الحدائق الناضرة - ج ٩

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]

الحدائق الناضرة - ج ٩

المؤلف:

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]


المحقق: محمّد تقي الإيرواني
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٥٩

الصبح أو المغرب وبعده ظاهر. قيل : والصدوق قال بالتخيير لهذه الرواية. وهو ضعيف لما عرفت.

وقال في البحار : واحتمل الشهيد في الذكرى والعلامة في النهاية كون البناء على الأكثر وصلاة الاحتياط للرخصة والتخفيف وتكون الإعادة أيضا مجزئة. ثم رده وقال لا يخفى بعد هذا الكلام عن ظواهر النصوص ولا داعي الى ذلك ولم يعلم قائل بذلك ايضا قبلهما انتهى. وهو جيد فان الخروج عن ظواهر تلك الأخبار بل صريحها الدال على وجوب البناء على الأكثر والاحتياط بما ذكر بهذا الخبر الشاذ النادر لا يخلو من مجازفة ، وقد سبق نظيره في مسألة الشك بين الاثنتين والثلاث مع ان المعارض ثمة أقل مما هنا ، وما ذكراه هنا انسب بتلك المسألة سيما مع دعوى جملة منهم عدم الدليل كما عرفت ثمة. والله العالم.

(المسألة التاسعة) ـ لو شك بين الاثنتين والثلاث والأربع فالمشهور انه يبنى على الأكثر ويتم صلاته ثم يصلى ركعتين من قيام وركعتين من جلوس ، وذهب الصدوقان وابن الجنيد إلى انه يبنى على الأربع ويصلى ركعة من قيام وركعتين من جلوس. ونقل عن ابن الجنيد البناء على الأقل ما لم يخرج الوقت.

ويدل على القول المشهور ما رواه الكليني والشيخ عن ابن ابى عمير في الصحيح عن بعض أصحابه عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) (١) «في رجل صلى فلم يدر اثنتين صلى أم ثلاثا أم أربعا؟ قال يقوم فيصلي ركعتين من قيام ويسلم ثم يصلى ركعتين من جلوس ويسلم فان كان صلى اربع ركعات كانت الركعتان نافلة وإلا تمت الأربع».

وأنت خبير بان هذه الرواية قد اشتملت على وصل الاحتياط بالفريضة مثل ما وقع في حسنتي زرارة المتقدمتين اللتين صارتا منشأ لتوهم السيد ومن تبعه ولكن لمعلومية الاحتياط هنا وانه لا يصلح للجزئية من حيث ركعتي الجلوس زال الوهم المذكور. إلا ان اللازم بمقتضى ما توهمه ـ لو كان صحيحا ـ ان يكون الحكم

__________________

(١) الوسائل الباب ١٣ من الخلل في الصلاة. والشيخ يرويه عن الكليني.

٢٤١

في هذه الرواية هو البناء على الأقل ثم الإتمام بتلك الركعتين من قيام يجعلهما من الصلاة الأصلية ثم الاحتياط بركعتين جالسا وهو لا يقول به ولا يلتزمه.

والظاهر انه لا خلاف هنا في البناء على الأكثر إلا ما يتوهمون به من قول الصدوق بالتخيير في جميع افراد الشكوك ، وما تقدم من المرتضى في المسائل الناصرية من البناء على الأقل مطلقا وقد عرفت ما في الجميع. والخلاف المشهور هنا انما هو في الاحتياط وقد عرفت ما هو المشهور وما يدل عليه.

واما القول الثاني من الاحتياط بركعة قائما وركعتين جالسا فقال في الذكرى انه قوى من حيث الاعتبار لأنهما تنضمان حيث تكون الصلاة اثنتين ويجتزأ بأحدهما حيث تكون ثلاثا إلا ان النقل والاشتهار يدفعه.

وكأنه أشار بالنص إلى مرسلة ابن ابى عمير المذكورة مع انه قد روى الصدوق عن عبد الرحمن بن الحجاج في الصحيح عن أبي إبراهيم (عليه‌السلام) (١) قال : «قلت لأبي عبد الله (عليه‌السلام) رجل لا يدرى اثنتين صلى أم ثلاثا أم أربعا؟ فقال يصلى ركعة من قيام ثم يسلم ثم يصلى ركعتين وهو جالس».

وفي كتاب الفقه الرضوي (٢) قال (عليه‌السلام): «وان شككت فلم تدر اثنتين صليت أم ثلاثا أم أربعا فصل ركعة من قيام وركعتين من جلوس».

وربما استشكل في الرواية المذكورة من حيث تضمنها لسؤال الكاظم من أبيه (عليهما‌السلام) كما أشار إليه في المدارك حيث قال ـ بعد رد مرسلة ابن ابى عمير بأنها قاصرة من حيث الإرسال وذكر الصحيحة المذكورة ـ ما لفظه : إلا ان ما تضمنته الرواية من سؤال الكاظم من أبيه (عليهما‌السلام) على هذا الوجه غير معهود والمسألة محل اشكال. انتهى.

أقول : لا يخفى ان المعلوم من قاعدته ـ كما نبهنا عليه في غير موضع ـ انه متى صح سند الرواية جمد على القول بما تضمنته وان خالف مقتضى القواعد والأصول

__________________

(١) الوسائل الباب ١٣ من الخلل في الصلاة.

(٢) ص ١٠.

٢٤٢

أو خالف ما هو المعلوم من كلام الأصحاب (رضوان الله عليهم) أو نحو ذلك فلا وجه لهذا الإشكال باعتبار عدم معهودية رواية الكاظم عن أبيه (عليهما‌السلام) وقد اشتمل كتاب الفقه الرضوي على الرواية عن أبيه (عليهما‌السلام) في مواضع لا تخفى بقوله (١) : «واروى عن العالم وكنت يوما عند العالم». ونحو ذلك ورواياتهم عن آبائهم (عليهم‌السلام) بعد الموت كثيرة. وبالجملة فإن هذا ليس مما يوجب الطعن في السند باصطلاحه. إلا ان نسخ من لا يحضره الفقيه في هذا الخبر مختلفة ففي بعضها «يصلى ركعتين من قيام» وفي سند الرواية أيضا اختلاف ففي بعضها عن أبي إبراهيم (عليه‌السلام) قال : «قلت له.» إلا ان أكثر النسخ على ما ذكرناه في الخبر. ويؤيده بالنسبة إلى الأول خبر كتاب الفقه.

