الحدائق الناضرة - ج ٩

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]

الحدائق الناضرة - ج ٩

المؤلف:

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]


المحقق: محمّد تقي الإيرواني
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٥٩

الله كره لكم أيتها الأمة أربعا وعشرين خصلة ونهاكم عنها : كره لكم العبث في الصلاة.».

وروى في الفقيه (١) قال : «قال رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) ان الله تعالى كره لي ست خصال وكرهتهن للأوصياء من ولدي واتباعهم من بعدي : العبث في الصلاة والرفث في الصوم والمن بعد الصدقة وإتيان المساجد جنبا والتطلع في الدور والضحك بين القبور».

وروى الكليني عن مسمع ابى سيار عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) (٢) قال «ان النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) سمع خلفه فرقعة فرقع الرجل أصابعه في صلاته فلما انصرف قال النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) اما انه حظه من الصلاة».

ومنها ـ مدافعة البول والغائط والريح ، وعلل بما فيه من سلب الخشوع والتوجه والإقبال الذي هو روح العبادة.

ويدل على ذلك من الأخبار ما رواه الشيخ في الصحيح عن هشام بن الحكم عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) (٣) قال : «لا صلاة لحاقن ولا لحاقنة وهو بمنزلة من هو في ثوبه».

بيان : الموجود في التهذيب والذي نقله جملة من الأصحاب هو ما ذكرناه من قوله «ولا لحاقنة» ونقله في الوافي «لحاقن ولا لحاقب» ثم قال : بيان ـ كلاهما بالحاء المهملة وفي آخر الأول نون وفي آخر الثاني باء موحدة ، يعنى بالحاقن حابس البول وبالحاقب حابس الغائط. ثم نقل كلام النهاية بذلك. الى ان قال فما يوجد في بعض نسخ التهذيب «لا صلاة لحاقن ولا حاقنة» بالنون فيهما جميعا فلعله تصحيف. انتهى.

أقول : والظاهر انه اجتهاد منه (قدس‌سره) بناء على ما نقله عن النهاية

__________________

(١) الوسائل الباب ٦٣ من الدفن.

(٢) الوسائل الباب ١٤ من قواطع الصلاة.

(٣) الوسائل الباب ٨ من قواطع الصلاة.

٦١

وإلا فالموجود في التهذيب والذي نقله الأصحاب عنه في كتب الاستدلال إنما هو ما ذكرناه ، ويؤيده أن البرقي في المحاسن (١) قد رواه ايضا كذلك فروى عن أبيه عن ابن ابى عمير عن هشام بن الحكم عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) قال : «لا صلاة لحاقن ولا حاقنة وهو بمنزلة من هو في ثوبه».

قال في المنتهى بعد إيراد هذه الصحيحة : المراد بذلك نفى الكمال لا الصحة. ثم قال بعد ذلك : يكره مدافعة الأخبثين وهو قول من يحفظ عنه العلم ، قال ولو صلى كذلك صحت صلاته ذهب إليه علماؤنا ونقل عن مالك وبعض العامة القول بالإعادة (٢)

وروى الشيخ عن ابى بكر الحضرمي عن أبيه عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) (٣) قال : «ان رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) قال : لا تصل وأنت تجد شيئا من الأخبثين».

وروى في كتاب الخصال في الصحيح عن احمد بن أبى عبد الله البرقي رفعه الى ابى عبد الله (عليه‌السلام) (٤) قال : «قال رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) ثمانية لا يقبل الله لهم صلاة : العبد الآبق حتى يرجع الى مولاه والناشز عن زوجها وهو عليها ساخط ومانع الزكاة وتارك الوضوء والجارية المدركة تصلي بغير خمار وامام قوم يصلى بهم وهم له كارهون والزنين ـ قالوا يا رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) وما الزنين؟ قال الذي يدافع البول والغائط ـ والسكران ، فهؤلاء الثمانية لا تقبل منهم صلاة».

بيان : قال في النهاية : فيه «لا يقبل الله صلاة الزبين» هو الذي يدافع الأخبثين وهو بوزن السجيل هكذا رواه بعضهم والمشهور بالنون كما روى «لا تيصلين أحدكم وهو زنين». اى حاقن يقال زن فدن اى حقن فقطر. وقيل هو الذي يدافع الأخبثين معا. انتهى. وقال في القاموس في مادة «زبن» بالباء : وكسكين

__________________

(١) ص ٨٣.

(٢) الفقه على المذاهب الأربعة ج ١ ص ٢٥٩.

(٣ و ٤) الوسائل الباب ٨ من قواطع الصلاة.

٦٢

مدافع الأخبثين أو ممسكهما على كره. ولم يتعرض في «زنن» بالنون الى ذلك. ونحوه في مجمع البحرين.

وروى الصدوق في كتاب معاني الأخبار والمجالس عن إسحاق بن عمار (١) قال : «سمعت أبا عبد الله (عليه‌السلام) يقول لا صلاة لحاقن ولا لحاقب ولا لحاذق فالحاقن الذي به البول والحاقب الذي به الغائط والحاذق الذي قد ضغطه الخف».

وروى في كتاب المحاسن عن عيسى بن عبد الله العمرى عن أبيه عن جده عن على بن ابى طالب (عليه‌السلام) عن النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) (٢) قال : «لا يصل أحدكم وبه أحد العصرين يعنى البول والغائط». أقول : قال في القاموس : والعصر الحبس وفي الحديث «أمر بلالا أن يؤذن قبل الفجر ليعتصر معتصرهم». أراد قاضى الحاجة

وروى الكليني والشيخ في الصحيح عن عبد الرحمن بن الحجاج (٣) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن الرجل يصيبه الغمز في بطنه وهو يستطيع أن يصبر عليه أيصلى على تلك الحال أو لا يصلى؟ قال فقال ان احتمل الصبر ولم يخف إعجالا عن الصلاة فليصل وليصبر». وفيه دلالة على صحة الصلاة مع الحقن كما ادعى عليه الإجماع.

