الحدائق الناضرة - ج ٩

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]

الحدائق الناضرة - ج ٩

المؤلف:

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]


المحقق: محمّد تقي الإيرواني
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٥٩

بالكلية كما في كثير الشك. والله العالم.

(المقام الرابع) ـ قد ذكر الأصحاب هنا مواضع وقع الخلاف فيها في البين :

منها ـ ان يشك في قراءة الفاتحة وهو في السورة ، والظاهر ان المشهور وجوب الإعادة لعدم تحقق التجاوز عن المحل فإن القراءة الشاملة لكل من الفاتحة والسورة أمر واحد ، ويعضده ما تقدم (١) في صحيحة زرارة من قوله «شك في القراءة وقد ركع».

ونقل عن ابن إدريس انه قال لا يلتفت ، ونقله ايضا عن الشيخ المفيد في رسالته الى ولده ، وهو الأقرب.

واليه مال في المعتبر ايضا حيث قال بعد ان نقل عن الشيخ القول بوجوب الإعادة : ولعله بناء على ان محل القراءتين واحد وبظاهر الاخبار يسقط هذا الاعتبار واعترضه في المدارك بأنه غير جيد ، قال : فإن الاخبار لا تدل على ما ذكره بل ربما لاح من قوله : «قلت شك في القراءة وقد ركع» انه لو لم يركع لم يمض. انتهى.

أقول : من المحتمل قريبا ان صاحب المعتبر انما أراد بالأخبار الأخبار الواردة في القراءة مما يؤذن بمغايرة الحمد للسورة كالأخبار الدالة على وجوب الحمد وانه لا تصح الصلاة إلا بها مع دلالة الاخبار على صحتها بترك السورة في مقام العذر والضرورة والنافلة ، وكذا مع اختلافها في وجوبها واستحبابها في الفريضة وجواز تبعيضها ، فان جميع ذلك مما يدل على المغايرة التي هي مناط المضي ، وبالجملة فإن التسمية منفردة والأوامر الواردة في كل منهما مؤيدة وأحكامهما المتغايرة شاهدة والى هذا القول يميل كلام الفاضل الخراساني في الذخيرة مستندا الى ثبوت الغيرية ودلالة الاخبار على انها هي المناط في المضي وعدم الرجوع. واختاره ايضا شيخنا المجلسي في البحار مستندا الى الدليل المذكور ، وقبلهما المحقق الأردبيلي

__________________

(١) ص ١٧٠.

١٨١

(طاب ثراه) في شرح الإرشاد.

واما ما استند اليه في المدارك ـ من قوله (عليه‌السلام) في صحيحة زرارة «شك في القراءة وقد ركع» من دلالة مفهومه على عدم المضي لو لم يركع ـ ففيه أولا ـ انه معارض بما اشتملت عليه الصحيحة المذكورة وغيرها من جعل مناط المضي الغيرية وقد بينا ثبوتها بين الحمد والسورة.

وثانيا ـ ما أجاب به في الذخيرة حيث قال : حجة القول الأول قوله (عليه‌السلام) في صحيحة زرارة (١) «قلت شك في القراءة وقد ركع». فان التقييد بالركوع يقتضي مغايرة حكم ما قبل الركوع له. وقد تعلق بهذا الوجه جماعة من الأصحاب (رضوان الله عليهم) وهو ضعيف ، لان التقييد ليس في كلامه (عليه‌السلام) بل في كلام الراوي فلا يصلح للاحتجاج ، على انه ليس في كلام الراوي أيضا حكم على محل الوصف حتى يقتضي نفيه عما عداه بل سؤال عن حكم محل الوصف ولا دلالة في ذلك على شي‌ء ، سلمنا لكن دلالة المفهوم لا تعارض المنطوق. انتهى.

وربما استدل بعضهم للقول الأول بأن القراءة فعل واحد ، وهو مردود بما ذكرناه من إثبات المغايرة ، على انه يطلق على جميع الأفعال اسم الصلاة أيضا مع انه غير مانع من المغايرة في أفعالها اتفاقا.

أقول : القول بالفصل في المقام بناء على ما قدمنا تحقيقه من حمل الغير الذي يجب المضي فيه على تلك الأفعال المعدودة هو وجوب الرجوع في الصورة المذكورة وما استدل به في المدارك على ذلك صحيح والإيراد عليه بحديث الغيرية قد عرفت جوابه. وجواب صاحب الذخيرة عن الخبر المذكور مدخول بان الاعتماد في الاستدلال ليس على كلام السائل بل انما هو على جواب الامام (عليه‌السلام) فإنه في قوة قوله «إذا شك في القراءة وقد ركع فليمض» ومفهومه الشرطي الذي هو حجة عند المحققين انه إذا لم يكن كذلك فلا يمضى. وبالجملة فإن تقرير الإمام السائل

__________________

(١) ص ١٧٠.

١٨٢

على ما ذكره وجوابه عنه بالمضي في قوة قوله هو نفسه (عليه‌السلام) بذلك. وقوله ـ ان دلالة المفهوم لا تعارض المنطوق ـ مردود بما قدمنا تحقيقه من حمل الغير في الرواية على تلك الأفعال المخصوصة جمعا بين الأخبار كما أوضحنا بيانه وشددنا أركانه وبه يتجه قوة القول المشهور.

وما أبعد ما بين هذا القول الأخير وبين ما نقل عن العلامة من وجوب العود الى السجود عند الشك فيه بعد القراءة ما لم يركع ، نقله عنه في الروض.

بقي الكلام في الآيات في كل من الفاتحة والسورة ، والظاهر من المحقق الأردبيلي القول بالمضي أيضا لحصول المغايرة ، وبه صرح ايضا الفاضل الخراساني في الذخيرة حيث قال بعد نقل كلام في المقام : ومما ذكرنا يظهر ان الشك في أبعاض الحمد أو السورة بعد التجاوز عنه والدخول في بعض آخر حكمه عدم الالتفات. انتهى.