وكيف كان فالظاهر في الجمع بين الأخبار المذكورة هو القول بالتخيير وان لم يعلم به قائل من الأصحاب (رضوان الله عليهم).

ثم انه على تقدير القول المشهور فهل يجوز ان يصلى بدل الركعتين جالسا ركعة قائما أم لا؟ أقوال ثلاثة : (أحدها) تحتمه ونسبه في الذكرى الى ظاهر الشيخ المفيد في الغرية وسلار. و (ثانيها) عدم الجواز ونسبه في الذكرى الى الأصحاب. و (ثالثها) التخيير لتساويهما في البدلية بل الركعة من قيام أقرب الى حقيقة المحتمل وهو قول العلامة والشهيدين. قال في الذخيرة والأوسط أقرب وقوفا على النص.

أقول : ما ذكره جيد لو لم يكن في المسألة إلا رواية ابن ابى عمير المذكورة وأما بالنظر الى ما ذكرناه من صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج ورواية كتاب الفقه فالثالث هو الأصح لا باعتبار ما ذكروه من التعليل فإنه عليل بل من حيث الجمع بين الخبرين وان كان ما ذكر انما هو تفريع على القول المشهور.

وهل يجب تقديم الركعتين من قيام؟ فيه أيضا أقوال : (الأول) وجوب ذلك وهو قول الشيخ المفيد في المقنعة والمرتضى في أحد قوليه (الثاني) التخيير ونقل

__________________

(١) من ص ٤٥ الى ص ٥٢.

٢٤٣

عن ظاهر المرتضى (قدس‌سره) في الانتصار. (الثالث) تحتم تقديم الركعتين جالسا وقد نقل بعض الأصحاب حكاية قول به. (الرابع) تحتم تقديم الركعة من قيام وهو قول الشيخ المفيد في الغرية. والصواب هو الأخذ بما دل عليه النص في الباب.

فائدة

قال شيخنا الشهيد الثاني (قدس‌سره) في الروض وانما خص المصنف وأكثر الجماعة من مسائل الشك هذه الأربع لأنها مورد النص على ما مر ، ولعموم البلوى بها للمكلفين فمعرفة حكمها واجب عينا كباقي واجبات الصلاة ، ومثلها الشك بين الأربع والخمس وحكم الشك في الركعتين الأوليين والثنائية والثلاثية بخلاف باقي مسائل الشك المتشعبة فإنها تقع نادرا ولا تكاد تنضبط لكثير من الفقهاء. وهل العلم بحكم ما يجب معرفته منها شرط في صحة الصلاة فتقع بدون معرفتها باطلة وان لم تعرض في تلك الصلاة؟ يحتمله تسوية بينها وبين باقي الواجبات والشرائط التي لا تصح الصلاة بدون معرفتها وان اتى بها على ذلك الوجه ، وعدمه لأن الإتيان بالفعل على الوجه المأمور به يقتضي الاجزاء ، ولأن أكثر الصحابة لم يكونوا في ابتداء الإسلام عارفين بأحكام السهو والشك مع مواظبتهم على الصلاة والسؤال عند عروضه. ولأصالة عدم عروض الشك وان كان عروضه أكثريا. وفي هذه الأوجه نظر واضح وللتوقف مجال. انتهى.

أقول : والأصح ما ذكره أخيرا بقوله «وعدمه. إلخ» لما حققناه في كتاب الدرر النجفية في درة الجاهل بالأحكام الشرعية وفي مطاوي أبحاث الكتاب من صحة العبادة بدون ذلك. وقد تقدم أيضا في كتاب الطهارة في المقام التاسع من مقامات البحث في النية ما فيه إشارة الى ذلك.

(المسألة العاشرة) ـ لو شك بين الأربع والخمس فالمشهور انه يتم صلاته ويسجد سجدتي السهو.

٢٤٤

وعلى ذلك تدل جملة من الاخبار : منها ـ ما رواه في الكافي عن عبد الله بن سنان عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) (١) قال : «إذا كنت لا تدري أربعا صليت أو خمسا فاسجد سجدتي السهو بعد تسليمك ثم سلم بعدهما».

وما رواه الشيخ في الصحيح عن الحلبي عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) (٢) قال : «إذا لم تدر أربعا صليت أم خمسا أم نقصت أم زدت فتشهد وسلم واسجد سجدتين بغير ركوع ولا قراءة تتشهد فيهما تشهدا خفيفا».

وعن ابى بصير عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) (٣) قال : «إذا لم تدر أربعا صليت أو خمسا فاسجد سجدتي السهو بعد تسليمك وأنت جالس ثم سلم بعدهما».

ومما استدل به بعض الأصحاب في هذا المقام أيضا صحيحة زرارة أو حسنته (٤) قال : «سمعت أبا جعفر (عليه‌السلام) يقول قال رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) إذا شك أحدكم في صلاته فلم يدر زاد أم نقص فليسجد سجدتين وهو جالس وسماهما رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) المرغمتين».

والمفهوم من هذه الرواية انما هو ان من مواضع سجدتي السهو الشك في الزيادة والنقيصة كما هو ظاهر بعض الاخبار التي قبلها ايضا.

وأظهر منها في ذلك ما رواه الصدوق بطريقه إلى الفضيل بن يسار (٥) «انه سأل أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن السهو فقال من حفظ سهوه فأتمه فليس عليه سجدتا السهو وانما السهو على من لم يدر أزاد في صلاته أم نقص منها».

والمراد بالسهو الشك كما يطلق عليه في الاخبار في غير مقام ، وسيأتي ان شاء الله تعالى ان من مواضع سجدتي السهو الشك في الزيادة والنقيصة لهذه الاخبار وبموجب ذلك يجب سجود السهو في جميع صور الشكوك المتقدمة وهو قول الصدوق

__________________

(١ و ٢ و ٤ و ٥) الوسائل الباب ١٤ من الخلل في الصلاة.

(٣) الوسائل الباب ١٤ من الخلل في الصلاة ، وهذه الرواية رواها الكليني في الكافي ج ١ ص ٩٨ ولم ينقلها في الوسائل من التهذيب نعم نقلها في الوافي عنهما.

