الحدائق الناضرة - ج ٩

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]

الحدائق الناضرة - ج ٩

المؤلف:

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]


المحقق: محمّد تقي الإيرواني
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٥٩

وقال في السرائر ما يسمى في العادة كثيرا مثل الأكل والشرب واللبس وغير ذلك مما إذا فعله الإنسان لا يسمى مصليا بل يسمى آكلا وشاربا ولا يسمى فاعله في العادة مصليا.

وقال العلامة في التذكرة : اختلف الفقهاء في حد الكثرة فالذي عول عليه علماؤنا البناء على العادة فما يسمى في العادة كثيرا فهو كثير وإلا فلا ، لأن عادة الشرع رد الناس في ما لم ينص عليه الى عرفهم وبه قال بعض الشافعية. وقال بعضهم القليل ما لم يسع زمانه لفعل ركعة من الصلاة والكثير ما يسع. وقال بعضهم ما لا يحتاج الى فعل اليدين معا كرفع العمامة وحل الأزرار فهو قليل وما يحتاج إليهما معا كتكوير العمامة وعقد السراويل فهو كثير. وقال بعضهم القليل ما لا يظن الناظر الى فاعله انه ليس في الصلاة والكثير ما يظن به الناظر الى فاعله الاعراض عن الصلاة (١) انتهى.

وأورد عليه ان ما ذكره من التعليل على احالة الحكم على العرف فهو متجه ان كان مستند أصل الحكم النص ، وليس كذلك فانى لم اطلع على نص يتضمن ان الفعل الكثير مبطل ولا ذكر نص في هذا الباب في شي‌ء من كتب الاستدلال ، فاذن مستند الحكم هو الإجماع فيجب اناطة الحكم بمورد الاتفاق فكل فعل ثبت الاتفاق على كونه فعلا كثيرا كان مبطلا ومتى ثبت انه ليس بكثير فهو ليس بمبطل ، ومتى اشتبه الأمر فلا يبعد القول بعدم كونه مبطلا فان اشتراط الصحة بتركه يحتاج الى دليل بناء على ان الصلاة اسم للأركان المعينة مطلقا فتكون هذه الأمور خارجة عن حقيقتها. ويحتمل القول بالبطلان ووجوب الإعادة لتوقف البراءة اليقينية من التكليف الثابت عليه. انتهى.

أقول ـ وبالله التوفيق إلى هداية سواء الطريق ـ قد عرفت في غير مقام مما تقدم ما في بناء الأحكام الشرعية على الرجوع الى العرف من الفساد مضافا الى عدم

__________________

(١) الفقه على المذاهب الأربعة ج ١ ص ٢٥٢ وبدائع الصنائع ج ١ ص ٢٤١ والمغني ج ٢ ص ٢٤٩ والبحر الرائق ج ٢ ص ١٢ ولم نعثر في ما وقفنا عليه من كتبهم بتحديد الفعل الكثير بما يسع زمانه لفعل ركعة من الصلاة.

٤١

الدليل عليه من سادات العباد. واما قول العلامة في ما قدمناه من كلامه ـ ان عادة الشرع رد الناس في ما لم ينص عليه الى عرفهم ـ فهو ممنوع أشد المنع بل المعلوم من الأخبار على وجه لا يعتريه غشاوة الإنكار عند من جاس خلال الديار عند فقد النص إنما هو الوقوف والتثبت والأخذ بالاحتياط ، وقد تقدمت في ذلك الأخبار في مقدمات كتاب الطهارة في مقدمة البراءة الأصلية وكذا في مواضع من مطاوي أبحاث الكتاب ، ولا بأس بالإشارة الى بعضها لإزالة ثقل المراجعة على النظار :

ومنها ـ قوله (عليه‌السلام) في صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج (١) «إذا أصبتم بمثل هذا فلم تدروا فعليكم بالاحتياط حتى تسألوا عنه فتعلموا».

وقولهم (عليهم‌السلام) في جملة من الأخبار (٢) «الوقوف عند الشبهة خير من الاقتحام في الهلكة. إنما الأمور ثلاثة : أمر بين رشده فيتبع وأمر بين غيه فيجتنب وأمر مشكل يرد علمه الى الله تعالى والى رسوله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) قال رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) حلال بين وحرام بين وشبهات بين ذلك فمن ترك الشبهات نجى من الهلكات».

وقوله (عليه‌السلام) في حديث حمزة بن الطيار (٣) «كف واسكت انه لا يسعكم في ما ينزل بكم مما لا تعلمون إلا الكف عنه والتثبت والرد إلى أئمة الهدى (عليهم‌السلام) حتى يحملوكم فيه على القصد ويجلوا عنكم فيه العمى ويعرفوكم فيه الحق ، قال الله تعالى (فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ)» (٤).

وقوله (عليه‌السلام) (٥) «ان وضح لك أمر فاقبله وإلا فاسكت تسلم ورد علمه الى الله تعالى فإنك في أوسع ما بين السماء والأرض».

وقول الصادق (عليه‌السلام) في حديث ابى البريد المروي في الكافي (٦)

__________________

(١ و ٢ و ٣ و ٥) الوسائل الباب ١٢ من صفات القاضي وما يجوز ان يقضى به.

(٤) سورة النحل ، الآية ٤٥.

(٦) الوسائل الباب ٧ من صفات القاضي وما يجوز ان يقضى به. وفيه ـ كما في أصول الكافي باب الضلال ـ هكذا (عن هاشم صاحب البريد).

٤٢

«اما انه شر عليكم ان تقولوا بشي‌ء ما لم تسمعوه منا». الى غير ذلك من الأخبار التي يضيق عن نقلها المقام.

واما الاعتماد على الإجماع واناطة الحكم به فهو وان كان مشهورا بينهم إلا انك قد عرفت ما فيه مما كشف عن ضعف باطنه وخافية.

