المفيد في الارشاد ممّن روى النصّ على الرضا عليه‌السلام بالامامة عن أبيه وجعله من خاصّته ، وأهل الورع والعلم والفقه من الشيعة (٣).

الثاني : قال الصدوق في مشيخته : وروى عن الصادق عليه‌السلام : أنزلوا داود الرقي منزلة المقداد (٤).

الثالث : ذكره الشيخ في أصحاب الكاظم وقال : داود بن كثير الرقّي ، مولى بني أسد ، ثقة ، وهو من أصحاب أبي عبد الله عليه‌السلام (٥).

الرابع : وقوعه في أسناد تفسير علي بن إبراهيم القمّي (٦).

__________________

(١) رجال العلامة ص ٦٨ الطبعة الثانية.

(٢) تنقيح المقال ج ١ ص ٤١٤ الطبع القديم.

(٣) الارشاد ص ٣٠٤ الطبعة الثالثة.

(٤) مشيخة الفقيه ص ٩٩ الطبعة الاولى.

(٥) رجال الشيخ ص ٣٤٩ الطبعة الاولى.

(٦) تفسير القمي ج ٢ ص ٣٠٠ الطبعة الاولى المحققة.

٥٢٥

الخامس : رواية الأجلّاء عنه ، ومنهم ابن أبي عمير ، وكثير من أصحاب الاجماع مثل الحسن بن محبوب ، وأبان بن عثمان ، وابن فضال ، ويونس بن عبد الرحمن ، وغيرهم (١).

السادس : ما ذكره أبو عمرو الكشّي في حقّه ، قال : يذكر الغلاة انّه من أركانهم ، وقد يروى عنه المناكير من الغلو وينسب إليه أقاويلهم ، ولم أسمع أحدا من مشايخ العصابة يطعن فيه ، ولا عثرت من الرواية على شيء غير ما أثبتّه في هذا الكتاب (٢).

السابع : ما ورد في حقّه من الروايات المادحة.

ومنها الرواية المتقدّمة عن مشيخة الصدوق (٣).

منها : ما رواه الكشّي بسنده إلى يونس بن عبد الرحمن عمّن ذكره ، وهي عين رواية الصدوق.

ومنها : ما رواه بسنده إلى أبي عبد الله البرقي ، يرفعه ، قال : نظر أبو عبد الله عليه‌السلام إلى داود الرقّي وقد ولّى ، فقال : من سرّه أن ينظر إلى رجل من أصحاب القائم عليه‌السلام فلينظر إلى هذا ، وقال في موضع آخر ، أنزلوه فيكم بمنزلة المقداد رحمه‌الله (٤).

ومنها : ما رواه بسنده إلى عمر بن عبد العزيز ، عن بعض أصحابنا ، عن داود بن كثير الرقّي ، قال : قال لي أبو عبد الله عليه‌السلام : يا داود ، إذا حدّثت عنّا بالحديث

__________________

(١) مشايخ الثقاة الحلقة الاولى ص ٩٧ الطبعة الثانية ومعجم رجال الحديث ج ٨ ص ١٣٠ الطبعة الخامسة.

(٢) رجال الكشي ج ٢ ص ٧٠٨ مؤسسة آل البيت (ع).

(٣) ن. ص ص ٧٠٤.

(٤) ن. ص ص ٧٠٤.

٥٢٦

واشتهرت به فأنكره (١).

ومنها : ما ورد في الاختصاص بسند صحيح على الأظهر عن محمد بن علي ، قال : حدثنا محمد بن موسى بن المتوكّل ، قال : حدّثنا علي بن إبراهيم ، عن محمد بن عيسى بن عبيد ، عن أبي أحمد الأزدي ، عن عبد الله بن المفضّل الهاشمي ، قال : كنت عند الصادق جعفر بن محمد عليه‌السلام إذ دخل المفضّل بن عمر ، فلمّا بصر به ضحك إليه ، ثم قال : إليّ يا مفضل ، فو ربّي إنّي لاحبّك واحبّ من يحبّك.

قال : فما منزلة داود بن كثير الرقّي منكم؟

قال عليه‌السلام : منزلة المقداد بن الأسود من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله (٢).