٢٤٥

إلا انه يجب تقييد هذه الاخبار بالاخبار الدالة على إبطال الشك المتعلق بالأولتين والثنائية والثلاثية فيخص بما عدا ذلك.

والخلاف في هذه المسألة قد وقع في موضعين (أحدهما) ما ذهب اليه الصدوق في المقنع من الاحتياط في هذه الصورة بركعتين جالسا حيث قال في الكتاب المذكور : إذا لم تدر أربعا صليت أم خمسا أو زدت أو نقصت فتشهد وسلم وصل ركعتين بأربع سجدات وأنت جالس بعد تسليمك. وفي حديث آخر تسجد سجدتين بغير ركوع ولا قراءة. انتهى.

وقال في المختلف ـ بعد ذكر القول المشهور ونقل قول ابن بابويه المذكور والاستدلال للقول المشهور بصحيحة الحلبي المتقدمة ـ ما لفظه : ولأن الأصل عدم الإتيان بالزيادة فلا يجب عليه شي‌ء ، ولان الركعتين جعلتا تماما لما نقص من الصلاة والتقدير انه شك في الزيادة بعد حفظ الكمال فلا يجب عليه بدل المأتي به. نعم ان قصد الشيخ أبو جعفر ابن بابويه ان الشك إذا وقع في حالة القيام كأنه يقول قيامي هذا لا أدرى أنه لرابعة أو خامسة فإنه يجلس إذا لم يكن قد ركع ويسلم ويصلى ركعة من قيام أو ركعتين من جلوس ويسجد للسهو وان كان بعد ركوعه قبل السجود فإنه يعيد الصلاة. انتهى.

أقول : ما ذكره وأورده على الصدوق جيد لو كان ما ذكره الصدوق هنا من نفسه وانما هو مأخوذ من كتاب الفقه الرضوي على الطريقة التي قدمنا ذكرها ، وهذه صورة عبارته (عليه‌السلام) في الكتاب المشار اليه : وان لم تدر أربعا صليت أم خمسا أو زدت أو نقصت فتشهد وسلم وصل ركعتين بأربع سجدات وأنت جالس بعد تسليمك. وفي حديث آخر تسجد سجدتين بغير ركوع ولا قراءة وتشهد فيهما تشهدا خفيفا. انتهى. وهي كما ترى طبق عبارة المقنع كلمة كلمة وحرفا وحرفا إلا في زيادة قوله «وتشهد فيهما تشهدا خفيفا» في عبارة كتاب الفقه. وهو (عليه‌السلام) قد أفتى أولا بالاحتياط ونسب ما دلت عليه الاخبار المتقدمة

٢٤٦

المعمول عليه بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) إلى الرواية مؤذنا بتضعيفه.

وقد روى الشيخ عن زيد الشحام عن أبي أسامة (١) قال : «سألته عن رجل صلى العصر ست ركعات أو خمس ركعات؟ قال ان استيقن انه صلى خمسا أو ستا فليعد وان كان لا يدرى أزاد أم نقص فليكبر وهو جالس ثم ليركع ركعتين يقرأ فيهما بفاتحة الكتاب في آخر صلاته ثم يتشهد. الحديث». ورده بعضهم بضعف السند وانه غير معمول عليه بين الأصحاب.

وكيف كان فالظاهر هو القول المشهور للأخبار المتقدمة المعتضدة بفتوى الأصحاب (رضوان الله عليهم) قديما وحديثا وهم (عليهم‌السلام) اعرف بما قالوه في الخبرين المذكورين.

الموضع الثاني ـ ما ذهب إليه جملة من الأصحاب : منهم ـ الشيخ المفيد والشيخ في الخلاف والصدوق وسلار وأبو الصلاح من عدم وجوب سجدتي السهو في هذا الموضع والأخبار المتقدمة كما ترى على خلافه.

إذا عرفت ذلك فاعلم ان للشك بين الأربع والخمس صورا أنهاها بعضهم الى ثلاث عشرة صورة إلا انها ترجع عند التحقيق الى ثلاث صور :

الأولى ـ ان يشك قبل الركوع والظاهر انه لا خلاف ولا إشكال في انه يجلس وينقلب شكه الى الثلاث والأربع فيعمل فيه على ما تقدم في تلك المسألة ويزيد مع ذلك سجدتي السهو لمكان القيام ، وقد تقدم ذلك في كلام العلامة في المختلف وهو مؤيد لما حققناه سابقا من انه إذا شك في حال قيامه بين كون قيامه لثالثة أو رابعة فإنه لا يكون شكا بين الثلاث والأربع كما توهمه السيد واتباعه بل يكون شكا بين الثنتين والثلاث كما انه في هذه الصورة لا يكون شكا بين الأربع والخمس وانما هو

__________________

(١) الوسائل الباب ١٤ من الخلل في الصلاة. ولا يخفى ان «أبا أسامة» كنية زيد الشحام وفي التهذيب ج ١ ص ٢٣٦ هكذا «عن زيد الشحام أبي أسامة» فكلمة «عن» يحتمل ان تكون من زيادة النساخ.

٢٤٧

شك بين الثلاث والأربع.

وقال شيخنا المحدث الشيخ عبد الله بن الحاج صالح البحراني في شرح رسالة شيخه الصلاتية ـ بعد ان ذكر هذه الصورة وذكر انه لا خلاف فيها بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) ـ انه لا مستند لها بالخصوص إلا ما روى انه «ما أعاد الصلاة فقيه يحتال فيها ويدبرها حتى لا يعيدها» كما في موثقة عمار المروية في الفقيه (١). انتهى

أقول : لا يخفى ما فيه فان أخبار الشك بين الثلاث والأربع شاملة لهذه الصورة فإنه ما لم يدخل في الركوع يرجع الى ما تقدم ، إذ لا فرق بين ان يشك وهو جالس قبل القيام أو بعد القيام وقبل الركوع حسبما فصل في هذه الصورة.

الثانية ـ ان يشك بعد رفع رأسه من السجود أو بعد تمام ذكر السجدة الثانية وان لم يرفع على القولين المتقدمين قريبا ، فإنه يبنى على الأربع ويتشهد ويسلم ويسجد سجدتي السهو ، وعلى ذلك دلت الأخبار المتقدمة في صدر المسألة.

