الحدائق الناضرة - ج ٩

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]

الحدائق الناضرة - ج ٩

المؤلف:

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]


المحقق: محمّد تقي الإيرواني
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٥٩

ويأتي بما تيقنه أو ظنه ، وإذا استمر شكه فهو شاك في هذا الوقت بين الاثنتين والثلاث والأربع. وكذا الكلام لو شك في أن شكه كان في التشهد أو في السجدة قبل تجاوز المحل أو بعده. وبالجملة الركون الى تلك العبارة المجملة وترك القواعد المقررة المفصلة لا يخلو من إشكال. انتهى كلامه زيد مقامه.

أقول : ما فصله (قدس‌سره) من التحقيق جيد رشيق لكنه من مفهوم العبارة بمحل سحيق ، فإنه لا يخفى ان الشك في الشي‌ء يقتضي تقدم زمان المشكوك فيه بمعنى انه لا يدرى الآن ان هذا الفعل المشكوك فيه وقع في الزمان المتقدم أم لا غاية الأمر أنه بالنسبة إلى الشك في الأفعال قد يكون الوقت الذي حصل فيه الشك مما يمكن التدارك فيه بان لم يدخل في فعل آخر وقد يكون مما لا يمكن التدارك فيه لدخوله في شي‌ء آخر ، فمعنى قوله : «انه شك بين الثنتين والثلاث» انه لا يدرى الآن هل صلى قبل هذه الحالة التي عرض فيها الشك ثنتين أو ثلاثا؟ وكذا لو شك في التشهد والسجود بمعنى انه الآن لا يدرى انه قد حصل منه سابقا سجود أو تشهد مثلا ، فكذا في هذه العبارة أيضا بعين ما ذكرنا ، ففرضه اجتماع الشكين مما لا وجه له في البين. وهذا المعنى هو الذي رتب عليه الفقهاء الحكم بعدم الالتفات

ثم ان ظاهر عبائر الأصحاب (رضوان الله عليهم) هو كون المشكوك فيه الشك بقول مطلق لا شك مقيد بكونه في سجدة أو تشهد أو بين الركعات أو نحو ذلك حتى يلزم فيه هذا التفصيل ، فإنه لا ريب انه يجب فيه لو كان كذلك ما رتبه من الأحكام ولا أظن أحدا من الفقهاء يتجشم الخروج عن هذه الأحكام الظاهرة المتفق عليها بينهم نصا وفتوى بمثل هذا اللفظ المجمل كما ظنه (قدس‌سره) بل ظاهر عبائرهم إنما هو ما قلناه من الشك المطلق ، ولهذا اتفقوا على عدم الالتفات اليه بقول مطلق ، وكلامهم هنا إنما هو مجرد فرض احتملوه في ظاهر هذا اللفظ وأسقطوه لعدم ترتب حكم شرعي عليه بالكلية. والله العالم.

(الثانية) ـ الشك في موجب الشك بفتح الجيم بمعنى انه شك في ما أوجبه

٢٦١

الشك من صلاة احتياط أو سجود سهو وله أفراد :

منها ـ ان يشك بعد الفراغ من الصلاة في انه هل اتى بالفعل الذي أوجبه الشك من صلاة احتياط أو سجود سهو أو لم يأت به؟ والظاهر انه لا إشكال في وجوب الإتيان به لتيقن حصول السبب الموجب وتيقن اشتغال الذمة والشك في الخروج عن عهدة التكليف مع بقاء الوقت كما لو شك في الوقت هل صلى أم لا؟

ومنها ـ ان يعلم بعد الصلاة حصول شك منه يوجب الاحتياط مثلا إلا انه شك في انه هل يوجب ركعتين من قيام أو ركعتين من جلوس؟ والظاهر هنا هو وجوب الإتيان بهما معا لتوقف البراءة اليقينية على ذلك ، ونظيره في الأحكام الشرعية غير عزيز ، ومنه من فاتته فريضة وشك في كونها ظهرا أو صبحا مثلا فإنه يجب عليه الإتيان بهما معا.

ومنها ـ ما لو شك في ركعات الاحتياط أو في أفعالها أو في عدد سجدتي السهو أو في أفعالهما ، وهذا الفرد هو الذي ينطبق عليه مدلول الخبر المذكور ، وأكثر الأصحاب خصوا الخبر بهذا الفرد وبصورة الشك في موجب السهو.

وعلى هذا فلو شك في عدد ركعتي الاحتياط يبنى على الأكثر ويتم ما لم يستلزم الزيادة المبطلة وإلا بنى على الأقل فيبني على الصحيح دائما ولا يلزمه احتياط ولا سجود سهو. ولو وقع شك في فعل من أفعالهما لم يلتفت اليه وان كان في محله بل يبنى على وقوعه.

وقيل يبنى على الأقل في أعداد الركعات ويأتي بالفعل المشكوك فيه لو لم يتجاوز محله ، ونقل عن المحقق المولى الأردبيلي (قدس‌سره) الميل اليه معلللا له بعدم صراحة النص في سقوط ذلك وأصل بقاء شغل الذمة ، ولعموم ما ورد في وجوب العود الى المشكوك فيه. وفي هذه الأدلة مناقشات سيأتي الكلام فيها ان شاء الله تعالى.

والحكم وان كان ظاهر الأصحاب الاتفاق عليه وكلام المحقق المذكور انما هو

٢٦٢

على جهة الإيراد والمناقشة للأصحاب وإلا فهو لم يجزم به إلا انه عندي لا يخلو من اشتباه والعمل فيه بالاحتياط عندي لازم فيأتي بالاحتياط على ما ذكره الأصحاب ثم يعيد الصلاة من رأس.

وبالجملة فإن ما ذكرناه من هذا الفرد الأخير هو الذي ينطبق عليه الخبر كما ذكرنا وإلا فالأفراد المتقدمة من حيث وجوب التدارك فيها لا يمكن حمل الخبر عليها كما هو ظاهر ، ويحتمل دخولها تحت الخبر المذكور باعتبار انه لم يترتب عليها في خصوص هذا الشك شي‌ء زائد على ما تقرر في سائر المواضع والظاهر بعده.

(الثالثة) ـ الشك في موجب السهو بكسر الجيم أي في نفس السهو كان شك في انه هل عرض له سهو أم لا؟ وظاهر الأصحاب الإطلاق في انه لا يلتفت اليه.