والتحقيق عندي في المقام هو ان يقال لا ريب أن الصلاة عبادة شرعية موظفة محدودة بالتكبير الى التسليم تحريمها التكبير وتحليلها التسليم (١). وانها عبارة عن الأفعال المخصوصة وما بينها من الانتقالات إلا أنه قد رخص الشارع في الإتيان ببعض الأفعال فيها مما هو خارج عنها ، فيجب الوقوف على مواضع الرخص لأنها جارية على خلاف الأصل ، لأنا لو خلينا وظاهر الأمر بها وانها عبارة عما ذكرنا ولم يرد شي‌ء من ما ذكرناه من الرخص لكنا نوجب الحكم ببطلانها مع الإتيان بتلك الأشياء البتة لخروجها عن الصلاة المبنية على التوقيف عن صاحب الشرع لكن لما وردت النصوص بها لم يسع الحكم بالإبطال ، وحينئذ فالواجب الاقتصار في الحكم بالصحة على موارد النصوص من تلك الأشياء ونحوها وما خرج عن ذلك سمى عرفا كثيرا أو لم يسم انمحت به صورة الصلاة أم لا فإنه يجب الحكم فيه بالإبطال وقوفا على ما ذكرناه من الأصل.

وبالجملة فإنه حيث كانت النصوص خالية من هذا الحكم وما ادعوه من الإجماع في المقام وفرعوا عليه من الأحكام فهي لا توصل عندنا الى مقام فالواجب الوقوف على مقتضى الأصل في حكم الصلاة وما يقتضيه الأمر بها وما ورد من النصوص المخصصة لذلك في هذا الباب.

فالواجب ذكر جملة من تلك النصوص الواردة في ذلك لتكون أنموذجا لا يتعداه السالك في هذه المسالك ، فمن ذلك أخبار الرعاف وقد تقدم جملة منها في مسألة الكلام.

__________________

(١) الوسائل الباب ١ من تكبيرة الإحرام و ١ من التسليم.

٤٣

ومنها ـ ما رواه الصدوق في الصحيح عن عبد الله بن المغيرة (١) انه قال : «لا بأس أن يعد الرجل صلاته بخاتمه أو بحصى يأخذ بيده فيعد به».

وما رواه الشيخ في الموثق عن يونس بن يعقوب (٢) قال : «رأيت أبا عبد الله (عليه‌السلام) يسوى الحصى في موضع سجوده بين السجدتين».

وعن عبيد الله الحلبي في الموثق عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) (٣) قال : «سألته أيمسح الرجل جبهته في الصلاة إذا لصق بها تراب؟ فقال نعم قد كان أبو جعفر (عليه‌السلام) يمسح جبهته في الصلاة إذا لصق بها التراب».

وعن إسحاق بن عمار عن رجل من بنى عجل (٤) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن المكان يكون فيه الغبار فأنفخه إذا أردت السجود؟ فقال لا بأس».

وروى الكليني والشيخ عن محمد بن مسلم عن أحدهما (عليهما‌السلام) (٥) «في الرجل يمس أنفه في الصلاة فيرى دما كيف يصنع أينصرف؟ قال إن كان يابسا فليرم به ولا بأس». وفي الكافي «دما كثيرا» (٦).

وروى الشيخ في الصحيح عن ابن ابى نصر عن ابى الوليد (٧) قال : «كنت جالسا عند ابى عبد الله (عليه‌السلام) فسأله ناجية أبو حبيب فقال له جعلني الله فداك ان لي رحى أطحن فيها فربما قمت في ساعة من الليل فاعرف من الرحى ان الغلام قد نام فاضرب الحائط لأوقظه؟ فقال نعم أنت في طاعة الله تطلب رزقه». ورواه ابن بابويه بتفاوت في المتن (٨) وفيه «فأقوم فأصلي. الى آخره».

وروى في الكافي والتهذيب في الحسن أو الصحيح عن الحلبي عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) (٩) في حديث قال : «والمرأة إذا أرادت الحاجة وهي

__________________

(١) الوسائل الباب ٢٨ من الخلل في الصلاة.

(٢ و ٣) الوسائل الباب ١٨ من السجود.

(٤) الوسائل الباب ٧ من السجود.

(٥) الوسائل الباب ٢ من قواطع الصلاة.

(٦) ليس في الكافي ج ١ ص ١٠١ كلمة «كثيرا».

(٧ و ٨ و ٩) الوسائل الباب ٩ من قواطع الصلاة.

٤٤

تصلى تصفق بيديها».

وروى في الفقيه (١) قال : «وسأله حنان بن سدير أيومئ الرجل وهو في الصلاة؟ قال نعم قد أومأ النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) في مسجد من مساجد الأنصار بمحجن كان معه. قال حنان ولا أعلمه إلا مسجد بنى عبد الأشهل».

وروى في الفقيه والتهذيب عن محمد بن بجيل أخي على بن بجيل (٢) قال : «رأيت أبا عبد الله (عليه‌السلام) يصلى فمر به رجل وهو بين السجدتين فرماه أبو عبد الله (عليه‌السلام) بحصاة فأقبل اليه الرجل».

ورؤيا أيضا عن زكريا الأعور (٣) قال «رأيت أبا الحسن (عليه‌السلام) يصلى قائما والى جنبه رجل كبير يريد أن يقوم ومعه عصا له فأراد أن يتناولها فانحط أبو الحسن (عليه‌السلام) وهو قائم في صلاته فناول الرجل العصا ثم عاد الى موضعه من الصلاة».

ورؤيا أيضا عن سعيد الأعرج (٤) قال : «قلت لأبي عبد الله (عليه‌السلام) انى أبيت وأريد الصوم فأكون في الوتر فأعطش فأكره أن اقطع الدعاء واشرب واكره أن أصبح وأنا عطشان وامامى قلة بيني وبينها خطوتان أو ثلاثة؟ قال تسعى إليها وتشرب منها حاجتك وتعود في الدعاء».

وروى في التهذيب في الموثق عن عمار الساباطي عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) (٥) قال : «لا بأس ان تحمل المرأة صبيها وهي تصلي أو ترضعه وهي تتشهد».

__________________

(١) الوسائل الباب ٩ من قواطع الصلاة.

(٢) الوسائل الباب ١٠ من قواطع الصلاة.

(٣) الوسائل الباب ١٢ من القيام. ولفظ التهذيب «ثم عاد الى صلاته» والفقيه «ثم عاد الى موضعه الى صلاته».