واستدل على ضعفه بأمرين :

الأوّل : ما ذكره النجاشي في حقّه حيث قال : وهو يكنّى أبا سليمان ، ضعيف جدّا والغلاة تروي عنه. قال أحمد بن عبد الواحد : قلّ ما رأيت له حديثا سديدا (٣).

الثاني : ما ذكره ابن الغضائري قال : كان فاسد المذهب ، ضعيف الرواية ، لا يلتفت إليه (٤).

ثم إنّ السيد الاستاذ قدس‌سره ذهب إلى القول بوقوع التعارض بين التوثيق والتضعيف فيتساقطان ، ويعامل حينئذ معاملة المجهول ، فلا اعتبار بروايته (٥) ،

__________________

(١) رجال الكشي ج ٢ ص ٧٠٨ مؤسسة آل البيت (ع).

(٢) الاختصاص ص ٢١١ منشورات مكتبة بصيرتي.

(٣) رجال النجاشي ج ١ ص ٣٦١ الطبعة الاولى المحققة.

(٤) مجمع الرجال ج ٢ ص ٢٩٠ مؤسسة اسماعيليان.

(٥) معجم رجال الحديث ج ٨ ص ١٢٩ الطبعة الخامسة.

٥٢٧

إلّا أنّ لنا تحقيقا في المقام ، وخلاصته : إنّ عمدة الوجوه المادحة أربعة : توثيق الشيخ المفيد ، وتوثيق الشيخ ، ووقوعه في أسناد تفسير القمّي ، ورواية ابن أبي عمير عنه.

وأمّا بقيّة الوجوه فهي قابلة للمناقشة.

أمّا رواية الأجلّاء غير ابن أبي عمير فهذا ليس دليلا على الوثاقة ، وقد تقدّم البحث مفصّلا في موضعه.

وأمّا قول الكشّي : ما سمعت احدا يطعن فيه. فكلامه خاصّ بأمر الغلو ، أمّا الجهات الاخرى فدلالة كلامه عليها قاصرة.

وأمّا الروايات ـ ما عدا رواية الاختصاص ـ فكلّها ضعيفة ، فرواية الصدوق مرسلة ، ومثلها في الارسال رواية يونس بن عبد الرحمن ، ورواية عمر بن عبد العزيز ، كما أنّ رواية أبي عبد الله البرقي مرفوعة.

وأمّا رواية الاختصاص فهي وإن كانت صحيحة على الأظهر ، إلّا انّ الاشكال في نسبة الكتاب إلى الشيخ المفيد ، وعلى فرض ثبوت الرواية فهي معارضة لشهادة النجاشي لا من باب معارضة قوله لقول المعصوم ، بل معارضة الدليلين في حجيّة الخبر.

ثم إنّا لسنا في حاجة إلى الخدشة في هذه الموارد ، ويمكننا الجمع بين تضعيف النجاشي ، وتوثيق الشيخ ، وحاصله : إنّ النجاشي إنّما ضعّف داود بما ذكره وما نقله عن شيخه من أجل إيحاء الكلام بأنّة غال ، وشاهده انّه عقّب التضعيف بقوله والغلاة تروي عنه ، ولا دلالة في رواية الغلاة عن شخص على ضعفه.

والسيّد الاستاذ قدس‌سره وإن لم يقبل بهذا ويجلّ مقام النجاشي عن أن ينسب

٥٢٨

إليه (١) ذلك ، إلّا إنّه يمكن استفادته من كلامه ، مضافا إلى أنّ جعل الغلاة داود من أركانهم ، ونسبة أقاويلهم إليه ـ كما ذكره الكشّي ـ فيه إشعار بما ذكرناه.

ويؤكّد ذلك ما نقله النجاشي عن شيخه.

فتضعيف النجاشي ، وابن الغضائري ، إنّما هو لانتساب الغلاة له.

وبناء على هذا فتكون الوجوه الأربعة لتوثيق داود سليمة عن المعارض ، والأقوى انّ داود ثقة ، ورواياته معتبرة والله العالم.

وقد ورد ذكره في خصوص الكتب الأربعة في ثمانية وسبعين موردا (٢) دون سائر الكتب الروائية.

__________________

(١) معجم رجال الحديث ج ٨ ص ١٢٩ الطبعة الخامسة.

(٢) ن. ص ص ١٣١ وص ١٣٩.