وفصل شيخنا المشار اليه آنفا هنا ايضا فقال بعد نقل كلام الأصحاب وإطلاقهم عدم الالتفات فيه : والتحقيق انه لا يخلو اما ان يكون ذلك الشك بعد الصلاة أو في أثنائها ، وعلى الثاني لا يخلو اما أن يكون محل الفعل باقيا بحيث إذا شك في الفعل يلزمه العود إليه أم لا؟ ففي الأول والثالث لا شك انه لا يلتفت إليه لأنه يرجع الى الشك بعد تجاوز المحل وقد دلت الأخبار الكثيرة على عدم الالتفات اليه ، واما الثاني فيرجع الى الشك في الفعل قبل تجاوز محله وقد دلت الاخبار على وجوب الإتيان بالفعل المشكوك فيه ، ولعل كلام الأصحاب أيضا مخصوص بغير تلك الصورة. انتهى.

أقول : الظاهر ان كلام الأصحاب انما ابتنى على تعلق الشك بمطلق السهو من غير تقييد بعين ما قلنا في الصورة الاولى ، ولهذا ان جملة منهم ممن صرح بعدم الالتفات ذكروا فروعا في المسألة بالنسبة إلى السهو المقيد ورتبوا عليه أحكام الشك كما لا يخفى على من راجع مطولاتهم.

(الرابعة) ـ الشك في موجب السهو بفتح الجيم وله ايضا صور : منها ـ ان يقع منه سهو يلزمه تدارك ذلك بعد الصلاة كالتشهد والسجود مثلا أو سجدتي السهو

٢٦٣

ثم يشك بعد الصلاة في انه هل اتى به أم لا؟ والظاهر انه لا إشكال ولا خلاف في وجوب الإتيان به بعين ما قدمناه في الفرد الأول من افراد الصورة الثانية.

ومنها ـ ان يشك في أثناء السجدة المنسية أو التشهد المنسي في التسبيح أو الطمأنينة أو بعض فقرات التشهد ، ولا إشكال في انه يجب عليه الإتيان به متى كان المحل باقيا

وأنت خبير بأن شيئا من هذين الفردين لا يدخل في مصداق الخبر المذكور إلا على المعنى الذي احتملناه أخيرا في الصورة الثانية.

ومنها ـ أن يشك في عدد سجدتي السهو أو أفعالهما قبل تجاوز المحل فإنه يبنى على وقوع المشكوك فيه إلا ان يستلزم الزيادة فيبني على الصحيح. وهذا الفرد مصداق الخبر في هذه الصورة يقينا.

(الخامسة) ـ السهو في موجب الشك بكسر الجيم أي في الشك نفسه ، والظاهر انه غير داخل في مصداق النص المذكور.

ويمكن فرضه في ما لو شك في فعل يجب تداركه كالسجدة قبل القيام وكان يجب عليه فعلها فسها ولم يأت بها فلو ذكر الشك والمحل باق يأتي بها ولو ذكر بعد تجاوز المحل لا يلتفت إليه لأنه يرجع الى الشك بعد تجاوز المحل.

واستشكل فيه بعض الأفاضل بأنه يمكن ان يقال ان هذا الفعل الواجب بسبب الشك بمنزلة الفعل الأصلي في الوجوب ، لان هذه السجدة صارت واجبة بالشك فيها في محل يجب تداركها فيه وهو قد سها عن ذلك الشك ، فكما ان السجدة الأصلية إذا سها عنها وذكر قبل الركوع يأتي بها ولو ذكر بعد الركوع يقضيها بعد الصلاة فكذا هذه السجدة الواجبة يجب الإتيان بها لو ذكرها بعد القيام وقبل الركوع لانه خرج عن حكم الشك في أصل الفعل بسبب ما لزمه من السجدة بسبب الشك فقد تيقن ترك سجدة واجبة والوقت باق فيجب الإتيان بها.

ويمكن ان يجاب بان شمول أدلة السهو في أفعال الصلاة واجزائها لما نحن فيه غير معلوم ولا متيقن ، فان المتبادر منها كون تلك الأفعال التي عرض الشك فيها

٢٦٤

إجزاء حقيقية للصلاة فإن قولهم «من شك في سجدة فحكمه كذا ومن شك في الركوع فحكمه كذا» انما يتبادر الى الأجزاء الأصلية التي تركبت الصلاة منها لا مثل هذه السجدة التي إنما حصل وجوبها بالشك ، وفي ما نحن فيه لم يحصل اليقين بترك الفعل الأصلي والجزء الحقيقي حتى يجب تداركه في الصلاة أو بعدها بتلك العمومات بل انما حصل اليقين بترك فعل وجب الإتيان به بسبب الشك ودخول مثله في العمومات غير معلوم فيرجع الى حكم الأصل وهو عدم وجوب قضاء الفعل.

وبالجملة فإنهم قد قرروا في غير مقام ان الأحكام المودعة في الأخبار إنما تنصرف الى الافراد الشائعة المتكررة الوقوع ، ولا ريب في ان هذه الفروض المذكورة نادرة أتم الندور والتكرار في أحكام الشكوك والسهو إنما هو بالنسبة إلى أفعال الصلاة الأصلية.

وكيف كان فالمسألة لا تخلو من شوب الإشكال والأحوط ـ لو اتفق ذلك ـ المضي في الشك ثم الإعادة.

ومما يتفرع على هذا الإشكال ما لو شك في السجدتين معا في حال الجلوس فنسي أن يأتي بهما حتى قام فذكر في القيام أو بعد الركوع فعلى تقدير كونهما بحكم الأجزاء الأصلية يجب عليه العود في الأول وتبطل الصلاة في الثاني وعلى الوجه الآخر لا يلتفت إليه أصلا.

(السادسة) ـ السهو في موجب الشك بفتح الجيم ويحصل فرض ذلك في مواضع :

منها ـ ان يسهو عن فعل في صلاة الاحتياط أو في سجدتي السهو اللتين لزمتا بسبب الشك في الصلاة ، والأشهر الأظهر انه لا يجب عليه لذلك سجود السهو لأن الأدلة الدالة على وجوب سجدتي السهو غير معلوم شمولها لمثل صلاة الاحتياط وسجود السهو بل الظاهر اختصاصها بأصل الفرائض.

