نفحات الذّات - ج ٣

كريم الأنصاري

نفحات الذّات - ج ٣

المؤلف:

كريم الأنصاري


الموضوع : العامة
الناشر: منشورات دليل ما
المطبعة: نگارش
الطبعة: ١
ISBN: 978-964-397-974-4
ISBN الدورة:
978-964-397-972-0

الصفحات: ٤٤٠

ـ الذي تراجع عن نظريّته مؤخّراً ـ مجرّد أماني وأحلام لن ترى نور الحقيقة أبداً ما لم يأذن الله سبحانه وتعالى بمرحلة الحسم المرتقبة ; التي يحلّ بها القسط والعدل بدل الظلم والجور ، إنّه وعد إلهي ولن يخلف الله وعده ، وعدٌ بقلب كلّ المعادلات والموازين القائمة رأساً على عقب ، فيغدو المستضعف إماماً وارثاً ، ويسقط الطواغيت في وحل الذلّ والهزيمة ..

نعم إنّه تبارك وتعالى يروم المنّ على البشريّة حيث ينقذها من أدوات الحذف والنفي والتزييف والتشويه والتحريف ، بقيم وموازين ومبادئ ومناهج سليمة متقنة شاملة ..

وهذا الوعد والمنّة السماويّة لا تعني تبرير الخضوع والخنوع والسكوت القائل والسكون المميت ، الذي يسمّيه البعض : «تمهيدات ما قبل الظهور» حتى شاع مفهوم «التواكليّة» في اُمّتنا ، فأ ثّر سلباً على حركة العقل والتطوّر والنهوض ..

فالإنسان يبقى دوماً كادحاً إلى ربّه كدحاً علّه ملاقيه ، والكدح هذا حركةٌ مقدّسة دؤوبة تشمل العقل والأحاسيس ، وليس سكوناً هدّاماً يجرّ على الاُمّة ويلات الجهل والتخلّف ..

٦١

الإفلاس الفكري

يتلوّن البحث العلمي ـ بما ينضوي تحته من مسائل وفروع وعناوين وأبواب وبما يشتمل عليه من مناهج وأنساق وأدوات ـ بتلوّن الأفكار وتباينها ، فيتباين الخطاب ، وعلى طبقه يختلف التلقّي والقراءة والفهم والتحليل والاستنتاج .. ولا يمكن أبداً أن تنصهر الأفكار وتتوحّد في بوتقة وكيان وهويّة واحدة ; إذ سينفقد الفكر والعلم والمعرفة المعنى والدوافع والدواعي ، وتجفّ سواقي الرغبة والعشق ، ويسير العالم على وتيرة مملّة قاتلة ، فلا إبداع ولا تغيّر ولا تجديد ، وستأكل الثوابت نفسها من داخل وتتهرّأ الاُصول من جذورها ، حيث الثوابت والاُصول معمل شحنات دوّام ، فإذا لم تجد هذه الشحنات مفرغاً لها فإنّها تنفجر كالبركان فتقتل نفسها ومن حولها ، تقتل الاُصول والثوابت التي صنعتها ، ومن هنا لم يجد الإنسان بدّاً من صنع الأفكار وتسويقها عبر شتّى الأدوات والآليات ، فكان الاختلاف والتباين النتيجة الطبيعيّة في معترك الرؤى والبصائر ، ممّا أدّى إلى التصادم والصراع والتناحر ، سواء بالحوار أو الشجار أو التقاتل والموت حتى ..

٦٢

وتحكم الأفكار واختلافاتها وإفرازاتها وتبعاتها عواملٌ وقواعدٌ ناشئة من نوع القيم والمبادئ والأخلاق التي يتبنّاها الفكر ، أيّ فكر ..

بات من الواضح أن جذر الصراعات جذرٌ فكري ، جذرٌ إنساني ، وطبق الدائرة الضيّقة فإنّها ـ بالقهقرى ـ راشحُ الجهد الفردي البشري ، فالفرد الواحد بإمكانه أن يغيّر المعادلات والتوازنات القائمة وأن يحدث الانقلابات الهائلة على صعيد المعرفة والثقافة والقيم .. ومن الطبيعي أيضاً أن تختلف قراءة وفهم واستيعاب ذلك الراشح الفردي ، سواءٌ في ذلك المعتقدون به والمناوءُون ، واختلاف المعتقدين من الممكن أن يفضي كذلك إلى تصادم صراع وتناحر ، انطلاقاً من نوع القراءة والفهم مضافاً إلى المؤشّرات الاُخرى كالمصالح والرغبات وغيرها ..

