نفحات الذّات - ج ٣

كريم الأنصاري

نفحات الذّات - ج ٣

المؤلف:

كريم الأنصاري


الموضوع : العامة
الناشر: منشورات دليل ما
المطبعة: نگارش
الطبعة: ١
ISBN: 978-964-397-974-4
ISBN الدورة:
978-964-397-972-0

الصفحات: ٤٤٠

فإنّ قانون الفكر هو التجديد ، ذلك هو قانونه من حيث هو فكر في ذاته ..

ويصبح «التجديد» مطلباً ملحّاً كلّما سيطر «التقليد» الذي هو عين «الترديد» والتكرار لما سبق قوله وساد ; إذ في هذه الحالة ينفصل الفكر عن حركة الحياة التي تمضي في حركة تغيّرها غير آبهة بعجز الفكر عن متابعتها ، فضلاً عن قيادتها وترشيد اتّجاه حركة التغيير فيها ..

يقول السيّد محمد حسين فضل الله : إذا انطلق الأشخاص أو انطلقت الجهات التي تفكّر في اتّجاه التجديد في عمليّة توعية وتعبئة فكريّة ، بشجاعة في الموقف من دون خوف من انتقاد هنا وانتقاد هناك ... وهجمة هنا وهجمة هناك ، فإنّني أتصوّر أنّها يمكن أن تحتوي الواقع الذي يمدّها بالكثير من الصدمات الآتية من الخارج .. إنّ الصدمة وحدها لا تكفي لتصنع التطوّر ، بل إنّها تعمل على أساس أن تفتح المجال لحركة التطوّر .. ولكن إذا لم يكن هناك من يواكبون الصدمة ويواكبون حركة التطوّر فإنّ الصدمة لا تترك أيّ أثر إلاّ بعض الانفعالات وبعض الأجواء السلبيّة هنا وهناك ..

يقول الشيخ مهدي محمّد شمس الدين : يبدو أنّ ضرورات التجديد في الاجتهاد تفترض التأمّل في المفهوم الشائع للاجتهاد ، الذي يرادف اليوم المعنى التقني والصناعي ، مع أنّ مهمّاته باتت أوسع بكثير ، وتقتضي فهماً جديداً يتوافق ومقتضياته الواقعيّة ..

٤١

هذا الاقتراح عن التجديد في الاجتهاد يمكن أن يفهم على أنحاء :

فتارةً يُفهَم على أساس أنّ الضرورة تقضي بالتجديد في مجالات وحقول الاجتهاد ، كأن نقول : إنّ الاهتمامات والمجالات التي يجب على الفقيه أن يتطرّق إليها في أبحاثه تقضي الضرورة بالتجديد فيها ..

وتارةً نتكلّم على التجديد في المنهج ، وهو ما يلقى الاهتمام والمتابعة ويحتاج إلى كلام مفصّل ... وهذه المسألة اُصادفها كثيراً في أبحاثي ، إنّ مناهج الاجتهاد تحتاج إلى إعادة نظر ، ويبدو لي أنّ هناك نقصاً منهجيّاً ، لا أقول خللاً منهجيّاً ، يوجد نقص منهجي ..

يقول محمّد محفوظ : إنّ التجديد الثقافي الإسلامي المطلوب لا يعني خلق منظومة فكريّة جديدة لا تمتّ بصلة إلى القيم الإسلاميّة الكبرى ، وإنّما يعني إزالة ركام التخلّف والانحطاط من موقعين أساسيّين : موقع الإنسان المسلم الذي تأ ثّر بشكل أو بآخر من عصور التخلّف ، وموقع القيم التي شابها بعض الزوائد التي اعتُبرت بعد فترة تاريخيّة بأ نّها جزء من القيم .. إنّ تنقية هذين الموقعين يؤدّي بنا إلى التفاعل الخلاّق مع منظومة فكريّة حيّة قادرة على الردّ الحسن على الحاجات الجديدة الناجمة عن التطوّر الاجتماعي وتقديم الحلول الأصليّة لها ..

يقول السيّد محمّد حسين فضل الله : هناك نظرتان للتجديد :

النظرة الاُولى : هي أن تتحوّل الحوزة العلميّة إلى الجامعة بحيث

٤٢

تتجّدد على أساس المنهج الجامعي والتنظيم الجامعي ، حتى في المباحث الفقهيّة والاُصوليّة والفلسفيّة التي يراد لها أن تتحرّك في هذا الاتّجاه وبهذا الاُسلوب ..

النظرة الثانية : هي أن تُبقي الحوزة العلميّة تقاليدها المنفتحة في حركة الدراسة وفي عمقها ولكن تجدّد أساليبها وموضوعاتها ، كما يجدّد تنظيمها في طبيعة أوضاع الطلاّب وطبيعة انتمائهم للحوزة ودراستهم واختبار طاقاتهم ومدّة التخرّج وشهاة التخرّج .. إنّنا نتبنّى النظريّة الثانية ..