ونفى عنه البعد شيخنا المجلسي (قدس‌سره) في البحار إلا انه قال : ويمكن ان يقال الرجوع هنا أحوط إذ القرآن والدعاء غير ممنوع في الصلاة ودخول ذلك في القرآن الممنوع غير معلوم. انتهى.

والمسألة لا تخلو من توقف إذ الظاهر ان الأمر لا يبلغ الى هذا المقدار وإلا لجرى في الحروف في الكلمة الواحدة ايضا كأن يشك في إخراج الحرف الأول من الكلمة من مخرجه أو تشديده أو إعرابه بعد انتقاله الى آخرها ، وهو بعيد لا أظن أحدا يلتزمه خصوصا على القول بتغيير الفعل الموجب للمضى فيه بتلك الأفعال المعدودة خاصة كما هو ظاهر الشهيدين وتخصيص الغيرية به أو مع العموم لمقدمات تلك الأفعال ، واما البلوغ في الغيرية الموجبة للمضى الى هذا الحد من الآيات في السورة الواحدة فمشكل والأخبار تقتضي الرجوع كما ذكره شيخنا المشار اليه آنفا. والله العالم.

ومنها ـ الشك في السجود وهو في التشهد أو بعد ما تشهد وقبل الاستكمال قائما ، ومقتضى ما قدمناه من التحقيق هو عدم الرجوع لان التشهد أحد أفعال

١٨٣

الصلاة المعدودة مع ثبوت الغيرية بالدخول فيه ، وبه صرح الشيخ في المبسوط وجملة من الأصحاب (رضوان الله عليهم).

وظاهر شيخنا الشهيد في الذكرى هو الرجوع في الصورة المذكورة استنادا الى قوله (عليه‌السلام) في صحيحة عبد الرحمن بن ابى عبد الله المتقدمة (١) «رجل نهض من سجوده فشك قبل ان يستوي قائما فلم يدر أسجد أم لم يسجد؟ قال يسجد». فإنه مطلق في العود الى السجود قبل استكمال القيام فيشمل ما لو كان بعد السجود تشهد أم لم يكن.

قال (قدس‌سره) في الكتاب المذكور : لو شك في السجود وهو متشهد أو قد فرغ منه ولم يقم أو قام ولم يستكمل القيام يأتي به ، وكذا لو شك في التشهد يأتي به ما لم يستكمل القيام لأصالة عدم فعل ذلك كله وبقاء محل استدراكه ، ولرواية عبد الرحمن بن الحجاج عن الصادق (عليه‌السلام) (٢) «في رجل نهض من سجوده فشك قبل ان يستوي قائما فلم يدر أسجد أم لم يسجد؟ فقال يسجد». انتهى.

ورده جملة من الأصحاب (رضوان الله عليهم) بحمل الخبر المذكور على ما إذا كان النهوض بعد السجود من غير تشهد في البين ، ولا ريب انه هو ظاهر الخبر المذكور لقوله في الخبر : «رجل نهض من سجوده فشك» فان عطف الشك على النهوض بالفاء المقتضية للتعقيب بغير مهلة ظاهر في عدم تخلل التشهد بينهما ، هذا مع دلالة صحيحة زرارة وإسماعيل بن جابر على المضي بالدخول في الغير وغيرية التشهد للسجود أمر ظاهر. وبالجملة فالظاهر بعد ما ذكره (قدس‌سره) والله العالم.

ومنها ـ الشك في الركوع وهو هاو الى السجود ولم يسجد ، وقد صرح في

__________________

(١) ص ١٧٦ وفي الوسائل الباب ١٥ من السجود.

(٢) الوسائل الباب ١٥ من السجود. والراوي لهذه الرواية ـ كما في التهذيب ج ١ ص ١٨٩ والوافي باب الشك في اجزاء الصلاة والوسائل ـ هو عبد الرحمن بن ابى عبد الله لا عبد الرحمن بن الحجاج.

١٨٤

المدارك بأن الأظهر عدم وجوب تداركه لصحيحة عبد الرحمن بن ابى عبد الله المتقدمة (١) الواردة «في رجل أهوى إلى السجود فلم يدر أركع أم لم يركع؟ قال قد ركع». وقد صرح جده في الروض بان الواجب هو العود ما لم يصر الى حد السجود ، وهو الذي استظهرناه في ما تقدم وبينا حمل الرواية المذكورة على غير ما ادعاه السيد المشار اليه ههنا. ويزيده تأييدا قوله (عليه‌السلام) في صحيحة إسماعيل بن جابر (٢) «ان شك في الركوع بعد ما سجد فليمض». فان مفهومه انه لو لم يسجد فلا يمضى بل يعود. ونحوه مفهوم صحيحتي حماد ومحمد بن مسلم المذكورتين آنفا (٣)

ومنها ـ الشك في السجود أو التشهد بعد ان قام واستكمل القيام ، والأشهر الأظهر المضي لأن القيام فعل آخر فيمضي بالدخول فيه حسبما دلت عليه الروايات المتقدمة.

قال في الذكرى : وبه قال الشيخ في المبسوط. ثم نقل عنه انه قال في النهاية يرجع الى السجود والتشهد ما لم يركع إذا شك في فعله.

وفي المدارك نقل هذا القول عن المبسوط حيث قال : وقال الشيخ في المبسوط يرجع الى السجود والتشهد ما لم يركع. وهو بعيد جدا. انتهى.

أقول : وكل من النقلين لا يخلو من خلل وسهو ، اما ما نقله في المدارك عن المبسوط فليس كذلك بل كلامه فيه صريح في موافقة القول المشهور كما ذكره في الذكرى ، وهذه عبارته في المبسوط ، وان شك في القراءة في حال الركوع أو في الركوع في حال السجود أو في السجود في حال القيام أو في التشهد الأول وقد قام إلى الثالثة فإنه لا يلتفت.

واما ما نقله في الذكرى عن النهاية فهو كذلك بالنسبة إلى السجود خاصة دون التشهد ، حيث قال في الكتاب المذكور : فان شك في السجدتين وهو قاعد أو قد قام قبل أن يركع عاد فسجد السجدتين. الى ان قال : ومن شك في التشهد وهو

__________________

(١) ص ٧٦ و ١٧٧.