وكيف كان فان الحكم المذكور مخصوص بما إذا عرض له ذلك قبل الدخول في الصلاة وإلا فلو كان بعد ذلك فلا كراهة إجماعا.

مسائل

(الأولى) ـ لا خلاف في جواز السلام على المصلى للأصل ولعموم قوله عزوجل «فَإِذا دَخَلْتُمْ بُيُوتاً فَسَلِّمُوا» (٤).

ولموثقة عمار الساباطي عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) (٥) «انه سأله عن

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ٨ من قواطع الصلاة.

(٣) ارجع الى التعليقة ٢ ص ٦.

(٤) سورة النور ، الآية ٦١.

(٥) الوسائل الباب ١٦ من قواطع الصلاة.

٦٣

التسليم على المصلى فقال إذا سلم عليك رجل من المسلمين وأنت في الصلاة فرد عليه في ما بينك وبين نفسك ولا ترفع صوتك».

وفي موثقة سماعة عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) (١) قال : «سألته عن الرجل يسلم عليه وهو في الصلاة؟ قال يرد يقول سلام عليكم ولا يقل وعليكم السلام فان رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) كان قائما يصلى فمر به عمار بن ياسر فسلم عليه فرد النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) هكذا». هكذا رواه في الكافي عن عثمان بن عيسى عن سماعة (٢) وفي التهذيب رواه عن عثمان بن عيسى عنه (عليه‌السلام) (٣).

وروى الشيخ في التهذيب في الصحيح عن محمد بن مسلم (٤) قال : «دخلت على ابى جعفر (عليه‌السلام) وهو في الصلاة فقلت السلام عليك فقال السلام عليك فقلت كيف أصبحت؟ فسكت (عليه‌السلام) فلما انصرف قلت أيرد السلام وهو في الصلاة؟ فقال نعم مثل ما قيل له».

ولا خلاف أيضا في جواز الرد من المصلى بل وجوبه ، ويدل عليه موثقة عمار المذكورة وصحيحة محمد بن مسلم المذكورة أيضا.

وما رواه في الفقيه في الصحيح (٥) قال : «سأل محمد بن مسلم أبا جعفر (عليه‌السلام) عن الرجل يسلم على القوم في الصلاة فقال إذا سلم عليك مسلم وأنت في الصلاة فسلم عليه تقول السلام عليك وأشر بإصبعك».

__________________

(١) الوسائل الباب ١٦ من قواطع الصلاة.

(٢) الفروع ج ١ ص ١٠٢ في الوسائل الباب ١٦ من قواطع الصلاة.

(٣) هكذا في النسخة المطبوعة ج ١ ص ٢٩؟ إلا أن في هامشها علق على قوله «عثمان بن عيسى» هكذا «عن سماعة في نسخة ولعله هو الصواب لان عثمان لم ينقل عنه عليه‌السلام» وفي الوافي باب «رد السلام والتحميد للعطاس» نقل الرواية عن عثمان ابن عيسى عن سماعة من الكافي والتهذيب كليهما ، وظاهر الوسائل ايضا ان عثمان يرويها عن سماعة ، راجع الباب ١٦ من قواطع الصلاة.

(٤ و ٥) الوسائل الباب ١٦ من قواطع الصلاة.

٦٤

أقول : ومن اخبار المسألة ما رواه في التهذيب والفقيه في الصحيح عن منصور بن حازم عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) (١) قال : «إذا سلم عليك الرجل وأنت تصلى قال ترد عليه خفيا كما قال».

وما رواه في الفقيه (٢) قال : «قال أبو جعفر (عليه‌السلام) سلم عمار على رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) وهو في الصلاة فرد عليه ثم قال أبو جعفر (عليه‌السلام) ان السلام اسم من أسماء الله تعالى».

وما رواه عبد الله بن جعفر الحميري في قرب الاسناد عن عبد الله بن الحسن عن جده على بن جعفر عن أخيه (عليه‌السلام) (٣) قال : «سألته عن الرجل يكون في الصلاة فيسلم عليه الرجل هل يصلح له أن يرد؟ قال نعم يقول السلام عليك فيشير إليه بإصبعه».

وما رواه الصدوق في الخصال عن مسعدة بن صدقة عن جعفر بن محمد عن أبيه (عليهما‌السلام) (٤) قال : «لا تسلموا على اليهود والنصارى. الى ان قال ولا على المصلى ـ لأنه لا يستطيع أن يرد السلام لأن التسليم من المسلم تطوع والرد فريضة ـ ولا على آكل الربا ولا على رجل جالس على غائط ولا على الذي في الحمام».

وما رواه الشهيد في الذكرى (٥) قال : روى البزنطي عن الباقر (عليه‌السلام) قال : «إذا دخلت المسجد والناس يصلون فسلم عليهم وإذا سلم عليك فاردد فإني أفعله ، وان عمار بن ياسر مر على رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) وهو يصلى فقال السلام عليك يا رسول الله ورحمة الله وبركاته فرد عليه‌السلام».

وروى في الخصال (٦) في الصحيح عن محمد بن قيس عن ابى جعفر (عليه‌السلام) قال : «بينما أمير المؤمنين (عليه‌السلام) في الرحبة والناس عليه متراكمون

__________________

(١ و ٢ و ٣) الوسائل الباب ١٦ من قواطع الصلاة.

(٤ و ٥) الوسائل الباب ١٧ من قواطع الصلاة.

(٦) ج ٢ ص ٥٦ وفي الوسائل الباب ٤٣ من أحكام العشرة.

٦٥

فمن مستفت ومن مستعد إذا قام اليه رجل فقال السلام عليك يا أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته فنظر إليه أمير المؤمنين (عليه‌السلام) بعينيه هاتيك العظيمتين فقال وعليك السلام ورحمة الله وبركاته. الخبر».

وروى في الكافي عن حماد الأحمسي (١) قال : «دخلت على ابى عبد الله (عليه‌السلام) وأنا أريد أن أسأله عن صلاة الليل فقلت السلام عليك يا ابن رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) فقال وعليك السلام اى والله انا لولده. الحديث».

