أصول علم الرجال بين النظريّة والتطبيق

محمد علي صالح المعلّم

أصول علم الرجال بين النظريّة والتطبيق

المؤلف:

محمد علي صالح المعلّم


المحقق: محمد علي صالح المعلّم
الموضوع : رجال الحديث
الناشر: المؤلّف
المطبعة: نمونه
الطبعة: ١
الصفحات: ٧٠٦

الحادي عشر

البحث حول كتاب الاحتجاج

لأبي منصور أحمد بن علي بن أبي طالب الطبرسي

* شهادة المؤلف ودلالتها

* أقسام الشهرة

* الحكم بأن روايات الكتاب مرسلة

* استثناء ما روي عن الامام العسكري (ع) وإرجاء البحث فيه

٢٢١
٢٢٢

وهو من الكتب التي قيل بصحة رواياتها ، اعتمادا على ما ورد في مقدمة الكتاب ، حيث قال المصنف : «ولا نأتي في أكثر ما نورده من الأخبار باسناده ، إما لوجود الاجماع عليه ، أو موافقته لما دلت العقول اليه ، أو لاشتهاره في السير والكتب بين المخالف والمؤالف ، إلا ما أوردته عن أبي محمد الحسن العسكري عليه‌السلام ، فانه ليس في الاشتهار على حد ما سواه ، وإن كان مشتملا على مثل الذي قدمناه ...» (١).

وحاصل كلامه ان روايات الكتاب صحيحة ، لأنها اما أن تكون مطابقة للاجماع ، أو موافقة للعقل ، أو موافقة للشهرة بين المؤالف والمخالف ، ولذلك حذف أسانيد الروايات لعدم الحاجة إلى ذكرها ، إلا ما أورده في تفسير الامام الحسن العسكري عليه‌السلام.

ويقع الكلام في هذه الشهادة ودلالتها ، اذ لا اشكال في المؤلف وهو ابو منصور أحمد بن علي بن أبي طالب الطبرسي فإنه من الأجلاء الثقاة (٢).

وكذا لا إشكال في الطريق إلى الكتاب ، فان لصاحب الوسائل طريقا معتبرا إليه.

والتحقيق في دلالة الشهادة انها تتضمن امورا ثلاثة :

١ ـ الاجماع. ٢ ـ موافقة العقل. ٣ ـ الشهرة.

أما بالنسبة للاجماع فإن تم كان ذلك موجبا لاعتبار الكتاب ، بمعنى ان روايات الكتاب إن وافقت الاجماع من المؤالف والمخالف ، كانت معتبرة إلا أن ذلك لم يثبت.

وأما بالنسبة لموافقة العقل فمعناها مطابقة الرواية للمدركات العقلية ،

__________________

(١) الاحتجاج للطبرسي ج ١ ص ٤ مؤسسة النعمان ـ بيروت.

(٢) أمل الآمل ج ٢ الطبعة الاولى في النجف الاشرف ص ١٧.

٢٢٣

وليس المراد ما تقدم ذكره في القرائن على اعتبار الروايات (١) ، من أصالة الاباحة ، أو الحظر ، أو الوقف ، لاقتضاء المقام ذلك.

والموافقة بالمعنى المراد هنا لا توجب اعتبار الرواية ، لأن مطابقة الرواية لما دلت عليه العقول وإن صححت مضمونها ، إلا أن ذلك لا يدلّ على صدورها عن المعصوم ، إذ أننا في صدد إثبات صدور الرواية عن المعصوم ، وليس كل ما هو صحيح في نفسه صادر عن المعصوم ، فان بينهما عموم وخصوص مطلق والموافقة هنا أعم من المدعى.

أما بالنسبة إلى الشهرة فهي على أنحاء ثلاثة :

١ ـ عملية. ٢ ـ فتوائية. ٣ ـ روائية.

أمّا الاولى فهي موجبة لجبر ضعف الرواية ، كما تقدم الحديث عن ذلك مفصلا (٢).

وأما الثانية فمحل الكلام عنها علم الاصول والفقه (٣).