إلاّ أنّ المثير للجدل تداوم الاستهلاك الفكري المملّ داخل النظام الواحد والأنظمة المتغايرة ، الناشئ من الاختلافات المشار إليها ، بعبارة اُخرى : استمرار الاجترار وجدولة ذات المتغايرات تاريخيّاً وجغرافيّاً دون أدنى تبدّل ملحوظ ، فالإثارات والشبهات والافتراءات والأحقاد والآلام هي ذاتها ، والإجابات والردود والإيضاحات هي ذاتها أيضاً ، بلا أدنى تعب وجهد ..

نحن ضمن نطاق النسق الواحد أيضاً أشغلنا اُصولنا وثوابتنا ومبادئنا وثرواتنا وطاقاتنا بتجاذبات حرمتنا فرصَ النهوض والمواكبة والتفوّق ; فبدل أن نكون مصدر الإشعاع الذي تنعم البشريّة بقيمه وأخلاقه تمكّن

٦٣

الآخر من إزاحتنا عن ميدان المنافسة والتفوّق ; بفعل خطط واستراتيجيّات ساقنا بها إلى انشغال قاتل ، استنفد ما لدينا من عقول وإمكانيّات ، ثم جرّنا إلى فخّ خطير يؤدّي بنا نهاية المطاف إلى إفلاس فكري يصيّرنا أفواهاً جائعةً جاهزة تلتقف بنهم شديد كلّ ما يصلها من أفكاره ، متسابقة لنيل أرقى مراتب التقليد والتبعيّة والالتقاط الأعمى ، فبات «التنوير» يعني : الوافد علينا ، والتخلّف والظلام يعني : قيَمنا ومبادئنا ، وكأ نّنا اُمّة لا تدرك فلسفة العلم والمعرفة والأخلاق ، وكأ نّنا نسينا اُصولنا وثوابتنا ، بل صرنا نستنكف من انتمائنا حتى ..

لقد شغلونا وأفلحوا ، شغلونا بمفردات تحريف القرآن وسبّ الصحابة والتقيّة وغيرها ، ولم يكتفوا بذلك بل أوجدوا فضاءً من الرعب والخوف والترويع بيننا ، زرعوا حاجز انعدام الثقة ، ساهموا في بناء الستار الحديدي الذي ضربه كلّ منّا على أفكاره وتصوّراته ، وصارت محاولة التعرّف على متبنّيات الآخر منّا محكومةً بالكفر والضلال ، الأمر الذي بات يهدّد الثوابت والاُصول بالنسف والتدمير ، وساءت الأحوال كثيراً إثر تسلّط أمثال الفكر التكفيري وغيره على مقدّرات وأذهان طيف كبير من الاُمّة ، الفكر الذي لا يفهم معنى الحوار مطلقاً ، لا يفهم سوى منطق السيف والدم ، ولم تستطع المحاولات الخجولة من ترويضه أو ردعه ، بل شمّر البعض عن ساعد الدعم لهذا الفكر بوسائل مباشرة وغير مباشرة عبر التحذير والإنذار من «مدّ الآخر» و «الهلال» و «الخطر» و «النفوذ» و «التوسّع» .... هذا «الآخر» المتّهم زوراً وبهتاناً بالخيانة والتآمر في

٦٤

إسقاط الدولة الإسلاميّة العبّاسيّة والتنسيق مع اليهود في استلاب فلسطين ، المقذوف ظلماً ببيع الأوطان أخيراً ..

كلّ ذلك دون أن يمنحوا البحث العلمي السليم الفرصة المناسبة عبر الحوار الهادئ كي يقول هذا «الآخر» كلمته سواء في الخلافة والولاية والصحابة والقرآن أم في سائر موارد الخلاف والتصادم ..

إنّ «الإفلاس الفكري» المعهود قد بنى لكلّ هذه الاستهلاكات والاجترارات والمكرّرات المملّة صروحاً من الوهم والخيال ، أصرّ رجالاتها عليها رغم عقلانيّة «الآخر» النسبية في الدفع والردّ العلمي المنهجي الذي يتناسب مع حاجة العصر والمكان ، انطلاقاً من مفهوم «المعارضة» المتسالم عليه بين عقلاء العالم على أدنى تقدير ممكن في واقعنا الماضي والحاضر ، المفهوم الذي يعكس سمة حضاريّة رفيعة في طرح الآراء والأفكار بعيداً عن فضاءات التناحر والترويع والتخوين التي ما عادت تمثّل حالياً سوى عنصراً بارزاً من عناصر «الإفلاس الفكري» ..