ومنها ـ ان يسهو في فعل من أفعال صلاة الاحتياط أو سجود السهو وذكر في محله الحقيقي ، والظاهر انه لا إشكال في وجوب الإتيان به كما إذا نسي سجدة من

٢٦٥

صلاة الاحتياط وذكرها قبل القيام أو قبل الشروع في التشهد ، إذ ليس الإتيان بها من جهة السهو حتى يسقط بالسهو في السهو بل وجوب الإتيان بها إنما نشأ من أصل الأمر بصلاة الاحتياط والأمر بسجدتي السهو فإن الأمر بالشي‌ء يقتضي الأمر بجميع اجزائه.

هذا إذا كان في محل الفعل واما إذا جاز عنه ولم يجز عن محل تدارك الفعل المنسي إذا كان في أصل الصلاة فهل يكون الحكم هنا كالحكم في الصلاة في وجوب التدارك والسجود أم لا؟ ظاهر جملة من المتأخرين : منهم ـ شيخنا الشهيد الثاني الأول ، وتنظر فيه بعض مشايخنا المحققين من متأخري المتأخرين معللا ذلك بأنه بعد الشروع في فعل آخر فات محله المأمور به بالأمر الأول والتدارك والعود يحتاج الى دليل وشمول دلائل العود الواردة في الصلاة لصلاة الاحتياط ممنوع. والمسألة لا تخلو من الإشكال.

ومنها ـ ان يسهو عن صلاة الاحتياط وسجدتي السهو الواجبتين بسبب الشك فلا يأتي بشي‌ء من ذلك بعد الصلاة ثم انه يذكر بعد ذلك فهذا السهو لا يترتب عليه حكم ، فإنه ان ذكر قبل عروض المبطل للصلاة فلا خلاف ولا إشكال في صحة الصلاة ووجوب الإتيان بهما كما سيأتي بيانه في المسألتين المذكورتين ان شاء الله تعالى ومع عروض المبطل فهو محل خلاف كما سيأتي تحقيقه ان شاء الله تعالى وان الأظهر الصحة أيضا فلا يترتب على هذا السهو حكم.

(السابعة) ـ السهو في موجب السهو بكسر الجيم أي في نفس السهو كأن يترك السجدة الواحدة أو التشهد سهوا ثم يذكر بعد القيام وكان الواجب عليه العود الى ما نسيه فنسي العود والسهو ، وحينئذ فإن ذكر قبل الركوع اتى به وان ذكر بعده تداركه بعد الصلاة مع سجدتي السهو على المشهور. ولو كان السهو عن السجدتين معا وذكرهما في حال القيام ولم يأت بهما سهوا ثم ذكرهما بعد الركوع بطلت صلاته. ومن ذلك يظهر انه لا يترتب على السهو هنا حكم جديد بل ليس حكمه إلا حكم السهو

٢٦٦

في أصل الفعل. وكذا لو نسي ما يجب تداركه بعد الصلاة من الاجزاء المنسية التي يجب قضاؤها أو سجود السهو لها فإنه يجب الإتيان بهما بعد الذكر إذ ليس لهما وقت معين ومع عروض المبطل فالأظهر أيضا وجوب الإتيان بهما كما عرفت في تلك المسألة

(الثامنة) ـ السهو في موجب السهو بفتح الجيم ، والسهو قد يوجب سجدتي السهو وقد يوجب قضاء السجدة والتشهد وقد يوجب الرجوع الى الفعل وتداركه في الصلاة ما لم يتجاوز محل التدارك.

وفي جميع هذه الصور قد يتعلق السهو بنفس الفعل المتروك أو باجزائه ، فإذا سها في الثلاثة الأول عن نفس الفعل بعد الفراغ من الصلاة ثم ذكر بعد ذلك وجب عليه الإتيان به بعد الذكر ، وفي الرابع يأتي به ان ذكره في محل التدارك وإلا فإن كان مما يقضى قضاه وإلا سقط ، فالسهو في جميع هذه الافراد ليس فيه زيادة على الأحكام المقررة قبله. وعلى هذا تكون هذه الصورة غير داخلة في مصداق الخبر كما ذكرنا سابقا.

ويحتمل انه باعتبار عدم ترتب شي‌ء على خصوص هذا السهو يصدق عليه انه لا سهو في سهو اى لا شي‌ء يترتب عليه. إلا ان المتبادر من هذه العبارة المذكورة انه من حيث كونه سهوا في سهو لا يترتب عليه شي‌ء بالكلية بل يكون حكمه حكم ما لو لم يكن ثمة سهو بالمرة وعدم الترتب هنا ليس من هذه الحيثية بل من حيثية أخرى.

وقد يتعلق باجزاء ذلك الفعل كأن يسهو في فعل من أفعال الفعل الذي يقضيه بعد الصلاة وهو السجدة أو التشهد ، وهل يلحقه ما يلحق أفعال الصلاة من الأحكام؟ ظاهر الأصحاب العدم لظاهر هذا الخبر. واحتمل بعض مشايخنا المحققين مساواته للصلاة في الأحكام وهو الأحوط.

هذا. واما قوله في الخبر «ولا على الإعادة إعادة» فإنه قد ذكر أصحابنا (رضوان الله عليهم) فيه احتمالين (أحدهما) ما رجحه شيخنا المجلسي ونقله عن والده (طاب ثراهما) من انه إذا صدر منه شك أو سهو مبطل بحيث لزمته الإعادة ثم صدر في

٢٦٧

الإعادة ما يوجب الإعادة أيضا فإنه لا يلتفت اليه. و (ثانيهما) ان من صلى منفردا ثم وجد الإمام فأعاد استحبابا فإنه لا يعيد مع امام آخر. والظاهر رجحان الأول فإن نظم هذه العبارة مع قوله «لا سهو في سهو» في محل واحد ومقام واحد قرينة على ذلك ، إذ المعنى الثاني لا مناسبة له في المقام وان كان صحيحا في حد ذاته. إلا ان الأحوط الإعادة في الصورة الأولى أيضا لتشابه الخبر وعدم تيقن هذا المعنى منه. وفي الخبر ايضا احتمالات أخر لا تخلو من البعد. والله العالم.

