نفحات الذّات - ج ١

كريم الأنصاري

نفحات الذّات - ج ١

المؤلف:

كريم الأنصاري


الموضوع : العامة
الناشر: منشورات دليل ما
المطبعة: نگارش
الطبعة: ١
ISBN: 978-964-397-975-1
ISBN الدورة:
978-964-397-972-0

الصفحات: ٤٧١

حصلت قبل أكثر من ثلاثة عشر قرناً ، إنّما كنت أعتقدها وقعة لم يمرّ عليها سوى بضع عشرات السنين.

عشنا محرّم وكربلاء والحسين (عليه السلام) أيّام الطفولة بقلوبنا ومشاعرنا وحبّنا الفطري الذي تعلّمناه من آبائنا ومحيطنا وفضاءاتنا ، ولمّا صلب العود وتفتّحت آفاق المعرفة والثقافة صرت أعيش التاريخ وأحداثه والانتماء ولوازمه برصيد إضافي فرضته الإرادة الذاتيّة نحو فهم ودرك اُصول وجوهر الفكر ، ثم التحدّي الكبير الذي يستهدف هويّتي ويهدّدني والآخرين من بني جلدتي وانتمائي بأساليبه وأدواته المغرية المثيرة. وليس الأمر من باب التمسّك بما عليه الآباء والمحيط والفضاء الذي أنا فيه بقدر ما هو محاولة جادّة مراجعاتيّة استكشافيّة لبناء ومشروع قائم على أركان وقواعد واُسس ، كنت قد وجدته حاضراً جاهزاً في عقلي وأحاسيسي ، وهذه الحضوريّة والجهوزيّة لو تشبّثتُ بها كشكل وإطار وداع لحفظ انتمائي لا شكّ أنّها ليست سوى هشيماً تذروه الرياح عاجلاً أم آجلاً ، فقرّرت النأي عن المجاملات القشريّة والإلقاءات السطحيّة وخوض التجربة علميّاً منهجيّاً ، وبمقدار ما أجهدت ذهني وجوارحي وأعماقي علمت أنّ الكون لابدّ له من قوّة عليا تسيطر عليه وتدير شؤونه وتدبّر اُموره وتنظّم حرّكته وكلّ شيء فيه ، مثلما علمت أنّ «الميكانيكا» ما هي إلاّ زوبعة فنجان سرعان ما هدأت وعادت الاُمور إلى مجاريها ، عودةً أسهم فيها أرباب التجريبيّة أنفسهم عبر نقض «الميكانيكا» وتجاوزهم إيّاها. كما علمت أنّ رسالة الإسلام هي الرسالة الإلهيّة الجامعة

١٤١

المانعة المكمّلة لما قبلها ، وأيقنت أن القيم والمبادئ والأخلاق والمناهج والعلوم والمعارف والإصرار الخاصّ على الكرامة والإيمان والعدل والشرف والطهارة والحرّيّة الإنسانيّة التي جاء بها الإسلام كاملةً ، لم تأت بمثلها أو بأفضل منها سائر الأديان والمذاهب السماويّة وغير السماويّة.

وحينما بحثت وتفحّصت بمقدار وسعي لم أجد طائفةً وفرقةً ومنهجاً وتياراً استطاع استيعاب الدين الإسلامي استيعاباً صحيحاً سوى مدرسة أهل البيت (عليهم السلام) ، الذين اتّفقت كلمتهم عليهم السلام ـ عبر نسق منسجم واحد وبأدوار مختلفة أحدها يكمل الآخر ـ على عرض الرسالة الأصيلة المستقاة من القرآن الكريم والسنّة الشريفة ، فكانوا (عليهم السلام) بحقّ عدل الكتاب وصنوه الذي لا يفترق عنه قطّ.

وعلمت أنّهم (عليهم السلام) مهّدوا للعقل والعقلانيّة والفكر العامّ الجمعي فضاءات وآفاقاً رحبة ، وترشّح ـ بفضل تلقّيهم السليم واستنباطهم الصحيح ـ ما يدعم ويؤكّد الرأي الشهير بكون مدرسة أهل البيت (عليهم السلام) هي مدرسة الحوار والتفهّم والعقلانيّة والعقل والعلم بعيداً كلّ البعد عن أجواء الترويع والترهيب والنفي والحذف التي يمارسها الكثيرون إلى يومنا هذا.

ولمّا علمت هذه الأشياء فهمت بالملازمة : لِمَ كنتُ أعتقد أنّ الحسين (عليه السلام) أبٌ لأميرالمؤمنين (عليه السلام) ، وقد ساعدتني على هذا الفهم أمورٌ منها : النصّ الشريف «فاطمة أُمّ أبيها» ...