(٢) ص ١٧٠.

(٣) ص ١٧١.

١٨٥

جالس فليتشهد فان كان شكه في التشهد الأول بعد قيامه إلى الثالثة مضى في صلاته وليس عليه شي‌ء.

ثم انه في الذكرى بعد ان نقل عن النهاية القول المتقدم ذكره احتج له بحسنة الحلبي عن الصادق (عليه‌السلام) (١) «في رجل سها فلم يدر سجد سجدة أم اثنتين؟ قال يسجد اخرى. الحديث». وقد تقدم ، قال وهو يشمل الشاك بعد القيام كما يشمل الشاك في الجلوس. ثم قال : وجوابه الحمل على الشك ولما يقم توفيقا بين الأخبار. انتهى. وهو جيد ، ونحن قد أشرنا الى هذا الحمل ذيل الرواية المذكورة في ما تقدم.

ونقل العلامة في النهاية والشهيد في الذكرى عن القاضي انه فرق في بعض كلامه بين السجود والتشهد فأوجب الرجوع بالشك في التشهد حال قيامه دون السجود وفي موضع آخر سوى بينهما في عدم الرجوع. وحمل على انه أراد بالشك في التشهد تركه ناسيا لئلا يتناقض كلامه.

وقد تقدم النقل عن العلامة انه أوجب العود الى السجود عند الشك فيه بعد القراءة ما لم يركع. ولو حمل كلامه على السهو وأراد السهو كما حمل عليه كلام القاضي لكان وجها ، ويدل صريحا على وجوب المضي بالشك في السجود بعد القيام قوله (عليه‌السلام) في صحيحة إسماعيل بن جابر المتقدمة (٢) «وان شك في السجود بعد ما قام فليمض». والله العالم.

ومنها ـ ما لو شك في القراءة وهو قانت ، وظاهر شيخنا الشهيد الثاني في الروض الميل الى وجوب الرجوع بناء على تخصيص المضي بالأفعال المعدودة المتقدمة التي هي واجبات الصلاة.

قال (قدس‌سره) : مقتضى الصحيحتين عدم وجوب العود ومفهوم قوله (عليه‌السلام) في خبر زرارة (٣) «قلت شك في القراءة وقد ركع؟ قال يمضى».

انه لو لم يكن

__________________

(١) الوسائل الباب ١٥ من السجود.

(٢) ص ١٧٠.

(٣) ص ١٧٠.

١٨٦

ركع يعود فيدخل فيه ما لو كان قانتا ، وخبر عبد الرحمن يقتضيه أيضا فإن العود الى الفعل مع الشروع في واجب وان لم يكن مقصودا بالذات قد يقتضي العود مع الشروع في المندوب بطريق اولى. ويمكن أن يقال هنا ان القنوت ليس من أفعال الصلاة المعهودة فلا يدخل في الخبرين. ثم قال : ولا يكاد يوجد في هذا المحل احتمال أو إشكال إلا وبمضمونه قائل من الأصحاب. انتهى.

أقول : اما ما ذكره من ان مقتضى الصحيحتين ـ يعنى صحيحتي زرارة وإسماعيل ابن جابر ـ ذلك فهو جيد من حيث الغيرية ويعضده انه فعل آخر من أفعال الصلاة وان لم يكن من الواجبات المعدودة.

واما الاستناد إلى صحيحة زرارة المذكورة في وجوب العود في غير ظاهر ، وذلك فان الظاهر من سؤالات زرارة في هذا الخبر الترتيب فيها وان مراده بالقراءة والركوع انما هو باعتبار الركعة الأولى التي لا قنوت فيها ، وإدخال الركعة الثانية وان أمكن باعتبار عموم الكلام أو إطلاقه لكن سياق الخبر يشعر بان المراد انما هو الركعة الأولى ولا أقل أن يكون ما ذكرناه احتمالا يسقط به الاستدلال في هذا المجال.

واما الاستناد الى خبر عبد الرحمن بالتقريب الذي ذكره ففيه ان الأظهر ان يقال ـ باعتبار ما قدمه من الفرق بين الأفعال وبين مقدماتها وهي التي أشار إليها هنا بأنها غير مقصودة بالذات من انه بالدخول في الأفعال يمضي وبالدخول في المقدمات يرجع ـ ان الواجب هنا هو المضي لأن القنوت من جملة الأفعال وان كان مستحبا على المشهور والرجوع مخصوص بالمقدمات والقنوت ليس كذلك ، والرجوع والمضي ليس معلقا بالواجب وعدمه ليتجه هنا انه متى جاز الرجوع من الواجب وان لم يكن مقصودا ذاتيا جاز من المستحب بطريق اولى بل المناط فيه انما هو آخرية الفعل وكونه فعلا مستقلا ليس مقدمة لغيره واجبا كان أو مستحبا.

١٨٧

فروع

الأول ـ لو تدارك ما شك فيه في محله ثم ذكر فعله فالمشهور انه ان كان ركنا أعاد للزوم زيادة ركن في الصلاة وان كان واجبا آخر فلا بأس سجدة كان أو غيرها وقال المرتضى (رضى الله عنه) : ان شك في سجدة فاتى بها ثم ذكر فعلها أعاد الصلاة وهو قول ابى الصلاح وابن ابى عقيل ، ولعله لقولهم بركنية السجدة الواحدة ، إلا ان الدليل عليه غير ناهض بالدلالة.

ويدل على عدم الإبطال بزيادة السجدة صحيحة منصور بن حازم عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) (١) قال : «سألته عن رجل صلى فذكر انه زاد سجدة؟ فقال لا يعيد صلاة من سجدة ويعيدها من ركعة».

وموثقة عبيد بن زرارة (٢) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن رجل شك فلم يدر أسجد ثنتين أم واحدة فسجد اخرى ثم استيقن انه قد زاد سجدة؟ فقال لا والله لا تفسد الصلاة زيادة سجدة ـ وقال لا يعيد صلاته من سجدة ويعيدها من ركعة».

