الحدائق الناضرة - ج ٩

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]

الحدائق الناضرة - ج ٩

المؤلف:

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]


المحقق: محمّد تقي الإيرواني
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٥٩

شيئا من الصلاة ركوعا أو سجودا أو تكبيرا فاقض الذي فاتك سهوا». وصحيحة محمد ابن مسلم عن أحدهما (عليهما‌السلام) (١) «في الرجل يفرغ من صلاته وقد نسي التشهد حتى ينصرف؟ فقال ان كان قريبا رجع الى مكانه فتشهد وإلا طلب مكانا نظيفا فتشهد فيه». انتهى.

أقول : ما ذكره من قضاء التشهد في ما لو لم يذكر إلا بعد التسليم جيد لصحيحة محمد بن مسلم المذكورة فإنها ظاهرة في التشهد الأخير.

واما ما ذكره ـ من قضاء السجدة الواحدة في الصورة المذكورة استنادا إلى صحيحة عبد الله بن سنان التي ذكرها ـ ففيه ان الصحيحة المذكورة على إطلاقها غير معمول عليها وكذا ما شابهها :

كصحيحة حكم بن حكيم عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) (٢) «في رجل ينسى ن صلاته ركعة أو سجدة أو الشي‌ء منها ثم يذكر بعد ذلك؟ فقال يقضى ذلك بعينه.

فقلت أيعيد الصلاة؟ قال لا».

ورواية الحلبي عنه (عليه‌السلام) (٣) قال : «إذا نسيت من صلاتك فذكرت قبل ان تسلم أو بعد ما تسلم أو تكلمت فانظر الذي كان نقص من صلاتك فأتمه».

فإن الجميع قد اشتركت في الدلالة على قضاء ما نسيه من الأفعال كائنا ما كان وان كان ركنا ، ولم يقل بذلك أحد من الأصحاب وانما أوجبوا قضاء أشياء معينة مثل السجدة الواحدة والتشهد والقنوت وأبطلوا الصلاة بنسيان الركن كالركوع

__________________

(١) الوسائل الباب ٧ من التشهد.

(٢) الوسائل الباب ١١ من الركوع و ٣ من الخلل في الصلاة.

(٣) هذه الرواية ذكرها الشهيد في الذكرى في المسألة الرابعة من مسائل السهو ونقلها المجلسي في البحار ج ١٨ الصلاة ص ٦٤٣ من الذكرى وكذا الفاضل الخراساني في الذخيرة في المسألة السابعة من المسائل التي حررها تعليقا على قول المصنف «ولو ذكر السجود والتشهد بعد الركوع قضاهما» ولم نقف عليها في الوافي والوسائل بعد الفحص عنها في مظانها.

١٤١

والسجدتين ، وحينئذ فكيف يمكن الاستناد الى مجرد إطلاق الصحيحة المذكورة؟

والأخبار المتقدمة الدالة على قضاء السجدة ظاهرة في ما عدا السجدة الأخيرة ، وعلى هذا يبقى حكم السجدة الأخيرة خاليا من المستند والدليل على وجوب قضائها. والاستناد في ذلك الى مجرد إطلاق هذه الرواية ونحوها مع كونهم لا يقولون به مجازفة محضة وإلا لزم القول ايضا بوجوب قضاء ما اشتملت عليه من الركوع والتكبير ونحوهما وهم لا يكتمونه ولا قائل به إلا ما يظهر من الذكرى من نقل ذلك عن صاحب البشرى ، قال بعد ذكر الروايات الثلاث المذكورة : وابن طاوس في البشرى يلوح منه ارتضاء مفهومها.

وبالجملة فإنه وان كان ظاهر الأصحاب عدم الخلاف في القضاء إلا ان الدليل كما عرفت قاصر عن ذلك ، إذ الروايات المتقدمة موردها انما هو ما عدا السجدة الأخيرة وهذه الرواية التي قد استند إليها في المدارك قد عرفت ما فيها.

فائدتان

الأولى ـ قال في المدارك بعد ذكر صحيحة حكم بن حكيم : والظاهر ان المراد بالركعة مجموعها لا نفس الركوع خاصة ، وبالشي‌ء منها القنوت والتشهد ونحو ذلك مما لم يقم دليل على سقوط تداركه. انتهى.

أقول : بل الظاهر ان المراد بالركعة انما هي نفس الركوع كما صرحت به صحيحة ابن سنان المذكورة ، ويؤيده ذكر السجدة بعدها ، والمراد من الخبر المذكور إنما هو عد الأفعال التي لو نسيها لوجب قضاؤها من ركوع أو سجود ونحوهما من أفعال الصلاة المشار إليها بقوله «أو الشي‌ء منها»

ومما يستأنس به لذلك صحيحة منصور عن الصادق (عليه‌السلام) (١) «في رجل صلى فذكر انه زاد سجدة؟ لا يعيد صلاته من سجدة ويعيدها من ركعة» ،.

__________________

(١) الوسائل الباب ١٤ من الركوع.

١٤٢

قال السيد المذكور بعد نقلها : والظاهر ان المراد بالركعة الركوع كما يظهر من مقابلته بالسجدة.

الثانية ـ ظاهر أكثر الأصحاب انه لا فرق في تدارك التشهد بعد الصلاة بين كونه التشهد الأول والأخير تخلل الحدث بينه وبين الصلاة أم لا.

وقال ابن إدريس : لو تخلل الحدث بين الصلاة والتشهد الأول لم تبطل الصلاة لخروجه منها بالتسليم ، ولو تخلل بينهما وبين التشهد الثاني بطلت صلاته لأن قضية السلام الصحيح أن يكون بعد التشهد فوقوعه قبله كلا سلام فيكون حدثه قد صادف الصلاة.

واعترضه المحقق في المعتبر فقال بعد نقل كلامه : وليس بوجه لأن التسليم مع السهو مشروع فيقع موقعه ويقضى التشهد لما روى حكم بن حكيم عن الصادق (عليه‌السلام) ثم ساق الرواية كما قدمناه. قال في المدارك بعد نقل كلام المعتبر : وهو حسن.

