الحدائق الناضرة - ج ٩

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]

الحدائق الناضرة - ج ٩

المؤلف:

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]


المحقق: محمّد تقي الإيرواني
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٥٩

وعن محمد بن قيس في الصحيح عن ابى جعفر (عليه‌السلام) (١) قال : «ان الله يحب إفشاء السلام».

وعن معاوية بن وهب في الموثق عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) (٢) قال : «ان الله عزوجل قال البخيل من بخل بالسلام».

وعن هارون بن خارجة عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) (٣) قال : «من التواضع ان تسلم على من لقيت».

وقد تقدم (٤) حديث الحسن بن المنذر الدال على ثواب المسلم وتزايده بتزايد الصيغة في التسليم.

وروى في الكافي (٥) بالسند الأول من هذه الأخبار قال : «من بدأ بالكلام قبل السلام فلا تجيبوه. وقال ابدأوا بالسلام قبل الكلام فمن بدأ بالكلام قبل السلام فلا تجيبوه». قال الشارح المحقق المازندراني (قدس‌سره) في شرحه على الكتاب : لأن ترك السنة المؤكدة والاستخفاف بها وبالمؤمن خصوصا إذا كان بالتجبر يقتضي مقابلة التارك بالاستخفاف.

التاسعة ـ المشهور بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) ان وجوب الرد فوري ، قالوا لانه المتبادر من الرد والفاء الدالة على التعقيب بلا مهلة في الآية ، وربما يمنع ذلك في الفاء الجزائية. والمسألة محل توقف لعدم الدليل الناص في ما ذكروه وان كان هو الأحوط. ثم انه يتفرع على الفورية إن التارك له يأثم ، وهل يبقى في ذمته مثل سائر الحقوق؟ تأمل فيه بعض الأصحاب قال إلا أن يكون إجماعيا. وقال بعض الأصحاب (رضوان الله عليهم) : الظاهر ان الفورية المعتبرة في رد السلام إنما هو تعجيله بحيث لا يعد تاركا له عرفا وعلى هذا لا يضر إتمام كلمة أو كلام لو وقع السلام في أثنائهما. انتهى. وهو جيد.

__________________

(١ و ٣) الوسائل الباب ٣٤ من أحكام العشرة.

(٢) الوسائل الباب ٣٣ من أحكام العشرة.

(٤) ص ٦٦.

(٥) الوسائل الباب ٣٢ من أحكام العشرة.

٨١

العاشرة ـ قال في التذكرة : ولو ناداه من وراء ستر أو حائط فقال : «السلام عليك يا فلان» أو كتب كتابا وسلم عليه فيه أو أرسل رسولا فقال : «سلم على فلان» فبلغه الكتاب والرسالة قال بعض الشافعية (١) يجب عليه الجواب لأن تحية الغائب إنما تكون بالمناداة أو الكتاب أو الرسالة وقد قال الله تعالى «وَإِذا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْها أَوْ رُدُّوها» (٢) والوجه انه ان سمع النداء وجب الجواب وإلا فلا. انتهى. قال في الذخيرة بعد نقله : وهو متجه لعدم ثبوت شمول الآية للصور المذكورة عدا صورة المناداة مع سماع النداء.

أقول : روى ثقة الإسلام في الكافي في الصحيح عن الحسن بن محبوب عن عبد الله بن سنان عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) (٣) قال : «رد جواب الكتاب واجب كوجوب رد السلام ، والبادئ بالسلام أولى بالله وبرسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله».

وهذا الخبر دال بعمومه على وجوب رد السلام الذي كتب له في ذلك الكتاب لأنه من جملة ما يتوقع صاحبه رده سيما إذا كان الكتاب إنما يشتمل على مجرد الدعاء والسلام وقد حكم (عليه‌السلام) بوجوب رده كرد السلام. وفي قوله «والبادئ بالسلام. إلخ» إشارة الى ان البادئ بالكتاب أفضل كما تقدم الخبر بذلك في أفضلية الابتداء بالسلام. وبالجملة فإن ظاهر الخبر ان حكم الكتاب في وجوب الرد كحكم السلام.

وروى في الكافي أيضا عن ابى كهمش (٤) قال : «قلت لأبي عبد الله (عليه‌السلام) عبد الله بن ابى يعفور يقرأك السلام قال وعليك وعليه‌السلام إذا أتيت عبد الله فاقرأه السلام وقل له. الحديث». وفي هذا الخبر دلالة على استحباب الإرسال بالسلام وان الرد بصيغة الرد على الحاضر بتقديم الظرف.

__________________

(١) الأذكار للنووي ص ١٩٩.

(٢) سورة النساء الآية ٨٨.

(٣) الوسائل الباب ٣٣ من أحكام العشرة.

(٤) الوسائل الباب ٤٣ من أحكام العشرة.

٨٢

الحادية عشرة ـ لو ترك المصلى الرد واشتغل بإتمام الصلاة يأثم وهل تبطل الصلاة؟ قيل نعم للنهي المقتضي للفساد. وقيل ان اتى بشي‌ء من الأذكار في زمان الرد بطلت. وقيل ان اتى بشي‌ء من القراءة أو الأذكار في زمان وجوب الرد فلا يعتد بها بناء على ان الأمر بالشي‌ء يستلزم النهى عن ضده والنهى عن العبادة يقتضي الفساد ، ولكن لا يستلزم بطلان الصلاة إذ لا دليل على ان الكلام الذي يكون من قبيل الذكر والدعاء والقرآن يبطل الصلاة وإن كان حراما ، فان استمر على ترك الرد وقلنا ببقائه في ذمته لزم بطلان الصلاة لأنه لم يتدارك القراءة والذكر على وجه صحيح. قال بعض مشايخنا المحققين من متأخري المتأخرين بعد نقل ذلك عنهم : والحق ان الحكم بالبطلان موقوف على مقدمات أكثرها بل كلها في محل المنع لكن الاحتياط يقتضي إعادة مثل تلك الصلاة. انتهى. وهو جيد.