(المسألة الثانية عشرة) ـ لا يخفى ان ما تقدم في أحكام السهو في سابق هذا المطلب وما تقدم في هذا المطلب من أحكام الشك كله مخصوص بالإنسان نفسه واما ما يتعلق بالإمام والمأموم فلم يجر له ذكر في البين في شي‌ء من الموضعين ، فلا بد من بيان ذلك هنا ان شاء الله تعالى في مقامين :

(الأول) ـ في الشك الحاصل لهما ، لا خلاف بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) في رجوع كل من الامام والمأموم إلى الآخر لو شك وحفظ عليه الآخر ، وهو مقطوع به في كلامهم كما نقله غير واحد من المتأخرين.

ويدل عليه زيادة على ما تقدم في سابق هذه المسألة من صحيحة حفص أو حسنته (١) ما رواه ثقة الإسلام (قدس‌سره) عن يونس عن رجل عن ابى عبد الله عليه‌السلام (٢) قال : «سألته عن الامام يصلى بأربعة أنفس أو خمسة أنفس فيسبح اثنان على انهم صلوا ثلاثا ويسبح ثلاثة على انهم صلوا أربعا ويقول هؤلاء قوموا ويقول هؤلاء اقعدوا والامام مائل مع أحدهما أو معتدل الوهم فما يجب عليه؟ قال ليس على الامام سهو إذا حفظ عليه من خلفه سهوه باتفاق منهم (٣) وليس على من خلف الامام سهو إذا لم يسه الامام ، ولا سهو في سهو ، وليس في المغرب والفجر سهو ولا في الركعتين الأولتين من كل صلاة ولا في نافلة ، فإذا اختلف على الامام من خلفه فعليه وعليهم

__________________

(١) ص ٢٥٨.

(٢) الفروع ج ١ ص ٩٩ و ١٠٠ وفي الوسائل الباب ٢٤ من الخلل في الصلاة.

(٣) راجع التعليقة ١ و ٢ ص ٢٦٩.

٢٦٨

في الاحتياط الإعادة والأخذ بالجزم». وفي التهذيب (١) «بإيقان» عوض لفظ «اتفاق».

وقال في من لا يحضره الفقيه (٢) : في نوادر إبراهيم بن هاشم «انه سئل أبو عبد الله عليه‌السلام عن امام يصلى بأربعة نفر أو خمسة فيسبح. الحديث» بدون قوله «ولا في نافلة».

وما رواه الشيخ في التهذيب في الصحيح عن على بن جعفر عن أخيه موسى عليه‌السلام (٣) قال : «سألته عن رجل يصلى خلف الامام لا يدرى كم صلى هل عليه سهو؟ قال لا».

وما رواه الصدوق في الفقيه عن محمد بن سهل عن الرضا (عليه‌السلام) (٤) قال : «الامام يحمل أوهام من خلفه إلا تكبيرة الافتتاح».

ونحوه روى الكليني والشيخ عنه عن محمد بن يحيى رفعه عن الرضا عليه‌السلام (٥) قال : «الامام يحمل أوهام من خلفه إلا تكبيرة الافتتاح».

وتحقيق الكلام في هذا المقام يتوقف على بيان أمور (أحدها) قد عرفت مما قدمنا ان السهو يطلق في الاخبار كثيرا على الشك وعلى ما يشمله والمعنى المشهور ولا ريب في شمول الأخبار المذكورة لكل منهما ، ولا خلاف في رجوع كل من الامام والمأموم عند عروض الشك الى الآخر مع حفظه له في الجملة سواء

__________________

(١) ج ١ ص ٢٦١ وفي المطبوع من الكافي «بإيقان» أيضا ، نعم في الوافي عن الكافي «باتفاق» وسيأتي في الأمر الثاني ص ٢٧٠ التصريح منه «قدس‌سره» باتفاق الكافي والتهذيب في لفظ «إيقان» وان كلمة «اتفاق» انما هي في الفقيه. وكذا في الصورة الرابعة ص ٢٧٣.

(٢) ج ١ ص ٢٣١ وفي الوسائل الباب ٢٤ من الخلل في الصلاة.

(٣) الوسائل الباب ٢٤ من الخلل في الصلاة.

(٤) الوسائل الباب ٢٤ من الخلل في الصلاة. ورواه الشيخ عن محمد بن سهل ايضا كما في نفس الباب من الوسائل.

(٥) الوسائل الباب ٢ من تكبيرة الإحرام رقم ١٢.

٢٦٩

كان الشك في الركعات أو في الأفعال ، ولا فرق بين الشك الموجب للإبطال لو كان منفردا أو الموجب للاحتياط كالشك بين الثلاث والأربع مثلا أو سجود السهو كالشك بين الأربع والخمس ، والى الأول يشير قوله في صحيحة على بن جعفر «لا يدرى كم صلى» ونحوه الشك قبل الركعتين وفي الفجر والمغرب. ومقتضى الأخبار المذكورة انه لا إبطال في الأول ولا احتياط في الثاني ولا سجود للسهو في الثالث.

و (ثانيها) ـ قال في المدارك : وكما يرجع الشاك من الامام والمأموم إلى المتيقن كذا يرجع الظان الى المتيقن والشاك الى الظان. انتهى. وبنحو ذلك صرح غيره أيضا.

أقول : ما ذكروه من رجوع الظان منهما الى المتيقن والشاك الى الظان وان كان ظاهر الأصحاب في هذا الباب إلا انه لا يخلو من الاشكال عند التأمل بعين الحق والصواب ، وذلك فإن غاية ما يستفاد من الدليل هو رجوع الشاك منهما الى المتيقن ، واما رجوع الظان منهما الى المتيقن ففيه ما ذكره بعض أفاضل متأخري المتأخرين من عدم ثبوت الدليل عليه مع انه متعبد بظنه. وكون اليقين أقوى من الظن غير نافع هنا لأن قوة اليقين الموجبة للترجيح مختصة بمن حصل له اليقين لا غيره. نعم ان حصل له ظن أقوى بسبب يقين الغير كان عليه العمل بمقتضاه إلا انه خارج عن محل المسألة.

واما رجوع الشاك الى الظان فاستدلوا عليه بان الظن في باب الشك بمنزلة اليقين وفيه (أولا) انه ان أريد انه بمنزلة اليقين لمن حصل له الظن فمسلم لأن الإنسان في باب الشكوك يبنى على ظنه كما يبنى على يقينه ولكن لا يجدى نفعا في المقام ، وان أريد انه متى كان شاكا يبنى على ظن غيره فلا دليل عليه.