وحينما أقف متأمّلاً شموخ زينب العقيلة (عليها السلام) في مجلس الطاغية

١٤٢

يزيد وهي تقول : فوالله لا تمحو ذكرنا ولا تميت وحينا ... أفهم سرّ اعتقادي بكون الحسين (عليه السلام) قد استشهد قبل بضع عشرات السنين وليس قبل أكثر من ثلاثة عشر قرناً ... وهكذا أفهم وأعلم وأتعلّم المزيد كلّما سبرت الغور في ثقافة ومعارف وسيرة وتأريخ أهل البيت (عليهم السلام).

هذا فيض من غيض وقطر من بحر بركاتهم عليهم السلام ، فالطبيعة تتكثّر أفرادها ومصاديقها بتكثّر جلالها وعظمتها وقداستها ... وأيّ طبيعة أرقى وأعزّ من تلك التي تعني صنو القرآن الكريم الذي لن يفترق عنه بتاتا؟!

١٤٣

أخشى أن يسلموك عند الوثبة واصطكاك الأسنّة

زينب الكبرى (عليها السلام) تخاطب أخاها الحسين (عليه السلام) ليلة العاشر من المحرّم الحرام : أخي ، هل استعلمت من أصحابك نيّاتهم؟ فإنّي أخشى ...

أجابها (عليه السلام) قائلاً : «والله ، لقد بلوتهم فما وجدت فيهم إلاّ الأشرس الأقعس ، يستأنسون بالمنيّة دوني استئناس الطفل إلى محالب اُمّه».

ورد هذا النصّ في كتب المقاتل بتفاوت يسير في الألفاظ ، ولسنا في فضاء الخوض به خوضاً تحقيقيّاً كلاسيكيّاً بقدر ما نهتمّ بفضاءاته الفكريّة والمعرفيّة ورواشحه المدنيّة والدينيّة والانتمائيّة ، وأينيّة موقعنا منه وموقعه منّا بلا انفصال عن المتائية بالطبع ; فالنتاج الفاعل الصحيح يظلّ حيّاً نابضاً يتّسع باتّساع مضامير المكان والزمان ، متجاوزاً حدود الأنا بأبعادها الحسّيّة والحدسيّة.

صدامُ الأفكار والمعارف والثقافات والحضارات أخذ فيه موضوعُ العلم مساحةً لا تضاهيها مساحات الموضوعات الاُخر ، فهو المعوّل عليه في الادّعاء والاستدلال والإثبات والاستمرار في البقاء والنموّ والازدهار ،

١٤٤

قياساً إلى الأدنى منه رتبةً كالظنّ ـ حتى المعتبر منه ـ والشكّ والوهم.

وقد اختُلف في موضوع العلم اختلافاً شديداً ، هذا الاختلاف المشتمل بذاته أيضاً على آليات وأدوات وكيفيّات حصول العلم ، ولاسيّما في القرون الأخيرة حينما جعلت النهضة الاُوربيّة طريقها يمرّ عبر تخريم وتدمير المناهج والأنساق الفلسفيّة القائمة على الاُصول الأرسطويّة والقيم اللاهوتيّة والدينيّة المؤمنة بالغيب والماورائيّات ، فانحسر مدّ الكنيسة ـ التي تتحمّل وزراً كبيراً وعبئاً ثقيلاً في الانتكاسة التي أصابت فضاءات المبادئ السماويّة ـ واستشرى المذهب التجريبي القائم على الحسّ والانهماك في الطبيعة ، فازدهرت الأفكار الإلحاديّة وتراجعت شعبيّة الاُسس التوحيديّة تراجعاً موجعاً ، وتشدّق الإلحاديّون بما نالته الصناعات من قفزات كبيرة وتقنيات عظيمة بفضل النسق التجريبي الذي ترك آثاره الملموسة على القيم الثقافيّة والاجتماعيّة والسياسيّة والاقتصاديّة والاعتقاديّة ، وعدّوا ذلك أوّل دليل على صحّة المدّعى وخطأ التوحيديّين ، وبقي الحال على هذا المنوال حتى برزت نظريّة الاحتمال التي أعادت الانتشار رويداً رويداً وجدولت الحسابات من جديد ، فأخذت الاُسس الدينيّة والغيبيّة فرصتها من جديد لتقول مرّة اُخرى : لابدّ من وجود شيء ما ، قوّة ما ، أوجدت الكون وتسيطر عليه وتعمل به طبق تصوّراتها ، لا أنّه ماكنة تعمل بحركة ديناميكيّة منتظمة كما يحلو للنيوتنيّة افتراضه كذلك.

عاد نزاع موضوعيّة العلم قويّاً من جديد بين من يرى العلم غير

١٤٥

متصوّر في غير الحسّيّات وبين من يراه متصوّراً في الحسّيّات والعينيّات ، فأحسّ الإلحاديّون بالخطر الداهم الذي ما برح يقضّ مضاجعهم ويؤرّق أجفانهم منبعثاً هذه المرّة من رحم ذات الاختراعات والاكتشافات التي راموا بها مصادرة اللاهوتيّات وإغلاق ملفّها نهائيّاً ; فاكتشفوا أنّ «الميكانيكا» خاسرة و «الاحتمال» رابحة ، اكتشافاً أحجم الكثيرون منهم عن إذاعته والإذعان به فتجرّأ آخرون بعرضه والاعتراف به حقيقة لا تقبل اللبس والتردّد.

