الحدائق الناضرة - ج ٩

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]

الحدائق الناضرة - ج ٩

المؤلف:

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]


المحقق: محمّد تقي الإيرواني
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٥٩

بوجوب إعادة المأموم له لو سبق به الامام ساهيا فإنه يعيده مع الامام ، ونحوه ما تقدم في ما لو استدركه الشاك فيه ثم تبين له حال ركوعه انه قد اتى به فإنه يرسل نفسه الى السجود على أحد القولين ولا يضره ما اتى به.

(الرابع) ـ السجود إذا زاد سجدة وجعلنا الركن عبارة عن ماهية السجود كما هو اختياره في الذكرى ، وان جعلنا الركن مجموع السجدتين كان عدم البطلان بنسيان الواحدة موجبا للاستثناء من قاعدة البطلان بنقصان الركن بناء على ان المجموع يفوت بفوات بعض اجزائه.

(الخامس) ـ لو تبين للمحتاط ان صلاته كانت ناقصة وان الاحتياط متمم لها فإنه يجزئه وان كان الذكر بعد الفراغ أو قبله على قول كما سيأتي ان شاء الله تعالى في موضع تحقيق المسألة ، ويكون ما اتى به من الأركان من النية وتكبيرة الإحرام مغتفرا. وربما نوقش في ذلك بان جعله من هذا الباب انما يستقيم إذا لم يجعل الاحتياط صلاة برأسها وهو موضع تأمل ، وسيأتي تحقيق الحال في ذلك ان شاء الله تعالى.

(السادس) ـ لو زاد ركعة سهوا آخر الفريضة وقد جلس آخرها بقدر التشهد فان صلاته صحيحة على أحد القولين وان اشتملت على الأركان ، وقد مضى تحقيق المسألة.

(السابع) ـ لو أتم المسافر جاهلا بوجوب القصر اتفاقا أو ناسيا ولم يذكر حتى خرج الوقت على أصح القولين فان صلاته صحيحة والزيادة مغتفرة بالنصوص.

(الثامن) ـ لو كان في الكسوف وتضيق وقت الحاضرة قطعها واتى بالحاضرة ثم بنى في صلاة الكسوف على موضع القطع على أصح القولين في المسألة. وفي جعل هذه الصورة من قبيل محل البحث تأمل وان كان قد عدها في الروض في هذا المقام ، فان محل البحث هو زيادة ركن أو نقصانه من الصلاة وهنا ليس كذلك فإن صلاة الكسوف المقطوعة أجنبية عن الصلاة اليومية والإتيان بالصلاة اليومية

١٢١

في أثنائها لا يعد من قبيل زيادة الركن في صلاة الخسوف ولا مناسبة له بذلك كما لا يخفى

(التاسع) ـ لو سلم على نقص من صلاته ساهيا أو ظن انه سلم ثم شرع في فريضة أخرى ولما يأت بينهما بالمنافي ، فإن المروي عن صاحب الزمان (عجل الله فرجه) إتمام الصلاة الأولى بما شرع فيه من الصلاة الثانية واغتفار ما زيد من تكبيرة الإحرام :

روى الطبرسي في الاحتجاج (١) في ما كتبه عبد الله بن جعفر الحميري إليه (عليه‌السلام) «يسأله عن رجل صلى الظهر ودخل في صلاة العصر فلما ان صلى من صلاته العصر ركعتين استيقن انه صلى الظهر ركعتين كيف يصنع؟ فأجاب (عليه‌السلام) ان كان أحدث بين الصلاتين حادثة يقطع بها الصلاة أعاد الصلاتين ، وان لم يكن أحدث حادثة جعل الركعتين الأخيرتين تتمة لصلاة الظهر وصلى العصر بعد ذلك». والظاهر ان المراد بالحادثة ما يقطع الصلاة عمدا وسهوا كالحدث والاستدبار لا ما يقطعها عمدا كالكلام فإنه في حكم الناسي.