التقليد

يقول محمّد محفوظ : التقليد في جوهره هو فشل الذات في إبداع الطرائق والاُطر التي تطوّر الذات وتدفعها إلى الأمام ..

ونحن أمام هذا الفشل لا نقف منه موقف المواجهة والإصرار على تجاوزه ، وإنّما نهرب من مواجهة ونلجأ إلى حصن التقليد واستنساخ الغير في كلّ شؤوننا الخاصّة والعامّة ..

لذلك فالتقليد هو عبارة عن تسوّل حضاري يهدف إلى نقل الآخر (تقاليد وأعراف واُطر وطرائق ونظم) إلى الذات .. وهذا ما يؤدّي بطبيعة الحال إلى الاستلاب والارتهان إلى الآخر ..

ويقول أيضاً : المسافة جدّ قصيرة بين التقليد بوصفه حالة معرفيّة ونفسيّة سائدة في محيطنا العام ، والتبعيّة بوصفها علامة من علامات العجز الذاتي والتوقّف عن النموّ العامّ .. وأكاد أجزم أنّ التقليد هو الوجه الآخر

٤٣

للتبعيّة ، فهما وجهان لعملة واحدة ، لا ينفصل عنوانها الثقافي عن وجهها الاقتصادي والسياسي ..

من هنا فإنّ الاعتماد على الذات والاستقلال أو التبعيّة والتقليد الأعمى للآخرين يبدآن بالفكر والثقافة قبل الاقتصاد والسياسة ; إذ إنّ الفكر المستقلّ سيصنع اقتصاداً مستقلاًّ يعتمد على واقعه الموضوعي وخصوصيّاته الذاتيّة ، كما أنّ الفكر التابع أو الثقافة المهزومة مهما اُوتيت من إمكانات مادّيّة هائلة لن تخرج عن إطار التبعيّة الاقتصاديّة ونقل النظريّات الجاهزة وتطبيقها في تربة ليست تربتها ..

يقول ياسين الحافظ : إنّ التخلّص من التقليد ـ ذوي الجذور العميقة في العقل الشرقي ـ كان سيرورة تطوّر بطيئة متلاحقة ، جاءت من خلال الممارسة والتأمّل والتثقّف في آن ، وأ نّه لا يمكن بالنتيجة التخلّص منه بموقف قطيعة انقصافيّة ..

من الصعب أن يؤكّد أحد أنّه تخلّص نهائيّاً وكلّيّاً من تأثيرات التقليد الواعية أو غير الواعية في مجتمع متأخّر لم يشهد ثورة ديمقراطيّة وقوميّة .. وبالتالي يصعب أن يؤكّد أحدٌ أنّه أصبح عقلانيّاً وواقعيّاً بكلّ معنى الكلمة في منهج شرقي ضاغط ومفعم بالشعوريّة والمعتقديّة .. وهذا يعني أنّ التأثيرات المجتمعيّة المتخلّفة تجعل امتلاك العقلانيّة والواقعيّة معركة مفتوحة ينبغي أن يعاد كسبها على الدوام ، وأ نّه ينبغي تنمية وتعميق هذه العقلانيّة والواقعيّة باستمرار ..

٤٤

إنّ التدرّج في مراتب الوعي وإن كان سيرورة إلاّ أنّ مراحل الوعي ومحطّاته قد تتداخل من جهة ، كما أنّها من جهة اُخرى قد تحمل تراجعات بسبب من التقلّبات الشديدة التي شهدها الوطن العربي «الانتصارات» ثم الهزائم ، الآمال ثم الخيبات ..

العقلانيّة

يقول أنور الجندي : أمّا العقلانيّة فهي مفهوم صحيح ، ولكنّه ليس منفرداً بالنظر ، ولكنّه شطر مفهوم متكامل يقوم على العقل والروح والعلم والدين ، والعقل جهاز كاشف ، ولكنّه يسير في ضوء الوحي ، وليست له القدرة على أن يجاوز مهمّته ، وكذلك نظرة الإسلام للعلم ، حيث يقيّمه في إطار المفهوم الإسلامي لا خارجه ، ويقيم له ضوابطه من الوحي من ناحية فيما يتعلّق بعالم الغيب ، وبالأخلاق من ناحية فيما يتعلّق بعالم الغيب ، وبالأخلاق من ناحية فيما يتعلّق بحركته واستثماره ..

يقول علي حرب : ليست العقلانيّة مرحلة نقطعها أو عتبة نختارها أو شهادة نحصل عليها ، بعد أن نفوز بمعيار للعلم الحقّ أو العمل الحقّ ، بقدر ما هي نقد مستمرّ للعقلانيّات السائدة أو الموروثة للكشف عن قصورها ومآزقها .. إنّها فاعليّة فكريّة نقديّة ومستمرّة ، نمارسها بتفكيك أبنية وتحويل علاقات ، لا من أجل تنقية العقل من شوائبه ، بل من أجل تسوية علاقة المرء بأهوائه وكلّ ما لا يعقله أو يتحكّم به ، وأمّا من يعتقد بإمكان

٤٥

تصفية لا معقولاته فلا يحسن سوى تلغيم عقله ..