شيءٌ ما ، قوّةٌ ما ... تصنع وتخلق وتدير وتدبّر على نسق دقيق ونهج مثير ... شيءٌ ما ، قوّةٌ ما ... لا نراها ، لا نسمعها ، لا نشمّها ، لا نلمسها ، لا نتذوّقها ... لكنّها تفعل كلّ شيء بحكمة ونظم ... لابدّ إذن من وجود شيء ما ، قوّة ما ، بهذه الصفات ، لابدّيّة عقليّة مسلّمة ، تسلّلت من الآثار لتبلغ المؤثِّر ، بلغت المؤثِّر فعلمت به دون أن تراه أو تسمعه ... فحقّ للإنسان أن يعلم بما فوق الحسّ ، أن يتيقّن بلا نهج تجريبي طبيعي أنّ ما وراء الطبيعة عالمٌ ، ما وراءها قدرة هائلة هي التي تديرها بأنظمة وقوانين لا يتمكّن من صياغتها وبلورتها أحدٌ غيرها ، فهذا ما ترشّح من «نظريّة الاحتمال» المهيمنة بلا منازع حالياً على الفرضيّات والاختراعات العلميّة ..

على أنّنا لا نستطيع افتراض هيمنة وحاكميّة هذه القدرة الهائلة ودقّة إدارتها للكون بالقوانين والأنظمة المثيرة دون افتراض الصانعيّة في ذات القدرة المشار إليها وتصوّرها وتصديقها على أنّها من صفاتها الذاتيّة ،

١٤٦

افتراضٌ لابدّ أن ينقلب علماً ويقيناً بمجرّد التصديق بالمقدّمات الآنفة الذكر.

هكذا عاد أو بات عالَم الغيب حقيقةً لا يمكن تجاوزها مطلقاً ، الأمر الذي تترتّب عليه آثار واسعة ، فليس العلم ـ على سبيل المثال ـ متعلّقاً فقط بالحسّيّات والتجريبيّات والطبيعيّات كما ذكرنا ، بل يتعلّق بغيرها أيضاً بلا أدنى تفاوت ، وانكشاف الحقائق الغيبيّة لذوي المراتب النورانيّة لا شكّ أنّه علمٌ أرقى ومعرفةٌ أقدس وكشفٌ أشرف من العلم بالحسّيّات والتجريبيّات والطبيعيّات ، فالذين تمكّنوا من بلوغ مراحل العلم واليقين العالية وانفتحت لهم آفاق المعارف القدسيّة إنّما حصلوا على ذلك بفعل تجاوز الاختبارات الصعبة والبلاءات المرّة ، حينما انتخبوا سبيلاً رضوا به عن طيب عقل وإحساس ، فكلّ خطوة معرفيّة نحو المقصود تعني الاقتراب أكثر من العلم واليقين بالقدرة التي تصنع وتدير وتدبّر ، وباقتطاف ذلك العلم واليقين فالجوارح تعمل بنور الله والعقل يعمل بنور الله ، وهذا العمل يعني اختراق الحواجز الحسّيّة والحدسيّة.

من هنا قد يأتي التعجّب ليكون موضوعاً لنا هنا .. إذ كيف لمثل زينب (عليها السلام) وهي العالمة غير المعلّمة أن تسأل مثل الإمام الحسين (عليه السلام) ـ وهو المعصوم ـ سؤالاً يعدّ في ظلّ الحسابات والمعادلات المعرفيّة غير وارد في قاموس أيّ منهما .. ألا تعلم زينب (عليها السلام) نيّات الأصحاب؟! ألاّ تعلم (عليها السلام) أنّه ـ أيّ الحسين (عليه السلام) ـ يعلم نيّاتهم؟! ورغم كلّ ذلك فقد أجابها (عليه السلام)

١٤٧

بالجواب المشار إليه أوّلاً .. رغم أنّ القضيّة بأكملها مفهومة لكليهما ، ثم كيف لثلّة غُربلت وصُفّيت ثم غربلت وصفّيت ولم يبق منها إلاّ السبعون أو أكثر قليلاً ، أن تكون نواياها على غير نيّة الحسين (عليه السلام) ، ولاسيّما أنّها ليلة المصير والوداع ، ولم يبق سوى سواد تلك الليلة ليكونوا قبال ثلاثين ألفاً بحوزتهم كلّ الإمكانيّات العسكريّة والتقنية آنذاك؟!