وأما الثالثة فهي المرادة هنا ، فإن كانت الرواية مطابقة للشهرة بهذا المعنى واوجبت الاطمئنان ، فالرواية معتبرة ، وإلا فلا.

نعم في مقام التعارض يمكن اعتبار الشهرة الروائية ، بمعنى أن احد المتعارضين إذا كان مطابقا للشهرة دون الآخر قدم المشهور ، وأما في غير باب التعارض فلا تكون الشهرة موجبة لاعتبار الرواية أو مرجحة لها.

واحتمال الشمول لغير باب التعارض بمقتضى إطلاق قوله عليه‌السلام : «خذ بما اشتهر بين أصحابك ، أو المجمع عليهم» (٤) موهون ، فالقدر المتيقن هو خصوص باب التعارض ، مضافا إلى أن روايات الكتاب ليست واردة في مقام

__________________

(١) ص ٣٧ من هذا الكتاب.

(٢) ص من هذا الكتاب.

(٣) فرائد الاصول (الرسائل) الطبعة القديمة ص ٦٥ وغيره من الكتب الاصولية.

(٤) جامع احاديث الشيعة ج ١ الطبعة العلية ص ٢٥٥ ج ٤٢٨ ، ٤٢٩.

٢٢٤

التعارض ليمكن اعمال الشهرة فيها ، فلا تكون الشهرة موجبة لحجية الرواية.

والخلاصة أن مطابقة الرواية لما دلت عليه العقول ، وموافقتها للشهرة في غير باب التعارض ، لا يثبتان حجية الروايات.

ومن جهة أخرى أن ترديد المصنف للروايات بين الموارد الثلاثة ، يوجب عدم الاطمئنان بحجية جميعها ، فلا يمكن القول بأن الروايات صحيحة أو تعامل معاملة الصحيحة.

ومع غض النظر عن ذلك وافتراض تمامية هذه الامور الثلاثة لاعتبار الروايات ، إلّا ان موضوع الكتاب ومورد الكلام فيه الاحتجاجات ، لا الاحكام فان اوجب نفس الاحتجاج حكما من الاحكام كان للتصحيح على فرض ثبوته وجه.

وإن لم يوجب ذلك بل كان الحكم مستفادا بالعرض ومذكورا بالاستطراد ، فشمول التصحيح له محلّ اشكال.

ونتيجة البحث ان روايات الاحتجاج تعامل معاملة المرسلات بالنسبة الى غير المسند فيه ، وهو المروي عن الامام الحسن العسكري عليه‌السلام وسيأتي البحث عنه مفصلا تحت عنوان تفسير الامام العسكري عليه‌السلام.

٢٢٥
٢٢٦

الثاني عشر

البحث حول أحاديث الصادق عليه‌السلام وكتاب عوالي اللئالي

للشيخ محمد بن أبي جمهور الاحسائي

* استعراض ما قيل في صحة ما روي عن الامام الصادق عليه‌السلام

* نقد الادلة وتوجيهها

* عوالي اللئالي ومؤلفه ومنزلتها عند الاعلام

* شهادة المؤلف ودلالتها

* جولة في الكتاب واستعراض فصوله

* التحقيق حول مضمون الكتاب

* نتائج الأبحاث

٢٢٧
٢٢٨

أولا : أحاد الصادق عليه‌السلام

وهي الأحاديث المروية عن أبي عبد الله جعفر بن محمد الصادق عليهما‌السلام ، فقد يقال بصحة جميع هذه الروايات اعتمادا على ما ورد في اجازة الشيخ إبراهيم القطيفي للخليفة شاه محمود ، واجازته أيضا للشيخ شمس الدين بن ترك رحمهم‌الله ، وقد ذكر فيهما طريق ابن العلامة فخر المحققين قدس‌سره الى الاحاديث المروية عن الامام الصادق عليه‌السلام ، قال في الاجازة الاولى : وأعلم أن فخر الدين محمد بن الحسن ذكر أن له طرقا الى الصادق عليه‌السلام تزيد على المائة ، فمنها ما رواه عن والده ، عن جده يوسف بن المطهر ، عن السيد أحمد بن يوسف الحسيني ... إلى أن يصل إلى ـ الشيخ أبي جعفر ـ ، عن الشيخ المفيد ، عن ابن قولويه ، عن محمد بن يعقوب الكليني ، عن محمد بن علي بن محبوب ، عن محمد بن أحمد العلوي ، عن العمركي ، عن علي بن جعفر ، عن أخيه موسى عليه‌السلام عن جعفر بن محمد عليه‌السلام ، وهذا الطريق بعينه مع باقي الطرق لي إليه عليه‌السلام ، ولا يخفى إيصال طريقه بالله تعالى لأنّه المرجع (١) ... الخ.

