الحدائق الناضرة - ج ٩

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]

الحدائق الناضرة - ج ٩

المؤلف:

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]


المحقق: محمّد تقي الإيرواني
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٥٩

امتثال الأمر ، ولا دليل على التداخل لان الفرضين لا يتداخلان بلا خلاف محقق. انتهى.

واستدل العلامة في المختلف على ما ذهب اليه من عدم التداخل وأطال بما لا يرجع الى طائل ، ومرجعه الى وجوب تعدد المسبب بتعدد السبب وإلا لزم تخلف المعلول عن علته التامة لغير مانع أو تعدد العلل المستقلة على المعلول الواحد الشخصي وكل واحد منهما محال فالملزوم محال ، ثم أطال في بيان هذه المقدمات.

وأنت خبير بان هذا انما يجرى في العلل العقلية لا العلل الشرعية فإنها ليست من قبيل العلل العقلية التي يدور المعلول مدارها وجودا وعدما وانما هي معرفات كما تقدم التصريح به في غير موضع ، وهذا أمر ظاهر لمن تدبر الأخبار المنقولة في كتاب علل الشرائع وما اشتملت عليه من العلل لتلك الأحكام.

وقال في الذكرى : والأقرب عدم التداخل لقيام السبب واشتغال الذمة ، ولما روى عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله (١) قال : «لكل سهو سجدتان».

وفيه انه لو ثبت الخبر المذكور لكان حجة واضحة إلا ان الظاهر انه ليس من طرقنا وانما هو من طريق العامة. واما التعليل بما ذكره فستعرف ما فيه مما يبين عن ضعف باطنه وخافية.

والأقرب ـ كما استقربه جمع من أفاضل متأخري المتأخرين ـ هو القول بالتداخل مطلقا لما روى عنهم (عليهم‌السلام) (٢) بأسانيد عديدة «إذا اجتمعت لله عليك حقوق أجزأك عنها حق واحد». وما ذكره العلامة من وجوب تعدد المسببات بتعدد الأسباب انما هو في الأسباب الحقيقية التي يدور المسبب فيها مدار السبب وجودا وعدما ، وكذا قولهم «انه لا يجوز اجتماع علتين على معلول واحد» انما هو في تلك العلل العقلية لا الشرعية ، ألا ترى انه قد ورد في تعليل وجوب

__________________

(١) في سنن ابى داود ج ١ ص ٣٧٤ «لكل سهو سجدتان بعد ما يسلم» ..

(٢) الوسائل الباب ٤٣ من الجنابة.

٣٤١

العدة على المطلقة ان ذلك لاستبراء الرحم من الولد (١) مع وجوب العدة وان كان قد فارقها قبل الطلاق بعشر سنين مثلا ، وورد في علة استحباب غسل الجمعة ان الأنصار كانت تحضر الصلاة وتأتى من نواضحها فيتأذى الناس بريح آباطهم فأمر صلى‌الله‌عليه‌وآله بالغسل لذلك (٢) مع ما عرفت من عموم الاستحباب لمن كان ريحه أطيب من ريح المسك بل جواز تقديمه وقضائه ، الى غير ذلك من العلل التي يقف عليها المتتبع

وقال في الذخيرة حيث اختار التداخل : لنا ان الأمر مطلق فيحصل الامتثال بفرد واحد من المأمور به ، فإنهم (عليهم‌السلام) قالوا «إذا تكلم سجد للسهو (٣). وإذا سلم في غير موضعه سجد للسهو» (٤). وليس في أحد النصين تقييد للسجود بكونه سجودا مغايرا لسجود يتدارك به خلل آخر بل النص مطلق فيحصل امتثال كل من التكليفين بكل ما كان فردا للسجود.

ويمكن تطرق المناقشة إليه بأن المتبادر من قوله «إذا تكلم سجد للسهو» مثلا هو ان ذلك السجود للكلام خاصة والاكتفاء به عن السلام وغيره يحتاج الى دليل ومجرد عدم التقييد للسجود بكونه سجودا مغايرا لسجود يتدارك به خلل آخر لا يكفي في الاكتفاء به ، فإنه متى انصرف هذا السجود الى الكلام مثلا بهذا الخبر وتعين ترتبه عليه فدخول غيره من الأسباب ومشاركته لهذا السبب يتوقف على الدليل. وبالجملة فالأظهر انما هو الاستناد الى ما ذكرنا من عموم النص المتقدم.

ومما يستأنس به لذلك ـ بل يمكن أن يكون دليلا واضحا في المقام وان لم يخطر ببال أحد من علمائنا الأعلام رفع الله تعالى أقدارهم في دار السلام ـ

__________________

(١) الوسائل الباب ٣٠ من العدد.

(٢) الوسائل الباب ٦ من الأغسال المسنونة.

(٣) هذا مضمون ما يدل على ذلك راجع ص ٣١٤.

(٤) يمكن ان يكون ذكر هذا المضمون من باب المثال إذ ورود ما يدل على ذلك محل الكلام كما تقدم في الأمر الثاني ص ٣١٧ وكما تقدم من صاحب الذخيرة في المسألة الثانية من المسائل التي عقدها تعليقا على بيان العلامة «قدس‌سره» أسباب سجود السهو.

٣٤٢

موثقة عمار عن ابى عبد الله عليه‌السلام (١) «انه سأله عن رجل صلى ثلاث ركعات فظن انها اربع فسلم ثم ذكر انها ثلاث؟ قال يبنى على صلاته ويصلى ركعة ويتشهد ويسلم ويسجد سجدتي السهو».

والتقريب فيها انه جلس في موضع قيام وهو أحد موجبات سجود السهو كما تقدم ودلت عليه جملة من الأخبار ، وتشهد وهو أحد الموجبات بناء على القول بالزيادة والنقصان (٢) وسلم وهو كذلك ، فهذه موجبات ثلاثة للسجود مع انه عليه‌السلام لم يأمره إلا بسجود واحد.

ونحوها عبارة كتاب الفقه المتقدمة مع هذه الرواية في الموضع الثاني من صدر الخاتمة (٣).

إلا ان الاستدلال بهذين الخبرين انما يقوم دليلا واضحا مع اتفاق الأخبار على سببية هذه الأسباب الثلاثة وقد عرفت الاختلاف في كل واحد من المواضع الثلاثة. والله العالم.

