الحدائق الناضرة - ج ٩

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]

الحدائق الناضرة - ج ٩

المؤلف:

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]


المحقق: محمّد تقي الإيرواني
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٥٩

بنى عليه لما سلف ولا يجب معه سجدتا السهو للأصل ولعدم ذكرهما في أحاديث الاحتياط هنا ولا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة. وأوجبهما الصدوقان ولعله لرواية إسحاق بن عمار عن ابى عبد الله عليه‌السلام (١) قال : «إذا ذهب وهمك الى التمام ابدا في كل صلاة فاسجد سجدتين بغير ركوع أفهمت؟ قلت نعم». وحملت على الاستحباب. انتهى.

أقول : روى ثقة الإسلام في الكافي في الصحيح أو الحسن عن الحلبي عن ابى عبد الله عليه‌السلام (٢) في حديث قال : «وان كنت لا تدري ثلاثا صليت أم أربعا ولم يذهب وهمك إلى شي‌ء فسلم ثم صل ركعتين وأنت جالس تقرأ فيهما بأم الكتاب وان ذهب وهمك الى الثلاث فقم فصل الركعة الرابعة ولا تسجد سجدتي السهو ، فان ذهب وهمك إلى الأربع فتشهد وسلم ثم اسجد سجدتي السهو». وهذا الحديث كما ترى مع صحة سنده صريح في ما ذكره الصدوقان وبه يحصل الجواب عما ذكره في الذكرى من عدم ذكر السجدتين في هذا الموضع في أحاديث الاحتياط فان هذا من أحاديث الاحتياط وهو صريح في ذلك مع اعتضاده بخبر إسحاق بن عمار المذكور في كلامه.

ثم ان الظاهر ان ما نقله عن الصدوقين في المقام انما استندا فيه الى كتاب الفقه الرضوي حيث انه أفتى فيه بمضمون صحيحة الحلبي أو حسنته المذكورة كما هي عادتهما المعروفة وطريقتهما المألوفة كما عرفت وستعرف ان شاء الله تعالى حيث قال عليه‌السلام (٣) «وان لم تدر ثلاثا صليت أم أربعا ولم يذهب وهمك إلى شي‌ء فسلم ثم صل ركعتين واربع سجدات وأنت جالس تقرأ فيهما بأم القرآن ، وان ذهب وهمك إلى الثالثة فقم فصل الركعة الرابعة ولا تسجد سجدتي السهو ، وان ذهب وهمك إلى الأربع فتشهد وسلم واسجد سجدتي السهو». انتهى

__________________

(١) الوسائل الباب ٧ من الخلل في الصلاة.

(٢) الوسائل الباب ١٠ من الخلل في الصلاة.

(٣) ص ١٠.

٣٢١

وقد ظهر من ذلك انه قد تطابق على هذا الحكم صحيحة الحلبي أو حسنته ورواية إسحاق بن عمار وكلامه عليه‌السلام في هذا الكتاب فلا مجال للتوقف فيه مع عدم المنافي

وبذلك يظهر ما في كلام شيخنا المجلسي في البحار حيث قال ـ بعد ذكر رواية إسحاق وحسنة الحلبي أو صحيحته وان الحكم بذلك لا يخلو من قوة ـ ما لفظه : ولكن موثقة أبان عن ابى العباس ظاهرة في عدم الوجوب فيمكن حمله على الاستحباب. انتهى. والرواية التي أشار إليها هي ما رواه الراوي المذكور عن ابى عبد الله عليه‌السلام (١) قال : «إذا لم تدر ثلاثا صليت أو أربعا ووقع رأيك على الثلاث فابن على الثلاث وان وقع رأيك على الأربع فسلم وانصرف وان اعتدل وهمك فانصرف وصل ركعتين وأنت جالس».

وأنت خبير بأن غاية هذه الرواية ان تكون مطلقة بالنسبة إلى الحكم المذكور فيجب تقييدها بالأخبار المتقدمة وحملها عليها من قبيل حمل المطلق على المقيد فلا منافاة. ولا يخفى على المتتبع ان أحكام المسألة الواحدة لا تكاد تجتمع في خبر واحد وإنما تؤخذ من مجموع اخبارها بضم بعضها الى بعض وحمل مطلقها على مقيدها ومجملها على مفصلها وعامها على خاصها ونحو ذلك.

وبما حققناه يظهر قوة القول المذكور وان كان خلاف ما هو المشهور لاعتضاده بالدليل المأثور. والله العالم.

(السابع) ـ القيام في موضع قعود وبالعكس ، صرح به الصدوق والمرتضى وسلار وأبو الصلاح وابن البراج وابن حمزة وابن إدريس والعلامة ، وخالف فيه الشيخان والكليني والشيخ على بن بابويه وابن ابى عقيل وابن الجنيد والمحقق وابن عمه الشيخ نجيب الدين في الجامع وهو اختيار العلامة في المنتهى وقد تقدم ذلك في عبائر الجماعة المذكورة ، والأخبار في المسألة ايضا ظاهرة الاختلاف.

احتج في المختلف بأنه زاد على صلاته وكل من زاد على صلاته وجب عليه

__________________

(١) الوسائل الباب ٧ من الخلل في الصلاة.

٣٢٢

سجود السهو ، اما الصغرى فظاهرة واما الكبرى فلان الشك في الزيادة والنقيصة يقتضي وجوب السجدتين كما تقدم فاليقين بهما اولى. انتهى.

ومما يدل على الوجوب من الأخبار ما رواه الشيخ عن منهال القصاب (١) قال : «قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام أسهو في الصلاة وانا خلف الإمام؟ فقال إذا سلم فاسجد سجدتين ولا تهب».

قال في المختلف بعد إيراده دليلا على ذلك : وجه الاستدلال انه علق وجوب السجدتين على السهو المطلق وهو يتناول صورة النزاع.

وعن عمار الساباطي في الموثق (٢) قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن السهو ما يجب فيه سجدتا السهو؟ فقال إذا أردت أن تقعد فقمت أو أردت ان تقوم فقعدت أو أردت أن تقرأ فسبحت أو أردت أن تسبح فقرأت فعليك سجدتا السهو وليس في شي‌ء مما تتم به الصلاة سهو».