(٤) الوسائل الباب ٢٣ من قواطع الصلاة. واللفظ للتهذيب وهو يختلف عن لفظ الفقيه وقد نقله في الوسائل عن كل منهما مستقلا.

(٥) الوسائل الباب ٢٤ من قواطع الصلاة.

٤٥

وروى في الفقيه (١) قال : «سأل الحلبي أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن الرجل يحتك وهو في الصلاة؟ قال لا بأس».

وروى في التهذيب عن السكوني عن جعفر عن أبيه عن على (عليهم‌السلام) (٢) انه قال : «في رجل يصلى ويرى الصبي يحبو الى النار أو الشاة تدخل البيت لتفسد الشي‌ء؟ قال فلينصرف وليحرز ما يتخوف ويبنى على صلاته ما لم يتكلم».

وروى الشيخ في الحسن عن مسمع (٣) قال : «سألت أبا الحسن (عليه‌السلام) فقلت أكون أصلي فتمر بي الجارية فربما ضممتها الى؟ قال لا بأس».

وعن السكوني عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) (٤) انه قال : «في الرجل يصلى في موضع ثم يريد ان يتقدم؟ قال يكف عن القراءة في مشيه حتى يتقدم الى الموضع الذي يريد ثم يقرأ».

وما رواه في التهذيب والكافي عن عبد الرحمن بن ابى عبد الله عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) (٥) قال : «إذا دخلت المسجد والامام راكع فظننت انك ان مشيت اليه رفع رأسه من قبل ان تدركه فكبر واركع فإذا رفع رأسه فاسجد مكانك فإذا قام فالحق بالصف فان جلس فاجلس مكانك فإذا قام فالحق بالصف». قال في الفقيه (٦) «وروى انه يمشى في الصلاة يجر رجليه ولا يتخطى». وفي هذا الحكم اخبار عديدة بذلك.

وروى في الفقيه والتهذيب في الموثق عن عمار (٧) قال : «سألت أبا عبد الله

__________________

(١) الوسائل الباب ٢٨ من قواطع الصلاة.

(٢) الوسائل الباب ٢١ من قواطع الصلاة.

(٣) الوسائل الباب ٢٢ من قواطع الصلاة.

(٤) الوسائل الباب ٤٤ من مكان المصلى و ٣٤ من القراءة.

(٥ و ٦) الوسائل الباب ٤٦ من الجماعة.

(٧) الوسائل الباب ١٩ من قواطع الصلاة.

٤٦

(عليه‌السلام) عن الرجل يكون في الصلاة فيرى حية بحياله يجوز له أن يتناولها فيقتلها؟ فقال ان كان بينه وبينها خطوة واحدة فليخط وليقتلها والا فلا».

ورؤيا في الحسن عن الحسين بن ابى العلاء (١) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن الرجل يرى الحية والعقرب وهو يصلى المكتوبة؟ قال يقتلهما».

وفي الصحيح عن زرارة عن ابى جعفر (عليه‌السلام) (٢) انه قال : «في رجل يرى العقرب والأفعى والحية وهو يصلى أيقتلها؟ قال : نعم ان شاء فعل».

وروى في الكافي عن عبد الله بن سنان عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) (٣) قال : «إذا وجدت قملة وأنت تصلي فادفنها في الحصى». ومثلها رواية الحسين ابن ابى العلاء (٤).

وروى في كتاب قرب الاسناد وكتاب المسائل عن على بن جعفر عن أخيه موسى (عليه‌السلام) (٥) قال : «سألته عن الرجل يكون في صلاته فيرمى الكلب وغيره بالحجر ما عليه؟ قال ليس عليه شي‌ء ولا يقطع ذلك صلاته. وسألته عن الرجل هل يصلح له وهو في صلاته أن يقتل القملة أو النملة أو الفأرة أو الحلمة أو شبه ذلك؟ قال أما القملة فلا يصلح له ولكن يرمى بها خارجا من المسجد أو يدفنها تحت رجليه. وسألته عن رجل رعف وهو في صلاته وخلفه ماء هل يصلح له أن ينكص على عقبيه حتى يتناول الماء ويغسل الدم؟ قال إذا لم يلتفت فلا بأس. وسألته عن المرأة تكون في صلاة الفريضة وولدها الى جنبها فيبكي وهي قاعدة هل يصلح لها أن تتناوله فتقعده في حجرها وتسكته وترضعه؟ قال لا بأس».

وروى في المحاسن (٦) عن ابن أذينة عن ابى جعفر (عليه‌السلام) قال

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ١٩ من قواطع الصلاة.

(٣ و ٤) الوسائل الباب ٢٠ من قواطع الصلاة.

(٥) الوسائل الباب ١٠ و ٢٠ و ٢ و ٢٤ من قواطع الصلاة بترتيب الأسئلة في المتن وقد نقل الأول والرابع من كتابه أيضا دون الثاني والثالث ، وفي البحار ج ١٨ الصلاة ص ٢١٠ نقل الجميع من قرب الإسناد ومن كتابه.

(٦) ص ٥٩٠.

٤٧

«لدغت رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) عقرب وهو يصلى بالناس فأخذ النعل وضربها ثم قال بعد ما انصرف : لعنك الله فما تدعين برا ولا فاجرا إلا آذيته. قال ثم دعا (صلى‌الله‌عليه‌وآله) بملح جريش فذلك موضع اللذعة ثم قال لو علم الناس ما في الملح الجريش ما احتاجوا معه الى ترياق وغيره».

وروى على بن جعفر في كتاب المسائل عن أخيه موسى (عليه‌السلام) (١) قال : «سألته عن المرأة تكون في صلاتها قائمة يبكي ابنها الى جنبها هل يصلح لها ان تتناوله وتحمله وهي قائمة؟ قال لا تحمل وهي قائمة».

