أصول علم الرجال بين النظريّة والتطبيق

محمد علي صالح المعلّم

أصول علم الرجال بين النظريّة والتطبيق

المؤلف:

محمد علي صالح المعلّم


المحقق: محمد علي صالح المعلّم
الموضوع : رجال الحديث
الناشر: المؤلّف
المطبعة: نمونه
الطبعة: ١
الصفحات: ٧٠٦

وفيه أولا : أن من الاصول ما هو مبوّب ، كما في كتاب أحمد بن نوح فقد ورد فيه أنه على ترتيب الاصول (١). وكذلك كتب بندار بن محمد ، فإنّها على ترتيب الاصول أيضا. (٢)

ثانيا : ان لازم ذلك دخول الرسائل والمسائل في الأصل لعدم تبويبها.

ثالثا : يترتب على ذلك أفضلية الكتاب على الأصل.

٣ ـ ان الأصل هو المشتمل على كلام المعصوم عليه‌السلام فقط ، بخلاف الكتاب فإنه يشتمل على كلام مصنفه أيضا (٣).

وفيه أن كثيرا من الكتب خالية عن كلام مصنفيها ، ككتاب سليم بن قيس وكتاب علي بن جعفر عليه‌السلام.

٤ ـ إن الأصل ما أخذ من المعصوم مشافهة ، بلا واسطة بخلاف الكتاب وفيه :

أن بعض من له أصل لم يسمع من أبي عبد الله عليه‌السلام الا حديثين مثل حريز كما في رجال الكشي (٤) ، مضافا إلى أنّ هناك بعض الكتب لا تعدّ من الاصول مع أنها مرويّة عن المعصوم عليه‌السلام بلا واسطة كما تقدّم آنفا.

٥ ـ ان الأصل ما لم يؤخذ من كتاب ، بل إما عن سماع من المعصوم عليه‌السلام ، أو ممن سمع من المعصوم ، بخلاف الكتاب فإنه قد يؤخذ من أصل أو نسخة أو عن سماع.

والذي يقتضيه التحقيق : أن الأصل ما توفرت فيه أمور ثلاثة :

أ ـ أن يكون جميع ما فيه مأخوذا من الامام عليه‌السلام سواء كان ابتداء منه عليه

__________________

(١) الفهرست الطبعة الثانية النجف الاشرف ص ٦١.

(٢) ن. ص ص ٦٦.

(٣) مقباس الهداية في علم الدراية الطبعة الاولى المحققة ص ٢٤.

(٤) رجال الكشي ج ٢ ص ٦٨٠ مؤسسة آل البيت.

٢٦١

السلام أو بعد السؤال ، ومشافهة كان أم بالواسطة.

ب ـ أن لا يكون مأخوذا من كتاب آخر.

ج ـ أن يكون له ترتيب خاص كترتيب أبواب الفقه ، أو كترتيب تسلسل الائمة ، أو الترتيب الزمني للروايات.

والذي يفهم من كلام الشيخ الطوسي قدس‌سره وغيره أن الأصل عندهم ، هو المعدود في نظر الأصحاب أصلا ، فيعلم من ذلك ان لا يكون مأخوذا من غير الامام ، وخلوه من كلام صاحبه ، مضافا الى ترتيبه الخاص ، وهذا هو المتيقن في تحديد معنى الأصل.

ويمكن القول : بأن اشتراط الامور الثلاثة السابقة على نحو الغالبية فلذا تعد بعض الكتب اصولا ، وكذا بعض النوادر إلا أن ذلك ليس بلازم ، فيمكن عدّها اصولا اعتدادا بالأغلبية بحسب النظر والاعتبار ، ويشهد لذلك أنهم قد يذكرون في حقّ البعض أن له كتابا عدوه أصلا.

وهل كون الشخص ذا أصل يوجب اعتباره أو مدحه أم لا.

أما الاعتبار : فلا ، كما يصرّح بذلك الشيخ في العدة ... فإذا أحالهم على كتاب معروف أو أصل مشهور وكان راويه ثقة لا ينكرون حديثه سكتوا وسلّموا الأمر في ذلك وقبلوا قوله ... (١).

وأما كونه سببا للمدح فليس بالبعيد كما قد يفهم من موارد مختلفة :

١ ـ منها ما ذكره النجاشي في ترجمة إبراهيم بن مسلم الضرير ... ثقة ، ذكره شيوخنا في أصحاب الاصول) (٢).