(التاسع) ـ قال شيخنا الشهيد (عطر الله مرقده) في الذكرى : ينبغي ترتيبه بترتيب الأسباب. ولو كان هناك ما يقضى من الاجزاء قدمه على سجدتي السهو وجوبا على الأقوى. ولو تكلم ونسي سجدة سجدها أو لا ثم سجد لسهوها وان كان متأخرا عن الكلام لارتباطه بها ، ويحتمل تقديم سجود الكلام لتقدم سببه. ولو ظن ان سهوه كلام فسجد له فتبين انه كان نسيان سجدة فالأقرب الإعادة بناء على ان تعيين السبب شرط وهو اختيار الفاضل. ولو نسي سجدات اتى بها متتاليا وسجد للسهو بعدها وليس له ان يخلله بينها على الأقرب صونا للصلاة عن الأجنبي. انتهى.

__________________

(١) الوسائل الباب ٣ من الخلل في الصلاة.

(٢) الظاهر منه «قدس‌سره» عند تحريره لهذه المسألة ص ١٥٤ انه بنفسه موجب للسجود وان لم يجب لكل زيادة ونقصان.

(٣) ص ٣١٧.

٣٤٣

وفي أكثر هذه الأحكام تأمل سيما بعد ما عرفت من ان عمدة ما يقضى عندهم من الأجزاء المنسية هو السجدة ، والتشهد ، وقد عرفت ان الروايات الواردة بقضاء السجدة ليس فيها ما يدل على سجود السهو بل الذي فيها انما يدل على عدمه ، والروايات الواردة في التشهد لا دلالة فيها على قضاء التشهد كما يدعونه وانما تضمنت سجود السهو خاصة ، ومع الإغماض عن ذلك والنظر الى استدلالهم فما اشتمل منها على قضاء التشهد ليس فيه تعرض للسجود بالكلية وما اشتمل منها على السجود ليس فيه تعرض لذكر القضاء بالكلية.

(العاشر) ـ المشهور بين الأصحاب (عطر الله مراقدهم) ان وجوب السجدتين المذكورتين فوري مستندين الى كون الأمر للفور. وفيه منع ظاهر لما صرح به محققوا الأصوليين في المسألة من عدم ذلك كما لا يخفى على من راجع كتبهم.

واستندوا ايضا الى الأخبار المتقدمة الدالة على إيقاعهما جالسا قبل ان يتكلم وانهما بعد السلام وقبل الكلام (١).

وأورد عليه بان غاية ما تدل عليه كون إيقاعهما قبل الكلام ولا تلازم بينه وبين الفورية.

أقول : لا يخفى انه وان كان هذا الوجه لا يصلح دليلا إلا ان إشعاره بالفورية ظاهر ، فان المتبادر ـ من كونه بعد السلام وقبل الكلام كما اشتمل عليه بعض الأخبار مع حمل البعدية على البعدية القريبة كما هو المتبادر من الإطلاق ـ هو الفورية به

وظاهر الشهيد في الألفية جعل الفورية مستحبة فيهما حيث قال : ولا يجب فعلهما في الوقت ولا قبل الكلام والاولى وجوبه. قال شيخنا الشهيد الثاني في الشرح : لورود أخبار كثيرة وفيها إشعار بالفورية ، ولما كانت الأخبار ليست سليمة من الطعن لم يكن التزام مدلولها متعينا بل اولى. ثم نقل القول بالفورية عن الذكرى. وظاهر كلامه (قدس‌سره) ان سبب العدول الى استحباب الفورية

__________________

(١) ص ٣٣٠.

٣٤٤

دون الوجوب إنما هو من حيث عدم سلامة الأخبار المشار إليها من الطعن. والظاهر ان مراده الطعن في الدلالة لما قدمنا ذكره وإلا فجملة من الأخبار المشار إليها لا طعن فيها من حيث السند.

ثم انه على القولين المذكورين لا يقدح تأخيرهما في صحة الصلاة ويجب الإتيان بهما وان طالت المدة.

ونقل ايضا عن ظاهر العلامة في النهاية استحباب الفورية.

وظاهر جملة من الأصحاب تحريم سائر المنافيات قبلهما ، وربما كان التفاتهم الى ان الأمر بهما بعد التسليم وقبل الكلام الذي هو من المنافيات وتخصيصه بالذكر حيث ان الغالب وقوعه بعد الفراغ وذكره انما خرج مخرج التمثيل لذلك. وبه يظهر ما في رد بعض المتأخرين لما ذكروه بأنه غير مستفاد من الأخبار. وكيف كان فالاحتياط يقتضيه البتة.

وذهب جماعة من الأصحاب إلى وجوب إيقاعهما في وقت الصلاة التي لزمتا بسببها ولم يذكروا له دليلا معتمدا ، وظاهر الألفية كما تقدم في عبارتها الاستحباب. وظاهر أكثر الأصحاب الاتفاق على انه لو أخل بالفور أو الوقت أو تكلم عمدا أو سهوا لا تبطل الصلاة به ولا يسقط السجود إذ لا دليل يدل على اشتراط صحة الصلاة به كما تقدم ذكره ، وتدل عليه رواية عمار المتقدمة في المقام السادس وكذا روايته الثانية المذكورة ثمة (١) إلا ان موردهما النسيان. وظاهر الثانية وقوع السهو في الصلاة السابقة على الفجر.

تتمة تشتمل على فائدتين

(الأولى) ـ الظاهر انه لا خلاف بين الأصحاب في التخيير في النافلة بين البناء على الأكثر أو الأقل لو عرض له الشك فيها مع أفضلية البناء على الأقل ، قال في المدارك : لا ريب في أفضلية البناء على الأقل لأنه المتيقن ، واما جواز البناء على

__________________

(١) ص ٣٣٩.

٣٤٥

الأكثر فقال المصنف في المعتبر انه متفق عليه بين الأصحاب ، واستدل عليه بان النافلة لا تجب بالشروع فكان للمكلف الاقتصار على ما أراد. ثم قال في المدارك : وهو استدلال ضعيف إذ ليس الكلام في جواز القطع وانما هو في تحقق الامتثال بذلك وهو يتوقف على الدليل إذ مقتضى الأصل عدم وقوع ما تعلق به الشك. انتهى. وهو جيد.

أقول يمكن ان يستدل لافضلية البناء على الأقل هنا بما رواه ثقة الإسلام في الكافي مرسلا (١) قال «وروى انه إذا سها في النافلة بنى على الأقل». والظاهر من إيراده هذا الخبر هو التنبيه على الفرق بين الفريضة والنافلة ، فإن حكم الفريضة ـ كما قدمنا تحقيقه ـ هو البناء على الأكثر مطلقا وما ورد فيها من البناء على الأقل فقد بينا وجهه ، واما النافلة فإن الحكم فيها هو البناء على الأقل لهذا الخبر. واما ما ذكره أصحابنا من جواز البناء على الأكثر فالظاهر انه لا مستند له إلا ما يدعونه من الاتفاق كما سمعت من عبارة المعتبر.

