الحدائق الناضرة - ج ٩

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]

الحدائق الناضرة - ج ٩

المؤلف:

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]


المحقق: محمّد تقي الإيرواني
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٥٩

في الصلاة فيريدان شيئا أيجوز لهما أن يقولا «سبحان الله»؟ قال نعم ويومئان الى ما يريدان ، والمرأة إذا أرادت شيئا ضربت على فخذها وهي في الصلاة».

وما رواه الشيخ في الصحيح عن على بن جعفر عن أخيه (عليه‌السلام) (١) قال : «سألته عن رجل يكون في صلاته والى جانبه رجل راقد فيريد أن يوقظه فيسبح ويرفع صوته لا يريد إلا ليستيقظ الرجل أيقطع ذلك صلاته أو ما عليه؟ قال لا يقطع ذلك صلاته ولا شي‌ء عليه. وسألته عن الرجل يكون في صلاته فيستأذن انسان على الباب فيسبح ويرفع صوته ويسمع جاريته فتأتيه فيريها بيده ان على الباب إنسانا هل يقطع ذلك صلاته وما عليه؟ قال لا بأس لا يقطع ذلك صلاته».

وروى ان عليا (عليه‌السلام) (٢) قال : «كانت لي ساعة أدخل فيها على رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) فان كان في الصلاة سبح وذلك اذنه وان كان في غير الصلاة اذن».

والروايات الدالة على استحباب الدعاء في الصلاة لنفسه ولإخوانه أكثر من ان يحيط بها المقام.

واما جواز قراءة القرآن في الصلاة فلا يحضرني من الأخبار إلا صحيحة معاوية بن وهب (٣) الدالة على قراءة أمير المؤمنين (عليه‌السلام) في جواب ابن الكواء لما قرأ «وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ» (٤) فأنصت أمير المؤمنين (عليه‌السلام) الى ان كان

__________________

(١) الوسائل الباب ٩ من قواطع الصلاة. والسؤال الأول من الحديث ليس للشيخ وانما هو رواية قرب الاسناد وكتاب على بن جعفر راجع رقم ٦ و ٩ من الباب المذكور من الوسائل والوافي باب (ارادة الحاجة) والتهذيب ج ١ ص ٢٣٠.

(٢) مستدرك الوسائل الباب ٩ من قواطع الصلاة بأدنى اختلاف في اللفظ.

(٣) الوسائل الباب ٣٤ من الجماعة.

(٤) سورة الزمر الآية ٦٥.

٢١

في الثالثة فقرأ أمير المؤمنين (عليه‌السلام) في جوابه «فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ وَلا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لا يُوقِنُونَ» (١).

وذكر بعض الأصحاب انه يجوز التنبيه بتلاوة القرآن كما لو أراد الإذن لقوم بقوله «ادْخُلُوها بِسَلامٍ آمِنِينَ» (٢) أو لمن أراد التخطي على البساط بنعله «فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوادِ الْمُقَدَّسِ طُوىً» (٣) أو أراد إعطاء كتاب من اسمه يحيى «يا يَحْيى خُذِ الْكِتابَ بِقُوَّةٍ» (٤).

أقول : والظاهر ان من هذا القبيل ما رواه في الكافي والتهذيب في الموثق عن عبيد بن زرارة (٥) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن ذكر السورة من الكتاب ندعو بها في الصلاة مثل «قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ» فقال إذا كنت تدعو بها فلا بأس». فإن الظاهر ان المراد من الدعاء بها إنما هو بمعنى الطلب بمعنى يطلب بها الغير كما انه يطلب بالتسبيح كما تقدم. وبعض الأصحاب حمل الدعاء بها في الخبر على القنوت بالقرآن في الصلاة وجعله من قبيل التسبيح الذي ورد الاجتزاء به في القنوت. وبعض حمله على الدعاء وانه لا يشترط فيه الطلب بمعنى انه لا يشترط فيه أن يكون متضمنا للطلب. وقال في الوافي : لعل مراد السائل الرخصة في الإتيان بقراءة القرآن في غير محلها على وجه الدعاء والتمجيد طلبا لمعناها لا على وجه التلاوة. انتهى. والكل تكلف محض بل الظاهر ما ذكرناه فإنه معنى صحيح لا يحتاج الى تكلف.

وبما ذكرناه من الأخبار يعلم انه لو لم يقصد بالتسبيح أو القرآن سوى التفهيم فالظاهر صحة صلاته ، ونقل عن العلامة في النهاية احتمال البطلان.

ولو اتى بمفردات القرآن على غير الترتيب الذي هي عليه كان يقول «بسلام ادخلوها» فالظاهر ـ كما استظهره بعض الأصحاب ـ البطلان لانه ليس بقرآن فيكون كلاما أجنبيا.

__________________

(١) سورة الروم ، الآية ٥٩.

(٢) سورة الحجر ، الآية ٤٦.

(٣) سورة طه ، الآية ١٢.

(٤) سورة مريم الآية ١٣.

(٥) الوسائل الباب ٩ من القراءة.

٢٢

وقد صرح غير واحد بأن إشارة الأخرس ليست بكلام. وفيه وجه ضعيف بالبطلان.

(السادسة) المشهور انه لا تبطل الصلاة بالكلام سهوا بل نفى عنه الخلاف جمع من الأصحاب : منهم ـ الفاضلان وغيرهما.

ويدل عليه ما رواه الكليني والشيخ في الصحيح عن عبد الرحمن بن الحجاج (١) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن الرجل يتكلم ناسيا في الصلاة يقول «أقيموا صفوفكم» قال يتم صلاته ثم يسجد سجدتين. فقلت سجدتا السهو قبل التسليم هما أو بعده؟ قال بعده».

وما رواه الشيخ في الصحيح عن زرارة عن ابى جعفر (عليه‌السلام) (٢) «في الرجل يسهو في الركعتين ويتكلم؟ قال يتم ما بقي من صلاته تكلم أو لم يتكلم ولا شي‌ء عليه».

وقد تقدم (٣) في صحيحة الفضيل بن يسار «فان تكلمت في الصلاة ناسيا فلا شي‌ء عليك».

وروى في الفقيه بإسناده عن عقبة (٤) «انه سأل أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن رجل دعاه رجل وهو يصلى فسها فأجابه بحاجته كيف يصنع؟ قال يمضى على صلاته».