قال بعض مشايخنا (رضوان الله عليهم) قوله «لا تحمل وهي قائمة» يمكن أن يكون ذلك لاستلزام زيادة الركوع بناء على عدم اشتراط النية في ذلك وظاهر بعض الأصحاب اشتراطها ، ثم نقل كلام الذكرى الدال على ذلك ثم نقل رواية زكريا الأعور المتقدمة المتضمنة لهوي الامام لمناولة الشيخ عصاه (٢) ثم قال : وهذا الخبر يدل على الجواز وعلى الاشتراط المذكور ، ويمكن الجمع بينهما بحمل هذا الخبر على الفريضة أو الكراهة وخبر الأعور على النافلة أو على الجواز والأول أظهر. انتهى.

وروى ابن إدريس في مستطرفات السرائر نقلا من كتاب نوادر البزنطي في الصحيح عن الحلبي (٣) «انه سأل أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن الرجل يخطو امامه في الصلاة خطوتين أو ثلاثا؟ قال نعم لا بأس. وعن الرجل يقرب نعله بيده أو رجله في الصلاة؟ قال نعم».

وروى الشهيد في الذكرى عن البزنطي عن داود بن سرحان عن الصادق (عليه‌السلام) (٤) «في عد الآي بعقد اليد؟ قال لا بأس هو احصى للقرآن».

وروى الصدوق في الفقيه عن على بن جعفر (٥) «انه سأل أخاه موسى (عليه

__________________

(١) الوسائل الباب ٢٤ من قواطع الصلاة.

(٢) ص ٤٥.

(٣ و ٤) الوسائل الباب ٣٠ من قواطع الصلاة.

(٥) الوسائل الباب ٢٧ من قواطع الصلاة.

٤٨

السلام) عن الرجل يتحرك بعض أسنانه وهو في الصلاة هل ينزعه؟ قال ان كان لا يدميه فلينزعه وان كان يدميه فلينصرف. وعن الرجل يكون به الثالول أو الجرح هل يصلح له أن يقطع الثالول وهو في صلاته أو ينتف بعض لحمه من ذلك الجرح ويطرحه؟ قال ان لم يتخوف ان يسيل الدم فلا بأس وان تخوف ان يسيل الدم فلا يفعله. وعن الرجل يرى في ثوبه خرء الطير أو غيره هل يحكه وهو في صلاته؟ قال : لا بأس. وقال لا بأس ان يرفع الرجل طرفه الى السماء وهو يصلى».

وروى الحميري في قرب الاسناد عن عبد الله بن الحسن عن جده على بن جعفر عن أخيه موسى (عليه‌السلام) (١) قال : «سألته عن الرجل هل يصلح له ان يصلى وفي كمه شي‌ء من الطير؟ قال : ان خاف عليه ذهابا فلا بأس. وسألته عن الرجل هل يصلح له ان يستدخل الدواء ويصلى وهو معه وهل ينقض الوضوء؟ قال لا ينقض الوضوء ولا يصلى حتى يطرحه. وسألته عن الرجل هل يصلح له ان يصلى وفي فيه الخرز واللؤلؤ؟ قال إذا كان يمنعه من قراءته فلا وان كان لا يمنعه فلا بأس».

واما ما رواه المشايخ الثلاثة (عطر الله مراقدهم) في الموثق عن سماعة (٢) ـ قال : «سألته عن الرجل يكون قائما في الصلاة الفريضة فينسى كيسه أو متاعا يتخوف ضيعته أو هلاكه؟ قال يقطع صلاته ويحرز متاعه ثم يستقبل الصلاة. قلت فيكون في الصلاة الفريضة فتفلت عليه دابة أو تفلت دابته فيخاف ان تذهب أو يصيب منها عنتا؟ فقال لا بأس ان يقطع صلاته». وزاد في الفقيه (٣) «ويتحرز ويعود في صلاته».

وما رواه في الكافي والتهذيب عن حريز عن من أخبره عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) (٤) قال : «إذا كنت في صلاة الفريضة فرأيت غلاما لك قد أبق أو غريما لك عليه مال أو حية تخافها على نفسك فاقطع الصلاة واتبع الغلام

__________________

(١) الوسائل الباب ٦٠ من لباس المصلى و ٢٣ من قواطع الصلاة.

(٢ و ٣ و ٤) الوسائل الباب ٢١ من قواطع الصلاة.

٤٩

أو غريما لك واقتل الحية».

فيجب حمله على ما إذا استلزم فعل أحد المبطلات من الكلام والاستدبار ، على ان الثاني منهما مطلق فيجوز حمله على ما تقدم من الأخبار.

أقول : ومن هذه الأخبار يستفاد ان ما كان من الأفعال مثل ما اشتملت عليه نوعا أو شخصا فلا بأس به وما زاد على ذلك وخرج عنه فهو محل الإشكال وان لم يسم كثيرا عرفا. هذا هو القدر الذي يمكن القول به في المقام.

ثم ان المشهور بينهم ان إبطال الفعل الكثير مخصوص بصورة العمد كما صرح بذلك جمع منهم ونسبه في التذكرة إلى علمائنا مؤذنا بدعوى الإجماع عليه. وقال الشهيد الثاني : لو استلزم الفعل الكثير ناسيا انمحاء صورة الصلاة رأسا توجه البطلان ايضا لكن الأصحاب أطلقوا الحكم بعدم البطلان. انتهى. وجزم سبطه في المدارك بالبطلان هنا حيث قال : ولم أقف على رواية تدل بمنطوقها على بطلان الصلاة بالفعل الكثير لكن ينبغي ان يراد به ما تنمحي به صورة الصلاة بالكلية كما هو ظاهر اختيار المصنف في المعتبر اقتصارا في ما خالف الأصل على موضع الوفاق وان لا يفرق في بطلان الصلاة بين العمد والسهو. انتهى.

(السادس) ـ تعمد البكاء للأمور الدنيوية من ذهاب مال أو فوت عزيز وان وقع بغير اختيار إلا انه لا يأثم به ، وهذا الحكم ذكره الشيخ ومن تأخر عنه وظاهر عدم الخلاف فيه.

واستدلوا عليه بأنه فعل خارج عن حقيقة الصلاة فيكون قاطعا لها كالكلام ، وما رواه الشيخ عن أبي حنيفة (١) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن البكاء في الصلاة أيقطع الصلاة؟ قال ان بكى لذكر جنة أو نار فذلك هو أفضل الأعمال في الصلاة وان كان ذكر ميتا له فصلاته فاسدة».