وهل حقاً كان اختبار الحسين (عليه السلام) لأنصاره خلال تلك الأيّام القلائل فقط التي كانوا معه (عليه السلام) ليأتي تصريحه : «والله ، لقد بلوتهم ...» أم أنّه اختبار شهور وسنوات ، أو اختبار ناشئ من الحسّ بنور الله والتعقّل بنور الله؟! ولا نرى أنّ زينب (عليها السلام) فاقدة لهما وهي التي لها وفيها من الصفات ما لا ينكرها عليها أحد ... ماذا يمكن قوله هنا؟

لا شكّ أنّ الحسين (عليه السلام) كان يعلم ماهيّة نيّات أصحابه وزينب (عليها السلام) تعلم كذلك ، بل الأصحاب يعلمون فيمَ وإلى أين هم قاصدون وأنّ اليقين بالحسين (عليه السلام) لا يرقى إليه سواه.

ولستُ مقيِّداً البحث بالذي حصل بين الحسين وزينب (عليهما السلام) ، إنّما هي مفردة مصداقيّة لطبيعة ثقافة وعقيدة حاكمة على التفكير الإسلامي والشيعي على وجه الخصوص ، والديني اللاهوتي على وجه العموم ، تتّخذ من الغيبيّات والعلم بها مكوّناً أساسيّاً في بناء وجودها ومناهجها وأنساقها وعملها الخارجي ، ممّا يلزم نتائج وآثار ذات سنخيّة ونوعيّة متجانسة معها.

١٤٨

إنّه (عليه السلام) يعلم وهي (عليها السلام) تعلم والأصحاب رضوان الله تعالى عليهم يعلمون ، فلِمَ كلّ هذا الحوار والسؤال والجواب وردّ الفعل؟

نقول : إنّ للعقلانيّين نهجاً كما هو للاّهوتيّين نهجاً .. نعني بذلك نوعيّة الانتماء العقلاني والانتماء اللاهوتي ، وإلاّ قد نجد من اللاّهوتيّين من يجعل العقلانيّة في صلب قوانينه واستدلالاته ; نظراً لطبيعة الحاجة الزمكانيّة ، بل لاندكاك العقلانيّة في التصوّرات والتصديقات اللاّهوتيّة اندكاكاً حقيقيّاً ناشئاً من شموليّة وإحاطة النظريّة الغيبيّة.

نعم ، إنّما التفاوت في التلقّي والفهم والقبول ، فالعقلاني استفهامي حسّي بطبيعة الانتماء النوعي ، لا يكاد يشبع بالنقل والغيب ونظائرهما ، إنّه يستجيب لوجود الحجّة (١) ـ مثلاً ـ من خلال الإثباتات العلميّة التي تذهب إلى إمكانيّة بقاء الإنسان حيّاً لمئات السنين إن حافظ على سلسلة شروط وقضايا تختصّ بالخلايا والأنسجة ... وهناك من المعمّرين من عاشوا سابقاً مئات بل ولأكثر من ألف عام بفعل الحفاظ على الشروط والقضايا المختصّة بالاُمور الفسلجية والبايلوجيّة ...

وهذا العقلاني يرى في حواريّة الحسين وزينب (عليهما السلام) نظاماً وإدارةً ونهجاً وفكراً قياديّاً ، لا أكثر.

واللاهوتي يرى في الحواريّة أكثر من ذلك ، فهي عنده تَجَلٍّ شامخ لانكشاف الحقائق ، بل خضوع الحقائق إزاء الرؤية الفاعلة بنور الله تبارك وتعالى ، الرؤية التي تترشّح علماً ومعرفةً وإزاحةً للحجب والأستار ، وإلاّ

١٤٩

كيف به عليه السلام الفحص والتنقيب والحصول على التصديقات القاطعة بمجرّد رفقة أيّام لبعضهم؟!

إنّنا على كلا النظامين والقولين نقطف ثماراً عمليّة معرفيّة بإمكانها فتح آفاق رحبة على فضاءات من الفرضيّات والنظريّات والتصديقات والتطبيقات ، تخدمنا كلّها في صياغة مناهجنا العلميّة والفكريّة والاجتماعيّة ...

فلو جرّدنا «أخشى أن يسلموك عند الوثبة واصطكاك الأسنّة» عن محتواها اللاهوتي والغيبي وتمسّكنا بها قيمةً عقلانيّة حسّيّة لعثرنا بين طيّاتها على نظام واسع من الإدارة والتنسيق والتفحّص والتحقيق والتنقيب والمراجعة والبعثرة والمقارنة والتحليل والاستقراء والخوض في مساحات واسعة من غير المقروء واللاّمفكّر فيه .. ممّا يعني الوصول إلى نتائج عمليّة منهجيّة مستندة إلى المعايير العلميّة الصحيحة ..

