الحدائق الناضرة - ج ٩

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]

الحدائق الناضرة - ج ٩

المؤلف:

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]


المحقق: محمّد تقي الإيرواني
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٥٩

ثم انه على تقدير تخصيص الكثرة بالثلاث فهل الحكم يتعلق بالثالثة أو الرابعة؟ قولان ، قال في الروض : ومتى حكم بثبوتها بالثلاثة تعلق الحكم بالرابع ويستمر الى أن يخلو من السهو والشك فرائض يتحقق بها الوصف فيتعلق به حكم السهو الطارئ وهكذا. انتهى.

وتمسك القائلون بذلك ـ على ما نقله بعض مشايخنا (رضوان الله عليهم) ـ بان حصول الثلاث سبب لتحقق حكم الكثرة والسبب مقدم على المسبب. ويرد عليه ان تقدم السبب ذاتي ولا تنافيه المعية الزمانية. مع ان التقدم الزماني لا يخل هنا بالمقصود وظاهر ما قدمنا نقله عن المحقق الأردبيلي تعلق الحكم بالثالث. واحتمل في الذكرى حصول الكثرة بالثانية ، قال : ويظهر من قوله عليه‌السلام في حسنة حفص بن البختري (١) «ولا على الإعادة اعادة». ان السهو يكثر بالثانية. إلا أن يقال يختص بموضع وجوب الإعادة. انتهى.

أقول : قد قدمنا ان الأظهر في معنى هذه العبارة هو انه لو صدر منه شك أو سهو موجب لإعادة الصلاة ثم حصل في الصلاة المعادة ما يوجب الإعادة أيضا فإنه لا يعيد ولا يلتفت اليه بل يتم صلاته ، ولا منافاة بينه وبين التحديد الواقع في صحيحة محمد بن ابى عمير (٢) إذ لا يلزم ان يكون عدم الإعادة في الصلاة المعادة إنما هو لحصول الكثرة بل هما حكمان شرعيان بينهما عموم وخصوص من وجه ، إذ السهو الموجب للكثرة لا ينحصر في ما كان سببا للإعادة ، والسهو في المعادة لا يستلزم كثرة السهو (٣) وان اجتمع الحكمان في بعض الموارد ولا تنافي بينهما.

وقد عرفت ان ظاهر كلام الذكرى ان الإعادة تستلزم الكثرة ، ويظهر من المدارك موافقته على ذلك حيث قال بعد نقل عبارة الذكرى المتقدمة : وهو كذلك إلا انى لا أعلم بمضمونها قائلا.

__________________

(١) ص ٢٥٨.

(٢) راجع التعليقة ١ ص ٣٠٠.

(٣) العبارة في ما وقفنا عليه من النسخ الخطية هكذا «والإعادة لا تستلزم كثرة السهو».

٣٠١

قال شيخنا المجلسي بعد نقل ذلك عنه : أقول لما لم يعلم تحقق إجماع على خلافه والرواية المعتبرة دلت عليه فلا مانع من القول به ولذا مال إليه والدي العلامة (قدس الله روحه) والأحوط الإتمام والإعادة رعاية للمشهور بين الأصحاب. انتهى.

أقول : ان كان مراده وكذا مراد السيد السند بتقوية ما ذكره في الذكرى ودلالة الرواية عليه بالنسبة الى عدم الإعادة في الصلاة المعادة لو حصل فيها موجب الإعادة فهو جيد إلا انه بعيد عن سياق كلام الذكرى ، وان أراد بالنسبة إلى حصول الكثرة وان عدم الإعادة في الصلاة المعادة إنما هو من حيث حصول الكثرة كما هو ظاهر كلام الذكرى وكلام السيد ايضا ففيه ان الرواية لا دلالة فيها على ذلك ومجرد نفى الإعادة لا دلالة فيه على ان ذلك لحصول الكثرة. وبالجملة فإن الظاهر ان كلام شيخنا المشار اليه لا يخلو من غفلة. والله العالم.

(المسألة الرابعة عشرة) ـ قد تقدم في صور الشكوك الأربعة وجوب صلاة الاحتياط ولم نتعرض ثمة للبحث عنها ولا عن أحكامها وتحقيق ذلك هنا يقع في مواضع :

(الأول) ـ الظاهر من كلام الأصحاب وجوب تكبيرة الإحرام في صلاة الاحتياط بل كاد ان يكون اتفاقا بينهم ، إلا ان بعض متأخري أصحابنا نقل عن القطب الراوندي في شرح النهاية الطوسية انه قال : من أصحابنا من قال انه لو شك بين الاثنتين والأربع أو غيرهما من تلك الأربعة فإذا سلم قام ليضيف ما شك فيه الى ما يتحقق قام بلا تكبيرة الإحرام ولا تجديد نية ويكتفى في ذلك بعلمه وإرادته ويقول لا تصح نية مترددة بين الفريضة والنافلة على الاستئناف وان صلاة واحدة تكفيها نية واحدة وليس في كلامهم ما يدل على خلافه. وقيل ينبغي ان ينوي انه يؤدى ركعات الاحتياط قربة الى الله ويكبر ثم يصلى. انتهى.

وهذا القول وان لم يشتهر نقله بين الأصحاب إلا أن إطلاق الأخبار المتقدمة في الأمر بالاحتياط يعضده ، فإن أقصى ما تضمنته تلك الأخبار انه يقوم ويركع ركعة أو ركعتين من قيام أو جلوس ، وليس فيها على تعددها وكثرتها تعرض

٣٠٢

لذكر تكبيرة الإحرام كما لا يخفى على من راجعها مع اشتمالها على قراءة الفاتحة والتشهد والتسليم ، والمقام فيها مقام البيان لأنها مسوقة لتعليم المكلفين ، فلو كان ذلك واجبا لذكر ولو في بعض كما ذكر غيره مما أشرنا اليه.

والذي وقفت عليه من عبائر جملة من المتقدمين وجل المتأخرين خال من ذكر التكبير ايضا.

نعم روى الشيخ في التهذيب عن زيد الشحام (١) قال : «سألته عن الرجل يصلى العصر ست ركعات أو خمس ركعات؟ قال ان استيقن انه صلى خمسا أو ستا فليعد ، وان كان لا يدرى أزاد أم نقص فليكبر وهو جالس ثم ليركع ركعتين يقرأ فيهما بفاتحة الكتاب في آخر صلاته ثم يتشهد».