٥٢٩

الثامن

علي بن أبي حمزة البطائني

وقد كثر الكلام حوله ، والأكثر على تضعيفه ، ونقل ان السيّد الأستاذ قدس‌سره كان يقول بوثاقته ، ثم عدل إلى القول بضعفه.

والبطائني كثير الرواية في الكتب الأربعة ، فقد ورد ذكره فيها في أكثر من خمسمائة وخمسة واربعين موردا (١).

ولإيضاح الأمر والتحقيق في المقام يقتضي التكلّم في جهات ثلاث :

الأولى : في مذهب البطائني ، فالمشهور انّه واقفي إلى آخر عمره ، وحاول بعضهم ان يبرأه من هذه النسبة ولا أقل من الاقناع بأنه رجع عن القول بالوقف.

الثانية : في بيان وثاقته وعدمها.

الثالثة : في كيفيّة التعامل مع رواياته.

أما الجهة الأولى فالمشهور انّه أصل الوقف وإليه يشير الشيخ بقوله : روى الثقاة انّ أوّل من أظهر هذا الاعتقاد ، علي بن أبي حمزة البطائني وزياد القندي وعثمان بن عيسى (٢) ، وصرّح بذلك النجاشي (٣) وابن الغضائري (٤) أيضا.

وقد ذكر السيّد الأستاذ قدس‌سره في المعجم ، تبعا للكشي ، سبعة عشر رواية نقلا عن كتاب الكافي ، والغيبة وغيرهما ، وبعض هذه الروايات صحيح السند وكلّها

__________________

(١) معجم رجال الحديث ج ١٢ ص ٢٤٨ الطبعة الخامسة.

(٢) كتاب الغيبة ص ٤٢ الطبعة الثانية.

(٣) رجال النجاشي ج ٢ ص ٦٩ الطبعة الاولى المحقّقة.

(٤) مجمع الرجال ج ٤ ص ١٥٧ مؤسسة اسماعيليان.

٥٣٠

دالّة على أنّه واقفي ، ولم يرجع عن القول بالوقف ومنها :

ما رواه الشيخ بسنده إلى يونس بن عبد الرحمن قال : مات أبو إبراهيم عليه‌السلام وليس من قوامه أحد إلّا وعنده المال الكثير ، وكان ذلك سبب وقفهم وجحدهم موته طمعا في الأموال ، كان عند زياد بن مروان القندي سبعون ألف دينار ، وعند علي بن أبي حمزة ثلاثون ألف دينار (١) ... الخ.

ومنها : ما رواه بسنده إلى احمد بن عمر ، قال : سمعت الرضا عليه‌السلام يقول في ابن أبي حمزة أليس هو الذي يروي انّ رأس المهدي يهدى إلى عيسى بن موسى؟ وهو صاحب السفياني ، وقال : إنّ أبا إبراهيم يعود إلى ثمانية أشهر؟ فما استبان لكم كذبه؟ (٢).

ومنها : ما رواه الكشّي بسند صحيح إلى أبي داود المسترقّ ، عن علي بن أبي حمزة ، قال قال أبو الحسن موسى عليه‌السلام : يا علي ، أنت وأصحابك شبه الحمير. (٣)

ومنها : ما رواه بسنده إلى موسى بن عبد الرحمن ، قال : دخلت على الرضا عليه‌السلام ، فقال لي : مات علي بن أبي حمزة؟

قلت : نعم ، قال : قد دخل النار ، قال : ففزعت من ذلك ، قال : أما إنّه سئل عن الامام بعد موسى أبي؟ فقال : لا أعرف إماما بعده.

فقيل له : لا ، فضرب في قبره ضربة اشتعل قبره نارا (٤).

ومنها : ما رواه بسنده إلى أحمد بن محمد ، قال : وقف علي أبو الحسن عليه‌السلام في بني زريق فقال لي وهو رافع صوته : يا أحمد ، قلت : لبيك. قال : إنّه لما قبض

__________________

(١) كتاب الغيبة ص ٤٣ الطبعة الثانية.

(٢) ن. ص ص ٤٦.

(٣) رجال الكشي ج ٢ ص ٧٠٥ مؤسسة آل البيت (ع).

(٤) ن. ص ص ٧٤٢.