إلا ان في هذه الرواية ما يضعف الاحتجاج بها حيث قال بعد السؤال الأول وهو ما قدمناه (٣) «وعن الرجل إذا أراد ان يقعد فقام ثم ذكر من قبل ان يقوم شيئا أو يحدث شيئا؟ قال ليس عليه سجدتا السهو حتى يتكلم بشي‌ء». وهذه المناقضة في الخبر قد أوردها جملة من مشايخنا المحققين من متأخري المتأخرين.

ويمكن الجواب عنها بأنه لما استفيد من السؤال الأول ان سجود السهو انما هو بالإتيان بالقيام كملا في موضع القعود وبالعكس سأل ثانيا بأنه لو ذكر قبل ان يأتي بشي‌ء من القيام بالكلية أو يفعل شيئا مطلقا أجاب عليه‌السلام بأنه لا سجود للسهو هنا إلا ان يتكلم بشي‌ء. وهو معنى صحيح لا منافاة فيه للحكم الأول كما لا يخفى.

بقي الكلام في ما ذكره عليه‌السلام من عد التسبيح في موضع القراءة أو القراءة في موضع التسبيح ساهيا من الموجبات ، ويمكن حمله على ان السجود حينئذ لوقوع

__________________

(١) الوسائل الباب ٢٤ من الخلل في الصلاة.

(٢ و ٣) الوسائل الباب ٣٢ من الخلل في الصلاة.

٣٢٣

القراءة أو التسبيح في غير محلهما وزيادتهما في الصلاة ، هذا إذا كان الذكر في موضع السهو وتلافى ما أخل به وان كان بعد التجاوز فيكون لنقصان القراءة أو التسبيح ، والجميع مبنى على وجوب السجدتين لكل زيادة ونقيصة كما سيأتي ان شاء الله تعالى.

ثم ان القراءة في موضع التسبيح يمكن حمله على الأخيرتين بناء على تعين التسبيح كما هو ظاهر الأخبار المتقدمة في المسألة وبه قال بعض الأصحاب إلا انه خلاف المشهور من التخيير ، وسجود السهو هنا متى حملنا الخبر على هذا الموضع لا يتجه إلا على ما ذكرناه إذ مع التخيير لا معنى لسجود السهو. ويحتمل على بعد الحمل على تسبيح الركوع والسجود بأن يقرأ ساهيا في الموضعين أو أحدهما. ووجوب سجدتي السهو هنا نقله في الخلاف عن الشافعي (١).

ومنها ـ ما رواه ثقة الإسلام بسند فيه محمد بن عيسى عن يونس ـ وهو ضعيف عند جمع وصحيح عند آخرين ـ عن معاوية بن عمار (٢) قال : «سألته عن الرجل يسهو فيقوم في حال قعود أو يقعد في حال قيام؟ قال يسجد سجدتين بعد التسليم وهما المرغمتان ترغمان الشيطان».

ومما يدل على خلاف ما دلت عليه هذه الأخبار ما رواه في الكافي عن سماعة في الموثق (٣) قال : «من حفظ سهوه وأتمه فليس عليه سجدتا السهو انما السهو على من لم يدر أزاد في صلاته أم نقص منها». ورواه في الفقيه عن ابى عبد الله عليه‌السلام مثله (٤).

__________________

(١) لم أقف عليه بالخصوص في ما اطلعت عليه من كتب العامة إلا انه يفهم من ما ذكره الشيرازي الشافعي في المهذب ج ١ ص ٩٠ حيث قال «وان قرأ في غير موضع القراءة سجد لانه قول في غير موضعه فصار كالسلام» بضميمة ما تقدم ج ٨ ص ٢٧١ التعليقة ١ من منع الجمهور من القراءة في الركوع والسجود ، وكذا يفهم من عبارة الأم ج ١ ص ١١٤ «قال الشافعي سجود السهو كله عندنا في الزيادة والنقصان قبل السلام وهو الناسخ والآخر من الأمرين» بالضميمة المتقدمة.

(٢) الوسائل الباب ٣٢ من الخلل في الصلاة.

(٣ و ٤) الوسائل الباب ٢٣ من الخلل في الصلاة.

٣٢٤

وما رواه الشيخ في الصحيح عن إسماعيل بن جابر عن ابى عبد الله عليه‌السلام (١) «في رجل نسي أن يسجد السجدة الثانية حتى قام فذكر وهو قائم انه لم يسجد؟ قال فليسجد ما لم يركع فإذا ركع فذكر بعد ركوعه انه لم يسجد فليمض على صلاته حتى يسلم ثم يسجدها فإنها قضاء». وفي مضمونها صحيحة أبي بصير مع اشتمالها زيادة على هذه الرواية على قوله : «وليس عليه سهو» فهي صريحة في نفى سجدتي السهو وقد تقدمتا في المسألة الرابعة من المطلب الثاني من هذا المقصد (٢).

وبالجملة فإن جملة روايات نسيان السجدة وكذا روايات نسيان التشهد وانه يرجع إليهما ما لم يركع ما بين ظاهر وصريح في نفى السجدتين ، وروايات السجدة وذكر انها بعد الركوع ظاهرة ايضا في قضاء السجدة خاصة من غير سجود وان كان المشهور في كلامهم وجوب السجود كما تقدم.

واستدل العلامة في المنتهى على ما اختاره فيه من عدم السجود بما رواه الشيخ في الموثق عن الحلبي (٣) قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يسهو في الصلاة فينسى التشهد؟ فقال يرجع فيتشهد. فقلت أيسجد سجدتي السهو؟ فقال لا ليس في هذا سجدتا السهو». قال : وهذا من صورة النزاع.

أقول : الاستدلال بهذا الخبر إنما يتم مع الحمل على التشهد الأول اما مع الحمل على الثاني فلا ، والاستدلال مستند هنا إلى إطلاق الخبر. والجمع بين الأخبار في هذا المقام لا يخلو من الإشكال ، وجملة من متأخري المتأخرين جمعوا بين الأخبار هنا بحمل اخبار السجود على الاستحباب كما هي القاعدة المطردة عندهم في جميع الأحكام والأبواب. ولا يبعد عندي حمل اخبار السجود على التقية فإن القول بوجوب السجود هنا مذهب أبي حنيفة والشافعي وأتباعهما (٤) والله العالم.

__________________

(١) الوسائل الباب ١٤ من السجود.

(٢) في المسألة الخامسة ص ١٣٦.

(٣) الوسائل الباب ٩ من التشهد.