ويردف قائلاً : ليست العقلانيّة تأسيساً ديكارتيّاً للوجود ، ولا هي مماهاة هيغليّة مع الواقع ، بقدر ما هي استراتيجيّة معرفيّة أو سياسيّة أو مؤسّسيّة لمواجهة المجهول والخفيّ واللامفهوم ، أو لمجابهة المفاجئ والشاذّ والخطر .. فالعالم ـ قصدت عالم الإنسان ـ يولّد دوماً السحر والاُسطورة والقداسة ، وينتج البربريّة والفوضى والاحتكار ، احتكار السلطات والمشروعيّات والثروات .. من هنا فالعقل هو مجرّد رادع غير محبّب ، والعقلانيّة ليست أكثر من قيد هو أشبه بالشرّ الذي لابدّ منه .. إنّها بالأحرى رهان فكري أو سلطوي لضبط الكثرات المحسوسة أو السيرورات اللامتناهيّة أو الفوضى المشتّتة أو التجارب الكثيفة أو الجموع الحاشدة أو الاختلافات الوحشيّة ..

يقول محمّد عمارة : على تحديد المراد من «العقل» يتحدّد المراد من العقلانيّة ; إذ هناك عقلانيّة التنوير الغربي وشعارها : «لا سلطان على العقل إلاّ للعقل» وهي بذلك تنفي وتنكر ـ بل وتستنكر ـ سلطان «الوحي» على عقلانيّة الإنسان ، وترى في «العقل» و «التجربة» سبيلي المعرفة المؤتمنين على تحصيل المعارف التي تستحقّ الاحترام ... بينما هناك «العقلانيّة المؤمنة» التي تبلورت في علم التوحيد ـ الكلام ـ الإسلامي ، لتقرير الدين وليس لنقضه ... وهي التي تقرن «النقل» بـ «العقل» وتحكم «العقل» بـ «النقل» إيماناً منها بأنّ العقل هو ملكة إنسان

٤٦

محدود الإدراك ، نسبيّ المعارف ، بينما «النقل» هو نبأ ذي العلم المطلق والمحيط ، سبحانه وتعالى ، ففيه ما لا يستقلّ العقل بإدراكه ، وهذه «العقلانيّة المؤمنة» ـ بعد إضافتها «الوحي» إلى «الكون» في مصادر المعرفة ـ تجعل سبل المعرفة أربع هدايات هي : العقل والنقل والتجربة الحسّيّة والوجدان .. فلا تقف بسبل المعرفة فقط عند العقل والتجربة ـ كما صنعت عقلانيّة التنوير الغربي ـ الوضعيّة والمادّيّة ، فعن أيّ عقل وعن أيّة عقلانيّة يجري الحديث؟ عقلانيّة استبعاد «الشرع» و «لا سلطان على العقل إلاّ للعقل»؟ أم عقلانيّة المؤاخاة بين الشريعة والحكمة ، بتعبير ابن رشد؟

يقول ناصيف نصّار : لا تحمل عبارة العقلانيّة العربيّة أيّ معنى يفصلها عن المعنى الشامل للعقلانيّة في التاريخ العالمي ، فالعقل واحد عند بني الإنسان على اختلاف أفرادهم وجماعاتهم ومجتمعاتهم وحضاراتهم وتواريخهم ، ولا يوجد احتكار لطريقة تعامل مع العقل يخصّ بعضهم دون بعضهم الآخر .. فإذا حصل تمايز بين الشعوب والمجتمعات في موضوع العقلانيّة فإنّه نتيجة عوامل وأوضاع ثقافيّة اجتماعيّة تاريخيّة قابلة للتغيير في إطار التفاعل العالمي الذي يضمّ بني الإنسان جميعاً .. فالعقلانيّة العربيّة ليست أكثر من العقلانيّة في الثقافة العربيّة ، كما أنّ العقلانيّة الإغريقيّة ليست أكثر من العقلانيّة في الثقافة الإغريقيّة ...

والثقافة هنا هي الثقافة بالمعنى السوسيولوجي الواسع ، الذي يحدّد

٤٧

التمايز بين العقلانيّات بكيفيّة ومدى تأثير العوامل المكوّنة للثقافة في تعريف العقل وفي تحديد طرق استخدامه ومجالاته وحدوده ..

ويقول أيضاً : إنّ واقع العقلانيّة العربيّة ليس التراث العقلانيّ العربي ، الحيّ أو الميّت ، وحده ، إنّما هو ذاك التراث القديم والحديث والممارسات الحاضرة للعقلانيّة على جميع مستويات الحياة الثقافيّة الاجتماعيّة في البلدان العربيّة .. إنّه التراث العقلاني العربي كما يعلن عن نفسه ، وكما نقرأه ونفسّره ونقيّمه ونستوعبه ونتجاوزه ، وهو في الوقت نفسه الممارسات التي نقوم بها نحن ، أفراداً وجماعات ومجتمعات ، لتطوير مفهوم العقل واستخدام العقل في مختلف الميادين النظريّة والعمليّة ..