بعبارة واضحة : إدارة الكيان ، أيّ كيان ، تستدعي التوفّر على خصائص ومميّزات تخصّصيّة وأخلاقيّة وفكريّة ... لابدّ من وجودها في أقطاب ومحاور الكيان فضلاً عن الرتب الأدون من عناصره وأفراده .. خصائص ومميّزات ثابتة بالعلم واليقين والاطمئنان التامّ ، العلم الذي يزيح احتمالات الظنّ والشكّ والوهم وكلّ مفردة من مفردات التردّد ، ولا يختلف إثنان في كون الثقة إن تحقّقت فإنّه يعني قطع نصف الطريق أو أكثر نحو بلوغ المرام ..

١٥٠

إنّها مجرّد كلمات قصار تشكّلت منها حواريّة الأخوين فصارت نهجاً ونسقاً ونظاماً متكيّفاً متسامياً فوق الأنا والانتماءات الضيّقة .. كلمات قصار فتحت أبواباً من التدبّر والتأمّل والتفكّر.

نحن نستطيع أيضاً إن امتلكنا العزم والحزم والإرادة أن نقلب موازين القوى والمعادلات القائمة ، وليس فرانسيس بيكون فقط يستطيع ، هذا الذي أسّس لنهضة صناعيّة من خلال بعض فصول جمعها بعنوان «الاُورجانون الجديد». فمن خلال حواريّة واحدة لم تتجاوز بمحتواها السطرين والثلاث يمكننا العمل على تأسيس نظام متناسق رشيق متشامخ يقوم على الاُسس والمعايير العلميّة الصحيحة ، فكيف بنا ونحن نتملك قرآناً وموسوعات حديثيّة وبصائر لا تنفد معارفها؟!

إنّ أساسيّات التلقّي والفهم والممارسة لها الدور الحاسم في المقام ، وتُشكّل المفصل المصيري في استنهاض القيم والفكر صوب المقصود ، فإن كانت الأساسيّات مستندة إلى العزم الجوهري العمقي ستتناسب التلقّيات والأفهام والممارسات والمقاصد طردّياً معها ، والعكس بالعكس ، بل الترهّل والتواني عن العزم الجوهري العمقي يعني التسليم والخذلان حتى دون الوثبة واصطكاك الأسنّة ناهيك عن حدوثهما حقيقةً.

من هذا المنطلق يكوّن فهم النصّ عندنا حجر أساس الفكر والثقافة والمعرفة والأخلاق والسلوك وبناء النظم العقائديّة والاقتصاديّة والاجتماعيّة ...

١٥١

ولا يعني ذلك إلاّ ضرورة الأخذ بعين الاعتبار كلّ المقاييس والمعايير العلميّة والمنطقيّة السليمة في تشييد الخلايا الثقافيّة والعلميّة والفكريّة والتخصّصيّة ذات الاتّجاهات المختلفة ; سعياً لثبات منهجي ورسوخ نسقي لا يتصدّع بمجرّد هزّة أو إعصار فكري أو أخلاقي أو مادّي.

إذن لابدّ من برنامج متكامل ، جوهري ، عميق ، ذي إحاطة وإشراف وشموليّة ، يضمن البقاء والاستمرار والانتشار والنموّ والتكيّف.

١٥٢

ألسنا على الحقّ؟

«ألسنا على الحقّ» سألها الشهيد من الشهيد ، فأجابه : «بلى والله» ، فقال : «لا نُبالي إذن ، وقع الموت علينا أم وقعنا عليه».

لِمَ نخاف إذن ، وقعت علينا «العقلانيّة» بكلّ أدواتها وآليّاتها ومؤنها أم وقعنا عليها .. مادمنا نتمكّن من حلّ المشاكل ومعالجة الاُمور بمنهج علمي سليم.

لا أدري هل هي محنة سيكولوجيّة تاريخيّة أوقعتنا في فخّ التأطير أم أنّنا اعتقدنا بأنّ كلّ الحلّ موجود في بعض فصول المعرفة ، فمنحنا البقيّة أهمّيّةً ثانويّة ، ولو سلّمنا بكونها عقدة لازمتنا فترة من الزمن ، عقدة تقدّم الآخر وتأخّرنا ، فلا يعني ذلك حلّ المشكلة عبر الاستمرار المكثّف في بعض فصول المعرفة وإهمال ما سواها ، ولا منافاة بين السعي الحثيث لملء الفراغ والنقص في بعض الفصول ودوام الجهد في الفصول الاُخرى.