(٤) البحر الرائق ج ٢ ص ١٠٥ والمحلى ج ٤ ص ١٦٠ والمبسوط ج ١ ص ٢٢٠ والمهذب للشيرازي الشافعي ج ١ ص ٩٠ ويفهم ايضا مذهب الشافعي في ذلك مما تقدم في التعليقة ١ ص ٣٢٤.

٣٢٥

الثامن ـ كل زيادة ونقيصة ، وهذا القول نقله الشيخ في الخلاف عن بعض الأصحاب كما تقدم في نقل عبارته ، وظاهر الأكثر عدم عده في موجبات السجود وجملة عبائر من قدمنا نقل كلامه خالية من ذلك ، وقال في الدروس انه لم يظفر بقائله ولا بمأخذه مع انه من القائلين به في اللمعة وجعله في الألفية أحوط ونقله في الذكرى عن الفاضل واختاره بعد ذلك من بين الأقوال ، ونقله شيخنا الشهيد الثاني في شرح اللمعة عن الصدوق ايضا واختاره في كتاب الروض ، ونقل هذا القول عن الصدوق قد وقع في التحرير للعلامة ثم قال : وهو الأقوى عندي.

ويمكن ان يستدل عليه بما رواه الشيخ عن ابن ابى عمير عن بعض أصحابنا عن سفيان بن السمط عن ابى عبد الله عليه‌السلام (١) قال : «تسجد سجدتي السهو في كل زيادة تدخل عليك أو نقصان». وردها جملة من متأخري المتأخرين بضعف الاسناد

وربما استدل على ذلك أيضا بصحيحة الحلبي الواردة في الشك بين الأربع والخمس (٢) وقوله عليه‌السلام فيها «أم نقصت أم زدت» فإنه إذا وجب السجود بالشك في الزيادة والنقيصة ففي صورة اليقين اولى.

ويظهر من المبسوط ان قولهم بالسجود للزيادة والنقصان شامل للمستحبات وظاهر العلامة تخصيصه بالواجبات ، وقال ابن الجنيد بوجوبهما في خصوص القنوت ان تركه ، وعد أبو الصلاح من جملة موجباتهما لحن القراءة سهوا.

وأنت خبير بأن جملة الأخبار المتقدمة الدالة على عدم سجدتي السهو في المواضع المتقدمة كلها دالة على عدم الوجوب ، ومنها أخبار السجدة والتشهد وذكرهما قبل الركوع أو بعده ، فإن أخبارهما في الحالتين دالة على عدم الوجوب. نعم اخبار التشهد دلت على السجود لنقص التشهد لا لزيادة القيام الذي ذكره قبل ركوعه أو

__________________

(١) الوسائل الباب ٣٢ من الخلل في الصلاة.

(٢) ص ٣٢٨.

٣٢٦

بعده ، ومنها اخبار نسيان القراءة في الصلاة كصحيحة محمد بن مسلم وصحيحة زرارة وموثقة منصور بن حازم ورواية معاوية بن عمار وغيرها من الأخبار الدالة على ذلك ، ومنها اخبار الجهر والإخفات كصحيحة زرارة والأخبار الواردة في نسيان ذكر الركوع ، الى غير ذلك من الأخبار الواردة في جملة من الأحكام مما تدل على عدم السجود في هذه المقامات ، وبعض منها صريح في المطلوب وبعض باعتبار عمومه وإطلاقه وبعض باعتبار السكوت عن سجدتي السهو في مقام البيان. ومنه يظهر قوة القول المشهور إلا ان الاحتياط يقتضي الإتيان بالسجود حيث لا محمل للخبر المذكور ظاهرا مع احتمال حمله على الزيادة والنقصان في الركعات لا مطلقا ، وكيف كان فهو مردود إلى قائله عليه‌السلام ، والله العالم.

التاسع ـ الشك في الزيادة والنقيصة. ذهب إليه العلامة كما تقدم في عبارته في المختلف ، قيل وهو ظاهر ما نقله الشيخ في الخلاف عن بعض الأصحاب. وفيه ما لا يخفى ، وكلام الصدوق في الفقيه يحتمله وقد تقدم نقل عبارته في المقام. ويحتمل ان يكون مراده زيادة الركعة أو نقصانها. والى هذا القول مال شيخنا الشهيد الثاني في الروض وكذا الى ما قبله كما قدمنا ذكره. وذهب المفيد في الغرية كما قدمناه في عبارته الى وجوبهما ان لم يدر زاد سجدة أو نقص سجدة أو زاد ركوعا أو نقص ركوعا ولم يتيقن ذلك وكان الشك بعد تقضى وقته. والمشهور بين الأصحاب هو عدم الوجوب في جميع ما ذكر.

أقول : ويدل على هذا القول جملة من الأخبار : منها ـ ما رواه الصدوق في الفقيه في الصحيح عن الفضيل بن يسار (١) «انه سأل أبا عبد الله عليه‌السلام عن السهو فقال من حفظ سهوه فأتمه فليس عليه سجدتا السهو وانما السهو على من لم يدر أزاد في صلاته أم نقص منها».

وما رواه الكليني والشيخ عنه عن سماعة في الموثق (٢) قال قال «من حفظ

__________________

(١) الوسائل الباب ٢٣ من الخلل في الصلاة.

(٢) الوسائل الباب ٢٣ من الخلل في الصلاة.

٣٢٧

سهوه فأتمه فليس عليه سجدتا السهو إنما السهو على من لم يدر أزاد في صلاته أم نقص منها».

وعن زرارة في الصحيح أو الحسن (١) قال : «سمعت أبا جعفر عليه‌السلام يقول قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إذا شك أحدكم في صلاته فلم يدر أزاد أم نقص فليسجد سجدتين وهو جالس وسماهما رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله المرغمتين». وإطلاق هذه الأخبار شامل للافعال والاعداد.

واحتج جملة من الأصحاب لهذا القول أيضا بصحيحة الحلبي عن ابى عبد الله عليه‌السلام (٢) قال : «إذا لم تدر أربعا صليت أم خمسا أم نقصت أم زدت فتشهد وسلم واسجد سجدتين بغير ركوع ولا قراءة تتشهد فيهما تشهدا خفيفا».