قال في المدارك : واعلم انه لا فرق في مسائل السهو والشك بين الفريضة والنافلة إلا في الشك في الأعداد فإن الثنائية من الفريضة تبطل بذلك بخلاف النافلة ، وفي لزوم سجود السهو فإن النافلة لا سجود فيها بفعل ما يوجبه في الفريضة للأصل وصحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما (عليهما‌السلام) (٢) قال : «سألته عن السهو في النافلة؟ قال ليس عليك سهو». انتهى. وهو جيد. والظاهر من صحيحة محمد بن مسلم المذكورة ان السهو في النافلة لا يوجب ما يوجبه السهو في الفريضة من سجدتي السهو أو غيرهما فمعنى قوله «ليس عليك سهو» رفع أحكام السهو بالكلية.

واما ما ورد في بعض الأخبار من الإعادة بالشك في الوتر فحمله الأصحاب

__________________

(١) الوسائل الباب ١٨ من الخلل في الصلاة.

(٢) الوسائل الباب ١٨ من الخلل في الصلاة ، وفيه هكذا «ليس عليك شي‌ء» وكذا في الفروع ج ١ ص ١٠٠ والتهذيب ج ١ ص ٢٣٤ والوافي باب «من لا يعتد بشكه.».

٣٤٦

على الاستحباب دون البطلان وقد تقدم ذكره.

وروى الشيخ في الصحيح عن عبيد الله الحلبي (١) قال : «سألته عن رجل سها في ركعتين من النافلة فلم يجلس بينهما حتى قام فركع في الثالثة؟ قال يدع ركعة ويجلس ويتشهد ويسلم ثم يستأنف الصلاة بعد».

وهذا الخبر مؤيد لما ذكرناه في معنى صحيحة محمد بن مسلم من العموم فإنه في هذه الصورة المفروضة قد صلى النافلة ثلاث ركعات ولم يذكر إلا في حال ركوعه في الثالثة فأمره عليه‌السلام بإلغاء الركعة الثالثة والبناء على الركعتين الأولتين ولم يحكم ببطلان النافلة للزيادة كما حكموا به في الفريضة. وفي معناها رواية الحسن الصيقل المتقدمة في المقام الثالث (٢) والله العالم.

(الثانية) ـ روى ثقة الإسلام والصدوق عن السكوني عن ابى عبد الله عليه‌السلام (٣) قال : «أتى رجل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فقال يا رسول الله أشكو إليك ما القى من الوسوسة في صلاتي حتى لا أدرى ما صليت من زيادة أو نقصان؟ فقال : إذا دخلت في صلاتك فاطعن فخذك الأيسر بإصبعك اليمنى المسبحة ثم قل : بسم الله وبالله توكلت على الله أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم. فإنك تنحره وتطرده».

وروى الصدوق في الفقيه (٤) عن عمر بن يزيد في الصحيح انه قال «شكوت الى ابى عبد الله عليه‌السلام السهو في المغرب فقال صلها بقل هو الله أحد وقل يا ايها الكافرون ففعلت ذلك فذهب عنى».

وعن أبي حمزة الثمالي عن ابى عبد الله عليه‌السلام (٥) قال : «اتى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله رجل فقال يا رسول الله لقيت من وسوسة صدري شدة وانا رجل معيل مدين محوج؟ فقال له كرر هذه الكلمات «توكلت على الحي الذي لا يموت والحمد لله الذي لم يتخذ

__________________

(١) الوسائل الباب ١٨ من الخلل في الصلاة.

(٢) ص ٣٣٢.

(٣) الوسائل الباب ٣١ من الخلل في الصلاة.

(٤ و ٥) ج ١ ص ٢٢٤.

٣٤٧

صاحبة ولا ولدا ولم يكن له شريك في الملك ولم يكن له ولى من الذل وكبره تكبيرا» قال فلم يلبث ان عاد اليه فقال يا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله اذهب الله عنى وسوسة صدري وقضى ديني ووسع رزقي». نسأل الله ان يذهب عنا وسوسة الصدور وينجينا من عداوة الشيطان الرجيم في الورود والصدور ويقضى عنا ديون الدنيا والآخرة ويصلح لنا الأمور ويوسع في أرزاقنا ويقينا كل محذور.

الى هنا انتهى الكلام في المجلد الثالث (١) من كتاب الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة ويتلوه ان شاء الله تعالى المجلد الرابع في صلاة الجمعة وما يتبعها من الصلوات والملحقات وفق الله تعالى لإتمامه والفوز بسعادة ختامه ودفع عنا عوائق هذه الأيام وما تبديه ولا سيما عروض الأمراض والأسقام وبوائقها التي لا تنيم ولا تنام. وكان ذلك في الأرض المقدسة التي على التقوى مؤسسة كربلاء المعلى على ساكنها وأجداده وأبنائه صلوات ذي العلاء في اليوم الأول من الشهر المبارك شهر رمضان ختم بالخير والعافية والرضوان من السنة الثامنة والسبعين بعد المائة والألف من الهجرة النبوية على مهاجرها وآله أفضل التحية.

الباب الثالث

في بقية الصلوات وفيه فصول

(الفصل الأول) ـ في صلاة الجمعة وفيه مقدمة ومطالب :

أما المقدمة ففي فضل يوم الجمعة وليلته ، روى في الكافي عن ابى بصير (٢) قال «سمعت أبا جعفر عليه‌السلام يقول ما طلعت الشمس بيوم أفضل من يوم الجمعة».

__________________

(١) هذا بحسب تقسيمه «قدس‌سره» واما بحسب تقسيمنا فهذا هو الجزء التاسع وينتهى ـ حفظا للتوازن بين الاجزاء ـ بنهاية المطلب الأول في بيان حكم صلاة الجمعة في زمن الغيبة ، ويبتدئ الجزء العاشر من المطلب الثاني في شروط وجوب الجمعة.

(٢) الوسائل الباب ٤٠ من صلاة الجمعة وآدابها.