أقول : الأظهر في الفرق بين التشهدين في الحكم المذكور بناء على مذهب ابن إدريس من استحباب التسليم هو أن يقال انه انما يخرج من الصلاة بالتشهد الأخير فإذا نسيه لم يتحقق الخروج فيكون قد أحدث قبل الخروج من الصلاة فتبطل صلاته وكان الأولى لابن إدريس التعليل بذلك.

واما استدلال المحقق على وجوب قضاء التشهد الأخير برواية حكم بن حكيم المذكورة من حيث لفظ الشي‌ء فيها الشامل للتشهد فقد عرفت ما فيه وكان الأولى له الاستدلال بصحيحة محمد بن مسلم المتقدمة.

هذا. والتحقيق كما سيأتي بيانه ان شاء الله تعالى انه لا دليل على وجوب قضاء التشهد الأول أحدث بعد الصلاة أو لم يحدث ، ويجب قضاء التشهد الثاني لصحيحة محمد بن مسلم المذكورة أحدث أم لم يحدث.

ونقل في الذكرى عن العلامة في المختلف انه نازع في تخلل الحدث إذا نسي

١٤٣

التشهد الأول وحكم بإبطاله الصلاة وحكم بان التسليم وقع في محله وان نسي التشهد الأخير فتكون الصلاة صحيحة. انتهى.

وفيه ان ما حكم به من إبطال الصلاة في الصورة الأولى ممنوع ولو قلنا بوجوب قضاء التشهد لدلالة الأخبار وكلام الأصحاب على الصحة أحدث أو لم يحدث وإنما الكلام في ما ادعوه من وجوب القضاء وعدمه. وقد تقدم في فصل التشهد نقل كلام ابن بابويه وحكمه بصحة الصلاة بالحدث بعد رفع رأسه من السجدة الأخيرة والأخبار الدالة على ذلك وبيان القول في ذلك فليراجع ثمة.

فرع

المشهور بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) وجوب قضاء الصلاة على النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) بعد الصلاة إذا سها عنها المصلى وفات موضع تداركها ، ويتداركها كما يتدارك التشهد لو لم يفت محل تداركها اعنى قبل الركوع فإنه يعود إليها قالوا ولا يضر الفصل بينها وبين التشهد.

وأنكر ابن إدريس شرعية قضائها لعدم النص. ورده في الذكرى بان التشهد يقضى بالنص فكذا أبعاضه تسوية بين الجزء والكل.

واحتج في المختلف على وجوب قضائها زيادة على الدليل المذكور بأنه مأمور بالصلاة على النبي وآله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) ولم يأت به فيبقى في عهدة التكليف الى ان يخرج منه بفعله.

واعترضه في المدارك بأن الصلاة على النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) انما تجب في التشهد وقد فات والقضاء فرض مستأنف فيتوقف على الدليل وهو منتف. قال على ان في وجوب الأداء خلافا بين الأصحاب كما تقدم تحقيقه.

واعترض الدليل الأول أيضا بمنع الملازمة ، قال مع انه لا يقول بالتسوية بين الكل والجزء مطلقا. أقول ويؤيده ان الصلاة تقضى ولا تقضى اجزائها مطلقا.

وأنكر العلامة في المختلف كلام ابن إدريس وقال بعد استدلاله بالدليلين

١٤٤

المذكورين : وليس في هذه الأدلة قياس وانما هو لقصور قوته المميزة حيث لم يجد نصا صريحا حكم بأن إيجاب القضاء مستند الى القياس خاصة. انتهى. ولا يخفى ما فيه

أقول : والظاهر في هذه المسألة هو قول ابن إدريس لما عرفت من كلام السيد السند (قدس‌سره) فان دعوى إثبات الأحكام الشرعية بهذه التعليلات العليلة مجرد مجازفة في أحكامه سبحانه. نعم يمكن الاستدلال على القول المشهور بإطلاق صحيحتي عبد الله بن سنان وحكم بن حكيم ورواية الحلبي (١) إلا انك قد عرفت انه لا قائل بذلك من الأصحاب سوى ما نقله في الذكرى عن ظاهر ابن طاوس في البشرى

الثالثة ـ ما يتداركه بعد الصلاة مع سجود السهو عند الأصحاب (رضوان الله عليهم) وهو السجدة والتشهد المنسيان ولما يذكر إلا بعد الركوع فإنه يقضيهما ويسجد للسهو كما صرحوا به ، إلا انه لا يخلو من الإشكال في كل من الموضعين.

وتحقيق الكلام في ذلك يتوقف على بسطه في مقامين (الأول) في السجدة والمشهور في كلامهم ان من ترك سجدة من صلاته ولم يذكر حتى ركع فإنه يقضيها بعد الصلاة من غير ان تجب عليه الإعادة وانه يجب عليه سجود السهو.

وقد وقع الخلاف هنا في مواضع ثلاثة (الموضع الأول) ـ في وجوب قضائها خاصة مع صحة الصلاة وهو الذي عليه الأكثر ، وذهب الشيخ في التهذيب إلى انه متى كان نسيان السجدة الواحدة من الركعتين الأوليين فإنه يعيد الصلاة ، وحكى في الذكرى عن الشيخ المفيد والشيخ في التهذيب ان كل سهو يلحق الأوليين موجب لإعادة الصلاة وكذلك الشك سواء كان في عددهما أو أفعالهما ، ونقل الشيخ هذا القول عن بعض علمائنا ، وقد تقدم ايضا مذهب ابن ابى عقيل بإعادة الصلاة بترك السجدة مطلقا من الأوليين أو الأخيرتين.

والذي يدل على القول المشهور صحيحتا إسماعيل بن جابر وابى بصير المتقدمتان في الموضع الثاني من مواضع الصورة الثانية (٢).

__________________

(١) ص ١٤٠ و ١٤١.

(٢) ص ١٣٦.