وظاهر الأخبار وفتاوى الأصحاب في هذه الصورة هو العدول عن العصر الى صلاة الظهر وانه ينوي بما مضى من الصلاة الظهر ويتم الصلاة ظهرا فلا زيادة على هذا التقدير ، واما على تقدير ظاهر الخبر فإنه يلزم زيادة الركعتين الأوليين بجميع ما اشتملتا عليه من الأركان. والى العمل بمضمون الرواية مال جمع من الأصحاب (رضوان الله عليهم). وقيل انه تبطل الثانية ويعود إلى الأولى فيتمها. وقيل تبطل الاولى وتصح الثانية.

قال العلامة في النهاية ولو نقص من عدد صلاته ناسيا وسلم ثم ذكر تدارك إكمال صلاته وسجد للسهو سواء فعل ما يبطلها عمدا كالكلام أو لا ، اما لو فعل المبطل عمدا وسهوا كالحدث والاستدبار إن ألحقناه به فإنها تبطل ، لعدم إمكان الإتيان بالفائت

__________________

(١) الوسائل الباب ١٢ من الخلل في الصلاة.

١٢٢

من غير خلل في هيئة الصلاة ، ولقول أحدهما (عليهما‌السلام) (١) «إذا حول وجهه عن القبلة استقبل الصلاة استقبالا». ولو فعل المبطل عمدا ساهيا وتطاول الفصل فالأقرب عدم البطلان ، ويحتمل لخروجه عن كونه مصليا فحينئذ يرجع في حد التطاول الى العرف. ولو ذكر بعد ان شرع في أخرى وتطاول الفصل صحت صلاته الثانية وبطلت الأولى وان لم يطل عاد إلى الأولى وأتمها ، وهل يبني الثانية على الاولى؟ فيه احتمال فيجعل ما فعله من الثانية تمام الاولى ويكون وجود التسليم كعدمه لانه سهو معذور فيه والنية والتكبيرة ليستا ركنا في تلك الصلاة فلا تبطلها ، ويحتمل بطلان الثانية لأنها لم تقع بنية الاولى فلا تصير بعد عدمه منها. ولو كان ما شرع فيه ثانيا نفلا فالأقرب عدم البناء لانه لا يتأدى الفرض بنية النفل. انتهى.

وقال شيخنا الشهيد في قواعده : لو ظن انه سلم فنوى فريضة أخرى ثم ذكر نقص الأولى فالمروي عن صاحب الأمر (عجل الله فرجه) الاجزاء عن الفريضة الاولى ، والسر فيه ان صحة التحريم بالثانية موقوف على التسليم من الاولى في موضعه أو الخروج منها ولم يحصلا فجرت التحريمة مجرى الأذكار المطلقة التي لا تخل بصحة الصلاة ، ونية الوجوب في الثانية لغو لعدم مصادفته محلا. وحينئذ هل تجب نية العدول إلى الأولى ، الأقرب عدمه لعدم انعقاد الثانية فهو بعد في الأولى ، نعم يجب القصد إلى انه في الأولى من حين الذكر. انتهى.

وقال شيخنا الشهيد الثاني في الروض في عداد ما يستثني من القاعدة المتقدمة : السادس ـ لو سلم على بعض من صلاته ثم شرع في فريضة أو ظن انه سلم فشرع في فريضة أخرى ولما يأت بينهما بالمنافي فإن المروي عن صاحب الأمر (عليه‌السلام) الاجزاء عن الفريضة الأولى واغتفار ما زيد من تكبيرة الإحرام ، وهل

__________________

(١) في صحيحة محمد بن مسلم الواردة في الوسائل في الباب ٦ من الخلل في الصلاة ، وقد تقدمت ص ٢٩ رقم (٩) وخرجناها من الوافي والتهذيب ولم نخرجها من الوسائل حيث لم نعثر عليها في الأبواب المناسبة لها بالعنوان العام.