و (ثانيا) قوله عليه‌السلام في المرسلة التي هي مستند الحكم «بإيقان منهم» كما في التهذيب والكافي «وباتفاق منهم» كما في الفقيه (١).

__________________

(١) ارجع الى التعليقة ٢ ص ٢٦٨ والتعليقة ١ و ٢ ص ٢٦٩.

٢٧٠

و (ثالثها) ـ المشهور في كلام الأصحاب انه لا فرق في رجوع الإمام إلى المأموم بين كون المأموم ذكرا أو أنثى ولا بين كونه عدلا أو فاسقا ولا بين كونه واحدا أو متعددا مع اتفاقهم ولا بين حصول الظن بقولهم أم لا ، لإطلاق النصوص المتقدمة في جميع ذلك وعدم التعرض للتفصيل في شي‌ء منها.

واما مع كون المأموم صبيا مميزا فقيل ان فيه اشكالا ، وذهب جمع الى قبول قوله للاعتماد على قوله في كثير من الأحكام كقبول الهدية واذن الدخول وأمثالهما. وفيه ما فيه. والأظهر التمسك في ذلك بإطلاق النصوص المذكورة. وان حصل الظن بقوله فلا إشكال.

وربما يستأنس لهذا الحكم بما روى عن الصادق عليه‌السلام (١) «في الرجل يتكل على عدد صاحبته في الطواف أيجزيه عنها وعن الصبي؟ فقال نعم ألا ترى أنك تأتم بالإمام إذا صليت خلفه فهو مثله».

واما غير المأموم فلا تعويل عليه إلا ان يفيد قوله الظن فيدخل في عمومات ما ورد في هذا الباب من التعويل على الظن.

و (رابعها) ـ قوله عليه‌السلام في آخر مرسلة يونس «فإذا اختلف على الامام من خلفه فعليه وعليهم في الاحتياط الإعادة والأخذ بالجزم» كذا في نسخ الكافي والتهذيب وبعض نسخ الفقيه ، وفي أكثر نسخ الفقيه (٢) «فعليه وعليهم في الاحتياط والإعادة الأخذ بالجزم» بتقديم العاطف في الإعادة ، وظاهر الكلام على تقدير النسخة الأولى ان على الجميع في صورة اختلاف المأمومين خلف الامام ولا سيما في مخالفة الإمام لكل من الفريقين الإعادة. وفيه منافاة لما ذكره الأصحاب في كثير من الصور الآتية في المقام ان شاء الله تعالى وكذا كثير من عمومات أحكام اليقين والشك. واما على النسخة الثانية من تقديم العاطف فالظاهر ان

__________________

(١) الوسائل الباب ٢٤ من الخلل في الصلاة.

(٢) الفروع ج ١ ص ٩٩ و ١٠٠ والتهذيب ج ١ ص ٢٦١ والفقيه ج ١ ص ٢٣١.

٢٧١

معنى الكلام حينئذ ان على الامام وعلى كل من المأمومين في صورة اختلافهم ان يعمل كل منهم على ما يقتضيه شكه أو يقينه من الاحتياط أو الإعادة حتى يحصل له الجزم ببراءة الذمة. وهذا هو الموافق للقواعد الشرعية والضوابط المرعية وليس كلامه عليه‌السلام مقصورا على الحكم المنقول عنه حتى يقال انه لا تلزم الإعادة في الصورة المذكورة على أحد منهم بل هو حكم عام يشمل جميع صور الاختلاف بين الجميع فيشمل ما إذا شك الإمام أو بعض المأمومين بين الواحدة والاثنتين فإنه تلزمه الإعادة وكذا كل صورة تجب فيها الإعادة.

و (خامسها) ـ لا يخفى انه متى كان الامام موقنا أو ظانا أو شاكا فالمأموم لا يخلو اما ان يكون موافقا له في المواضع الثلاثة فلا إشكال في الأولين واما الثالث فسيجي‌ء حكمه على حدة ، واما ان يكون مخالفا له في كل من الأمور الثلاثة فههنا صور :

(الأولى) ان يكون الامام موقنا والمأموم شاكا ، والحكم هنا هو رجوع المأمومين الى الامام سواء كانوا متفقين في الشك أو مختلفين إلا ان يكونوا مع شكهم موقنين بخلاف يقين الامام فينفردون حينئذ.

(الثانية) ان يكون المأموم موقنا والامام شاكا مع اتفاق المأمومين ، ولا شك حينئذ في رجوع الإمام إلى يقينهم إلا ان يكون مع شكه موقنا بخلاف يقينهم فيرجع كل منهم الى يقينه.

(الثالثة) ان يكون الامام موقنا والمأمومون موقنين بخلافه اتفقوا في يقينهم أو اختلفوا ، ولا خلاف أيضا في انه يرجع كل منهم الى يقينه.

(الرابعة) ان يكون الامام شاكا والمأمومون موقنين مع اختلافهم كما هو المفروض في مرسلة يونس ، والمشهور في كلام الأصحاب وجوب انفراد كل منهم والعمل بما يقتضيه شكه أو يقينه ، إذ لا يمكن رجوع المأمومين مع يقينهم الى شك الإمام ولا رجوع الإمام الى أحد اليقينين لانه ترجيح من غير مرجح. نعم لو حصل له بالقرائن ظن بقول أحدهما عمل بمقتضى ظنه. وحينئذ فلا ينفرد عنه

٢٧٢

الموقن الذي وافقه ظن الإمام وينفرد الآخر.

وربما احتمل تخير الإمام في الرجوع الى أحد اليقينين مع عدم حصول الظن له لعموم قوله عليه‌السلام (١) «ليس على الإمام سهو». وفيه ما يظهر من المرسلة المذكورة من عدم رجوع الإمام إلى المأمومين إلا مع اتفاقهم سيما على رواية الفقيه من قوله «باتفاق منهم».