إنّ مقاربة العقلانيّة العربيّة من زاوية الواقع والآفاق تجعل من جدليّة التراث والحاضر ـ التي هي في العمق جدليّة التراث والتغيير أو التراث والإبداع ـ جدليّة مركزيّة ، ولكن عندما ننتقل إلى تحليلها من زاوية الميادين والمستويات فإنّنا نجد أنفسنا مدفوعين إلى اعتماد معادلات متباينة لتلك الجدليّة وإلى التركيز على جدليّة اُخرى هي جدليّة النحن والآخرين في عالم اليوم وفي عالم الغد ، التي هي جدليّة المشاركة لجميع الشعوب في التفكير والعمل العقلانيّين لبناء عالم الإنسان الجديد ..

ولا شكّ في أنّ تناول واقع العقلانيّة العربيّة بهذا المعنى يتطلّب إسهامات كثيرة ، متعدّدة المناهج والاختصاصات ، من النفسانيّات والاجتماعيّات إلى الانثروبولوجيات والتربويّات ، مروراً بالسياسيّات

٤٨

والاقتصاديّات والتاريخيّات ، ومتّصفة بالتواصل والتراكم النوعي عبر ندوات ومراكز أبحاث وهيئات ثقافيّة متعاونة .. إلاّ أنّ الإسهام الأساسي فيه يبقى للفلسفة والفلاسفة .. فالسؤال عن ماهيّة العقل وعلاقته بالوجود ومنزلته ووظيفته في الحياة الإنسانيّة كان ولا يزال سؤالاً فلسفيّاً بامتياز .. إنّه سؤال مطروح على الفيلسوف اليوم ، كما كان مطروحاً على الفيلسوف بالأمس .. ولذلك ينبغي التركيز في دراسة العقلانيّة العربيّة لتطويرها على المستوى الفلسفي فيها ..

يقول برهان غليون : العقلانيّة العربيّة تجعل من العلم أساساً لصحّة معارفنا بدل أن تجعل من الانخراط في التجربة ـ أي من معاينة الواقع القائم ـ وسيلة لمراجعة النظم العرفيّة والتحقّق منها وتثويرها .. أي أنّها اكتفت بالاستهلاك العلمي بدل أن تمارس الفعل العلمي الحقيقي .. وما كان يمكنها أن تفعل العكس طالما أنّها حدّدت منذ البدء موقفها من الواقع الذي تعيشه ، باعتباره واقعاً وهميّاً لا معقولاً ولا مقبولاً ورفضت التفكير فيه والانطلاق منه .. وهكذا حدّدت طريقة نظرنا وتعاملنا معه ، أي إلغاءه المسبق من الذهن قبل إلغائه من الوجود ..

وبهذا المعنى نحن نقول : إنّ العقلانيّة العربيّة التي تحوّلت إلى علمويّة ، أي ايديولوجيّة تبشير بالعلم وامتداح له لا إلى منهج لمقاربة الواقع ، كانت منطلقاً نظريّاً لتدمير الواقع نفسه بهدف إعادة صياغته بما يتلاءم مع المفهوم الذي تملكه عن الواقع «الحقيقي» : واقع الحداثة ..

٤٩

وبذلك أصبح المفهوم هو الذي يتحكّم بالواقع ويخضعه له بدل أن يخضع له ويتطوّر على ضوئه .. وهذا هو مصدر الاستلاب النظري وفقدان التجربة العلميّة والنظر العلمي ..

بمعنى آخر : أصبحت العلمويّة أو «الاستقواء» بالعلم هي قاعدة تحطيم المسعى العلمي الحقيقي واستبعاده .. وأصبح الموقف السائد هو : العلم موجود ، إنّه قائم هناك وجاهز ومتطوّر ، وليس علينا إلاّ أن نأتي به ، أن ندخله عندنا ، أن نفسح له المجال ونرعاه .. وبذلك حرمنا أنفسنا من كلّ قدرة على مناقشته أو الإضافة إليه ..

يقول محمّد أرگون : يمكننا الآن أن نعدّد الخصائص التالية للعقلانيّة المركزيّة الخاصّة بالمجال العربي ـ الإسلامي :

١ ـ كلّ فعّاليّة فكريّة تتحكّم بها الصورة الدوغمائيّة للعقل القادر على السير والتوصّل نحو الكائن الأعظم (الله) وبالتالي فهو يتناغم أو ينسجم مع الحقّ ـ والخير ـ والجمال الدائم أو الأبدي .. هذا يعني أنّ الباعث الأقصى لكلّ تفكير ليس علميّاً بالمعنى الحديث للكلمة ، وإنّما جماليّاً ـ أخلاقيّاً ...