١٢٣

يفتقر الى العدول إلى الأولى؟ يحتمله لأنه في غيرها وان كان سهوا كما لو صلى العصر ظانا انه صلى الظهر ثم تبين العدم في الأثناء ، وعدمه وهو الأصح لعدم انعقاد الثانية لأن صحة التحريم بالثانية موقوف على التسليم من الأولى في موضعه أو الخروج بغيره ولم يحصلا. نعم ينبغي ملاحظة كونه في الاولى من حين الذكر بناء على تفسير الاستدامة الحكمية بأمر وجودي ، وعلى التفسير الأصح يكفي في الأفعال الباقية عدم إيقاعها بنية الثانية. انتهى.

أقول : ظاهر كلام الشيخين الشهيدين (عطر الله مرقديهما) القول بمضمون الخبر لما وجهناه به ، ولا يخفى ان مورد الخبر المذكور هو من صلى الظهر ركعتين ثم ذكر بعد ان صلى من العصر ركعتين فأمره (عليه‌السلام) بان يجعل الركعتين الباقيتين من العصر للظهر ويتمها بهما ويكون ما اتى به من الركعتين الأوليين للعصر الواقعتين في البين مغتفرا غير مضر مع اشتمالهما على تكبيرة الإحرام والركوع والسجود ، فتخصيص الاغتفار بتكبيرة الإحرام في كلامهم خاصة لا اعرف له وجها ، وكأنهم بنوا على ان الإتمام وقع بالركعتين الأوليين أو ان الحكم شامل لهما.

والتحقيق ان الرواية المذكورة جارية على خلاف مقتضى الأصول الشرعية لما أشرنا إليه آنفا ، فان مقتضى الأخبار وكلام الأصحاب انه لا فرق بين الإتيان بالظهر على وجه باطل وتركها بالكلية في انه متى ذكر بعد التلبس بصلاة العصر فإنه يعدل إليها بنيته وينوي الظهر حين الذكر ، وما تقدم من الفريضة ينصرف بهذه النية إلى الظهر ايضا كما في ناوي الصوم قبل الظهر أو بعده. وما ذكراه (نور الله ضريحهما) من التعليلات لبطلان الثانية في هذه الصورة يجري أيضا في صورة عدم الإتيان بالأولى بالكلية ، فإن صحة التحريم بالثانية ان أريد به باعتبار الواقع ونفس الأمر فكما انه موقوف على التسليم من الاولى في محله كذلك موقوف على الإتيان بالأولى ، وان أريد باعتبار نظر المكلف فكذلك أيضا إذ لا يجوز له الإتيان بالثانية ما لم يأت بالأولى. وبالجملة فإنه لا فرق عندي بين الأمرين فالواجب حينئذ

١٢٤

الاقتصار في العمل بالرواية على موردها وهو من صلى الظهر ركعتين وذكر بعد ان صلى من العصر ركعتين فإنه ينوي بهاتين الركعتين الباقيتين من العصر الظهر ويتمها بهما ويغتفر له ما تقدم من الزيادات على اشكال في ذلك ايضا ، والاحتياط بالإعادة بعد ذلك طريق السلامة. والله العالم.

(المسألة الرابعة) ـ لو نقص المصلى من صلاته ركعة فما زاد فلا يخلو اما ان يذكر بعد التسليم وقبل فعل المنافي أو بعد فعله ، وعلى الثاني فاما أن يكون ذلك المنافي مما يبطل الصلاة عمدا لا سهوا كالكلام أو مما يبطلها مطلقا كالحدث ونحوه مما تقدم ، فههنا صور ثلاث :

(الاولى) ـ ان يذكر النقصان بعد تسليمه وقبل فعل المنافي مطلقا ، والظاهر انه لا خلاف ولا إشكال في وجوب إتمام الصلاة بدون اعادة تمسكا بالأصل السالم من المعارض وبجملة من الأخبار الصريحة في المقام :

ومنها ـ ما رواه الشيخ في الصحيح عن الحارث بن المغيرة النصري (١) قال : «قلت لأبي عبد الله (عليه‌السلام) انا صلينا المغرب فسها الامام فسلم في الركعتين فأعدنا الصلاة؟ فقال ولم أعدتم أليس قد انصرف رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) في ركعتين فأتم بركعتين ألا أتممتم؟».