وقال في الاجازة الثانية : واعلم انّ لي إلى جعفر بن محمد الصادق عليه‌السلام طرقا تزيد على المائة ، وأنا أذكر منها طريقا واحدا وهي الطريق التي لي إلى الشيخ أبي جعفر الطوسي عن المفيد ... إلى أن يقول : وانما اقتصرت على هذا الطريق لان الطرق الاخرى مذكورة في الروايات (٢) ... الخ.

فيظهر من هاتين الاجازتين ، أن جميع أحاديث الصادق صحيحة ، سواء كانت في الكتب الأربعة ، أو غيرها مما يكون من مرويّات الشيخ المفيد ، والشيخ

__________________

(١) البحار ج ١٠٨ ص ٨٧ ـ ٨٨ ، المطبعة الاسلامية.

(٢) البحار ج ١٠٨ ص ١٠٠ ـ ١٠١.

٢٢٩

الطوسي ، وإلا فذكر الطرق بلا فائدة ، لأن كلّ أحد من المشايخ أو الرواة له طريق صحيح عن أحد الأئمة عليهم‌السلام أو جميعهم ولو في مورد واحد.

فهذه الطرق اما أن تكون لجميع الروايات ، عنه عليه‌السلام ، وأما لبعضها غير المعين ، وأما لبعضها المعين والأخير خلاف الفرض ، والثاني بلا فائدة ، فيتعين الأول.

وممن استظهر ذلك الشيخ محمد بن أبي جمهور الاحسائي ، فقد ذكر في إجازته للسيد محسن الرضوي ، سبعة طرق للروايات ، ثم قال : فجميع هذه الطرق لجمال المحققين ينتهي الى شيخ الطائفة ومحدّثهم وفقيههم أعني الشيخ محمد بن الحسن الطوسي ، وهو أعني الشيخ يروي عن الائمة الطاهرين عليهم‌السلام وله في روايته طريقان ... وهنا طريق آخر ... فبهذه الطرق ، وبما اشتملت عليه من الأسانيد المتصلة المعنعنة الصحيحة الاسناد المشهورة الرجال بالعدالة والعلم ، وصحة الفتوى ، وصدق اللهجة ، أروي جميع ما أرويه وأحكيه من أحاديث الرسول وائمة الهدى عليه وعليهم افضل الصلاة والسلام المتعلقة بالفقه والتفسير والحكم والادب والمواعظ وسائر الفنون ، الدنيوية والاخروية ، بل وبه أروي جميع مصنفات العلماء من أهل الاسلام ، وأهل الحكمة ، وأقاويلهم في جميع فنون العلم ، وفتاويهم واحكامهم المتعلقة بالفقه وغيره من السير ، والتواريخ ، والاحاديث ، فجميع ما أنا ذاكره في هذا الكتاب (١) من الأحاديث النبوية والامامية ، طريقي في روايتها واسنادها وتصحيحها هذه الطرق المذكورة عن هؤلاء المشايخ المشهورين بالعلم والفضل والعدالة والله ملهم الصواب (٢)».

__________________

(١) أي كتاب عوالي اللئالي.

(٢) البحار ج ١٠٨ ص ١٣ الطبعة الاسلامية.

٢٣٠

فبهذه الطرق المتصلة بأسانيدها الصحيحة يروي ابن أبي جمهور جميع الروايات التي أوردها في كتابه عوالي اللئالي فتكون صحيحة ومعتبرة.

الا أنه وقع الخلاف في هذا الكتاب ومؤلفه ، بين الافراط والتفريط ، فبعضهم ضعّف الكتاب ، وقدح في المؤلف ، ولم يعتبر بشيء من روايات الكتاب.