الثانية عشرة ـ المشهور بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) تحريم سلام المرأة على الأجنبي وعللوه بان صوتها عورة فاستماعه حرام.

وتوقف جملة من متأخري المتأخرين إذ الظاهر من الأخبار عدم كون صوتها عورة.

أقول : وهو الحق مضافا الى ما رواه ثقة الإسلام في الكافي في الصحيح أو الحسن عن ربعي عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) (١) قال : كان رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) ورواه في الفقيه مرسلا قال : «كان رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) يسلم على النساء ويرددن عليه وكان أمير المؤمنين (عليه‌السلام) يسلم على النساء وكان يكره ان يسلم على الشابة منهن ويقول أتخوف أن يعجبني صوتها فيدخل على أكثر مما اطلب من الأجر». قال في الفقيه : إنما قال (عليه‌السلام) لغيره وان عبر عن نفسه وأراد بذلك ايضا التخوف من ان يظن ظان انه يعجبه صوتها فيكفر ، قال : ولكلام الأئمة (صلوات الله عليهم) مخارج ووجوه لا يعقلها إلا العالمون.

__________________

(١) الوسائل الباب ٤٨ من أحكام العشرة.

٨٣

أقول : ونظيره في القرآن من باب «إياك أعني واسمعي يا جارة» كثير.

وروى في الفقيه (١) قال : «سأل عمار الساباطي أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن النساء كيف يسلمن إذا دخلن على القوم؟ قال المرأة تقول عليكم السلام والرجل يقول السلام عليكم».

واما ما رواه في الكافي عن غياث بن إبراهيم عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) (٢) قال : «لا تسلم على المرأة». فهو محمول على الكراهة جمعا.

ثم ان على المشهور من التحريم على الأجنبي فهل يجب الرد عليها؟ قيل يحتمل ذلك لعموم الدليل والعدم لكون المتبادر التحية المشروعة ، وهو مختار التذكرة حيث قال : ولو سلم رجل على امرأة أو بالعكس فان كان بينهما زوجية أو محرمية أو كانت عجوزة خارجة عن مظنة الفتنة ثبت استحقاق الجواب وإلا فلا.

قالوا : وفي وجوب الرد عليها لو سلم عليها أجنبي وجهان فيحتمل الوجوب نظرا الى عموم الآية فيجوز اختصاص تحريم الاستماع بغيره ، ويحتمل العدم كما اختاره العلامة ويحتمل وجوب الرد خفيا كما قيل.

أقول : وهذا البحث لما كان على غير أساس كما عرفت فلا وجه للتشاغل بصحته وإبطاله.

الثالثة عشرة ـ قال العلامة في التذكرة : ولا يسلم على أهل الذمة ابتداء ، ولو سلم عليه ذمي أو من لم يعرفه فبان ذميا رد بغير السلام بان يقول «هداك الله أو أنعم الله صباحك أو أطال الله بقاءك» ولو رد بالسلام لم يزد في الجواب على قوله «وعليك» انتهى أقول : الذي وقفت عليه من الأخبار في هذا المقام ما تقدم (٣) من صحيحة زرارة أو حسنته في رد النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) على اليهود ، وما رواه في الكافي عن غياث بن إبراهيم عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) (٤) قال : «قال أمير المؤمنين

__________________

(١) الوسائل الباب ٣٩ من أحكام العشرة.

(٢) الوسائل الباب ١٣٠ من النكاح.

(٣) ص ٧١.

(٤) الوسائل الباب ٤٩ من أحكام العشرة.

٨٤

(عليه‌السلام) لابتدأوا أهل الكتاب بالتسليم وإذا سلموا عليكم فقولوا وعليكم».

وعن سماعة في الموثق (١) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن اليهودي والنصراني والمشرك إذا سلموا على الرجل وهو جالس كيف ينبغي ان يرد عليهم؟ قال يقول عليكم».

وعن محمد بن مسلم في الموثق عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) (٢) قال : «إذا سلم عليك اليهودي والنصراني والمشرك فقل عليك».

وعن زرارة عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) (٣) قال : «تقول في الرد على اليهودي والنصراني سلام».

وعن محمد بن عرفة عن ابي الحسن الرضا (عليه‌السلام) (٤) قال : «قيل لأبي عبد الله (عليه‌السلام) كيف أدعو لليهودي والنصراني؟ قال تقول بارك الله لك في دنياك».

أقول : المستفاد من الخبر الأول تحريم ابتداء أهل الكتاب بالسلام ونحوهم من المشركين بطريق الاولى ، ولا ينافي ذلك ما رواه في الكافي عن عبد الرحمن بن الحجاج (٥) قال : «قلت لأبي الحسن موسى (عليه‌السلام) أرأيت ان احتجت الى متطبب وهو نصراني ان أسلم وأدعو له؟ قال نعم ولا ينفعه دعاؤك». لأنا نجيب عنه بالحمل على حال الضرورة ، وكذا ما تقدم ايضا (٦) من حديث «أفشوا سلام الله فان سلام الله لا ينال الظالمين». ونحوه ، لأنا نجيب عنه بان خبر غياث خاص وهذا عام والقاعدة تقديم العمل بالخاص وتخصيص العموم به.

وأكثر هذه الأخبار إنما اشتملت على الرد ب «عليكم أو عليك» واما ما ذكره من الرد بتلك الألفاظ فلم نقف له على دليل ، نعم ربما يقال في مقام الدعاء له كما يشعر به خبر محمد بن عرفة لا في مقام رد السلام كما ادعاه. نعم رواية زرارة قد

__________________

(١ و ٢ و ٣) الوسائل الباب ٤٩ من أحكام العشرة.

(٤ و ٥) الوسائل الباب ٥٣ من أحكام العشرة.

(٦) ص ٨٠.