وعن الحكم بن عتيبة (٢) قال : «بينا أنا مع ابى جعفر (عليه‌السلام) والبيت غاص بأهله إذ أقبل شيخ يتوكأ على عنزة له حتى وقف على باب البيت فقال السلام عليك يا ابن رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) ورحمة الله وبركاته فقال أبو جعفر (عليه‌السلام) وعليك السلام ورحمة الله وبركاته.».

وعن ابن القداح عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) (٣) قال : «إذا سلم أحدكم فليجهر بسلامه ولا يقول سلمت فلم يردوا على ولعله يكون قد سلم ولم يسمعهم ، فإذا رد أحدكم فليجهر برده ولا يقول المسلم سلمت فلم يردوا على ، ثم قال كان على (عليه‌السلام) يقول لا تغضبوا ولا تغضبوا أفشوا السلام وأطيبوا الكلام وصلوا بالليل والناس نيام تدخلوا الجنة بسلام ، ثم تلا عليهم قول الله تعالى (السَّلامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ)» (٤).

وعن الحسن بن المنذر (٥) قال : «سمعت أبا عبد الله (عليه‌السلام) يقول من قال السلام عليكم فهي عشر حسنات ومن قال سلام عليكم ورحمة الله فهي عشرون

__________________

(١) الفروع ج ١ ص ١٣٧ وفي الوسائل الباب ٢ و ١٦ من أعداد الفرائض ونوافلها. والراوي ـ كما في الكافي والوافي باب «فضل الصلاة» والوسائل ـ عائذ الأحمسي لاحماد الأحمسي.

(٢) الوسائل الباب ٤٣ من أحكام العشرة.

(٣) الوسائل الباب ٣٨ و ٣٤ من أحكام العشرة.

(٤) سورة الحشر الآية ٢٣.

(٥) الوسائل الباب ٣٩ من أحكام العشرة.

٦٦

حسنة ومن قال سلام عليكم ورحمة الله وبركاته فهي ثلاثون حسنة».

وعن منصور بن حازم عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) (١) «ثلاثة يرد عليهم رد الجماعة وان كان واحدا : عند العطاس يقال يرحمكم الله وان لم يكن معه غيره ، والرجل يسلم على الرجل فيقول السلام عليكم والرجل يدعوا للرجل فيقول عافاكم الله تعالى وان كان واحدا فان معه غيره». والضمير في «غيره» راجع للواحد المذكور في جميع هذه الصور ، والمراد بالغير الملائكة الموكلون به الحافظون والكاتبون وغيرهم.

وعن ابى عبيدة الحذاء عن ابى جعفر (عليه‌السلام) (٢) قال : «مر أمير المؤمنين (عليه‌السلام) بقوم فسلم عليهم فقالوا عليك السلام ورحمة الله وبركاته ومغفرته ورضوانه. فقال لهم أمير المؤمنين (عليه‌السلام) لا تجاوزوا بنا ما قالت الملائكة لأبينا إبراهيم (عليه‌السلام) إنما قالوا (رحمت الله وبركاته عليكم أهل البيت)».

وعن عنبسة بن مصعب عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) (٣) قال : «القليل يبدأون الكثير بالسلام والراكب يبدأ الماشي وأصحاب البغال يبدأون أصحاب الحمير وأصحاب الخيل يبدأون أصحاب البغال».

وعن ابن بكير عن بعض أصحابه عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) (٤) قال : «سمعته يقول يسلم الراكب على الماشي والماشي على القاعد وإذا لقيت جماعة جماعة سلم الأقل على الأكثر وإذا لقي واحد جماعة سلم الواحد على الجماعة».

إذا عرفت ذلك فههنا فوائد شريفة ونكات لطيفة يجب التنبيه عليها في المقام ليكمل بها النظام :

الاولى ـ لا خلاف في وجوب الرد في الصلاة كان أم لا ، والأصل فيه

__________________

(١) الوسائل الباب ٤١ من أحكام العشرة.

(٢) الوسائل الباب ٤٣ من أحكام العشرة.

(٣ و ٤) الوسائل الباب ٤٥ من أحكام العشرة.

٦٧

قبل الأخبار الآية الشريفة وهي قوله عزوجل «وَإِذا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْها أَوْ رُدُّوها» (١).

والمراد بالتحية في الآية السلام أو ما هو أعم منه ، والتحية لغة أيضا السلام ، قال في القاموس : التحية السلام. وقال في المصباح المنير : وحياة تحية أصله الدعاء بالحياة ، ومنه التحيات لله اى البقاء ، وقيل الملك ، ثم كثر حتى استعمل في مطلق الدعاء ثم استعمله الشارع في دعاء مخصوص وهو «سلام عليكم». وفي المغرب حياه بمعنى أحياه تحية كبقاه بمعنى أبقاه تبقية ، هذا أصلها ثم سمى ما حيي به من سلام ونحوه تحية ، قال الله تعالى «تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلامٌ» (٢) وحقيقة «حييت فلانا» قلت حياك الله اى عمرك الله. انتهى.

وقال أمين الإسلام الطبرسي في كتاب مجمع البيان : التحية السلام يقال حيي يحيي تحية إذا سلم. وقال في تفسير الآية أمر الله المسلمين برد السلام على المسلم بأحسن مما سلم ان كان مؤمنا وإلا فليقل «وعليكم» لا يزيد على ذلك ، فقوله «بِأَحْسَنَ مِنْها» للمسلمين خاصة وقوله «أَوْ رُدُّوها» لأهل الكتاب ، عن ابن عباس فإذا قال المسلم «السلام عليكم» فقلت «وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته» فقد حييته بأحسن منها وهذا منتهى رد السلام. وقيل ان قوله «أَوْ رُدُّوها» للمسلمين ايضا عن السدي وعطاء وإبراهيم وابن جريح قالوا إذا سلم عليك فرد عليه بأحسن مما سلم عليك أو بمثل ما قال. وهذا أقوى لما روى عن النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) (٣) انه قال «إذا سلم عليكم أهل الكتاب فقولوا وعليكم». وذكر على بن إبراهيم في تفسيره عن الصادقين (عليهم‌السلام) ان المراد بالتحية في الآية السلام وغيره من البر ، وذكر الحسن ان رجلا دخل على النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) فقال السلام عليك فقال النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) وعليك السلام ورحمة الله فجاءه آخر فقال السلام عليك ورحمة الله فقال (صلى‌الله‌عليه‌وآله) وعليك السلام ورحمة الله وبركاته

__________________

(١) سورة النساء الآية ٨٨.