وعن على بن النعمان الرازي في الصحيح (٢) قال : «كنت مع أصحابي في سفر وانا إمامهم فصليت بهم المغرب فسلمت في الركعتين الأولتين فقال أصحابي إنما صليت بنا ركعتين فكلمتهم وكلموني فقالوا اما نحن فنعيد فقلت لكني لا أعيد وأتم بركعة فأتممت بركعة ثم سرنا فانيت أبا عبد الله (عليه‌السلام) فذكرت له الذي كان من أمرنا فقال لي أنت كنت أصوب منهم فعلا انما يعيد من لا يدرى ما صلى». ورواه الصدوق في الفقيه في الصحيح عن على بن النعمان (٣).

وما رواه في التهذيب والكافي عن ابى بكر الحضرمي في الحسن (٤) قال :

__________________

(١ و ٢ و ٣ و ٤) الوسائل الباب ٣ من الخلل في الصلاة.

١٢٥

«صليت بأصحابي المغرب فلما ان صليت ركعتين سلمت فقال بعضهم انما صليت ركعتين فأعدت فأخبرت أبا عبد الله (عليه‌السلام) فقال لعلك أعدت فقلت نعم فضحك ثم قال إنما يجزئك ان تقوم وتركع ركعة». وزاد في التهذيب (١) «ان رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) سها فسلم في ركعتين ، ثم ذكر حديث ذي الشمالين فقال ثم قام فأضاف إليها ركعتين».

وما رواه الشيخ في الصحيح عن العيص (٢) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن رجل نسي ركعة من صلاته حتى فرغ منها ثم ذكر انه لم يركع؟ قال يقوم فيركع ويسجد سجدتين». وأوردها الشيخ في موضع آخر بتغيير في السند (٣) وفيها «ويسجد سجدتي السهو».

وفي الحسن عن الحسين بن ابى العلاء عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) (٤) قال : «قلت أجي‌ء الى الامام وقد سبقني بركعة في الفجر فلما سلم وقع في قلبي انى قد أتممت فلم أزل اذكر الله تعالى حتى طلعت الشمس فلما طلعت الشمس نهضت فذكرت ان الامام قد سبقني بركعة؟ قال فان كنت في مقامك فأتم بركعة وان كنت قد انصرفت فعليك الإعادة».

وفي الموثق عن عمار الساباطي (٥) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن رجل صلى ثلاث ركعات وهو يظن انها اربع فلما سلم ذكر انها ثلاث؟ قال يبنى على صلاته متى ما ذكر ويصلى ركعة ويتشهد ويسلم ويسجد سجدتي السهو وقد جازت صلاته».

قال المحدث الكاشاني في الوافي ـ بعد ذكر الأخبار المتضمنة لإعادة الصلاة مثل صحيحتي على بن النعمان الرازي والحارث بن المغيرة ورواية أبي بكر الحضرمي ـ ما صورته. المستفاد من هذه الأخبار صحة إعادة الصلاة أيضا في مواضع السهو

__________________

(١ و ٢ و ٥) الوسائل الباب ٣ من الخلل في الصلاة.

(٣) الوسائل الباب ١١ من الركوع.

(٤) الوسائل الباب ٦ من الخلل في الصلاة.

١٢٦

والنسيان وان الجبران والإتمام رخصة وتسهيل وان الله تعالى يحب أن يؤخذ برخصه. انتهى.