وما الاضطراب والذهول والخوف والتوتّر الذي مُني به القوم ، المتبلور من خلال «الحملات الانفعاليّة» ، إلاّ شاهد كبير على خلوّ خزينتهم من مؤن المواجهة العلميّة العقلانيّة ، فراحوا يتشبّثون بالقديم الباطل من جديد ، مع أنّ الأحرى بهم مراجعة الثوابت والاُصول ومحاكاتها واستقراؤها ومقارنتها بشكل علمي واقعي ، سعياً إلى نتائج تخرجهم من الإفلاس المذكور وتجعلهم قادرين على محاورة «الآخر»

٦٥

والتواصل معه طبق المشتركات الغالبة على الخلافيّات ..

ولا شكّ أنّنا جميعاً متمكّنون بالقوّة من إيجاد صيغة واحدة لفكرنا وهويّتنا من خلال التحاكم إلى المناهج العلميّة الصحيحة التي تأخذ بنا نتائجها إلى الممارسة العلميّة لمفهوم التوافق والتآلف ، وهذا ما يتوقّف على الإرادة والتصميم وخلوص النوايا والإيمان الحقيقي ..

٦٦

الفكر المقارن ، ضرورة الصراع والحوار

وأنت في مكان ما ، في زمن ما ، في تفكير ما ... تحاول ـ طبق المألوف ـ الوصول إلى ما تريد بأقصر سبيل ، بأسرع وقت ، بأفضل نسق ... تسعى جاهداً إلى استثمار وتوظيف كلّ الفرص المتاحة لنيل المراد ، آخذاً بعين الاعتبار النتائج من حيث الثبات والرسوخ والاستمرار ..

ولا نريد أن نغمط حقّاً أو نحجّم مشروعاً أو نؤسّس ونتابع محاولات غايتها التضليل والإيهام ، إنّما نقترح معرفياً إيجاد آليات أكثر شموليّة وإحاطة وتأثير ودوام ، نقترح كياناً تخصّصيّاً يعنى بمراقبة ومراجعة وتحليل وتشخيص الأدوات الأمضى والأنفذ في عمليّة الحوار والصراع ، ولا نعني بالكيان وجوداً خارجيّاً بالضرورة ، فما ينبغي القيام به ـ وهي بلا شكّ حركة هائلة صعبة ـ توفير فضاءات تهدي إلى المطلوب ، عبر البوّابة الأصل والأساس ..

إنّ المحاولات المنجزة على صعيد المقاطع والموضوعات ذات المحدوديّة المعيّنة وإن أثبتت نجاحاً ومثّلت قفزةً ولبّت طموحاً لكنّها تبقى في إطار الجزء إزاء الكلّ ..

٦٧

ورغم أنّ حركة الاستدلال بالجزء باتّجاه الكلّ «استقراءٌ» مثّل ولا زال يمثّل حاجةً معرفيّة ، كما أنّ حركة الاستدلال بالكلّ باتّجاه الجزء «قياسٌ شمولي» مثل ولا زال يمثّل حاجة معرفيّة ، كما أشار المنطقيّون إلى ذلك وأضافوا إليهما «التمثيل» ، الأمر الذي واجهه آخرون معترضين على حصر الدليل بهذه الثلاثة ....

إلاّ أنّنا نروم عرض وتحليل رؤيتنا بنهج قد يتقاطع مع المباني المنطقيّة ، وقد يختلف ، وربما يمثّل حلاًّ وسطاً جامعاً ..

رؤيتنا : تصوّرٌ قائمٌ على مقترح علمي معرفي ، يستنهض الحلول والمعالجات الشاملة الضاربة في عمق الجذور والاُسس ، ولا خيار أنجع من خيار «الفكر» ، فهو الذي يلقي بظلاله على روح الإنسان وجسمه ، لبّه وحناياه ، يقرّر للحياة مصيرها ونقاطها الحاسمة ، وما الفقه والأخلاق والاقتصاد والسياسة ... إلاّ رشحاً من رواشحه ..

إنّ درك الفكر ـ أيّ فكر كان ـ واستيعابه استيعاباً علميّاً صحيحاً يوفّر فرص التعامل الواعي معه من حيث الوقوف على نقاط التقاطع والاختلاف ، دوافع الصراع والحوار ، الوقاية والعلاج ، الأخذ النافع والضارّ ...