لقد طوّر الآخرون مناهجهم وأصرّوا على الانتقال بالمعرفة إلى «مبدأ اللاّاكتمال» أو ما يسمّى بـ «النسق الكايوسي» والعنصر اللاتنبّؤي

١٥٣

الذي توصّل إليه عالم الرياضيّات الشهير «جودل» حيث يعني : نسبيّة العلم حتى على صعيد الرياضيّات التي عُدّت بتعبيرهم رجولة المنطق والمنطق صبا الرياضيّات ، فلا حتميّة ولا يقين ولا اكتمال ولا مطلقيّة للعلم والطبيعة ، الأمر الذي فتح عندهم مرّة اُخرى «فروض الميتافيزيقيا الخصبة» كما نعتوها هكذا .. ورسّخوا بذلك مبدأ «الوعي التاريخي» عبر المحاولات الحثيثة لتوماس كون وإمري لاكاتوش وفييرآبند وغيرهم ، الذين يُرجِعون الفضل كلّ الفضل ـ في القضاء على منهج الاستقراء والتبرير العلمي بأدبيّاته المعروفة في العلّيّة والاطّراد والحتميّة ونهاية التاريخ ـ إلى كارل بوبر مؤسّس منهج «الكشف العلمي» وصاحب نظريّة «القابليّة على التكذيب» ، أي قابليّة العرض والكشف العلمي على الاختبار كي يتجاوز مراحل العسرة ليصل إلى مرتبة القبول والإجراء ، حتى يحصل كشف علمي آخر يزيحه عن العرش وهكذا ، ممّا يعني استمرار التقدّم والنموّ العلمي بلا توقّف أبداً ، وهذا يعني أنّ العلم والمعرفة تبقى ناقصة نسبيّة غير مطلقة ، والمطلق شيء آخر خارج الطبيعة وفوقها. وبذلك تجاوزوا المرحلة الكوبرنيكوسيّة والكبلريّة والجاليلويّة والنيوتنيّة ، التي قالت بتأليه الطبيعة وقدّمت الملاحظة على العقل والفرض وحذفت عالم الغيب من كلّ صفحات العلم والمعرفة .. كما قضوا على شريعة جون ستورات مل «نبيّ الاستقراء» ـ مثلما وصفوا أرسطو بأ نّه «نبيّ الاستنباط» ـ وعلى المنطق الرياضي الذي بلغ ذروته باُصول الرياضيّات المسمّاة «برنكبيا ماتيماتيكا» لبرتراند رسل ووايتهد حيث

١٥٤

جعلوه منهج التبرير العلمي للتجريبيّة والاستقراء ، وعلى الوضعيّة المنطقيّة بكلّ جبروتها وتطرّف رائدها «فجنشتين» ..

نعم ، تربّعت نسبيّة «انشتين» وكوانتم «بلانك» ـ بدعم المقعد «ستيفن هوكنگ» الذي لا زال حيّاً إلى يومنا هذا ـ على عرش العلم ، ولا ندري كم سيدوم لهما هذا العرش في ظلّ ثوارت العلم التي لا تنقضي.

فلو كان فرانسيس بيكون ـ صاحب «الاُورجانون الجديد» الذي أزاح عالم الغيب من ذهنه تماماً وجعل الطبيعة إله الإنسان المطلق ـ حيّاً هذا اليوم ، هل تراه يصدّق ما وصل إليه العلم من حقائق ونتائج لا تقبل الشكّ والترديد ، حيث تجعل ـ على أدنى تقدير ـ فروض الميتافيزيقيا فروضاً خصبة ، بل هل يصدّق أن عاد الدين يأخذ موقعه القويّ في قلب عالم النهضة الحديثة بكلّ ألق وشموخ وبهاء؟!

إنّهم بهذا النحو وبالمناهج التي اعتمدوها مرحلةً تلو اُخرى ، بلغوا ما بلغوا. ومن الطبيعي أنّنا نمتلك رؤية وموقف حيال ما بلغوه ، نوافقهم في الكثير ونختلف معهم في الكثير ، ولا شكّ أنّهم متغطرسون فخورون بما عندهم ، والأشدّ في غطرستهم أنّهم صوّروا المعرفة والوعي التاريخي بشكل مشوّه ; إذ أنكروا علينا إسهاماتنا الكبيرة في مراحل التطوّر المتعاقبة ، علينا نحن كعرب وفرس وترك ... أو كمسلمين عموماً ، وقالوا : إنّ المعرفة بدأت ونهضت وشمخت بنا.

إنّ وجود «الآخر» المناوئ والمعارض والمخالف والعدوّ قد

١٥٥

تكيّفت معه الحياة الإنسانيّة منذ البدء تكيّفاً منح المنافسة بشتّى درجاتها أبعاداً واسعة ، شارك الكثير منها في عمليّات النموّ والازدهار ، مثلما شارك الكثير منها في عمليّات الهدم والتدمير.

إنّ «الآخر» واقعٌ جليٌّ لابدّ من التعامل معه بنسق ومنهجيّة علميّة سليمة لأجل البقاء والاستمرار والتقدّم ، ولا يعني بالضرورة وجوده على شكل اُمّة أو حضارة أو تيار ومذهب وفئة خاصّة ، فلربما كان الآخر متواجداً في ذواتنا ، حينها تكون عمليّة الصراع ذاتيّة قد تفضي إلى نتائج حاسمة تنعكس آثارها على خارج الذات.