نعم يبقى الكلام على تقدير نسخة تأخير العاطف فإنك قد عرفت في الأمر الرابع ان ظاهر الكلام على هذه النسخة وجوب الإعادة على الجميع وهو مخالف كما ترى لما ذكرناه من الحكم المشهور في هذه الصورة المؤيد بعمومات أحكام المتيقن والشاك ، فان حكم كل منهما البناء على ما يقتضيه شكه ويقينه ، وتخصيص تلك العمومات بهذه الرواية سيما مع ضعفها وإرسالها لا يخلو من الإشكال. والاحتياط بالعمل بكل من الأمرين.

(الخامسة) ـ ان يكون المأمومون متيقنين متفقين مع ظن الإمام بخلافهم ، والمشهور في كلام الأصحاب رجوع الإمام إليهم ، ومال المحقق الأردبيلي على ما نقل عنه في شرح الإرشاد إلى عمل الامام بظنه وانفراده عن المأمومين. وقوى بعض مشايخنا المحققين من متأخري المتأخرين الأول بأن الظاهر من قوله عليه‌السلام) (٢) «لا سهو على الإمام». عدم ترتب أحكام السهو على سهوه ، قال ولا يخفى على المتتبع ان في الأخبار يطلق السهو على ما يشمل الظن كما يظهر من مرسلة يونس بل ومن صحيحة على بن جعفر (٣) ايضا. انتهى. أقول قد عرفت في الأمر الثاني ما يؤيد كلام المحقق المذكور وانه هو الاولى بالظهور.

(السادسة) ـ تيقن المأمومين مع اختلافهم وظن الامام بخلافهم ، والأشهر الأظهر الانفراد لكل منهم وعمل كل بظنه أو يقينه كما تقدم في الصورة الرابعة.

__________________

(١ و ٢) في صحيحة حفص ص ٢٥٨ ومرسلة يونس ص ٢٦٨.

(٣) ص ٢٦٩.

٢٧٣

ويأتي الإشكال المذكور ثمة هنا ايضا ، والاحتياط في الإعادة بعد إتيان كل منهم بما يلزمه من ظنه ويقينه.

(السابعة) ـ اختلاف المأمومين في اليقين وظن الإمام بأحدهما ، والظاهر انه يعمل هنا بظنه ويتبعه الموافقون له في ذلك بيقين منهم وينفرد المخالفون ، وظاهر المرسلة المتقدمة بناء على نسخة تأخير العاطف وجوب الإعادة على الجميع. والاحتياط كما عرفت في العمل بما ذكرنا ثم اعادة الجميع.

(الثامنة) ـ يقين الامام مع ظن المأمومين بخلافه متفقين أو مختلفين ، والمشهور هنا رجوع المأمومين إلى يقين الامام.

وتوقف فيه المحقق الأردبيلي كما عرفت في الصورة الخامسة. ورد بما تقدم من عمومات الأخبار الدالة على وجوب متابعة الإمام مطلقا خرج منه اليقين إجماعا فيبقى الظن. وفيه ما عرفت آنفا كما حققناه في الأمر الثاني ، والأخبار الدالة على وجوب متابعة الإمام لا عموم فيها على وجه يشمل هذه الصورة ، ولو سلم فكما خصت باليقين فلتخص بالظن ايضا لما تقرر عندهم ودلت عليه الأخبار من تعبد الإنسان بظنه وانه لا دليل على التعبد بيقين الغير.

واستدل شيخنا الشهيد الثاني على القول المشهور بما تقدم (١) في رواية محمد بن سهل ومرفوعة محمد بن يحيى من قول الرضا عليه‌السلام «الإمام يحمل أوهام من خلفه». والتقريب ان الوهم يطلق في الأخبار على الظن كقوله عليه‌السلام (٢) «ان ذهب وهمك الى الثلاث فابن عليها». ونحوه مما تقدم ، فيدل الخبران المذكوران على ان الامام يحمل ظنون من خلفه فلا عبرة بظنهم مع يقين الامام.

وفيه ان ما ذكره (قدس‌سره) من إطلاق الوهم على الظن في الأخبار وان كان كذلك إلا ان إرادته في الخبرين المذكورين غير معلوم بل الظاهر منهما إنما هو السهو أو الأعم منه ومن الشك وان احتمل إرادة الأعم منهما ومن الظن لكنه

__________________

(١) ص ٢٦٩.

(٢) ص ٢٠٥ و ٢٠٦.

٢٧٤

يشكل الاستدلال به على ذلك لما ذكرناه.

(التاسعة) ـ ظن الإمام أو المأموم مع شك الآخر ، والمشهور في كلام الأصحاب انه يرجع الشاك منهما الى الظان.

واستدل عليه بعض مشايخنا المحققين من متأخري المتأخرين بعموم النصوص الدالة على عدم اعتبار شك الامام والمأموم ، قال : وايضا عموم أخبار متابعة الإمام تدل على عدم العبرة بشك المأموم مع ظن الامام ولا قائل بالفرق في ذلك بين الامام والمأموم ، ولا معارض في ذلك إلا ما يتراءى من مرسلة يونس من اشتراط اليقين في المرجوع اليه ، وليس فيه شي‌ء يكون صريحا في ذلك سوى ما في أكثر النسخ من قوله عليه‌السلام «بإيقان» واتفاق نسخ الفقيه على قوله «باتفاق» مكانه ومخالفة مدلوله لما هو المشهور بين الأصحاب ، مع ما عرفت من أن ضعف السند يضعف الاحتجاج به وسبيل الاحتياط واضح. انتهى.

وما ذكره (قدس‌سره) من الاستدلال للقول المشهور بما تكلفه من الدليلين المذكورين لا يخلو من نظر وللمناقشة فيهما مجال والمسألة لا تخلو من شوب الاشكال.

قال المحقق الأردبيلي (قدس‌سره) : لا شك في رجوع أحدهما إلى الآخر مع شكه ويقين الآخر واما إذا ظن الآخر فهو ايضا محتمل لأن الظن في باب الشك معمول به وانه بمنزلة اليقين. وظاهر قوله في المرسلة المتقدمة «مع إيقان» العدم وكأنه محمول على ما يجب لهم ان يعملوا به من الظن أو اليقين مع احتمال العدم والحمل على الظاهر إلا انها مرسلة. انتهى.