وأنت خبير بان هذه الرواية محتملة لوجهين (أحدهما) حمل الزيادة والنقيصة على أن يكونا من أسباب سجدتي السهو كما دلت عليه الأخبار المتقدمة ، وحينئذ فتكون الرواية مشتملة على سببين من الأسباب المذكورة وهي الشك بين الأربع والخمس والشك في الزيادة والنقيصة. و (ثانيهما) ان يكون المراد انما هو بيان نوع واحد من الأسباب المذكورة وهو الشك بين الأربع والخمس والنقيصة عن الأربع والزيادة عن الخمس ، فيكون تقدير الكلام إذا لم تدر أربعا صليت أم خمسا أم نقصت من الأربع أم زدت على الخمس ، وحينئذ فيشمل كل شك بين الأربع والخمس والأزيد منهما والأنقص كالشك بين الثلاث والأربع والخمس والست والشك بين الاثنتين والأربع والخمس والسبع مثلا. نعم لا بد من استثناء ما تعلق به الشك في الأولتين بالأخبار الدالة على الإبطال ويبقى ما سوى ذلك ، وعلى هذا الاحتمال فلا تصلح الرواية هنا للاستدلال. والظاهر هو الاحتمال الأول المؤيد بالأخبار المذكورة ، وعلى هذا فتجب سجدتا السهو في جميع صور الشكوك المتقدمة.

وتمام الكلام في المقام يتوقف على بسطه في مقامات (الأول) المشهور بين

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ١٤ من الخلل في الصلاة.

٣٢٨

الأصحاب (رضوان الله عليهم) ان موضع السجدتين المذكورتين بعد التسليم سواء كانتا لزيادة أو نقصان ، ونقله في المختلف عن ابن ابى عقيل والشيخ في المبسوط والشيخ المفيد والسيد المرتضى ، قال وهو الظاهر من كلام على بن بابويه وابى الصلاح وهو قول سلار والصدوق ابن بابويه. وقيل انهما ان كانتا للزيادة فمحلهما بعد التسليم وان كانتا للنقيصة فمحلهما قبله ، ونسبه في المعتبر الى قوم من أصحابنا ونقله في المختلف عن ابن الجنيد ، قال وقال ابن الجنيد ان كان السهو للزيادة كان محلهما بعد التسليم وان كان للنقصان كان قبل التسليم. والشهيد في الذكرى نقل كلام ابن الجنيد ولم يذكر هذه العبارة التي ذكرها في المختلف ، ثم قال وليس في هذا كله تصريح بما يرويه بعض الأصحاب ان ابن الجنيد قائل بالتفصيل ، نعم هو مذهب أبي حنيفة من العامة (١) والظاهر ان ذكر العلامة هذه العبارة انما وقع من كلامه بناء على اشتهار النقل بذلك عن ابن الجنيد. واحتمال ان يكون ابن الجنيد قال ذلك في غير الموضع الذي نقله عنه في الذكرى بعيد. ونقل المحقق في الشرائع قولا بان محلهما قبل التسليم مطلقا قال في المدارك والقول بأنهما قبل التسليم منقول عن بعض علمائنا ولم نظفر بقائله.

ثم انه مما يدل على القول المشهور وهو المؤيد المنصور جملة من الأخبار :

منها ـ صحيحة ابن ابى يعفور الواردة في نسيان التشهد (٢) حيث قال فيها «وان لم يذكر حتى يركع فليتم صلاته ثم يسجد سجدتين وهو جالس قبل ان يتكلم».

وصحيحة عبد الله بن سنان عن ابى عبد الله عليه‌السلام (٣) قال : «إذا كنت لا تدري

__________________

(١) المذكور في كتب العامة ـ كالمحلى ج ٤ ص ١٧١ وعمدة القارئ ج ٣ ص ٧٣٨ ونيل الأوطار ج ٣ ص ١٣٥ وبدائع الصنائع ج ١ ص ١٧٢ والفقه على المذاهب الأربعة ج ١ ص ٣٥٠ وكذا كتب الخاصة كالمنتهى ج ١ ص ٤١٨ ـ نسبة التفصيل المذكور الى مالك وان أبا حنيفة يقول بان محله بعد السلام والشافعي يقول بأنه قبل السلام.

(٢) الوسائل الباب ٧ من التشهد.

(٣) الوسائل الباب ١٤ من الخلل في الصلاة.

٣٢٩

أربعا صليت أم خمسا فاسجد سجدتي السهو بعد تسليمك ثم سلم بعدهما».

ورواية أبي بصير عن ابى عبد الله عليه‌السلام (١) قال : «إذا لم تدر خمسا صليت أم أربعا فاسجد سجدتي السهو بعد تسليمك وأنت جالس ثم سلم بعدهما».

وصحيحة عبد الرحمن بن الحجاج (٢) قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يتكلم ناسيا في الصلاة يقول «أقيموا صفوفكم»؟ فقال يتم صلاته ثم يسجد سجدتين. فقلت سجدتا السهو قبل التسليم هما أو بعد؟ قال بعد».

ورواية عبد الله بن ميمون القداح عن جعفر بن محمد عن أبيه عن على (عليهم‌السلام) (٣) قال : «سجدتا السهو بعد التسليم وقبل الكلام».

الى غير ذلك من الأخبار المتقدمة في مواضع وجوب سجدتي السهو.

ومما يدل على القول بالتفصيل ما رواه الشيخ في الصحيح عن سعد بن سعد الأشعري (٤) قال : «قال الرضا عليه‌السلام في سجدتي السهو إذا نقصت قبل التسليم وإذا زدت فبعده». قال شيخنا الصدوق إني افتى به في حال التقية (٥).

واما القول بأنهما قبل التسليم مطلقا فربما كان مستنده

ما رواه الشيخ عن محمد ابن سنان عن ابى الجارود (٦) قال : «قلت لأبي جعفر عليه‌السلام متى اسجد سجدتي السهو؟ قال قبل التسليم فإنك إذا سلمت فقد ذهبت حرمة صلاتك».

وأجاب الشيخ في الاستبصار عن هذه الرواية ورواية سعد بن سعد بالحمل على ضرب من التقية ، قال لأنهما موافقان لمذهب كثير من العامة (٧) ونقل عن ابن بابويه انه قال إنما أفتي بهما في حال التقية. وهو جيد.

واما ما ذكره في الذخيرة ـ من قوله ويمكن الجمع بين الأخبار بالتخيير أيضا

__________________

(١) الوسائل الباب ١٤ من الخلل في الصلاة.

(٢) الوسائل الباب ٤ و ٥ من الخلل في الصلاة.

(٣ و ٤ و ٦) الوسائل الباب ٥ من الخلل في الصلاة.