أقول : وفي حكمه ما لو ظن الفراغ من الصلاة فتكلم على الأشهر الأظهر وذهب الشيخ في النهاية إلى البطلان.

لنا ـ ما رواه الشيخ في الصحيح عن محمد بن مسلم (٥) «في رجل صلى ركعتين من المكتوبة فسلم وهو يرى انه قد أتم الصلاة وقد تكلم ثم ذكر انه لم يصل غير ركعتين؟ فقال يتم ما بقي من صلاته ولا شي‌ء عليه».

__________________

(١) الوسائل الباب ٤ و ٥ من الخلل في الصلاة.

(٢ و ٥) الوسائل الباب ٣ من الخلل في الصلاة.

(٣) الوسائل الباب ٢٥ من قواطع الصلاة.

(٤) الوسائل الباب ٢٥ من قواطع الصلاة.

٢٣

وعن زرارة في الصحيح عن ابى جعفر (عليه‌السلام) (١) «في الرجل يسهو في الركعتين ويتكلم؟ قال يتم ما بقي من صلاته تكلم أو لم يتكلم ولا شي‌ء عليه».

وعن زيد الشحام (٢) قال : «سألته عن الرجل. ثم ساق الخبر الى ان قال (عليه‌السلام) وان هو استيقن انه صلى ركعتين أو ثلاثا ثم انصرف فتكلم فلم يعلم انه لم يتم الصلاة فإنما عليه أن يتم الصلاة ما بقي منها فإن نبي الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) صلى بالناس ركعتين ثم نسي حتى انصرف فقال له ذو الشمالين يا رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) أحدث في الصلاة شي‌ء؟ فقال ايها الناس أصدق ذو الشمالين؟ فقالوا نعم لم تصل إلا ركعتين. فقام فأتم ما بقي من صلاته». ونحوه صحيحة سعيد الأعرج المتضمنة حكاية سهوه (صلى‌الله‌عليه‌وآله) (٣).

وما رواه الصدوق والشيخ في الصحيح عن على بن النعمان الرازي (٤) قال : «كنت مع أصحاب لي في سفر وانا إمامهم فصليت بهم المغرب فسلمت في الركعتين الأولتين فقال أصحابي إنما صليت بنا ركعتين فكلمتهم وكلموني فقالوا أما نحن فنعيد فقلت لكني لا أعيد وأتم بركعة فأتممت بركعة ثم سرنا فأتيت أبا عبد الله (عليه‌السلام) فذكرت له الذي كان من أمرنا فقال لي أنت كنت أصوب منهم فعلا إنما يعيد الصلاة من لا يدرى ما صلى» ،.

أقول : الظاهر ان تصويبه (عليه‌السلام) للإمام دونهم إنما هو بالنسبة إلى أصل الحكم في المسألة بمعنى انه من سلم ساهيا على ركعتين فان حكمه الإتمام ما لم يأت بمناف من خارج دون الإعادة من رأس وإلا فان اعادة المأمومين في الصورة المذكورة في محلها لأنهم على يقين من عدم تمام الصلاة وقد تكلموا في أثنائها عمدا بقولهم للإمام «إنما صليت بنا ركعتين» فالإعادة في محلها لذلك ، واما الإمام ففي بنائه على ما فعل أيضا إشكال لأنه بعد العلم بما أخبروه قال : «لكني لا أعيد وأتم بركعة» وهذا كلام أجنبي قد وقع في أثناء الصلاة أيضا وهو موجب لإعادتها ، اللهم

__________________

(١ و ٢ و ٣ و ٤) الوسائل الباب ٣ من الخلل في الصلاة.

٢٤

إلا ان يراد به انه قال ذلك في نفسه من غير ان يتكلم بذلك. ونقل عن الشيخ انه حمل الخبر على جهل المسألة وقال بان الجاهل هنا في حكم الناسي. والشهيد في الذكرى حمل القول الأخير على مثل حديث النفس. وفيه انه لا يتم في المأمومين لأنهم تكلموا أو لا عالمين بكونهم في الصلاة. ثم الظاهر ان المراد بأفعل التفضيل في قوله «أنت كنت أصوب منهم» إنما هو بمعنى أصل الفعل كما هو شائع الاستعمال لا بمعنى كون فعلهم ايضا صوابا فيدل على جواز الأمرين والتخيير بينهما كما توهمه بعض متأخري المحدثين.

وأما ما ذهب اليه الشيخ هنا من البطلان فلا أعرف له دليلا إلا ان كان دخوله تحت إطلاق أخبار الكلام في الصلاة متعمدا وشمولها له. وفيه أن المتبادر من تلك الأخبار ان التعمد المبطل انما هو من علم انه في الصلاة وتكلم متعمدا بمعنى انه تعمد الكلام في الصلاة وأما من ظن أنه أتم وان تعمد الكلام إلا انه بنى على خروجه من الصلاة وان لم يكن كذلك في الواقع فهو لم يتعمد الكلام في الصلاة ليلزم منه بطلان صلاته.

(السابعة) ـ قال في المنتهى : لو تكلم مكرها ففي الإبطال به تردد ينشأ من كون النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) جمع بينه وبين الناسي في العفو (١) والأقرب البطلان لأنه تكلم عامدا بما ليس من الصلاة ، والإكراه لا يخرج الفعل عن التعمد. انتهى.

وقال في الذكرى : لو تكلم مكرها ففي الإبطال وجهان : نعم لصدق تعمد الكلام ، ولا لعموم «وما استكرهوا عليه» (٢). نعم لا يأثم قطعا. وقال في التذكرة يبطل لانه مناف للصلاة فاستوى فيه الاختيار وعدمه كالحدث. وهو قياس مع الفارق فان نسيان الحدث مبطل لا الكلام ناسيا قطعا. انتهى.

__________________

(١ و ٢) في حديث الرفع المروي في الوسائل الباب ٣٧ من قواطع الصلاة و ٣٠ من الخلل في الصلاة و ٥٦ من جهاد النفس. وفي بعض رواياته «وما أكرهوا عليه».