فان ظاهره ان هاتين الركعتين إنما هما للاحتياط وان كان الاحتياط هنا غير مشهور في كلام الأصحاب إلا ان ظاهر الصدوق في المقنع القول بذلك ، وقد تقدم الكلام في ذلك في المسألة العاشرة ، وحينئذ فيمكن أن تخصص تلك الأخبار بهذا الخبر. وكيف كان فالاحتياط يقتضي الوقوف على القول المشهور.

(الثاني) ـ لو فعل المبطل قبل الإتيان بصلاة الاحتياط فهل تبطل الفريضة ويسقط الاحتياط أم تبقى على الصحة ويجب الإتيان بالاحتياط؟ قولان يلتفتان الى ان صلاة الاحتياط هل هي جزء من الفريضة المتقدمة أم هي صلاة برأسها خارجة عن تلك الصلاة؟ فالأول مبنى على الأول والثاني على الثاني. والقول بالبطلان منقول عن ظاهر الشيخ المفيد واختاره العلامة في المختلف والشهيد في الذكرى ، والى الثاني ذهب جمع : منهم ـ ابن إدريس والعلامة في الإرشاد والظاهر انه الأشهر في كلام المتأخرين.

قال في الذكرى : ظاهر الفتاوى والأخبار وجوب تعقيب الاحتياط للصلاة من غير تخلل حدث أو كلام أو غيره حتى ورد وجوب سجدتي السهو للكلام قبله

__________________

(١) الوسائل الباب ١٤ من الخلل في الصلاة.

٣٠٣

ناسيا كما مر ، وقال ابن إدريس لا تفسد الصلاة بالحدث قبله لخروجه عن الصلاة بالتسليم وهذا فرض جديد. وهو ضعيف لان شرعيته ليكون استدراكا للفائت من الصلاة فهو على تقدير وجوبه جزء من الصلاة فيكون الحدث واقعا في الصلاة فيبطلها. انتهى.

واستدل العلامة في المختلف على ما ذهب اليه من الابطال بتخلل الحدث بوجوه (أحدها) ان الاحتياط معرض لان يكون تماما للصلاة فكما تبطل الصلاة بالحدث المتخلل بين أجزائها المحققة فكذا ما هو بمنزلتها. و (ثانيها) قوله (عليه‌السلام) في آخر رواية ابن ابي يعفور المتقدمة في مسألة الشك بين الاثنتين والأربع (١) «فإن كان صلى ركعتين كانت هاتان تمام الأربع وان كان صلى أربعا كانت هاتان نافلة وان تكلم فليسجد سجدتي السهو». و (ثالثها) قوله (عليه‌السلام) في رواية أبي بصير المتقدمة (٢) «إذا لم تدر أربعا صليت أم ركعتين فقم واركع ركعتين». والفاء للتعقيب وإيجاب التعقيب ينافي تسويغ الحدث. و (رابعها) قوله عليه‌السلام في صحيحة زرارة المتقدمة (٣) «وإذا لم يدر في ثلاث هو أو في أربع. قام فأضاف إليها أخرى». فإن جعل القيام جزء يقتضي تعقيب فعله بالشرط ،

هذا حاصل ما استدلوا به على هذا القول وما يمكن تكلفه له من الأدلة.

ورده جملة من متأخري المتأخرين (أما الأول) فلان شرعية فعل الاحتياط استدراكا للفائت لا يقتضي جزئيته من الصلاة ، مع انه منفصل عنها بما يوجب الانفصال والانفراد من النية والتكبير والتسليم. و (اما الثاني) فمع عدم صحة الرواية فهي غير صريحة في المدعى لاحتمال ان يكون المراد سجود السهو للكلام الصادر في أثناء الصلاة أو أثناء صلاة الاحتياط لا الكلام المتخلل بين الصلاتين ، على ان ترتب السجود عليه غير صريح في تحريمه ، مع انه لو سلم تحريمه لا يلزم منه بطلان الصلاة به. و (اما الثالث) فبعد تسليم دلالة الفاء الجزئية على التعقيب مع ـ انه

__________________

(١) ص ٢٣٧ و ٢٣٨.

(٢) ص ٢٣٨.

(٣) ص ٢٣٣.

٣٠٤

قد منعه بعض العلماء ، وان مجرد الحدث مناف للتعقيب الذي دلت عليه الفاء ـ فانا نقول ليس المراد بها هنا التعقيب بدلالة ذكر «ثم» في مثل هذا الموضع في بعض الأخبار كصحيحة محمد بن مسلم وحسنة الحلبي ورواية ابن ابى يعفور وعدم ذكر شي‌ء منهما في بعض الأخبار ايضا كحسنة زرارة (١) وبالجملة فإنه لا يخفى على المتتبع ان الفاء في أمثال هذا المقام منسلخة عن معنى التعقيب وانما المراد منها مجرد ترتب ما بعدها على السابق ، ومع تسليم ذلك لا يلزم منه بطلان الصلاة بترك المبادرة وإنما اللازم منه وجوب المبادرة وهو غير محل البحث. و (اما الرابع) فإنه لا يعتبر في الجزاء ان يكون بعد الشرط بلا فصل ، مع ان ذلك لا يقتضي إلا مجرد الوجوب وهو غير محل البحث أيضا.

أقول : والتحقيق ان هذه التعليلات المذكورة كما عرفت عليلة وقصارى ما تدل عليه اخبار الاحتياط هو وجوب المبادرة به بعد إتمام الصلاة وهو غير موجب لبطلان ما تقدم بالحدث المتجدد بينهما ، مع ما ورد من ان تحليل الصلاة التسليم (٢) وهو عام وتخصيصه بغير موضع النزاع يحتاج الى دليل وليس فليس ، وبذلك يظهر قوة ما ذهب اليه ابن إدريس. ويؤيده أيضا ما ورد من الأخبار الدالة على صحة الصلاة مع تخلل الحدث قبل التسليم (٣) بناء على استحباب التسليم كما هو أحد الأقوال أو كونه واجبا خارجا كما هو المختار ، فإنها شاملة بإطلاقها لهذا الموضع وتخصيصها يحتاج الى مخصص وليس فليس.

وكيف كان فإنه وان كان الأرجح لما ذكرناه هو القول بالصحة إلا ان المسألة لما كانت خالية من النصوص بالخصوص فالأحوط الإتيان بالاحتياط ثم اعادة الصلاة من رأس.