من هنا تكون اُطروحة «الفكر المقارن» هي الاُطروحة المتكاملة في فضاء «المقارنات» ; إذ تتناول وتشرف وتشرّح كلّ ما في ذلك الفكر من قيم ومناهج ومحتوى ، فقهاً كان أم اُصولاً أم اقتصاداً أم سياسةً ...

٦٨

ورغم وعورة الطريق وصعوبة الأدوات ومحدوديّة الآليات إلاّ أنّ المراد سيكون أسرع وأقرب ، والنتائج ـ لا شكّ ـ أكثر تأثيراً وأبقى دواماً ..

إنّنا إذا تمكنّا من امتلاك أدوات «الإزاحة» فلِمَ الإصرار على طيّ المسافات والسبل الملتوية ولاسيّما أنّ «الزمكانيّة» تظلّ شاخصاً كبيراً أساسيّاً في عمليّة النجاح والرجحان ..

* * *

قبل الانتشار في فضاء الرؤية المطروحة لا بأس بمحطّة كلاسيكيّة تستعرض أصل العنوان لغةً واصطلاحاً ، وأصل العنوان عندنا هنا هو «الفكر» ، حيث إنّه موضوع البحث والرؤية ...

فنقول :

الفكر لغةً

قال ابن منظور الافريقي المصري : الفكْرُ والفِكْرُ : إعمال الخاطر في الشيء .. لسان العرب (فكر) ..

قال الجوهري صاحب الصحاح : التَّفَكُّر التأمّل .. الصحاح (فكر) ..

قال يعقوب : يقال : ليس لي في هذا الأمر فِكرٌ أي ليس لي فيه حاجة .. عنه في لسان العرب (فكر) ..

قال الزبيدي صاحب تاج العروس : الفِكْر ، بالكسر ويُفتَح : إعمال النظر .. تاج العروس (فكر) ..

٦٩

وفي المحكم : إعمال الخاطر في الشيء .. المحكم (فكر) ..

الجمع : أفكار .. عن ابن دريد ..

وقال سيبويه : ولا يُجمَع الفِكْرُ ولا العِلْمُ ولا النَّظَرُ .. عنه في لسان العرب (فكر) ، تاج العروس (فكر) ..

قال الفيّومي صاحب المصباح المنير : الفِكْرُ ، بالكسر ، تردّد القلب بالنظر والتدبّر لطلب المعاني ، ولي في الأمر فِكْرٌ أي نظر ورَوِيَّة .. ويقال : الفِكْرُ ترتيب الاُمور في الذهن يتوصَّل بها إلى مطلوب يكون علماً أو ظنّاً .. المصباح المنير (فكر)

قال الطريحي في مجمع البحرين : والتفكّر : التأمّل .. والفِكْرُ بالكسر اسم منه ، وهو لمعنيين : أحدهما القوّة المودعة في مقدّمة الدماغ .. وثانيهما : أثرها ، أعني ترتيب اُمور في الذهن يُتوصَّل بها إلى مطلوب يكون علماً أو ظنّاً .. مجمع البحرين (فكر) ..

أقول : هذه مختارات ونماذج في تعريف «الفكر» لغويّاً ..

أمّا اصطلاحاً :

فممّا قيل في الفكر :

ـ آلة من آلات النفس تستعين بها على الإحاطة بالمعلومات .. إثبات النبوءات : ١٣٢ ..

ـ إنّ للنفس ـ أعني نفس البشر ـ أفعالاً ولكلّ فعل منها اسم يختصّ

٧٠

به ، فهي إذا تطلّبت إدراك شيء ما فتطلّبها ذلك يسمّى الفكر. الرياض : ٧٤.

ـ هو المعنى الذي يوجب كون المرء متفكّراً .. شرح الاُصول الخمسة : ٤٥ ..

ـ هو تأمّل حال الشيء والتمثيل بينه وبين غيره ، أو تمثيل حادثة من غيرها .. المغني في أبواب التوحيد والعدل ١٢ : ٤ ..

ـ هو التأمّل للشيء المفكّر فيه ، بينه وبين غيره .. الذخيرة في علم الكلام : ١٥٨ ..

ـ هو التأمّل في الشيء المفكّر فيه .. الاقتصاد الهادي إلى طريق الرشاد : ٩٤ ..