وصحح آخر الكتاب بجميع رواياته.

والتحقيق في المقام يقتضي التكلّم من جهتين :

١ ـ الطرق المذكورة ودلالتها على صحة جميع الروايات.

٢ ـ حجية دعوى صاحب العوالي بالنسبة إلينا.

أما الجهة الاولى : فقد يقال إن جميع الروايات التي ينتهي سندها إلى الصادق عليه‌السلام ـ بالطرق الثلاثة التي ذكر الشيخ القطيفي اثنين منها ، وأضاف الشيخ الاحسائي الثالث ـ صحيحة ومعتبرة ، وإلا فأيّ فائدة في ذكر هذه الطرق ولا سيما أن لفخر المحققين ما يربو على مائة طريق ، وقد أشرنا آنفا الى تعين الفائدة في صحة جميع الروايات.

والصحيح في المقام : أن هذا مجرد احتمال ، ولا يبعد أن يكون مراد القائل هو ورود الطرق على نحو التوزيع والتقسيم ، فيكون بعض الاسناد لبعض الروايات ، وآخر لآخر ، وهكذا ولا تكون كل هذه الطرق لكل رواية رواية ، فالدعوى بأن جميع أحاديث الصادق عليه‌السلام صحيحة بهذه الطرق غير تامة.

لا يقال : بناء على ذلك لا فائدة في ذكر الطرق.

لانا نقول : أولا ان ذكر الأسانيد قد يكون للتيمن والتبرك ، والتخصيص بالطريقين اللذين ذكرهما فخر المحققين لعلّو سندهما ، وصحتهما ، وليست

٢٣١

الفائدة في ذكر السند منحصرة في الحكم بصحة الروايات ، بل قد يكون للتيمن والتبرك ـ كما ذكرنا ـ حتى ان بعضهم يفتخر بهذه السلسلة من السند ، وعليه فلا يمكن القول باعتبار اسناد جميع الروايات وصحتها.

وثانيا إننا لو قلنا بأن كل الطرق لكل رواية رواية فلازم ذلك أن تكون كل الروايات عن الصادق عليه‌السلام متواترة ، فينتفي خبر الواحد من البين ، وذلك لا يتصور الالتزام به ، حتى من مدعيه.

وثالثا : انه لا يمكن أن يكون مائه طريق أو اكثر لكل رواية رواية ، لأن لازمه أن تكون كلّ رواية يرويها أكثر من مائة شخص ، مع أن بعض الروايات منحصرة في راو واحد ، فهذا الاحتمال بعيد جدا.

نعم يمكن أن يقال : بأن عبارة الشيخ القطيفي في الاجازة الثانية ، دالة على المدعى ، حيث قال : (وانما اقتصرت على هذا الطريق لأن الطرق الأخرى مذكورة في الروايات (١) ، فيكون مفادها أنه لكل رواية مائة طريق أو أكثر مذكورة في الروايات).

ولكن يقال في جوابه : بعدم دلالة العبارة على ذلك ، بل دلالتها على ما استظهرناه أقوى ، من أن المراد هو المجموع من حيث المجموع على نحو التوزيع والتقسيم ، والا لزمت المحاذير المتقدمة.

ثم أن هناك وجها آخر ذكر لتوثيق جميع من روى عن الامام الصادق عليه‌السلام وسيأتي الحديث عنه عند الكلام في التوثيقات العامة.

__________________

(١) البحار ج ١٠٨ ص ١٠٠ ـ ١٠١.

٢٣٢

ثانيا : كتاب عوالي اللئالي

وأما الجهة الثانية : وهي اعتبار دعوى صاحب العوالي بالنسبة الينا ، فالكلام فيها يقع في ثلاث نقاط :

١ ـ شخص المؤلف.

٢ ـ في مضمون الكتاب.

٣ ـ في الشهادة ودلالتها.

النقطة الاولى : وهو الشيخ محمد بن الشيخ زين الدين أبي الحسن علي بن حسام الدين إبراهيم بن حسين بن إبراهيم بن أبي جمهور الهجري الاحسائي ، واختلف في شخص المؤلف قدحا ومدحا ، فذهب الاكثر إلى مدحه وعدم القدح فيه.