ورد الأول في المدارك بأنه قياس والثاني بضعف السند لاشتماله على عدة من

__________________

(١) الوسائل الباب ٥ من قواطع الصلاة.

٥٠

الضعفاء ، قال فيشكل الاستناد إليها في إثبات حكم مخالف للأصل ثم نقل عن شيخه المعاصر التوقف في الحكم ، قال وهو في محله.

أقول : يمكن الجواب بناء على الاصطلاح المحدث في تقسيم الأخبار بجبر الخبر بالشهرة بين الأصحاب لما عرفت من اتفاقهم على الحكم المذكور والأمران اصطلاحيان

وقال في الفقيه (١) : وروى ان البكاء على الميت يقطع الصلاة والبكاء لذكر الجنة والنار من أفضل الأعمال في الصلاة.

وقال شيخنا في الروض : واعلم ان البكاء المبطل للصلاة هو المشتمل على الصوت لا مجرد خروج الدمع مع احتمال الاكتفاء به في البطلان ، ووجه الاحتمالين اختلاف معنى البكاء لغة مقصورا وممدودا والشك في إرادة أيهما من الأخبار قال : الجوهري البكاء يمد ويقصر فإذا مددت أردت الصوت الذي يكون مع البكاء وإذا قصرت أردت الدموع وخروجها ، قال الشاعر :

بكت عيني وحق لها بكاها

ولا يجدى البكاء ولا العويل

. انتهى أقول : لا يخفى أن الموجود في النص الذي هو مستند هذا الحكم إنما هو بالفعل الشامل للأمرين دون المصدر الذي هو مظهر لكل من المعنيين المذكورين وحينئذ فما اشتهر بين الأصحاب من تخصيص الإبطال بما إذا اشتمل على الصوت دون مجرد خروج الدمع لا أعرف له وجها. وربما أيده بعضهم باستصحاب حكم الصحة في الصلاة والمتيقن هو الإبطال بما اشتمل على الصوت. وهو ضعيف.

واما ما ذكره في الذخيرة ـ من ان الظاهر من كلام الأصحاب (رضوان الله عليهم) إرادة الأعم ـ لعله مبنى على إطلاق بعضهم الكلام في البكاء وإلا فظاهر كلام شيخنا الشهيد الثاني المذكور ظاهر في اختياره التخصيص بالمشتمل على الصوت وإنما جعل الآخر احتمالا.

وقال سبطه في المدارك : وينبغي ان يراد بالبكاء ما كان فيه انتحاب وصوت

__________________

(١) الوسائل الباب ٥ من قواطع الصلاة.

٥١

لا مجرد خروج الدمع اقتصارا على موضع الوفاق ان تم. انتهى. وبعضهم علله بما قدمنا ذكره.

ثم ان ظاهر كلام الأصحاب (رضوان الله عليهم) من حيث تعليقهم الإبطال بالأمور الدنيوية الذي هو أعم من ان يكون لفوتها أو لطلبها هو حصول الإبطال بالبكاء لطلب ولد أو مال أو شفاء مريض أو نحو ذلك ، وهو مشكل لأنه مأمور به ومندوب إليه في الأخبار ، مع ان ظاهر الخبر الذي هو مستند هذا الحكم إنما هو فواتها لا طلبها. وحينئذ فالظاهر انه لا تبطل بالبكاء لطلبها. ولا يعارض ذلك بمفهوم صدر الخبر لدلالته على انه ما لم يكن من الأمور الأخروية يكون مبطلا ، لأنا نقول مفهوم صدر الخبر انه ما لم يكن كذلك ليس أفضل الأعمال وعدم كونه أفضل الأعمال لا يوجب البطلان.

هذا. واما ما يدل من الأخبار على عدم الإبطال بالبكاء للأمور الأخروية ـ من الشوق إلى الجنة أو الخوف من العذاب أو الندامة على الذنوب بل هو من أفضل الأعمال عند ذي الجلال كما استفاضت به اخبار الآل (صلوات الله وسلامه عليهم ما ترادفت الأيام والليالي) وعضدته الآيات الواردة في الكتاب العزيز كقوله عزوجل «إِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُ الرَّحْمنِ خَرُّوا سُجَّداً وَبُكِيًّا» (١) ـ

فمنها ـ ما صح عن النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) (٢) «انه قال لعلى (عليه‌السلام) في جملة وصيته له : والرابعة كثرة البكاء لله يبنى لك بكل دمعة ألف بيت في الجنة».

وما رواه الصدوق (قدس‌سره) عن منصور بن يونس بزرج (٣) «انه سأل الصادق (عليه‌السلام) عن الرجل يتباكى في الصلاة المفروضة حتى يبكي؟ قال قرة عين والله. وقال إذا كان ذلك فاذكرني عنده».

__________________

(١) سورة مريم الآية ٥٩.

(٢) البحار ج ١٩ باب فضل البكاء وذم جمود العين.

(٣) الوسائل الباب ٥ من قواطع الصلاة.

٥٢

وما رواه الشيخ (عطر الله مرقده) عن سعيد بياع السابري (١) قال : «قلت لأبي عبد الله (عليه‌السلام) أيتباكى الرجل في الصلاة؟ فقال بخ بخ ولو مثل رأس الذباب».

وما رواه ثقة الإسلام (نور الله ضريحه) عن محمد بن مروان عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) (٢) قال : «ما من شي‌ء إلا وله كيل ووزن إلا الدموع فإن القطرة تطفئ بحارا من نار فإذا أغر ورقت العين بمائها لم يرهق وجهها قتر ولا ذلة فإذا فاضت حرمه الله على النار ، ولو ان باكيا بكى في أمة لرحموا».

وعن محمد بن مروان عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) (٣) قال : «ما من عين إلا وهي باكية يوم القيامة إلا عين بكت من خوف الله ، وما أغر ورقت عين بمائها من خشية الله (عزوجل) إلا حرم الله عزوجل سائر جسده على النار ولا فاضت على خده فرهق ذلك الوجه قتر ولا ذلة ، وما من شي‌ء إلا وله كيل ووزن إلا الدمعة فإن الله عزوجل يطفئ باليسير منها البحار من النار فلو ان عبدا بكى في أمة لرحم الله تلك الأمة ببكاء ذلك العبد».