ـ هو تأمّل الشيء المفكّر فيه ، والتمييز بينه وبين غيره .. تمهيد الاُصول للطوسي : ١٩٢ ..

ـ هو إحضار الأصلين في الذهن .. الاقتصاد في الاعتقاد : ١٨ ..

ـ هو ترتيب اُمور معلومة ليتأدّى منها إلى أن يصير المجهول معلوماً .. لباب الإشارات : ١٧٣ ..

ـ هو تحديق العقل نحو المعقول .. تلخيص المحصّل : ٤٨ ..

ـ عبارة عن ترتيب مقدّمات علميّة أو ظنيّة ليتوصّل بها إلى تحصيل علم أو ظنّ آخر ..

ـ عبارة عن انتقال الذهن من المطلوب إلى مبادئه التي يحصل منها طالباً لها ثم منها إلى المطلوب ..

٧١

ـ إنّ من كان مطلوبه العلم بأنّ العلم ممكن ، فنظره لتحصيله هو انتقال ذهنه منه إلى مقدّمات دليله المذكور بأجزائها وترتيبها المستلزم لانتقال ذهنه إلى النتيجة التي نسمّيها قبل النظر مطلوباً ، فمجموع تلك الانتقالات هو المسمّى فكراً ونظراً .. قواعد المرام في علم الكلام : ٢٤ ..

اُنظر في ذلك كلّه : شرح المصطلحات الكلاميّة ، إعداد قسم الكلام في مجمع البحوث الإسلاميّة ، ص ٢٥٥ ..

ـ هو سلوك النفس الناطقة إلى تلخيص المعاني وهو معرفة ماهيّاتها .. المقابسات : ٣٦٣ ..

ـ ما يكون عند إجماع الإنسان أن ينتقل عن اُمور حاضرة في ذهنه متصوّرة أو مصدَّق بها تصديقاً علميّاً أو ظنّيّاً أو وضعاً وتسليماً إلى اُمور غير حاضرة فيه .. الإشارات والتنبيهات / ١ ..

ـ هو تخييل عقل موجود في حيوان ناطق .. في النفس : ١٤١ ..

ـ هو الذي يفعل التخييلات والتواطؤ والانبعاث .. في النفس : ١٦٩ ..

ـ هو الانتقال من المعلومات إلى المجهولات .. مطالع الأنظار : ٥ ..

ـ هو توجيه الذهن نحو المطالب المعلومة كي يتأدّى من تلك المبادئ إلى مطالب اُخر لأجل ترتيب واقع في المبادئ وهيئة حاصلة فيه .. (معرّب عن الفارسية) درّة التاج ١ : ١ ..

ـ هو الحركة في المقولات .. مطالع الأنظار : ٧ ..

ـ حركة النفس بالقوّة التي آلتها مقدّم الدودة التي هي البطن الأوسط

٧٢

من الدماغ ، أيّ حركة كانت إذا كانت في المعقولات ..

ـ الحركة من المطلوب إلى المبادئ من غير أن ينضمّ إليها الرجوع فيها إليه ، أي إلى المطلوب ..

ـ هو حركة النفس في المعقولات مبتدئة من المطلوب مستعرضة للمعاني الحاضرة عندها طالبة مبادئه المؤدّية إليه إلى أن تجدها ، وترتّبها ، فترجع منها إلى المطلوب .. مطالع الأنظار : ١٠ ..

ـ حركة للنفس إلى المبادئ لترجع منها إلى المطالب .. حاشية المحاكمات : ٣ ..

ـ إنّ قوّة الاكتساب تختلف قوّةً وضعفاً ، فإن كانت ضعيفة فهي الفكر .. حاشية المحاكمات : ٢٤٦ ..

ـ هو انتقال النفس من المعلومات التصوّريّة والتصديقيّة الحاضرة فيها إلى مجهولاتها المستحضرة .. الحكمة المتعالية ٤ : ٥١٦ ..

ـ حركة من المطالب إلى المبادئ ثم من المبادئ إلى المطالب .. الحكمة المتعالية ٤ : ٢٩ ..

ـ هو انتقال النفس إلى المعلومات التصديقيّة والتصوّريّة من معلوماتها المستحضرة فيها .. مفاتيح الغيب : ١٣٨ ..

اُنظر في ذلك كلّه : شرح المصطلحات الفلسفيّة ، إعداد قسم الكلام في مجمع البحوث الإسلاميّة ص ٢٦٩ ـ ٢٧٠ ..