٨٥

تضمنت الرد ب «سلام» والظاهر انه على تقدير الرواية بفتح السين من قبيل قوله عزوجل «سَلامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي» (١) وقوله سبحانه «وَقُلْ سَلامٌ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ» (٢) والوجه في جوازه انه لم يقصد به التحية وانما قصد به المباعدة والمتاركة قال أمين الإسلام الطبرسي (قدس‌سره) في تفسير الآية الأخيرة «وَقُلْ سَلامٌ» تقديره وقل أمرنا وأمركم سلام اى متاركة. ثم قال في بيان معنى الآية :

«وقل سلام» اى مداراة ومتاركة. وقيل هو سلام هجران ومجانبة لا سلام تحية وكرامة كقوله «سَلامٌ عَلَيْكُمْ لا نَبْتَغِي الْجاهِلِينَ» (٣) وقال في معنى الآية الاولى : وقال إبراهيم «سَلامٌ عَلَيْكَ» سلام توديع وهجر على الطف الوجوه وهو سلام متاركة ومباعدة عن الجبائي وابى مسلم. وقيل هذا سلام إكرام وبر فقابل جفوة أبيه بالبر تأدية لحق الأبوة اى هجرتك على وجه جميل من غير عقوق. انتهى. ولم أقف لهذا المعنى في كتب اللغة على ذكر مع أن الآيات كما ترى ظاهرة فيه.

ثم ان أكثر هذه الروايات انما اشتملت على الرد ب «عليكم السلام» و «عليك» بدون الواو ورواية غياث اشتملت على ذكر الواو ، واخبار العامة أيضا مختلفة ففي بعضها بالواو وفي بعض آخر بدونها (٤) والمعنى بدون الواو ظاهر لان المقصود حينئذ ان الذي تقولون لنا مردود عليكم ، وهم غالبا ـ كما سمعت من صحيحة زرارة (٥) ـ إنما يسلمون بالسام الذي هو الموت ، واما مع الواو فيشكل لأن الواو تقتضي إثبات ما قالوه على نفسه وتقريره عليها حتى يصح العطف فيدخل معهم في ما دعوا به ، ولهذا قال ابن الأثير في النهاية : قال الخطابي عامة المحدثين يروون «وعليكم» بإثبات واو العطف وكان ابن عيينة يرويه بغير واو وهو الصواب لأنه

__________________

(١) سورة مريم الآية ٤٨.

(٢) سورة الزخرف الآية ٨٩.

(٣) سورة القصص الآية ٥٥.

(٤) فتح الباري ج ١١ ص ٣٥ كتاب الاستئذان باب كيفية الرد على أهل الذمة.

(٥) ص ٨٠.

٨٦

إذا حذف الواو صار قولهم الذي قالوه بنفسه مردودا عليهم خاصة وإذا أثبت الواو وقع الاشتراك معهم في ما قالوه لأن الواو تجمع بين الشيئين. والمثبتون للواو اختلفوا فقال بعضهم انها للاستئناف لا العطف فلا تقتضي الاشتراك. وقال عياض : هذا بعيد والاولى ان يقال الواو على بابها من العطف غير انا نجاب فيهم ولا يجابون فينا كما دل عليه الحديث. ثم قال حذف الواو أصح معنى وإثباتها أصح رواية وأشهر. انتهى.

وقال بعض أصحابنا بعد نقل ذلك : وهذا ليس بأولى لأن المفسدة قبول المجيب دعاءهم على نفسه وتقريره عليها وقبول المشاركة وهي باقية غير مدفوعة بما ذكره. ثم قال ثم أقول ويمكن ان يقال إذا علم المجيب انهم قالوا «السام عليك» يجيب ب «عليكم» بدون واو كما فعله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) وإذا علم انهم قالوا «السلام عليك» كما هو المعروف في التحية يجيب بقوله «وعليكم» فيقبل سلامهم على نفسه ويقرره عليها ويأتي بلفظ يفيد المشاركة إلا ان ذلك لا ينفعهم وفائدته مجرد الرفق وتأليف القلوب ، وكذا يصح ان يجب ب «عليك» بدون واو ، وبذلك يتحقق الجمع بين الروايات. انتهى كلامه زيد مقامه. أقول : ما ذكره من الجمع جيد الا ان الظاهر ان الأجود منه حمل رواية غياث على التقية (١) لأنه لم يرد لفظ الواو في غيرها من الروايات المتقدمة ، ويعضده ان الراوي عامي بتري (٢) فهو موافق لأكثر رواياتهم وأصحها كما عرفت من كلامهم.

ثم انه هل يجب الرد عليهم؟ استشكله بعض الأصحاب ثم قال ولعل العدم أقوى. وقال الفاضل المازندراني في حاشيته على الكتاب : ثم ان الأمر بردهم على سبيل الرخصة والجواز دون الوجوب وان احتمل نظرا الى ظاهره كما نقل عن ابن عباس والشعبي وقتادة من العامة ، واستدلوا بعموم الآية «وَإِذا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْها أَوْ رُدُّوها» حيث قال بأحسن منها للمسلمين وقوله «أَوْ رُدُّوها»

__________________

(١) ارجع الى التعليقة ٤ ص ٨٦.

(٢) رجال المامقاني ج ٢ ص ٣٦٦.

٨٧

لأهل الكتاب. والحق ان كليهما للمسلمين لعدم وجوب الرد بالأحسن للمسلمين اتفاقا بل الواجب أحد الأمرين اما الرد بالأحسن أو بالمثل. انتهى. وهو جيد.

الرابعة عشرة ـ قد صرح الأصحاب بأنه يكره ان يخص طائفة من الجمع بالسلام ، وانه يستحب ان يسلم الراكب على الماشي والقائم على الجالس والطائفة القليلة على الكثيرة والصغير على الكبير وأصحاب الخيل على أصحاب البغال وهما على أصحاب الحمير.