١٤٥

ونحوهما ما رواه الشيخ في الصحيح عن ابن ابى يعفور عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) (١) قال : «إذا نسي الرجل سجدة وأيقن انه قد تركها فليسجدها بعد ما يقعد قبل ان يسلم وان كان شاكا فليسلم ثم يسجدها وليتشهد تشهدا خفيفا ولا يسميها نقرة فإن النقرة نقرة الغراب».

والظاهر ان المراد بقوله «بعد ما يقعد» اى بعد ما يتشهد لما أسلفناه من الأخبار الدالة على وقوع مثل هذا التجوز في فصيح الكلام الوارد عنهم (عليهم‌السلام). واما السجود في صورة الشك فحمله بعض الأصحاب على الاحتياط والاستحباب لما تقرر من ان الشك بعد تجاوز المحل لا اثر له. والأظهر حمله على سجود السهو لأنه الذي فيه التشهد الخفيف وانه لا يسمى نقرة وان كان في ذكر الضمير نوع منافرة لذلك.

وما رواه الشيخ عن عمار بن موسى الساباطي في الموثق عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) (٢) «انه سئل عن الرجل ينسى سجدة فذكرها بعد ما قام وركع؟ قال يمضى في صلاته ولا يسجد حتى يسلم فإذا سلم سجد مثل ما فاته. قلت فان لم يذكر الا بعد ذلك؟ قال يقضى ما فاته إذا ذكره».

احتج الشيخ بما رواه عن احمد بن محمد بن ابى نصر في الصحيح (٣) قال : «سألت أبا الحسن (عليه‌السلام) عن رجل صلى ركعتين ثم ذكر في الثانية وهو راكع انه ترك سجدة في الأولى؟ فقال كان أبو الحسن (عليه‌السلام) يقول إذا تركت السجدة في الركعة الاولى ولم تدر واحدة أو اثنتين استقبلت حتى يصح لك اثنتان ، وإذا كان في الثالثة والرابعة فتركت سجدة بعد ان تكون قد حفظت الركوع أعدت السجود».

ورواه الكليني في الصحيح ايضا بما هذه صورته (٤) قال : «سألته عن رجل

__________________

(١) الوسائل الباب ١٦ من السجود.

(٢ و ٣ و ٤) الوسائل الباب ١٤ من السجود.

١٤٦

صلى ركعة ثم ذكر وهو في الثانية وهو راكع انه ترك سجدة من الأولى؟ فقال كان أبو الحسن (عليه‌السلام) يقول إذا تركت السجدة في الركعة الاولى ولم تدر واحدة أم ثنتين استقبلت الصلاة حتى يصح لك انهما ثنتان». وعلى هذه الرواية لا ينطبق مدعى الشيخ (قدس‌سره)

والظاهر ان الراوي روى الخبر مرتين مرة بنحو ما ذكره الشيخ واخرى بما نقله في الكافي.

ويعضد رواية الشيخ ما رواه الحميري في قرب الاسناد عن احمد بن محمد بن عيسى عن احمد بن محمد بن ابى نصر. الحديث كما في التهذيب (١) الا انه قال : «بعد ان تكون قد حفظت الركوع والسجود».

وكيف كان فهذا الخبر لا يخلو من الإجمال بل الإشكال الموجب لضعف الاستناد إليه في الاستدلال ، وذلك ان قوله (عليه‌السلام) في الخبر المذكور «ولم تدر واحدة أو اثنتين» محتمل لان يكون المراد الركعة أو الركعتين اى شككت مع ترك السجدة بين الركعة والركعتين ، وعلى هذا فلا إشكال في ما ذكره (عليه‌السلام) من الحكم بالاستقبال الا انه لا ينطبق حينئذ الجواب المذكور على ما ذكره من السؤال ويحتمل ان يكون المراد السجدة والسجدتين ، والمعنى انه ترك سجدة وشك في انه هل سجد شيئا أم لا ، وعلى هذا يدل على مراد الشيخ في الجملة إذ الشك بعد تجاوز المحل لا عبرة به فيكون البطلان انما هو لترك السجدة. ويحتمل ان يكون الواو في قوله «ولم تدر واحدة أو اثنتين» بمعنى «أو» وان الأصل انما هو «أو» ويكون قد سقطت الهمزة من قلم النساخ ، وعلى هذا فيحتمل الوجه الأول أعني الحمل على الركعة والركعتين والثاني أي السجدة والسجدتين ، فعلى الوجهين يدل على ما ذهب اليه الشيخ في السجود ، وعلى الثاني يدل على ما قدمنا نقله عن الشيخين من إبطال مطلق الشك في الأولتين ، وحينئذ فمع هذا الإجمال وتعدد الاحتمال يشكل العمل به في مقابلة تلك الأخبار الصحيحة الصريحة الدلالة في عدم الفرق بين الأوليين والأخيرتين.

__________________

(١) الوسائل الباب ١٤ من السجود.

١٤٧

احتج من قال بان كل سهو يلحق الأوليين أو شك فإنه يوجب الإعادة بجملة من الأخبار الآتية ان شاء الله تعالى في مسألة الشك في الأوليين :

ومنها ـ رواية أبي بصير عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) (١) قال : «إذا سهوت في الركعتين الأولتين فأعدهما».

وحسنة الحسن بن على الوشاء (٢) قال : «قال لي أبو الحسن الرضا (عليه‌السلام) الإعادة في الركعتين الأولتين والسهو في الركعتين الأخيرتين». ونحوهما.

وسيأتي ان شاء الله تعالى تحقيق المسألة في الموضع المشار اليه.

واما ما ذهب اليه ابن ابى عقيل من بطلان الصلاة بترك السجدة فقد تقدم القول فيه في فصل السجود منقحا.

الموضع الثاني ـ في ان محل قضائها بعد الفراغ من الصلاة وهو الذي عليه الأكثر من الأصحاب ، ويدل عليه صحيحتا إسماعيل بن جابر وابى بصير وصحيحة ابن ابى يعفور وموثقة عمار المتقدم جميع ذلك في المسألة (٣).