الثالثة ـ الشك بعد الركوع وقبل تمام السجود والمشهور بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) ان حكمها كحكم سابقتها في الصحة والبناء على الأربع وسجود السهو.

وقطع العلامة (قدس‌سره) في جملة من كتبه بالبطلان واقتفاه المحقق الشيخ على (قدس‌سره) على ما نقل عنه.

واحتجوا على ذلك بلزوم التردد بين محذورين : الإكمال المعرض للزيادة والهدم المعرض للنقيصة. ورد بان المبطل إنما هو يقين الزيادة لا احتمالها ولو اثر ذلك

__________________

(١) هذا اللفظ ورد في رواية حمزة بن حمران المروية في التهذيب ج ١ ص ٢٣٦ وفي الوسائل في الباب ٢٩ من الخلل في الصلاة من التهذيب واما الصدوق فإنه بعد ان ذكر في ج ١ ص ٢٢٥ رواية عمار المتضمنة للبناء على الأكثر في كل شك المتقدمة ص ٢٢٢ قال : ومعنى الخبر الذي روى «ان الفقيه لا يعيد الصلاة» انما هو في الثلاث والأربع لا في الأولتين. ويحتمل انه يريد بيان وجه الحيلة والتدبير في موثقة عمار.

٢٤٨

لأثر في ما لو عرض الشك بعد السجود ايضا مع انهم اتفقوا هناك على الصحة.

إلا ان شيخنا الشهيد الثاني في الروضة نقل الاحتجاج للعلامة هنا بحجة اخرى وهو ان في القول بالصحة هنا خروجا عن مقتضى النصوص فإنه لم يكمل الركعة حتى يصدق عليه انه شك بينها وبين ما قبلها ، قال (قدس‌سره) ـ بعد قول المصنف : وقيل تبطل الصلاة لو شك ولما يكمل السجود إذا كان قد ركع ـ ما صورته : لخروجه عن المنصوص فإنه لم يكمل الركعة حتى يصدق عليه انه شك بينهما. ثم نقل الحجة الثانية وهو تردده بين محذورين ثم ردها بما قدمنا ذكره. ولم يتعرض للجواب عن الحجة الاولى ، والسبب فيه انه قد صرح هو وغيره بان الركعة عبارة عن الركوع والسجود فما لم يكملها بتمام السجود لا يصدق حصول الركعة ومتى لم يصدق لم يدخل تحت النصوص ، وانما الكلام في تحقق إتمامها بالرفع من السجود أو بإتمام ذكر السجدة الثانية وقد تقدم ، ولهذا أوجبوا في صحة الشك والعمل به إتمام الأوليين بالسجود وحينئذ فإذا ثبت ان الركعة عبارة عما ذكر فالشك قبل السجود شك قبل إكمال الركعة وتمامها فلا يدخل تحت النص ، لان مرجع الشك بين الأربع والخمس إلى انه لا يدرى اتى بخمس أو أربع فإذا لم يتمها فكيف يصدق الشك فيها؟

وبذلك يظهر لك ان ما ذكروه في المقام ـ من الحكم بالصحة في ما إذا وقع الشك بين السجدتين وكذا بين الركوع والسجود ـ مدافع لما ذكروه من عدم تحقق الركعة إلا بالإتمام بالسجود بل بالرفع منه فكيف يصح شكه هنا ويبنى على الأربع؟ وبالجملة فإنه ما لم تتحقق الركعة وتتم بالسجود أو مع الرفع لا يتجه دخوله في الصورة المفروضة ، ومن أجل ذلك ان شيخنا المشار إليه في الروضة أغمض النظر عن احتجاجه للعلامة أولا بالخروج عن محل النص ولم يجب عنه بشي‌ء لاتفاقهم على هذه المقالة المؤذنة بصحة الحجة المذكورة ، ولا طريق الى الجواب عن ذلك والخروج من هذا الإشكال إلا بمنع ما ادعوه من ان الركعة عبارة عما ذكروه والقول بأنها عبارة عن مجرد الركوع كما هو القول الآخر الذي تقدم ذكره وان تقدم رد صاحب

٢٤٩

المدارك له بالضعف إلا انه ناشى‌ء عن الغفلة عن هذا الإشكال.

والى هذا القول مال المحقق في أجوبة المسائل البغدادية وجعله وجه الجواب عن القول بالصحة في المسألة حيث قال ـ بعد حكمه بالصحة وعدم البطلان في الصورة المذكورة ـ ما نصه : لأن الركعة واحدة الركوع جنس كالسجدة والسجود والركبة والركوب. انتهى.

وبذلك يظهر ان المدار هنا في الجواب عن الإشكال المذكور مبنى على بيان معنى الركعة شرعا وانها عبارة عما ذا؟ فان كانت عبارة عما ذكروه فالحكم بالصحة غير متجه لما عرفت وان كانت عبارة عن مجرد الركوع فما ذكروه من الحكم بالصحة جيد. والمفهوم من الأخبار انها تطلق تارة على مجرد الركوع واخرى على ما يدخل فيه السجود بل التشهد ايضا كقولهم : يتشهد في الركعة الثانية ويسلم في الركعة الرابعة ونحو ذلك. ولعل الكلام في ما عدا الأول انما خرج مخرج التجوز تسمية للكل باسم الجزء ومما يؤيده الأخبار الواردة في صلاة الكسوف حيث اشتملت على التعبير عن الركوع فيها بالركعة كما لا يخفى على من راجعها وهو أقوى حجة في ما ذكرناه.