(العاشرة) ـ كون كل من الامام والمأموم ظانا بخلاف الآخر ، وظاهر الأصحاب هو عدم رجوع أحدهما إلى الآخر وان كل واحد منهما ينفرد بحكمه ، ويمكن ترجيحه بان المتبادر من النصوص الدالة على رجوع أحدهما الى صاحبه ان يكون بينهما تفاوت في مراتب ما اختلفا فيه بحيث ان المرجوع اليه ذو مرتبة زائدة ولا سيما المرسلة المذكورة حيث قال : «إذا حفظ عليه من خلفه». وربما احتمل

٢٧٥

هنا التمسك بوجوب متابعة الامام وهو ضعيف سيما مع ما عرفت.

(الحادية عشرة) ـ يقين الامام ويقين بعض المأمومين بخلافه وشك آخرين فالشاك منهم يرجع الى يقين الامام للأخبار المتقدمة وينفرد الآخرون الموقنون بخلاف الإمام.

(الثانية عشرة) ـ شك الامام وبعض المأمومين مختلفين في الشك أو متفقين مع يقين بعض المأمومين ، والأشهر الأظهر رجوع الإمام إلى الموقن من المأمومين ورجوع الشاك من المأمومين الى الإمام ، إلا ان مقتضى مرسلة يونس المتقدمة عدم رجوع الإمام إلى المأمومين مع اختلافهم وعدم متابعة المأموم للإمام والحال كذلك ، قال بعض مشايخنا المحققين من متأخري المتأخرين : ويمكن حملها على ان المراد بقوله عليه‌السلام «إذا حفظ عليه من خلفه بإيقان» أعم من يقين الجميع بأمر واحد ويقين البعض مع عدم معارضة يقين آخرين ، وحمل قوله «فإذا اختلف على الامام من خلفه» على الاختلاف في اليقين. وبالجملة يشكل التعويل على المرسلة المزبورة لضعفها مع معارضة النصوص المعتبرة وان كان الاحتياط يقتضي العمل بما قلناه ثم اعادة الجميع لظاهر المرسلة لا سيما على نسخ الفقيه من قوله عليه‌السلام «باتفاق منهم».

(الثالثة عشرة) ـ ان يشترك الامام والمأموم في الشك مع الاتفاق منهم في نوع الشك ، والأشهر الأظهر انه يلزمهم جميعا حكم ذلك الشك.

قال في الذخيرة بعد ذكر هذه الصورة أولا ثم الصورة الآتية وان حكم هذه الصورة ما ذكرناه : ويحكى عن بعض المتأخرين وجوب الانفراد واختصاص كل منهما بشكه في الصورة الأولى مع الموافقة في الصورة الثانية. ولا وجه له. انتهى وذكر بعضهم انه لا يبعد التخيير بين الائتمام والانفراد في ما يلزمهم من صلاة الاحتياط.

(الرابعة عشرة) ـ اشتراكهما في الشك مع اختلافهما في نوعه ووجود رابطة

٢٧٦

بين الشكين ، والمشهور رجوعهما الى تلك الرابطة والعمل عليها ، كما إذا شك أحدهما بين الاثنتين والثلاث والآخر بين الثلاث والأربع ، فهما متفقان في تجويز الثلاث والامام موقن بعدم احتمال الأربع والمأموم موقن بعدم احتمال الثنتين ، فإذا رجع كل منهما الى يقين الآخر تعين اختيار الثلاث وحينئذ فيبنون عليها ويتمون الصلاة من غير احتياط.

وربما قيل في هذه الصورة بانفراد كل منهما بشكه. ويمكن ان يستأنس له بما يفهم من مرسلة يونس من عدم رجوع أحدهما إلى الآخر مع شك الآخر وانما يرجع مع اليقين. إلا انه يمكن دفعه بأنه ليس الرجوع هنا إلا الى ما أيقنا به.

(الخامسة عشرة) ـ الصورة المتقدمة مع عدم الرابطة الجامعة بين الشكين كما إذا شك أحدهما بين الاثنتين والثلاث والآخر بين الأربع والخمس ، والمشهور انه ينفرد كل منهما بحكم شكه. وربما كان وجهه عموم النصوص الدالة على حكم شك كل منهما وعدم دخوله ظاهرا في عموم نصوص رجوع أحدهما إلى الآخر.

ثم انه لا يخفى ان المشهور انه لا فرق في هاتين الصورتين بين الركعات والأفعال وكذا لا فرق في صورة وجود الرابطة بين كون شك أحدهما مبطلا أم لا ، ولا بين كون الرابطة شكا أيضا أم لا ، ولا بين اختلاف المأمومين أيضا في الشك الذي انفردوا به أو اتفاقهم ، فان المدار على وجود الرابطة وعدمه ، فالأول كما لو شك أحدهما بين الواحدة والثنتين والثلاث والآخر بين الثنتين والثلاث ، فإنهم يرجعون الى الشك بين الثنتين والثلاث والرابطة هنا شك ، وبه يحصل المثال الثاني أيضا ، والثالث كالمثال المتقدم من شك أحدهما بين الثنتين والثلاث والآخر بين الثلاث والأربع فإن الرابطة الثلاث يعملون عليها من غير احتياط ، والرابع كما إذا شك أحدهم بين الواحدة والثنتين والثلاث والآخر بين الثنتين والثلاث والأربع والثالث بين الثنتين والثلاث والخمس والرابطة هنا هو الشك بين الاثنتين والثلاث فيرجع الجميع اليه ويعملون بمقتضاه ، والخامس هو عدم وجود الرابطة مع التعدد كما لو

٢٧٧

شك أحدهم بين الثنتين والثلاث والآخر بين الأربع والخمس وآخر بين الثنتين والأربع

(المقام الثاني) ـ في السهو ولنذكر أولا الأخبار المتعلقة بذلك ثم نعطف الكلام على ما ذكره الأصحاب وما يفهم من الأخبار في هذا الباب مستمدين منه عن شأنه الهداية إلى جادة الصواب :

فمن الأخبار المشار إليها ما تقدم في المقام الأول ، ومنها ـ ما رواه الكليني والشيخ (طيب الله تعالى مرقديهما) عن زرارة (١) قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الإمام يضمن صلاة القوم؟ قال لا».

ومنها ـ ما رواه في الفقيه في الصحيح عن زرارة (٢) قال : «سألت أحدهما (عليهما‌السلام) عن رجل صلى بقوم ركعتين ثم أخبرهم انه لم يكن على وضوء؟ قال يتم القوم صلاتهم فإنه ليس على الامام ضمان».