وقال الشيخ أبو الحسن على بن الحسين بن بابويه في رسالته على ما نقله عنه في الذكرى : فان نسيت سجدة من الركعة الأولى فذكرتها في الثانية من قبل ان تركع فأرسل نفسك فاسجدها ثم قم إلى الثانية وابتدئ القراءة فإن ذكرت بعد ما ركعت فاقضها في الركعة الثالثة ، وان نسيت سجدة من الركعة الثانية وذكرتها في الثالثة قبل الركوع فأرسل نفسك واسجدها فان ذكرتها بعد الركوع فاقضها في الركعة الرابعة ، وان كانت سجدة من الركعة الثالثة وذكرتها في الرابعة فأرسل نفسك واسجدها ما لم تركع وان ذكرتها بعد الركوع فامض في صلاتك واسجدها بعد التسليم. انتهى.

__________________

(١) الوسائل الباب ١ من الخلل في الصلاة. واللفظ في كتب الحديث هكذا «فأعدهما حق تثبتهما».

(٢) الوسائل الباب ١ من الخلل في الصلاة.

(٣) ص ١٣٦ و ١٤٦.

١٤٨

ونقل في الذكرى ايضا عن الشيخ المفيد (قدس‌سره) في الغرية انه قال : إذا ذكر بعد الركوع فليسجد ثلاث سجدات واحدة منها قضاء. ثم قال في الذكرى : وكأنهما عولا على خبر لم يصل إلينا.

أقول : اما ما ذكره الشيخ على بن بابويه فهو مأخوذ من كتاب الفقه الرضوي على النهج الذي عرفته في غير موضع مما تقدم وان كان بحذف بعض الزوائد حيث قال (عليه‌السلام) (١) : وان نسيت السجدة من الركعة الأولى ثم ذكرت في الثانية من قبل ان تركع فأرسل نفسك واسجدها ثم قم إلى الثانية وأعد القراءة ، فإن ذكرتها بعد ما ركعت فاقضها في الركعة الثالثة ، وان نسيت السجدتين جميعا من الركعة الأولى فأعد صلاتك فإنه لا تثبت صلاتك ما لم تثبت الأولى ، وان نسيت سجدة من الركعة الثانية وذكرتها في الثالثة قبل الركوع فأرسل نفسك واسجدها فان ذكرت بعد الركوع فاقضها في الركعة الرابعة وان كانت سجدة من الركعة الثالثة وذكرتها في الرابعة فأرسل نفسك واسجدها ما لم تركع فان ذكرتها بعد الركوع فامض في صلاتك واسجدها بعد التسليم. انتهى.

ثم انه لا يخفى ما في إفتاء الشيخ المزبور بعبارات هذا الكتاب والعدول عن مثل هذه الأخبار المعارضة لها والصريحة في خلافها مع كونها بمرأى منه ومنظر من مزيد اعتماده على الكتاب المذكور ووثوقه بكونه معلوما مقطوعا به عنه (عليه‌السلام) وهو مؤيد لما اخترناه من العمل باخبار الكتاب المذكور كغيره من كتب الأخبار المشهورة والأصول المأثورة. إلا ان الظاهر في هذه المسألة هو القول المشهور المعتضد بالأخبار المتقدمة الصحيحة الصريحة في القضاء بعد الفراغ ولا يحضرني وجه تأويل لهذه الرواية وهي مرجأة إلى قائلها (عليه‌السلام).

واما ما ذهب اليه الشيخ المفيد فلم أقف له على دليل ، وصورة عبارته المحكية عن الرسالة الغرية على ما نقله الفاضل الخراساني في الذخيرة «ان ذكر بعد الركوع

__________________

(١) ص ١٠.

١٤٩

فليسجد ثلاث سجدات واحدة منها قضاء والاثنتان للركعة التي هو فيها» وهي أظهر دلالة من العبارة المنقولة في الذكرى وكأنه في الذكرى قد اختصر العبارة. ولا يخفى ان مذهب الشيخ المفيد في المقنعة موافق للقول المشهور. والله العالم.

الموضع الثالث ـ في وجوب سجدتي السهو في قضاء السجدة ، وهو المشهور كما عرفت بل نقل العلامة في المنتهى والتذكرة عليه الإجماع مع انه في المختلف حكى الخلاف في ذلك عن ابن ابى عقيل وابني بابويه والشيخ المفيد في المسائل الغرية

احتج القائلون بوجوبهما برواية سفيان بن السمط عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) (١) قال : «تسجد سجدتي السهو في كل زيادة تدخل عليك أو نقصان.».

وأنت خبير بان هذه الرواية (أولا) معارضة بأخبار كثيرة دالة على عدم وجوب سجدتي السهو في كثير من مواضع الزيادة والنقصان (٢).

(وثانيا) ـ بصحيحة أبي بصير المتقدمة في الموضع الثاني من الصورة الثانية (٣) لقوله (عليه‌السلام) فيها «قضاها وحدها وليس عليه سهو».

وموثقة عمار (٤) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام). وساق الخبر الى ان قال : «وسئل عن الرجل ينسى الركوع أو ينسى سجدة هل عليه سجدتا السهو؟ قال لا قد أتم الصلاة».

ورواية محمد بن منصور (٥) قال : «سألته عن الذي ينسى السجدة الثانية من الركعة الثانية أو شك فيها؟ فقال إذا خفت ان لا تكون وضعت وجهك إلا مرة واحدة فإذا سلمت سجدت سجدة واحدة وتضع وجهك مرة واحدة وليس عليك سهو».

واما ما ذكره الشيخ في تأويل رواية أبي بصير ـ من حمل قوله (عليه‌السلام)

__________________

(١) الوسائل الباب ٣٢ من الخلل في الصلاة.

(٢) الوسائل الباب ٣ و ٧ و ١٤ و ٢٣ و ٢٤ و ٢٦ من الخلل في الصلاة.

(٣) ص ١٣٦.