(٢) سورة الأحزاب الآية ٤٣.

(٣) صحيح مسلم ج ٢ ص ١٣٨ كتاب السلام باب الرد على أهل الكتاب.

٦٨

فجاءه آخر فقال السلام عليك ورحمة الله وبركاته فقال النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) وعليك السلام ورحمة الله وبركاته ، فقيل يا رسول الله زدت للأول والثاني في التحية ولم تزد للثالث فقال انه لم يبق لي من التحية شيئا فرددت عليه مثله. انتهى كلامه زيد مقامه أقول : ومن الأخبار الواردة على العموم كما ذكره على بن إبراهيم في تفسيره

ما رواه الصدوق في الخصال بسنده في حديث طويل عن ابى جعفر عن آبائه عن أمير المؤمنين (عليهم‌السلام) (١) قال : «إذا عطس أحدكم فسمتوه قولوا يرحمكم الله ويقول هو يغفر الله لكم ويرحمكم قال الله تعالى (وَإِذا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْها أَوْ رُدُّوها)» (٢).

وفي كتاب المناقب لابن شهرآشوب (٣) «جاءت جارية للحسن (عليه‌السلام) بطاق ريحان فقال أنت حرة لوجه الله. فقيل له في ذلك فقال (عليه‌السلام) أدبنا الله تعالى فقال «إِذا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْها أَوْ رُدُّوها» (٤) وكان أحسن منها عتقها».

ويؤيده ما رواه في الكافي عن الصادق (عليه‌السلام) في الصحيح (٥) من ان رد جواب الكتاب واجب كوجوب رد السلام.

بقي هنا اشكال وهو انه على تقدير العموم في الآية يلزم وجوب تعويض كل بر وإحسان والظاهر انه لا قائل به بل ربما دلت الأخبار على العدم ، ويمكن حمل الآية على الرجحان المطلق الشامل للوجوب والاستحباب ، وعلى هذا فالاستدلال بالآية المذكورة على وجوب الرد لا يخلو من الإشكال إلا ان يقال ان الواجب الحمل على مقتضى ظاهر الأمر وقيام الدليل الصارف في بعض الافراد لا يستلزم القول بذلك في ما لا دليل عليه.

__________________

(١) الوسائل الباب ٥٨ من أحكام العشرة.

(٢ و ٤) سورة النساء الآية ٨٨.

(٣) البحار ج ١٨ الصلاة ص ٢٠٤.

(٥) الوسائل الباب ٣٣ من أحكام العشرة.

٦٩

هذا. واما الأخبار الدالة على وجوب الرد فقد تقدمت الإشارة إليها.

الثانية ـ المفهوم من الأخبار التي قدمناها ان الرد من المصلى بمثل ما قيل له من «السلام عليكم» و «السلام عليك» ونحوهما ، وقد تضمنت موثقة سماعة النهي عن الرد بقوله «وعليكم السلام» واما غير المصلى فإنه يرد بقوله «وعليكم السلام» بتقديم الظرف.

هذا هو المشهور بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) ولابن إدريس خلاف في موضعين ، قال في الروض بعد ذكر وجوب الرد بالمثل في الصلاة وذكر بعض الأخبار الدالة عليه : وخالف ابن إدريس في اعتبار المثل فجوز الرد بقوله «عليكم السلام» خصوصا مع تسليم المسلم به لعموم الآية واستضعافا لخبر الواحد والأصحاب على خلافه. انتهى. والأظهر هو القول المشهور لما تقدم من الأخبار الصريحة في ذلك. ويظهر من العلامة في المختلف موافقة ابن إدريس في عدم وجوب الرد بالمثل ايضا.

وخالف ابن إدريس أيضا بالنسبة الى غير المصلى فجوز الرد بالمثل ووافقه في ذلك بالنسبة الى غير المصلى الفاضل الخراساني في الذخيرة حيث جوز الرد بالمثل استنادا الى ما رواه في الكافي عن زرارة في الصحيح أو الحسن عن ابى جعفر (عليه‌السلام) (١) في حديث قال : «إذا سلم عليكم مسلم فقولوا سلام عليكم وإذا سلم عليكم كافر فقولوا عليك».

وأنت خبير بأن الأخبار الكثيرة مما قدمنا ذكره وما لم نذكره كلها متفقة الدلالة على الرد بتقديم الظرف عكس ما يسلم به المسلم. ويمكن الجواب عن هذه الرواية بأن الغرض من هذا اللفظ إنما هو بيان الفرق بين الرد على المسلم والكافر بان الكافر يقتصر في الرد عليه بقوله «عليك» من غير إردافه بالتسليم عليه بخلاف المسلم فإنه يردفه بالتسليم عليه ، وسياق الخبر إنما هو في ذلك وليس الخبر مسوقا

__________________

(١) الوسائل الباب ٤٩ من أحكام العشرة.

٧٠

لبيان كيفية الرد كما في الأخبار التي قدمناها.

ولا بأس بذكر الخبر كملا لتظهر للناظر قوة ما ذكرناه من الإجمال وهو ما رواه زرارة عن ابى جعفر (عليه‌السلام) (١) قال : «دخل يهودي على رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) وعائشة عنده فقال السلام عليكم فقال رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) عليكم. ثم دخل آخر فقال مثل ذلك فرد (صلى‌الله‌عليه‌وآله) عليه كما رد على صاحبه. ثم دخل آخر فقال مثل ذلك فرد رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) عليه كما رد على صاحبيه فغضبت عائشة فقالت عليكم السام والغضب واللعنة يا معشر اليهود يا إخوة القردة والخنازير. فقال لها رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) يا عائشة ان الفحش لو كان ممثلا لكان مثال سوء ان الرفق لم يوضع على شي‌ء قط إلا زانه ولم يرفع عنه قط إلا شانه. قالت يا رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) أما سمعت الى قولهم : السام عليكم؟ فقال بلى اما سمعت ما رددت عليهم؟ قلت عليكم ، فإذا سلم عليكم مسلم. الحديث كما تقدم».