٧٣

قال التهانوي في كشّاف اصطلاحات الفنون والعلوم ج ٢ ص ١٢٨٤ (لبنان ناشرون) :

الفِكْرُ بالكسر وسكون الكاف عند المتقدّمين من المنطقيّين يطلق على ثلاثة معان :

الأوّل : حركة النفس في المعقولات بواسطة القوّة المتصرّفة ، أيّ حركة كانت ، أى سواء كانت بطلب أو بغيره ، وسواء كانت من المطالب أو إليها ، فخرج بقيد الحركة الحَدْس ; لأ نّه الانتقال من المبادئ إلى المطالب دفعةً لا تدريجاً ..

والمراد بالمعقولات : ما ليست محسوسة وإن كانت من الموهومات ، فخرج التخيّل ; لأ نّه حركة النفس في المحسوسات بواسطة المتصرّفة ، وتلك القوّة واحدة لكن تسمّى باعتبار الأوّل متفكّرة ، وباعتبار الثاني ـ أي باعتبار حركة النفس بواسطتها في المحسوسات ـ تسمّى متخيِّلة .. هذا هو المشهور ..

والأولى أن يزاد قيد القصد ; لأنّ حركة النفس في ما يتوارد من المعقولات بلا اختيار كما في المنام لا تُسمّى فكراً ..

ولا شكّ أنّ النفس تلاحظ المعقولات في ضمن تلك الحركة ، فقيل : الفكر هو تلك الحركة ، والنظر هو الملاحظة التي في ضمنها .. وقيل : لتلازمهما أنّ الفكر والنظر مترادفان ..

والثاني : حركة النفس في المعقولات مبتدئة من المطلوب المشعور

٧٤

بوجه ما ، مستغرقةً فيها طالبةً لمبادئه المؤدّية إليه إلى أن تجدها وترتّبها ، فترجع منها إلى المطلوب ، أعني مجموع الحركتين ، وهذا هو الفكر الذي تترتّب عليه العلوم الكسبيّة ، ويحتاج في تحصيل جُزْأيْه المادّيّة والصوريّة جميعاً إلى المنطق ، ويجيء تحقيق ذلك في لفظ «النظر» ويرادفه النظر في المشهور بناءً على التلازم المذكور ..

وقيل : هو هاتان الحركتان ، والنظر هو ملاحظة المعقولات في ضمنهما ، وهذا المعنى أخصّ من الأوّل كما لا يخفى ..

والثالث : هو الحركة الاُولى من هاتين الحركتين ، أي الحركة من المطلوب إلى المبادئ وحدها من غير أن توجد الحركة الثانية معها وإن كانت هي المقصودة منها ، وهذا هو الفكر الذي يقابله الحدس تقابلاً يشبه تقابل الصاعدة والهابطة ; إذ الانتقال من المبادئ إلى المطالب دفعةً يقابله عكسه الذي هو الانتقال من المطالب إلى المبادئ وإن كان تدريجاً ، لكنّ شارح المطالع جعل الحدس بإزاء مجموع الحركتين ، فإنّه لا يجامعه في شيء معيّن أصلاً ، ويجامع الحركة الاُولى ، كما إذا تحرّك في المعقولات فاطّلع على مباد مترتّبة فانتقل منها إلى المطلوب دفعةً .. وأيضاً الحدس عدم الحركة في مسافة فلا يقابل الحركة في مسافة اُخرى ..

والتحقيق : أنّ الحدس بحسب المفهوم يقابل الفكر بأيّ معنى كان ; إذ قد اعتُبر في مفهومه الحركة وفي مفهوم الحدس عدمها .. وأمّا بحسب الوجود بالنسبة إلى شيء معيّن فلا يجامع مجموع الحركتين ويجامع

٧٥

الأوّل والثالث كما عرفت .. ولا ينافي ذلك كون عدم الحركة معتبراً في مفهومه ; لأنّ الحركة التي لا تجامعه ليست جزءاً من ماهيّته ولا شرطاً لوجوده .. ثم إنّ هذا المعنى أخصّ من الأوّل أيضاً وأعمّ من الثاني ; لعدم اعتبار وجود الحركة الثانية فيه .. وعند المتأخّرين هو الترتيب اللازم للحركة الثانية كما هو المشهور .. وذكر السيّد السند في حاشية العضدي : أنّ الحركة الثانية يطلق عليها الفكر على مذهب المتأخّرين ، انتهى ..