٥٣١

رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله جهد الناس في إطفاء نور الله فأبى الله إلّا أن يتمّ نوره بأمير المؤمنين عليه‌السلام ، فلمّا توفّي أبو الحسن عليه‌السلام جهد علي بن أبي حمزة في إطفاء نور الله فأبى الله إلّا أن يتمّ نوره ، وانّ اهل الحقّ إذا دخل فيهم داخل سرّوا به ، وإذا خرج منهم خارج لم يجزعوا عليه ، وذلك انّهم على يقين من أمرهم ، وإنّ أهل الباطل إذا دخل فيهم داخل سرّوا به ، وإذا خرج منهم خارج جزعوا عليه ، وذلك أنّهم على شكّ من أمرهم ، إنّ الله جلّ جلاله يقول : (فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ)(١) قال : ثم قال أبو عبد الله عليه‌السلام المستقر الثابت ، والمستودع المعار (٢).

ومنها : ما رواه بسنده إلى إسماعيل بن سهل ، قال : حدّثني بعض أصحابنا ، وسألني أن أكتم اسمه ـ قال : كنت عند الرضا عليه‌السلام فدخل عليه علي بن أبي حمزة وابن السرّاج ، وابن المكاري ، فقال له ابن أبي حمزة : ما فعل أبوك؟

قال : مضى ، قال : مضى موتا؟ قال : نعم ، قال : إلى من عهد؟ قال : إليّ ، قال : فأنت إمام مفترض الطاعة من الله؟ قال : نعم.

قال : ابن السرّاج ، وابن المكاري : قد والله أمكنك من نفسه.

قال : ويلك وبما أمكنت ، أتريد أن آتي وأقول لهارون أنا إمام مفترض الطاعة؟ والله ما ذلك علي ، وإنّما قلت ذلك لكم عند ما بلغني من اختلاف كلمتكم ، وتشتّت أمركم ، لئلّا يصير سرّكم في يد عدوكم.

قال له ابن أبي حمزة لقد أظهرت شيئا ما كان يظهره أحد من آبائك ولا يتكلّم به.

قال : بلى لقد تكلّم خير آبائي ، رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لما أمره الله تعالى أن ينذر

__________________

(١) سورة الانعام : آية ٩٨.

(٢) رجال الكشي ج ٢ ص ٧٤٢ مؤسسة آل البيت (ع).

٥٣٢

عشيرته الأقربين ، جمع من أهل بيته أربعين رجلا وقال لهم : أنا رسول الله إليكم ، فكان أشدّهم تكذيبا وتأليبا عليه عمّه أبو لهب ، فقال لهم النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : إن خدشني خدش فلست بنبي ، فهذا أوّل ما أبدع لكم من آية النبوّة ، وأنا أقول : إن خدشني هارون خدشا فلست بإمام ، فهذا أوّل ما أبدع لكم من آية الإمامة.

فقال له علي : إنّا روينا عن آبائك أنّ الامام لا يلي أمره إلّا إمام مثله.

فقال له أبو الحسن عليه‌السلام : فأخبرني عن الحسين بن علي عليه‌السلام كان إماما أو كان غير إمام؟

قال : كان إماما ، قال : فمن ولي أمره؟ قال : علي بن الحسين ، قال : وأين كان علي بن الحسين عليه‌السلام.

قال : كان محبوسا في يد عبيد الله بن زياد في الكوفة ، قال : خرج وهم كانوا لا يعلمون حتى ولى أمر أبيه ، ثم انصرف.

فقال له أبو الحسن عليه‌السلام : إنّ هذا الذي أمكن علي بن الحسين عليه‌السلام أن يأتي كربلاء فيلي أمر أبيه فهو يمكن صاحب هذا الأمر أن يأتي بغداد فيلي أمر أبيه ، ثم ينصرف ، وليس في حبس ولا أسار.

قال له علي : إنّا روينا أنّ الإمام لا يمضي حتى يرى عقبه ، فقال أبو الحسن عليه‌السلام : أما رويتم في هذا الحديث غير هذا؟ قال : لا.

قال : بلى ، والله لقد رويتم إلّا القائم وأنتم لا تدرون ما معناه ولم قيل؟

قال له علي : بلى ، والله إنّ هذا لفي الحديث.