٣٤٨

وعن احمد بن محمد عن ابى الحسن الرضا عليه‌السلام (١) قال : «قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ان يوم الجمعة سيد الأيام يضاعف الله تعالى فيه الحسنات ويمحو فيه السيئات ويرفع فيه الدرجات ويستجيب فيه الدعوات ويكشف فيه الكربات ويقضى فيه الحوائج العظام ، وهو يوم المزيد لله فيه عتقاء وطلقاء من النار ، ما دعا به أحد من الناس وعرف حقه وحرمته إلا كان حقا على الله تعالى ان يجعله من عتقائه وطلقائه من النار ، فان مات في يومه وليلته مات شهيدا وبعث آمنا ، وما استخف أحد بحرمته وضيّع حقه إلا كان حقا على الله عزوجل ان يصليه نار جهنم إلا ان يتوب».

وعن ابان عن الصادق عليه‌السلام (٢) قال : «ان للجمعة حقا وحرمة فإياك أن تضيع أو تقصر في شي‌ء من عبادة الله تعالى والتقرب اليه بالعمل الصالح وترك المحارم كلها ، فان الله يضاعف فيه الحسنات ويمحو فيه السيئات ويرفع فيه الدرجات. وذكر ان يومه مثل ليلته فان استطعت ان تحييها بالصلاة والدعاء فافعل فان ربك ينزل في أول ليلة الجمعة إلى السماء الدنيا فيضاعف فيه الحسنات ويمحو فيه السيئات وان الله واسع كريم».

أقول : الظاهر كما استظهره في الوافي وقوع التقديم والتأخير في قوله في الخبر «يومه مثل ليلته» سهوا من بعض النقلة وانه انما كان «ليلته مثل يومه».

وعن ابن ابى يعفور عن الباقر عليه‌السلام (٣) قال : «قال له رجل كيف سميت الجمعة؟ قال ان الله عزوجل جمع فيها خلقه لولاية محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله ووصيه في الميثاق فسماه يوم الجمعة لجمعه فيه خلقه».

وعن جابر عن الباقر عليه‌السلام (٤) قال : «سئل عن يوم الجمعة وليلتها فقال ليلتها ليلة غراء ويومها يوم أزهر ، وليس على وجه الأرض يوم تغرب فيه

__________________

(١ و ٢ و ٤) الوسائل الباب ٤٠ من صلاة الجمعة وآدابها.

(٣) الوسائل الباب ٤٠ من صلاة الجمعة وآدابها. والسند فيه هكذا : عن ابن ابى يعفور عن أبي حمزة عن ابى جعفر «ع» وكذا في الفروع ج ١ ص ١١٥. وفي التهذيب ج ١ ص ٢٤٦ عن الكليني كما في المتن وكذا في الوافي باب فضل يوم الجمعة وليلته.

٣٤٩

الشمس أكثر معافى من النار ، من مات يوم الجمعة عارفا بحق أهل البيت (عليهم‌السلام) كتب الله تعالى له براءة من النار وبراءة من عذاب القبر ، ومن مات ليلة الجمعة أعتق من النار».

وعن إبراهيم ابن ابى البلاد عن بعض أصحابه عن الباقر أو الصادق (عليهما‌السلام) (١) قال : «ما طلعت الشمس بيوم أفضل من يوم الجمعة وان كلام الطير فيه إذا لقي بعضها بعضا سلام سلام يوم صالح».

وعن محمد بن إسماعيل بن بزيع عن الرضا عليه‌السلام (٢) قال : «قلت له بلغني ان يوم الجمعة أقصر الأيام؟ قال كذلك هو. قلت جعلت فداك كيف ذاك؟ قال ان الله تعالى يجمع أرواح المشركين تحت عين الشمس فإذا ركدت الشمس عذب الله أرواح المشركين بركود الشمس ساعة فإذا كان يوم الجمعة لا يكون للشمس ركود رفع الله تعالى عنهم العذاب لفضل يوم الجمعة فلا يكون للشمس ركود».

وروى في الفقيه (٣) مرسلا قال : «سئل الصادق عليه‌السلام عن الشمس كيف تركد كل يوم ولا يكون لها يوم الجمعة ركود؟ قال لان الله تعالى جعل يوم الجمعة أضيق الأيام. فقيل له ولم جعله أضيق الأيام؟ قال لأنه لا يعذب المشركين في ذلك اليوم لحرمته عنده».

وروى في الفقيه والتهذيب عن ابى بصير عن ابى عبد الله عليه‌السلام (٤) قال : «ان الله تبارك وتعالى لينادي كل ليلة جمعة من فوق عرشه من أول الليل الى آخره ألا عبد مؤمن يدعوني لآخرته ودنياه قبل طلوع الفجر فأجيبه؟ ألا عبد مؤمن يتوب الى من ذنوبه قبل طلوع الفجر فأتوب عليه؟ ألا عبد مؤمن قد قترت عليه

__________________

(١) الوسائل الباب ٤٠ من صلاة الجمعة وآدابها.

(٢) الفروع ج ١ ص ١١٦ وفي الوسائل الباب ٤٠ من صلاة الجمعة وآدابها.

(٣) ج ١ ص ١٤٥ وفي الوسائل الباب ٤٠ من صلاة الجمعة وآدابها.

(٤) الوسائل الباب ٤٤ من صلاة الجمعة وآدابها. والرواية عن ابى جعفر «ع».

٣٥٠

رزقه يسألني الزيادة في رزقه قبل طلوع الفجر فأزيده وأوسع عليه؟ ألا عبد مؤمن سقيم يسألني أن أشفيه قبل طلوع الفجر فأعافيه؟ ألا عبد مؤمن محبوس مغموم يسألني ان أطلقه من حبسه وأخلي سربه؟ ألا عبد مؤمن مظلوم يسألني أن آخذ له بظلامته قبل طلوع الفجر فانتصر له وآخذ له بظلامته؟ قال فلا يزال ينادى بهذا حتى يطلع الفجر».

وروى في الفقيه عن عبد العظيم بن عبد الله الحسنى عن إبراهيم بن ابى محمود (١) قال : «قلت للرضا عليه‌السلام ما تقول في الحديث الذي يرويه الناس عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله انه قال ان الله تبارك تعالى ينزل في كل ليلة جمعة الى السماء الدنيا؟ فقال عليه‌السلام لعن الله المحرفين الكلم عن مواضعه والله ما قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله كذلك انما قال ان الله تبارك وتعالى ينزل ملكا الى السماء الدنيا كل ليلة في الثلث الأخير وليلة الجمعة من أول الليل فيأمره فينادي هل من سائل فأعطيه؟ هل من تائب فأتوب عليه؟ هل من مستغفر فاغفر له؟ يا طالب الخير أقبل ويا طالب الشر اقصر. فلا يزال ينادى بهذا حتى يطلع الفجر فإذا طلع الفجر عاد الى محله من ملكوت السماء. حدثني بذلك ابى عن جدي عن آبائه عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله».