قال في الذكرى : واما الشك بين الأربع والخمس فالنص ان عليه سجدتي السهو كما يأتي ، وفصل متأخر والأصحاب (رضوان الله عليهم) بما حاصله ان ههنا صورا : (أحدها) ان يقع بعد إكمال السجدتين والأمر فيه ظاهر. و (ثانيها) ان يقع قبل رفع رأسه من السجدة الثانية والظاهر الحاقه به لان الرفع لا مدخل له في الزيادة. و (ثالثها) ان يقع بين السجدتين فيحتمل الحاقه بها تنزيلا لمعظم الركعة منزلة جميعها ويحتمل عدمه لعدم الإكمال وتجويز الزيادة. و (رابعها) ان يقع بين الركوع والسجود وهي أشكل مسائله ، قطع الفاضل فيها بالبطلان لتردده بين محذورين اما القطع وهو معرض للأربع واما الإتمام وهو معرض للخمس. وقطع شيخه المحقق في الفتاوى بالصحة تنزيلا للركعة على الركوع والباقي تابع. وتجويز الزيادة لا ينفى ما هو ثابت بالأصالة ، إذ الأصل عدم الزيادة ، ولان تجويز الزيادة لو منع لأثر

٢٥٠

في جميع صوره. و (خامسها) ان يقع في أثناء الركوع فيحتمل الوجهين وان يرسل نفسه فكأنه شاك بين الثلاث والأربع. و (سادسها) ان يقع بعد القراءة وقبل الركوع سواء كان قد انحنى ولم يبلغ حد الراكع أو لم ينحن أصلا. و (سابعها) ان يقع في أثناء القراءة. و (ثامنها) ان يقع قبل القراءة وقد استكمل القيام. و (تاسعها) ان يقع في أثناء القيام. وفي هذه الصور الأربع يلزم الاحتياط بركعة قائما أو ركعتين جالسا لانه شك بين الثلاث والأربع ويرسل نفسه في جميعها ولا يترتب على التعدد فيها شي‌ء سوى احتمال سقوط سجود السهو ما لم يستكمل القيام واحتمال تعدده إذا قرأ. وهذه الاحتمالات التسعة واردة في كل مسألة من المسائل الأربع المتقدمة فلو أريد تركيب مسائل الشك الخمسة تركيبا ثنائيا وثلاثيا ورباعيا حصل منه إحدى عشرة مسألة : ست من الثنائي واربع من الثلاثي وواحد من الرباعي ، فإذا ضربت في الصور التسع كانت تسعا وتسعين مسألة تظهر بأدنى تأمل. انتهى كلامه زيد إكرامه.

أقول : ومرجع هذه التسع التي ذكرها عند التحقيق والتأمل بالنظر الثاقب الدقيق الى ما قدمناه من الثلاث ، أما الأربع الأخيرة فلما اعترف به بقوله «وفي هذه الصور الأربع.» من حيث انقلاب الشك الى ما بين الثلاث والأربع والخروج عن محل البحث ، ومرجع هذه الأربع إلى الصورة الاولى من الثلاث المتقدمة ، واما الاولى والثانية فمرجعهما الى ما ذكرناه من الصورة الثانية ، وما ذكره من التعدد يرجع الى الخلاف في ما يتحقق به إتمام الثانية من الرفع أو مجرد إتمام ذكر سجود الثانية ، وقد عرفت ان الذي اختاره ومثله الشهيد الثاني في الروض هو الثاني ، واما الثالثة والرابعة والخامسة فمرجعها الى ما ذكرناه من الصورة الثالثة لاشتراك الصور الثلاث المذكورة في عدم الدخول تحت النصوص المتقدمة بالتقريب الذي تقدم تحقيقه لا لما ذكره من الاحتمالات.

واما ما ذكره (قدس‌سره) من ورود هذه الاحتمالات التسعة في كل من المسائل الأربع المتقدمة فصحيح إلا انه يرجع على ما ذكرناه من التحقيق الى الثلاث المتقدمة.

٢٥١

واما ما ذكره ـ من تركيب مسائل الشكوك الخمس تركيبا ثنائيا. إلخ ـ فتوضيحه أن الثنائي ما كان مشتملا على التردد بين طرفين منها وهي الشك بين الاثنتين والثلاث وبين الاثنتين والأربع وبين الاثنتين والخمس وبين الثلاث والأربع وبين الثلاث والخمس وبين الأربع والخمس ، فهذه ست صور للثنائى ، والثلاثي ما كان مشتملا على التردد بين أطراف ثلاثة وهي الشك بين الاثنتين والثلاث والأربع وبين الاثنتين والثلاث والخمس وبين الاثنتين والأربع والخمس وبين الثلاث والأربع والخمس ، والرباعي ما كان مشتملا على أربعة أطراف كالشك بين الاثنتين والثلاث والأربع والخمس ، فهذه إحدى عشرة صورة حاصلة من تركيب الشكوك الخمسة وضم بعضها الى بعض إذا ضربت في ما ذكرناه من الثلاث المتقدمة تبلغ ثلاثا وثلاثين مسألة وان ضربت في ما ذكروه من الاحتمالات التسعة بلغت الى ما ذكره شيخنا المذكور.

إذا عرفت ذلك فاعلم انه قد أنهى جملة من الأصحاب (رضوان الله عليهم) افراد الشكوك الى اعداد أكثرها لا يرجع الى طائل لخلوه من الدلائل سوى مجرد التخريجات العقلية والاحتمالات الظنية ، ولنشر إلى جملة من ذلك ونبين ما هو الأصح لدينا باعتبار المدارك :

فمنها ـ ما لو شك بين الاثنتين والأربع والخمس ، وهذا الفرد يشتمل على شكين منصوصين فيلزم فيه ما يلزم فيهما فيبني على الأربع حينئذ ويحتاط بركعتين قائما ثم يسجد للسهو.

ومنها ـ ما لو شك بين الاثنتين والثلاث والأربع والخمس ، ويزيد فيها على الاحتياط الذي في الصورة الأولى ركعتين جالسا لتضمنه الشك بين الاثنتين والثلاث والأربع والحكم فيها ركعتان من قيام وركعتان من جلوس.

ومنها ـ الشك بين الثلاث والأربع والخمس ، وهو ايضا يشتمل على شكين

٢٥٢

منصوصين فيجب فيه ما يجب فيهما وهو الاحتياط بركعة قائما أو ركعتين جالسا ثم السجود للسهو.

وتنظر بعض أفاضل متأخري المتأخرين في الاحتياط في هذه الصور الثلاث بما قدمناه لخروجها عن النص فإنه إنما تضمن حكم كل منها على حدة واختار في كل منها البناء على الأقل نظرا الى عموم ما دل على البناء على الأقل (١) وشموله لكل شك وفيه أولا ـ ان النصوص الواردة في أحكام تلك الصور التي أسلفناها في المسائل المتقدمة مطلقة لا تقييد فيها بحال انفراد أو اجتماع وان كان الأكثر الانفراد فإنها تضمنت ان من شك بين الثلاث والأربع مثلا فالحكم فيه كذا وكذا. وهو كما ترى مطلق شامل بإطلاقه الحالين المذكورين فالشاك بين الثلاث والأربع والخمس يصدق عليه انه شاك بين الثلاث والأربع فيدخل تحت عموم اخباره وانه شاك بين الأربع والخمس فيدخل تحت عموم دليله ايضا.