قال له أبو الحسن عليه‌السلام : ويلك كيف اجترأت علي بشيء تدع بعضه؟ ثم قال : يا شيخ ، اتّق الله ولا تكن من الصادّين عن دين الله تعالى (١).

__________________

(١) رجال الكشي ج ٢ ص ٧٦٣ مؤسسة آل البيت (ع).

٥٣٣

وغيرها من الروايات الصريحة في انّه لم يرجع عن الوقف إلى آخر عمره وهذه الروايات وإن اشتمل بعضها على ضعف أو إرسال إلّا أنّ بعضها لا إشكال في صحّة سنده.

وقد ذكر في مقابل هذه الروايات روايات اخرى قيل بدلالتها على رجوعه عن الوقف ، منها :

الأولى : ما رواه النعماني في غيبته عن محمد بن عبد الله بن جعفر الحميري ، عن أبيه ، عن محمد بن عيسى بن عبيد ، عن نضر بن سويد ، عن يحيى الحلبي ، عن علي بن أبي حمزة ، قال : كنت مع أبي بصير ومعنا مولى لأبي جعفر الباقر عليه‌السلام ، فقال : سمعت أبا جعفر عليه‌السلام يقول : منّا اثنا عشر محدّثا السابع من ولدي القائم ، فقام إليه أبو بصير فقال : أشهد انّي سمعت أبا جعفر عليه‌السلام يقول منذ أربعين سنة (١).

الثانية : ما رواه الصدوق في العيون وكمال الدين ، عن علي بن أحمد رضي‌الله‌عنه ، قال : حدّثنا محمد بن أبي عبد الله الكوفي ، عن موسى بن عمران النخعي ، عن عمّه الحسين بن يزيد ، عن الحسن بن علي بن أبي حمزة ، عن أبيه ، عن يحيى بن القاسم ، عن الصادق جعفر بن محمد ، عن أبيه ، عن جدّه عليه‌السلام ، قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : الأئمّة بعدي اثنا عشر ، أوّلهم علي بن أبي طالب ، وآخرهم القائم ، هم خلفائي وأوصيائي وحجج الله على أمّتي بعدي ، المقرّ بهم مؤمن والمنكر لهم كافر (٢).

الثالثة : ما رواه الصدوق في العيون ، عن محمد بن موسى بن المتوكّل ،

__________________

(١) غيبة النعماني باب ٤ ـ ما روى في أن الأئمة اثنا عشر اماما .. الحديث ٢٨ ص ٩٦.

(٢) عيون أخبار الرضا ج ١ الباب ٦ الحديث ٢٨ ص ٥٩ انتشارات جهان وكمال الدين وتمام النعمة ج ١ الباب ٢٤ الحديث ٤ جامعة المدرسين.

٥٣٤

عن محمد بن يحيى العطّار ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن الحسن بن علي الخزّاز ، قال : خرجنا إلى مكّة ومعنا علي بن أبي حمزة ، ومعه مال ومتاع ، فقلنا : ما هذا؟

فقال : هذا للعبد الصالح عليه‌السلام أمرني أن أحمله إلى علي ابنه عليه‌السلام وقد أوصى إليه (١).

الرابعة : ما رواه الصدوق ، في كمال الدين ، عن الحسن بن علي بن أبي حمزة ، عن أبيه ، عن الصادق جعفر بن محمد عليه‌السلام ، عن أبيه ، عن آبائه عليهم‌السلام ، قال :

قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، قال : حدّثني جبرئيل عن ربّ العزّة جلّ جلاله إلى أن يقول وقام جابر بن عبد الله الأنصاري ، وقال : يا رسول الله ، ومن الأئمة من ولد علي بن أبي طالب عليه‌السلام؟ قال الحسن والحسين سيّدا شباب أهل الجنة ، وسيّد العابدين في زمانه علي بن الحسين ، ثم الباقر بن علي وستدركه يا جابر ، فإذا أدركته فاقرأه منّي السلام ، ثم الصادق جعفر بن محمد ، ثم الكاظم موسى بن جعفر ، ثم الرضا علي بن موسى ، ثم التقي محمد بن علي ، ثم النقي علي بن محمد ، ثم الزكي الحسن بن علي ، ثم ابنه القائم بالحقّ ، مهديّ أمّتي الذي يملأ الأرض قسطا وعدلا ، كما ملئت ظلما وجورا ، هؤلاء يا جابر خلفائي وأوصيائي وأولادي وعدّتي ، من أطاعهم فقد أطاعني ، ومن عصاهم فقد عصاني ، ومن أنكرهم أو أنكر واحدا منهم فقد أنكرني ، بهم يمسك الله عزوجل السماء أن تقع على الأرض إلّا بإذنه ، وبهم يحفظ الله الأرض أن تميد بأهلها (٢).