٢٥

أقول : لا يبعد القول بالبطلان هنا لا لما ذكره في التذكرة بل لشمول الأخبار المتقدمة للمكره لأنها قد اتفقت في الدلالة على ان من تكلم في صلاته فقد أبطلها ، وظاهرها أعم من أن يكون ذلك عن عمد أو سهو أو إكراه وقيد التعمد إنما وقع في كلام الأصحاب ، نعم قام الدليل على عدم البطلان بالنسبة إلى الكلام ساهيا فوجب استثناؤه من إطلاق تلك الأخبار وبقي ما عداه. والأصحاب (رضوان الله عليهم) بالنظر الى قيام الأدلة على استثناء الناسي وان صلاته صحيحة أطلقوا لفظ التعمد في جانب الأخبار الدالة على البطلان وقيدوها به وإلا فهي كما عرفت مطلقة شاملة بإطلاقها للعامد والناسي والمكره. وهذا بحمد الله سبحانه واضح. ثم انه لو ورد في شي‌ء من اخبار البطلان قيد التعمد لكان الظاهر حمله على ما قابل الناسي الذي دلت عليه الأخبار وبقي المكره داخلا تحتها أيضا. وأما خبر «وما استكرهوا عليه» فغايته رفع الإثم بمعنى انه إذا أكره على ارتكاب فعل محرم فلا اثم عليه في فعله وان بطلت الصلاة به في ما نحن فيه.

وظاهره في الذكرى التوقف في الحكم المذكور وكذا في المدارك حيث قال : «وفي المكره وجهان أحوطهما الإعادة» مع ان ما ذكرناه من الإبطال بالتقريب المذكور واضح لا سترة عليه.

وكيف كان فإنه وان كان ما ذكرناه هو الأقرب لما عرفت إلا ان الاحتياط لعدم النص الصريح في المقام مما لا ينبغي تركه. والله العالم.

(الثالث) ـ الالتفات الى ما وراءه ، وكلام الأصحاب وكذا اخبار الباب لا يخلو في المقام من إجمال واضطراب :

قال في المعتبر : الالتفات يمينا وشمالا لا ينقض ثواب الصلاة والالتفات الى ما وراءه يبطلها لأن الاستقبال شرط صحة الصلاة فالالتفات بكله مفوت لشرطها. الى ان قال وأما كراهة الالتفات يمينا وشمالا بوجهه مع بقاء جسده مستقبلا فلرواية الحلبي (١). الى آخره.

__________________

(١) ص ٢٩.

٢٦

وظاهر هذا الكلام تخصيص الإبطال بالالتفات الى ما وراءه بجميع البدن عامدا أو ساهيا والالتفات بكل البدن الى محض اليمين والشمال لا يوجب البطلان.

وبذلك يظهر ذلك ما في نقل صاحب الذخيرة عنه حيث قال ـ بعد أن نقل عن أكثر عبارات الأصحاب (رضوان الله عليهم) تقييد الالتفات المبطل بما إذا كان الى ورائه وذكر ان هذا التقييد يوجب عدم بطلان الصلاة بالالتفات الى اليمين والشمال ـ ما لفظه : لكن صرح المحقق في المعتبر بان الالتفات بكل البدن مبطل وهو أعم من أن يكون الى الخلف أو الى اليمين أو اليسار بل يشمل ما بين الجانبين والقبلة أيضا. انتهى.

وفيه ما عرفت من تصريحه في العبارة بما إذا كان الى ورائه ، نعم لو خلينا وظاهر تعليله لأمكن استفادة ذلك منه لصدق عدم الاستقبال وتفويت الشرط على ما إذا كان محض اليمين أو اليسار أو ما بين أحدهما وبين القبلة لكن قضية التقييد في المدعى يوجب التقييد في الدليل ليكون منطبقا على المدعى. الا ان ظاهر كلام المنتهى ـ وهو قد حذا حذو المعتبر في المقام ـ هو ما ذكره (قدس‌سره) من تخصيص الالتفات يمينا وشمالا الذي ينقض الصلاة بما إذا كان بالوجه.

وبالجملة فإن عبائرهم في المقام غير منقحة ولا ظاهرة بالظهور التام الحاسم لتطرق الاحتمال في تمييز تلك الأحكام.

وقال في الذكرى : يحرم الانحراف عن القبلة ولو يسيرا ، فلو فعل عمدا أبطلها ، وان كان ناسيا وكان بين المشرق والمغرب فلا إبطال ، وان كان الى المشرق والمغرب أو كان مستدبرا فقد أجرياه في المقنعة والنهاية مجرى الظان في الإعادة في الوقت إذا كان إليهما ومطلقا ان استدبر. وتوقف فيه الفاضلان. الى ان قال واعلم ان الالتفات الى محض اليمين واليسار بكله كالاستدبار كما انه بحكمه في الصلاة مستدبرا على أقوى القولين فيجي‌ء القول بالإبطال ولو فعله ناسيا إذا تذكر في الوقت ، وان فرقنا بين الالتفات وبين الصلاة الى اليمين واليسار فلا إبطال. انتهى

٢٧

وهو ظاهر في بطلان الصلاة بتعمد الالتفات الى محض اليمين واليسار بجميع البدن كالاستدبار ، وهو خلاف ما يفهم من كلام الأكثر من تخصيص الابطال بالالتفات الى ما رواه كما سمعت من كلام المعتبر.

واما الالتفات بالوجه خاصة فلا يخلو اما أن يكون الى الخلف أو الى أحد الجانبين أو الى ما بينه وبين القبلة ، وظاهر قولهم انه تبطل بتعمد الالتفات الى ما وراءه تخصيص الإبطال في الوجه أيضا بالصورة الأولى ، وظاهر عبارة المعتبر حيث خص الالتفات المبطل بكل البدن عدم الإبطال وان استدبر به ، وكلام العلامة في المنتهى والتذكرة والنهاية لا يخلو من اضطراب ، وقال في الذكرى يكره الالتفات الى اليمين والشمال بحيث لا يخرج الوجه الى حد الاستدبار وكان بعض مشايخنا المعاصرين يرى ان الالتفات بالوجه قاطع للصلاة كما يقوله بعض الحنفية (١).

هذا في صورة التعمد واما السهو فكلامهم فيه أشد تدافعا واضطرابا ليس في التعرض له كثير فائدة ومن أراد الاطلاع فليرجع في ذلك الى الذخيرة للفاضل الخراساني فإنه قد أطال فيه بنقل تلك الأقوال.