أقول وقد تقدم (١) في روايتي عنبسة بن مصعب وابن بكير عن بعض أصحابه الدلالة على ذلك ، قال بعض شراح الحديث : اما بدأة الصغير على الكبير فلأن للكبير على الصغير فضلا بالسن فحصل له بذلك مزية التقدم بالتحية ، نعم لو كان للصغير فضائل نفسانية مثل العلم والأدب دون الكبير لا يبعد القول بالعكس لأن مراعاة الفضل البدني تقتضي مراعاة الفضائل النفسانية بالطريق الاولى ، ولان العالم له نسبة مؤكدة إلى النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) والأئمة المعصومين (عليهم‌السلام) دون الجاهل ، ومن اعتبر حال بعض الأئمة والأنبياء علم ان تقدمهم على غيرهم مع صغر سنهم انما كان لأجل كمالاتهم. وحمل الصغير والكبير على الصغير المعنوي والكبير المعنوي مستبعد. واما بدأة المار على القاعد فلان القاعد قد يقع في نفسه خوف من القادم فإذا ابتدأ القادم بالسلام أمن ، أو لأن القاعد لو أمر بالبدأة على المارين شق عليه لكثرة المارين بخلاف العكس. واما بدأة القليل على الكثير فلفضلة الجماعة وايضا لو بدأت الجماعة على الواحد لخيف معه الكبر ، ويحتمل غير ذلك. واما بدأة الراكب على الماشي فلان للراكب فضلا دنيويا فعدل الشرع بينهما فجعل للماشي فضيلة أن يبدأ بالسلام ، أو لأن الماشي قد يخاف من الراكب فإذا سلم الراكب عليه أمن ، أو لأنه لو ابتدأ الماشي بالسلام على الراكب خيف على الراكب الكبر. انتهى وهو جيد مستفاد من الأخبار كما لا يخفى على من جلس خلال الديار. والله العالم.

__________________

(١) ص ٦٧.

٨٨

الخامسة عشرة ـ قد عرفت من جملة من الأخبار المتقدمة في صدر المسألة جواز التسليم على المصلى بل استحبابه وقد صرح جمع من الأصحاب (رضوان الله عليهم) انه لا يكره السلام على المصلى للعموم.

وفيه ان رواية الخصال المتقدمة ثمة (١) ـ وهي من الموثقات عن مسعدة بن صدقة قال فيها : «لا تسلموا على اليهود ولا على النصارى ولا على المجوس ولا على عبدة الأوثان ولا على موائد شراب الخمر ولا على صاحب الشطرنج والنرد ولا على المخنث ولا على الشاعر الذي يقذف المحصنات ولا على المصلى. إلى آخر ما تقدم ثمة». ـ ظاهرة في النهي عن ذلك ، وقد عللها بما ذكره من ان المصلى لا يستطيع ان يرد السلام لان التسليم من المسلم تطوع والرد فريضة ، والظاهر ان المقصود من التعليل المذكور انه لما كان الرد فريضة فلا بد له أن يرد متى سلم عليه وفي ذلك شغل له عن التوجه والإقبال على صلاته ، فمعنى كونه لا يستطيع أن يرد السلام اى من حيث استلزامه للشغل له.

ويعضد هذه الرواية أيضا ما رواه في قرب الاسناد عن الحسن بن ظريف عن الحسين بن علوان عن جعفر بن محمد (عليهما‌السلام) (٢) قال : «كنت أسمع أبي يقول إذا دخلت المسجد الحرام والقوم يصلون فلا تسلم عليهم وسلم على النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) ثم أقبل على صلاتك ، وإذا دخلت على قوم جلوس يتحدثون فسلم عليهم».

وظاهر صاحب المدارك الميل الى القول بالكراهة لهذه الرواية الأخيرة حيث انه قال ـ بعد ان نقل عن جمع من الأصحاب انه لا يكره السلام على المصلى للعموم ـ ما لفظه : ويمكن القول بالكراهة لما رواه عبد الله بن جعفر في كتابه قرب الاسناد عن الصادق (عليه‌السلام). الى آخر ما تقدم.

أقول : الأظهر عندي حمل ما دل على المنع على التقية لما تقدم من ان

__________________

(١) ص ٦٥ وفي الوسائل الباب ٢٨ من أحكام العشرة.

(٢) الوسائل الباب ١٧ من قواطع الصلاة.

٨٩

مذهب جمهور العامة المنع من الرد وإنما يشير بإصبعه ، وأبو حنيفة قد منع من الرد والإشارة (١) مع ان الراوي عن ابى عبد الله في رواية قرب الاسناد إنما هو الحسين ابن علوان كما عرفت وهو عامي (٢) والعجب من صاحب المدارك في اعتماده عليها والحال كما عرفت مع مناقشة الأصحاب في الروايات الصحيحة وتصلبه في الأدلة كيف ركن الى هذه الرواية وأسندها إلى الصادق (عليه‌السلام) ولم يذكر الراوي عنه لئلا يتطرق إليه المناقشة بما ذكرناه. وبالجملة فالأظهر عندي هو ما عرفت. والله العالم.

المسألة الثانية ـ قد صرح الأصحاب (رضوان الله عليهم) بأنه يجوز للمصلي تسميت العاطس ، والتسميت على ما نقل عن الجوهري ذكر اسم الله تعالى على الشي‌ء ، وتسميت العاطس ان يقول له «يرحمك الله» بالسين والشين جميعا ، قال ثعلب الاختيار بالسين لأنه مأخوذ من السمت وهو القصد والمحجة. وقال أبو عبيد الشين أعلى في كلامهم وأكثر. وقال ايضا تسميت العاطس دعاء له وكل داع لأحد بخير فهو مسمت ومشمت. وقال في القاموس : التسميت ذكر الله على الشي‌ء والدعاء للعاطس. وفي المجمل يقولون للعاطس «يرحمك الله» فيقال التسميت. ويقال التسميت ذكر الله على الشي‌ء. وفي النهاية التسميت بالسين والشين الدعاء بالخير والبركة والمعجمة أعلاهما. وقال في المصباح المنير للفيومى : السمت الطريق والسمت القصد والسكينة والوقار وهو حسن السمت أي الهيئة ، والتسميت ذكر الله تعالى على الشي‌ء وتسميت العاطس الدعاء له ، وبالشين المعجمة مثله. وقال في التهذيب سمته بالسين والشين إذا دعا له ، وقال أبو عبيد الشين المعجمة أعلى وأفشى. وقال ثعلب السين المهملة هي الأصل أخذا من السمت وهو القصد والهدى والاستقامة ، وكل داع بخير فهو مسمت اى داع بالعود والبقاء الى سمته. انتهى.