وثانيا ـ ان ما دل بإطلاقه على البناء على الأقل قد أوضحنا في ما تقدم انه انما خرج مخرج التقية (٢) وانه غير معمول عليه وان اشتهر في كلامهم الأخذ به والعمل عليه غفلة عما ذكرناه من التحقيق المتقدم في المسألة.

ومنها ـ الشك بين الاثنتين والخمس والشك بين الاثنتين والثلاث والخمس والشك بين الثلاث والخمس.

قالوا : وفيه وجه بالبناء على الأقل بناء على أصالة الصحة ولقوله (عليه‌السلام) (٣) «ما أعاد الصلاة فقيه». ولعموم الروايات الدالة على البناء على الأقل (٤) ووجه بالإبطال لتعذر البناء على أحد الطرفين لاستلزامه التردد بين محذورين ، فان البناء على الأكثر موجب للزيادة ومعرض للنقصان والبناء على الأقل معرض للزيادة. ورجح في الذخيرة الأول استنادا إلى الأدلة المذكورة.

__________________

(١ و ٤) ص ٢١٨ و ٢٢١ و ٢٢٢.

(٢) ص ٢٢٣.

(٣) الوسائل الباب ٢٩ من الخلل في الصلاة.

٢٥٣

والأظهر البطلان لعدم النص الواضح في ذلك. وما ذكروه من أصالة الصحة كلام شعري ، ومن عموم تلك الروايات فقد عرفت ما فيه.

واما حديث «ما أعاد الصلاة فقيه» فالعجب منهم في الاستدلال به في غير موضع مع ورود النص بتخصيصه بالثلاث والأربع كما تقدم في صحيحة عبيد ابن زرارة الواردة بالإبطال في صورة الشك بين الاثنتين والثلاث (١) حيث قال له الراوي : «أليس يقال لا يعيد الصلاة فقيه؟ قال انما ذلك في الثلاث والأربع».

ومثلها ايضا ما رواه الصدوق في معاني الأخبار (٢) بسنده عن عبد الله بن الفضل الهاشمي قال : «كنت عند ابى عبد الله (عليه‌السلام) فدخل عليه رجل فسأله عن رجل لم يدر واحدة صلى أو اثنتين؟ فقال له يعيد الصلاة. فقال له فأين ما روى ان الفقيه لا يعيد الصلاة؟ قال انما ذلك في الثلاث والأربع».

وما قدمنا ذكره في المسألة السادسة (٣) نقلا عن الصدوق في المقنع حيث قال : «وسئل الصادق (عليه‌السلام) عن من لا يدرى اثنتين صلى أم ثلاثا؟ قال يعيد الصلاة. قيل فأين ما روى عن رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) الفقيه لا يعيد الصلاة؟ قال إنما ذلك في الثلاث والأربع».

فهذه جملة من الروايات الدالة على التخصيص فكيف يحسن مع ذلك الاستناد الى عموم الخبر المذكور كما صاروا إليه؟

تتمة

قال في المختلف : لو شك بين الأربع وما زاد على الخمس قال ابن ابى عقيل ما يقتضي انه يصنع كما لو شك بين الأربع والخمس ، لانه قال تجب سجدتا السهو في موضعين : من تكلم ساهيا ودخول الشك عليه في أربع ركعات أو خمس فما عداها واستوى وهمه في ذلك حتى لا يدرى صلى أربعا أو خمسا أو ما عداها. ولم نقف

__________________

(١) ص ٢١٥.

(٢) ص ٥١ وفي الوسائل الباب ١ من الخلل في الصلاة.

(٣) ص ٢١٠.

٢٥٤

لغيره في ذلك على شي‌ء. وما قاله محتمل لأن رواية الحلبي تدل عليه من حيث المفهوم ولانه شك في الزيادة فلا يكون مبطلا للصلاة لإحراز العدد ولا مقتضيا للاحتياط إذ الاحتياط يجب مع شك النقصان فلم يبق إلا القول بالصحة مع سجدتي السهو ، مع انه يحتمل الإعادة لأن الزيادة مبطلة فلا يقين بالبراءة. والحمل على المشكوك فيه قياس فلا يتعدى صورة المنصوص. انتهى.

أقول : وما احتمله أولا قد مال إليه جملة من الأصحاب (رضوان الله عليهم) : منهم الشهيدان وغيرهما ، قالا في الرسالة الصلاتية وشرحها : الثاني عشر ـ ان يتعلق الشك بالسادسة فما زاد وفيه وجه بالبطلان مطلقا لأن زيادة الركن مبطلة إجماعا ومع احتمالها لا يتيقن البراءة من الصلاة التي قد اشتغلت الذمة بها بيقين. وضعفه ظاهر فان تجويز زيادة الركن لو اثر لبطل حكم كثير من الصور السابقة مع النص على صحتها والإجماع على صحة بعضها. واحتمال خروج تلك عن الحكم بالنص يندفع بأصالة عدم الزيادة والشك في المبطل. ووجه آخر بالبناء على الأقل لأصالة عدم الزيادة والبناء على الأكثر أو الأربع موقوف على النص لخروجه عن الأصل وهو مفقود هنا والفساد غير معلوم. وفيه وجه ثالث أشار إليه بقوله : «أو يجعل حكمه حكم ما يتعلق بالخمس فيصح حيث يصح ويبطل حيث يبطل ويجب سجود السهو في موضع الصحة ويلزمه الاحتياط مع السجود في موضع اجتماعهما» والى هذا الاحتمال ذهب ابن ابى عقيل من القدماء ومال اليه المصنف والعلامة ورجحه الشارح المحقق ، وهو الظاهر تمسكا بظواهر النصوص الدالة على عدم بطلان الصلاة بمجرد احتمال الزيادة ، ولعموم قوله تعالى «وَلا تُبْطِلُوا أَعْمالَكُمْ» (١) وان الفقيه لا يعيد صلاته (٢). وإطلاق قول الصادق (عليه‌السلام) (٣) في صحيحة الحلبي «إذا لم تدر أربعا صليت أم خمسا أم زدت أم نقصت فتشهد وسلم واسجد سجدتي السهو». انتهى.