(٤) الوسائل الباب ٢٣ من الخلل في الصلاة.

(٥) الوسائل الباب ١٤ من السجود.

١٥٠

«وليس عليه سهو» على معنى انه لا يكون في حكم السهاة بل يكون حكم القاطعين لأنه إذا ذكر ما كان فاته وقضاه لم يبق شي‌ء يشك فيه فخرج عن حد السهو ـ فبعده أظهر من ان يخفى.

و (ثالثا) الأخبار الواردة في المسألة كصحيحة إسماعيل بن جابر وصحيحة ابن ابى يعفور وموثقة عمار والتقريب فيها انه لو كان سجود السهو واجبا لأشار (عليه‌السلام) إليه لأن المقام مقام البيان.

و (رابعا) تأيد ذلك بموافقة الأصل فإن الأصل براءة الذمة حتى يقوم الدليل الواضح.

وبالجملة فالظاهر عندي من الأخبار هو القول الثاني وان كان الاحتياط في العمل بالقول المشهور.

المقام الثاني ـ في التشهد والمشهور انه يجب قضاؤه ما لم يذكره الا بعد الركوع وتجب سجدتا السهو معه.

وقد وقع الخلاف هنا في موضعين (الموضع الأول) في وجوب القضاء وهو المشهور كما عرفت ، وذهب الشيخ المفيد والصدوقان إلى أنه يجزئ التشهد الذي في سجدتي السهو عن القضاء ، ونسب الشهيد في الذكرى هذا القول للشيخ المفيد في المسائل الغرية ، وهو كذلك فإنه في المقنعة قد صرح بموافقة القول المشهور ذكر ذلك في موضعين.

احتج الأولون بما رواه الشيخ في الصحيح عن محمد بن مسلم عن أحدهما (عليهما‌السلام) (١) «في الرجل يفرغ من صلاته وقد نسي التشهد حتى ينصرف؟

فقال ان كان قريبا رجع الى مكانه فتشهد والا طلب مكانا نظيفا فتشهد فيه».

وعن على بن أبي حمزة (٢) قال : «قال أبو عبد الله (عليه‌السلام) إذا قمت

__________________

(١) الوسائل الباب ٧ من التشهد.

(٢) الوسائل الباب ٢٦ من الخلل في الصلاة.

١٥١

في الركعتين الأولتين ولم تشهد فذكرت قبل ان تركع فاقعد وتشهد وان لم تذكر حتى تركع فامض في صلاتك كما أنت فإذا انصرفت سجدت سجدتين لا ركوع فيهما ثم تشهد التشهد الذي فاتك».

احتج جملة من الأصحاب للقول الثاني بالأخبار الكثيرة الدالة على ان ناسي التشهد حتى يركع يجب عليه سجدتا السهو من غير تعرض لذكر التشهد فيهما مثل صحاح سليمان بن خالد وعبد الله بن سنان والحلبي المتقدمات في الموضع الثالث من الصورة الثانية (١).

ونحوها ما رواه في الكافي في الصحيح أو الحسن عن الفضيل بن يسار عن ابى جعفر (عليه‌السلام) (٢) «في الرجل يصلى ركعتين من المكتوبة ثم ينسى فيقوم قبل ان يجلس بينهما؟ قال فليجلس ما لم يركع وقد تمت صلاته ، وان لم يذكر حتى ركع فليمض في صلاته وإذا سلم سجد سجدتين وهو جالس». ورواه الشيخ في التهذيب (٣) وذكر محل «سجد سجدتين» «نقر نقرتين» وما في الكافي أصوب لما تقدم في صحيح ابن ابى يعفور من النهى عن تسميتها نقرة.

وما رواه في التهذيب في الحسن عن الحسين بن ابى العلاء (٤) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن الرجل يصلى ركعتين من المكتوبة لا يجلس فيهما حتى يركع في الثالثة؟ قال فليتم صلاته ثم يسلم ويسجد سجدتي السهو وهو جالس قبل ان يتكلم».

وعن ابى بصير في الموثق (٥) قال : «سألته عن الرجل ينسى ان يتشهد؟ قال يسجد سجدتين يتشهد فيهما».

وعن ابى بصير في الصحيح عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) (٦) قال : «سألته

__________________

(١) ص ١٤٠ وقد تقدم ان الصحيح عبد الله بن ابى يعفور بدل عبد الله بن سنان.

(٢) الوسائل الباب ٩ من التشهد.

(٣) ج ١ ص ٢٣٤. ولفظه هكذا «نقر ثنتين».

(٤ و ٥) الوسائل الباب ٧ من التشهد.

(٦) الوسائل الباب ٧ من التشهد. والراوي لهذا اللفظ هو ابن ابي يعفور ولم نعثر على رواية لأبي بصير بهذا اللفظ.

١٥٢

عن الرجل يصلى ركعتين من المكتوبة فلا يجلس فيهما؟ فقال ان كان ذكر وهو قائم في الثالثة فليجلس وان لم يذكر حتى يركع فليتم صلاته ثم يسجد سجدتين وهو جالس قبل ان يتكلم».

وعن الحسن الصيقل عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) (١) «في الرجل يصلى الركعتين من الوتر ثم يقوم فينسى التشهد حتى يركع ويذكر وهو راكع؟ قال يجلس من ركوعه ويتشهد ثم يقوم فيتم. قال قلت أليس قلت في الفريضة إذا ذكره بعد ما يركع مضى ثم سجد سجدتين بعد ما ينصرف يتشهد فيهما؟ قال ليس النافلة مثل الفريضة».

أقول : وهذه الاخبار وان كانت كما ذكره المستدل من الدلالة على مجرد سجود السهو من غير تعرض للتشهد الا ان المدعى في كلام أولئك القائلين بهذا القول مركب من أمرين (أحدهما) عدم وجوب قضاء التشهد. و (ثانيهما) قيام تشهد سجدتي السهو مقام التشهد المنسي ، وهذه الأخبار لا تفي إلا بالأول.