والمشهور في كلام الأصحاب جوازه للمصلي بل استحبابه ، وظاهر المحقق في

__________________

(١) ارجع الى التعليقة ٣ ص ٧٨.

(٢) رجال المامقاني ج ١ ص ٣٣٥ واحتمل (قدس‌سره) كونه إماميا.

٩٠

المعتبر التوقف فيه إلا انه قال بعد ذلك : والجواز أشبه بالمذهب.

والذي وقفت عليه من الأخبار المتعلقة بهذه المسألة ما رواه المشايخ الثلاثة عن ابى بصير عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) (١) قال : «قلت له اسمع العطسة وانا في الصلاة فاحمد الله تعالى وأصلي على النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله)؟ قال نعم». وزاد في الكافي (٢) «وإذا عطس أخوك وأنت في الصلاة فقل الحمد لله».

وما رواه في الكافي عن جراح المدائني (٣) قال : «قال أبو عبد الله (عليه‌السلام) للمسلم على أخيه من الحق ان يسلم عليه إذا لقيه ويعوده إذا مرض وينصح له إذا غاب ويسمته إذا عطس ـ يقول الحمد لله رب العالمين لا شريك له ويقول له يرحمك الله ، فيجيبه يقول له يهديكم الله ويصلح بالكم ـ ويجيبه إذا دعاه ويشيعه إذا مات».

وعن مسعدة بن صدقة عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) (٤) قال : «قال رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) إذا عطس الرجل فسمتوه ولو من وراء جزيرة». وفي رواية أخرى (٥) «ولو من وراء البحر».

وعن إسحاق بن يزيد ومعمر بن ابى زياد وابن رئاب (٦) قالوا : «كنا جلوسا عند ابى عبد الله (عليه‌السلام) إذ عطس رجل فما رد عليه أحد من القوم شيئا حتى ابتدأ هو فقال سبحان الله ألا سمعتم؟ من حق المسلم على المسلم أن يعوده إذا اشتكى وان يجيبه إذا دعاه وان يشهده إذا مات وان يسمته إذا عطس».

وعن داود بن الحصين (٧) قال : «كنا عند ابى عبد الله (عليه‌السلام)

__________________

(١) الوسائل الباب ١٨ من قواطع الصلاة.

(٢) الوسائل الباب ١٨ من قواطع الصلاة. وفي الفروع ج ١ ص ١٠٢ والوافي باب «رد السلام» والوسائل هكذا «فقل الحمد لله وصل على النبي وآله» وقد أثبت في ما وقفنا عليه من النسخ الخطية. وقد أثبت أيضا فيها ما يشترك فيه الكافي والتهذيب والفقيه وهو قوله (ع) «وان كان بينك وبين صاحبك اليم» إلا ان العبارة فيها توهم الاختصاص بالكافي حيث قال : وزاد في الكافي. الى أن قال «وصل على النبي وآله وان كان.».

(٣ و ٤ و ٥ و ٦ و ٧) الوسائل الباب ٥٧ من أحكام العشرة.

٩١

فأحصيت في البيت أربعة عشر رجلا فعطس أبو عبد الله (عليه‌السلام) فما تكلم أحد من القوم فقال أبو عبد الله (عليه‌السلام) ألا تسمتون؟ من حق المؤمن على المؤمن إذا مرض ان يعوده وإذا مات ان يشهد جنازته وإذا عطس ان يسمته ـ أو قال أن يشمته ـ وإذا دعاه ان يجيبه».

والظاهر ان مستند الأصحاب في ما ذهبوا اليه من استحباب تسميت المصلى لغيره هو عموم هذه الأخبار فإنها شاملة للمصلي وغيره ، ويستفاد من هذه الاخبار استحباب الحمد لله والصلاة على النبي وآله (صلوات الله عليهم) للعاطس والسامع ، قال في المنتهى : ويجوز للمصلي أن يحمد الله إذا عطس ويصلى على النبي وآله (صلوات الله عليهم) وان يفعل ذلك إذا عطس غيره وهو مذهب أهل البيت (ع)

ويفهم من بعض الأخبار توقف استحباب التسميت على حمد الله سبحانه بل الصلاة على النبي وآله (صلوات الله عليهم) من العاطس فلو لم يفعل لم يستحب تسميته كما سيأتي ان شاء الله.

وهل يجب على العاطس الرد؟ الأظهر ذلك ، وصرح جمع : منهم ـ صاحب المدارك بالعدم قال : وهل يجب على العاطس الرد؟ الأظهر لا لانه لا يسمى تحية.

أقول : قد روى في آخر كتاب الخصال في حديث طويل عن ابى جعفر عن آبائه عن أمير المؤمنين (عليه‌السلام) (١) مما علمه أصحابه في مجلس واحد من أربعمائة باب مما يصلح للمسلم في دينه قال (عليه‌السلام) «إذا عطس أحدكم فسمتوه قولوا يرحمكم الله وهو يقول يغفر الله لكم ويرحمكم ، قال الله عزوجل (وَإِذا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْها أَوْ رُدُّوها)» (٢). وهو ظاهر الدلالة في المطلوب ، والظاهر عدم وقوف هؤلاء القائلين على الخبر المشار اليه.

وقد صرح جملة من الأصحاب : منهم ـ المحقق في المعتبر والعلامة في المنتهى

__________________

(١) الوسائل الباب ٥٨ من أحكام العشرة.

(٢) سورة النساء الآية ٨٨.

٩٢

في استحباب التسميت باشتراط كون العاطس مؤمنا ، قال في الذخيرة : ويحتمل الجواز في المسلم مطلقا عملا بظاهر رواية جراح وغيرها مما اشتمل على ذكر المسلم. وهو ضعيف فان لفظ المسلم وان ذكر كما نقله إلا ان المراد به المؤمن وإطلاقه عليه أكثر كثير في الآيات والأخبار ، ويؤيده عد التسميت في قرن تلك الأشياء المعدودة من حقوق الإخوان فإنها مخصوصة بالمؤمنين كما لا يخفى ، فما ذكره من الاحتمال لا وجه له بالكلية.