ثم اعلم ان العلامة في المختلف أورد على ابن إدريس التناقض بين فتواه بعدم

__________________

(١) ص ٢٣٧ و ٢٣٣.

(٢) الوسائل الباب ١ من التسليم.

(٣) الوسائل الباب ١٣ من التشهد و ٣ من التسليم و ١ من قواطع الصلاة.

٣٠٥

البطلان بالحدث المتخلل وقوله بجواز التسبيح ، لأن الأول يقتضي كونها صلاة منفردة والثاني يقتضي كونها جزء.

قال في الذكرى : ويمكن دفعه بان التسليم جعل لها حكما مغايرا للجزء باعتبار الانفصال عن الصلاة ولا ينافي ذلك تبعية الجزء في باقي الأحكام. قال في المدارك بعد نقل ذلك : وهو جيد لو ثبت التبعية بدليل من خارج لكنه غير ثابت بل الدليل قائم على خلافه. انتهى. وهو جيد.

أقول : لا يخفى ان ظاهر الأخبار الدالة على انه مع ظهور تمام الصلاة فالاحتياط نافلة ومع ظهور النقصان فهو متمم هو أن هذه الصلاة ذات جهتين فهي من جهة صلاة مستقلة برأسها ومن جهة أخرى تكون سادة للنقص الواقع في الصلاة وبالنظر الى هذا الوجه الأخير جوز ابن إدريس التسبيح إلا ان الأخبار كما ستعرف ان شاء الله تعالى تدفعه.

إذا عرفت ذلك فاعلم ان ظاهر الأصحاب ترتب الوجهين المتقدمين في صلاة الاحتياط على الأجزاء المنسية فلو فاتته السجدة أو التشهد أو أبعاضه على القول بوجوب القضاء ففعل المنافي قبل الإتيان بها ففيه الوجهان المتقدمان في الاحتياط.

قال في الذكرى : واولى بالبطلان عند بعضهم للحكم بالجزئية هنا يقينا ، ولا خلاف في انه يشترط فيها ما يشترط في الصلاة حتى الأداء في الوقت ، فان فات الوقت ولما يفعلها تعمدا بطلت صلاته عند بعض الأصحاب لأنه لم يأت بالماهية على وجهها ، وان كان سهوا لم تبطل عنده ونوى بها القضاء وكانت مترتبة على الفوائت قبلها أبعاضا كانت أو صلوات مستقلة. انتهى.

أقول : اما ما نقله من الأولوية استنادا الى الحكم بالجزئية يقينا فلا يخلو من شي‌ء ، إذ لو تم ذلك لوجب الحكم ببطلان الصلاة وبتخلل الأركان بين محلها أولا ومحل تلافيها أخيرا على انه ليس كذلك ، وبالجملة فإنه لا ريب في خروجها عن محض الجزئية ، ووجوب الإتيان بها بعد الصلاة حكم آخر. واما ما ذكره

٣٠٦

من كونها مترتبة على الفوائت قبلها فلم نقف له على دليل بل إطلاق الأدلة يقتضي انتفاءه

وبالجملة فحيث كانت المسألة كسابقتها خالية من النصوص فالاحتياط فيها مطلوب وان كان الظاهر هو القول بالصحة كما عرفت في تلك المسألة. والله العالم.

(الثالث) ـ المشهور بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) تعين الفاتحة في صلاة الاحتياط ، وذهب ابن إدريس إلى التخيير بينها وبين التسبيح. والقول الأول هو المعتضد بالنصوص المتقدمة الصريحة في وجوب قراءة الفاتحة فيها ، ولا ينافي ذلك إطلاق بعض الأخبار بذكر ركعة أو ركعتين من غير تعرض لذكر الفاتحة ، فإنه محمول على تلك الأخبار حمل المطلق على المقيد كما هو القاعدة المشهورة المنصوصة أيضا.

واما ما ذكره في الذخيرة هنا ـ من احتمال حمل الأخبار الدالة على التعيين على الاستحباب حتى ادعى انه لا ترجيح لأحد التأويلين على الآخر ـ

ففيه (أولا) ما عرفت من ان هذه القاعدة في الجمع بين الأخبار وان اشتهر العمل بها بين الأصحاب بل لا عمل لهم على غيرها في جميع الأبواب إلا انه لا دليل عليها من سنة ولا كتاب بل ظاهر الأدلة المذكورة ردها ، فان الحمل على الاستحباب مجاز لا يجوز القول به إلا مع القرينة الصارفة عن الحمل على الحقيقة وليس فليس.

و (ثانيا) ان اللازم بمقتضى ما ذكره انه يتخير بين القراءة وعدمها وان كانت القراءة أفضل ولا قائل به ولا دلالة في ذلك على قول ابن إدريس.

وبالجملة فإن ما ذكره لا اعرف له وجها وجيها وانما التجأ إلى موافقة القول المشهور لقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله (١) «لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب». قال وان لم يصل الى حد الحقيقة فالحمل عليه أقرب. ولا يخفى عليك ما فيه من الوهن لما عرفت في غير مقام مما تقدم من ان إطلاق الأحكام في الأخبار إنما يحمل على الافراد الشائعة المتكثرة فإنها هي التي يتبادر إليها الإطلاق دون الفروض النادرة ، على انك قد عرفت

__________________

(١) في صحيح مسلم ج ٢ ص ٩ «لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب» ..

٣٠٧

ان صلاة الاحتياط غير متمحضة للاستقلال والمتبادر من الخبر انما هو الصلاة المستقلة. وبالجملة فالأولى في الاستدلال على ذلك انما هو ما ذكرناه.

ونقل عن ابن إدريس انه احتج بان الاحتياط قائم مقام الركعتين الأخيرتين فيثبت فيه ما ثبت في مبدله. وضعفه أظهر من ان يتصدى الى بيانه. والله العالم.

(الرابع) ـ الظاهر انه لا خلاف ولا إشكال في صحة الصلاة لو ذكر تمامها بعد الإتيان بصلاة الاحتياط لدلالة الأخبار على ذلك وان الاحتياط هنا يكون نافلة. اما لو ذكر في حال الاحتياط والحال هذه فهل يقطع الاحتياط لظهور الاستغناء عنه أم يتمه؟ الظاهر التخيير في ذلك وان كان الأفضل الإتمام حيث انه بظهور الاستغناء عنه يكون نافلة ومن شأن النافلة ذلك.