١ ـ فقد قال صاحب آمل الآمل رحمه‌الله «كان عالما فاضلا راوية ... (١)» وفي موضع آخر «فاضل محدث» (٢).

٢ ـ وقال صاحب اللؤلؤة رحمه‌الله : «... كان فاضلا مجتهدا متكلما (٣) ...».

٣ ـ وقال المحقق الكاظمي رحمه‌الله في كتاب المقابيس.

«... العالم الفقيه النبيل المحدث الحكيم المتكلم الجليل محمد بن علي بن إبراهيم بن أبي جمهور ، سقاه الله يوم النشور من الشراب الطهور (٤) ...».

٤ ـ وقال العالم الجليل الامير محمد حسين الخاتون آبادي في مناقب الفضلاء «... وعن الشيخ الموثّق العلّامة محمد بن علي بن إبراهيم الاحساوي

__________________

(١) أمل الآمل ج ٢ الطبعة الاولى ص ٢٥٣.

(٢) ن. س ص ٢٨٠.

(٣) لؤلؤة البحرين مطبعة النعمان ـ النجف الاشرف ص ١٦٧.

(٤) عن مستدرك الوسائل الطبعة القديمة ص ٣٦٢.

٢٣٣

طيب الله ضرائحهم ... (١)».

٥ ـ وقال السيد الجليل السيد حسين القزويني قدس‌سره في مقدمات شرح الشرايع : «... فاضل ، جامع بين المعقول ، والمنقول ، راوية للاخبار ذكره الفاضل الاسترابادي في الفوائد المدنية ، والفاضل المجلسي ، وشيخنا الحر في أمل الآمل (٢) ...».

٦ ـ وقال في الرياض «... وهو الفقيه ، الحكيم ، المتكلّم ، المحدّث ، الصوفي ، المعاصر للشيخ علي الكركي ... صاحب كتاب عوالي اللئالي وغيره من المؤلفات ذو الفضائل الجمة لكن التصوف المفرط قد أبطل حقه (٣) ...».

ولم نر في كلام القادحين ما يوجب اسقاط اعتباره ووثاقته ، وأقصى ما رمي به ميله إلى العرفان والتصوف ، وهذا لا يضرّ بوثاقته مع أن بعضهم برأه من هذه النسبة كصاحب المستدرك ، فإنه تعرّض له ونفى الشبهات عنه (٤) ، وعلى هذا فلا إشكال في شخص المؤلف.

النقطة الثانية : ولا يخفى أنه اختلف أيضا في اسم الكتاب ، فبعضهم يسميه غوالي اللئالي (بالاعجام) ، وبعضهم يسميه عوالي اللئالي (بالاهمال) ويذهب صاحب الذريعة إلى ان الأول مما لا أصل له (٥) ، وعلى أي حال فالذي يهمنا في هذه النقطة بيان ما اشتمل عليه الكتاب ، فإننا بعد الوقوف على الكتاب وجدنا أن رواياته مختلفة ، وليست على نسق واحد ، فبعض رواياته نقلها عن العامة كمسند ابن حنبل والجمع بين الصحيحين ، وبعض روايات أبي هريرة

__________________

(١) عن مستدرك الوسائل الطبعة القديمة ص ٣٦٢.

(٢) عن. ن. ص ص ٣٦٢.

(٣) رياض العلماء ج ٦ مطبعة الخيام ـ قم ص ١٤.

(٤) مستدرك الوسائل ج ٣ الطبعة القديمة ص ٣٦٣.

(٥) الذريعة الى تصانيف الشيعة الطبعة الاولى ج ١٥ ص ٣٥٨.

٢٣٤

وعائشة ، كما يشتمل الكتاب على روايات مخالفة للمذهب ، مما ظاهرها التجسيم كما في رواية «فوضع يده بين كتفي حتى وجدت برد أنامه ...» أو «ترون ربّكم يوم القيامة كما ترون القمر ليلة البدر» أو «ان الله تعالى خلق آدم على صورته» أو ما يوافق العامة ، كما روى عن عائشة : «افرك المني عن ثوب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فيصلي فيه» (١) الى غير ذلك من الروايات.