ولا بأس بنقل جملة من الأخبار الواردة في العطس لما فيها من الفوائد والأحكام وان كانت خارجة من محل البحث في المقام :

ومنها ـ ما رواه في الكافي عن صفوان في الصحيح (١) قال : «كنت عند الرضا (عليه‌السلام) فعطس فقلت له صلى الله عليك ثم عطس فقلت له صلى الله عليك ثم عطس فقلت له صلى الله عليك. وقلت جعلت فداك إذا عطس مثلك يقال له كما يقول بعضنا لبعض «يرحمك الله» أو كما نقول؟ قال نعم ، قال أو ليس تقول صلى الله على محمد وآل محمد؟ قلت بلى. قال وارحم محمدا وآل محمد؟ قال بلى وقد صلى عليه ورحمه وانما صلاتنا عليه رحمة لنا وقربة».

بيان : قوله «إذا عطس مثلك» اى من أهل العصمة ولعل الترديد من الراوي بناء على ان مثلكم مرحومون قطعا فلا فائدة في طلب الرحمة لكم كما يقول بعضنا لبعض لانه تحصيل حاصل. وقوله «كما نقول» إشارة إلى قوله «صلى الله عليك» «قال نعم» يعنى كل من الأمرين جائز لا بأس به. ثم أشار الى أن الفائدة في الترحم علينا لكم لا لنا. ثم قال له : أو ليس تقول صلى الله على محمد وآله محمد؟ قلت بلى. وقال ارحم محمدا وآل محمد قال الامام بلى. يعني أنك تقول ذلك بعد الصلاة والحال ان الله سبحانه صلى عليه ورحمه فلا حاجة به الى صلاة مصل ولا ترحم مترحم وإنما فائدة ذلك راجعة الى المصلى. وبذلك صرح جملة من أصحابنا (رضوان الله عليهم) قال

__________________

(١) الوافي ج ٣ باب العطاس والتسميت.

٩٣

شيخنا الشهيد الثاني في شرح اللمعة : وغاية السؤال بها أي بالصلاة عائدة الى المصلى لأن الله سبحانه وتعالى قد اعطى نبيه من المنزلة والزلفى لديه ما لا تؤثر فيه صلاة مصل كما نطقت به الاخبار وصرح به العلماء الأخيار. انتهى.

ومنها ـ ما رواه في الكتاب المذكور عن أيوب بن نوح (١) قال : «عطس يوما وأنا عنده فقلت جعلت فداك ما يقال للإمام إذا عطس؟ قال يقول صلى الله عليك».

بيان : قد عرفت من الحديث السابق جواز تسميتهم (عليهم‌السلام) بما يقول بعضنا لبعض من قوله «يرحمك الله» وسيأتي ما يدل عليه ايضا ، ولعل التخصيص هنا بهذه الصورة لأنها أفضل الفردين.

ومنها ـ ما رواه عن احمد بن محمد بن ابى نصر (٢) قال : «سمعت الرضا (عليه‌السلام) يقول : التثاؤب من الشيطان والعطسة من الله تعالى».

بيان : ثئب وتثأب أصابه كسل وفترة كفترة النعاس ، قال عياض : التثأب بشد الهمزة والاسم الثؤباء ، وقال ابن دريد وأصله من «ثئب الرجل فهو مثؤوب» إذا استرخى وكسل. وقال في مجمع البحرين : التثأب فترة تعتري الشخص فيفتح عندها فاه يقال تثاءبت على تفاعلت إذا فتحت فاك وتمطيت لكسل أو فترة والاسم الثؤباء. قال بعض الأفاضل وانما نسبه الى الشيطان لانه من تكسيله وسببه. وقيل أضيف إليه لأنه يرضيه. وقيل إنما ينشأ من امتلاء البدن وثقل النفس وكدورة الحواس ويورث الغفلة والكسل وسوء الفهم ولذلك كرهه الله وأحبه الشيطان (لعنه الله) والعطاس لما كان سببا لخفة الدماغ واستفراغ الفضلات وصفاء الروح وتقوية الحواس كان امره بالعكس ولكن التثأب من الشيطان. قيل انه ما تثأب نبي قط. انتهى.

ومنها ـ ما رواه عن صالح بن ابى حماد (٣) قال : «سألت العالم (عليه‌السلام) عن

__________________

(١) الوافي ج ٣ باب العطاس والتسميت.

(٢) الوسائل الباب ٦٠ من أحكام العشرة.

(٣) الوسائل الباب ٦٢ من أحكام العشرة.

٩٤

العطسة وما العلة في الحمد لله عليها؟ فقال ان لله تعالى نعما على عبده في صحة بدنه وسلامة جوارحه وان العبد ينسى ذكر الله تعالى على ذلك وإذا نسي أمر الله تعالى الريح فجالت في بدنه ثم يخرجها من انفه فيحمد الله تعالى على ذلك فيكون حمده عند ذلك شكرا لما نسي».

بيان : يستفاد من هذا الخبر وجه ما تقدم في سابقه من قوله : «العطسة من الله تعالى» والظاهر انه أقرب مما ذكره ذلك الفاضل ، وحاصل ذلك ان معنى كونها من الله تعالى انه هو الذي حمل عبده عليها بإدخال الريح في بدنه وإخراجها من انفه ليحمد الله تعالى عند ذلك.

ومنها ـ ما رواه عن جابر (١) قال : «قال أبو جعفر (عليه‌السلام) نعم الشي‌ء العطسة تنفع في الجسد وتذكر بالله تعالى. قلت ان عندنا قوما يقولون ليس لرسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) في العطسة نصيب؟ فقال (عليه‌السلام) ان كانوا كاذبين فلانا لهم الله شفاعة محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله».