اما لو ذكر نقصان صلاته فلا يخلو اما ان يذكر بعد الفراغ من الصلاة والاحتياط معا أو بعد الفراغ من الصلاة وقبل الاحتياط أو في أثناء الاحتياط فههنا صور ثلاث :

(الأولى) ـ ان يذكر بعد الفراغ من الصلاة والاحتياط معا والمشهور عدم الالتفات مطلقا ، وعليه تدل ظواهر الأخبار المصرحة بأنه متى اتى بالاحتياط فان كانت صلاته تامة كان احتياطه نافلة وان كانت ناقصة كان متمما.

وذهب بعض الأصحاب إلى البطلان في صورة المخالفة يعني مخالفة الاحتياط للناقص الذي ظهر نقصه كما إذا كان الشك بين الثنتين والثلاث والأربع وقد احتاط بركعتين من قيام ثم ركعتين من جلوس ثم ظهر له بعد ذلك كون ما صلى ثلاث ركعات. ولعل وجه البطلان عنده من حيث لزوم اختلال نظم الصلاة حيث انه متى ذكر ان الناقص ركعة والمبدو به من الاحتياط انما هو الركعتان من قيام وهو مخالف للناقص والمطابق له انما هو الركعتان من جلوس وهي المتأخرة فيلزم اختلال نظم الصلاة. وفيه ان ذلك إنما يشكل إذا قلنا بأن صلاة الاحتياط جزء لا صلاة مستقلة وقد عرفت في ما تقدم ان الأظهر هو الاستقلال فلا إشكال.

٣٠٨

(الثانية) ـ ان يذكر بعد الفراغ من الصلاة وقبل الاحتياط ، وحينئذ فلا يخلو اما ان يكون قد فعل منافيا يبطل الصلاة أم لا ، وعلى الثاني لا إشكال في وجوب الإتمام ثم السجود للسهو لما زاده من التشهد والتسليم ، وعلى الأول يبنى على مسألة من فعل المنافي بعد تسليمه على ركعتين من كون ذلك المنافي مبطلا عمدا لا سهوا أو عمدا وسهوا أو غير مبطل. وقد تقدم تحقيق ذلك في المسألة المذكورة

(الثالثة) ـ ان يذكر النقص في أثناء الاحتياط ، وحينئذ اما ان يكون ذلك الاحتياط مطابقا للناقص كما إذا شك بين الثنتين والثلاث فأتم وشرع في ركعة الاحتياط من قيام ثم ذكر في أثنائها النقصان ، أو غير مطابق كما إذا شك بين الثنتين والثلاث والأربع ثم شرع في الركعتين من قيام وذكر في أثنائها نقصان ركعة. فعلى الأول هل تبطل الصلاة ويستأنف نظرا الى ان القدر المعلوم ثبوته من تلك الأدلة ورودها بالنسبة إلى الشك المستمر الى الفراغ من الاحتياط ، فان هذا الترديد المتقدم في الأخبار انما هو بالنظر الى صلاته واقعا بمعنى انه ان كانت في الواقع صلاته تامة فاحتياطه نافلة وان كانت ناقصة فاحتياطه متمم لا بالنظر الى ظهور ذلك للمكلف وان أمكن الجري على ذلك في بعض المواضع ولهذا لم تجد لهذه الصور التي فرعها الأصحاب في هذا المقام في الأخبار أثرا ، أو يجب الإتمام نظرا الى عموم الأدلة؟ قولان. وعلى الثاني فهل يتم الاحتياط ولا شي‌ء عليه أو يقتصر على القدر المطابق ان لم يتجاوزه أو يبطل الاحتياط ويرجع الى حكم تذكر النقصان أو تبطل الصلاة؟ احتمالات والاحتياط في مثل هذه المواضع المشتبهة الخالية من النصوص واجب. والله العالم.

فروع

(الأول) ـ قال في الذكرى : لو صلى قبل الاحتياط غيره بطل فرضا كان أو نفلا ترتب على الصلاة السابقة أولا ، لأن الفورية تقتضي النهي عن ضده

٣٠٩

وهو عبادة. هذا إذا كان متعمدا ولو فعل ذلك سهوا وكانت نافلة بطلت ، وكذا إذا كانت فريضة لا يمكن العدول فيها اما لاختلاف نوعها كالكسوف واما لتجاوز محل العدول ، ويحتمل الصحة بناء على ان الإتيان بالمنافي قبله لا يبطل الصلاة وان أمكن العدول يحتمل قويا صحته كما يعدل الى جميع الصلاة.

(الثاني) ـ يترتب الاحتياط ترتب المجبورات ، وهو بناء على انه لا يبطله فعل المنافي ، وكذا الأجزاء المنسية تترتب ، ولو فاتته سجدة من الأولى وركعة احتياط قدم السجدة ، ولو كانت من الركعة الأخيرة احتمل تقديم الاحتياط لتقدمه عليها وتقديم السجدة لكثرة الفصل بالاحتياط بينها وبين الصلاة.

(الثالث) لو أعاد الصلاة من وجب عليه الاحتياط لم يجزئ لعدم إتيانه بالمأمور به ، وربما احتمل الإجزاء لإتيانه على الواجب وزيادة.

كذا صرح بذلك في الذكرى. وفي كثير منها اشكال والاحتياط في أمثال هذه المواضع مطلوب على كل حال كما عرفت في غير موضع مما تقدم.

خاتمة في أحكام سجدتي السهو اختلف الأصحاب (رضوان الله عليهم) في موجب سجدتي السهو على أقوال متعددة واراء متفرقة ، فقال ابن ابى عقيل : الذي تجب فيه سجدتا السهو عند آل الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله شيئان : الكلام ساهيا خاطب المصلى نفسه أو غيره ، والآخر دخول الشك عليه في أربع ركعات أو خمس فما عداها.

والشيخ المفيد في المقنعة قد عد ثلاثة مواضع تجب فيها سجدتا السهو أحدها ـ السهو عن سجدة حتى يفوت محلها ، ومن نسي التشهد ولم يذكر حتى يركع في الثالثة ، ومن تكلم ناسيا. ولم يذكر شيئا آخر ولم ينص على عدد.