٢ ـ ومنها ما ذكره أيضا في مروك بن عبيد : قال أصحابنا نوادره أصل) (٣).

__________________

(١) عدّة الاصول الطبعة الاولى المحقّقة ص ٣٣٨.

(٢) رجال النجاشي ج ١ الطبعة الاولى المحقّقة ص ١٠٨.

(٣) رجال النجاشي ج ٢ الطبعة الاولى المحقّقة ص ٣٧٩.

٢٦٢

٣ ـ ومنها ما ذكره الشيخ في الفهرست في ترجمة الحسين بن العلاء ، له كتاب يعدّ في الاصول (١).

٤ ـ ومنها ما ذكره أيضا في أحمد بن الحسين بن سعيد بن عثمان القرشي ، له كتاب النوادر ، ومن أصحابنا من عدّه من جملة الاصول (٢).

٥ ـ ومنها ما ذكره أيضا في التهذيبين في حديث حذيفة بأنّ شهر رمضان لا ينقص عن ثلاثين ، وهذا الخبر لا يصحّ العمل به من وجوه أحدها : أن متن هذا الخبر لا يوجد في شيء من الأصول المصنّفة وإنّما هو موجود في شواذّ من الأخبار ومنها : ان كتاب حذيفة بن منصور عريّ عن هذا الحديث ...

ومنها ... الخ (٣) ، الى غير ذلك من الموارد فلاحظ.

وسيأتي في البحوث القادمة ما ينفع في المقام.

الثاني : النسخة

وهي الروايات المستنسخة عن خط الامام عليه‌السلام ، أو المنقولة عن المستنسخة عن خط الامام عليه‌السلام ، سواء كانت مبوبة أم لا ، وهي تختلف قلة وكثرة وقد اثر ذلك عن أمير المؤمنين عليه‌السلام ، وعن الامام الصادق عليه‌السلام ، وعن الرض عليه‌السلام ، وغيرهم من الائمة عليهم‌السلام.

وذكر النجاشي في عمر بن عبد الله بن يعلي بن مرّة الثقفي أن له نسخة يرويها عن أبيه ، عن جدّه عن أمير المؤمنين عليه‌السلام (٤).

وفي خالد بن أبي كريمة وخالد بن طهمان ان لهما نسخة عن أبي

__________________

(١) الفهرست الطبعة الثانية في النجف الاشرف ص ٧٩.

(٢) ن. ص ص ٥٠.

(٣) الاستبصار ج ٢ ص ٦٦ طبعة الاخوندي ، والتهذيب ج ٤ ص ١٦٩ الطبعة الثالثة.

(٤) رجال النجاشي ج ٢ الطبعة الاولى المحقّقة ص ١٢٠.

٢٦٣

جعفر عليه‌السلام (١).

وفي سفيان بن عيينة (٢) ، وعبد الله بن أبي عبد الله الطيالسي (٣) ، وغيرهما ان لهم نسخة عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، وفي محمد بن إبراهيم انّ له نسخة كبيرة عن جعفر بن محمد عليه‌السلام (٤) ، وفي محمد بن عبد الله المدني انّ له نسخة يسمّى كتابا (٥) ، وكذلك عن أبي الحسن موسى عليه‌السلام ، وأبي الحسن الرضا عليه‌السلام.

وفي محمد بن عبد الله اللاحقي انّ له نسخة مبوّبة كبيرة تشبه كتاب الحلبي ، والظاهر انها منقولة عن الامام عليه‌السلام (٦).

الثالث : الرسالة

وهي ما يكتبه الامام عليه‌السلام الى شخص أو أشخاص كرسالة الامام زين العابدين عليه‌السلام المعروفة برسالة الحقوق ، ورسالة الامام أبي جعفر عليه‌السلام إلى سعد بن طريف الحنظلي (٧) ، ورسالة الامام الصادق عليه‌السلام إلى النجاشي (٨) ، ورسالة الامام موسى بن جعفر عليه‌السلام إلى علي بن سويد السائي (٩).

والرسائل منهم عليهم‌السلام تعدّ من مصاديق الروايات.

__________________

(١) رجال النجاشي ج ١ الطبعة الاولى المحققة ص ٣٢٥.