وعن أبي حمزة عن ابى جعفر (عليه‌السلام) (٤) قال : «ما من قطرة أحب الى الله عزوجل من قطرة دموع في سواد الليل مخافة من الله لا يراد بها غيره».

وفي الحسن عن صالح بن رزين ومحمد بن مروان وغيرهما عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) (٥) قال : «كل عين باكية يوم القيامة إلا ثلاثة : عين غضت عن محارم الله وعين سهرت في طاعة الله وعين بكت في جوف الليل من خشية الله».

وعن ابن ابى عمير في الصحيح أو الحسن عن رجل من أصحابه (٦) قال : «قال أبو عبد الله (عليه‌السلام) اوحى الله عزوجل الى موسى ان عبادي لم يتقربوا إلي بشي‌ء أحب الى من ثلاث خصال. قال موسى (عليه‌السلام) يا رب وما هن؟ قال

__________________

(١) الوسائل الباب ٥ من قواطع الصلاة.

(٢ و ٣ و ٤ و ٥ و ٦) الوسائل الباب ١٥ من جهاد النفس.

٥٣

يا موسى الزهد في الدنيا والورع عن المعاصي والبكاء من خشيتي. قال موسى يا رب فما لمن صنع ذا؟ فأوحى الله عزوجل اليه يا موسى اما الزاهدون في الدنيا ففي الجنة واما البكاءون من خشيتي ففي الرفيع الأعلى لا يشاركهم أحد واما الورعون عن المعاصي فإني أفتش الناس ولا أفتشهم».

وعن على بن أبي حمزة (١) قال : «قال أبو عبد الله (عليه‌السلام) لأبي بصير ان خفت امرا يكون أو حاجة تريدها فابدأ بالله فمجده وأثن عليه كما هو اهله وصل على النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) واسأل حاجتك وتباك ولو مثل رأس الذباب ، ان ابى كان يقول ان أقرب ما يكون العبد من الرب وهو ساجد باك».

(السابع) ـ تعمد الأكل والشرب إلا في الوتر لصائم أصابه عطش على المشهور وأصل الحكم المذكور ذكره الشيخ في الخلاف والمبسوط وادعى عليه الإجماع وتبعه عليه أكثر من تأخر عنه ، ومنعه المحقق في المعتبر وطالبه بالدليل على ذلك. وهو جيد فانا لم نقف على ما يدل عليه من الأخبار ، والى هذا مال جملة من أفاضل المتأخرين ومتأخريهم.

قال في الذكرى : أما الأكل والشرب فالظاهر انهما لا يبطلان بمسماهما بل بالكثرة فلو ازدرد ما بين أسنانه لم يبطل اما لو مضغ لقمة وابتلعها أو تناول قلة فشرب منها فان كثر ذلك عادة أبطل وان كان لقمة أو شربة فقد قال في التذكرة يبطل لان تناول المأكول ومضغه وابتلاعه أفعال معدودة. انتهى.

وقال في المنتهى : لو ترك في فيه شيئا يذوب كالسكر فذاب فابتلعه لم تفسد صلاته عندنا وعند الجمهور تفسد (٢) لانه يسمى أكلا. أما لو بقي بين أسنانه شي‌ء من بقايا الغذاء فابتلعه في الصلاة لم تفسد صلاته قولا واحدا لانه لا يمكن التحرز عنه ، وكذا لو كان في فيه لقمة ولم يبلعها إلا في الصلاة لأنه فعل قليل. انتهى.

اما لو وضع في فيه لقمة حال الصلاة ومضغها وابتلعها أو تناول قلة وشرب

__________________

(١) الوسائل الباب ٢٩ من الدعاء.

(٢) المغني ج ٢ ص ٦٢.

٥٤

منها فقد صرح العلامة في النهاية والتذكرة على ما نقل عنهما بأنه مبطل أيضا لأن التناول والمضغ والابتلاع أفعال كثيرة وكذا المشروب. وهذا القول جار على مذهب الشيخ المتقدم.

وبالجملة فإن من نازع في أصل الحكم إنما بنى فيه على حصول الكثرة وعدمها فجعل الإبطال وعدمه دائرا مدار الكثرة وعدمها وإلا فالأكل والشرب من حيث هما غير مبطلين وهو الأظهر في المسألة ، لنا ـ ان مجرد الأكل والشرب من قبيل الأفعال التي تقدم في الأخبار تعدادها وما اشتملت عليه تلك الأخبار من الافراد المعدودة فيها إنما خرج مخرج التمثيل فتكون هي وما شابهها كذلك ، وما زاد عليها يكون مبطلا لخروجه من الأخبار المذكورة وان علله الأصحاب بالكثرة التي عدوها من القواطع فالنزاع لفظي.

وكيف كان فإنه لا خلاف في استثناء الصورة المتقدمة بالشروط الواردة في الخبر الذي هو مستند الحكم المذكور وهو خبر سعيد الأعرج المتقدم (١) في جملة أخبار ما يجوز فعله في الصلاة.

وهل يعدى الحكم إلى النافلة مطلقا؟ صرح الشيخ بذلك والمشهور خلافه ، قال في المعتبر : قال في المبسوط والخلاف لا بأس بشرب الماء في صلاة النافلة لأن الأصل الإباحة وإنما منعناه في الفريضة بالإجماع ، وقال الشافعي لا يجوز في نافلة ولا في فريضة (٢). ثم استدل برواية سعيد الأعرج ثم ساق الرواية. ثم قال في المعتبر : وقوله «منعناه في الفريضة بالإجماع» لا نعلم اى إجماع أشار اليه والرواية المذكورة غير دالة على دعواه لأنه ادعى الجواز في النافلة مطلقا والرواية تدل على الوتر خاصة بالقيود التي تضمنها الحديث وهي إرادة الصوم وخوف العطش وكونه في دعاء الوتر ، ولا يلزم من جواز الشرب على هذا التقدير جوازه في النافلة

__________________

(١) ص ٤٥.