وسياق الخبر كما ترى إنما هو في ما ذكرناه لا في بيان كيفية الرد وحينئذ فالمراد منه إنما هو بيان زيادة لفظ السلام في الرد على المسلم دون الكافر وذكره بهذه الكيفية وقع تعليما لذلك ، والأخبار المتقدمة صريحة في أن الكيفية الواجبة في الرد هي التي يقدم فيها الظرف كما عرفت.

وبما ذكرناه صرح العلامة في التذكرة فقال : وصيغة الجواب «وعليكم السلام» ولو قال : «وعليك السلام» للواحد جاز. ولو ترك العطف فقال : «عليكم السلام» فهو جواب خلافا لبعض الشافعية (٢) فلو تلاقى اثنان فسلم كل واحد منهما على الآخر وجب على كل واحد منهما جواب الآخر ولا يحصل

__________________

(١) الوسائل الباب ٤٩ من أحكام العشرة.

(٢) في فتح الباري ج ١١ ص ٢٩ باب «من رد فقال عليك السلام» عن النووي انه قال اتفق أصحابنا ان المجيب لو قال «عليك» بغير واو لم يجزئ وان قال بالواو فوجهان.

٧١

الجواب بالسلام. انتهى.

وذهب بعض الى الجميع بين الأخبار بالتخيير والأظهر ما قدمناه.

(الثالثة) ـ المفهوم من الأخبار ان صيغة السلام التي يسلم بها لا بد أن يبدأ فيها بلفظ السلام مثل «سلام عليكم أو عليك» أو «السلام» بأحد الوجهين ، فاما تقديم الظرف فإنما هو في الجواب من غير المصلى كما عرفت.

ونقل بعض المتأخرين عن ظاهر الأصحاب (رضوان الله عليهم) ان «عليك السلام أو عليكم السلام» صحيح يوجب الرد.

وأنكره في الذخيرة فقال ولم اطلع على ما نقله عن ظاهر الأصحاب إلا في كلام ابن إدريس مع انه قد صرح العلامة في التذكرة بخلافه فقال : ولو قال «عليك السلام» لم يكن مسلما إنما هي صيغة جواب. انتهى.

وهو الموافق لما ورد في الأخبار كما أشرنا اليه وهو ظاهر لمن تتبع الأخبار وقد روى العامة عنه (صلى‌الله‌عليه‌وآله) (١) «انه قال لمن قال عليك السلام يا رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) : لا تقل عليك السلام فان عليك السلام تحية الموتى ، إذا سلمت فقل سلام عليك فيقول الراد عليك السلام».

واما كلام ابن إدريس في هذا المقام فإنه قال في السرائر : ويرد المصلى السلام إذا سلم عليه قولا لا فعلا ولا يقطع ذلك صلاته سواء رد بما يكون في لفظ القرآن أو ما يخالف ذلك إذا أدى بالرد الواجب الذي تبرأ ذمته به. إذا كان المسلم عليه قال له «سلام عليك أو سلام عليكم أو السلام عليكم أو عليكم السلام» فله ان يرد عليه بأي هذه الألفاظ كان لأنه رد سلام مأمور به وينويه رد سلام لا قراءة قرآن إذا سلم الأول بما قدمنا ذكره ، فان سلم بغير ما بيناه فلا يجوز للمصلي الرد

__________________

(١) في سنن ابى داود ج ٤ ص ٣٥٣ كتاب الأدب باب «كراهة ان يقول وعليك السلام» عن أبي جري الهجيمي قال «أتيت النبي (ص) فقلت عليك السلام يا رسول الله (ص) فقال لا تقل عليك السلام فان عليك السلام تحية لموتى» ..

٧٢

عليه لأنه ما تعلق بذمته الرد لأنه غير سلام ، وقد أورد شيخنا أبو جعفر في مسائل خلافه خبرا عن محمد بن مسلم قال : دخلت على ابى جعفر (عليه‌السلام) ثم ساق الخبر كما قدمناه (١) ثم قال أورد هذا الخبر إيراد راض به مستشهدا به محتاجا على الخصم بصحته ، فاما ما أورده في نهايته فخبر عثمان بن عيسى عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) (٢) وقد ذهب بعض أصحابنا (رضوان الله عليهم) الى خبر عثمان ابن عيسى فقال : ويرد المصلى السلام على من سلم عليه ويقول له في الرد «سلام عليكم» ولا يقول له «وعليكم» وان قال له المسلم «عليكم السلام» فلا يرد مثل ذلك بل يقول «سلام عليكم» والأصل ما ذكرناه لأن التحريم يحتاج الى دليل. انتهى.

أقول : لا يخفى ان موثقة سماعة وان دلت بظاهرها على تعين الجواب بقوله «سلام عليكم» لكنها محمولة على ما إذا كان المسلم عليه بهذه الصيغة عملا بما دل على وجوب الرد بالمثل حال الصلاة فإن المستفاد منها انه يرد بمثل ما سلم عليه ، ونحوها في ذلك رواية محمد بن مسلم المنقولة عن الفقيه (٣) حيث قال فيها «إذا سلم عليك مسلم وأنت في الصلاة فسلم عليه تقول : السلام عليكم». فإنها مبنية على كون المسلم يسلم بهذه الصيغة أيضا ، وبالجملة فإن إطلاق هذين الخبرين محمول على ما دل على وجوب الجواب بالمثل كما في صحيحة محمد بن مسلم لما سلم على ابى جعفر بقوله «السلام عليك» فأجابه بقوله «السلام عليك» ثم ذكر في آخر الرواية انه يرد بمثل ما قيل له. ونحو ذلك قوله (عليه‌السلام) في صحيحة منصور بن حازم (٤) «ترد عليه خفيا كما قال». وما ذكرناه ظاهر من الأخبار باعتبار ضم بعضها الى بعض لا ما توهمه من تعين الجواب ب «سلام عليكم» وان سلم عليه بصيغة أخرى غيرها. واما ما ذكره في صيغ السلام التي يسلم بها ـ من انها «سلام عليكم أو سلام عليك أو السلام عليكم أو عليكم السلام» وان ما عدا هذه الصيغ الأربع لا يجب

__________________

(١) ص ٦٤.