وهذه هي عمدة الاشكالات على الكتاب ، فان تمكنّا من التوجيه والجمع بين شهادته وبين ذكره لهذه الروايات فهو ، والا فالمناقشة في محلّها والظاهر امكان الجمع ، وحاصله ان الواقف على الكتاب يرى اختلافا في تعابيره عند نقله الاحاديث والروايات ، ففي بعض الموارد يسنده الى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، أو الامام عليه‌السلام بقوله : قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أو قال علي عليه‌السلام ، أو قال الصادق عليه‌السلام ، وفي بعض الموارد ينقله بنحو روى عنه عليه‌السلام ، أو روى في حديث عنه عليه‌السلام ، أو روى فلان عنه عليه‌السلام ، أو رووا عنه عليه‌السلام ، أو يقول في بعضها : في حديث صحيح ، أو في الجمع بين الصحيحين ، أو غير ذلك من الاختلاف في التعبير والذي ستقف عليه إن شاء الله تعالى ـ ممّا يوجب الظن القوي ـ بان ما كان مشمولا وداخلا في طريقيه المذكورين في اول الكتاب هو ما ينقله هو ويسنده الى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، أو إلى أحد الأئمة عليهم‌السلام ، وأما غير ذلك فلا يكون داخلا فيهما ، وبهذا يمكن الجواب عن الاشكال فإن هذه الروايات كلّها غير مستندة إلى نفسه ، وتأكيدا لما نقول لا بدّ لنا من عرض موجز لما يحويه الكتاب ، وحاصله : ان الكتاب يشتمل على مقدمة وبابين وخاتمة ، أما المقدمة فهي تحتوي على عشرة فصول :

الأول في بيان طرقه السبعة ومشايخه.

__________________

(١) كتاب عوالي اللئالي الجزء الاول الطبعة الاولى المحققة آخر الفصل الرابع ص ٤١ ، ٤٧ ، ٥٢.

٢٣٥

الفصل الثاني في ذكر أحاديث دالة وجوب انقاذ المؤمنين ، وهو السبب الداعي لوضع الكتاب ، وجميع الأحاديث كلّها عن الامام العسكري عليه‌السلام ـ وهما خارجان عن الموضوع ـ.

الفصل الثالث في ما ذكره من الأحاديث المتّصلة الاسناد (المعنعنة) بأحد طريقيه ، وذكر منها ستّة أحاديث على هذا النحو ، وأما الاحاديث التالية إلى آخر الفصل فإنّه رواها بأسناد أخر وكلها ضعيفة.

الفصل الرابع وذكر فيه احاديث قال عنها انها بطرقه المذكورة لا أنّها محذوفة الأسناد ، ولكن الذي يظهر انه قد أضاف اليها روايات اخرى غير مشمولة لطرقه المذكورة ، كالرواية عن أبي هريرة ، وعائشة وبعض العامة ، كما أنه أورد روايات على نحو الارسال ، كقوله روى أو رووا عنه عليه‌السلام وغير ذلك وفي هذا القسم أورد الروايات الدالة على التجسيم في آخر الفصل ، فانها منقولة عنهم ، وليست داخلة في قسم رواياته لعدم اسنادها إلى نفسه ، فلا تكون داخلة تحت طريقه المذكور.

وأما الفصل الخامس ـ فان الاحاديث فيه كلّها مذكورة عن الاشخاص وليست داخلة تحت طريقه ويؤيده بل يدل عليه قوله في الحديث ٢٥ «وفي حديث صحيح عنه عليه‌السلام ...» (١).

وأما الفصل السادس ـ فأكثره مروي عن الاشخاص وبعضه مستند إلى نفسه وهكذا الفصل السابع.

وأما الفصل الثامن ـ وتبلغ رواياته ٢٨٣ رواية أكثرها مشمولة لطريقه الاول ، وبعضها مرسل ، وبعضها عن الأشخاص ، والفصل التاسع والعاشر ـ

__________________

(١) عوالي اللئالي ص ٨٩ من الجزء الاول.