وقال في الرسالة الغرية : لو نسي التشهد الأول وذكره بعد الركوع مضى في صلاته فإذا سلم من الرابعة سجد سجدتي السهو ، وكذلك ان تكلم ناسيا في صلاته فليسجد بعد التسليم سجدتي السهو ، وان لم يدر أزاد سجدة أو نقص سجدة أو زاد

٣١٠

ركوعا أو نقص ركوعا ولم يتيقن ذلك وكان الشك له فيه حاصلا بعد تقضى وقته وهو في الصلاة سجد سجدتي السهو ، قال وليس لسجدتي السهو موضع في الشك في الصلاة إلا في هذه الثلاثة المواضع والباقي بين مطرح أو متدارك بالجبران أو فيه اعادة

وقال ثقة الإسلام في الكافي بعد تقسيمه مواضع السهو الواردة في الأخبار الى ما يجب على الساهي فيه اعادة الصلاة وهي سبعة مواضع ثم عدها ، وما لا يجب فيها إعادة الصلاة وتجب فيها سجدتا السهو : الذي يسهو فيسلم في الركعتين ثم يتكلم من غير ان يحول وجهه وينصرف عن القبلة ، قال فعليه أن يتم صلاته ثم يسجد سجدتي السهو ، والذي ينسى تشهده ولا يجلس في الركعتين وفاته ذلك حتى يركع في الثالثة فعليه سجدتا السهو وقضاء تشهده إذا فرغ من صلاته ، والذي لا يدرى أربعا صلى أو خمسا عليه سجدتا السهو ، والذي يسهو في بعض صلاته فيتكلم بكلام لا ينبغي له مثل أمر ونهى من غير تعمد فعليه سجدتا السهو ، فهذه أربعة مواضع تجب فيها سجدتا السهو. الى آخر كلامه.

وقال الشيخ في المبسوط : واما ما يوجب الجبران بسجدتي السهو فخمسة مواضع : من تكلم في الصلاة ساهيا ، ومن سلم في الأولتين ناسيا ، ومن نسي التشهد الأول حتى يركع في الثالثة ، ومن ترك واحدة من السجدتين حتى يركع في ما بعد ، ومن شك بين الأربع والخمس ، قال وفي أصحابنا من قال ان من قام في حال قعود أو قعد في حال قيام فتلافاه كان عليه سجدتا السهو. وقال في الجمل ما يوجب الجبران بسجدتي السهو أربعة مواضع ، وعد ما تقدم وأسقط التشهد.

وقال في الخلاف : وسجدتا السهو لا تجبان في الصلاة إلا في أربعة مواضع (أحدها) إذا تكلم في الصلاة ناسيا. و (الثاني) إذا سلم في الصلاة في غير موضع السلام ناسيا. و (الثالث) إذا نسي سجدة واحدة ولا يذكر حتى يركع في الركعة التي بعدها. و (الرابع) إذا نسي التشهد الأول ولا يذكر حتى يركع في الثالثة ، فإن هذه المواضع يجب عليه المضي في الصلاة ثم سجدتا السهو بعد التسليم ، قال واما

٣١١

ما عدا ذلك فهو كل سهو يلحق الإنسان ولا يجب عليه سجدتا السهو فعلا كان أو قولا زيادة كان أو نقصانا متحققة كانت أو متوهمة وعلى كل حال ، قال وفي أصحابنا (رضوان الله عليهم) من قال عليه سجدتا السهو في كل زيادة ونقصان. وفي الاقتصاد مثل الجمل.

وقال السيد المرتضى في الجمل : تجب سجدتا السهو في خمسة مواضع : في نسيان السجدة والتشهد ولم يذكر حتى يركع ، وفي الكلام ساهيا ، وفي القعود حالة القيام وبالعكس ، وفي الشك بين الأربع والخمس.

وقال أبو جعفر بن بابويه ، ولا تجب سجدتا السهو إلا على من قعد في حال قيام أو قام في حال قعود أو ترك التشهد أو لم يدر أزاد أو نقص. ثم قال في موضع آخر : وان تكلمت في صلاتك ناسيا فقلت «أقيموا صفوفكم» فأتم صلاتك واسجد سجدتي السهو.

وقال في المقنع : واعلم ان السهو الذي تجب فيه سجدتا السهو هو انك إذا أردت أن تقعد قمت وإذا أردت أن تقوم قعدت ، قال وروى أنه لا يجب عليك سجدتا السهو إلا ان سهوت في الركعتين الأخيرتين لأنك إذا شككت في الأولتين أعدت الصلاة ، قال وروى ان سجدتي السهو تجب على من ترك التشهد. وأوجب أبوه سجدتي السهو في نسيان التشهد وفي الشك بين الثلاث والأربع إذا ذهب وهمه إلى الرابعة.

وأوجب سلار سجدتي السهو في نسيان التشهد والسجدة والكلام ناسيا والقعود في حالة القيام وبالعكس. وأوجبهما أبو الصلاح على من شك في كمال الفرض وزيادة ركعة عليه فيلزمه أن يتشهد ويسلم ويسجد بعد التسليم سجدتي السهو وعلى من جلس ساهيا في موضع قيام وبالعكس وعلى من تكلم ساهيا وعلى الساهي عن سجدة وعلى من يسهو عن ركعة أو اثنتين ويسلم ثم يذكر ذلك قبل ان ينصرف فيلزمه التلافي وسجدتا السهو والتسليم. وابن البراج أوجبهما في ما أوجبهما السيد

٣١٢

المرتضى وزاد التسليم في غير موضعه ، وكذا ابن حمزة إلا انه أسقط التسليم في غير موضعه وجعل عوضه السهو عن سجدتين من الأخيرتين.

وقال ابن إدريس : اختلف أصحابنا في ما يوجب سجدتي السهو فذهب بعضهم إلى أنها أربعة مواضع وقال آخرون في خمسة مواضع وقال الباقون الأكثرون المحققون في ستة مواضع ، قال وهو الذي اخترناه لما فيه من الاحتياط لان العبادات يجب أن يحتاط لها ولا يحتاط عليها. والمواضع التي عدها نسيان السجدة والتشهد والكلام ناسيا والتسليم في غير موضعه والقعود حالة القيام وبالعكس والشك بين الأربع والخمس.

وقال المحقق في المعتبر بوجوبهما في نسيان السجدة والتشهد والسلام والكلام والشك بين الأربع والخمس ، وحكى القيام والقعود ورده برواية سماعة الآتية ان شاء الله تعالى ، وحكى الزيادة والنقصان والخلاف فيه والمستمسك من الجانبين ولم يرجح شيئا في البين. وقال ابن عمه نجيب الدين في الجامع بمقالته وحكى القيام والقعود.