أقول : يمكن ان يكون وجه الجمع بين هذا الخبر وما تقدم في حديث ابان بحمل تحريف الكلم عن مواضعه في هذا الخبر على فهم المخالفين من هذا الحديث الذي نقلوه عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله التجسيم وان نزوله عزوجل انما هو باعتبار نزول من يأمره بذلك ، فان هذا المجاز شائع في الكلام كما تقول «قتل الملك فلانا» باعتبار امره بذلك ، ويكون الخبر الذي نقله عليه‌السلام هنا انما هو عبارة عن معنى ذلك الخبر وان المراد به ذلك لا ما فهموه من التجسيم وجواز الانتقال عليه عزوجل كما هو مذهب الحنابلة (٢).

__________________

(١) الوسائل الباب ٤٤ من صلاة الجمعة وآدابها.

(٢) نسبه إليهم العلامة «قدس‌سره» في (نهج الحق وكشف الصدق) وأنكر النسبة

٣٥١

وروى في الفقيه (١) مرسلا قال : «وروى انه ما طلعت الشمس في يوم أفضل من يوم الجمعة وكان اليوم الذي نصب فيه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أمير المؤمنين عليه‌السلام بغدير خم يوم الجمعة ، وقيام القائم عليه‌السلام يكون في يوم الجمعة ، وتقوم القيامة في يوم الجمعة يجمع الله تعالى فيه الأولين والآخرين ، قال الله عزوجل (ذلِكَ يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النّاسُ وَذلِكَ يَوْمٌ مَشْهُودٌ)» (٢).

وروى محمد عن الصادق عليه‌السلام (٣) في قول يعقوب لبنيه (سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي) (٤) قال : «أخرها إلى السحر ليلة الجمعة».

وروى أبو بصير عن أحدهما (عليهما‌السلام) (٥) قال : «ان العبد المؤمن ليسأل الله عزوجل الحاجة فيؤخر الله عزوجل قضاء حاجته التي سأل الى يوم الجمعة ليخصه بفضل يوم الجمعة».

وروى داود بن سرحان عن الصادق عليه‌السلام (٦) في قول الله عزوجل (وَشاهِدٍ وَمَشْهُودٍ) (٧) قال «الشاهد يوم الجمعة».

__________________

ابن روزبهان وأيد القاضي التستري في إحقاق الحق نسبة المصنف إليهم بنسبة الفخر الرازي ذلك إليهم في رسالته في ترجيح مذهب الشافعي ، راجع دلائل الصدق للحجة المظفر ج ١ ص ١٣٣. وفي كتاب السنة لأحمد بن حنبل ص ٤٨ و ٤٩ «والله تعالى سميع لا يشك. الى ان قال : ويبصر ويضحك. ثم قال وينزل تبارك وتعالى كل ليلة جمعة الى السماء الدنيا كيف يشاء «٤٢ : ١١ (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْ‌ءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ)» وقلوب العباد بين إصبعين من أصابع الرب وخلق الله عزوجل آدم «عليه‌السلام» بيده والسماوات والأرض يوم القيامة في كفه ويخرج قوما من النار بيده وينظر أهل الجنة إلى وجهه ويرونه فيكرمهم ويتجلى لهم فيعطيهم».

(١) ج ١ ص ٢٧٢.

(٢) سورة هود الآية ١٠٥.

(٣ و ٥) الوسائل الباب ٤٤ من صلاة الجمعة وآدابها.

(٤) سورة يوسف الآية ٩٩.

(٦) الوسائل الباب ٤٠ من صلاة الجمعة وآدابها.

(٧) سورة البروج الآية ٣.

٣٥٢

قال في مجمع البيان (١) في تفسير قوله تعالى «وَشاهِدٍ وَمَشْهُودٍ» فيه أقوال : (أحدها) ـ ان الشاهد يوم الجمعة والمشهود يوم عرفة عن ابن عباس وقتادة ، وروى ذلك عن الباقر والصادق عليهما‌السلام) وعن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ايضا. وسمى يوم الجمعة شاهدا لانه يشهد على كل عامل بما عمل فيه ، وفي الحديث «ما طلعت الشمس على يوم ولا غربت على يوم أفضل منه وفيه ساعة لا يوافقها من يدعو فيها الله تعالى بخير إلا استجاب له ولا استعاذ من شر إلا أعاذه منه». ويوم عرفة مشهود يشهد الناس فيه موسم الحج وتشهده الملائكة. و (ثانيها) ان الشاهد يوم النحر والمشهود يوم عرفة عن إبراهيم. و (ثالثها) ان الشاهد محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله والمشهود يوم القيامة عن ابن عباس في رواية أخرى وسعيد بن المسيب وهو المروي عن الحسن بن على (عليهما‌السلام). وروى ان رجلا دخل مسجد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فإذا رجل يحدث عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال فسألته عن الشاهد والمشهود فقال : نعم الشاهد يوم الجمعة والمشهود يوم عرفة. فجزته الى آخر يحدث عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فسألته عن ذلك فقال نعم : اما الشاهد فيوم الجمعة واما المشهود فيوم النحر. فجزتهما الى غلام كأن وجهه الدينار وهو يحدث عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فسألته عن ذلك فقال : نعم اما الشاهد فمحمد صلى‌الله‌عليه‌وآله واما المشهود فيوم القيامة ، أما سمعته سبحانه يقول «يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنّا أَرْسَلْناكَ شاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً» (٢) وقال «ذلِكَ يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النّاسُ وَذلِكَ يَوْمٌ مَشْهُودٌ» (٣) فسألت عن الأول فقالوا ابن عباس وسألت عن الثاني فقالوا ابن عمر وسألت عن الثالث فقالوا الحسن بن على (عليهما‌السلام). و (رابعها) ان الشاهد يوم عرفة والمشهود يوم الجمعة ، وعن ابى الدرداء عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : «أكثروا الصلاة على يوم الجمعة فإنه يوم مشهود تشهده الملائكة وان أحدا لا يصلى على إلا عرضت على صلاته حتى يفرغ منها. قال

__________________

(١) ج ٥ ص ٤٦٦.