__________________

(١) عيون أخبار الرضا ج ١ باب ٤ نص ابي الحسن موسى بن جعفر (ع) على ابنه الرضا (ع) الحديث ١٩ ص ٢٩ انتشارات جهان.

(٢) كمال الدين باب ما روي عن النبي (ص) في النص على القائم الحديث ٣ ص ٢٥٨ الطبعة الثانية.

٥٣٥

ويؤيده ما أورده الكشّي في رجاله ، عن علي بن محمد ، قال : حدّثني محمد بن محمد ، عن محمد بن علي الهمداني ، عن رجل ، عن علي بن أبي حمزة ، قال : شكوت إلى أبي الحسن عليه‌السلام وحدّثته بالحديث عن أبيه وعن جدّه ، فقال : يا علي ، هكذا قال أبي وجدّي عليهما‌السلام.

قال : فبكيت ، ثم قال : أو قد سألت الله لك أو أسأله لك في العلانية أن يغفر لك (١).

وما أورده الكشّي أيضا قال : وجدت بخطّ جبريل بن أحمد ، حدّثني محمد بن عبد الله بن مهران ، عن محمد بن علي الصيرفي ، عن الحسن بن علي بن أبي حمزة ، عن أبيه ، قال : دخلت المدينة وأنا مريض شديد المرض فكان أصحابنا يدخلون ولا أعقل بهم ، وذاك انّه أصابني حمى ، فذهب عقلي.

وأخبرني إسحاق بن عمّار ، أنّه أقام علي بالمدينة ثلاثة أيّام لا يشكّ أنّه لا يخرج منها حتى يدفنني ، ويصلّي عليّ ، وخرج إسحاق بن عمّار ، وأفقت بعد ما خرج إسحاق ، فقلت لأصحابي : افتحوا كيسي وأخرجوا منه مائة دينار فأقسموها في أصحابنا. وأرسل إليّ أبو الحسن عليه‌السلام بقدح فيه ماء ، فقال الرسول : يقول لك أبو الحسن عليه‌السلام : اشرب هذا الماء ، فإنّ فيه شفاء إن شاء الله ، ففعلت فأسهل بطني فأخرج الله ما كنت أجده في بطني من الأذى ، ودخلت على أبي الحسن عليه‌السلام فقال : أما إنّ أجلك قد حضر مرّة بعد مرّة. فخرجت إلى مكّة فلقيت إسحاق بن عمّار ، فقال : والله لقد أقمت بالمدينة ثلاثة أيّام ما شككت إلّا أنّك ستموت فأخبرني بقصّتك ، فأخبرته بما صنعت وما قال لي أبو الحسن ممّا أنسأ الله في عمري مرّة بعد مرّة من الموت وأصابني مثل ما أصاب ، فقلت : يا إسحاق ،

__________________

(١) رجال الكشي ج ٢ ص ٧٠٦ مؤسسة آل البيت (ع).

٥٣٦

انّه إمام ابن إمام ، وبهذا يعرف الامام (١).

وما ذكره الكشي أيضا بسنده عن محمد بن قولويه ، عن سعد بن عبد الله ، قال : حدّثني محمد بن خالد الطيالسي ، قال : حدّثني علي بن أبي حمزة البطائني ، قال : سمعت أبا الحسن موسى عليه‌السلام يقول : لعن الله محمد بن بشير وأذاقه حرّ الحديد ، إنّه يكذب عليّ ، برأ الله منه وبرئت إلى الله منه ، اللهمّ إنّي أبرأ إليك ممّا يدّعي فيّ ابن بشير ، اللهمّ أرحني منه ، ثم قال : يا علي ، ما أحد أجترأ أن يتعمّد الكذب علينا إلّا أذاقه الله حر الحديد ، وان بنانا كذب على علي بن الحسين عليه‌السلام فأذاقه الله حر الحديد ، وإنّ المغيرة بن سعيد كذب على أبي جعفر عليه‌السلام فأذاقه الله حرّ الحديد ، وأنّ أبا الخطاب كذب على أبي فأذاقه الله حرّ الحديد ، وانّ محمد بن بشير لعنه الله يكذب عليّ برئت إلى الله منه ، اللهمّ إنّي أبرأ إليك ممّا يدّعيه فيّ محمد بن بشير فقد شارك الشيطان أباه في رحم أمّه.