(٢) ن. ص ج ١ ص ٤٢٦.

(٣) ن. ص ج ٢ ص ١٧.

(٤) ن. ص ج ٢ ص ٢٤٥.

(٥) ن. ص ج ٢ ص ٢٥٩.

(٦) ن. ص ص ٢٧٠.

(٧) روضة الكافي ص ٥٢ ح ١٦ الطبعة الثانية.

(٨) رجال النجاشي ج ٢ ص ٧ الطبعة الاولى المحققة.

(٩) رجال الكشي ج ٢ ص ٧٥٤ مؤسسة آل البيت.

٢٦٤

الرابع : المسائل

وهي عبارة عمّا يوجّه إلى الامام من الأسئلة ، ويجيب عنها مشافهة ، أو مكاتبة ، كمسائل علي بن جعفر عليهما‌السلام ، ومسائل علي بن يقطين ، ومسائل محمد ابن سنان ، وغيرهم.

الخامس : النوادر

وهي الروايات المتفرقة التي لا يجمعها باب واحد فقط ، بل قد تكون من أبواب متعدّدة ، وهي في الغالب غير مبوّبة ، وقد تكون مبوّبة ، كما أنّ الغالب فيها كونها غير مشهورة ، وهي تختلف قلّة وكثرة ، فقد قيل في حقّ بعض الرواة إنّ له كتاب النوادر كبير (١) ، وذكر في حقّ أحمد بن محمد بن عيسى : انّ له كتاب النوادر غير مبوّب ، وقد بوّبه داود بن كورة (٢).

السادس : الرواية

وهي ما اسند الى المعصوم عليه‌السلام مطلقا ، فتكون شاملة لجميع الموارد المتقدمة.

وأما الصحيفة والعهد فالظاهر انهما عنوانان للقسم المذكور.

وبهذا ينتهي الكلام في هذا المبحث من كلتا جهتيه ، وبه يتمّ المقام الأوّل.

__________________

(١) رجال النجاشي ج ١ ص ١٣٦.

(٢) ن. ص ص ٢١٧.

٢٦٥
٢٦٦

المقام الثاني

في مصادر الروايات وطرق صحّتها

من البحوث التي لها أهمّية ، ومساس بعمليّة الاستنباط ولا يمكن للباحث والناظر في الاحكام الاستغناء عنها هو : التحقيق حول الكتب والاصول التي هي المرجع والمستند للفقيه ، والتي أعتمدها وجمعها صاحب الوسائل ، وصاحب المستدرك في كتابيهما ، ولا يخفى أهمّية هذين السفرين الجليلين ، فكم لهما من الفوائد والآثار؟ وقد سمعنا من السيّد الاستاذ قدس‌سره قوله : ما علمت في الكتب المؤلّفة أكثر فائدة وأثرا من كتاب الوسائل.

فلا بدّ من التحقيق حول الكتب المعتمدة لهذين الكتابين وطرقها ، فيقع الكلام في مبحثين :

الأوّل : مصادر كتاب الوسائل

الثاني : مصادر كتاب المستدرك

٢٦٧
٢٦٨

المبحث الأوّل

مصادر كتاب وسائل الشيعة

* تقسيم صاحب الوسائل مصادره الى ثلاثة أقسام

* التعرض لتسعين كتابا من مصادره

* اعتبار جميع الكتب والتحقيق حول سبعة منها :

ـ تحف العقول

ـ كتاب سليم بن قيس

ـ طب الأئمة عليهم‌السلام

ـ صحيفة الرضا عليه‌السلام

ـ تفسير الامام الحسن العسكري عليه‌السلام

ـ كتاب الغارات

ـ تفسير فرات الكوفي

٢٦٩
٢٧٠

ذكر المحدّث الحرّ العاملي قدس‌سره ، أنّ الكتب التي استند إليها على ثلاثة أقسام :

الأوّل : الكتب التي وصلت إليه ، وينقل عنها مباشرة ، وهي قريب من تسعين كتابا (١) ، وقد ذكر في حقّها انّها قد ثبت اعتبارها ، إمّا عن طريق العلم والتواتر ، وإمّا بواسطة القرائن ، ومع ذلك فله طرق إليها ، وهي على نحوين :

١ ـ ما يذكرها بالطريق العامّ ، وهي الأكثر.