والتحقيق والصواب وان لم يهتد إليه أحد من متأخري الأصحاب أن أولئك الجماعة انما عولوا في هذا المقام على كتاب الفقه الرضوي حيث قال (عليه‌السلام) (٢) وان نسيت التشهد في الركعة الثانية فذكرت في الثالثة فأرسل نفسك وتشهد ما لم تركع فان ذكرت بعد ما ركعت فامض في صلاتك فإذا سلمت سجدت سجدتي السهو وتشهدت فيهما ما قد فاتك. انتهى.

وبهذه العبارة عبر الصدوق في الفقيه فقال : وان نسيت التشهد في الركعة الثانية وذكرته في الثالثة فأرسل نفسك وتشهد ما لم تركع فان ذكرت بعد ما ركعت فامض في صلاتك فإذا سلمت سجدت سجدتي السهو وتشهدت فيهما التشهد الذي قد فاتك.

وهذا القول هو الظاهر عندي لظاهر خبر الكتاب المعتضد بتلك الأخبار الصحيحة الصريحة فإنها على كثرتها إنما تضمنت مجرد سجود السهو مع انها واردة في مقام البيان فلو كان قضاء التشهد واجبا لذكر ولو في بعضها.

__________________

(١) الوسائل الباب ٨ من التشهد.

(٢) ص ١٠.

١٥٣

واما ما استدل به للقول المشهور فهو بمحل من القصور ، أما صحيحة محمد بن مسلم فان موردها التشهد الأخير ومحل البحث في الأخبار وكلام الأصحاب انما هو التشهد الأول للتفصيل الواقع في الأخبار وكلامهم بكون الذكر قبل الركوع أو بعد الركوع.

واما رواية على بن أبي حمزة فهي وان كان موردها التشهد الأول إلا ان ظاهرها ان التشهد الذي بعد الفراغ انما هو تشهد سجدتي السهو وانه يقصد به التشهد الذي فاته ، فهي بالدلالة على خلاف مرادهم انسب والى الدلالة على ما ندعيه أقرب ، إذ مرجع ما دلت عليه الى ما صرحت به عبارة كتاب الفقه المذكورة ، على ان المفهوم من كلامهم ان الواجب هو الإتيان بالأجزاء المنسية أولا ثم سجود السهو لها ومقتضى هذه الرواية بناء على ما يدعونه هو تقديم سجود السهو على قضاء الاجزاء فلا يتم الاستناد إليها من هذه الجهة.

وكيف كان فينبغي بناء على ما اخترناه ان يقصد بتشهده في سجدتي السهو قضاء التشهد المنسي.

واما ما رواه الشيخ عن محمد بن على الحلبي (١) ـ قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن الرجل يسهو في الصلاة فينسى التشهد؟ قال يرجع فيتشهد. قلت أيسجد سجدتي السهو؟ فقال لا ليس في هذا سجدتا السهو». ـ فمحمول على ما إذا ذكر ذلك قبل الركوع.

الموضع الثاني ـ في وجوب سجدتي السهو في الموضع المذكور وقد عرفت تكاثر الأخبار بذلك ، وهو الذي صرح به أكثر الأصحاب (رضوان الله عليهم) بل بعض شراح الشرائع انه لا خلاف فيه بين الأصحاب.

قال في الذخيرة : ونقل في المختلف والذكرى الخلاف فيه عن ابن ابى عقيل والشيخ في الجمل والاقتصاد ولم يذكره أبو الصلاح في ما يوجب سجدة السهو.

أقول : انه ان كان مراده (قدس‌سره) انهما صرحا في الكتابين المذكورين

__________________

(١) الوسائل الباب ٩ من التشهد.

١٥٤

بنقل القول بنفي السجود في الموضع المذكور عن ابن ابى عقيل والشيخ في الكتابين المذكورين فالظاهر انه ليس كذلك لأني لم أقف عليه بعد المراجعة والتتبع ، نعم نقل عنهما عدم عد ذلك في ما يجب له سجود السهو حيث حصراه في مواضع ليس هذا منها ، فكان الأولى نسبة القول إليهما بما نقله عن ابى الصلاح.

قال في الذخيرة بعد نقل جملة من الأخبار المتقدمة الدالة على وجوب سجدتي السهو في هذه الصورة : وهذه الأخبار وان كانت غير صريحة في الوجوب إذ لم يثبت كون الأمر في أخبارنا حقيقة في الوجوب لكن لا يبعد ان يعول في الوجوب على هذه الأخبار بمعونة الشهرة لكن ذلك لا يخلو من شوب النظر والتأمل. انتهى. وهو من جملة تشكيكاته الواهية التي هي لبيت العنكبوت ـ وانه لأضعف البيوت ـ مضاهية ، وقد أوضحنا في غير مقام مما تقدم فساده وان فيه خروجا عن الدين من حيث لا يشعر قائله.

واما ما رواه الشيخ في الموثق بابن بكير عن زرارة (١) قال : «سألت أبا جعفر (عليه‌السلام) هل سجد رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) سجدتي السهو قط؟ فقال لا ولا يسجدهما فقيه». فأجاب عنها في الذخيرة بأنه يمكن حملها على ان الفقيه يسعى في حفظ صلاته بالتوجه فيها بحيث لا يصدر منه السهو. قال : وفيه بعد لكن الرواية غير معمولة بين الأصحاب فيشكل التعويل عليها. انتهى.

أقول : الأظهر في الجواب عنها هو حمل الفقيه على الامام (عليه‌السلام) فإنه هو الفقيه الحقيقي بمعنى انه لم يسجدها رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) لعصمته عن السهو ولا يسجدها امام بعده للعلة المذكورة. وفي الخبر المذكور رد ظاهر للأخبار الدالة على سهوه (صلى‌الله‌عليه‌وآله) ولا سيما ما دل منها على انه سجد سجدتي السهو.

(المسألة السادسة) ـ لو سها عن الركوع فله صور (الأولى) ان يذكر

__________________

(١) الوسائل الباب ٣ من الخلل في الصلاة.