٢٣٦

كالثامن أكثرهما داخل تحت طريقه ، وقد نقل في الفصل التاسع عن الجمع بين الصحيحين (١) ، ـ وفي بعض الموارد قال : وفي الصحيح ... (٢) وفي الفصل العاشر نقل عن مسند أحمد (٣).

والباب الأول فيحتوي على أربعة مسالك.

الأول : ما يذكره من الأحاديث عن بعض متقدمي الأصحاب ـ فهو ينقل عن كتاب من لا يحضره الفقيه ـ في موارد متعددة ـ وعن غيره.

الثاني ـ ما يذكر عن العلّامة الحلي بطريقه اليهم عليهم‌السلام.

والمسلك الثالث ما ذكره من الأحاديث التي رواها الشهيد الأول قدس‌سره.

وفي المسلك الرابع يذكر فيه الأحاديث التي رواها الفاضل المقداد أبي عبد الله السيوري ، وهو وان ذكر انه ينقل عن هؤلاء في هذه المسالك إلا أنه لم يلتزم بذلك ، فقد نقل عن غيرهم أيضا ، حيث نقل عن التهذيب ، وتفسير القمي ، وذكر بعض الأخبار ووصفها بالصحة كما نقل عن العامة ، وذلك في الحديث ٣٤٨ و ٣٤٩ و ٣٥٠ من حرمة المتعة ، وطعن في اسنادها ورماها بالارسال ، وروى عن البخاري الحديث ٣٩١ ، وعن مسلم الحديث ٣٩٢ ، وعن الزمخشري الحديث ٤٢٠ ، وناقش فيما نقله عن التهذيب في رواية الدية الحديث ٤٤٥ ، بأن في سندها صالح بن عقبة وهو من الغلاة على ما قيل.

وأما الباب الثاني : فهو على قسمين ـ الاول ـ في الأحاديث التي رواها عن فخر المحقّقين قدس‌سره بواسطة تلاميذه.

والقسم الثاني : يشتمل على الروايات التي نقلها ورواها أحمد بن فهد

__________________

(١) عوالي اللئالي ص ٢٠٢ ، ٢٠٣ ، ٢٠٥ من الجزء الاول وغيرها.

(٢) عوالي اللئالي ص ٢٠٧ من الجزء الاول.

(٣) عوالي اللئالي ص ٢٧٨ من الجزء الاول.

٢٣٧

الحلي أبو العباس قدس‌سره.

وأما الخاتمة فيذكر فيها روايات متفرقة زيادة على ما تقدم زهاء ٢٣١ رواية ، من منابع مختلفة ـ ففي هذه المسالك والموارد أيضا يمكن تشخيص ما رواه بنفسه عن غيره ، والتفريق بينهما.

والحاصل ان الروايات المذكورة في الكتاب تنقسم الى قسمين :

الأول : الروايات المشمولة للطريق الصحيح المذكور في اول الكتاب وحينئذ يحكم بصحتها واعتبارها.

الثاني : الروايات التي لا يشملها الطريق المذكور وحينئذ لا بدّ من ملاحظة اسنادها مستقلا ، وعليه فالحكم بعدم اعتبار جميع روايات الكتاب لا وجه له ثم ان الكتاب من الكتب المشهورة المعلومة ولا يحتاج الى تكلف الطريق.

النقطة الثالثة : في دلالة الشهادة

صرح الشيخ الاحسائي بأن له طرقا سبعة إلى الروايات التي أوردها في كتابه وقال : إن جميع هذه الطرق لجمال المحققين تنتهي الى الشيخ الطوسي ، ومنه إلى الائمة عليهم‌السلام وذكر طريقين أحدهما عن العمركي ، والآخر عن المفيد ، ثم أضاف ثالثا ينتهي إلى الشيخ الصدوق.

وقال بعد ذلك : وبهذه الطرق وبما اشتملت عليه من الأسانيد المتصلة المعنعنة الصحيحة الاسناد المشهورة الرجال بالعدالة والعلم وصحة الفتوى وصدق اللهجة بالعلم والعدالة أروى ... (١) الخ.