كما لا شكّ أيضاً بأ نّ مفهوم الذات مفهوم نوعي ، طبيعةٌ ذات أفراد ومصاديق تضيق وتتّسع ، لتشمل اُمّة برمّتها ناهيك عن الذات الإنسانيّة الواحدة.

إذن هي عبارة عن علاقات : علاقة الذات بذاتها ، علاقة الذات بغيرها ; عبارة عن اختلافات : اختلاف الذات مع ذاتها ، اختلاف الذات مع غيرها .. كلّ ذلك لأجل المحافظة على البقاء والاستمرار والنمو.

وإنّما شيّدت الأديان والمذاهب والنظريّات ... بسبب ادّعائها أنّها الأكفأ والأجدر بالبقاء والسيطرة وإسعاد البشريّة والأخذ بها إلى برّ الامان وشاطئ النجاة.

وحيث عالم العلوم اليوم عالمٌ عاد فيه الدين ليأخذ موقعه مرّة اُخرى بقوّة وانتشار ، وحيث الأديان التوحيديّة الثلاثة الرئيسة هي التي

١٥٦

تتحكّم بمصير البشريّة نوعاً ، ولاسيّما بعد الانحسار الكبير الذي أصاب التجريبيّة المادّيّة ـ المشار إليه خاطفاً ـ فماذا علينا نحن المسلمين فعله وما هي الوظائف والمسؤوليّات الواجب تحمّلها؟ ذلك من أجل التعامل مع «الآخر» الذي لا يستهويه انتشارنا وازدهارنا ، بل وجودنا .. من أجل العمل بقيمنا ومبادئنا واُصولنا وثوابتنا ونحن اُمّة رسالتها هي خاتمة الرسالات ونبيّها هو خاتم الأنبياء وكتابها هو مكمّل الكتب السماويّة السالفة؟

علينا قبل كلّ شيء تحديد رؤيتنا إزاء «الرسالة» التي ندّعي اعتقادنا بها ، فهل نحن واثقون بها تمام الثقة أم لا؟ ولا أقصد بالثقة مفهومها السيكولوجي ، بل مفهومها العلمي المعرفي ، وهذا ما يعني أنّها ـ بتقديرنا ـ تجيب عن سؤال الحياة الكبير ، ناهيك عمّن سواه ، إجابةً تسمو فوق العوامل الزمكانيّة والعقلانيّة وكلّ التهديدات الفوريّة والمعلّقة .. ولا تتحصّل هذه الثقة إلاّ لمن فهم «الرسالة» فهماً علميّاً منهجيّاً شاملاً ، ممّا يجعله قادراً على الذبّ عنها والانتقال بها من مواقع الدفاع إلى مساحات الانتشار .. آنذاك نحصل على ثقة متبادلة ، ثقتنا بالرسالة وثقتنا بذواتنا ، والثانية تعني ـ بشكل ما ـ ثقة الرسالة بنا إذا تحقّق الفهم الصحيح لها ، المستند إلى المناهج العلميّة السليمة والأساليب العمليّة الناجعة.

إنّنا طالما عبّرنا ـ في أدبيّاتنا من خلال شتّى الأدوات والآليات ـ عن كامل ثقتنا وعميق اعتقادنا والتزامنا وتقديسنا للرسالة بكونها برنامج الحياة الوحيد الذي يوصل البشريّة إلى مراميها ويمنحها السعادة الدنيويّة

١٥٧

والاُخرويّة .. يبقى أنّنا هل نمتلك الثقة بذواتنا وهل تثق الرسالة بنا؟ وهذا يعني : انعدام الشكّ والترديد ووجود اليقين والاطمئنان المتبادل رغم عسر تحقّق الثاني ، أي ثقة الرسالة بنا وبأفهامنا والوسائل العمليّة المتّبعة في كيفيّة طرحها وبيانها بالنحو المطلوب ، بالاقتران مع توافر العزم والحزم والرغبة والشوق والاستقامة والاستمراريّة.

علينا الاعتراف بعدم بلوغنا رتبة ثقة الرسالة بنا ، بمعنى : أنّنا لازلنا بمنأىً عن الفهم الحقيقي للنصّ وما وراء النصّ ، لازالت تتخبّطنا كثرة الأفهام وتنوّع الاجتهادات التي تصل بعض الأحيان إلى حدّ التباين والتناقض ، ناهيك عن الإشكاليّة المحوريّة التي لم نستطع حلّها ومعالجتها وستبقى داءً مزمناً وعقدة كؤوداً مادمنا في ضعف وارتباك وحساب منافع ، إنّها الآفة التي ما فتئت تنهش فينا وتنخر بنا من الأعماق ... نعم إنّها إشكاليّة البقاء على السطوح والعشعشة على القشور واستخدام العروض المسرحيّة والتمسّك بأوهام حالت بيننا وبين الحركة والنهوض والتجديد المرتكزة على الاُصول والثوابت وجوهر الرسالة.