وعن ابن ابى عمير عن بعض أصحابه (٢) قال «عطس رجل عند ابى جعفر (عليه‌السلام) فقال الحمد لله فلم يسمته أبو جعفر (عليه‌السلام) وقال نقصنا حقنا ، ثم قال إذا عطس أحدكم فليقل الحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وأهل بيته. قال فقال الرجل فسمته أبو جعفر عليه‌السلام».

بيان : نقصه ونقصه بالتخفيف والتشديد بمعنى واحد ، وفي الخبر دلالة على ما قدمنا الإشارة إليه من ان استحقاق التسميت موقوف على حمد العاطس وصلاته على محمد وآله (صلوات الله عليهم) ، وهو مروي من طريق العامة أيضا لكن بالنسبة إلى التحميد ، روى مسلم عن انس بن مالك (٣) قال : «عطس عند النبي (صلى الله عليه

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ٦٣ من أحكام العشرة.

(٣) ج ٨ كتاب الزهد باب تسميت العاطس ، ورواه أبو داود في سننه ج ٤ ص ٣٠٩ آخر كتاب الأدب باب «من يعطس ولا يحمد الله».

٩٥

وآله) رجلان فشمت أحدهما ولم يشمت الآخر فقال الذي لم يشمته عطس فلان فشمته وعطست انا فلم تشمتني؟ فقال ان هذا حمد الله وانك لم تحمد الله تعالى».

وعن الفضيل بن يسار (١) قال : «قلت لأبي جعفر (عليه‌السلام) ان الناس يكرهون الصلاة على محمد وآله في ثلاثة مواطن : عند العطسة وعند الذبيحة وعند الجماع؟ فقال أبو جعفر (عليه‌السلام) ما لهم ويلهم نافقوا لعنهم الله».

وعن سعد بن ابى خلف في الصحيح أو الحسن (٢) قال : «كان أبو جعفر (عليه‌السلام) إذا عطس فقيل له يرحمك الله قال يغفر الله لكم ويرحمكم ، وإذا عطس عنده انسان قال له يرحمك الله».

بيان : هذا الحديث يشتمل على ما اشتمل عليه حديث الخصال في رد التسميت ، قال في المدارك : والاولى في كيفية الرد الاعتماد على ما رواه الكليني في الحسن عن سعد بن ابى خلف ، ثم ساق الرواية.

وعن السكوني عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) (٣) قال : «عطس غلام لم يبلغ الحلم عند النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) فقال الحمد لله فقال له النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) بارك الله فيك».

بيان : فيه دلالة على استحباب تسميت الغلام إذا حمد الله تعالى بمثل هذا القول وان لم يتعرض له الأصحاب في ما أعلم.

وعن محمد بن مسلم عن ابى جعفر (عليه‌السلام) (٤) قال : «إذا عطس الرجل فليقل الحمد لله لا شريك له ، وإذا سمت الرجل فليقل يرحمك الله ، وإذا رد فليقل يغفر الله لك ولنا ، فان رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) سئل عن آية أو شي‌ء فيه ذكر الله تعالى فقال كل ما ذكر الله فيه فهو حسن».

__________________

(١) الوسائل الباب ٦٤ من أحكام العشرة.

(٢ و ٤) الوسائل الباب ٥٨ من أحكام العشرة.

(٣) الوسائل الباب ٦٢ من أحكام العشرة.

٩٦

بيان : لا ينافي هذا الخبر ما تقدم في مرسلة ابن ابى عمير من عدم تسميت الإمام للرجل حتى أردف التحميد بالصلاة ، لأن غاية هذا الخبر ان يكون مطلقا فيجب تقييده بالخبر المتقدم. ويحتمل ـ ولعله الأظهر ـ حمل الخبر الأول على التأديب وان جاز الاقتصار على مجرد التحميد.

والمستفاد من اخبار المسألة بالنسبة إلى العاطس انه يقول «الحمد لله» فان اقتصر عليها فهو جائز وان زاد عليها «رب العالمين أو لا شريك له» أو نحو ذلك فهو أفضل وان زاد الصلاة فهو أفضل الجميع سيما مع ما ذكرناه من الألفاظ الزائدة على التحميد ، وبالنسبة إلى التسميت ان يقول «يرحمك الله أو يرحمكم الله» وفي الجواب ما ذكر في هذه الرواية ، وأحسن منه ما تقدم في روايتي الخصال وسعد بن ابي خلف ، وان اتى بنحو ذلك فلا بأس فإن الظاهر حمل هذه الروايات على التمثيل في الدعاء لأخيه من الدعاء بالخير للعاطس وجوابه بما يناسب ذلك.

واما قوله في آخر الخبر : «سئل عن آية أو شي‌ء. إلخ» وفي نسخة الفاضل المازندراني ـ كما ذكره ـ «فان رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) سئل عن آية تقال عند العطسة أو شي‌ء فيه ذكر الله تعالى. إلخ» والمعنى على كل من النسختين واضح فان حاصله ان النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) سئل عن آية معينة أو ذكر معين يقال عند التسميت أورده فقال كل ما تضمن ذكر الله عزوجل المناسب لمقام التسميت ورده فهو حسن. وهو عين ما أشرنا إليه آنفا.

وعن مسمع (١) قال «عطس أبو عبد الله (عليه‌السلام) فقال «الحمد لله رب العالمين» ثم جعل إصبعه على انفه فقال رغم الله أنفي رغما داخرا».

بيان : هذا الحكم غير مذكور في ما حضرني من كلام الأصحاب (رضوان الله عليهم) وينبغي ان يعد في مستحبات العطس ايضا.

وعن محمد بن مروان رفعه (٢) قال : «قال أمير المؤمنين (عليه‌السلام)

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ٦٢ من أحكام العشرة.

٩٧

من قال إذا عطس «الحمد لله رب العالمين على كل حال» لم يجد وجع الأذنين والأضراس».

وعن ابن فضال عن بعض أصحابه عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) (١) قال : «في وجع الأضراس ووجع الآذان إذا سمعتم من يعطس فابدأوه بالحمد لله».