٢ ـ إنّ العقل يستمدّ أنواره من القوّة العاقلة ، وهي مخلوقة من قبل الله أو ممتلكة عن طريق الأفكار المثلى .. وتكمن وظيفة العقل في التعرّف على الكائن الأعظم ـ الواحد ـ الحق ـ المسبّب الأوّل ـ الخالق .. وهذا ما يفسّر لنا سبب التداخل والتوافق النهائي بين الميتافيزيقيا واللاهوت

٥٠

والأخلاق والقانون .. فالتعرّف على القيم ثم توصيلها إلى الجمهور يتمّ داخل اللغة المرتكزة على الحسّ المشترك وبمساعدته .. وهذا الحسّ المشترك هو الذي يرسّخ الإحالة المرجعيّة إلى ما هو مألوف ومعتاد ، إلى الشيء نفسه ، إلى العقل السليم الذي يضمن توافق الآراء والحلول مع مبادئ العقل الأعظم أو المطلق .. وأخيراً هناك جملة التصوّرات والصياغات التعبيريّة التي تموضع الخطاب أو تحافظ عليه في منطقة معروفة تكون فيها المعقوليّة مباشرة وعفويّة ..

٣ ـ إنّ العمليّات الأساسيّة التي يقوم بها العقل المثالي المطلق من أجل «العودة إلى القواعد أو الاُصول» تكمن في تشكيل علاقات الهويّة والتناظر والتشابه والتورّط أو التضادّ ، وذلك انطلاقاً من تحديدات كونيّة وماهيّات أولى وجواهر ثابتة لا تتغيّر ولا تتبدّل ..

٤ ـ لكي يزوّد نفسه بإمكانيّات التوصّل إلى النتيجة المرغوبة ـ أي في النهاية تأسيس علم يمارس وظيفته كنظام أمان بالنسبة للإنسان ـ فإنّ العقل يرفع إلى مستوى المتعالي المعطيّات العلميّة المحسوسة بشكل صرف ، وهو يرفعها إلى مستوى التعالي عن طريق إسقاط البُنى الحُلُمية (أو المحلوم بها) للمتعالي عليها ..

يقول سالم يفوت : العقلانيّة المعاصرة تلحّ على إبراز القيم الابستمولوجيّة إبرازاً يقوم على إدراك مظاهر التجديد التي تميّز كلّ مرحلة علميّة وكلّ نظريّة علميّة ، وما تحمله من جديد .. ومادام العلم في

٥١

تطوّر متواصل فليس بالإمكان الحديث عن قيمة كلّيّة ونهائيّة للعلم ، وفي هذه النقطة بالذات تظهر الفلسفات التقليديّة بعيدة تمام البعد عن القدرة على استيعاب الفكر العلمي في جدّته ..

* * *

نقول : تعجّ الفضاءات العلميّة المعرّفيّة العَقَديّة الثقافيّة بهذه البحوث التي نقلنا بعض ما قيل فيها .. إلاّ أنّ بحث «العقلانيّة» يبقى الأكثر مساحةً والأوسع اُفقاً والأشدّ ابتلاءً والأهمّ حاجةً ، من بينها ، في عصرنا الراهن .. لذا نشير إليه خاطفاً بما يلي :

لا تأتي «العقلانيّة» من مساحات الفراغ أو دهاليز السجايا والخصال الذاتيّة ، فما ينتجه الفراغ ليس إلاّ فراغاً ، وما يترشّح من دهاليز السجايا والخصال الذاتيّة ليس إلاّ نتاجاً مترفاً بلا أدنى جهد ومراجعة وحفر ومقارنة واستقراء ..

ولا تنبعث العقلانيّة من أرحام الظلم والاستبداد والترويع والتعالي والتقوقع والانعزاليّة والجهل والتعصّب ; إذ الشواذّ والمشوّهون والمنحرفون والجناة والمضطربون والحاقدون والمتخلّفون لا ينجبون إلاّ ما يسانخهم ويناظرهم ...

يلزم بـ «العقلانيّة» أن تكون استقراءً ومراجعةً وبعثرةً وحفراً ومقارنةً واستنطاقاً ومحاكاةً ومتابعةً واستشارةً وتأمّلاً وتدبّراً وتفرّساً وكياسةً وحكمةً وعدلاً وإنصافاً وإيماناً والتزاماً وإنسانيّةً وتفكيراً

٥٢

وإحساساً وتحسّباً وقراءةً وخطاباً وفهماً واستيعاباً وشموليّةً وإحاطةً وعمقاً وظرافةً وهدوءاً وسكينةً وصرخةً وبرهاناً وثباتاً وقوّةً وحزماً وعزماً وأناةً وتوازناً ورحمة وشدّة ....