(٥) ارجع الى التعليقة ١ ص ٣٢٩.

(٧) ارجع الى التعليقة ١ ص ٣٢٩ والى الاستدراكات.

٣٣٠

إلا ان الترجيح للتأويل المذكور ـ فضعيف لان التخيير (أولا) فرع قيام المعارض بالمعارضة والأمر هنا ليس كذلك كما عرفت. و (ثانيا) عدم وجود المحمل الشرعي وقد عرفت ان الحمل على التقية أحد المحامل الشرعية المنصوصة عن أهل العصمة (عليهم‌السلام) فلا معدل عنه الى هذه الوجوه التخريجية. والله العالم.

(الثاني) ـ المشهور في كلام الأصحاب (رضوان الله عليهم) استحباب التكبير فيهما واستدلوا عليه بما رواه الصدوق في الموثق عن عمار الساباطي عن ابى عبد الله عليه‌السلام (١) قال : «سألته عن سجدتي السهو هل فيهما تكبير أو تسبيح؟ فقال لا إنما هما سجدتان فقط فان كان الذي سها هو الإمام كبر إذا سجد وإذا رفع رأسه ليعلم من خلفه انه قد سها ، وليس عليه ان يسبح فيهما ولا فيهما تشهد بعد السجدتين».

وأنت خبير بما في الدلالة من القصور لاختصاص ذلك بالإمام مضافا الى ما دلت عليه من نفى التسبيح فيهما والتشهد مع دلالة الأخبار على ذلك ، وبالجملة فإن ما يقولون به لا تدل عليه وما تدل عليه الرواية لا يقولون به فلا وجه للتعلق بها

(الثالث) ـ المشهور وجوب التشهد فيهما والتسليم ، بل قال الفاضلان في المعتبر والمنتهى انه قول علمائنا اجمع ، واستدلا على وجوب التشهد بقول الصادق عليه‌السلام (٢) في صحيحة الحلبي «واسجد سجدتين بغير ركوع ولا قراءة تتشهد فيهما تشهدا خفيفا». وعلى وجوب التسليم بقوله عليه‌السلام في صحيحة ابن سنان (٣) «إذا كنت لا تدري أربعا صليت أم خمسا فاسجد سجدتي السهو بعد تسليمك ثم سلم بعدهما».

أقول : ومما يدل على ذلك موثقة أبي بصير (٤) قال : «سألته عن الرجل ينسى ان يتشهد؟ قال يسجد سجدتين يتشهد فيهما».

ورواية على بن أبي حمزة (٥) قال : «قال أبو عبد الله عليه‌السلام إذا قمت في الركعتين

__________________

(١) الوسائل الباب ٢٠ من الخلل في الصلاة.

(٢) ص ٣٢٨.

(٣) الوسائل الباب ١٤ من الخلل في الصلاة.

(٤) الوسائل الباب ٧ من التشهد.

(٥) الوسائل الباب ٢٦ من الخلل في الصلاة.

٣٣١

الأولتين ولم تتشهد. الى ان قال : فإذا انصرفت سجدت سجدتين لا ركوع فيهما ثم تشهد التشهد الذي فاتك». والمعنى انه ينوي بتشهده في السجدتين قضاء ما فاته من التشهد كما قدمنا تحقيقه في المسألة.

ورواية الحسن الصيقل عن ابى عبد الله عليه‌السلام (١) «في الرجل يصلى الركعتين من الوتر ثم يقوم فينسى التشهد حتى يركع ويذكر وهو راكع؟ قال يجلس من ركوعه فيتشهد ثم يقوم فيتم. قال قلت أليس قلت في الفريضة إذا ذكره بعد ما ركع مضى ثم سجد سجدتين بعد ما ينصرف يتشهد فيهما؟ قال ليس النافلة مثل الفريضة».

وصحيحة على بن يقطين (٢) قال : «سألت أبا الحسن عليه‌السلام عن الرجل لا يدرى كم صلى واحدة أو اثنتين أو ثلاثا؟ قال : يبنى على الجزم ويسجد سجدتي السهو ويتشهد خفيفا».

ورواية سهل بن اليسع عن الرضا عليه‌السلام (٣) انه قال : «يبنى على يقينه ويسجد سجدتي السهو بعد التسليم ويتشهد تشهدا خفيفا».

وقال العلامة في المختلف : الأقرب عندي ان ذلك كله للاستحباب بل الواجب فيه النية لا غير ، واستدل عليه بأصالة البراءة ورواية عمار المتقدمة.

قال في المدارك : ويؤيده انتفاء الأمر بالتسليم في صحيحة الحلبي والأمر بالتشهد في صحيحة ابن سنان مع ورودهما في مقام البيان. انتهى.

وفيه ان أصل الدليل عليل لا اعتماد عليه ولا تعويل فلا ينفع هذا التأييد مع بطلان ما يبنى عليه ، اما الأصل فإنه يجب الخروج عنه بالدليل وقد عرفته مما أوردناه من الأخبار المذكورة. واما رواية عمار فهي مردودة بما اعترف به في المقام من ضعفها فلا تنهض حجة في مقابلة تلك الأخبار ، مضافا الى ما في متنها

__________________

(١) الوسائل الباب ٨ من التشهد.

(٢) الوسائل الباب ١٥ من الخلل في الصلاة.

(٣) الوسائل الباب ١٣ من الخلل في الصلاة.

٣٣٢

من التهافت والمخالفات كما سيأتي إيضاحه ان شاء الله تعالى. ووجود هذه الأحكام في اخبار متفرقة وعدم اجتماعها في خبر واحد لا يمنع من العمل بها لوجود النظير في جملة من المسائل بأن يضم بعض أخبار المسألة الى بعض فيجتمع من المجموع جملة الأحكام ، وغاية ما فيها إطلاق بعض بالنسبة إلى الآخر فيحمل المطلق على المقيد عملا بالقاعدة المقررة. وما ادعاه من ان المقام البيان فيجب فيه ذكر جملة الأحكام ممنوع كما سيأتي بيانه ان شاء الله تعالى في المقام.