الثاني ـ لو تلافى ما شك فيه بعد الانتقال فالظاهر البطلان كما صرح به جملة من الأصحاب ان تعمد ذلك ، وعللوه بالإخلال بنظم الصلاة ، ولأن المأتي به ليس من أفعال الصلاة. وقال في الذخيرة بعد نقل ذلك : وفيه تأمل نعم يتوقف تحصيل البراءة اليقينية من التكليف على ترك التدارك. انتهى. واحتمل الشهيد في الذكرى عدم البطلان بناء على ان ترك الرجوع رخصة.

أقول : لا ريب أن الأخبار المتقدمة قد اتفقت على الأمر بالمضي فالواجب حينئذ هو المضي ، وحمل ذلك على الرخصة تخرص لا دليل عليه بل هو خلاف ظاهر النصوص والعبادات توقيفية ، وهذا هو الذي رسمه صاحب الشريعة (صلى الله

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ١٤ من الركوع.

١٨٨

عليه وآله) فيها فالخروج عنه من غير دليل يدل عليه تشريع محض موجب لبطلان العبادة. والله العالم.

الثالث ـ لو شك في الركوع وهو قائم فركع ثم ذكر في أثناء الركوع انه قد ركع سابقا فالمشهور بين المتأخرين بطلان الصلاة ، وذهب الكليني في الكافي والشيخ والمرتضى وابن إدريس إلى أنه يرسل نفسه الى السجود ولا شي‌ء عليه.

حجة الأولين انه قد زاد ركوعا إذ ليس رفع الرأس جزء من الركوع.

وقال في الذكرى بعد نقل القول الثاني : وهو قوي لأن ذلك وان كان بصورة الركوع إلا انه في الحقيقة ليس بركوع لتبين خلافه ، والهوى إلى السجود مشتمل عليه وهو واجب فيتأدى الهوي إلى السجود به فلا تتحقق الزيادة حينئذ بخلاف ما لو ذكر بعد رفع رأسه من الركوع فإن الزيادة حينئذ متحققة لافتقاره إلى هوي السجود قال في المدارك بعد نقله ذلك : ولا يخفى ضعف هذا التوجيه نعم يمكن توجيهه بان هذه الزيادة لم تقتض تغيير الهيئة الصلاة ولا خروجا عن الترتيب الموظف فلا تكون مبطلة وان تحقق مسمى الركوع لانتفاء ما يدل على بطلان الصلاة بزيادته على هذا الوجه من نص أو إجماع. ولا يشكل ذلك بوجوب إعادة الهوي للسجود حيث لم يقع بقصده وانما وقع بقصد الركوع ، لأن الأظهر ان ذلك لا يقتضي وجوب إعادته كما يدل عليه فحوى صحيحة حريز المتضمنة لان من سها في الفريضة فأتمها على انها نافلة لا يضره (١) وقد ظهر بذلك قوة هذا القول وان كان الإتمام ثم الإعادة طريق الاحتياط. انتهى.

أقول : ومرجع ما ذكره جملة من المتأخرين في توجيه كلام المتقدمين مما نقلناه وما لم ننقله يرجع الى وجوه : (أحدها) ان الانحناء الخاص مشترك بين الركوع والهوى إلى السجود وانما يتميز الأول عن الثاني بالرفع منه ولم يثبت ان مجرد القصد يكفي في كونه ركوعا فإذا لا يلزم زيادة الركن. و (ثانيها) ما ذكره الشهيد في

__________________

(١) الوسائل الباب ٢ من النية.

١٨٩

الذكرى. و (ثالثها) ما ذكره في المدارك. و (رابعها) انه بعد تسليم تحقق الزيادة فإن المنساق الى الذهن مما دل على ان الزيادة في الصلاة مبطلة وكذا ما دل على ان زيادة الركوع مبطلة غير هذا النحو من الزيادة.

ولا يخفى ما في الجميع من الوهن والضعف فان بناء الأحكام الشرعية التي استفاضت الآيات والروايات بوجوب كونها عن علم ويقين بمثل هذه التخريجات الضعيفة والتقريبات السخيفة لا يخلو من المجازفة في أحكام سبحانه.

والظاهر ان الحامل لهم على ارتكاب هذه التكلفات في توجيه القول المذكور هو ذهاب صاحب الكافي اليه وإفتاؤه به وإلا فإنهم لا يعبأون بأقوال الشيخ والمرتضى ونحوهما ولا يحافظون عليها ويتكلفون تصحيحها ان لم يقابلوها بالرد والاعتراض.

أقول : ان الله لا يستحيى من الحق ، فإن كان صاحب الكافي إنما افتى بذلك لنص وصل اليه ـ وهو الظاهر لأنه من أرباب النصوص ـ فان حكمنا في ذلك غير حكمه لعدم وصول النص إلينا وعدم وجوب تقليده علينا ، وان كان انما هو لمجرد استنباط كما ذهب اليه غيره فالأمر أظهر من ذلك. نعم لو كان لهذه الفتوى شهرة في كلام غيره من المعاصرين له والمتقدمين عليه والمتأخرين عنه من المتقدمين لأمكن الاعتماد عليها كما تقدم التصريح به في صدر كتاب الطهارة في المقدمة التي في الإجماع

وكيف كان فكلام المتأخرين وما عللوا به الإبطال لا يخلو من قوة كما اعترف به هؤلاء المخالفون في المسألة في غير موضع ـ إلا انه لعدم النص في المسألة فالواجب فيها الاحتياط بالإتمام كما ذكره القائلون بالصحة ثم الإعادة كما ذكره الآخرون فإن المسألة عندي من المتشابهات الواجب فيها الاحتياط. والله العالم.

الرابع ـ قد عرفت ان ضابط التجاوز عن المحل في الشك هو الشروع في فعل موضعه بعد ذلك الفعل ركنا كان أو غيره ، بقي الكلام في التخصيص بأفعال مخصوصة أو ما هو أعم وقد تقدم الكلام فيه.