والواجب الرجوع الى الأخبار الواردة في المقام وبيان ما يظهر منها من الأحكام :

الأول ـ ما رواه الصدوق في الصحيح عن عمر بن أذينة عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) (٢) «انه سأله عن الرجل يرعف وهو في الصلاة وقد صلى بعض صلاته؟ فقال ان كان الماء عن يمينه أو عن شماله أو عن خلفه فليغسله من غير ان يلتفت وليبن على صلاته ، فان لم يجد الماء حتى يلتفت فليعد الصلاة. قال والقي‌ء مثل ذلك».

الثاني ـ ما رواه الشيخ عن زرارة في الصحيح (٣) «انه سمع أبا جعفر (عليه‌السلام) يقول الالتفات يقطع الصلاة إذا كان بكله».

الثالث ـ ما رواه الكليني والشيخ في الصحيح عن محمد بن مسلم عن ابى جعفر (عليه

__________________

(١) البحر الرائق ج ٢ ص ٢١.

(٢) الوسائل الباب ٢ من قواطع الصلاة.

(٣) الوسائل الباب ٣ من قواطع الصلاة.

٢٨

السلام) (١) قال : «سألته عن الرجل يلتفت في الصلاة قال لا ولا ينقض أصابعه».

الرابع ـ ما رواه الصدوق في الصحيح عن زرارة عن ابى جعفر (عليه‌السلام) (٢) في حديث قال : «ثم استقبل القبلة بوجهك ولا تقلب وجهك عن القبلة فتفسد صلاتك فان الله عزوجل يقول لنبيه (صلى‌الله‌عليه‌وآله) في الفريضة : (فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَحَيْثُ ما كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ)» (٣).

الخامس ـ ما رواه الكليني والشيخ عنه في الصحيح أو الحسن عن زرارة عن ابى جعفر (عليه‌السلام) (٤) قال : «إذا استقبلت القبلة بوجهك فلا تقلب وجهك عن القبلة فتفسد صلاتك فان الله تعالى قال لنبيه (صلى‌الله‌عليه‌وآله) في الفريضة (فَوَلِّ وَجْهَكَ). (٥). الحديث».

السادس ـ ما رواه الكليني والشيخ عن الحلبي في الصحيح أو الحسن عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) (٦) قال : «إذا التفت في صلاة مكتوبة من غير فراغ فأعد الصلاة إذا كان الالتفات فاحشا وان كنت قد تشهدت فلا تعد».

السابع ـ ما تقدم في مسألة الكلام في الصلاة عمدا (٧) من قوله (عليه‌السلام) في صحيحة الحلبي أو حسنته «وان لم يقدر على ماء حتى ينصرف بوجهه أو يتكلم فقد قطع صلاته».

الثامن ـ ما رواه الصدوق عن ابى بصير عن الصادق (عليه‌السلام) (٨) قال : «ان تكلمت أو صرفت وجهك عن القبلة فأعد الصلاة».

التاسع ـ ما رواه الشيخ عن محمد بن مسلم عن أحدهما (عليهما‌السلام) (٩)

__________________

(١ و ٦ و ٨) الوسائل الباب ٣ من قواطع الصلاة.

(٢) الوسائل الباب ٩ من القبلة.

(٣ و ٥) سورة البقرة الآية ١٣٩ و ١٤٥.

(٤) الفروع ج ١ ص ٨٣ والتهذيب ج ١ ص ١٩٢ و ٢١٨ وفي الوسائل الباب ٩ من القبلة.

(٧) ص ١٧.

(٩) التهذيب ج ١ ص ٢٣٥ وفي الوافي باب «السهو في أعداد الركعات».

٢٩

قال : «سئل عن رجل دخل مع الإمام في صلاته وقد سبقه بركعة فلما فرغ الإمام خرج مع الناس ثم ذكر انه قد فاتته ركعة؟ قال يعيد ركعة واحدة يجوز له ذلك إذا لم يحول وجهه عن القبلة فإذا حول وجهه فعليه ان يستقبل الصلاة استقبالا».

العاشر ـ ما رواه في قرب الاسناد عن على بن جعفر (١) وكتاب المسائل لعلي بن جعفر عن أخيه موسى (عليه‌السلام) (٢) قال : «سألته عن الرجل يلتفت في صلاته هل يقطع ذلك صلاته؟ قال إذا كانت الفريضة والتفت الى خلفه فقد قطع صلاته فيعيد ما صلى ولا يعتد به وان كانت نافلة لم يقطع ذلك صلاته ولكن لا يعود».

الحادي عشر ـ ما رواه في مستطرفات السرائر من جامع البزنطي (٣) قال : «سألت الرضا (عليه‌السلام) عن الرجل يلتفت في صلاته هل يقطع ذلك صلاته؟ قال إذا كانت الفريضة والتفت الى خلفه فقد قطع صلاته فيعيد ما صلى ولا يعتد به وان كانت نافلة فلا يقطع ذلك صلاته ولكن لا يعود».

الثاني عشر ـ ما رواه الشيخ في الصحيح عن على بن جعفر عن أخيه موسى (عليه‌السلام) (٤) قال : «سألته عن الرجل يكون في صلاته فيظن ان ثوبه قد انخرق أو أصابه شي‌ء هل يصلح له ان ينظر فيه أو يمسه؟ فقال ان كان في مقدم ثوبه أو جانبيه فلا بأس وان كان في مؤخره فلا يلتفت فإنه لا يصلح». ورواه على بن جعفر في كتابه (٥) والحميري في قرب الاسناد (٦).

الثالث عشر ـ ما رواه الشيخ عن عبد الحميد بن عبد الملك (٧) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن الالتفات في الصلاة أيقطع الصلاة؟ قال لا وما أحب أن يفعل».

__________________

(١ و ٣ و ٤ و ٥ و ٦) الوسائل الباب ٣ من قواطع الصلاة.

(٢) البحار ج ١٨ ص ٢١٠.

(٧) الوسائل الباب ٣ من قواطع الصلاة. وفي كتب الحديث هكذا : عن عبد الحميد عن عبد الملك. وفي جامع الرواة عند ذكر عبد الملك بن حكيم الخثعمي قال : حماد بن عثمان عن عبد الحميد عن عبد الملك عن ابي عبد الله «ع». وهو مطابق لما نقلناه من كتب الحديث.