قال علي بن أبي حمزة : فما رأيت أحدا قتل أسوأ قتلة من محمد بن بشير لعنه الله (٢).

ويؤكّده ما رواه الشيخ في التهذيب في باب التدبير ، عن محمد بن أحمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر ، عن الحسن بن علي بن أبي حمزة ، عن أبي الحسن عليه‌السلام ، قال : قلت له : إنّ أبي هلك وترك جاريتين قد دبرهما وأنا ممّن أشهد لهما ، وعليه دين كثير ، فما رأيك؟ فقال : رضي الله عن أبيك ، ورفعه مع محمد صلى الله عليه وآل وأهله ، قضاء دينه خير له ، إن شاء الله (٣).

والحق انّ هذه الروايات كلّها لا يستفاد منها رجوعه عن القول بالوقف ،

__________________

(١) رجال الكشي ج ٢ ص ٧٤٢ الحديث ٨٢٨ مؤسسة آل البيت (ع).

(٢) ن. ص ص ٧٧٨.

(٣) تهذيب الاحكام ج ٨ باب التدبير الحديث ١٦ ص ٢٣٧ دار التعارف للمطبوعات.

٥٣٧

بل لا يستفاد منها انّه قائل بالوقف ، مضافا إلى أنّها ضعيفة الاسناد ، لأنّها إمّا مرويّة عن علي بن أبي حمزة ، أو عن أبنه الحسن ، وهو ضعيف بالاتّفاق ، أو هو ممّن اختلف فيه فلا يمكن الاعتماد على شيء منها.

نعم رواية الخزّاز وإن كانت معتبرة ، إلّا أنّ ظاهرها يفيد انّ ذلك كان في حياة الامام الكاظم عليه‌السلام وقد أشار إلى ذلك الشيخ الصدوق ، فإنّه قال بعد إيراد الخبر : إنّ علي بن أبي حمزة أنكر ذلك بعد وفاة موسى بن جعفر ، وحبس المال عن الرضا عليه‌السلام (١) ، وهكذا بالنسبة إلى روايات التأييد والتأكيد ، فهي إمّا مرويّة عن علي بن أبي حمزة ، أو عن أبنه ، مضافا إلى أنّ بعضها مرسل.

والحاصل : انّ الروايات الدالّة على وقفه ، وانّه لم يرجع إلى آخر عمره ، منها ما هو صحيح سندا ، وصريح دلالة ، ولا تقابلها الروايات الأخرى والله العالم.

وأمّا الجهة الثانية ، فقد استدلّ لوثاقته بوجوه :

الأوّل : ما ذكره الشيخ في العدّة قال : ولأجل ذلك ـ أي الوثاقة ـ عملت الطائفة بأخبار الفطحية ... وأخبار الواقفة ، مثل : سماعة بن مهران ، وعلي بن أبي حمزة (٢) ، ويستفاد من هذه العبارة وثاقة البطائني.

الثاني : وقوعه في اسناد تفسير علي بن إبراهيم القمّي (٣) في كلا القسمين.

الثالث : رواية الأجلّاء عنه ، وهو على ثلاث طوائف :

الأولى : المشايخ الثلاثة : صفوان بن يحيى ، وابن أبي عمير ، والبزنطي (٤).

__________________

(١) عيون أخبار الرضا ج ١ باب ٤ ذيل الحديث ١٩ ص ٢٩ انتشارات جهان.

(٢) عدة الاصول ج ١ ص ٣٨١ الطبعة الاولى المحققة.

(٣) تفسير القمي ج ٢ ص ٥٧ الطبعة الاولى المحققة.

(٤) معجم رجال الحديث ج ١٢ ص ٢٤٨ الطبعة الخامسة.

٥٣٨

الثانية : أصحاب الاجماع كالحسن بن محبوب ، وعبد الله بن المغيرة ، وحماد بن عيسى ، وعثمان بن عيسى (١).