وما رواه في الفقيه في الصحيح عن ابى بصير عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) (٣) قال : «قلت أيضمن الإمام الصلاة؟ قال لا ليس بضامن».

وما روياه أيضا في الكتابين المذكورين عن الحسين بن بشير كما في التهذيب وابن كثير كما في الفقيه ـ والرجلان مجهولان ـ عن ابى عبد الله عليه‌السلام (٤) «انه سأله رجل عن القراءة خلف الإمام فقال لا ان الإمام ضامن للقراءة وليس يضمن الإمام صلاة الذين خلفه إنما يضمن القراءة».

وما رواه الشيخ في التهذيب في الصحيح عن معاوية بن وهب (٥) قال : «قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام أيضمن الإمام صلاة الفريضة فإن هؤلاء يزعمون انه يضمن؟ فقال لا يضمن أي شي‌ء يضمن إلا ان يصلى بهم جنبا أو على غير طهر».

__________________

(١) الوسائل الباب ٣٠ من الجماعة. وفي الفروع ج ١ ص ١٠٥ والتهذيب ج ١ ص ٣٢٩ و ٣٣٠ والوافي باب «ضمان الامام.» والوسائل «سألت أحدهما ع».

(٢ و ٥) الوسائل الباب ٣٦ من الجماعة.

(٣ و ٤) الوسائل الباب ٣٠ من الجماعة.

٢٧٨

وما رواه في التهذيب والفقيه عن عمار بن موسى الساباطي في الموثق عن ابى عبد الله عليه‌السلام (١) قال : «سألته عن الرجل سها خلف امام بعد ما افتتح الصلاة فلم يقل شيئا ولم يكبر ولم يسبح ولم يتشهد حتى سلم؟ فقال قد جازت صلاته وليس عليه شي‌ء إذا سها خلف الامام ولا سجدتا السهو لأن الإمام ضامن لصلاة من خلفه».

وما رواه الشيخ عن عمار الساباطي في الموثق عن ابى عبد الله عليه‌السلام (٢) قال : «سألته عن الرجل ينسى وهو خلف الامام ان يسبح في السجود أو في الركوع أو ينسى أن يقول بين السجدتين شيئا؟ فقال ليس عليه شي‌ء».

وعن عمار أيضا في الموثق (٣) قال : «سألته عن الرجل يدخل مع الامام وقد سبقه الإمام بركعة أو أكثر فسها الامام كيف يصنع؟ فقال إذا سلم الامام فسجد سجدتي السهو فلا يسجد الرجل الذي دخل معه وإذا قام وبنى على صلاته وأتمها وسلم سجد الرجل سجدتي السهو. الى ان قال : وعن رجل سها خلف الامام فلم يفتتح الصلاة؟ قال يعيد الصلاة ولا صلاة بغير افتتاح».

وعن عبد الرحمن بن الحجاج في الصحيح (٤) قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يتكلم ناسيا في الصلاة يقول أقيموا صفوفكم؟ قال يتم صلاته ثم يسجد سجدتين. فقلت سجدتا السهو قبل التسليم هما أو بعد؟ قال بعد».

وعن منهال القصاب (٥) ـ في الصحيح اليه وهو مجهول ـ قال : «قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام أسهو في الصلاة وانا خلف الامام؟ قال فقال إذا سلم فاسجد سجدتين ولا تهب».

إذا عرفت ذلك فاعلم ان الكلام في هذه الأخبار يقع في مواضع :

(الأول) ـ ما اشتمل عليه بعضها من ضمان الامام وبعض آخر من عدم الضمان يمكن الجمع بينها بوجوه :

__________________

(١ و ٢ و ٣ و ٥) الوسائل الباب ٢٤ من الخلل في الصلاة.

(٤) الوسائل الباب ٤ و ٥ من الخلل في الصلاة. والشيخ يرويه عن الكليني.

٢٧٩

(أحدها) ـ ما ذكره الصدوق (قدس‌سره) حيث قال بعد إيراد رواية أبي بصير : ليس هذا بخلاف خبر عمار وخبر الرضا عليه‌السلام (١) لأن الإمام ضامن لصلاة من صلى خلفه متى سها عن شي‌ء منها غير تكبيرة الإحرام وليس بضامن لما يتركه المأموم متعمدا.

و (ثانيها) ـ ما ذكره (طاب ثراه) ايضا حيث قال : ووجه آخر وهو انه ليس على الإمام ضمان لإتمام الصلاة بالقوم فربما حدث به حادث قبل ان يتمها أو يذكر انه على غير طهر. ثم استشهد برواية زرارة المتقدمة.

و (ثالثها) ـ ان يكون المراد بالضمان ضمان القراءة وبعدمه سائر الأذكار والأفعال. واليه يشير خبر الحسين بن بشير أو ابن كثير المتقدم.

و (رابعها) ـ ما ذكره بعض مشايخنا الكرام (رفع الله أقدارهم في دار السلام) وهو ان يكون المراد بالضمان الإثم والعقاب على الإخلال بالشرائط والواجبات من جهة المأمومين وبعدمه عدم الإثم إذا كان ذلك سهوا ، أو عدم التأثير في بطلان صلاة المأمومين مطلقا كما يومئ اليه بعض الأخبار السالفة ، أو عدم وجوب إعلامهم بذلك كما يشير إليه أيضا بعض الأخبار. انتهى. والظاهر بعده.

و (خامسها) ـ وهو الأظهر حمل ما دل على الضمان على التقية واليه تشير صحيحة معاوية بن وهب ويعضده ما نقله في المنتهى من أنه أطبق الجمهور إلا مكحول على انه لا سهو على المأموم (٢).

(الثاني) ـ لو اشترك الامام والمأموم في السهو فالظاهر انه لا خلاف ولا إشكال في وجوب العمل عليهما بما يقتضيه حكم ذلك السهو اتفقا في خصوصه أو اختلفا ، فالأول كما إذا تركا سجدة واحدة سهوا فذكراها بعد الركوع فإنهما يمضيان في الصلاة ويقضيان السجود بعدها اتفاقا ويسجدان للسهو بناء على المشهور من وجوب

__________________

(١) ص ٢٧٩ و ٢٦٩.

(٢) المغني ج ٢ ص ٤١.

٢٨٠