٢ ـ ما يذكرها بطرق مستقلّة ، وهي خمسة وعشرون كتابا (٢).

الثاني : الكتب التي لم تصل إليه ونقل عنها بالواسطة ، وتبلغ ستّة وتسعين كتابا ، مع تصريحه بأسمائها. (٣)

الثالث : الكتب التي استند إليها مع عدم تصريحه بأسمائها في سند الرواية ، وهي تربو على ستّة آلاف وستّمائة كتاب.

هذا بالنسبة إلى الكتب ، وأمّا بالنسبة إلى الطرق لهذه الكتب فلا اشكال في ثبوتها للقسم الأول ، وإنّما الاشكال في كلّ من القسم الثالث إذ لم يذكر أسماءها ، وفي بعض القسم الثاني ، حيث صرّح في الوسائل انّها لم تصل إليه ونقل عنها بالواسطة مع أنّه ذكر في إجازته إلى الفاضل المشهدي أنّ له طريقا إليها ، وينقل عنها مباشرة ، ومنها كتاب مدينة العلم ، وكتاب الرحمة ، لسعد بن عبد الله ، وكتاب الرسائل ، وتعبير الرؤيا للكليني رحمه‌الله ، وكتاب الصلاة ، للحسين بن سعيد ، وكتاب

__________________

(١) وسائل الشيعة ج ٢ الفائدة الرابعة ص ٣٦ المطبعة الاسلامية.

(٢) ن. ص ج ٢٠ الفائدة الخامسة.

(٣) وسائل الشيعة ج ٢٠ الفائدة الرابعة ص ٤٧.

٢٧١

المبعث لعلي بن إبراهيم ، وكتاب الدلائل للحميري ، وغيرها من الكتب. (١)

فيعلم من ذلك أنّ إجازته للفاضل المشهدي وما ذكره من الطرق أوسع ممّا في الوسائل ، فلا بدّ من رفع التنافي بينهما وعلاجه.

ويمكن أن يقال في توجيهه : إمّا أنّه ظفر بالطريق بعد تصنيفه لكتاب الوسائل ، فتكون إجازته للفاضل المشهدي متأخّرة عنه ، وامّا أنّها وصلت إليه مستقلّة عن طريق العلم والتواتر ، أو القرينة ، فتدخل في القسم الأوّل ، أو أنها وصلت إليه من جهة الطريق فهي داخلة في القسم الثاني.

وبأحد هذين التوجيهن يمكن رفع التنافي والجمع بين كلاميه إلّا أنّ التوجيه الثاني أولى وأصحّ.

ونتيجة ذلك انّ صاحب الوسائل لا يمكنه أن ينقل عن كتب القسم الثاني إلّا مع الواسطة ، بخلاف القسم الأوّل ، فإنّه يمكنه النقل عنها مباشرة كما يمكنه أن ينقل عنها بواسطة الطرق.

والحاصل انّ له في المقام دعويين :

الاولى : أنّ هذه الكتب معلومة لديه أمّا بالتواتر أو بالقرائن.

الثانية : انّ له طرقا إليها.

ودعواه الاولى ـ وإن كانت في مثل كتاب الكافي ، وكتب الشيخ وكتب الصدوق ، وكتب الشيخ المفيد ، وأمثالها ـ تامّة إلّا أنّها في سائر الكتب محلّ تأمّل ، فلا بدّ لكلّ من يتصدّى لجعلها مدركا للأحكام الشرعية من الفحص عن الطرق إليها ، وتحصيل الاطمئنان بها ، وبناء على ذلك يقع الكلام في الطرق إلى هذه الكتب ، فنقول : إنّ صاحب الوسائل قد ذكر أنّ الكتب الواصلة إليه ثمانون كتابا ،

__________________

(١) البحار ج ١١٠ ص ١٠٧ المطبعة الاسلامية.

٢٧٢

وذكرها بأسمائها (١) ، وبعد الفحص والتتبّع فيما وصل إليه وجدنا أنّ ثلاثة وسبعين كتابا منها طرقها صحيحة ، وأنّ لبعضها طرقا متعدّدة ، ككتب الشيخ الطوسي فإنّ لها أكثر من عشرة طرق ، وأشهرها الطريق الذي ينتهي إلى ابنه أبي علي المفيد الثاني.