فهل هذا شهادة منه على صحة جميع الروايات أو لا؟

والجواب : إن كلام الشيخ الاحسائي يحتمل وجوها ثلاثة :

__________________

(١) البحار ج ١٠٨ ص ١٢ الطبعة الاسلامية.

٢٣٨

الأول : ان المراد رواية جميع هذه الأحاديث بالطرق السبعة وبما اشتملت عليه من الأسانيد الصحيحة.

وبناء على هذا الاحتمال تكون شهادته تامة وان جميع ما في الكتاب صحيح ومعتبر.

ويرد عليه اشتمال الكتاب على المنكرات إلا أن يقال باختصاص شهادته بما يرويه معنعنا لا ما ينقله من كتب العامة وغيرها.

فيشكل حينئذ بأن الروايات مختلطة فكيف يميز بين ما يرويه وما ينقله؟

ويجاب بإمكان تمييز ذلك بملاحظة كيفية ذكره للروايات ، فإذا قال روى ... فهذا اشارة إلى النقل ، وإذا قال : قال الباقر عليه‌السلام مثلا فهذا إشارة الى ما يرويه.

الثاني ان المراد رواية جميع هذه الأحاديث بالطرق السبعة بسبب اشتمالها على الطرق الثلاثة المعنعنة الصحيحة ... الخ ، ويفترق هذا الاحتمال عن الأول بأن الباء في قوله بما اشتملت سببية هنا وبيانية هناك والنتيجة في كلا الاحتمالين واحدة ، لروايته بالطرق الثلاثة فيهما معا.

إلا ان يكون مراده هنا الأعم من الثلاثة فتكون النتيجة حينئذ روايته لجميع الأحاديث بالطرق الثلاثة وغيرها ، فلا يدلّ كلامه على صحة جميع الاسانيد.

وعلى كلا الاحتمالين فتصحيحه للروايات لا ينفعنا ، لكونه من المتأخرين ، فشهادته بالصحة غير معتبرة بالنسبة إلينا.

الاحتمال الثالث : ان المراد رواية جميع هذه الأحاديث بهذه الطرق السبعة ، مع ما اشتملت عليه من الأسانيد الصحيحة المعنعنة ، فتكون الباء في قوله بما اشتملت بمعنى مع.

وبناء على هذا الاحتمال لا تكون شهادته دالة على صحة جميع ما يرويه

٢٣٩

في كتابه لاحتمال انتهائها الى غير هذه الثلاثة.

والأقرب الى التحقيق هو الاحتمال الثالث بقرينة صدر الكلام وذيله.

وبهذا ينتهي الكلام حول هذا الفصل من الكتب (١) التي قد قيل أو يقال بصحتها ، وتحصل من ذلك انها يمكن أن تصنف إلى خمسة أصناف :

الأوّل : ما كانت فيه شهادة المؤلّف تامّة ودلالتها شاملة لجميع رواة الكتاب كالقسم الخاصّ بتفسير علي بن إبراهيم ، وكتاب المزار لابن المشهدي.

الثاني : ما كانت فيه شهادة المؤلّف تامّة من جهة مشايخه فقط دون بقية الرواة ، مثل كتاب كامل الزيارات وكتاب بشارة المصطفى.

الثالث : ما كانت شهادة المؤلّف فيه غير تامّة ، مثل كتاب مصباح الكفعمي ، وكتاب الاحتجاج.

الرابع : ما كانت شهادة المؤلّف فيه غير تامّة إلّا أنّ روايات الكتاب فيها تفصيل مثل كتاب عوالي اللئالي.

الخامس : ما ثبت فيه اسناد الروايات مع قطع النظر عن وثاقة الرواة مثل مستطرفات السرائر.

__________________

(١) بقي البحث حول كتاب تحف العقول لابي محمد الحسن بن علي بن الحسين بن شعبة الحراني ، وكتاب المنتخبات لسعد بن عبد الله.

وقد أرجأنا البحث في الاول الى القسم الاول من مصادر كتاب الوسائل.

والبحث في الثاني الى فصل التوثيقات العامة ، لاقتضاء المناسبة.

٢٤٠