٣٠

الرابع عشر ـ ما رواه في الخصال بإسناده عن على (عليه‌السلام) في حديث الأربعمائة (١) قال : «الالتفات الفاحش يقطع الصلاة وينبغي لمن فعل ذلك ان يبدأ الصلاة بالأذان والإقامة والتكبير».

أقول : هذا ما حضرني من الأخبار ولا يخفى ما فيها من الاختلاف والاضطراب ومن أجلها اختلفت كلمات الأصحاب (رضوان الله عليهم) في هذا الباب

وتفصيل الكلام في هذا المقام ان يقال ـ بتوفيق الملك العلام وبركة أهل الذكر (عليهم‌السلام) ـ انه لا يخلو اما أن يكون الالتفات بالبدن كملا أو الوجه خاصة ، وعلى الأول فاما أن يكون عمدا أو سهوا ، وعلى كل منهما إما أن يكون الى ما بين اليمين واليسار أو الى محض اليمين واليسار أو الى دبر القبلة فههنا صور :

(الأولى) ـ أن يكون الالتفات بالبدن عمدا الى ما بين اليمين واليسار ، والظاهر الإبطال لأنه متعمد الصلاة الى غير القبلة ، وعلى ذلك يدل الخبر الثاني والرابع والخامس والثامن والتاسع.

(الثانية) ـ الصورة الأولى بحالها ولكن الالتفات الى محض اليمين واليسار والحكم فيها كذلك لما عرفت.

(الثالثة) ـ الصورة بحالها ولكن الى دبر القبلة ، وهو اولى بالبطلان للأخبار المتقدمة ، ويدل على ذلك زيادة على ما تقدم الخبر السادس والعاشر والحادي عشر

(الرابعة) ـ ان يكون الالتفات بالبدن سهوا الى ما بين اليمين والشمال ، والظاهر الصحة لما تقدم في بحث القبلة من موثقة عمار (٢) الدالة على أن «من صلى الى غير القبلة فعلم وهو في الصلاة قبل أن يفرغ وكان متوجها الى ما بين المشرق والمغرب فليحول وجهه حين يعلم. الحديث». وهو شامل بإطلاقه للظان والساهي

وصحيحة معاوية بن عمار عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) (٣) قال : «قلت

__________________

(١) الوسائل الباب ٣ من قواطع الصلاة.

(٢) ج ٦ ص ٤٣٠ وفي الوسائل الباب ١٠ من القبلة.

(٣) الوسائل الباب ١٠ من القبلة.

٣١

الرجل يقوم في الصلاة ثم ينظر بعد ما فرغ فيرى انه قد انحرف عن القبلة يمينا أو شمالا؟ فقال له : قد مضت صلاته وما بين المشرق والمغرب قبلة».

والتقريب فيها انه إذا صحت الصلاة بعد الإتيان بها كملا على تلك الحال في ما بين اليمين واليسار صح بعضها بطريق اولى لاشتراك الجميع في موجب الصحة وهو كون ما بين اليمين واليسار قبلة لغير المتعمد ، بل ظاهر بعض الأخبار ايضا انه قبلة للمتعمد كما تقدم في بحث القبلة.

وبما ذكرنا من هذه الأخبار يخص إطلاق الأخبار الدالة على الإبطال في الصورة المتقدمة بحملها على العامد.

وبذلك يظهر ما في كلام الفاضل الخراساني في الذخيرة حيث قال بعد إيراد جملة من اخبار المسألة : إذا عرفت هذا فاعلم ان الصحيح ان الانحراف عن القبلة بكل البدن موجب لبطلان الصلاة مطلقا وان لم يصل الى حد التشريق والتغريب عملا بمنطوق صحيحة زرارة المذكورة (١) وعموم عدة من الأخبار المذكورة. انتهى. فان الظاهر ان مراده بالإطلاق يعني أعم من ان يكون عن عمد أو سهو. وفيه ما عرفت

والى ما ذكرنا من الصحة في هذه الصورة يشير كلامه في الذكرى كما قدمنا من قوله : وان كان ناسيا وكان ما بين المشرق والمغرب فلا إبطال.

(الخامسة) ـ ان يكون الالتفات بالبدن سهوا الى محض اليمين واليسار والظاهر انه لا إشكال في وجوب الإعادة في الوقت لموثقة عبد الرحمن بن ابى عبد الله عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) (٢) قال : «إذا صليت وأنت على غير القبلة واستبان لك انك صليت على غير القبلة وأنت في وقت فأعد وان فاتك الوقت فلا تعد». ونحوها غيرها مما تقدم في بحث القبلة وهي شاملة بإطلاقها للظان والساهي في الصلاة.

ويدل عليه إطلاق جملة من الأخبار المتقدمة ، خرج منه ما إذا كان الالتفات الى ما بين اليمين واليسار بالنصوص المتقدمة وبقي ما عداه.

__________________

(١) ص ٢٨.

(٢) الوسائل الباب ١١ من القبلة.

٣٢

إنما الإشكال في وجوب القضاء ، ومنشأه من ظواهر الأخبار المشار إليها فإن مقتضاها الإبطال في الصورة المذكورة لما عرفت من عمومها لذلك وإنما خرج عنه حكم الصورة الرابعة بالنصوص المذكورة وبقي ما عداه ، ومن دلالة موثقة عبد الرحمن المذكورة ونحوها على عدم الإعادة خارج الوقت.

ومقتضى ما نقل في الذكرى عن المقنعة والنهاية هو الإعادة في الوقت خاصة حملا للالتفات على ظن الصلاة الى تلك الجهة وهو مقتضى موثقة عبد الرحمن المذكورة ، ولا يخلو من قوة إلا أن الاحتياط في الإعادة.

والى القول بعدم وجوب القضاء يميل كلام الشهيد في البيان وبه صرح أيضا في الروض ، وكذا ظاهر عبارة الذكرى المتقدمة القول بوجوب القضاء في الوقت خاصة وقيل بوجوب القضاء مطلقا.

(السادسة) ـ ان يكون الالتفات بالبدن سهوا الى دبر القبلة والمراد به ما بين اليمين واليسار من خلف لا خصوص دبر القبلة حقيقة ، وظاهر الشهيد في الدروس ان المشهور عدم البطلان إلا انه اختار البطلان ، ونقل ذلك عن ظاهر الشيخ في التهذيب ، وهو ظاهر المحقق في ما تقدم من عبارته.