وكذلك الطرق إلى كلّ من الكافي ، وكتب الصدوق ، ووالده ، وكتب المفيد ، وكتب الصفّار ، وكتب ابن الوليد وامثالها ، ثابتة وصحيحة ، وبعضها متعدّد.

والطرق إلى هذه الكتب صحيحة وإن ناقش في بعضها السيّد الاستاذ قدس‌سره ، مثل كتب سعيد بن هبة الله الراوندي ، فقد نفى أن يكون لصاحب الوسائل طريقا صحيحا إلى كتبه ، عدا كتاب الخرائج والجرائح (٢) ، إلّا أنّه بعد البحث في اصول الإجازات تبيّن أنّ كلّ هذه الكتب صحيحة الطرق بلا إشكال (٣) ، وعليه فيمكن القطع بأنّ ثلاثة وسبعين كتابا ممّا وصل إلى صاحب الوسائل صحيحة الطرق ، ولا كلام في اعتبارها ، والاستناد إليها من دون حاجة إلى ذكر طرقها ، والتحقيق حولها.

وبقى الكلام حول الباقي ، وهي سبعة كتب غير مشمولة للطريق العامّ ، وهي :

١ ـ تحف العقول. ٢ ـ كتاب سليم بن قيس. ٣ ـ طبّ الأئمة عليهم‌السلام.

٤ ـ صحيفة الرضا عليه‌السلام. ٥ ـ تفسير الامام الحسن العسكري.

٦ ـ كتاب الغارات. ٧ ـ تفسير فرات.

فلا بد من التحقيق في كل منها على نحو التفصيل :

__________________

(١) وسائل الشيعة ج ٢٠ الفائدة الرابعة ص ٣٦ ، المطبعة الاسلامية.

(٢) ذكر ذلك السيد الاستاذ قدس‌سره في مجلس الدرس.

(٣) البحار ج ١١٠ ص ١١٦ المطبعة الاسلامية.

٢٧٣

الاول

كتاب تحف العقول

للشيخ أبي محمد الحسن بن

علي بن الحسين بن شعبة الحرّاني

وهو من الكتب التي يمكن أن يقال بصحة رواياته ، رغم ما رمي به من الإرسال وعدم الإعتبار ، وذلك استنادا الى شهادة مؤلفة حيث قال في مقدمة الكتاب : «ووقفت مما انتهى إليّ من علوم السادة عليهم‌السلام ، على حكم بالغة ، ومواعظ شافية» ، وقال في موضع آخر من المقدمة : «وأسقطت الأسانيد ، تخفيفا وايجازا ، وإن كان أكثره لي سماعا» ، الى أن قال : «بل خذوا ما ورد إليكم عمن فرض الله طاعته عليكم ، وتلقوا ما نقله الثقاة عن السادات ، بالسمع والطاعة ، والإنتهاء إليه والعمل به» (١).

فهذه العبارات شهادة منه على أن ما ضمنّه كتابه نقله الثقاة عن الأئمة عليهم‌السلام والتحقيق يقتضي التكلم في جهات ثلاث : المؤلف ، والطريق الى الكتاب ، والشهادة ودلالتها.

اما الجهة الاولى فقد وصفه صاحب الوسائل عند ذكر كتابه : بالشيخ الصدوق الحسن بن علي بن شعبة (٢) ، وقال عنه في أمل الآمل : أبو محمد الحسن بن علي بن شعبة فاضل ، محدث ، جليل ، له كتاب تحف العقول عن آل

__________________

(١) تحف العقول عن آل الرسول ص ٢ و ٣ و ٤ منشورات جامعة المدرسين قم.

(٢) وسائل الشيعة ج ٢٠ الفائدة الرابعة ص ٤١ منشورات المكتبة الاسلامية.

٢٧٤

الرسول ، كثير الفوائد ، مشهور (١).