١٩٠

وضابط التجاوز في السهو فوت المحل بان يدخل في ركن يكون بعد ذلك المنسي أو يكون تداركه مستلزما لتكرار ركن أو تكرار جزء من ركن ، أما تكرار الركن فكنسيان ذكر الركوع حتى رفع رأسه منه وانتصب قائما ، وكذا نسيان الطمأنينة فيه ، فان تدارك ذلك موجب لتكرار الركوع. واما تكرار جزء من الركن فهو كنسيان ذكر احدى السجدتين وتذكره بعد الرفع ، فان العود اليه وان لم يوجب تكرار الركن لكن يوجب تكرار جزء منه فإن السجدة الواحدة جزء من الركن وهو السجدتان ، وحينئذ فليس لناسي ذكر الركوع أو الطمأنينة فيه حتى ينتصب الرجوع فيه ولا لناسي الرفع من الركوع أو الطمأنينة في الرفع حتى يسجد الرجوع وكذا ناسي الذكر في السجدتين حتى رفع رأسه من السجدة الثانية أو الذكر في إحدى السجدتين أو السجود على الأعضاء السبعة سوى الجبهة أو الطمأنينة فيهما أو في الجلوس بينهما أو إكمال الرفع من السجدة الأولى حتى سجد ثانيا. وكذا لو شك في شي‌ء من ذلك فليس له الرجوع الى استدراك شي‌ء من ذلك. ولا تبطل صلاته بتركها ولا يلزمه شي‌ء سوى سجود السهو على القول بكونه لكل زيادة ونقيصة.

والمستند في الجميع فوات محل التدارك وعدم الدليل على الرجوع إليها أو على بطلان الصلاة بتركها ناسيا ، وقد وردت جملة من الروايات بخصوص بعض هذه المواضع. والله العالم.

الخامس ـ لو شك بعد رفع رأسه من الركوع هل وصل الى حد الراكع أم لا؟ مع جزمه بتحقق الانحناء في الجملة وكون هويه بقصد الركوع فالأقرب العود ، لانه يرجع الى حكم الشاك في الركوع قائما وقد صرحت الأخبار بوجوب الرجوع عليه وكذا صرح الأصحاب.

ومن الأخبار صحيحة عمران الحلبي (١) قال : «قلت الرجل يشك وهو قائم فلا يدرى أركع أم لا؟ قال فليركع».

__________________

(١) الوسائل الباب ١٣ من الركوع.

١٩١

واحتمل بعض مشايخنا عدم العود لرواية الفضيل بن يسار (١) قال : «قلت لأبي عبد الله (عليه‌السلام) استتم قائما فلا أدرى ركعت أم لا؟ فقال بلى قد ركعت فامض في صلاتك فإنما ذلك من الشيطان».

وقد قدمنا الكلام في هذا الخبر وانه لا يصلح لمعارضة تلك الأخبار الناصة على وجوب الرجوع المعتضدة بكلام الأصحاب وبينا ان الظاهر حمله على كثير الشك فان الغالب ان مثل هذا الشك لا يصدر الا منه ، وقوله (عليه‌السلام) «فإنما ذلك من الشيطان» ظاهر في التأييد لما قلناه. وربما حمل الخبر المذكور على القيام من السجود أو التشهد. وهو وان كان لا يخلو عن بعد إلا انه لضرورة الجمع بين الأخبار غير بعيد ، وكم مثله بل أبعد منه في أمثال هذه المقامات ولا سيما في كلام الشيخ (قدس‌سره) والله العالم.

(المسألة الثالثة) ـ لا خلاف بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) في بطلان الصلاة بالشك في عدد الأوليين.

وقد نقل الأصحاب من العلامة فمن بعده عن الصدوق هنا ايضا القول بجواز البناء على الأقل ، قال العلامة في المنتهى والشهيد في الذكرى انه قول علمائنا أجمع إلا أبا جعفر ابن بابويه فإنه قال : «لو شك بين الركعة والركعتين فله البناء على الأقل» وتناقل هذه العبارة عن الصدوق جملة من تأخر عنهم كصاحب المدارك وغيره مع انا لم نقف عليها في كلامه بل الموجود فيه ما يخالفها ويطابق القول المشهور.

وهذا الموضع الثاني من مواضع نقولاتهم المختلفة عنه (رضى الله عنه) في هذا المقام فإنه قال في كتاب الفقيه : والأصل في السهو ان من سها في الركعتين الأولتين من كل صلاة فعليه الإعادة ومن شك في المغرب. الى آخر ما قدمناه عنه في صدر المسألة الاولى.

ولا يخفى ان مراده بالسهو هنا ـ كما ذكره ايضا المحقق المشهور بخليفة سلطان

__________________

(١) الوسائل الباب ١٣ من الركوع.

١٩٢

في حواشيه على الكتاب ـ انما هو الشك بقرينة ما بعد العبارة المذكورة ، قال المحقق المذكور : الظاهر ان المراد الشك في عدد الأولتين لا كل سهو وقع فيهما فإنه لو كان السهو فيهما عن غير الركن أو عن الركن وتمكن من استدراكه في محله فليس عليه إعادة الصلاة. انتهى.

أقول : ويوضح ذلك قوله في آخر العبارة : ومعنى الخبر الذي روى (١) «ان الفقيه لا يعيد الصلاة». انما هو في الثلاث والأربع لا في الأولتين. وهو كما ترى صريح في حكمه بوجوب الإعادة بالشك في الأولتين. هذا كلامه في الكتاب المذكور وقال أيضا في كتاب المقنع : إذا لم تدر واحدة صليت أم اثنتين فأعد الصلاة وروى ابن على ركعة. انتهى. وهو كما ترى صريح في الفتوى بوجوب الإعادة كما عليه الأصحاب (رضوان الله عليهم) وانما نسب البناء على الأقل إلى الرواية.