__________________

(١) سورة محمد ، الآية ٣٥.

(٢) في صحيح عبيد بن زرارة ص ٢١٥.

(٣) الوسائل الباب ١٤ و ٢٠ من الخلل في الصلاة.

٢٥٥

أقول وبالله التوفيق للهداية إلى سواء الطريق : لا يخفى ان ما استند اليه من الأدلة في إلحاق حكم تعلق الشك بالسادسة بتعلقه بالخامسة لا يخلو من شوب النظر والإشكال :

أما تمسكه بظواهر النصوص الدالة على عدم بطلان الصلاة بمجرد احتمال الزيادة أي زيادة الركن ، فإن أريد بها النصوص الواردة في الشك بين الأربع والخمس مع البناء على الأربع المستلزم لاحتمال زيادة الخامسة فهو صحيح بالنسبة إلى مورده ، وحمل تعلقه بالسادسة على ذلك قياس محض ، إذ ليس فيها ما يدل على أزيد من هذه الصورة ، وان أراد النصوص الواردة في بقية صور الشكوك المتقدمة فليس فيها ما يدعيه فإنه مع البناء على الأكثر والاحتياط بما ذكر فيها من إتمام الناقص على تقدير احتمال النقص لا يتضمن احتمال زيادة الركن ، لأنه مع بنائه على الأكثر فإن كان الأمر كذلك واقعا صار الاحتياط نافلة وإلا كان متمما فلا احتمال فيها لزيادة الركن وليس هنا نصوص واردة بوجه كلى حسبما ادعاه ليتم الاستناد إليها.

واما تمسكه بعموم قوله تعالى «وَلا تُبْطِلُوا أَعْمالَكُمْ» فقد تقدم ما فيه في غير موضع ، والظاهر من سياق الآية انما هو إبطال الأعمال بالكفر لا ما يتناقلونه في كلامهم ويتداولونه على رؤوس أقلامهم من مثل هذا المقام ونحوه من الأحكام.

واما التمسك بحديث «ان الفقيه لا يعيد صلاته» فقد عرفت ما فيه آنفا.

واما صحيحة الحلبي فهي لا تخلو من الإجمال القابل لتعدد الاحتمال ، والاستدلال بها هنا مبنى على ان المراد فيها بيان نوع واحد من الشك بين التمام وبين الناقص والزائد بركعة وأزيد كالشك بين الثلاث والأربع والخمس والست فيكون تقدير الكلام : إذا لم تدر أربعا صليت أم خمسا أم نقصت عن الأربع أم زدت على الخمس ، فيكون شاملا للشك بين الأربع والخمس والأزيد منهما والأنقص ، نعم يخرج ما اشتمل على الشك في الأوليين بالأخبار الدالة على الإبطال ويبقى ما عدا ذلك. والاحتمال الثاني في الرواية المذكورة ان يكون «أم» في قوله «أم نقصت

٢٥٦

أم زدت» بمعنى «أو» وهو المصرح به في روايتي المقنع وكتاب الفقه الرضوي وان كان الظاهر أنهما رواية واحدة كما تقدم ذكره في صدر هذه المسألة ، فيكون بيانا لنوع آخر من الشك وهو الشك في الزيادة والنقيصة وهو أحد موجبات سجود السهو. وهذا الاحتمال هو الأظهر لما تقدم في صدر المسألة من دلالة صحيحة زرارة أو حسنته وكذا صحيحة الفضيل بن يسار على هذا الفرد وانه أحد موجبات سجدتي السهو ، وان لم يكن هذا الاحتمال أرجح فلا أقل ان يكون مساويا وبه يبطل الاستدلال معتضدا ذلك بروايتي المقنع وكتاب الفقه.

وزاد بعض مشايخنا المحدثين من متأخرين المتأخرين في الاستدلال على ما ذكره في شرح الألفية الاستدلال بقول الكاظم (عليه‌السلام) في موثقة إسحاق ابن عمار المروية في الفقيه (١) «إذا شككت فابن على اليقين. قال : قلت هذا أصل؟ قال نعم».

وفيه ما عرفت آنفا من ان هذا الخبر ونحوه إنما خرج مخرج التقية لما قدمناه من بيان مذهب العامة (٢) ومعارضته ونحوه بما هو أصح سندا وأكثر عددا وأصرح دلالة فلا يبقى للتمسك به وجه.

ثم انه على تقدير ما ذكره هؤلاء الأعلام من تصحيح الشك المتعلق بالسادسة قالوا تكون الصور فيها خمس عشرة صورة : سبع منها مع ضميمة ما زاد على الخامسة إليها وإدخال ما نقص عنها وسبع مع انفرادها عنها وواحدة مع الشك فيهما خاصة بأن تحقق الزيادة على الأربع ، فأربع من الجميع ثنائية وست ثلاثية واربع رباعية وواحدة خماسية.

فالأولى أعني الأربع الثنائية الشك بين الاثنتين والست والشك بين الثلاث والست والشك بين الأربع والست والشك بين الخمس والست.

والثانية أعني الست الثلاثية الشك بين الاثنتين والثلاث والست ، والشك

__________________

(١) الوسائل الباب ٨ من الخلل في الصلاة.

(٢) ص ٢٢٢ و ٢٢٣.

٢٥٧

بين الاثنتين والأربع والست ، والشك بين الاثنتين والخمس والست ، والشك بين الثلاث والأربع والست ، والشك بين الثلاث والخمس والست ، والشك بين الأربع والخمس والست.

والثالثة أعني الأربع الرباعية الشك بين الاثنتين والثلاث والأربع والست والشك بين الاثنتين والثلاث والخمس والست ، والشك بين الاثنتين والأربع والخمس والست ، والشك بين الثلاث والأربع والخمس والست.

والرابعة اعنى الواحدة الخماسية الشك بين الاثنتين والثلاث والأربع والخمس والست.

قالوا : والمراد بالست في جميع ما ذكر الست فما فوقها لاشتراك الجميع في الوصف وهو الزيادة على الخامسة المشار إليها في صحيحة الحلبي بقوله «زدت» والاشتراك أيضا في الحكم بناء على ما قدمنا نقله عنهم.