وقال عنه الشيخ ابراهيم القطيفي ـ المعاصر للمحقق الكركي ـ في كتابه الوافية في الفرقة الناجية : رواه (الحديث الاول) الشيخ العالم ، الفاضل ، العامل ، الفقيه ، النبيه ، ابو محمد الحسن بن علي بن شعبة الحراني. (٢)

وذكره المحدث القمي في سفينة البحار فقال : الحراني أبو محمد الحسن بن علي بن شعبة كان رحمه‌الله عالما ، فقيها ، محدثا ، جليلا ، من مقدمي أصحابنا ، صاحب كتاب تحف العقول ، وهو كتاب نفيس ، كثير الفائدة ، قال الشيخ الجليل ، العارف الرباني ، الشيخ حسين بن علي بن صادق البحراني ، في رسالته في الإخلاق والسلوك إلى الله ، على طريقة أهل البيت عليهم‌السلام في أواخرها : «ويعجبني أن أنقل في هذا الباب حديثا ، عجيبا ، وافيا ، شافيا ، عثرت عليه في كتاب تحف العقول ، للفاضل النبيل ، الحسن بن علي بن شعبة من قدماء أصحابنا ، حتى أن شيخنا المفيد ينقل عن هذا الكتاب ، وهو كتاب لم يسمح الدهر بمثله» (٣).

وقال صاحب الرياض : الفاضل ، العالم ، الفقيه ، المحدث ، المعروف ، صاحب كتاب تحف العقول عن آل الرسول. (٤)

أقول : إن ابن شعبة وإن كان من القدماء ، ومعاصرا للشيخ الصدوق رحمه‌الله وهو من تلاميذ أبي علي محمد بن همام الثقة الجليل ، ولم تتعرض الكتب الرجالية لترجمته عدا من ذكرنا كلماتهم وهم من المتأخرين الا إن ابن شعبة لما

__________________

(١) أمل الآمل القسم الثاني ص ٧٤ الطبعة الاولى المحققة.

(٢) مستدرك الوسائل ج ٣ ص ٣٢٧ الطبعة القديمة.

(٣) سفينة البحار ج ٤ ص ٤٤١ الطبعة الاولى ١٤١٤ ه‍ دار الأسوة للطباعة والنشر.

(٤) رياض العلماء ج ١ ص ٢٤٤ مطبعة الخيام ـ قم.

٢٧٥

كان من المشهورين فمن البعيد أن يكون مدح هؤلاء له وثناؤهم عليه بلا مستند ، وان لا يكون مدركهم أقوال أو كتب من تقدمهم فجانب الحس هنا أقوى من جانب الحدس ، وبهذا يكتفي في اعتباره والحكم بوثاقته ، بل الذي يظهر أنه من الاجلاء.

والحاصل أن هذه الجهة تامة ولا إشكال فيها.

وأما الجهة الثانية ـ وهي الطريق الى الكتاب ، فقد عدّه صاحب الوسائل من الكتب المعتمدة التي وصلت إليه ، الا أنه لم يتعرض إلى طريقه بخصوصه ، نعم قال في آخر كلامه : «ونروي باقي الكتب بالطرق المشار إليها ، والطرق المذكورة عن مشايخنا وعلمائنا رضي‌الله‌عنهم جميعا» (١).

ومن المعلوم أن هذا الكتاب داخل في قوله : «الطرق المذكورة عن مشايخنا» وذلك لعدم ذكر ابن شعبة في قوله : «الطرق المشار اليها».

ومعنى ذلك أن للشيخ صاحب الوسائل طريقا الى مثل هذا الكتاب ، وهو موجود في الاجازات ، ولو لم يكن له طريق إليه لاستثناه ، كما استثنى غيره مما لم يظفر بطريق إليه.

هذا مضافا الى أن المستفاد من كلام صاحب الوسائل في كتابه أمل الآمل أن الكتاب مشهور ، كما يستفاد ذلك من كلام الشيخ البحراني الذي نقله المحدث القمي كما تقدم.

والحاصل أن وجود الطريق ـ ولو اجمالا ـ والشهادة بأن الكتاب مشهور ـ وأن لم نظفر نحن بالطريق ـ كاف في اعتبار الكتاب ، وبذلك تخرج رواياته عن الارسال.

__________________

(١) وسائل الشيعة ج ٢٠ الفائدة الخامسة ص ٦١ المكتبة الاسلامية.

٢٧٦

وأما الجهة الثالثة ـ وهي الشهادة ودلالتها ـ فالذي يظهر منه أمور :

الاول : أن روايات الكتاب كلها مسندة ، وإنما حذفها للتخفيف والإيجاز.

الثاني : ان أكثرها مسموعات.

الثالث : أنها منقولة عن الثقاة ، عن الائمة السادات عليهم‌السلام والذي ينفع في المقام ، الأمران الاول والثالث ، فبضم احدهما إلى الآخر يمكن استظهار صحة روايات الكتاب.