وقال العلامة في المنتهى بوجوبهما في الكلام سهوا والتسليم في غير موضعه كالأولتين من الرباعيات والثلاثية والأولة من الثنائية ، والشك بين الأربع والخمس والقعود في حال قيام وبالعكس (١) والسهو عن السجدة الواحدة. وفي المختلف أنهاه إلى ستة مواضع : الكلام ناسيا والتسليم في غير موضعه وترك التشهد ناسيا وترك السجدة كذلك ومن شك بين الأربع والخمس ومن شك فلا يدرى زاد أو نقص.

هذا ما وقفت عليه من كلام الأصحاب واختلافهم في هذا الباب والواجب ان نبين من ذلك مما ذكره الأصحاب كلا أو بعضا ما اقترن بالأخبار عنهم (عليهم‌السلام) ودلت عليه الأدلة في المقام وذلك في مواضع :

(الأول) الكلام ناسيا ، والمشهور بين الأصحاب وجوبهما بل نقل العلامة

__________________

(١) سيأتي في الموضع السابع حكاية عدم الوجوب فيهما عن المنتهى.

٣١٣

في المنتهى إجماع الأصحاب عليه إلا انه نقل في الذخيرة عن المختلف والذكرى انهما نقلا خلاف ابني بابويه في ذلك. وأنت خبير بأنه قد تقدم النقل عن ابن بابويه بان قال : «وان تكلمت في صلاتك ناسيا فقلت «أقيموا صفوفكم» فأتم صلاتك واسجد سجدتي السهو» إلا ان يحمل كلامه على وجوب سجدتي السهو في خصوص هذا الكلام كما هو ظاهر عبارته لا مطلق الكلام كما فهمه الأصحاب من الخبر الوارد بهذه العبارة ، نعم عبارة أبيه ظاهرة في عدم عد الكلام في ما يوجب سجود السهو حيث اقتصر على ذينك الموضعين. إلا انه يمكن القول بان كلامه غير دال على الحصر في الموضعين المذكورين وغايته أن يكون مطلقا بالنسبة الى غير ذينك الموضعين لما ستعرف ان شاء الله تعالى من دلالة الأخبار على جملة من المواضع الزائدة عليهما فيبعد منه الاقتصار على ذينك الموضعين والحصر فيهما.

ويدل على المشهور ما رواه الشيخ في الصحيح عن عبد الرحمن بن الحجاج (١) قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يتكلم ناسيا في الصلاة يقول «أقيموا صفوفكم»؟ قال يتم صلاته ثم يسجد سجدتين. فقلت سجدتا السهو قبل التسليم هما أو بعد؟ قال بعد» والظاهر فيه كما فهمه الأصحاب ان ذكر قوله «أقيموا صفوفكم». إنما خرج مخرج التمثيل فيكون الخبر دالا على السجود لمطلق الكلام لا التخصيص كما هو ظاهر عبارة الصدوق المتقدمة.

ورواية عبد الله بن ابى يعفور المتقدمة في المسألة الثامنة (٢) وقوله فيها : «وان تكلم فليسجد سجدتي السهو».

والظاهر انه لا فرق في وجوب السجود بين التكلم في الصلاة ناسيا أو ظانا الخروج من الصلاة.

ويدل على ذلك ما رواه في الكافي والتهذيب في الصحيح عن سعيد الأعرج (٣)

__________________

(١) الوسائل الباب ٤ و ٥ من الخلل في الصلاة والشيخ يرويه عن الكليني.

(٢) ص ٢٣٧ و ٢٣٨.

(٣) الفروع ج ١ ص ٩٩ والتهذيب ج ١ ص ٢٣٤ وفي الوسائل الباب ٣ من الخلل في الصلاة.

٣١٤

قال : «سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول صلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ثم سلم في ركعتين فسأله من خلفه يا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أحدث في الصلاة شي‌ء؟ فقال وما ذاك؟ قالوا إنما صليت ركعتين. فقال أكذلك يا ذا اليدين؟ ـ وكان يدعى ذا الشمالين ـ فقال نعم. فبنى على صلاته فأتم الصلاة أربعا. وقال ان الله عزوجل هو الذي أنساه رحمة للأمة ، ألا ترى لو ان رجلا صنع هذا لعير وقيل ما تقبل صلاتك ، فمن دخل عليه اليوم ذلك قال قد سن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وصارت أسوة. وسجد سجدتين لمكان الكلام».

إلا انه قد ورد في مقابلة هذا الخبر في خصوص السجدتين المذكورتين ما رواه الشيخ في الموثق بعبد الله بن بكير عن زرارة (١) قال : «سألت أبا جعفر عليه‌السلام هل سجد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله سجدتي السهو قط؟ فقال لا ولا يسجدهما فقيه».

قال في التهذيب : الذي افتى به ما تضمنه هذا الخبر واما الأخبار التي قدمناها من ان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله سها فسجد فإنها موافقة للعامة وانما ذكرناها لأن ما تتضمنه من الأحكام معمول بها على ما بيناه.

ثم ان مما يدل على عدم السجدتين في هذا الموضع عدة أخبار أيضا : منها ما رواه الشيخ في الصحيح عن زرارة عن ابى جعفر عليه‌السلام (٢) «في الرجل يسهو في الركعتين ويتكلم؟ قال يتم ما بقي من صلاته تكلم أو لم يتكلم ولا شي‌ء عليه».

وعن زيد الشحام (٣) قال : سألته عن الرجل. ثم ساق الخبر كما في صحيح زرارة المذكور (٤) الى ان قال : وان هو استيقن انه صلى ركعتين أو ثلاثا ثم انصرف وتكلم فلم يعلم انه لم يتم الصلاة فإنما عليه ان يتم الصلاة ما بقي منها فإن نبي الله صلى‌الله‌عليه‌وآله صلى بالناس ركعتين ثم نسي حتى انصرف فقال له ذو الشمالين يا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أحدث

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ٣ من الخلل في الصلاة.

(٣) الوسائل الباب ٣ و ١٤ من الخلل في الصلاة.

(٤) ص ٢٣٣ وخبر الشحام تقدم صدره في ص ٢٤٧ و ٣٠٣.