وبالجملة فإن ما ذكره بمحل من الضعف وان كان قد تبعه في ذلك صاحب الذخيرة فقال ـ بعد الإشارة الى بعض الأخبار الدالة على وجوب ذكرهما وما دل على عدم ذكرهما مع وروده في مقام البيان ـ ما صورته : فيحصل الجمع بين الأخبار بحمل ما دل على التشهد والتسليم على الاستحباب فإذا قول المصنف في المختلف قوى. انتهى

(الرابع) ـ المشهور وجوب الذكر فيهما وتردد فيه المحقق في الشرائع ، قال في المدارك منشأ التردد من إطلاق قوله عليه‌السلام (١) «فاسجد سجدتي السهو بعد تسليمك ثم سلم بعدهما». وقوله عليه‌السلام (٢) «واسجد سجدتين بغير ركوع ولا قراءة تتشهد فيهما تشهدا خفيفا». وغير ذلك من الأخبار الكثيرة المتضمنة لإطلاق الأمر بالسجود من غير تعرض للذكر ولو كان واجبا لذكر في مقام البيان. ويدل على عدم الوجوب صريحا رواية عمار المتقدمة حيث قال : «وليس عليه ان يسبح فيهما». ومن رواية الحلبي الصحيحة عن الصادق عليه‌السلام (٣) الدالة بظاهرها على الوجوب. الى ان قال وجزم المصنف في النافع والمعتبر بعدم وجوب الذكر مطلقا وهو غير بعيد وان كان العمل بمضمون هذه الرواية أولى وأحوط. انتهى.

وتبعه في ذلك في الذخيرة كما هي عادته غالبا فقال : وهل يجب فيهما الذكر مطلقا؟ المشهور نعم خلافا للمحقق في المعتبر والمصنف في المنتهى وهو لا يخلو من قوة

__________________

(١) ص ٣٢٩ و ٣٣٠.

(٢) ص ٣٢٨.

(٣) ص ٣٣٤.

٣٣٣

نظرا إلى إطلاق الأمر بالسجود من غير تعرض للذكر في مقام البيان.

أقول ـ وبالله التوفيق إلى هداية الطريق ـ الأظهر عندي هو القول المشهور من وجوب الذكر في السجدتين المذكورتين وان المراد به الذكر المخصوص في هذا الموضع لا مطلق الذكر.

والمستند في ما قلناه ما رواه في الكافي والتهذيب عن الحلبي في الصحيح عن ابى عبد الله عليه‌السلام (١) قال «يقول في سجدتي السهو بسم الله وبالله اللهم صل على محمد وآل محمد. قال الحلبي وسمعته مرة أخرى يقول فيهما بسم الله وبالله السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته». ورواه الصدوق في الفقيه (٢) في الصحيح عن الحلبي. الحديث إلا ان فيه «وصلى الله على محمد وآل محمد». وفي بعض نسخ الفقيه مثل ما نقلناه عن الكافي أيضا ، ورواه الشيخ عن عبيد الله الحلبي في الحسن عن ابى عبد الله عليه‌السلام (٣) مثل ما في الفقيه لكن فيه «والسلام» بإضافة الواو؟ والظاهر اجزاء الكل إلا ان تطرق السهو إلى زيادة هذه الواو في رواية الشيخ غير بعيد لما علم من عدم محافظته على ضبط الأخبار فالأحوط ان لا يؤتى بها.

وقال عليه‌السلام في كتاب الفقه الرضوي (٤) : «وقال يقول في سجدتي السهو بسم الله وبالله وصلى الله على محمد وآل محمد وسلم. وسمعته مرة أخرى يقول بسم الله وبالله السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته».

__________________

(١) الفروع ج ١ ص ٩٩ وفي الوسائل الباب ٢٠ من الخلل في الصلاة ، وقد سقط النقل عن الكافي في الطبع الحديث من الوسائل. والظاهر ان كلمة «التهذيب» في المتن هنا من سهو القلم أو زيادة النساخ لان لفظ الحديث في التهذيب يختلف عن لفظه في الكافي وسينقله عن التهذيب مستقلا.

(٢) ج ١ ص ٢٢٦ وفي الوسائل في الباب ٢٠ من الخلل في الصلاة.

(٣) التهذيب ج ١ ص ١٩١ ولفظه هكذا «قال سمعت أبا عبد الله «ع» يقول في سجدتي السهو.» وفي الوسائل في الباب ٢٠ من الخلل في الصلاة.

(٤) ص ١٠.

٣٣٤

واما ما يتوهم ـ من إطلاق سجدتي السهو في تلك الأخبار التي استند إليها المحقق الذي هو منشأ هذا الخلاف فتبعه من تبعه فيه من الاسلاف والاخلاف استنادا إلى انه لو كان الذكر واجبا فيهما لذكر لان المقام مقام البيان وحيث لم يذكر علم انه غير واجب ـ

ففيه ان المقام وان كان مقام بيان إلا انه ليس لبيان سجدتي السهو وكيفيتهما وأحكامهما كما توهموه وانما هو لبيان أحكام أخر وذكر سجدتي السهو انما وقع استطرادا لبيان أحكام تلك المسائل.

وها أنا أسوق لك جملة من أخبارهم التي استندوا إليها ليظهر لك صحة ما ذكرناه : ففي صحيحة الحلبي (١) «إذا لم تدر أربعا صليت أم خمسا أم نقصت أم زدت فتشهد وسلم واسجد سجدتين بغير ركوع ولا قراءة تتشهد فيهما تشهدا خفيفا».

وفي رواية عبد الله بن سنان (٢) «فان كنت لا تدري أربعا صليت أم خمسا فاسجد سجدتي السهو بعد تسليمك ثم سلم بعدهما».

وفي حسنة زرارة (٣) «إذا شك أحدكم في صلاته فلم يدر أزاد أم نقص فليسجد سجدتين وهو جالس. الحديث».

وفي موثقة إسحاق بن عمار (٤) «إذا ذهب وهمك الى التمام ابدا في كل صلاة فاسجد سجدتين بغير ركوع». الى غير ذلك من الأخبار التي ذكر فيها سجود السهو.

فإنه لا يخفى ان المقام انما هو في بيان تلك الموجبات للسجود وان من جملة ما يترتب على حصول تلك الأسباب سجود السهو ، فذكر سجود السهو انما وقع استطرادا لما يترتب على الأسباب لا ان المقام مقام بيان سجود السهو وما يترتب عليه ويتعلق به من الأحكام. نعم ربما عبروا (عليهم‌السلام) بمجرد الإتيان بالسجدتين وربما أضافوا الى ذلك بعض أحكامهما من كونهما بعد التسليم وكونه يسلم فيهما وكونه يتشهد

__________________

(١ و ٢ و ٣) الوسائل الباب ١٤ من الخلل في الصلاة.