(٢) سورة الأحزاب الآية ٤٤.

(٣) سورة هود الآية ١٠٥.

٣٥٣

فقلت وبعد الموت؟ فقال ان الله تعالى حرم على الأرض ان تأكل أجساد الأنبياء فنبى الله حتى يرزق». و (خامسها) ان الشاهد الملك يشهد على ابن آدم والمشهود يوم القيامة عن عكرمة ، وتلا هاتين الآيتين «وَجاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَها سائِقٌ وَشَهِيدٌ» (١) «وَذلِكَ يَوْمٌ مَشْهُودٌ» (٢) و (سادسها) ان الشاهد الذين يشهدون على الناس والمشهود هم الذين يشهد عليهم عن الجبائي. و (سابعها) الشاهد هذه الأمة والمشهود سائر الأمم لقوله «لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النّاسِ» (٣) عن الحسن ابن الفضل. و (ثامنها) الشاهد أعضاء بنى آدم والمشهود هم لقوله تعالى «يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ). الآية» (٤) و (تاسعها) الشاهد الحجر الأسود والمشهود الحاج. و (عاشرها) الشاهد الأيام والليالي والمشهود بنو آدم ، وينشد للحسين بن على عليه‌السلام :

مضى أمسك الماضي شهيدا معدلا

وخلفت في يوم عليك شهيد

فإن أنت بالأمس اقترفت إساءة

فقيد بإحسان وأنت حميد

ولا ترج فعل الخير يوما الى غد

لعل غدا يأتي وأنت فقيد

(الحادي عشر) الشاهد الأنبياء والمشهود محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله لقوله سبحانه «(وَإِذْ أَخَذَ اللهُ مِيثاقَ النَّبِيِّينَ). الى قوله (فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشّاهِدِينَ)» (٥) (الثاني عشر) الشاهد الخلق والمشهود الحق «وفي كل شي‌ء له آية تدل على انه واحد» وقيل الشاهد الله والمشهود لا إله إلا الله لقوله تعالى : «شَهِدَ اللهُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلّا هُوَ ... الآية» (٦). انتهى.

وروى الصدوق في الفقيه عن المعلى بن خنيس عن الصادق عليه‌السلام (٧) انه قال «من وافق منكم يوم الجمعة فلا يشتغلن بشي‌ء غير العبادة فإن فيه يغفر للعباد وتنزل عليهم الرحمة».

__________________

(١) سورة ق الآية ٢٠.

(٢) سورة هود الآية ١٠٥.

(٣) سورة البقرة الآية ١٣٧.

(٤) سورة النور الآية ٢٤.

(٥) سورة آل عمران الآية ٧٥.

(٦) سورة آل عمران الآية ١٦.

(٧) الوسائل الباب ٤٠ من صلاة الجمعة وآدابها.

٣٥٤

قال : وروى الأصبغ بن نباتة عن أمير المؤمنين عليه‌السلام (١) انه قال : «ليلة الجمعة ليلة غراء ويومها يوم أزهر من مات ليلة الجمعة كتب الله له براءة من ضغطة القبر ومن مات يوم الجمعة كتب الله له براءة من النار».

وعن هشام بن الحكم في الصحيح عن الصادق عليه‌السلام (٢) «في الرجل يريد ان يعمل شيئا من الخير مثل الصدقة والصوم ونحو هذا؟ قال يستحب أن يكون ذلك يوم الجمعة فإن العمل يوم الجمعة يضاعف».

وروى في الخصال بسنده عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله (٣) قال : «ان ليلة الجمعة ويوم الجمعة أربع وعشرون ساعة لله عزوجل في كل ساعة ستمائة ألف عتيق من النار».

وعن ابن ابى عمير عن غير واحد عن الصادق عليه‌السلام (٤) قال : «السبت لنا والأحد لشيعتنا والاثنين لأعدائنا والثلاثاء لبني أمية (لعنهم الله) والأربعاء يوم شرب الدواء والخميس تقضى فيه الحوائج والجمعة للتنظيف وهو عيد المسلمين وهو أفضل من الفطر والأضحى ، ويوم غدير خم أفضل الأعياد وهو الثامن عشر من ذي الحجة. ويخرج قائمنا أهل البيت يوم الجمعة وتقوم القيامة يوم الجمعة ، وما من عمل أفضل يوم الجمعة من الصلاة على محمد وآله».

الى غير ذلك من الأخبار وفي ما ذكرناه كفاية لذوي الاعتبار.

المطلب الأول

في بيان حكم صلاة الجمعة في زمن الغيبة ونقل الأقوال والأخبار وبيان ما هو المختار الظاهر من الآية وأحاديث العترة الأطهار (صلوات الله عليهم آناء الليل والنهار» إلا أنا قبل الخوض في المقام نقدم من التحقيق الظاهر لذوي الأفهام ما عسى به تنكشف غشاوة الإبهام وتنجلي به غياهب الظلام :

فنقول : لا ريب ان الظاهر من الأخبار حتى كاد ان يكون كالشمس الساطعة

__________________

(١ و ٢ و ٣ و ٤) الوسائل الباب ٤٠ من صلاة الجمعة وآدابها.

٣٥٥

على جميع الأقطار هو الوجوب العيني الذي لا يختلجه الشك منها والإنكار متى لوحظت في حد ذاتها بعين الإنصاف والاعتبار إلا ان الشبهة قد دخلت على جل أصحابنا (رضوان الله عليهم) في هذه المسألة من وجهين فاسقطوا بذلك فيها الوجوب العيني من البين : (أحدهما) عدم جواز العمل بخبر الواحد فان بعضا منهم منع من العمل به وبعضا توقف في ذلك وتحقيق ذلك في الأصول. و (ثانيهما) من أخذ الإجماع مدركا شرعيا كالكتاب والسنة النبوية وجعله دليلا مرعيا يعتمد عليه في الأحكام الشرعية ، فالكلام هنا يقع في مقامين :