وعن زيد الشحام (٢) قال : «قال أبو عبد الله (عليه‌السلام) من سمع عطسة فحمد الله تعالى وصلى على النبي وأهل بيته (صلى‌الله‌عليه‌وآله) لم يشتك عينه ولا ضرسه. ثم قال ان سمعتها فقلها ولو كان بينك وبينه البحر».

وعن عبد الرحمن بن ابى نجران عن بعض أصحابه عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) (٣) قال : «عطس رجل نصراني عند ابى عبد الله (عليه‌السلام) فقال له القوم «هداك الله» فقال أبو عبد الله (عليه‌السلام) «يرحمك الله» فقالوا له انه نصراني؟ فقال (عليه‌السلام) لا يهديه الله حتى يرحمه».

بيان : هذا الخبر بظاهره مناف لما تقدم نقله عن الأصحاب من اشتراط الإيمان في تسميت العاطس كما دلت عليه الأخبار المتقدمة ، ويمكن ان يقال بمعونة الأخبار المتقدمة الدالة على اشتراط الايمان ان قصده (عليه‌السلام) من التسميت ب «يرحمك الله» انما هو المنع من تسميته بما ذكروه وبغيره وانه ليس أهلا للتسميت ، لأن تحاشيهم عن لفظ «يرحمك الله» الى ما ذكروه لا يغني إذ الهداية مستلزمة لسبق الرحمة الموجبة لهدايته فالأولى ان لا يسمت بحال. وهذا معنى لطيف وان تسارع الفهم القاصر الى رده.

وعن مسعدة بن صدقة عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) (٤) قال : «قال رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) إذا عطس المرء المسلم ثم سكت لعلة تكون به قالت الملائكة عنه «الحمد لله رب العالمين» فان قال «الحمد لله رب العالمين» قالت الملائكة «يغفر

__________________

(١ و ٤) الوسائل الباب ٦٢ من أحكام العشرة.

(٣) الوسائل الباب ٦٥ من أحكام العشرة.

(٤) الوسائل الباب ٦٢ من أحكام العشرة.

٩٨

الله لك» قال : وقال رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) العطاس للمريض دليل العافية وراحة للبدن».

وعن حذيفة بن منصور (١) قال قال : «العطاس ينفع للبدن كله ما لم يزد على الثلاث فإذا زاد على الثلاث فهو داء وسقم».

وعن زرارة عن ابى جعفر (عليه‌السلام) (٢) قال : «إذا عطس الرجل ثلاثا فسمته ثم اتركه».

وعن ابى بكر الحضرمي (٣) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن قوله تعالى (إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْواتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ) (٤) قال العطسة القبيحة».

بيان : العطسة القبيحة المشتملة على الصوت المستنكر يعنى انها مندرجة تحت الآية لا ان الآية مختصة بها. وفيه إشارة الى الأمر بالاعتدال.

وعن القاسم عن جده عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) (٥) قال : «من عطس ثم وضع يده على قصبة أنفه ثم قال «الحمد لله رب العالمين الحمد لله حمدا كثيرا كما هو اهله وصلى الله على محمد النبي وآله وسلم» خرج من منخره الأيسر طائر أصغر من الجراد وأكبر من الذباب حتى يصير تحت العرش يستغفر له الى يوم القيامة».

وعن محمد بن يحيى عن بعض أصحابه رواه عن رجل من العامة (٦) قال «كنت أجالس أبا عبد الله (عليه‌السلام) فلا والله ما رأيت مجلسا أنبل من مجالسه ، قال فقال لي ذات يوم من اين تخرج العطسة؟ فقلت من الأنف. فقال لي أصبت الخطأ فقلت جعلت فداك من اين تخرج؟ فقال من جميع البدن كما ان النطفة تخرج من

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ٦٠ من أحكام العشرة.

(٣) الوسائل الباب ٦٠ من أحكام العشرة.

(٤) سورة لقمان الآية ١٨.

(٥) الوسائل الباب ٦٣ من أحكام العشرة.

(٦) الأصول ج ٢ ص ٦٥٧ وفي الوسائل الباب ٦٠ من أحكام العشرة.

٩٩

جميع البدن ومخرجها من الإحليل ، ثم قال اما رأيت الإنسان إذا عطس نفض أعضاءه؟ وصاحب العطسة يأمن الموت سبعة أيام».

وعن السكوني عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) (١) قال : «قال رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) تصديق الحديث عند العطاس».

وبهذا الاسناد (٢) قال : «قال رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) إذا كان الرجل يتحدث بحديث فعطس عاطس فهو شاهد حق».

وعن القداح عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) (٣) قال : «قال رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) تصديق الحديث عند العطاس».

بيان : قال بعض المحدثين لعل السر فيه ان العطسة رحمة من الله تعالى للعبد ويستبعد نزول الرحمة في مجلس يكذب فيه خصوصا عند صدور الكذب فإذا قاربت الحديث دلت على صدقه. انتهى.

وروى ابن إدريس في مستطرفات السرائر من كتاب النوادر لمحمد بن على بن محبوب عن محمد بن الحسين عن محمد بن يحيى عن غياث عن جعفر (عليه‌السلام) (٤) «في رجل عطس في الصلاة فسمته رجل فقال فسدت صلاة ذلك الرجل».

بيان : قال ابن إدريس بعد إيراد الخبر : التسميت الدعاء للعاطس بالسين والشين معا ، وليس على فسادها دليل لان الدعاء لا يقطع الصلاة. انتهى. وهو جيد وغير بعيد ان هذا الخبر خرج مخرج التقية لأنه نسب إلى الشافعي وبعض العامة القول بالتحريم (٥) مع ان ظاهر الخبر بطلان صلاة العاطس وان لم يرد فإنه هو الذي في الصلاة واما المسمت فغير ظاهر من الخبر كونه في الصلاة. وكيف ما كان

__________________

(١ و ٢ و ٣) الوسائل الباب ٦٦ من أحكام العشرة.

(٤) الوسائل الباب ١٨ من قواطع الصلاة.

(٥) تعرض لذلك النووي الشافعي في شرحه على صحيح مسلم عند شرحه حديث معاوية بن الحكم السلمي في باب تحريم الكلام.

١٠٠