(٢) هو خبر سماعة المتقدم ص ٦٤ وقد تقدم هناك منه (قدس‌سره) ان الشيخ رواه عن عثمان بن عيسى عنه (ع).

(٣) ص ٦٤ وفيها «السلام عليك».

(٤) ص ٦٥.

٧٣

رد الجواب فيها لأنه ليس بسلام فلا يجوز للمصلي الرد عليه ففيه (أولا) ان من جملة صيغ التسليم «السلام عليك» كما تضمنته صحيحة محمد بن مسلم حيث سلم به على الامام (عليه‌السلام) فأجابه بمثله. (وثانيا) ان صيغة «عليكم السلام» ليست من صيغ الابتداء بالسلام وإنما هي من صيغ الرد كما تقدم نقله عن العلامة في التذكرة. والاستناد إلى إطلاق صدق التحية في الآية يجب تقييده بالأخبار ، فإن المفهوم منها ان صيغ الابتداء بالسلام هي ما ذكرناه فيجب حمل إطلاق الآية على ذلك.

وبذلك ايضا يظهر لك ما في كلام العلامة في المختلف حيث ان ظاهره موافقة ابن إدريس في هذا المقام ، حيث قال ـ بعد ان نقل عن الشيخ انه يرد مثل ما قيل له «سلام عليكم» ولا يقول «وعليكم السلام» وذكر انه احتج على ذلك بحديث عثمان ابن عيسى المتقدم نقله عن سماعة ـ وعندي في العمل بهذه الرواية نظر فان في طريقها عثمان بن عيسى وهو ضعيف. ثم نقل كلام ابن إدريس من قوله : واما ما أورده في نهايته. إلخ. ثم قال : وهذا الكلام يشعر بتسويغ ذلك لو قال له المسلم وعليكم السلام. انتهى. ثم قال بعد ذلك : الخامس في الحديث الذي رواه محمد بن مسلم اشعار بالإتيان بالمثل ، والأقرب انه ليس واجبا بل لو أتى بمغايرة من التحيات لم يكن عندي به بأس. انتهى.

أقول : لا يخفى ان من تأمل الأخبار بعين الاعتبار ظهر له ما في كلامهما من القصور وإن المعتمد هو القول المشهور من وجوب الرد بالمثل في الصلاة بشرط ان يكون السلام من الصيغ الواردة في الأخبار وهي الأربع المتقدمة واما في غير الصلاة فيرد بأيها شاء بتقديم الظرف.

أما لو قال «سلام أو سلاما أو والسلام أو سلام الله عليك» أو نحو ذلك فتردد بعض الأصحاب في وجوب الرد من حيث صدق التحية عرفا وعدم ثبوت عموم الآية ، وظاهر ابن إدريس كما عرفت العدم لخروج ذلك عن الصيغ التي ذكرها وهو الأقرب فإن القدر المعلوم من الأخبار هو ما ذكرناه من الصيغ الأربع

٧٤

المتقدمة والحكم باشتغال الذمة يحتاج الى دليل قاطع وليس فليس. وصدق التحية عرفا مقيد بالأخبار إذ الحكم شرعي لا عرفي ليكون مناطه العرف.

الرابعة ـ لا خلاف في أن الرد واجب كفاية لا عينا وكذا استحباب الابتداء به كفاية لا عينا ونقل في التذكرة عليه الإجماع.

ويدل عليه من الأخبار مضافا الى الإجماع ما رواه في الكافي في الموثق عن غياث ابن إبراهيم عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) (١) قال : «إذا سلم من القوم واحد أجزأ عنهم وإذا رد واحد أجزأ عنهم».

وعن ابن بكير عن بعض أصحابه عن أبى عبد الله (عليه‌السلام) (٢) قال : «إذا مرت الجماعة بقوم أجزأهم أن يسلم واحد منهم وإذا سلم على القوم وهم جماعة أجزأهم ان يرد واحد منهم».

وبهذين الخبرين مضافا الى الإجماع المدعى في المسألة يخص إطلاق الآية.

وأيده بعض الأصحاب (رضوان الله عليهم) بأنه إنما سلم سلاما واحدا فليس له الا عوض واحد فإذا تحقق خرجوا عن العهدة.

ثم الظاهر انه انما يسقط برد من كان داخلا في المسلم عليهم فلا يسقط برد من لم يكن داخلا فيهم.

وهل يسقط برد الصبي المميز الداخل فيهم؟ اشكال واستظهر في المدارك العدم وان قلنا ان عبادته شرعية ، قال لعدم امتثال الأمر المقتضي للوجوب. وقال في الذكرى : وجهان مبنيان على صحة قيامه بفرض الكفاية وهو مبنى على ان أفعاله شرعية أولا وقد سبقت الإشارة اليه. ونحوه في الروض إلا انه رجح ان أفعاله تمرينية فلا يجزئ رد سلامه. وقد تقدم لنا تحقيق في المسألة يؤذن بجواز الاكتفاء برده وان كان الأحوط ما ذكر. ولا يخفى ان ظاهر الخبرين المذكورين حصول الاجزاء به إلا ان ظاهر الآية خلافه لتوجه الخطاب فيها الى المكلفين.

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ٤٦ من أحكام العشرة.

٧٥

ولو كان المسلم صبيا مميزا ففي وجوب الرد عليه وعدمه وجهان استظهر أولهما جملة من الأصحاب (رضوان الله عليهم) : منهم ـ السيد السند في المدارك وجده في الروض وغيرهما ، ووجه قربه دخوله تحت عموم الآية.