ففي أي موضع هذه العبارة التي نقلوها عنه وتبع المتأخر فيها المتقدم؟ وهذا كلامه في الكتابين صريح في موافقة الأصحاب (رضوان الله عليهم) وجل الروايات الواردة في الباب ، ما هذا إلا عجب عجاب من هؤلاء الفضلاء الأطياب. ونحوه ما سيأتي ان شاء الله تعالى أيضا في المقام.

ونقل في الذكرى عن الشيخ على بن بابويه انه قال : إذا شك في الركعة الاولى والثانية أعاد ، وان شك ثانيا وتوهم الثانية بنى عليها ثم احتاط بعد التسليم بركعتين قاعدا ، وان توهم الأولى بنى عليها وتشهد في كل ركعة ، فإن تيقن بعد التسليم الزيادة لم يضر لان التسليم حائل بين الرابعة والخامسة ، وان تساوى الاحتمالان تخير بين ركعة قائما وركعتين جالسا. انتهى. ثم قال في الذكرى : وأطبق الأصحاب (رضوان الله عليهم) على الإعادة ولم نقف له على رواية تدل على ما ذكره من التفصيل.

__________________

(١) الفقيه ج ١ ص ٢٢٥ وفي الوسائل الباب ١ رقم (٥) والباب ٩ رقم (٣) والباب ٢٩ رقم (١) من الخلل في الصلاة.

١٩٣

أقول : والذي يدل على القول المشهور وهو المؤيد المنصور جملة من الأخبار المتكاثرة :

ومنها ـ ما رواه الشيخ عن الفضل بن عبد الملك في الصحيح (١) قال : «قال لي إذا لم تحفظ الركعتين الأولتين فأعد صلاتك».

وعن ابى بصير في الصحيح أو الموثق عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) (٢) قال : «إذا سهوت في الركعتين الأولتين فأعدهما حتى تثبتهما».

وعن رفاعة في الصحيح (٣) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن رجل لا يدرى أركعة صلى أم ثنتين؟ قال يعيد».

وما رواه ثقة الإسلام في الصحيح أو الحسن عن زرارة عن أحدهما (عليهما‌السلام) (٤) قال : «قلت له رجل لا يدرى واحدة صلى أم اثنتين؟ قال يعيد».

وعن الحسن بن على الوشاء (٥) قال : «قال لي أبو الحسن الرضا (عليه‌السلام) الإعادة في الركعتين الأولتين والسهو في الركعتين الأخيرتين».

وروى الشيخ في الصحيح عن محمد بن مسلم (٦) قال : «سألت أبا جعفر (عليه‌السلام) عن رجل شك في الركعة الأولى؟ قال يستأنف».

وعن عنبسة بن مصعب (٧) قال : «قال لي أبو عبد الله (عليه‌السلام) إذا شككت في الركعتين الأولتين فأعد».

وعن سماعة في الموثق (٨) قال قال : «إذا سها الرجل في الركعتين الأولتين من الظهر والعصر ولم يدر واحدة صلى أم ثنتين فعليه ان يعيد الصلاة».

وعن إسماعيل الجعفي وابن ابى يعفور عن ابى جعفر وابى عبد الله (عليهما‌السلام) (٩) انهما قالا : «إذا لم تدر أواحدة صليت أم ثنتين فاستقبل».

هذه جملة ما حضرني من الأخبار الدالة على القول المشهور وهي في دلالتها

__________________

(١ و ٢ و ٣ و ٤ و ٥ و ٦ و ٧ و ٨ و ٩) الوسائل الباب ١ من الخلل في الصلاة.

١٩٤

واضحة الظهور لا يعتريها خلل ولا قصور.

إلا انه قد ورد بإزائها بعض الأخبار الدالة على البناء على الأقل واستدل من نسب بزعمه الى ابن بابويه القول بالبناء على الأقل بهذه الأخبار وقد عرفت فساد النسبة وانها غلط بلا ريبة.

ومن الأخبار المشار إليها ما رواه الشيخ في الحسن عن الحسين بن ابى العلاء (١) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن الرجل لا يدرى أركعتين صلى أم واحدة؟ قال يتم».

وعن عبد الرحمن بن الحجاج عن أبي إبراهيم (عليه‌السلام) (٢) قال : «في الرجل لا يدرى ركعة صلى أم ثنتين؟ قال يبنى على الركعة».

وعن عبد الله بن ابى يعفور في الموثق (٣) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن الرجل لا يدرى أركعتين صلى أم واحدة؟ قال يتم بركعة».

وأجاب الشيخ عن هذه الأخبار (أولا) بأنها أخبار قليلة وما تضمن الإعادة كثير جدا ولا يجوز العدول عن الأكثر إلى الأقل. و (ثانيا) بالحمل على النافلة إذ لا تصريح فيها بكون الشك في الفريضة.

قال في المدارك بعد نقل ذلك عنه : وهذا الحمل وان كان بعيدا إلا انه لا بأس بالمصير اليه لضعف هذه الروايات من حيث السند ولو صح سندها لأمكن القول بالتخيير بين البناء على الأقل والاستئناف كما اختاره ابن بابويه. انتهى.

أقول : بل الحق في ذلك انما هو حمل هذه الأخبار على التقية التي هي في اختلاف الأحكام الشرعية أصل كل بلية.

ويدل على ذلك ما رواه مسلم في صحيحة (٤) بإسناده عن عبد الرحمن بن عوف

__________________

(١ و ٢ و ٣) الوسائل الباب ١ من الخلل في الصلاة.

(٤) رواه الترمذي في صحيحة على هامش شرحه لابن العربي ج ٢ ص ١٨٨ وحكاه العيني في عمدة القارئ ج ٣ ص ٧٤٩ عنه كما في تيسير الوصول ج ٢ ص ٢٦٠ ايضا ورواه البيهقي في السنن ج ٢ ص ٣٣٢ ، ورواه ابن تيمية في المنتقى على هامش شرحه نيل الأوطار ج ٣ ص ٩٦ وذكر رواية أحمد وابن ماجة والترمذي له ولم يذكر الشوكانى في الشرح رواية مسلم له كما لم يذكر ذلك في السنن ، ولم نجده في صحيح مسلم في باب سجود السهو. ولكن في البحار ج ١٨ الصلاة ص ٦٤٩ حكاه عن مسلم.