إنّها منهجٌ وممارسةٌ متمخّضة عن فكر راق وإحساس مرهف وتفاعل مسؤول ، تلك إفرازات العقل «المطبوخ» بالمؤن والأدوات المذكورة أعلاه ; فكلّ واحدة منها بحدّ ذاتها محور وقطب في تكوين النضج المطلوب المنتج للعقلانيّة المرتقبة .. وكلّ واحد من هذه المحاور والأقطاب له في دوائره وحلقاته مناهج وأنساق قد تفضي إلى كسب المراد «الصحيح» وقد لا تفضي إليه .. فليس الأمر بذاك السهل الهيّن حتى يبدو للوهلة الاُولى وكأ نّه ناتج عن لا شيء ، أو أنّه حصاد السجايا والخصال الذاتيّة ... بل العمليّة شاقّة صعبة للغاية ، فهي ـ أي العقلانيّة ـ ممارسةٌ تؤدّي إلى العودة للمركز بعد التشتّت والانفلات والزيغان ، وإصلاحٌ لما عطل ، وتجميعٌ لما تناثر وتفكّك ، وتوليدٌ للمفتقر إليه ، سواء كان عنصره موجوداً وتلف أم لم يكن أساساً ، آخذةً بعين الاعتبار الماضي والحاضر والمستقبل ، متجاوزةً عقبة الزمان والمكان ، مازجةً بين الأصالة والابداع ، بين التراث والتجديد ، نابذةً التبعيّة والتقليد العمياويّين ..

إنّ إعادة الاُمور إلى نصابها الصحيح واتّخاذ التدابير اللازمة للطوارئ المحتملة والحاصلة لا يأتي إلاّ عبر فهم آفاق العقل والروح والتجربة والوحي والعلم والنسبيّ والمطلق ، الفهم المؤدّي إلى معرفة كيفيّة تحليل النصّ والمادّة والتعامل الصحيح مع الإشكاليّات الموجودة والوارد

٥٣

الجديد ; ممّا يكون بمجموعه مرجعيّةً ومصدريّةً تستند إليها الاُمّة بل البشريّة بأسرها في عقلنة قضاياها وإدارة شؤونها ومعالجة أزماتها ..

إنّ «العقلانيّة» تعني : إيجاد أقصر وأوضح وأسهل الطرق الإقناعيّة ; من حيث مزيجها الروحاني العقلي التجريبي ، وعجينتها المتكاملة ، فلا محلّ حينها لتذرّع المناوئ باستبداديّة «التعبّد» وكبت «الإسكات» أو تردّد المآلف وحيرته وضياعه أحياناً ..

إنّ «العقلانيّة» لا تنهض إلاّ من رحم الأخلاق والفكر والإيمان ، وإذا ما حصلت ـ هذه الثلاث ـ وتوفّرت توفّراً صادقاً حقيقيّاً في الفرد الإنساني من خلال الجهد العلميّ المعرفيّ والبحث المنهجي السليم ، فلا شكّ أنّها تتمثّل بذلك الفرد العقلاني كالأحجار الكريمة والمعادن النفيسة التي تُبذَل المساعي الكبيرة للعثور عليها ، وحينما تُستخلَص من بين طبقات الأرض وأعماق البحار والمحيطات وبطون الأودية السحيقة وتخوم الجبال الشاهقة ومغاراتها العنيدة ومن الصحاري وخفاياها العجيبة ، وتُجرى عليها مراحلها المعقّدة والعديدة ، نراها تشمخ بكلّ جلال وجمال وعنفوان وعزّ وإكرام ، رغم أنّها أحجارٌ ومعادن جامدة لا تعي ولا تفهم ... فكيف بالمعدن الإنساني والفرد العقلاني الذي يقود البشريّة بالأخلاق والفكر والإيمان إلى الخير والعلم والسلام والفلاح والرفاه؟! لا شكّ أنّه أجلّ وأجمل وأعزّ وأكرم وأكثر عنفواناً من أحجار هامدة ومعادن صامتة مُقادة لا تساوي شيئاً قبال الصمت الإنساني العقلاني

٥٤

حتى ، الذي كثيراً ما غيّر المعادلات والتوازنات وأعاد الاُمور إلى نصابها الصحيح ..

علينا إذن التنقيب والفحص المعرفي عن جواهر إنسانيّة ويواقيت بشريّة مهما كلّفنا الأمر من المشاقّ والصعاب والتضحيات ; إذ الكثير منها بقيت وتبقى مختبئة مخفيّة بدواعي إيمانيّة أخلاقيّة ظرفيّة ; انطلاقاً من المناهج والأدوات التي تلتزم وتعتقد بها ..

ولقد رأينا ولمسنا كيف أشرقت مصاديق العقلانيّة على كافّة مساحات البشريّة لتزيل عنها الآلام والمعاناة ; فالإنسانيّة بلا عقلانيّة محكومة بنظام الغاب ..