قال في الذكرى : ويجوز ان يستدل على بطلان الصلاة بالاستدبار مطلقا بما رواه زرارة عن الباقر (عليه‌السلام) (١) قال قال : «الالتفات يقطع الصلاة إذا كان بكله». فإنه يشمل بإطلاقه العامد والناسي إلا ان يعارض بحديث الرفع عن الناسي (٢) فيجمع بينهما بحمله على العامد ، انتهى.

أقول : الظاهر ضعف هذه المعارضة فإن المتبادر من الخبر المذكور إنما هو رفع المؤاخذة وهو لا ينافي البطلان.

وبما ذكره هنا من القول بالصحة في الناسي اعتمادا على الخبر المذكور صرح العلامة

__________________

(١) الوسائل الباب ٣ من قواطع الصلاة.

(٢) الوسائل الباب ٣٧ من قواطع الصلاة و ٣٠ من الخلل في الصلاة و ٥٦ من جهاد النفس.

٣٣

في المنتهى فقال : لو التفت الى ما وراءه ناسيا لم يعد صلاته لقوله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) (١) «رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه» ،. وفيه ما عرفت.

ثم انه على تقدير البطلان فهل يختص بالوقت بمعنى وجوب الإعادة في الوقت خاصة أو يجب القضاء أيضا؟ قولان وبالأول صرح في البيان ، قال في تعداد المبطلات : وتعمد التحرف عن القبلة ولو يسيرا ، ولو كان الى محض الجانبين أو مستدبرا بطلت وان كان سهوا إلا ان يستمر السهو حتى يخرج الوقت فلا قضاء فيهما على الأقرب. انتهى. وظاهر المقنعة والنهاية هو الإعادة مطلقا كما تقدم في عبارة الذكرى ، والظاهر انه الأقرب لظواهر إطلاق أكثر الأخبار المتقدمة وخصوصا الخبر العاشر والحادي عشر. هذا كله في الالتفات في البدن.

واما الالتفات بالوجه خاصة ففيه صور (الاولى) الالتفات الى محض اليمين واليسار ، والمشهور بين الأصحاب جواز الالتفات على كراهية ، وقد تقدم نقل كلام صاحب الذكرى عن بعض مشايخه المعاصرين ـ والظاهر إنه فخر المحققين ابن العلامة كما نقله غير واحد من الأصحاب ـ انه كان يرى ان الالتفات بالوجه قاطع للصلاة كما يقوله بعض الحنفية (٢) قال لما روى عن النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) انه قال «لا تلتفتوا في صلاتكم فإنه لا صلاة لملتفت». رواه عبد الله بن سلام (٣) قال : ويحمل على الالتفات بكله. وروى زرارة عن الباقر (عليه‌السلام) (٤) «الالتفات يقطع الصلاة إذا كان بكله». انتهى.

قال في المدارك بعد أن نقل حكاية القول المذكور عن الشهيد : وربما كان مستنده إطلاق الروايات المتضمنة لذلك كحسنة زرارة عن ابى جعفر (عليه‌السلام) (٥) قال : «إذا استقبلت القبلة بوجهك فلا تقلب وجهك عن القبلة

__________________

(١) الوسائل الباب ٣٧ من قواطع الصلاة و ٣٠ من الخلل في الصلاة و ٥٦ من جهاد النفس.

(٢) البحر الرائق ج ٢ ص ٢١.

(٣) عمدة القارئ ج ٣ ص ٥٣.

(٤) الوسائل الباب ٣ من قواطع الصلاة.

(٥) ارجع الى التعليقة ٤ ص ٢٩.

٣٤

فتفسد صلاتك. الحديث». ثم قال : وحملها الشهيد في الذكرى على الالتفات بكل البدن لما رواه زرارة في الصحيح (١) «انه سمع أبا جعفر (عليه‌السلام) يقول الالتفات يقطع الصلاة إذا كان بكله». وقد يقال ان هذا المفهوم مقيد بمنطوق قوله (عليه‌السلام) في رواية الحلبي (٢) «أعد الصلاة إذا كان الالتفات فاحشا». فان الظاهر تحقق التفاحش بالالتفات بالوجه خاصة الى أحد الجانبين. انتهى.

أقول : فيه (أولا) ان الموجود في الذكرى هو ما قدمنا نقله عن الكتاب المذكور لا ما ذكره (قدس‌سره) من الاستدلال لذلك القول بصحيحة زرارة وجواب الشهيد عن الرواية المذكورة. والمناقشة في ذلك وان كانت سهلة إلا ان من لم يراجع الذكرى يتوهم ان الأمر على ما ذكره فلذلك نبهنا عليه.

و (ثانيا) ـ انه إنما يتم التقييد الذي ذكره بناء على ما ادعاه من حصول التفاحش بالالتفات بالوجه خاصة وهو بعيد ، مع ان هذا المفهوم مؤيد بما دل عليه الخبر الثاني عشر (٣).

وظاهر السيد (قدس‌سره) الميل الى القول المذكور استنادا إلى إطلاق الروايات المشار إليها وان كان صاحب القول المذكور انما استند الى تلك الرواية العامية. وهو جيد لظاهر حسنة زرارة المذكورة ونحوها الخبر الرابع (٤) فان النظر بالوجه الى محض اليمين والشمال قلب الوجه عن القبلة ، ونحوهما قوله في الخبر السابع (٥) «وان لم يقدر على ماء حتى ينصرف بوجهه فقد قطع صلاته» وكذا الخبر الثامن والتاسع (٦) وفي رواية أبي بصير الواردة في الرعاف (٧) «ان تكلمت أو

__________________

(١) الوسائل الباب ٣ من قواطع الصلاة.

(٢ و ٤ و ٥ و ٦) ص ص ٢٩.

(٣) ص ٣٠.

(٧) الوسائل الباب ٣ و ٢٥ من قواطع الصلاة. وهذه الرواية ذكرها في الوافي في باب «الرعاف والقي‌ء والدم» بعد صحيحة ابن أذينة المتقدمة ص ٢٨ كما في الفقيه ج ١ ص ٢٣٩ وليس فيها قرينة على ورودها في الرعاف إلا ذلك ولم يذكرها في باب الالتفات

٣٥

صرفت وجهك عن القبلة فأعد الصلاة». ومثلها صحيحة ابن أذينة (١) إلا أن ظاهر مفهوم صحيحة زرارة الدالة على ان الالتفات يقطع الصلاة إذا كان بكله المؤيد بصحيحة على بن جعفر المذكورة (٢) هو عدم البطلان ، والمسألة لذلك موضع تردد.