١٥٥

بعد الدخول في السجود ، والأشهر الأظهر بطلان الصلاة ، وقد تقدم تحقيق المسألة ونقل خلاف الشيخ في ذلك في المسألة الاولى.

وقد صرح بعض مشايخنا المحققين من متأخري المتأخرين بأنه لا فرق في البطلان إذا ذكر بعد وضع الجبهة بين كون وضعها على ما يصح السجود عليه وما لا يصح ، قال ولو ذكر بعد وضع الجبهة سواء كان على ما يصح السجود عليه أم لا فالمشهور حينئذ بطلان الصلاة. ثم نقل خلاف الشيخ المشار اليه.

وعندي في ذلك إشكال فإنه لا ريب في ان وضع الجبهة على ما لا يصح السجود عليه لغير تقية ولا ضرورة ليس بسجود شرعي بل هو في حكم العدم فكيف يمتنع العود منه الى الركوع ويحكم ببطلان الصلاة؟ فإن استندوا إلى إطلاق الاخبار المتقدمة مثل صحيحة رفاعة عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) (١) قال : «سألته عن رجل ينسى ان يركع حتى يسجد ويقوم؟ قال يستقبل».

ونحوها ، فإنه لا ريب في ان المراد بالسجود فيها هو السجود الشرعي فإنه هو المتبادر الذي ينصرف إليه الإطلاق وأيضا فإنهم صرحوا بأنه متى سها عن ركن تداركه متى لم يدخل في ركن والدخول في الركن بالسجود على ما لا يصح السجود عليه ممنوع. وبالجملة فإنه إن اعتد بهذا السجود في الصلاة وحكم بصحته فما ذكروه صحيح لكنهم لا يقولون به وإلا فلا معنى للحكم بالبطلان بل الواجب تدارك الركوع لبقاء المحل ثم الإتيان بالسجود الشرعي

الثانية ـ ان يذكر بعد الهوى للسجود ولما يسجد بمعنى انه تجاوز قوس الراكع ، وقد صرحوا بأنه يجب عليه ان يقوم منتصبا لوجوب الهوى للركوع عن قيام ، بل عد جملة منهم القيام المتصل بالركوع ركنا كما تقدم ذكره في فصل القيام وهو المشهور في كلامهم ، وهو لا يتحقق إلا بقصد الهوى للركوع عنه وحينئذ فيجب القيام أولا ثم الركوع.

ويدل على وجوب الإتيان بالركوع في الصورة المذكورة إن الذمة مشغولة

__________________

(١) الوسائل الباب ١٠ من الركوع.

١٥٦

بفعله ولا مانع منه لعدم تجاوز المحل فيبقى الخطاب به في الحال المذكورة. ويعضده إطلاق

صحيحة عبد الله بن سنان المتقدمة عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) (١) قال : «إذا نسيت شيئا من الصلاة ركوعا أو سجودا أو تكبيرا فاقض الذي فاتك سهوا». بحملها على صورة التذكرة قبل فوات المحل بمعونة ما دل على ان نسيانه حتى يفوت المحل موجب لبطلان الصلاة.

ويؤيده ما سيجي‌ء أيضا من وجوب الإتيان به إذا شك في فعله قبل فوات محله ففي صورة النسيان أولى بمعونة الحكم بعدم البطلان استنادا الى الأصل.

ومقتضى التعليلات المذكورة في هذه الصورة هو حصول النسيان في حال القيام وبه يفرق بينها وبين ما يأتي بعدها.

الثالثة ـ هي الصورة الثانية بمعنى الذكر بعد الهوى للسجود وتجاوز قوس الراكع ولكن عروض السهو انما هو بعد الهوى للركوع وقبل الدخول في قوس الراكع ، والحكم هنا عندهم هو الرجوع بان يقوم منحنيا الى قوس الراكع خاصة من غير انتصاب ، لانه قد هوى بقصد الركوع وانما عرض له السهو بعد ذلك فلا يجب اعادة القيام حينئذ.

الرابعة ـ هي الصورة بحالها ولكن عرض السهو بعد الدخول في قوس الراكع ، وفي العود حينئذ إشكال لأنه قد حصل الركن الركوعى بمجرد الدخول في قوس الراكع لان الركوع عبارة عن الانحناء على الكيفية المخصوصة وقد حصل ، والذكر والطمأنينة واجبات خارجة عن حقيقته واستدراكها موجب لزيادة الركوع. ومقتضى ذلك انه يمضى في صلاته لحصول الركوع الشرعي والهوى له بعد القيام ، ولم يحصل هنا غير الإخلال بالذكر والطمأنينة وقد عرفت انها واجبات خارجة لا يضر تركها سهوا والمحل غير قابل لاستدراكها لما عرفت من ان ذلك موجب لزيادة ركن في الصلاة. والى ما ذكرناه يميل كلام السيد السند في المدارك والفاضل

__________________

(١) الوسائل الباب ٢٦ من الخلل في الصلاة.

١٥٧

الخراساني في الذخيرة وهو الظاهر لما عرفت.

واما ما ذكره شيخنا أبو الحسن الشيخ سليمان بن عبد الله البحراني (قدس‌سره) في رسالته الصلاتية في هذه الصورة ـ حيث قال : ولو كان عروضه ـ يعنى السهو ـ بعد وصوله الى حد الراكع ففي تحريم العود نظر ـ فلا اعرف له وجها. ولتلميذه المحدث الشيخ عبد الله بن الحاج صالح البحراني (قدس‌سره) في شرحه على الرسالة المذكورة في توجيه ذلك وموافقته له على التوقف في هذه المسألة كلام لا يخلو من السهو والإشكال الناشئ عن الاستعجال. وبالجملة فالحق عندي في المسألة ما تقدم ذكره.

تنبيه

قد تقدم في الفصل الخامس في الركوع ان من جملة واجبات الركوع ان يقصد بهويه عن القيام اليه فلو هوى لا بقصده بل لغرض آخر لم يحصل بوصوله الى قوس الراكع ركوع ، بل ولو نوى الركوع في تلك الحال فإنه لا يجزئه بل يجب عليه ان يقوم منتصبا وينوي الهوى له.