ولو رد بعض الجماعة فهل يجوز للمصلي الرد أيضا أم لا؟ قال في الذكرى : لم يضر لأنه مشروع في الجملة ثم توقف في الاستحباب من شرعيته خارج الصلاة مستحبا ، ومن انه تشاغل بغير الصلاة مع عدم الحاجة اليه. واستجود في الروض جوازه واستحبابه لعموم الأوامر إذ لا شك انه مسلم عليه مع دخوله في العموم فيخاطب بالرد استحبابا ان لم يكن واجبا. وزوال الوجوب بالكفاية لا يقدح في بقاء الاستحباب كما في غير الصلاة فإن استحباب رد الثاني متحقق اتفاقا ان لم يوصف بالوجوب معللا بالأمر. انتهى. والمسألة محل توقف لأن المسألة خالية من النص وقياس حال الصلاة على خارجها قياس مع الفارق.

الخامسة ـ قد صرح جمع من الأصحاب (رضوان الله عليهم) بوجوب الأسماع تحقيقا أو تقديرا ، قال في الذخيرة : ولم أجد أحدا صرح بخلافه في غير حال الصلاة. وقال في المدارك : وهل يجب على المجيب إسماع المسلم تحقيقا أو تقديرا؟ قيل نعم عدم صدق التحية عرفا ولا الرد بدونه ، وقيل لا وهو ظاهر اختيار المصنف في المعتبر وقواه شيخنا المعاصر لرواية عمار المتقدمة (١) ورواية منصور بن حازم عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) قال : إذا سلم عليك رجل. ثم ساق الرواية كما قدمنا (٢) ثم قال : وفي الروايتين قصور من حيث السند فلا تعويل عليهما. انتهى.

أقول ، لا يخفى ما في كلامه هنا من النظر الظاهر للخبير الماهر وذلك فإن رواية عمار هذه قد استدل بها سابقا على وجوب الرد في الصلاة ووصفها بكونها موثقة كما استدل أيضا بموثقة سماعة ووصفها بذلك ، وحينئذ فإن كانت الأخبار الموثقة من الأدلة الشرعية صح ما ذكره أو لا وينبغي أن يجيب عن الموثقة المذكورة

__________________

(١) ص ٦٣.

(٢) ص ٦٥.

٧٦

بغير ضعف السند وإلا فلا وجه لاستدلاله أولا بها ولا بموثقة سماعة ولكن هذه قاعدته كما نبهنا عليه في غير مقام من استدلاله بالموثقات عند الحاجة إليها وردها بضعف السند عند اختياره خلاف ما دلت عليه كما تراه هنا قد وصف رواية عمار في مقام الاستدلال بكونها موثقة وفي مقام الإعراض عنها بكونها رواية عمار وهي طريقة غير محمودة ، إلا ان ضيق المقام في هذا الاصطلاح الذي هو الى الفساد أقرب من الصلاح أوجب لهم انحلال الزمام وعدم الوقوف على قاعدة في المقام. واما صحيحة منصور بن حازم فليس في سندها من ربما يحصل الاشتباه به إلا محمد بن عبد الحميد الذي سبق الكلام معه فيه حيث توهم من ظاهر عبارة الخلاصة في ترجمته كما كتبه جده (قدس‌سرهما) على حواشيها ان التوثيق فيها انما يرجع الى أبيه وقد أوضحنا في ما سبق بطلانه ولهذا ان أصحاب هذا الاصطلاح يعدون حديثه في الصحيح وهو الحق كما لا يخفى على الممارس.

نعم يبقى الكلام في مضمون الخبرين المذكورين فإنهما ظاهران في ما ذهب اليه الفاضلان المتقدمان فينبغي الجواب عنهما عند من قال بوجوب الأسماع ، وكان هذا هو الاولى بالتعرض في المقام إلا ان تلك الطريقة التي عكف عليها أسهل تناولا في الخروج عن ضيق الإلزام.

والتحقيق عندي في المقام ان يقال : الظاهر من كلام جل الأصحاب (رضوان الله عليهم) وجوب الإسماع تحقيقا أو تقديرا في الصلاة وغيرها والمخالف إنما أسند له الخلاف في الصلاة خاصة ، ويدل على ما ذهب إليه الأصحاب إطلاق رواية ابن القداح المتقدمة (١) ويؤيدها أيضا ما رواه في معاني الأخبار عن عبد الله بن الفضل (٢) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن معنى التسليم في الصلاة قال التسليم علامة الأمن وتحليل الصلاة. قلت وكيف ذاك جعلت فداك؟ قال كان الناس في ما مضى إذا سلم عليهم وارد أمنوا شره وكانوا إذا ردوا عليه أمن شرهم

__________________

(١) ص ٦٦.

(٢) الوسائل الباب ١ من التسليم.

٧٧

وان لم يسلم لم يأمنوه وان لم يردوا على المسلم لم يأمنهم ، وذلك خلق في العرب. الحديث». وقد اشتمل صحيح محمد بن مسلم (١) على إسماع أبي جعفر (عليه‌السلام) له وهو في الصلاة ، وحينئذ فيمكن تأويل هذين الخبرين بحمل قوله «خفيا» في صحيحة منصور بن حازم و «بينك وبين نفسك» في موثقة عمار على ما يحصل به إسماع المسلم من غير إجهار يزيد على ذلك كما يشير اليه قوله في موثقة عمار : «ولا ترفع صوتك» يعنى الجهر المنهي عنه في الآية (٢) ومثل هذا التجوز في الأخبار غير عزيز.

واحتمل بعض الأصحاب (رضوان الله عليهم) حملهما على التقية ، قال لان المشهور عند العامة عدم وجوب الرد نطقا (٣) ولعله الأقرب ، ويؤيده ما ذكره شيخنا في الذكرى في جملة المسائل التي عدها في المقام ، قال : الثانية ـ لو كان في موضع تقية رد خفيا وأشار وقد تحمل عليه الروايتان السابقتان. وأشار بالروايتين إلى روايتي منصور وعمار المذكورتين ، وهو جيد وبه يزول الإشكال في المقام.

__________________

(١) ص ٦٤.

(٢) سورة بني إسرائيل ، الآية ١١٠.