واما ما نقله في المدارك عن الذكرى من حمل حسنة زرارة على الالتفات بكل البدن فقد عرفت ان صاحب الذكرى لم ينقل الحسنة المذكورة وإنما ذكر هذا التأويل للخبر العامي وهو غير بعيد ، اما بالنسبة إلى الحسنة المذكورة فهو بعيد حيث انها اشتملت على استقبال القبلة بالوجه والنهى عن قلب الوجه. وحمل الوجه على مجموع البدن بعيد كما لا يخفى.

والعجب من الأصحاب (رضوان الله عليهم) في ما يظهر منهم من الاتفاق على عدم البطلان بالالتفات بالوجه الى محض اليمين واليسار إلا من فخر المحققين وقد اتفقوا على رد قوله مع ان الأخبار التي أشرنا إليها ظاهرة الدلالة على القول المذكور كالنور على الطور.

وأما التفصيل ـ بالإتيان بشي‌ء من الأفعال على تلك الحال فيعيد في الوقت وإلا فلا اعادة كما ذكره في المدارك واقتفاه غيره ـ فلا أعرف عليه دليلا بل ظاهر الأخبار التي ذكرناها دالة على الإبطال في هذه الصورة الدلالة على البطلان مطلقا كما لا يخفى.

هذا إذا كان عمدا اما لو وقع الالتفات كذلك سهوا فالظاهر الصحة لأن الروايات الدالة على قطع الصلاة بالالتفات بالوجه ظاهرة في العمد والنهى في ما ورد بالنهي انما يتوجه الى العامد فلا شمول فيها للصورة المذكورة.

(الصورة الثانية) ما بين اليمين واليسار والظاهر الصحة للخبر الثالث عشر (٣)

__________________

والتكلم بخلاف صاحب الوسائل فإنه لم يذكرها في باب الرعاف وانما ذكرها في باب بطلان الصلاة بالاستدبار وباب بطلانها بالكلام.

(١) ص ٢٨.

(٢ و ٣) ص ٣٠.

٣٦

بحمله على هذه الصورة.

وما رواه الصدوق في ثواب الأعمال عن الخضر بن عبد الله عن أبى عبد الله (عليه‌السلام) (١) قال : «إذا قام العبد إلى الصلاة أقبل الله عليه بوجهه ولا يزال مقبلا عليه حتى يلتفت ثلاث مرات فإذا التفت ثلاث مرات اعرض عنه». بحمله على هذه المرتبة التي هي أقل مراتب الالتفات. ورواه البرقي في المحاسن (٢).

ونحوه ما رواه في قرب الاسناد عن أبي البختري عن الصادق عن أبيه عن على (عليهم‌السلام) (٣) قال : «الالتفات في الصلاة اختلاس من الشيطان فإياكم والالتفات في الصلاة فإن الله تبارك وتعالى يقبل على العبد إذا قام في الصلاة فإذا التفت قال الله تعالى يا ابن آدم عمن تلتفت؟ (ثلاثا) فإذا التفت الرابعة أعرض عنه».

وروى البرقي في المحاسن (٤) قال وفي رواية ابن القداح عن جعفر بن محمد عن أبيه (عليهما‌السلام) قال : «قال على (عليه‌السلام) للمصلي ثلاث خصال : ملائكة حافين به من قدميه إلى أعنان السماء ، والبر ينتثر عليه من رأسه الى قدمه ، وملك عن يمينه وعن يساره ، فإذا التفت قال الرب تبارك وتعالى الى خير من تلتفت يا ابن آدم؟ لو يعلم المصلى لمن يناجي ما انفتل».

وبهذه الأخبار يخص إطلاق الأخبار المتقدمة الدالة على قطع الصلاة بالانصراف بالوجه ، فإنه وان صدق الانصراف بالوجه في هذه الصورة في الجملة إلا ان هذه الأخبار قد دلت على مجرد الكراهة كما عرفت ، وحينئذ فيخص الجواز على كراهة بهذه الصورة خلافا لما عليه الأصحاب من عمومها للصورة المتقدمة لما عرفت. هذا مع التعمد ومنه يعلم السهو بطريق أولى.

(الصورة الثالثة) الاستدبار بالوجه والظاهر البطلان ان أمكن وقوعه مع التعمد قال شيخنا الشهيد الثاني في الروض : واختار جماعة من الأصحاب : منهم ـ الشهيد البطلان مع بلوغ الوجه الى حد الاستدبار وان كان الفرض بعيدا ، ويدل

__________________

(١ و ٢ و ٣ و ٤) الوسائل الباب ٣٢ من قواطع الصلاة.

٣٧

عليه رواية الحلبي ـ وأشار بها الى الحديث السادس (١) ـ قال إذ لا التفات أفحش مما يصير الى حد الاستدبار.

أقول : ونحوه الخبر الثالث عشر (٢) ويدل عليه أيضا الأخبار التي أشرنا إلى دلالتها على الإبطال بالالتفات الى محض اليمين والشمال بطريق الأولى.

قال في الروض : وإنما يبطل الالتفات في مواضعه لو وقع على وجه الاختيار أما لو وقع اضطرارا أو سهوا أو غيره ففي إبطاله نظر ، من أن الاستقبال شرط فيبطل المشروط بفواته ولا فرق فيه بين الحالين كالطهارة إلا ما أخرجه النص ، ومن العفو عما استكره الناس عليه للخبر (٣) وهذا هو الظاهر. انتهى. والله العالم.

الرابع ـ القهقهة وهي لغة الترجيع في الضحك أو شدة الضحك كما في القاموس ، وقال في الصحاح : القهقهة في الضحك معروف وهو أن يقول «قه قه». قال في الروض بعد نقل كلام أهل اللغة وانه الترجيع في الضحك أو شدة الضحك : والمراد هنا مطلق الضحك كما صرح به المصنف في غير هذا الكتاب.

والحكم بتحريم القهقهة وإبطالها للصلاة مما لا خلاف فيه حكى إجماعهم عليه جملة من الأصحاب (رضوان الله عليهم) كالفاضلين في المعتبر والمنتهى والتذكرة والشهيد في الذكرى وغيرهم.