(٤) الوسائل الباب ٧ من الخلل في الصلاة.

٣٣٥

فيهما ، وحينئذ فغاية الأخبار المذكورة ان تكون مطلقة بالنسبة إلى أحكام السجدتين حيث لم يتعرض لذكر شي‌ء منها فيهما والقاعدة تقتضي حمل مطلقها على مقيدها.

واما صحيحتا الحلبي الواردتان بالذكر فيهما فان المقام فيهما مقام البيان لسجدتي السهو وما يجب فيهما من الذكر وانما سيقتا لذلك فيجب تقييد إطلاق تلك الأخبار بهما.

وبالجملة فإنك إذا لاحظت روايات المسألة كملا وضممت مطلقها الى مقيدها ومجملها الى مفصلها ظهر لك صحة ما قلناه وقوة ما ادعيناه.

واما رواية عمار (١) فهي لا تبلغ حجة في معارضة صحيحتي الحلبي ولا غيرهما من الأخبار المشار إليها آنفا ، مضافا الى نفى التشهد فيها مع استفاضة الأخبار به كما عرفت ، وما تضمنته من إيجاب التكبير على الإمام إذا سها مع انهم لا يقولون به ، مع ما في روايات عمار من الغرائب التي قد تقدم الطعن عليه بذلك من جملة من الأصحاب. وحملها بعض الأصحاب على التقية لموافقة ما اشتملت عليه لجملة من العامة (٢) وهو جيد. على ان الرواية إنما تضمنت نفى التسبيح فيهما يعنى مثل تسبيح سجود الصلاة وهو كذلك ، وهو لا يستلزم نفى غيره من الذكر الذي اشتملت عليه صحيحتا الحلبي. وبالجملة فالأظهر عندي هو القول المشهور لما عرفت.

ثم ان المحقق في المعتبر طعن في صحيحة الحلبي بأنها منافية للمذهب من حيث تضمنها وقوع السهو من الامام ، قال ثم لو سلمناه لما وجب فيهما ما سمعه لاحتمال ان يكون ما قاله على وجه الجواز لا اللزوم.

__________________

(١) ص ٣٣١.

(٢) اشتملت الرواية على متابعة المأموم للإمام في السجود إذا كان السهو من الامام وقد تقدم في ص ٢٨٥ انه مذهب العامة. وقد اختلفوا في التشهد والسلام لهما على أقوال كما في عمدة القارئ ج ٣ ص ٧٤٥ و ٧٤٦ وفيه ايضا ج ٣ ص ٧٣٨ التكبير مشروع لسجود السهو بالإجماع.

٣٣٦

ورد بان سماع ذلك من الإمام لا يستلزم وقوع السهو منه لجواز كونه اخبارا عما يقال فيهما بل الظاهر انه هو المراد لقوله عليه‌السلام في الرواية المتقدمة (١) بنقل صاحبي الكافي والفقيه قال : «يقول في سجدتي السهو بسم الله. الحديث».

واما ما ذكره ـ من انه لو سلم وجوب الذكر فيهما فإنه لا يتعين فيهما ما سمعه لاحتمال ان يكون على وجه الجواز لا اللزوم ـ ففيه ما حققناه في مسألة الابتداء بالأعلى في غسل الوجه من كتاب الطهارة من ان فعله عليه‌السلام إذا وقع بيانا للمجمل وجب اتباعه وتعين فعله والأمر هنا كذلك. وقد تقدم تحقيق المسألة في الموضع المذكور. والله العالم.

وقد تلخص مما حققناه في المقام ان الواجب فيهما هو الذكر المذكور في الأخبار ـ وجوز الشيخ في المبسوط فيهما ما شاء من الأذكار ولا اعرف له دليلا ـ والتشهد والتسليم ، ونقل عن ابى الصلاح هنا انه ينصرف منهما بالسلام على محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله ولم ينقلوا عليه دليلا. والمراد بالتشهد الخفيف فيهما هو الاقتصار على الواجب منه كما ذكره بعض الأصحاب. ويحتمل ـ ولعله الأقرب ـ الحمل على التشهد الخالي من الأذكار الطويلة المستحبة في التشهد وان اشتمل على بعض المستحبات.

(الخامس) ـ قال في المدارك : ويجب فيهما السجود على الأعضاء السبعة ووضع الجبهة على ما يصح السجود عليه ، لانه المعهود من لفظ السجود في الشرع فينصرف اليه اللفظ عند الإطلاق. وفي وجوب الطهارة والستر والاستقبال قولان أحوطهما الوجوب. انتهى.

أقول : لا يخفى ان دعوى ان المعهود من لفظ السجود ما ذكره لا يخلو من بعد ، لأن هذا انما يتم في سجود الصلاة حيث انه اشترط فيه ذلك لا مطلق السجود ، كيف؟ وهو قد قال في سجود التلاوة : وفي اشتراط وضع الجبهة على ما يصح السجود عليه والسجود على الأعضاء السبعة واعتبار المساواة بين المسجد

__________________

(١) ص ٣٣٤.

٣٣٧

والموقوف نظر ، ولا ريب ان اعتبار ذلك أحوط. انتهى. وما نحن فيه كذلك ولو تم ما ذكره هنا لجرى في سجود التلاوة أيضا لأن المسألتين من باب واحد وهو قد تنظر فيه وإنما تمسك بالاحتياط فكذا القول في هذه المسألة ، لأن المسألة خالية من النص ولفظ السجود من حيث هو لا يدل على ذلك. لكن يقين البراءة من التكليف الثابت بيقين يقتضي ما ذكره. واما ما ذكره من وجوب الطهارة والستر والاستقبال فالأمر فيه كذلك ايضا لعدم النص إلا ان المفهوم من ظاهر النصوص الدالة على الفورية والمبادرة بهما بعد التسليم وقبل الكلام (١) ذلك بناء على ما هو الغالب من حال المكلف من بقائه على الحال التي كان عليها في الصلاة. وبالجملة فإنه لا مستمسك في هذا المقام زيادة على الاحتياط ويقين البراءة من التكليف الثابت. والله العالم.

(السادس) ـ المشهور بين الأصحاب انه لو تركهما عمدا لم تبطل صلاته ووجب عليه الإتيان بهما وان طالت المدة ، إذ غاية ما يفهم من الأخبار هو وجوبهما لا اشتراط صحة الصلاة بهما.