ولكن الإنصاف عدم صراحة كلامه في هذا المعنى ، بحيث تكون جميع روايات الكتاب واجدة لهاتين الخصوصيتين ، فإن عباراته لا تخلو عن اجمال.

فإن تمكنا من تحصيل الإطمئنان بهذه الشهادة ، وأن جميع روايات الكتاب كانت مسندة ، وكلها عن الثقاة ، فلا بد من الحكم بالصحة والاعتبار والا فلا ، والإحتياط في محله.

٢٧٧

الثاني

كتاب سليم بن قيس

والمؤلّف وهو سليم بن قيس الهلالي من الأجّلاء والثقاة (١) ، وقد ذكر في ترجمته ، أنّه هرب من الحجّاج ، ولجأ إلى أبان بن أبي عيّاش ، وبقي عنده إلى آخر حياته ، وقد استدعى أبانا في آخر أيّامه ، وقال له : يا أبان ، قد جاورتك فلم أر منك إلّا ما احبّ ، وإنّ عندي كتبا سمعتها عن الثقاة ، وكتبتها بيدي ، فيها أحاديث لا أحب أن تظهر للناس ، لأن الناس ينكرونها ويعظمونها ، وهي حق ، أخذتها من أهل الحقّ ، والفقه ، والصدق ، والبر ، عن علي بن أبي طالب عليه‌السلام ، وسلمان الفارسي ، وأبي ذرّ الغفّاري ، والمقداد بن الاسود ، وليس منها حديث أسمعه من أحدهم إلّا سألت عنه الآخر حتى اجتمعوا عليه جميعا ... (٢).

وأمّا الكتاب فقد وقع الخلاف فيه ، فذهب بعضهم إلى انّ الكتاب يعدّ من أكبر الاصول ، وورد عن النعماني ـ وهو من علماء القرن الرابع ـ أنّ كتاب سليم أصل من أكبر كتب الاصول التي ترجع إليها الشيعة ويعوّل عليها (٣) ، وذهب ابن الغضائري إلى انّ الكتاب موضوع ، ولا مرية في ذلك ، وذكر امارات على دعواه ، منها :

أوّلا : انّ راوي الكتاب مختلف ، فقد قيل : إنّه أبان بن أبي عيّاش ، وقيل : هو إبراهيم بن عمر اليماني ، عن عمر بن اذينه ، فالطريق إليه مختلف.

ثانيا : انّ الكتاب يشتمل على أمور لا يمكن التصديق بها ، مثل : انّ محمد

__________________

(١) رجال الكشي ج ١ ـ مؤسسة آل البيت ص ٣٢١ ومعجم رجال الحديث ج ٩ الطبعة الخامسة ص ٢٣٠.

(٢) البحار ج ١ ص ٧٨ الطبعة الاسلامية.

(٣) غيبة النعماني ـ الطبعة الاولى المحققة ص ١٠١.

٢٧٨

بن أبي بكر وعظ أباه عند موته ، والحال أنّ عمر محمد بن أبي بكر عند وفاة أبيه كان ثلاث سنوات ، ومثل : أنّ الأئمّة ثلاثة عشر إماما ، وغيرها. (١)

وذهب الشيخ المفيد إلى رأي وسط بين القولين حيث ذكر عند ردّه لرواية تمسّك بها الشيخ الصدوق مستندا إلى كتاب سليم : إنّ الرواية صحيحة المعنى إلّا أنّ الكتاب ليس بموثوق لأنّ فيه خلطا بين الصحيح وغيره ، وكأنّه قد دسّ في الكتاب ، واختلطت الروايات فيه ، فلا بدّ من تمييزها لمعرفة الصحيح من غيره. (٢)

ومن هذا كلّه يعلم انّ نسخ الكتاب مختلفة ، ولاختلافها اختلفوا فيه ، فمن قائل بأنّه موضوع كابن الغضائري ، ومن قائل بأنّه من أكبر الاصول كالنعماني ، ويشهد للأخير أنّ النجاشي والشيخ حينما ذكرا الكتاب (٣) لم يتعرّضا إلى أنّه موضوع ، وهذا إشعار بسلامته من الوضع ، فعلى قول ابن الغضائري يكون الكتاب غير صحيح ، وعلى قول غيره لا بأس به.