فهذه خمس عشرة صورة تضاف الى ما تقدم في كلام الشهيد في الذكرى من الصور الأحد عشر ثم تضرب في الأحوال التسعة المتقدمة ثمة أيضا والمجتمع مائتان وأربعة وثلاثون هي مسائل الشك التي يقع البحث عنها من حيث الصحة والبطلان. وأنت خبير بأنه على ما اخترناه من بطلان الشك المتعلق بالسادسة تسقط هذه الصور الخمس عشرة رأسا وعلى تقدير ما ذكروه من الصحة يصح منها ما صححوه في صور التعلق بالخامسة. والله العالم.

(المسألة الحادية عشرة) ـ قد صرح الأصحاب (رضوان الله عليهم) بأنه لا سهو في سهو. وهذه العبارة لا تخلو من الإجمال وتعدد الاحتمال في هذا المجال والأصل في هذا الحكم ما رواه الشيخ في الصحيح أو الحسن عن حفص ابن البختري عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) (١) قال : «ليس على الإمام سهو ولا على من خلف الامام سهو ولا على السهو سهو ولا على الإعادة إعادة».

__________________

(١) الوسائل الباب ٢٤ و ٢٥ من الخلل في الصلاة.

٢٥٨

وما رواه الكليني في مرسلة يونس عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) (١) من قوله : «ولا سهو في سهو».

قال العلامة في كتاب المنتهى : ومعنى قول العلماء : «لا سهو في السهو» أى لا حكم للسهو في الاحتياط الذي يوجبه السهو كمن شك بين الاثنتين والأربع فإنه يصلى ركعتين احتياطا فلو سها فيهما ولم يدر صلى واحدة أو اثنتين لم يلتفت الى ذلك. وقيل معناه ان من سها فلم يدر هل سها أم لا؟ لا يعتد به ولا يجب عليه شي‌ء. والأول أقرب.

والظاهر ان مراده بعدم الالتفات الى ذلك البناء على الفعل المشكوك فيه كما هو ظاهر المحقق في المعتبر فإنه يحذو في المنتهى حذوه في الأكثر حيث قال في المعتبر : ولا حكم للسهو في السهو لانه لو تداركه أمكن ان يسهو ثانيا فلا يتخلص من ورطة السهو ، ولأن ذلك حرج فيسقط اعتباره ، ولأنه شرع لازالة حكم السهو فلا يكون سببا لزيادته.

ثم انه ذكر جمع من أصحابنا المتأخرين (رضوان الله عليهم) انه يمكن أن يراد بالسهو في كل من الموضعين معناه المتعارف الذي هو عبارة عن نسيان بعض الأفعال ، ويمكن أن يراد به الشك فيحصل من ذلك صور أربع.

أقول : وتفصيل الكلام في هذا المقام بوجه واضح لجميع الافهام لا يحوم حوله ان شاء الله تعالى نقض ولا إبرام هو انه لما كان السهو يطلق في الأخبار على الشك زيادة على معناه اللغوي وعلى ما هو أعم إطلاقا شائعا كما لا يخفى على من راجعها وتتبع مظانها ومواضعها فيحتمل هنا حمل كل من اللفظين على كل من المعنيين فتحصل من ذلك صور أربع وهي التي ذكرها الأصحاب ، وهي السهو في السهو والشك في الشك والسهو في الشك والشك في السهو ، إلا انه لما كان الثاني من اللفظين على اى كان من المعنيين محتملا للموجب بكسر الجيم والموجب بفتحها فإنه يلزم انحلال هذه

__________________

(١) الوسائل الباب ٢٥ من الخلل في الصلاة.

٢٥٩

الصور الأربع إلى ثمان صور ناشئة من ضرب أربعة في اثنين.

وها نحن نفصل الكلام بتوفيق الملك العلام وبركة أهل الذكر (عليهم الصلاة والسلام) وان طال به زمام الكلام لما فيه من عموم النفع والفائدة في المقام فنقول :

(الصورة الأولى) ـ الشك في موجب الشك بكسر الجيم اى شك في انه هل شك في الفعل أم لا؟ وقد صرح الأصحاب (رضوان الله عليهم) بأنه لا يلتفت اليه وفصل بعض مشايخنا المحققين من متأخري المتأخرين (رضوان الله عليهم) فقال بعد ذكر ما نقلناه عن الأصحاب : والتحقيق انه ان كان الشكان في زمان واحد وكان محل الفعل المشكوك فيه باقيا ولا يترجح عنده في هذا الوقت الفعل أو الترك فهو شاك في أصل الفعل ولم يتجاوز محله فمقتضى عمومات الأدلة وجوب الإتيان بالفعل ولا يظهر من النصوص استثناء تلك الصورة ، ويشكل تخصيص العمومات ببعض المحامل البعيدة لقوله (عليه‌السلام) : «ولا سهو في سهو» ولو ترجح عنده أحد طرفي الفعل والترك فهو جازم بالظن غير شاك في الشك ، ولو كان بعد تجاوز المحل فلا عبرة به. ولو كان الشكان في زمانين ـ ولعل هذا هو المعنى الصحيح لتلك العبارة ـ بأن شك في هذا الوقت في انه هل شك سابقا أم لا؟ فلا يخلو اما ان يكون شاكا في هذا الوقت ايضا ومحل التدارك باق فيأتي به أو تجاوز عنه فلا يلتفت اليه ، أو لم يبق شكه بل اما جازم أو ظان بالفعل أو الترك فيأتي بحكمهما. ولو تيقن بعد تجاوز المحل حصول الشك قبل تجاوز محله ولم يعمل بمقتضاه فلو كان عمدا بطلت صلاته ولو كان سهوا فيرجع الى السهو في الشك وسيأتي حكمه هذا إذا استمر الشك ، ولو تيقن الشك وأهمل حتى جاز محله عمدا بطلت صلاته ولو كان سهوا يعمل بحكم السهو ، ولو تيقن الفعل وكان تأخير الفعل المشكوك فيه الى حصول اليقين عمدا بطلت صلاته ايضا ان جاوز محله وان كان سهوا فلا تبطل صلاته. وكذا الكلام لو شك في انه هل شك سابقا بين الاثنتين والثلاث أو بين الثلاث والأربع ، فإن ذهب شكه الآن وانقلب باليقين أو الظن فلا عبرة به

٢٦٠