١٩٥

قال : «سمعت النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) يقول إذا سها أحدكم في صلاته فلم يدر واحدة صلى أم اثنتين فليبن على واحدة ، وان لم يدر اثنتين صلى أم ثلاثا فليبن على اثنتين ، وان لم يدر ثلاثا صلى أم أربعا فليبن على ثلاث ويسجد سجدتين قبل ان يسلم».

قال البغوي في شرح السنة بعد نقل الخبر المذكور : هذا الحديث يشتمل على حكمين (أحدهما) انه إذا شك في صلاته فلم يدر كم ركعة صلى يأخذ بالأقل. و (الثاني) ان محل سجدتي السهو قبل السلام. اما الأول فأكثر العلماء على انه يبنى على الأقل ويسجد للسهو. الى آخر كلامه.

وبذلك يظهر بطلان ما ذكره من الاحتمال وان فرضنا صحة تلك الأخبار وان الحمل على التقية كما هو القاعدة المنصوصة عن أهل العصمة (عليهم‌السلام) مما لا ريب فيه ولا اشكال ، وسيأتي ان شاء الله تعالى ما فيه مزيد إيضاح وتأييد لذلك بتوفيق الملك المتعال.

هذا. واما ما ذكره الشيخ أبو الحسن على بن بابويه واعترضه من وصل اليه كلامه بعدم الوقوف له على دليل فدليله انما هو كتاب الفقه الرضوي على الطريق التي عرفت وستعرف في غير مقام حيث قال (عليه‌السلام) في الكتاب المذكور (١) «وان شككت في الركعة الاولى والثانية فأعد صلاتك ، وان شككت مرة أخرى فيهما وكان أكثر وهمك إلى الثانية فابن عليها واجعلها ثانية فإذا سلمت صليت ركعتين من قعود بأم الكتاب ، وان ذهب وهمك إلى الأولى جعلتها الاولى وتشهدت في كل ركعة ، وان استيقنت بعد ما سلمت ان التي بنيت عليها واحدة كانت ثانية

__________________

(١) ص ١٠.

١٩٦

وزدت في صلاتك ركعة لم يكن عليك شي‌ء لأن التشهد حائل بين الرابعة والخامسة وان اعتدل وهمك فأنت بالخيار ان شئت صليت ركعتين من قيام وإلا ركعتين وأنت جالس».

ثم انه نقل في الذكرى ايضا عن الشيخ على بن بابويه على اثر العبارة المتقدمة انه قال أيضا : فإن شككت فلم تدر واحدة صليت أم اثنتين أم ثلاثا أم أربعا صليت ركعة من قيام وركعتين من جلوس. ثم قال : وربما استند إلى صحيحة على بن يقطين عن ابى الحسن (عليه‌السلام) (١) «عن الرجل لا يدرى كم صلى واحدة أو اثنتين أم ثلاثا؟ قال يبنى على الجزم ويسجد سجدتي السهو ويتشهد تشهدا خفيفا». قال : وظاهر الجزم الاحتياط بما ذكر لانه بناء على الأكثر ثم التدارك. انتهى.

أقول : وهذا ايضا من قبيل ما قدمناه فإن عبارة الشيخ المذكور عين عبارة الكتاب المشار إليه في هذا الموضع ايضا حيث قال (عليه‌السلام) (٢) : وان شككت فلم تدر ثنتين صليت أم ثلاثا أم أربعا فصل ركعة من قيام وركعتين وأنت جالس ، وكذلك ان شككت فلم تدر واحدة صليت أم ثنتين أم ثلاثا أم أربعا صليت ركعة من قيام وركعتين وأنت جالس. انتهى.

وأنت خبير بان اعتماد الشيخ المشار اليه على الإفتاء بعبارة الكتاب المذكور ـ في المسألة التي هي محل البحث في مقابلة تلك الاخبار الصحاح الصراح المتكاثرة وترجيحه العمل بهذا التفصيل على ما دلت عليه تلك الأخبار ـ أظهر ظاهر في صحة نسبة هذا الكتاب اليه (عليه‌السلام) زيادة على نسبة تلك الأخبار إليهم (عليهم‌السلام) كما لا يخفى ، ومنه يظهر قوة الاعتماد على الكتاب المذكور والرجوع إليه في الأحكام الشرعية لاعتماد هذا العمدة في رسالته من أولها إلى آخرها عليه كما أوضحناه في غير مقام مما تقدم. وسيأتي مثاله في الأبواب الآتية والكتب التالية. والله العالم

(المسألة الرابعة) ـ لا خلاف بين الأصحاب (عطر الله مراقدهم) في انه لو لم

__________________

(١) الوسائل الباب ١٥ من الخلل في الصلاة.

(٢) ص ١٠.

١٩٧

يدر كم صلى فإنه يجب عليه الإعادة.

وقد نسبوا الى الصدوق أيضا في هذه المسألة الخلاف السابق الذي زعموا قوله به ، قال في المدارك بعد ذكر هذا الحكم : ومقتضى كلام ابن بابويه في كتاب من لا يحضره الفقيه جواز البناء على الأقل في مثل هذه المسألة أيضا. ونحوه قال الفاضل الخراساني في الذخيرة.

أقول : الظاهر انه أشار في المدارك بقوله «ومقتضى كلام ابن بابويه» الى ما قدمنا نقله عنه في المسألة السابقة من نقل تلك العبارة المتقدمة عن الصدوق مع انك قد عرفت انه لا عين لها ولا اثر بل المصرح به فيه خلاف ذلك ، وكذلك في هذا الموضع فإنه قد صرح فيه بما صرح به الأصحاب (رضوان الله عليهم) حيث انه قال في الكتاب المذكور : ومن لم يدر كم صلى ولم يقع وهمه على شي‌ء فليعد الصلاة. انتهى. وهو عين ما افتى به الأصحاب ودلت عليه أخبار الباب.