ويرادف الفكر النظر في القول المشهور .. وقيل : الفكر هو الترتيب ، والنظر ملاحظة المعقولات في ضمنه ، هكذا ذكر أبوالفتح في حاشية الحاشية الجلاليّة ، ويجيء توضيح ذلك في لفظ النظر أيضاً ..

فائدة :

قالوا : الفكر هو الذي يُعدّ في خواصّ الإنسان ، والمراد الاختصاص بالنسبة إلى باقي الحيوانات لا مطلقاً ..

فائدة :

قالوا : حركة النفس واقعة في مقولة الكيف ; لأ نّها حركتها في صور المعقولات التي هي كيفيّات ، وهذا على مذهب القائلين بالشَّبَح والمثال .. وأمّا على مذهب من يقول إنّ العلم بحصول ماهيّات الأشياء أنفسها فتلك الحركة من قبيل الحركة في الكيفيّات النفسانيّة لا من الحركات النفسانيّة ..

فائدة :

الفكر يختلف في الكيف ، أي السرعة والبطؤ ، وفي الكمّ أي القلّة

٧٦

والكثرة ، والحدس يختلف أيضاً في الكمّ وينتهي إلى القوّة القدسيّة الغنيّة عن الفكر بالكلّيّة ..

بيان ذلك : إنّ أوّل مراتب الإنسان في إدراك ما ليس حاصلاً من النظريّات درجة التعلّم ، وحينئذ لا فكر له بنفسه ، بل إنّما يفكّر المتعلِّم حين التعلُّم بمعونة المعلِّم ، وفي هذا خلاف السيّد السند ، فإنّ عنده لا فكر للمتعلِّم ، ثم يترقّى إلى أن يعلم بعض الأشياء بفكره بلا معونة معلِّم ، ويتدرّج في ذلك ، أي يترقّى درجةً درجةً في هذه المرتبة ، إلى أن يصير الكلّ فكريّاً ، أي بحيث يقدر على تحصيله بفكره بلا معونة معلِّم ، ثم يظهر له بعض الأشياء بالحدس ، ويتكثّر ذلك على التدريج إلى أن تصير الأشياء كلّها حدسيّة ، وهي مرتبة القوّة القدسيّة ، ومعناه : أنّه لو لم يكن بعض الأشياء حاصلة بالفكر فهو يعلمه الآن بالحدس ..

فإن قيل : في تأخّر هذه المرتبة نظر ; إذ لا تتوقّف صيرورة الأشياء حدسيّاً على صيرورة الكلّ فكريّاً ..

قلت : ليس معنى صيرورة الكلّ فكريّاً كون الكلّ حاصلاً بالفكر ، بل بالتمكّن منه كما عرفت ، ولا يراد بالتمكّن الاستعداد القريب بالنسبة إلى الجميع الذي يحصل بحصول مبادئ الجميع بالفعل ، ولا الاستعداد البعيد الذي حصل للعقل الهيولاني ، بل الاستعداد القريب ولو بالنسبة إلى البعض .. ولا خفاء في تأخّر هذه المرتبة عنه وإن كان لا يخلو عن نوع تكلّف ..

٧٧

ثم المراد بالقوّة القدسيّة القوّة المنسوبة إلى القدس ، وهو التنزّه هنا عن الرذائل الإنسانيّة والتعلّقات ، انتهى ..

قال الحكماء : هذه القوّة القدسيّة لو وجدت لكان صاحبها نبيّاً أو حكيماً إلهيّاً ، فظهر أنّ الاختلاف في الكيف مختصٌّ بالفكر ، والاختلاف في الكمّ يعمّهما ، هكذا يستفاد من شرح الطوالع وشرح المطالع وحواشيه في تقسيم العلم إلى الضروري والنظري ..

قال الصوفيّة : الفكر مَحْتد الملائكة سوى إسرافيل وجبرائيل وعزرائيل وميكائيل عليهم السلام من محمّد صلّى الله عليه وآله وسلّم ..