٣١٥

في الصلاة شي‌ء؟ فقال ايها الناس أصدق ذو الشمالين؟ فقالوا نعم لم تصل إلا ركعتين. فقام فأتم ما بقي من صلاته.

وعن الفضيل بن يسار في الصحيح (١) قال : «قلت لأبي جعفر عليه‌السلام أكون في الصلاة فأجد غمزا في بطني أو أذى أو ضربانا؟ فقال انصرف ثم توضأ وابن على ما مضى من صلاتك ما لم تنقض الصلاة بالكلام متعمدا وان تكلمت ناسيا فلا شي‌ء عليك فهو بمنزلة من تكلم في الصلاة ناسيا. الحديث».

وعن محمد بن مسلم في الصحيح (٢) «في رجل صلى ركعتين من المكتوبة فسلم وهو يرى انه قد أتم الصلاة وتكلم ثم ذكر انه لم يصل غير ركعتين؟ فقال يتم ما بقي من صلاته ولا شي‌ء عليه».

وأنت خبير بان هذه الأخبار غير صريحة بل ولا ظاهرة في المنافاة لاحتمال قوله «ولا شي‌ء عليه» يعنى من إعادة الصلاة وصحيحة الفضيل ظاهرة في هذا المعنى ، أو لا شي‌ء عليه من الإثم. والأول أقرب. واما حمل الروايات المتقدمة على الاستحباب كما اختاره بعض الأصحاب فظني بعده لما عرفت ما في هذا الحمل في غير باب ، ويعضد الأخبار المتقدمة شهرة العمل بها بين الأصحاب وانها الأوفق بالاحتياط وعدم ظهور الأخبار الأخيرة في المنافاة.

واما ما أريد به بعضهم القول بالعدم ـ من حديث على بن النعمان الرازي (٣) المشتمل على انه سلم في المغرب في الركعتين الأولتين سهوا وتكلم فأعاد أصحابه الصلاة وهو لم يعد بل أتم بركعة ، حيث ان ظاهره انه لم يسجد سجدتي السهو وإلا لذكر والصادق عليه‌السلام صوب فعله ـ ففيه ما قدمنا بيانه في المقام الثاني في ما يبطل الصلاة من المطلب الأول في قواطع الصلاة (٤) وبالجملة فالأظهر عندي هو القول المشهور لما عرفت. والله العالم.

__________________

(١) الوسائل الباب ١ من قواطع الصلاة.

(٢) الوسائل الباب ٣ من الخلل في الصلاة.

(٣ و ٤) ص ٢٤.

٣١٦

(الثاني) ـ من سلم في غير موضعه ناسيا ، والمشهور وجوب السجود فيه بل نقل العلامة في المنتهى الاتفاق على ذلك ونسبه المحقق إلى علمائنا مؤذنا بدعوى الإجماع عليه.

وأنت خبير بأنه يظهر من عبائر جملة ممن قدمنا كلامهم سقوط السجود في هذا الموضع كابن ابى عقيل والشيخ المفيد والمرتضى وابن زهرة وسلار وابن حمزة.

احتج العلامة في المختلف على ذلك بأنه لما كان في غير موضعه كان كلاما غير مشروع صدر نسيانا من المصلى فيدخل في مطلق الكلام. واحتج على ذلك في بعض كتبه بصحيحة سعيد الأعرج المتقدمة بالتقريب الذي ذكره في المختلف.

وفيه ان الظاهر من الصحيحة المذكورة ان المراد بالكلام فيها انما هو ما تكلم صلى‌الله‌عليه‌وآله به بعد التسليم وخاطب به القوم لا نفس التسليم.

واحتج المحقق بما رواه عمار في الموثق عن ابى عبد الله عليه‌السلام (١) «انه سأله عن رجل صلى ثلاث ركعات فظن انها اربع فسلم ثم ذكر انها ثلاث؟ قال يبنى على صلاته متى ما ذكر ويصلى ركعة ويتشهد ويسلم ويسجد سجدتي السهو».

وقال في كتاب الفقه الرضوي (٢) : «وكنت يوما عند العالم ورجل سأله عن رجل سها فسلم في ركعتين من المكتوبة ثم ذكر انه لم يتم صلاته؟ قال فليتمها ويسجد سجدتي السهو».

فان الظاهر ان المراد بالسهو في الركعتين يعنى التسليم على الركعتين لقوله «ثم ذكر انه لم يتم صلاته» وحينئذ فيكون ذلك دالا على وجوب سجدتي السهو للتسليم في غير موضعه.

إلا انه يمكن تطرق القدح إلى دلالة رواية عمار بأنه يجوز ان يكون السجود لغير التسليم وذلك فإنه قد جلس في الثالثة وتشهد وسلم وكل من الجلوس والتشهد صالح لان يكون سببا للسجود فيجوز ان يكون السجود لأجل الجلوس في موضع

__________________

(١) الوسائل الباب ٣ من الخلل في الصلاة.

(٢) ص ١٠.

٣١٧

القيام أو لزيادة التشهد فلا يكون الخبر ظاهرا في المدعى. وبنحو ذلك يمكن القول في عبارة كتاب الفقه (١).

ويدل على عدم الوجوب في هذه الصورة صحيحة محمد بن مسلم المتقدمة في سابق هذا الموضع ورواية على بن النعمان الرازي المشار إليها ثمة ورواية زيد الشحام (٢) وفيه ما عرفت مما قدمنا ذكره.

نعم يمكن ان يستدل على ذلك بصحيحة الحارث بن المغيرة ورواية أبي بكر الحضرمي وحسنة الحسين بن ابى العلاء المتقدم جميع ذلك في صدر المسألة الرابعة من المطلب الثاني (٣).

إلا انه يمكن الجواب عن ذلك بان مساق الأخبار المذكورة انما هو في بيان صحة الصلاة وعدم بطلانها بذلك ومقام البيان فيها إنما تعلق بذلك ، فغايتها ان تكون مطلقة بالنسبة إلى وجوب سجدتي السهو. إلا ان صحة هذا الكلام يتوقف على وجود المخصص وقد عرفت ان رواية عمار قاصرة عن ذلك. والاحتياط لا يخفى قال في المدارك ـ بعد نقل الاتفاق في الصورة المذكورة على وجوب السجود عن العلامة في المنتهى ـ ما لفظه : واستدل عليه بصحيحة سعيد الأعرج الواردة في حكاية تسليم النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله على ركعتين في الرباعية وتكلمه مع ذي الشمالين في ذلك حيث قال في آخرها : «وسجد سجدتين لمكان الكلام» وفي الدلالة نظر إذ من المحتمل ان يكون الموجب للسجود التكلم الواقع بعد التسليم كما هو مذهب الكليني (رضى الله عنه) ولا ينافي ذلك ما رواه الشيخ في الصحيح عن محمد بن مسلم ، ثم ساق الرواية كما قدمناه ، ثم قال لأنا نجيب عنه بالحمل على نفى الإثم أو الإعادة كما تقدم ولو لا الاتفاق على هذا الحكم لأمكن الجمع بين الروايتين بحمل الأولى على الاستحباب. انتهى كلامه زيد مقامه.