(٢) الإقناع للخطيب الشربينى الشافعي ج ١ ص ١٢٣ والفقه على المذاهب الأربعة ج ١ ص ٢٥٤ فقد ذكرا ما يقتضي ذلك بإطلاقه.

٥٥

مطلقا. انتهى. وهو جيد.

أقول : وبعضهم لذلك تخطى عن عموم الوتر كما هو ظاهر المشهور الى تخصيص الجواز بدعائه كما هو مورد الرواية ولا ريب انه الأحوط.

وأنت خبير بان هذا الاستثناء إنما يصح بناء على قول الشيخ واتباعه من الإبطال بمسمى الأكل والشرب أو بناء على ان الشرب فعل كثير فيقتصر حينئذ على موضع النص والا فلا استثناء ولا قصر كما هو الأظهر وهو اختياره في المدارك ايضا

المقام الثالث ـ في ما يكون الأفضل تركه وان لم يقطعها وبعبارة أخرى ما يكره فيها :

ومنها ـ الالتفات يمينا وشمالا عند الأصحاب وذهب بعضهم إلى انه محرم مبطل وقد تقدم تحقيق القول في ذلك قريبا.

ومنها ـ العقص للرجل ، قال في القاموس عقص شعره ضفره وفتله. والقول بالكراهة هو المشهور بين المتأخرين وذهب اليه سلار وأبو الصلاح وابن إدريس وجمهور المتأخرين ، وهو ظاهر عبارة الشيخ المفيد حيث قال : لا ينبغي للرجل إذا كان له شعر ان يصلى وهو معقوص حتى يحله وقد روى رخصة في ذلك للنساء. وقال الشيخ في التهذيب والمبسوط والخلاف إذا صلى الرجل وهو معقوص الشعر عامدا بطلت صلاته.

واستدل عليه في الخلاف بالإجماع وبما رواه في التهذيب عن مصادف عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) (١) «في رجل صلى صلاة فريضة وهو معقوص الشعر؟ قال يعيد صلاته».

وأجاب المتأخرون عن الإجماع بعدم ثبوته وهو جيد ، وعن الرواية بضعف السند.

__________________

(١) الوسائل الباب ٣٦ من لباس المصلى. والرواية للكليني كما في الفروع ج ١ ص ١١٣ ورواها الشيخ عنه في التهذيب ج ١ ص ٢٠٢.

٥٦

وفيه أولا ـ ما عرفت في غير موضع مما تقدم من أن الطعن بضعف السند لا يقوم حجة على المتقدمين الذين لا أثر لهذا الاصطلاح عندهم بل ولا على من لا يرى العمل به. وبالجملة فإن رد الخبر من غير معارض مشكل ومن ثم مال المحدث الشيخ محمد ابن الحسن الحر العاملي في كتاب الوسائل إلى تحريمه وإبطال الصلاة به.

وروى في كتاب دعائم الإسلام عن على (عليه‌السلام) (١) انه قال : «نهاني رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) عن اربع : عن تقليب الحصى في الصلاة وان أصلي وانا عاقص رأسي من خلفي ، وان احتجم وانا صائم ، وان أخص يوم الجمعة بالصوم».

وظاهر هذه الرواية الكراهة كما هو المشهور. ونفى البعد شيخنا المجلسي (قدس‌سره) عن حمل رواية مصادف على التقية (٢).

وكيف كان فالحكم مختص بالرجال واما النساء فلا كراهة فيهن إجماعا.

ثم ان جملة من الأصحاب (رضوان الله عليهم) صرحوا بأنه على تقدير التحريم لا يلزم البطلان ، وعللوه بأن النهي عن أمر خارج عن العبادة فلا يستلزم بطلانها. ولا يخفى ما في هذا الكلام من الغفلة عن النص المذكور حيث انه قد اشتمل على الإعادة الصريحة في البطلان وليس في الباب غيره وليس ههنا نص يتضمن النهى حتى يتجه ما ذكروه من التقريب. والله العالم.

ومنها ـ التثاؤب والتمطي وفرقعة الأصابع والعبث بلحيته أو غيرها ونفخ موضع سجوده والتنخم والبصاق ونحو ذلك.

والمستند في هذه الأشياء ونحوها عدة اخبار : منها ـ ما ورد في صحيح زرارة عن ابى جعفر (عليه‌السلام) (٣) قال : «إذا قمت في الصلاة فعليك بالإقبال على صلاتك فإنما يحسب لك منها ما أقبلت عليه ، ولا تعبث فيها بيدك ولا برأسك ولا

__________________

(١) مستدرك الوسائل الباب ٢٧ من لباس المصلى.

(٢) في البحر الرائق ج ٢ ص ٢٣ استظهر التحريم للنهى بلا صارف.

(٣) الوسائل الباب ١ من أفعال الصلاة.

٥٧

بلحيتك ولا تحدث نفسك ولا تتثأب ولا تتمط ولا تكفر فإنما يفعل ذلك المجوس ولا تلثم ولا تحتفز ولا تفرج كما يتفرج البعير ولا تقع على قدميك ولا تفترش ذراعيك ولا تفرقع أصابعك ، فإن ذلك كله نقصان من الصلاة ، ولا تقم إلى الصلاة متكاسلا ولا متناعسا ولا متثاقلا ، فإنها من خلال النفاق فان الله تعالى نهى المؤمنين أن يقوموا إلى الصلاة وهم سكارى (١) يعنى سكر النوم ، وقال للمنافقين (وَإِذا قامُوا إِلَى الصَّلاةِ قامُوا كُسالى يُراؤُنَ النّاسَ وَلا يَذْكُرُونَ اللهَ إِلّا قَلِيلاً)» (٢).

بيان : قال في النهاية : فيه «التثاؤب من الشيطان» التثاؤب معروف وهو مصدر تثاءب والاسم الثؤباء ، وإنما جعله من الشيطان كراهية له لأنه إنما يكون مع ثقل البدن وامتلائه واسترخائه وميله الى الكسل والنوم ، واضافه الى الشيطان لأنه الذي يدعو إلى إعطاء النفس شهوتها. وأراد به التحذير من السبب الذي يتولد منه وهو التوسع في المطعم والشبع فيثقل عن الطاعات ويكسل عن الخيرات. انتهى. والتمطي معروف وقيل أصله من التمطط وهو التمدد.