اعلم أنّ الدقيقة الفكريّة أحد مفاتيح الغيب الذي لا يعلم حقيقتها إلاّ الله ، فإنّ مفاتيح الغيب نوعان : نوع حقّي ونوع خَلْقي .. فالنوع الحقّي هو حقيقة الأسماء والصفات ، والنوع الخَلْقي هو معرفة تراكيب الجوهر الفرد من الذات ، أعني ذات الإنسان المقابل بوجوهه وجود الرحمن ، والفكر أحد تلك الوجوه .. بلا ريب فهو مفتاح من مفاتيح الغيب ، لكنّه أبَّنَ ذلك النور الوضّاح الذي يستدلّ به إلى أخذ هذا المفتاح ، فتفكّر في خلق السموات والأرض لا فيهما ، فإذا أخذ الإنسان في الترقّي إلى صور الفكر وبلغ حدّ سماء هذا الأمر أنزل الصور الروحانيّة إلى عالم الإحساس واستخرج الاُمور الكتمانيّة على غير قياس ، وعرج إلى السموات وخاطب أملاكها على اختلاف اللغات ..

وهذا العروج نوعان :

٧٨

فنوعٌ على صراط الرحمن ، مَنْ عرج على هذا الصراط المستقيم إلى أن بلغ من الفكر نقطة مركزه العظيم ، وجال في سطح خطّه القويم ، ظفر بالتجلّي المصون بالدرّ المكنون في الكتاب المكنون الذي لا يمسّه إلاّ المطهّرون ، وذلك اسمٌ اُدغم بين الكاف والنون مسمّاه إنّما أمره إذا أراد شيئاً أن يقول له كن فيكون ، وسُلّمُ المعراج إلى هذه الدقيقة هي من الشريعة والحقيقة ..

وأمّا النوع الآخر : فهو التسحّر الأحمر المودع في الخيال والتصوير المستور في الحقّ بحجب الباطل ، والتزوير هو معراج الخسران وصراط الشيطان إلى مستوى الخذلان كسراب بقيعة يحسبه الضمآن ماءً حتى إذا جاءه لم يجده شيئاً ، فينقلب النور ناراً والقرار بَواراً ، فإن أخذ الله يده وأخرجه بلطفه بما أيّده جاز منه إلى المعراج الثاني فوجد الله تعالى عنده ، فعلم مأوى الحقّ ومآبه ، وتميّز في مقعد الصدق عن الطريق الباطل ومن يذهب ذهابه ، وأحكم الأمر الإلهي فوفّاه حسابه .. وإن أهمل انهلك في ذلك النار وترك على ذلك الفرار وطفح ناره على ثياب طباعه فأكلها ، ثم طلع دخانه إلى مشامّ روحه الأعلى فقتلها ، فلا يهتدي بعدها إلى الصواب ولا يفهم معنى اُمّ الكتاب ، بل كلّ ما يلقيه إليه من معاني الجمال أو من تنوّعات الكمال يذهب به إلى ضيع الضلال ، فيخرج به على صورة ما عنده من المحال ، فلا يمكن أن يرجع إلى الحقّ ..

اعلم أنّ الله خلق الفكر المحمّدي من نور اسمه الهادي الرشيد ، وتجلّى عليه بإسميه : المبدئ والمعيد ، ثم نظر إليه بعين الباعث الشهيد ،

٧٩

فلمّا حوى الفكر أسرار هذه الأسماء الحسنى ، وظهر بين العالم بلباس هذه الصفات العليا ، خلق الله من فكر محمّد صلّى الله عليه وآله وسلّم أرواح ملائكة السموات والأرض كلّهم لحفظ الأسافل والعوالي ، فلا تزال العوالم محفوظةً مادامت بهذه الملائكة ملحوظة ، فإذا وصل الأجل المعلوم قبض الله أرواح هذه الملائكة ونقلهم إلى عالم الغيب بذلك القبض ، فالتحق الأمر بعضه ببعض وسقطت السموات بما فيها على الأرض ، وانتقل الأمر إلى الآخرة كما ينتقل إلى المعاني أمر الألفاظ الظاهرة ، فافهم ..

كذا في «الإنسان الكامل» ..

ويقول في كشف اللغات ولطائف اللغات : الفِكْرُ في اصطلاح السالكين هو سير السالك بسير كشفي من الكثرة والتعيّنات ـ التي هي باطلة في الحقيقة ، أي هي عدم ـ إلى الحقّ ، يعني بجانب وحدة الوجود المطلق الذي هو الحقّ الحقيقي ..

وهذا السير عبارة عن وصول السالك إلى مقام الفناء في الله ، وتلاشي وامّحاء ذوات الكائنات في أشِعَّة وحدة الذات كالقطرة في اليم ..

انتهى كلام التهانوي في معنى الفكر ..

أمّا كلامه في معنى النَّظَر ، فيقول :

بفتح النون والظاء المعجمة ... وعند المنجّمين : كون الشيئين على

٨٠