وأهمّ ما يميّز العقلانيّة أنّها ليست رغبة فرديّة أو جماعيّة تزول بمجرّد تحقيق المراد منها ، كما هي غير مختصّة بزمان أو مكان معيّن ، إنّها دائمة بدوام البشريّة ومستمرّة باستمرار الحياة ، فهي تتجاوز كلّ هذه المؤشّرات لتبقى شاهداً وناقداً ومعالجاً ومرجعاً مادامت الإنسانيّة موجودة ، وبذلك فهي صمّام الأمان ومقياس الفكر والأخلاق والإيمان ، ومحرّك النموّ والتطوّر ..

إنّ طرح الفكر بنحو آخر ، بنحو معيّن على وجه الخصوص ، بخصوصيّة «العقلانيّة» الملتزمة العَقَديّة يفصح عن مدى المصدريّة الأخلاقيّة والفكريّة والإيمانيّة التي تنطلق منها العقلانيّة المعهودة وأعماقها النابضة بالحكمة والخير والأمان والازدهار والفلاح ..

٥٥

ولعلّ الهرع النوعي والارتماء بأحضان «العقلانيّة» رغم اختلاف المذاهب وتباين الانتماءات وتصادم الرؤى ، لا يعني إلاّ أمراً واحداً مفاده : إجماع الإنسانيّة على كون «العقلانيّة» القاسم المشترك ونقطة تلاقي كافّة الحضارات والمذاهب والنظريّات الإنسانيّة ، اُؤكّد «الإنسانيّة» ; إذ لا عقلانيّة بدونها ..

فليست «العقلانيّة» إلاّ الممارسة الإنسانيّة المعهودة بخصائصها ، فلا هي قابعة في أعماق المحيطات والبحار ، ولا شاهقة إلى عنان السماء ، ولا مختبئة بحيث يعسر الوصول إليها ، إنّما هي سهلة الوصول ، يسيرة البلوغ ، إن توفّر العزم والحزم والإرادة العلميّة المعرفيّة المنهجيّة السليمة ، فهي تمدّنا إذن أنّى أردنا برواشح الأخلاق والإيمان والفلاح ..

لكن علينا أن ندرك حجم المعاناة والآلام ومقدار الجهد الذي بذله ويبذله أقطاب العقلانيّة من أجل إرساء القيم والمبادئ الصحيحة ; فإنّ جلالة شأنهم وعظم منزلتهم أسمى من التنقيب والبعثرة في زوايا لا تؤدّي إلاّ إلى النكسات والتراجعات ، والخوض في حواشي وهامشيّات ومرجوحات لا واقع لها غالباً ولن تثمر إلاّ الخسران والندم والتقهقر ; على أنّنا لا ننكر على النقد العقلاني الدور الهامّ الذي يضطلع به كمراقب وناظر وملاحظ ومسجِّل ، فلا تُنتقَد العقلانيّة إلاّ بالعقلانيّة ذاتها ، بنفس الأدوات والآليات والمناهج التي تأخذ بعين الاعتبار دوماً المتغيّرات الزمانيّة والمكانيّة مع الحفاظ على الاُصول والثوابت ; فلا يخفى أنّ الأصالة والمعاصرة والتراث والتجدّد لا منافرة ولا تباين بينها إذا استجمعت

٥٦

الشروط الموضوعيّة المشار إليها سابقاً ..

ولعلّ أخطر ما نودّ الإشارة إليه في سياق وظائف العقلانيّة : أنّها تتعامل ـ أي المفروض فيها ذلك ـ مع الاستفهامات المعرفيّة والتساؤلات العلميّة والغوامض والمبهمات والشكّيّات ونظائرها بروح الشفّافيّة والمسؤوليّة المفعمتين بالبرهان والدليل والشاهد والقرينة الحاسمة ، فالكلمة الفصل أخصب نتاجها ، والمجاملة على حساب الحقيقة والواقع خارجةٌ عنها تخصّصاً ; إذ كيف بالعقلانيّة التي تخوض غمار العمق والجوهر أن تقنع لنفسها بالخضوع لسلطان القشور الزائل؟! فهي تحفر رؤاها وحاصل كدحها على الذهن الإنساني كالنقش على الحجر ; كونها تقتات على العلم وتُرفَد بالعلم وتغوص في العلم وتنبعث من العلم وتقصد العلم ، فلو قُدّر للعقلانيّة أن تقتات على الـ «لو» والـ «إذا» لخرجت عن العنوان الذي اختير لها وصارت كمهنة المتنبّئين المفترشين طرقات السذاجة والبدع والخرافات والأوهام ..

٥٧

رواشح التسمية

ممّا قيل في الإسم والتسمية :

ـ إنّ المواضعة على مستوى الألفاظ لابدّ أن تقترن بالإشارة الحسّيّة ، حيث تصوّر المفكّرون المسلمون أنّ الإسم بديل للإشارة ، ويقوم بوظيفتها خاصّة حال غياب الشيء الذي يراد الإشارة إليه .. الإسم في هذه الحالة نوع من الإشارة اللفظيّة استُبدل بالإشارة الحسّيّة وحلّ محلّها .. هذا إذا كان الإسم يدلّ على شيء موجود في الواقع الخارجي ، فإذا كانت هناك أشياء ليس لها وجود في الواقع الخارجي فإنّ الإخبار عن مثل هذه الأشياء يستلزم التسمية ، أي يستلزم المواضعة .. من هنا كانت المواضعة ضرورة لتحقيق التواصل الذي عُبّر عنه أحياناً بالبيان وأحياناً بالإنباء أو الإخبار ..