والأصل فيه الأخبار الواردة عنهم (عليهم‌السلام) ، ومنها ما رواه في الكافي والتهذيب في الموثق عن سماعة (٤) قال : «سألته عن الضحك هل يقطع الصلاة؟ قال أما التبسم فلا يقطع الصلاة وأما القهقهة فهي تقطع الصلاة».

وما روياه أيضا في الصحيح أو الحسن عن زرارة عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) (٥) قال : «القهقهة لا تنقض الوضوء وتنقض الصلاة».

وروى في الفقيه مرسلا (٦) قال : «قال الصادق (عليه‌السلام) لا يقطع

__________________

(١) ص ٢٩.

(٢) ص ٣٠.

(٣) ارجع التعليقة ١ ص ٣٤.

(٤ و ٥ و ٦) الوسائل الباب ٧ من قواطع الصلاة.

٣٨

التبسم الصلاة وتقطعها القهقهة ولا تنقض الوضوء».

وروى الصدوق في الخصال (١) عن ابى بصير ومحمد بن مسلم عن الصادق عن آبائه (عليهم‌السلام) قال : «قال أمير المؤمنين (عليه‌السلام) لا يقطع الصلاة التبسم ويقطعها القهقهة».

أقول : ظاهر هذه الأخبار كما ترى هو ترتب القطع على القهقهة وقد عرفت معناها لغة ، وظاهر كلام الروض المتقدم ان القاطع عند الأصحاب هو مطلق الضحك ، وقال في الروضة في تفسير القهقهة هي الضحك المشتمل على الصوت وان لم يكن فيه ترجيع ولا شدة ، وعلى هذا النحو كلام غيره ايضا.

وبالجملة فإن بعضهم فسر القهقهة هي بالضحك المشتمل على الصوت لوقوعها في الأخبار في مقابلة التبسم الخالي منه ، ومنهم من فسرها بمطلق الضحك ظنا منهم ان التبسم ليس من افراد الضحك مع ان الظاهر من موثقة سماعة انه من افراد الضحك ، وبذلك صرح في القاموس ايضا حيث قال فيه هو أقل الضحك وأحسنه. وكيف كان فان ما ذكروه لا يخلو من الاشكال لمخالفته للاخبار وكلام أهل اللغة.

ثم ان ظاهر الأخبار المذكورة عدم الفرق بين العمد والسهو إلا ان العلامة في التذكرة والشهيد في الذكرى ادعيا الإجماع على عدم الإبطال بالواقعة سهوا.

ولو وقعت على وجه لا يمكن دفعها لمقابلة لاعب ونحوه فاستقرب الشهيد في الذكرى البطلان وان لم يأثم لعموم الخبر. وهو جيد بل يظهر من التذكرة انه مجمع عليه بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) والله العالم.

الخامس ـ تعمد الفعل الكثير الخارج به عن الصلاة بلا خلاف بين الأصحاب بل كافة العلماء ، حكى ذلك الفاضلان وغيرهما.

قال في المنتهى : ويجب عليه ترك الفعل الكثير الخارج من أفعال الصلاة فلو فعله عامدا بطلت صلاته وهو قول أهل العلم كافة ، لأنه يخرج به عن كونه مصليا ،

__________________

(١) ج ٢ ص ١٦٦ وفي الوسائل الباب ١ من أفعال الصلاة رقم ١٦.

٣٩

والقليل لا يبطل الصلاة بالإجماع ، قال ولم يحد الشارع القلة والكثرة فالمرجع في ذلك الى العادة وكل ما ثبت ان النبي والأئمة (صلوات الله عليهم) فعلوه في الصلاة وأمروا به فهو من جنس القليل كقتل البرغوث والحية والعقرب ، وكما روى الجمهور عن النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) (١) انه كان يحمل امامة بنت أبى العاص فكان إذا سجد وضعها وإذا قام رفعها.

أقول : لا يخفى ان الأخبار خالية من ذكر هذا الفرد والتعرض له في عداد ما يبطل الصلاة وإنما ذكره الأصحاب (رضوان الله عليهم) ولهذا اضطرب كلامهم في تحديد القلة والكثرة اضطرابا شديدا ، فمنهم من حده بما سمى كثيرا عرفا ، ومنهم من قال ما يخرج به فاعله عن كونه مصليا عرفا.

__________________

(١) قال في هامش محاضرات آية الله الخوئي في الفقه الجعفري قسم المعاملات ص ٥٢ : ولم يستشهد الأئمة (ع) بقصة حمل النبي «ص» امامة ابنة زينب ولو كان لها عندهم «ع» عين أو اثر لاستشهدوا بها كما هي عادتهم ولكن أهل السنة في جوامعهم تعرضوا لهذه القصة ومع حرصهم الشديد عليها لم يذكروا إلا رواية واحدة عن أبي قتادة والراوي عنه عمرو بن سليم الزرقي وعنه عامر بن عبد الله بن الزبير وأبو سعيد المقبري ويزيد بن عتاب المجهول. وقد اختلفوا في النقل ففي صحيح البخاري ج ١ ص ٨٧ قبل مواقيت الصلاة وصحيح مسلم ج ١ ص ٢٠٥. الى ان قال بعد عد الجوامع وبيان الاختلاف بينها في المتن : وقد اضطرب فقهاؤهم لهذا الحديث الكاشف عن العمل الكثير المبطل وللخلاف في متن الحديث فمنهم من قال انه منسوخ ومنهم من قال انه في النافلة الجائز فيها ذلك ، ثم قال راجع فيه نيل الأوطار للشوكانى ج ١ ص ١٠٢ وفتح الباري ج ٢ ص ٤٦٤ وعمدة القارئ ج ٢ ص ٥٠١ وشرح صحيح مسلم للنووي على هامش إرشاد الساري ج ٣ ص ١٩٨ يتجلى لك من اضطراب الفقهاء في توجيهه بعده عن الحقيقة. إلى آخر كلامه. وفي النسخة المطبوعة من الحدائق أدرجت العبارة الآتية في عبارة المنتهى وهي هذه : «وهذا الحديث من موضوعات العامة أرادوا به انحطاط منزلته «ص» (وَيَأْبَى اللهُ إِلّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ)» مع انها غير موجودة في المنتهى ولا في ما وقفنا عليه من نسخ الحدائق الخطية ولذا حذفت في هذه الطبعة.

٤٠