ولا يمكننا القضاء على الإشكاليّة المذكورة دون اللجوء إلى المبادئ الحقيقيّة والقيم الواقعيّة عبر المناهج القمينة والأنساق العلميّة السليمة ، بدءاً بحركة العقل ، الذي يتحرّك طبق الضوابط والموازين المعرفيّة الواضحة ، إنّه يأخذ على عاتقه مسؤوليّة المراجعة والقراءة والمقارنة والاستقراء والبحث الحفري والمسح الشامل والاستنباط والاستنتاج.

١٥٨

إنّ العقل يقرأ النصّ ، يراجعه ، يقارن الأفهام ، يستقرئ النتاجات استقراءً معمّقاً ويبحث فيها على مستوى الحفر والمسح ، مع لحاظ العوامل الزمكانيّة والاجتماعيّة ونظائرها ، ولا شكّ أنّها عمليّة اختبار تتدخّل فيها «قابليّة التكذيب والتصديق» كلاعب أساسي في حسم النتائج ، فلعلّ «الفهم» يبقى ليكون مدار العمل والتطبيق ، ولعلّه بحاجة إلى تعديل من حذف وإضافة وغيرهما ، ولعلّه يفشل في الاختبار ليحلّ محلّه فهم آخر أكثر منه استيعاباً وعمقاً في درك النصّ ... وهكذا تظلّ «الأفهام» في تنافس دائم ، كما تبقى هي نسبيّة لا تبلغ الكمال أبداً ، لكنّها في حركة ونموّ وازدهار ، الأمر الذي يمنح الفضاء العلمي والمعرفي والديني والاجتماعي والاقتصادي ... حيويّة لا نظير لها ، فلا صنميّة للأفهام ولا تعبّد ولا سرمديّة ، إنّما الخلود للحركة العلميّة المعرفيّة فقط ، وهي بحدّ ذاتها تبقى غير مكتملة وناقصة ، وهذا النقص هو الذي يفتح الآفاق نحو البحث الصحيح عن الحقيقة ، حقيقة المطلق الكامل ; إذ ما من نقص إلاّ وبإزائه كمال ، وما من نسبي إلاّ وبإزائه مطلق.

أمّا إذا تجمّدت حركة العلم والمعرفة عند أفهام محدّدة أو أنّها صودرت وسُرِقت واتّخذتها المناهج القشريّة والاستعراضيّة عباءة الوصول إلى المرامي الرخيصة ، فلن نفلح في بلوغ المراتب الحقيقيّة للمعرفة والكمال الإنساني.

لا يمكن أن تحصرنا «مشكلة التخلّف في بعض أبواب العلوم» بين جدرانها ، أو يكون السعي للتقدّم والتطوّر فيها على حساب غيرها من

١٥٩

العلوم بحيث تعاني الإهمال الذي يترك آثاره السيّئة على حركتنا العلميّة المعرفيّة.

نعم ، تأخّرنا في أبواب من العلوم منها : التاريخ والتفسير والكلام ... إثر تمحّضنا في أبواب اُخرى من العلوم كالفقه والاُصول ، وإذا ما كانت علّة أو سبب يدعواننا إلى الانغمار المحض فيهما ، فلعلّهما ـ العلّة أو السبب ـ قد زالا منذ أمد طويل ، أعني : أنّنا قد تمكنّا من جبران النقص والتأخّر فيهما وتقدّمنا تقدّماً كبيراً جعلنا بهما في الصدارة ، ولا ننكر عليهما أنّهما أشرف العلوم وأفضلها ، لكنّنا بقينا على حال التمحّض والانغمار فيهما دون الالتفات بجدّيّة إلى ما سواهما ممّا ذُكر أعلاه.

إنّ المتغيّرات التاريخيّة والجغرافيّة تتطلّب تكيّفاً وتمازجاً وانسجاماً وتطابقاً يجعلنا في موضع الحركة والمبادرة والانتقال المناسب والجدولة المنتظمة ... ونحن إذ نعتقد بكفاءة الدين والرسالة في تلبية المتطلّبات المذكورة بات علينا ـ وهي عودةٌ إلى المربّع الأوّل من المشكلة ـ التعامل بكلّ شفّافيّة ووضوح مع حاجات اليوم وإشكالياته.

العقلانيّة سيّدة الموقف هذا اليوم وحاجة محوريّة من حاجات الإنسانيّة التي لن ترضى بتقويضها أو الاستهانة بأهمّيّتها ، كيف وهي ـ أي العقلانيّة ـ قد غدت المختبر والميزان والحَكَم والشاخص في التعامل مع مختلف القضايا والإشكاليّات ، فأين موقعها منّا وأين موقعنا منها؟

ألسنا على الحقّ ... بلى والله ... حوارٌ ما أقصره وأدلّه ، اختصر

١٦٠