قال في المنتهى : يكره التثاؤب في الصلاة لأنه استراحة في الصلاة ومغير لهيئتها المشروعة وكذا يكره التمطي ايضا لهذه العلة ، ويؤيده ذلك ما رواه الشيخ في الحسن عن الحلبي عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) (٣) قال : «سألته عن الرجل يتثأب في الصلاة ويتمطى؟ قال هو من الشيطان ولن يملكه». ثم قال : وفي ذلك دلالة على رجحان الترك مع الإمكان. انتهى.

واما التكفير فقد تقدم الكلام فيه وكذا في اللثام. واما الاحتفاز فقال في النهاية : الحفز الحث والإعجال ، ومنه حديث أبي بكرة «انه دب الى الصف راكعا وقد حفزه النفس». ومنه الحديث «انه (عليه‌السلام) اتى بتمر فجعل يقسمه وهو محتفز». اى مستعجل مستوفز يريد القيام ، ومنه حديث على (عليه‌السلام) (٤)

__________________

(١) سورة النساء الآية ٤٦.

(٢) سورة النساء الآية ١٤١.

(٣) الوسائل الباب ١١ من قواطع الصلاة.

(٤) الوسائل الباب ٣ من السجود.

٥٨

«إذا صلت المرأة فلتحتفز إذا جلست وإذا سجدت ولا تخوى كما يتخوى الرجل اى تتضام وتجتمع». انتهى. وقال في المجمع : في حديث المصلى لا تلثم ولا تحتفز اى لا تتضام في سجودك بل تتخوى كما يتخوى البعير الضامر وهذا عكس المرأة فإنها تحتفز في سجودها ولا تتخوى. انتهى.

أقول : وقد علم من ذلك ان هذا اللفظ محتمل لمعنيين : (أحدهما) الجلوس غير متمكن ولا متورك بل يجلس مقعيا كالمريد للقيام سريعا. و (الثاني) بمعنى التضام في السجود اى لا تتضام في حال سجودك ، وفي بعض النسخ «ولا تحتقن» والمراد به مدافعة الأخبثين.

وروى في الكافي عن احمد بن محمد بن عيسى رفعه عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) (١) قال : «إذا قمت في الصلاة فلا تعبث بلحيتك ولا برأسك ولا تعبث بالحصى وأنت تصلي إلا أن تسوى حيث تسجد فلا بأس».

وروى الشيخ في التهذيب عن ابى بصير (٢) قال : «قال أبو عبد الله (عليه‌السلام) إذا قمت في الصلاة فاعلم أنك بين يدي الله تعالى فان كنت لا تراه فاعلم انه يراك فاقبل قبل صلاتك ولا تمتخط ولا تبزق ولا تنقض أصابعك ولا تورك فان قوما قد عذبوا بنقض الأصابع والتورك في الصلاة. الحديث».

أقول : ان نقض الأصابع بالقاف بعد النون ثم الضاد المعجمة ، قال في القاموس : انقض أصابعه ضرب بها لتصوت. وقال في مجمع البحرين : وانقاض الأصابع تصويتها وفرقعتها وانقض أصابعه ضرب بها لتصوت ، ومنه الحديث «لا ينقض الرجل أصابعه في الصلاة» انتهى. والتورك قسمان : منه ما هو سنة وهو ما تقدم في بحث السجود والتشهد ، ومكروه وهو ان يضع يديه على وركيه في الصلاة وهو قائم ، وهو المراد في الخبر ، قال الصدوق في الفقيه (٣) : ولا

__________________

(١) الوسائل الباب ١٢ من قواطع الصلاة.

(٢) الوسائل الباب ١ من قواطع الصلاة.

(٣) ج ١ ص ١٩٨.

٥٩

تتورك فان الله عزوجل قد عذب قوما على التورك كان أحدهم يضع يديه على وركيه من ملالة الصلاة.

وروى البزنطي في جامعه بإسناده عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) (١) قال : «إذا قمت في صلاتك فاخشع فيها ولا تحدث نفسك ان قدرت على ذلك واخضع برقبتك ولا تلتفت فيها ولا يجز طرفك موضع سجودك وصف قدميك وارخ يديك ولا تكفر ولا تورك».

قال البزنطي (رحمه‌الله) فإنه بلغني عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) ان قوما عذبوا لأنهم كانوا يتوركون تضجرا بالصلاة. انتهى. قال الجزري في النهاية : فيه «كره ان يسجد الرجل متوركا» هو ان يرفع وركيه إذا سجد حتى يفحش في ذلك. وقيل هو ان يلصق ألييه بعقبيه في السجود. وقال الأزهري : التورك في الصلاة ضربان سنة ومكروه ، اما السنة فان ينحي رجليه في التشهد الأخير ويلصق مقعدته بالأرض ، وهو من وضع الورك عليها والورك ما فوق الفخذ وهي مؤنثة ، واما المكروه فان يضع يديه على وركيه في الصلاة وهو قائم وقد نهى عنه. انتهى كلام النهاية.

وقال العلامة في المنتهى : يكره التورك في الصلاة وهو أن يعتمد بيديه على وركيه وهو التخصر روى الجمهور عن أبي هريرة (٢) «ان النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) نهى عن التخصر في الصلاة». ومن طريق الخاصة ما رواه ابى بصير ، ثم ساق الرواية المتقدمة.

والشهيد (قدس‌سره) في النفلية فسر التورك بالاعتماد على احدى الرجلين تارة وعلى الأخرى أخرى والتخصر بقبض خصره بيده ، وحكم بكراهتهما معا.

وروى في الكافي عن الحسن بن ابى الحسين الفارسي عن من حدثه عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) (٣) قال : «قال رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) ان

__________________

(١) مستدرك الوسائل الباب ١ من أفعال الصلاة عن البحار ج ١٨ الصلاة ص ١٩١ ومجموعة الشهيد.

(٢) صحيح البخاري باب الخصر في الصلاة.

(٣) الوسائل الباب ١٢ من قواطع الصلاة.

٦٠