وظاهر الفاضل الخراساني التوقف في ذلك ، قال في الذخيرة بعد ذكر وجوب القيام في الصورة الثانية من الصور المتقدمة : وربما يقال انه معلل باستدراك الهوي إلى الركوع فإنه واجب ولم يقع بقصد الركوع. ذكر ذلك غير واحد من الأصحاب وللنزاع في إثبات وجوب الهوى المذكور مجال إلا ان اليقين بالبراءة من التكليف الثابت يقتضيه.

أقول : لا يخفى ان اللازم مما ذكره انه لو هوى في صلاته لتناول شي‌ء حتى جاوز قوس الراكع هو بطلان صلاته لحصول الركوع إذ الركوع ليس إلا عبارة عن الانحناء حتى تصل يداه ركبتيه وقد حصل وان لم يحصل القصد اليه والذكر والطمأنينة انما هي واجبات خارجة ، ولا أظنه يلتزمه ، مع ان العبادات مشروطة بالقصود والنيات فلا ينصرف الفعل الى كونه عبادة إلا بالنية والقصد إليها وإلا فهو في حد

١٥٨

ذاته أعم من ذلك كما تقدم تحقيقه في باب الوضوء من كتاب الطهارة وعليه دلت الأخبار الكثيرة كقوله (عليه‌السلام) (١) «إنما الأعمال بالنيات». ونحوه مما تقدم في الموضع المشار اليه.

وقد روى الشيخ والصدوق عن زكريا الأعور (٢) قال : «رأيت أبا الحسن (عليه‌السلام) يصلى قائما والى جانبه رجل كبير يريد ان يقوم ومعه عصا له فأراد أن يتناولها فانحط أبو الحسن (عليه‌السلام) وهو قائم في صلاته فناول الرجل العصا ثم عاد الى صلاته». وهو مؤيد لما ذكرناه.

نعم روى الثقة الجليل على بن جعفر في كتاب المسائل عن أخيه موسى (عليه‌السلام) (٣) قال : «سألته عن المرأة تكون في صلاتها قائمة يبكي ابنها الى جنبها هل يصلح لها ان تتناوله وتحمله وهي قائمة؟ قال : لا تحمل وهي قائمة».

قال شيخنا المجلسي في كتاب البحار بعد نقل الخبر المذكور : «لا تحمل وهي قائمة» يمكن ان يكون ذلك لاستلزام زيادة الركوع بناء على عدم اشتراط النية في ذلك ، وظاهر بعض الأصحاب اشتراطها. ثم نقل كلام الشهيد في الذكرى الدال على وجوب القصد بالهوى الى الركوع ثم نقل رواية زكريا الأعور ، وقال بعدها : وهذا يدل على الجواز وعلى الاشتراط المذكور. ثم قال : وذكر العلامة والشهيد وغيرهما مضمون الرواية من غير رد ، ويمكن الجمع بينهما بحمل هذا الخبر على الفريضة أو الكراهة وخبر الأعور على النافلة أو على الجواز ، والأول أظهر. انتهى.

أقول : لا يخفى ان خبر على بن جعفر غير ظاهر في المنافاة ليحتاج الى تكلف الجمع بينه وبين خبر الأعور ، فإنه (عليه‌السلام) انما نهى عن الحمل في الصلاة أعم من ان يكون بالتناول من الأرض أو لا به ، ولو كان المراد النهى من حيث استلزام

__________________

(١) الوسائل الباب ٥ من مقدمة العبادات.

(٢) الوسائل الباب ١٢ من القيام.

(٣) الوسائل الباب ٢٤ من قواطع الصلاة.

١٥٩

حصول الركوع لكان الظاهر التعبير بقوله «لا تتناول» فإنه هو المستلزم لحصول الانحناء الموجب لكونه ركوعا وان لم يكن مقصودا.

بقي الكلام في النهي عن الحمل مع ورود الأخبار الكثيرة بجواز مثله في الصلاة من الأفعال التي لا تعد كثيرة وهي مسألة أخرى لا تتعلق بمحل البحث ، ولعل النهى محمول على الكراهة من حيث الإخلال بوظائف القيام من وضع اليدين في الموضع الموظف أو بالنسبة إلى القنوت أو نحو ذلك. ويعضد ما قلناه إطلاق موثقة عمار الساباطي عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) (١) قال : «لا بأس ان تحمل المرأة صبيها وهي تصلي أو ترضعه وهي تتشهد».

وبالجملة فإن الخبر غير ظاهر المنافاة ، مع ما عرفت من ان الأفعال في حد ذاتها لا تصلح لكونها عبادات يصح التقرب بها إلا باعتبار القصود إليها والنيات كما دلت عليه جملة من الأخبار المتقدمة في الموضع المشار اليه آنفا.

وحينئذ فالظاهر ان ما ذكره شيخنا المزبور بمحل من البعد والقصور وكأنه جرى على ما جرى عليه الفاضل المتقدم ذكره فإنه كثيرا ما يحذو حذوه في الأحكام ويعتمد كلامه في غير مقام كما لا يخفى على من له انس بطريقته في الكتاب المذكور. والله العالم.

المطلب الثالث في الشك

والمراد به في هذا المقام عند الأصحاب ـ كما صرح به غير واحد ـ هو تساوى الاعتقادين وتكافؤهما ، والمفهوم من كلام أهل اللغة انه ما قابل اليقين وهو حينئذ أعم من الشك بهذا المعنى وما يشمل الظن ، والتخصيص بهذا المعنى الذي ذكره الأصحاب اصطلاح أهل المعقول ، فان العلم عندهم عبارة عن الاعتقاد الجازم المطابق للواقع ، والظن عبارة عن الاعتقاد الراجح الغير المانع من النقيض ويقابله

__________________

(١) الوسائل الباب ٢٤ من قواطع الصلاة.

١٦٠