وفيه (أولا) ان جعله ما ذكره احتمالا في الرواية مشعر بكون الظاهر من

__________________

(١) سيأتي في موضعين من ص ٣١٩ تأييد ظهورهما.

(٢) ص ٣١٦ و ١٢٥ و ٣١٥.

(٣) ص ١٢٥ و ١٢٦.

٣١٨

الرواية هو ما ذكره العلامة من حمل الكلام على التسليم لان هذه العبارة إنما ترمى في هذا المقام ، مع انه ليس الأمر كذلك عند النظر في الخبر بعين التحقيق بل هذا الاحتمال الذي ذكره هو ظاهر الخبر بل ربما يدعى تعينه ، فان المتبادر من الكلام إنما هو الكلام الأجنبي من الصلاة لا اجزاء الصلاة المعدودة منها وأما اجزاء الصلاة فإنه لو أريد التعبير عنها فإنما يعبر عنها بصورتها من سجود أو تسليم أو تشهد أو نحو ذلك مع التقييد بالسهو أو العمد ، والمراد به في الخبر انما هو كلامه صلى‌الله‌عليه‌وآله مع ذي الشمالين أو مع الصحابة ومخاطبته لهم ، فركونه (قدس‌سره) الى ما ذكروه من المعنى السحيق البعيد عن جارة التحقيق حتى انه يجعل ما قابله احتمالا مخالفا للظاهر ليس مما ينبغي ، بل الرواية المذكورة ظاهرة الدلالة في ان المراد انما هو كلامه صلى‌الله‌عليه‌وآله مع المأمومين. والظاهر ان الحامل لهم على الاستدلال بهذه الرواية انما هو ضيق الخناق بعد دعوى الاتفاق في عدم الدليل من الأخبار مع ما عرفت من ظهور الدلالة في موثقة عمار إلا انها لم تجر يومئذ على خواطرهم فالتجأوا الى هذه الرواية بالتقريب المتقدم في كلام المختلف.

و (ثانيا) ـ ان هذه الرواية قد تضمنت وقوع السهو منه صلى‌الله‌عليه‌وآله مع اتفاقهم على عدم جوازه عليه صلى‌الله‌عليه‌وآله وردهم لأخباره أو حملهم لها على التقية وطعنهم على الصدوق وشيخه ابن الوليد حيث جوزا ذلك ، فكيف قبلوها هنا واعتمدوا في الاستدلال عليها وحكموا انه صلى‌الله‌عليه‌وآله سها وسجد للسهو؟ ما هذا إلا تناقض ظاهر كما لا يخفى على كل ناظر.

و (ثالثا) ـ دلالة موثقة عمار المتقدمة على الحكم المذكور وظهورها فيه تمام الظهور ولقد كانت هي الأولى بالإيراد والاستدلال بها على المراد مع اعتضادها بكلامه عليه‌السلام في كتاب الفقه وقد قدمنا بيانه.

و (رابعا) ـ قوله «ولو لا الاتفاق على هذا الحكم» نظرا الى دعوى العلامة ذلك مع انه في غير موضع من شرحه طعن في أمثال هذه الدعاوي وناقش في هذه

٣١٩

الإجماعات ولا سيما مع ظهور المخالف هنا كما اعترف به من ان مذهب ثقة الإسلام في المقام هو نفى السجود في هذه الصورة وهو من قدماء المحدثين ورؤساء أساطين الدين وهو أعرف من العلامة (رضوان الله عليهما) بمواقع الأحكام في تلك الأيام لأنه في عصرهم (عليهم‌السلام) فإنه قال في الكتاب المذكور ـ في ضمن عده ما يجب فيه سجدتا السهو وما لا يجب ـ ما صورته : ومنها مواضع لا يجب لها سجدتا السهو. الى ان قال والذي يسلم في الركعتين الأولتين ثم يذكر فيتم قبل أن يتكلم فلا سهو عليه. وهو ظاهر الجماعة الذين قدمنا ذكرهم في صدر الكلام.

و (خامسا) ـ ما ذكر من الحمل على الاستحباب الذي اتخذوه ذريعة في هذه الأبواب مع ما فيه من الخروج عن جادة التحقيق والصواب. والله العالم.

(الثالث) ـ من شك بين الأربع والخمس ، وقد تقدم تحقيق البحث في ذلك في المسألة العاشرة في بيان الخلاف في المسألة ونقل الأخبار الدالة على القول المشهور وقد عرفت من جملة من العبارات المتقدمة عدم ذكر هذا الموضع في موجبات سجود السهو. ولم نقف للنافين على دليل والعلامة في المختلف انما استدل لهم بأصالة البراءة ثم رده بأن الأصل يخرج عنه بالدليل المنافي. وهو جيد.

وقد تقدم في المسألة الثامنة (١) رواية أبي بصير الدالة على سجود السهو في الشك بين الاثنتين والأربع وقد تقدم تحقيق القول في ذلك.

(الرابع والخامس) ـ نسيان السجدة الواحدة وذكرها بعد تجاوز المحل ونسيان التشهد وذكره بعد تجاوز المحل

، وقد تقدم تحقيق القول في ذلك في المسألة الرابعة من مسائل المطلب الثاني من هذا المقصد (٢).

(السادس) ـ الشك بين الثلاث والأربع مع غلبة الظن بالأربع ، قال الصدوق بوجوب سجدتي السهو في الموضع المذكور. ونسب في الذكرى الى الصدوقين القول بوجوبهما في كل شك ظن الأكثر وبنى عليه ، قال في الذكرى : لو ظن الأكثر

__________________

(١) ص ٢٣٨.

(٢) في المسألة الخامسة ص ١٥٠ و ١٥٤.

٣٢٠