(الأول) ـ في العمل بخبر الواحد فانا نقول بتوفيق الله تعالى وهدايته وعنايته : ان أخبارنا المروية في كتب الأخبار المصنفة من علمائنا الأبرار وان صدق عليها اخبار الآحاد باعتبار المقابلة بالمتواتر إلا انها قد اعتضدت بالقرائن الدالة على صحتها عن الأئمة الطاهرين كما صرح به جملة من علمائنا المحققين : منهم ـ شيخ الطائفة في صدر كتاب الاستبصار وكتاب العدة وغيره في غيرهما ، بل صرح بذلك المرتضى (رضى الله عنه) الذي هو أحد المنقول عنه تلك المقالة كما نقله عنه في المعالم. ولا يخفى ان عمل أصحابنا (رضوان الله عليهم) قديمهم وحديثهم مجتهدهم واخباريهم إنما هو على هذه الأخبار وبناء مذهبهم إنما هو عليها ، وقد قيض الله تعالى بلطيف حكمته ومنيف عنايته أقواما من الثقات الصادقين في زمن الأئمة الطاهرين (صلوات الله عليهم أجمعين) لجمع الأخبار المسموعة عنهم (عليهم‌السلام) وتدوينها في الأصول المشهورة وهي أربعمائة أصل كما صرح به جملة من الأصحاب وأمروا من أهل البيت (صلوات الله عليهم أجمعين) بتدوينها وحفظها لعلهم بما يحدث من التقية والحيرة بعد غيبة قائمهم (عليهم‌السلام) وانسداد أبواب استفادة الأحكام التي كانت في زمانهم وزمان نواب قائمهم مشرعة لجملة الأنام فالعمل والمدار في الإيراد والإصدار إنما هو على هذه الاخبار كما لا يخفى على ذوي البصائر والأبصار.

ولنكتف هنا بنقل كلام المحقق المدقق صاحب المعالم في المقام ونذكره مع طوله لجودة محصوله وان طال به زمام الكلام فنقول :

٣٥٦

قال المحقق المذكور بعد ان ذكر أولا ان خبر الواحد يفيد العلم مع انضمام القرائن اليه واحتجاجه بما ذكره من الحجج عليه ، ثم ذكر ان ما عرى من خبر الواحد عن القرائن المفيدة للعلم يجوز التعبد به عقلا ، وهل هو واقع أو لا؟ خلاف بين الأصحاب ، فذهب جمع من المتقدمين كالمرتضى وابن زهرة وابن البراج وابن إدريس الى الثاني وصار جمهور المتأخرين إلى الأول وهو الأقرب ، ثم استدل على ذلك بوجوه ثم ذكر الأول والثاني ثم قال ما صورته : الثالث ـ اطباق قدماء الأصحاب الذين عاصروا الأئمة (عليهم‌السلام) وأخذوا منهم أو قاربوا عصرهم على رواية أخبار الآحاد وتدوينها والاعتناء بحال الرواة والتفحص عن المقبول والمردود والبحث عن الثقة والضعيف واشتهار ذلك بينهم في كل عصر من تلك الأعصار وفي زمان امام بعد امام ولم ينقل عن أحد منهم إنكار لذلك أو مصير الى الى خلافه ولا روى عن الأئمة (عليهم‌السلام) حديث يضاده مع كثرة الروايات عنهم في فنون الأحكام ، قال العلامة في النهاية : اما الإمامية فالاخباريون منهم لم يعولوا في أصول الدين وفروعه إلا على اخبار الآحاد المروية عن الأئمة (عليهم‌السلام) والأصوليون منهم كأبي جعفر الطوسي وغيره وافقوا على قبول الخبر الواحد في الفروع ولم ينكره أحد سوى المرتضى واتباعه لشبهة حصلت لهم. وحكى المحقق عن الشيخ سلوك هذا الطريق في الاحتجاج للعمل بأخبارنا المروية عن الأئمة (عليهم‌السلام) مقتصرا عليه فادعى الإجماع على ذلك وذكر ان قديم الأصحاب وحديثهم إذا طولبوا بصحة ما افتى به المفتي منهم عولوا على المنقول في أصولهم المعتمدة وكتبهم المدونة فيسلم له خصمه منهم الدعوى في ذلك ، وهذه سجيتهم من زمن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله الى زمن الأئمة (عليهم‌السلام) فلو لا ان العمل بهذه الأخبار جائز لأنكروه وتبرأوا من العامل به. وموافقونا من أهل الخلاف احتجوا بمثل هذه الطريقة ايضا فقالوا ان الصحابة والتابعين أجمعوا على ذلك بدليل ما نقل عنهم من الاستدلال بخبر الواحد وعملهم به في الوقائع المختلفة التي لا تكاد تحصى ، وقد تكرر ذلك مرة بعد اخرى وشاع وذاع بينهم ولم ينكر عليهم أحد والا لنقل ، وذلك يوجب العلم العادي

٣٥٧

باتفاقهم كالقول الصريح. (الرابع) ـ ان باب العلم القطعي بالأحكام الشرعية التي لم تعلم بالضرورة من الدين أو من مذهب أهل البيت (عليهم‌السلام) في نحو زماننا منسد قطعا ، إذ الموجود من أدلتها لا يفيد غير الظن لفقد السنة المتواترة وانقطاع طريق الاطلاع على الإجماع من غير النقل بخبر الواحد ووضوح كون أصالة البراءة لا تفيد غير الظن وكون الكتاب ظني الدلالة ، وإذا تحقق انسداد باب العلم في حكم شرعي كان التكليف فيه بالظن قطعا ، والعقل قاض بان الظن إذا كانت له جهات متعددة تتفاوت بالقوة والضعف فالعدول عن القوى منها الى الضعيف قبيح ، ولا ريب ان كثيرا من أخبار الآحاد يحصل بها من الظن ما لا يحصل بشي‌ء من سائر الأدلة فيجب تقديم العمل بها. ثم ساق الكلام في الذنب عن ما ذكره في المقام ورد حجج أولئك الأعلام على ما ذهبوا اليه من ذلك القول الناقص العيار والقليل المقدار ، الى ان قال : وقد أورد السيد على نفسه في بعض كلامه سؤالا هذا لفظه : فان قيل إذا سددتم طريق العمل بالأخبار فعلى أي شي‌ء تعولون في الفقه كله؟ وأجاب بما حاصله ان معظم الفقه يعلم بالضرورة من مذهب أئمتنا (عليهم‌السلام) فيه بالأخبار المتواترة وما لم يتحقق ذلك فيه ـ ولعله الأقل ـ يعول فيه على إجماع الإمامية. وذكر كلاما طويلا في بيان ما يقع فيه الاختلاف بينهم ومحصوله انه إذا أمكن تحصيل القطع بأحد الأقوال من طرق ذكرناها تعين العمل عليه وإلا كنا مخيرين بين الأقوال المختلفة لتعذر دليل التعيين. ولا ريب ان ما ادعاه من علم معظم الفقه بالضرورة وبإجماع الإمامية أمر ممتنع في هذا الزمان وأشباهه والتكليف فيها بحصول العلم غير جائز والاكتفاء بالظن في ما يتعذر فيه العلم مما لا شك فيه ولا نزاع ـ وقد ذكره في غير موضع من كلامه أيضا ـ فتستوي حينئذ الأخبار وغيرها من الأدلة المفيدة للظن في الصلاحية لإثبات الأحكام الشرعية في الجملة كما حققناه ، مع ان السيد قد اعترف في جواب المسائل التبانيات بأن أكثر أخبارنا المروية في كتبنا معلومة مقطوع على صحتها اما بالتواتر واما بأمارة وعلامة دلت على صحتها وصدق رواتها فهي موجبة للعلم مقتضية للقطع وان وجدناها مودعة في الكتب بسند مخصوص من طريق الآحاد.