الثالثة : من ورد في حقّهم انّهم لا يروون إلّا عن الثقاة ـ غير المشايخ الثلاث ـ مثل جعفر بن بشير وعلي بن الحسن الطاطري (٢).

وبالجملة فإنّ أكثر من ثلاثين نفر من الأجّلاء قد رووا عنه.

الرابع : انّ رواياته الواردة في الكتب الأربعة قد عمل بها ، ولم يناقش أحد في مورد واحد منها ، مع أنّ دأب الشيخ المناقشة في اسناد الروايات ولا سيما في مقام التعارض.

الخامس : دعوى المحقّق إجماع الأصحاب على العمل بروايته قال في باب الطهارة من كتاب المعتبر بعد أن أورد في مسألة الأسار روايتين : إحداهما عن علي بن أبي حمزة ، والأخرى عن عمّار الساباطي : «فإنّ الأصحاب قد عملوا برواية هؤلاء كما عملوا هناك (خبر الثقة والقرينة) ولو قيل : قد ردوا رواية كل واحد في بعض المواضع قلنا ... كما ردّوا رواية الثقة في بعض المواضع متعلّلين بأنّه خبر واحد ، وإلّا فاعتبر كتب الأصحاب ، فإنك تراها مملوّة من رواية علي المذكور ، وعمّار» (٣).

السادس : عدم تعرّض الشيخ ، والنجاشي له بطعن سوى نسبته إلى الوقف.

السابع : انّ ابن الغضائري قال في الحسن بن علي بن أبي حمزة : إنّ أباه أوثق منه (٤).

__________________

(١) معجم رجال الحديث ج ١٢ ص ٢٤٨ الطبعة الخامسة.

(٢) ن. ص ص ٢٤٨.

(٣) المعتبر في شرح المختصر ص ٢٣ الطبع القديم.

(٤) مجمع الرجال ج ٢ ص ١٢٢ مؤسسة اسماعيليان.

٥٣٩

وعدّ الأخيرين مؤيّدين أولى من عدّهما دليلين على الوثاقة ، لأنّ عدم ذكره بشيء لا يدلّ على التوثيق لاحتمال التوقّف فيه ، كما أنّ ابن الغضائري إنّما عبّر بذلك بعد أن ضعف الحسن.

فالوجهان الأخيران وإن لم يكونا صريحين في التوثيق إلّا أنّ بقيّة الوجوه تامّة الدلالة.

وأمّا الوجوه التي استدلّ بها على ضعفه فهي :

الأوّل : ما ذكره الكشّي عن ابن مسعود ، عن أبي الحسن علي بن فضّال : علي بن أبي حمزة كذّاب متّهم ، روى أصحابنا أنّ أبا الحسن الرضا عليه‌السلام قال بعد موت ابن أبي حمزة : إنّه أقعد في قبره فسئل عن الأئمة فأخبر بأسمائهم حتى انتهى إليّ فسئل فوقف فضرب على رأسه ضربة امتلأ قبره نارا (١).

وفي رواية اخرى : قال ابن مسعود : سمعت علي بن الحسن يقول : ابن أبي حمزة كذّاب ملعون قد رويت عنه أحاديث كثيرة ، وكتبت تفسير القرآن من أوّله إلى آخره ، إلّا أنّي لا أستحلّ ان أروي عنه حديثا واحدا (٢).

وقد ذكر ابن فضّال عين هذا في الحسن بن علي بن أبي حمزة ، فلا محالة انّه وقع اشتباه في أحدهما.

والمؤيّد لكون المراد هو علي بن أبي حمزة ، انّه ورد في أحواله أنّ له تفسيرا (٣) ، ولم يرد ذلك في أحوال الحسن.

نعم ، يمكن أن يقال : إنّ المراد هو الحسن بن علي بن أبي حمزة ، وإنّ التفسير لأبيه ، وإنّ ابن فضّال روى التفسير عن الحسن ، عن أبيه.

__________________

(١) رجال الكشي ج ٢ ص ٧٤٢ مؤسسة آل البيت (ع).

(٢) ن. ص ص ٧٠٦.

(٣) رجال النجاشي ج ٢ ص ٦٩ الطبعة الاولى المحققة.

٥٤٠