(٣) في الهداية لشيخ الإسلام المرغينانى الحنفي ج ١ ص ٤٣ «ولا يرد السلام بلسانه لانه كلام ولا بيده لانه سلام معنى حتى لو صافح بنية التسليم تفسد صلاته» وفي البحر الرائق ج ٢ ص ٨ عن الخلاصة : «السلام ورده مفسد للصلاة عمدا أو سهوا لانه من كلام الناس ويشمل ما إذا قال «السلام» فقط من غير ان يتبعه ب «عليكم». ثم قال واما رد السلام باليد أو بالرأس أو بالإصبع فعن الخلاصة والفتاوى الظهيرية لا يفسد ونقل ابن أمير الحاج عن بعض انه نسب الى ابى حنيفة فساد الصلاة بالرد باليد وصريح الطحاوي في شرح الآثار عدم الفساد عند أبي حنيفة وابى يوسف ومحمد. وقال ابن نجيم الحق ان الفساد غير ثابت في المذهب» وقال ابن حزم في المحلى ج ٤ ص ٤٦ «من سلم عليه وهو يصلى فليرد اشارة لا كلاما إما بيده أو برأسه» ولم ينقل خلافا من أحد. وفي فتح الباري ج ١١ ص ١٦ «يستحب ان يرد المصلى السلام بالإشارة وان رد بعد الفراغ من الصلاة لفظا فهو أحب».

٧٨

السادسة ـ المشهور بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) انه إذا سلم عليه في الصلاة بقوله «سلام عليكم» يجب أن يكون الجواب مثله ولا يجوز الجواب ب «عليكم السلام» ونسبه المرتضى (رضى الله عنه) إلى الشيعة ، وقال المحقق هو مذهب الأصحاب قاله الشيخ وهو حسن. وقد تقدم الكلام في ذلك ولم يخالف فيه الا ابن إدريس والعلامة في المختلف كما عرفت ، والأصحاب انما نقلوا هنا خلاف ابن إدريس خاصة وكأنهم لم يطلعوا على كلام العلامة في المختلف وإلا فهو كذلك كما أوضحناه آنفا.

وقال شيخنا الشهيد الثاني (قدس‌سره) في الروض : ولا يقدح في المثل زيادة الميم في «عليكم» في الجواب لمن حذفه لأنه أزيد دون العكس لأنه أدون. انتهى وفيه ، إشكال ومثله ما لو زاد في الرد بما يوجب كونه أحسن ، ووجه الإشكال تضمن الأخبار ان المصلى يرد بمثل ما قيل له كما في صحيحة محمد بن مسلم وكما قال في صحيحة منصور بن حازم (١) ويؤيده اقتصار ابى جعفر (عليه‌السلام) في الرد على محمد بن مسلم بمثل ما قال. والآية وان تضمنت التخيير بين المثل والأحسن إلا أنها مخصوصة بالأخبار المذكورة ومحمولة على ما عدا المصلي.

السابعة ـ إذا سلم عليه وهو في الصلاة وجب الرد عليه لفظا ولا خلاف فيه بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) ونسبه في التذكرة إلى علمائنا ، وقال في المنتهى : ويجوز له ان يرد السلام إذا سلم عليه نطقا ذهب إليه علماؤنا اجمع. وحمل كلامه على ان الظاهر ان مراده من الجواز نفى التحريم ردا لقول بعض العامة (٢) وقال في الذكرى : يجب الرد عليه لعموم قوله تعالى «وَإِذا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْها أَوْ رُدُّوها» (٣) والصلاة غير منافية لذلك وظاهر الأصحاب مجرد الجواز للخبرين الآتيين والظاهر انهم أرادوا به بيان شرعيته ويبقى الوجوب معلوما من

__________________

(١) ص ٦٤ و ٦٥.

(٢) ارجع الى التعليقة ٣ ص ٧٨.

(٣) سورة النساء الآية ٨٨.

٧٩

القواعد الشرعية ، وبالغ بعض الأصحاب (رضوان الله عليهم) في ذلك فقال تبطل الصلاة لو اشتغل بالأذكار ولما يرد السلام ، وهو من مشرب اجتماع الأمر والنهى في الصلاة كما سبق والأصح عدم البطلان بترك رده.

أقول : لا ريب ان جل الأخبار التي قدمناها ظاهرة في المشروعية بل الوجوب ، للأمر بذلك الذي هو حقيقة في الوجوب في موثقة سماعة وصحيحة محمد ابن مسلم المروية في الفقيه (١) مضافا الى الآية ، وباقي الأخبار تدل على المشروعية وكأنه أشار بالخبرين الآتيين إلى موثقة عمار وصحيحة منصور (٢) الدالتين على الرد خفيا لأنه مع عدم الإسماع لا يتحقق الرد كما تقدم تحقيقه.

الثامنة ـ قد تكاثرت الأخبار باستحباب الابتداء بالسلام وظاهرها أفضليته على الرد وان كان الرد واجبا ، وهذا أحد المواضع التي صرحوا فيها بأفضلية المستحب على الواجب :

روى في الكافي عن السكوني عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) (٣) قال : «قال رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) السلام تطوع والرد فريضة».

وعن عبد الله بن سنان في الصحيح عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) (٤) قال : «البادئ بالسلام اولى بالله وبرسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله».

وعن محمد بن مسلم عن ابى جعفر (عليه‌السلام) (٥) قال : «كان سليمان (عليه‌السلام) يقول أفشوا سلام الله تعالى فان سلام الله لا ينال الظالمين».

أقول : المراد بإفشاء السلام هو ان يسلم على كل من يلقاه من المسلمين ولو كان ظالما ، وحيث كان السلام بمعنى الرحمة والسلامة من آفات الدنيا ومكاره الآخرة فإنه لا ينفع الظالمين ولا ينالهم ونفعه انما يعود الى المسلم خاصة.

__________________

(١) ص ٦٤.

(٢) ص ٦٥.

(٣ و ٤) الوسائل الباب ٣٣ من أحكام العشرة.

(٥) الوسائل الباب ٣٤ من أحكام العشرة.

٨٠