٣٥٨

الى هنا ما نقلناه من كلام المحقق المشار اليه آنفا وهو جيد وجيه كما لا يخفى على الفطن النبيه إلا ان جعله (قدس‌سره) الأخبار تبعا لما ذكره غيره من علمائنا الأبرار من قبيل اخبار الآحاد العارية عن القرائن الموجبة للعلم بصحتها محل مناقشة يطول بذكرها الكلام.

ثم ان مما يدل على الاعتماد على اخبار الآحاد وصحة العمل بها ما روى عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله (١) في خطبة الغدير وغيرها من قوله «فليبلغ الشاهد الغائب». وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله في خطبته في مسجد الخيف المروية في الكافي وغيره عن الصادق عليه‌السلام (٢) «رحم الله امرأ سمع مقالتي فبلغها كما سمعها فرب حامل فقه ليس بفقيه. الحديث». وحديث (٣) «من حفظ على أمتي أربعين حديثا». وما علم من إرساله صلى‌الله‌عليه‌وآله وكذا أمير المؤمنين عليه‌السلام بعده في وقت خلافته الى جباية الخراج والصدقات والمقاسمات بل غير ذلك من الولايات الى البلدان البعيدة آحاد الناس ممن لم يبلغ عددهم التواتر فان جميع ذلك ونحوه مما يدل على ان المرجع في العمل بالأخبار ليس إلا الى ما يقتضي سكون النفس واطمئنان الخاطر لا الى ما يقتضي القطع واليقين بصحة المخبر به من عدد أو قرينة كما توهمه من لم يعض بضرس قاطع على تتبع السير

__________________

(١) الوسائل الباب ٨ من صفات القاضي والغدير ج ١ ص ٣٣.

(٢) الوسائل الباب ٨ من صفات القاضي عن الكافي بطريقين ولفظ الأول هكذا : «نضر الله عبدا سمع مقالتي فوعاها وحفظها وبلغها من لم يسمعها فرب حامل فقه غير فقيه ورب حامل فقه الى من هو أفقه منه.» والثاني بمعناه بأدنى تفاوت في اللفظ. وفي مجمع البحرين نقل الحديث في مادة «نضر» هكذا «نضر الله امرا» وفي مستدرك الوسائل الباب ٨ من صفات القاضي نقله بلفظ «نضر» أيضا إلا في رواية عوالي اللئالي فإن فيها «رحم» وفي رسالة الأصول للشافعي في مقدمة كتاب الام ص ٦٥ نقل الحديث كما في الوسائل.

(٣) نقله في الوسائل بطرق متعددة في الباب ٨ من صفات القاضي وفيها هكذا : «من حفظ من أمتي.» أو «من حفظ من شيعتنا.» نعم اللفظ في رواية الخصال كما في المتن وكذا في المستدرك الباب ٨ من صفات القاضي عن العوالي.

٣٥٩

والأخبار ولم يعط التأمل حقه في الآثار.

وبالجملة فإن ما ذهب إليه أولئك المتقدم ذكرهم من المنع من العمل بخبر الواحد ودعوى كون أخبارنا المذكورة من جملة ذلك في البطلان أظهر من ان يحتاج الى مزيد بيان ، إذ ليس مع رد هذه الأخبار المدونة في كتب الأصحاب إلا الخروج من هذا الدين أو العمل على غير مذهب ودين ، وذلك فإنه ليس بعد هذه الأخبار عندهم إلا الكتاب والإجماع ودليل العقل ، ولا ريب ان الكتاب لما هو عليه من الإجمال وقبول الاحتمال لا يفي بالمراد ، واما الإجماع فقد عرفت وستعرف ما فيه من انه ليس في عدة إلا تكثير السواد وتضييع المداد ، واما دليل العقل فاضعف ومع تسليمه فهو لا يأتي على جميع الأحكام.

ثم انه مما يزيد ما ذكرناه تأييدا ويعلى منارة تشييدا ما استفاض بل تواتر معنى بين الخاصة والعامة من قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله (١) «انى تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي لن تضلوا ما ان تمسكتم بهما لن يفترقا حتى يردا على الحوض». وهو مروي بطرق عديدة ومتون متقاربة ، ونحوه خبر (٢) «أهل بيتي كسفينة نوح من ركبها نجى ومن تخلف عنها غرق».

__________________

(١) في الوسائل الباب ٥ من صفات القاضي «قد تواتر بين العامة والخاصة عن النبي «ص» انه قال «انى تارك فيكم الثقلين ما ان تمسكتم بهما لن تضلوا : كتاب الله وعترتي أهل بيتي ، وانهما لن يفترقا حتى يردا على الحوض». ورواه الترمذي في سننه ج ١٣ ص ٢٠٠ و ٢٠١ باختلاف يسير في اللفظ ومسلم في صحيحة ج ٧ ص ١٢٢ و ١٢٣ واحمد في مسنده ج ٣ ص ١٤ و ١٧ و ٢٦ و ٥٩ وج ٤ ص ٣٦٦ والدارمي في سننه ج ٢ ص ٤٣٢ ، وقد ذكر الشيخ قوام الدين الوشنوي في رسالته «حديث الثقلين» المطبوعة بالقاهرة بإشراف دار التقريب ص ٦ مصادر هذا الحديث من كتب العامة وهي كثيرة وذكر فيها اختلاف المتن ايضا. وقد روى الحديث أيضا في كتب العامة بلفظ الكتاب والسنة دون العترة وقد ذكر مصادر ذلك في مفتاح كنوز السنة ص ٤٤٧.

(٢) الوسائل الباب ٥ من صفات القاضي ونقله في الغدير ج ٢ ص ٣٠١

.

٣٦٠