ـ الكلمات حدود ، مفاهيم ، قَوْلات ، مقولات ، إنّها تسميات لأشياء ، أشياء مادّيّة ، أو علاقات ، أو عمليّات .. إنّها عامُّ خصوصيّات وفرادات .. ومن بين أقسام الكلام أو أنواع الكلمات إنّ الإسم هو الأكثر مفهوميّة ، هو الأكثر قبضاً وإدراكاً وتثبيتاً ..

٥٨

ـ متى ولج الإسم على الاصطلاح فإنّه قد يتجاوز وظيفته التبليغيّة ، وظيفة الوسيط بين العقل والوجود ، إلى منزلة دلاليّة مستقلّة ، تمكّنه من أن يغدو متعالياً على الأشياء والعقل معاً ، هكذا تصبح للألفاظ سلطة مستقلّة ووجود متميّز عمّا تمثّله من أشياء وأفكار أو تشير إليه من موجودات ; بسبب اكتنازها بالدلالة عبر تاريخها الطويل ..

نقول :

ما يهمّنا هنا تلك التسمية التي تُنتزَع وتُلَبَّس إثر الأفعال الساكنة ـ كترك الواجب وعدم النطق بالباطل ـ والمتحرّكة ، الصادرة عن جهد ذهني وعقلي ومادّي وغيرها ، المترشّحة علماً ومعرفةً وحضارةً وقيماً ومبادئاً وغيرها ، شرّيرة أو خيّرة ، خارقها وطبيعيّها ، مذلّها ومعزّها ، خالدها وفانيها .... هذه التسمية التي تنقلب بكثرة الاستعمال إلى علامة من علامات الحقيقة وتبقى ملازمة لصاحبها لا تنفكّ عنه إلاّ بالصعوبة البالغة رغم توفّر عناصر انسلاخها ، إنّها تمثّل حينئذ ركناً ومحوراً من محاور كيانه ووجوده ، بل ترقى بحيث تكاد تكون بمنزلة «التغاير المفهومي» ..

وتسري هذه التسمية على الفرد والاُسرة والمحلّة والمدينة والوطن والاُمّة والمجتمع والانتماء والهويّة والفكر ..

ولكن طالما خضعت «التسمية» لأسباب وعلل ودواعي غير حقيقيّة وتحقيقيّة ، بل ظالمة وتعسّفية ، نفعيّة وانتهازيّة ، لأدوات غير علميّة ومعرفيّة وأخلاقيّة ، لغايات غير إنسانيّة ، لأوهام وصناعات زائفة ،

٥٩

لقسوة لا ترحم حتى الهفوة والخطأ العفوي ، لمصالح ومطامع تعظّم وتدمّر ، تضخّم وتفني ، تختلق وتمحو ...

فهذا يعني اضطراب الملاكات والموازين والضوابط ، فاختُرِقت مبادئ العلم والمعرفة والثقافة ، واهتزّت الحقيقة ، ونالت الأحكام والاُصول والتأريخ والتفسير ونظائرها نصيبها من التحريف والتزييف ، اللذين انعكسا بديهيّاً على المدوّنات والمقولات والتقريرات ، وصارت الهوّة تتّسع يوماً بعد آخر وغدا الاختلاف يتّخذ صيغاً وأساليب متنوّعة تبعاً للظرف وحجم الإمكانيّات ، وباتت الشبهة والتهمة والغفلة والنسيان ونظائرها ذنباً وكبيرةً لا تغفر ، وأضحت كبائر الأسياد وخطايا أولياء النعم وذنوب الجبّارين حسنات طيّبات .. وهذا ما يعني سحق الحقيقة بأقدام الحيف والضلال ..

إنّ مناهج الحذف والنفي والتزييف والتشويه والتحريف ما هي إلاّ أدواتٌ من أدوات «التسمية الباطلة» التي صادرت الحقيقة وتعدّت على حقوق الفرد والاُسرة والمجتمع والاُمّة والإنسانيّة طرّاً ..

لا شكّ أنّ الحروب والصراعات والحصار لن تصنع حلاًّ لهذه الأزمة الرهيبة ، أزمة القيم والأخلاق والمبادئ ، ولا نراها ـ أي الأزمة ـ منفرجة طبق القرارات والخطابات والأنساق الموجودة ، وسيستمرّ النقاش والخلاف ، ولن تكون هناك نهاية ايديولوجيّة تاريخيّة توحّد القلوب والعقول ، وستبقى لوائح الاسكندر المقدوني وكونفوشيوس وفوكوياما

٦٠