ونقل عن الشيخ في الخلاف اشتراط صحة الصلاة بهما ، قال في الذخيرة وهو أحوط ، ثم قال وتحقيق الأمر مبنى على ان الصلاة اسم للأركان مطلقا أو مقيدا باستجماعها شرائط الصحة ، وعلى الأول يقوى الأول وعلى الثاني الثاني لتوقف اليقين بالبراءة عليه. انتهى.

وفيه انه لا ريب ان الصلاة اسم لهذه الأفعال المخصوصة التي مفتاحها التكبير وتحليلها التسليم (٢) وهو اتفاقي نصا وفتوى ، ولا ريب ان المكلف متى سلم فقد تمت صلاته ومضت على الصحة ما لم يعرض لها شي‌ء من القواطع المتقدمة ، وإيجاب الشارع بعد ذلك بعض الأفعال ـ تداركا لخلل واقع فيها غير مبطل لها مثل صلاة الاحتياط وقضاء السجدة أو التشهد على القول به أو سجود السهو مثلا ـ لا يدل على

__________________

(١) ص ٣٣٠.

(٢) الوسائل الباب ١ من التسليم.

٣٣٨

اشتراط صحتها به وانه ان لم يأت به بطلت صلاته لعدم الدليل على ذلك ، ومجرد الأمر بتلك الأشياء لا يدل عليه بل غايته التأثيم بالإخلال بذلك كما تقدم تحقيقه.

ويدل على وجوب الإتيان بهما متى نسيهما ثم ذكر بعد ذلك ما رواه الشيخ في الموثق عن عمار عن ابى عبد الله عليه‌السلام (١) قال : «سألته عن الرجل إذا سها في الصلاة فينسى أن يسجد سجدتي السهو؟ قال يسجدهما متى ذكر».

والمفهوم من الأخبار كما تقدمت الإشارة إليه وجوبهما فورا لاشتمال الاخبار على ان محلهما بعد التسليم وقبل الكلام إلا انه قد روى الشيخ عن عمار في الموثق عن ابى عبد الله عليه‌السلام (٢) قال : «سألته عن الرجل يسهو في صلاته فلا يذكر ذلك حتى يصلى الفجر كيف يصنع؟ قال لا يسجد سجدتي السهو حتى تطلع الشمس ويذهب شعاعها». والظاهر انه لا قائل به من الأصحاب (رضوان الله عليهم).

(السابع) ـ قال في الذكرى : لو جلس في موضع قيام ناسيا ولما يتشهد كالجلوس على الأول أو الثالثة صرف إلى جلسة الاستراحة ولا سجود عليه على الأقوى ، وان تشهد وجب السجود للتشهد لا للجلوس على الأصح. وفي الخلاف ان كان الجلوس بقدر الاستراحة ولم يتشهد فلا سجود عليه وان تشهد أو جلس بقدر التشهد سجد على القول بالزيادة والنقيصة وفي المختلف ان جلس ليتشهد ولم يتشهد فالزائد على جلسة الاستراحة يوجب السجود والظاهر انه مراد الشيخ. ولكن في وجوب السجود للزائد عن قدرها للتشهد إشكال لأن جلسة الاستراحة لا قدر لها بل يجوز تطويلها وتركه فان صرف الجلوس للتشهد إليها فلا يضر طولها وان لم يصرف فلا ينفع قصرها في سقوط سجود السهو. انتهى كلامه زيد إكرامه

أقول : لا يخفى ان الأفعال تابعة للقصود والنيات فيها تصير عبادة تارة ولغوا اخرى ، وهذا الجالس في أحد هذين الموضعين ان قصد بجلوسه جلسة الاستراحة خاصة طول أو قصر فلا اشكال ، وان قصد به التشهد ولم يأت بالتشهد فالحق ما قاله

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ٣٢ من الخلل في الصلاة.

٣٣٩

في المختلف من ان ما زاد على جلسة الاستراحة يوجب سجدتي السهو بناء على القول بأنهما لكل زيادة ونقيصة لتحقق حصول الزيادة. وقول شيخنا (قدس‌سره) هنا ـ ولكن في وجوب السجود للزائد عن قدرها للتشهد إشكال. الى آخره ـ مردود بأنه انما قصد الجلوس للتشهد وبهذا القصد يكون هذا الجلوس زيادة في الصلاة حيث انه غير محل التشهد ، نعم استثنى منه قدر ما يحصل به جلوس الاستراحة حيث انه لا يشترط في الإتيان به قصد الاستراحة به بل يكفي الإتيان به كيف اتفق وبه تتحقق سنة الاستراحة ولو اتفق وقوعه سهوا. وقوله ـ فان صرف الجلوس للتشهد إليها. الى آخره ـ لا اعرف له وجها فان المفروض ان هذا الجلوس جميعه انما وقع بقصد التشهد مع زيادته على ما هو المتعارف من جلسة الاستراحة لا انه صرف جلوس التشهد الزائد إلى جلسة الاستراحة ونوى به انه من الاستراحة والفرق بين الأمرين واضح. والله العالم.

(الثامن) ـ اختلف الأصحاب في ما لو تعدد الموجب للسجود فهل يتداخل مطلقا أو لا مطلقا أو التداخل ان تجانس السبب وإلا فلا؟ أقوال : والى الأول ذهب في المبسوط وجعل التعدد أحوط ، والى الثاني ذهب العلامة في المختلف وجمع من المتأخرين ، والى الثالث ذهب ابن إدريس ، قال في كتابه : ان تجانس اكتفى بالسجدتين لعدم الدليل ولقولهم (عليهم‌السلام) (١) «من تكلم في صلاته ساهيا تجب عليه سجدتا السهو» ولم يقولوا دفعة واحدة أو دفعات ، فاما إذا اختلف الجنس فالأولى عندي بل الواجب الإتيان عن كل جنس بسجدتي السهو لعدم الدليل على تداخل الأجناس بل الواجب إعطاء عن كل جنس ما يتناوله اللفظ لانه قد تكلم وقام في حال قعود وقالوا (عليهم‌السلام) «من تكلم تجب عليه سجدتا السهو (٢) ومن قام في حال قعود تجب عليه سجدتا السهو» (٣) وهذا قد فعل الفعلين فيجب عليه

__________________

(١ و ٢) هذا مضمون ما يدل على ذلك راجع ص ٣١٤.

(٣) هذا مضمون ما استدل به لذلك راجع ص ٣٢٣.

٣٤٠