وأمّا الطريق إلى الكتاب ، فقد ذكر العقيقي (٤) انّ الراوي الوحيد للكتاب هو أبان بن أبي عيّاش ، إلّا أنّ المفهوم من كلام الشيخ ، والنجاشي انّ للكتاب طرقا متعدّدة ، فقد ذكرا أنّ عثمان بن عيسى ، وحمّاد بن عيسى ، وحمّاد بن عثمان رووا الكتاب عن إبراهيم بن عمر اليماني ، عن أبان تارة ، وعن إبراهيم ، عن سليم تارة اخرى (٥) ، كما قد وقع في روايات الكتاب على ما ذكر في البصائر ، والاختصاص ، بسندهما عن علي بن جعفر الحضرمي ، عن سليم ، وفي بعض نسخ الكتاب عن معمر بن راشد ، عن أبان ، عن سليم ، وفي بعضها : أبان

__________________

(١) تنقيح المقال ج ٢ الطبع القديم ص ٥٢.

(٢) تصحيح الاعتقاد الطبعة الاولى المحققة ص ١٤٩.

(٣) رجال النجاشي ج ١ الطبعة الاولى المحققة ص ٦٨ والفهرست الطبعة الثانية في النجف الاشرف ص ١٠٧.

(٤) رجال العلامة ـ الطبعة الثانية في النجف الاشرف ص ٨٣.

(٥) رجال النجاشي ج ١ الطبعة الاولى المحققة ص ٦٩ والفهرست الطبعة الثانية ص ١٠٧.

٢٧٩

بن تغلب ، إن لم يكن تصحيفا لأبان بن أبي عيّاش ، والحاصل انّ الطريق غير منحصر بأبان بن أبي عيّاش ، فكلام العقيقي في غير محلّه ، وكيف كان فالطريق إن كان منحصرا بأبان فهو ضعيف بأبان ، وإن كان متعدّدا كما هو الصحيح فالكتاب معتبر لكون أحد الطرق ينتهي إلى ابراهيم بن عمر اليماني وهو ثقة ، إلّا أنّ في طريق النجاشي ، والشيخ ، محمد بن علي الصيرفي وهو ضعيف ، فيكون الكتاب عن طريق النجاشي ، والشيخ ضعيفا ، نعم لو ثبت تواتر الكتاب فلا حاجة إلى الطريق إلّا أنّه غير ثابت ، فلا يمكننا الاعتماد على هذا الكتاب ، والاستناد إليه بالنسبة إلى الأحكام ، وإن عدّه صاحب الوسائل من الكتب المعتبرة.

ولكننا بعد التتبع في الإجازات وجدنا طريقا آخر غير ما ذكره صاحب الوسائل في إجازته للفاضل المشهدي ، وهو طريق صاحب الوسائل نفسه إلى الكليني (١) ، وهذا الطريق وان كان ينتهي إلى أبان وهو لم يوثّق ، إلّا أنّنا ذكرنا في ما سبق انّه إذا كان لأحد مشايخ النجاشي طريقان ، وكان أحدهما معتبرا ولم يذكر اختلاف النسخ فيمكن تركيب الاسناد ويصحّ الكتاب ، وتصحيح الطريق بواسطة رواية حمّاد بن عيسى ، عن إبراهيم بن عمر ، عن سليم ، وهذا طريق صحيح ، ذكره النجاشي بواسطة الصيرفي إلّا أنّ طريق الكليني ينتهي إلى حمّاد وهو صحيح ، وبعده ينتهي إلى أبان وهو ضعيف ، فيرفع اليد عن صدر سند النجاشي المشتمل على الصيرفي ، ونضع مكانه ما بعد حمّاد ، ومن ذيل سند النجاشي المنتهي إلى إبراهيم ، وبعبارة أخرى : إنّ نقطة الاشتراك بين السند هو حمّاد بن عيسى ، فنأخذ ما قبل حمّاد من سند الكليني ، وما بعد حمّاد من سند النجاشي ، فيصحّ السند.

وعلى هذا المبنى يصحّ كتاب سليم ويرتفع الاشكال عنه ، فيمكن الاعتماد عليه وتتمّ دعوى صاحب الوسائل.

__________________

(١) البحار ج ١١٠ ص ١٢٠ المطبعة الاسلامية.

٢٨٠