ولا أدرى كيف اتفقوا على هذه النقولات الظاهرة الخلل واجتمعوا على الوقوع في هذا الخلل والزلل وكتاب الفقيه بمنظر منهم وسيأتي مثله ايضا.

نعم ربما ظهرت المخالفة في هذه المسألة من كلام والده في الرسالة على ما تقدم نقله في الذكرى عنه من قوله : فان شككت فلم تدر واحدة صليت أم اثنتين أم ثلاثا أم أربعا صليت ركعة من قيام وركعتين من جلوس. وقد قدمنا ان ذلك مأخوذ من كتاب الفقه الرضوي.

وكيف كان فالمعتمد هو القول المشهور لدلالة الأخبار المتكاثرة عليه ، ومنها ما رواه ثقة الإسلام في الصحيح عن صفوان عن ابى الحسن (عليه‌السلام) (١) قال : «ان كنت لا تدري كم صليت ولم يقع وهمك على شي‌ء فأعد الصلاة».

وعن عبد الله بن ابى يعفور بإسنادين أحدهما في الصحيح أو الحسن عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) (٢) قال : «إذا شككت فلم تدر أفي ثلاث أنت أم في

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ١٥ من الخلل في الصلاة.

١٩٨

اثنتين أم في واحدة أم في أربع فأعد ولا تمض على الشك».

وعن ابى بصير وزرارة بإسنادين أحدهما من الصحيح أو الحسن (١) قالا : «قلنا له الرجل يشك كثيرا في صلاته حتى لا يدرى كم صلى ولا ما بقي عليه؟ قال يعيد. قلنا فإنه يكثر عليه ذلك كلما أعاد شك؟ قال يمضى في شكه. الحديث».

وعن على بن النعمان الرازي في الصحيح عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) (٢) في حديث قال : «إنما يعيد من لا يدرى ما صلى».

ويعضده ما رواه الشيخ في الصحيح عن على بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر (عليه‌السلام) (٣) قال : «سألته عن الرجل يقوم في الصلاة فلا يدرى صلى شيئا أم لا؟ فقال يستقبل».

ويدل عليه ايضا ما تقدم من الأخبار الدالة على بطلان الصلاة مع عدم سلامة الأوليين (٤).

إلا انه قد ورد بإزاء هذه الروايات ما يدل بظاهره على جواز البناء على الأقل واستدل بها الصدوق بناء على زعمهم قوله بذلك.

ومن الأخبار المذكورة ما رواه الشيخ عن على بن يقطين في الصحيح (٥) قال : «سألت أبا الحسن (عليه‌السلام) عن الرجل لا يدرى كم صلى واحدة أو اثنتين أم ثلاثا؟ قال يبنى على الجزم ويسجد سجدتي السهو ويتشهد تشهدا خفيفا».

وحملها الشيخ على ان المراد بالجزم استئناف الصلاة وحمل الأمر بالسجود على الاستحباب. وأجاب العلامة عنها بالحمل على من كثر سهوه. والجميع بمحل من البعد وانما الوجه فيها الحمل على التقية كما قدمنا ذكره في سابق هذه المسألة (٦)

__________________

(١) الوسائل الباب ١٦ من الخلل في الصلاة.

(٢) الوسائل الباب ٣ و ١٥ من الخلل في الصلاة.

(٣ و ٥) الوسائل الباب ١٥ من الخلل في الصلاة.

(٤) ص ١٩٤.

(٦) ص ١٩٥ و ١٩٦.

١٩٩

فإنك قد عرفت ان الحكم عندهم البناء على الأقل وسجود السهو.

وعن عنبسة بن مصعب (١) قال : «سألته عن الرجل لا يدرى ركعتين ركع أو واحدة أو ثلاثا؟ قال يبنى صلاته على ركعة واحدة يقرأ فيها بفاتحة الكتاب ويسجد سجدتي السهو».

وعن عبد الله بن المغيرة عن على بن أبي حمزة عن رجل صالح (٢) قال : «سألته عن الرجل يشك فلا يدرى واحدة صلى أو اثنتين أو ثلاثا أو أربعا تلتبس عليه صلاته؟ قال كل ذا؟ قلت نعم. قال فليمض في صلاته ويتعوذ بالله من الشيطان الرجيم فإنه يوشك ان يذهب عنه».

قال في الفقيه (٣) بعد نقل رواية على بن أبي حمزة المذكورة : وروى سهل بن اليسع في ذلك عن الرضا (عليه‌السلام) انه قال : «يبنى على يقينه ويسجد سجدتي السهو بعد التسليم ويتشهد تشهدا خفيفا».

والوجه في هذه الأخبار ما عرفت من الحمل على التقية مع زيادة احتمال الحمل على كثرة السهو في رواية على بن أبي حمزة. واحتمل الشيخ فيها الحمل على السهو في النوافل ثم احتمل الحمل على من كثر سهوه. واحتمل جملة من المتأخرين الجمع بين الأخبار المختلفة في هذه المسألة بالحمل على التخيير ، قال في الذخيرة : والأقرب في الجمع بين الأخبار الحمل على التخيير ولكن العدول عن الأخبار الكثيرة المعتضدة بالشهرة إلى غيرها مشكل. وبالجملة لا ريب في ان الاحتياط في الإعادة.

وقال في المدارك بعد رد تأويلي الشيخ والعلامة في المختلف بالبعد : وكيف كان فلا ريب أن الاستئناف اولى وأحوط.

أقول : بل الظاهر الذي لا يكاد يختلجه الريب هو أن هذه الأخبار انما

__________________

(١) الوسائل الباب ١ من الخلل في الصلاة.

(٢) الوسائل الباب ١٦ من الخلل في الصلاة.

(٣) ج ١ ص ٢٣٠ وفي الوسائل الباب ١٣ من الخلل في الصلاة.

٢٠٠