أقول : لا يخفى ان ظاهر كلامه ان الحكم الشرعي بالنسبة إلى العالم بالمسألة وان من ترك ركعة ساهيا فإنه يأتي بها ما لم يتخلل أحد المبطلات انما هو الإعادة من رأس وان الإتمام بالإتيان بتلك الركعة انما هو رخصة. والظاهر بعده والإعادة في هذه الأخبار انما وقعت من حيث الجهل بحكم المسألة وإلا فحكمها انما هو الإتمام بما نقصه ، وهذا هو الحكم الشرعي فيها لا انه رخصة ، ولكن أولئك لجهلهم بحكم المسألة لم يجدوا بدا من الإعادة من رأس ولهذا ان الامام أنكر عليهم الإعادة ، فقال في الخبر الأول «ولم أعدتم؟» ونحوه في الخبرين الآخرين ، غاية الأمر انه مع إعادة الصلاة من رأس وإبطال الأولى لا يمكن الحكم ببطلان ما اتى به من الصلاة المعادة. على انك قد عرفت مما تقدم في غير موضع سيما في مقدمات كتاب الطهارة انه مع الجهل بالحكم الشرعي فالواجب في العمل هو الأخذ بالاحتياط وهو يتأتى بالإعادة البتة كما لا يخفى ، وانما يبقى الكلام في إبطاله الاولى وتركه الإتمام لها وهذا مغتفر له لموضع الجهل. واما قوله (عليه‌السلام) في صحيحة على بن النعمان : «أنت كنت أصوب منهم فعلا» فهو محمول على ان أفعل التفضيل بمعنى أصل الفعل كما هو شائع في الكلام فلا يدل على ان ما فعلوه كان صوابا إلا ان يخص من حيث الجهل كما أشرنا اليه. وبالجملة فإن مظهر الخلاف بين ما ذكرناه وبين ما ذكره انما هو في المتعمد العالم بان الحكم هو الإتمام هل يسوغ له ترك الإتمام والانتقال إلى الإعادة أم لا؟ ومقتضى كلامه المذكور الأول ومقتضى ما ذكرناه هو الثاني لأن غاية ما دلت عليه الأخبار المذكورة وقوع الإعادة جهلا.

الثانية ـ ان يذكر النقصان بعد فعل المنافي عمدا لا سهوا كالكلام ، والمشهور عدم وجوب الإعادة ، وقال الشيخ في النهاية تجب عليه الإعادة وهو منقول عن ابى الصلاح الحلبي ، ونقل في المبسوط قولا عن بعض أصحابنا بوجوب الإعادة في

١٢٧

غير الرباعية ، والمختار هو القول المشهور. وقد مر تحقيق المسألة في المسألة السادسة من المسائل الملحقة بالمقام الثاني من المطلب الأول (١).

الثالثة ـ ان يذكر النقصان بعد فعل المنافي عمدا وسهوا كالحدث والفعل الكثير الذي تنمحي به صورة الصلاة ، والمشهور الابطال ووجوب الإعادة ، وقال ابن بابويه في المقنع على ما نقله غير واحد من أصحابنا : ان صليت ركعتين من الفريضة ثم قمت فذهبت في حاجة لك فأضف إلى صلاتك ما نقص ولو بلغت الصين ، ولا تعد الصلاة فان إعادة الصلاة في هذه المسألة مذهب يونس بن عبد الرحمن.

والذي يدل على المشهور ما رواه الشيخ في الصحيح عن جميل (٢) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن رجل صلى ركعتين ثم قام. قال يستقبل. قلت فما يروى الناس.؟ فذكر له حديث ذي الشمالين فقال ان رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) لم يبرح من مكانه ولو برح استقبل».

وعن ابى بصير في الموثق (٣) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن رجل صلى ركعتين ثم قام فذهب في حاجته؟ قال يستقبل الصلاة. قلت فما بال رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) لم يستقبل حين صلى ركعتين؟ فقال ان رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) لم ينفتل من موضعه».

وعن سماعة في الموثق عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) (٤) في حديث قال : «قلت أرأيت من صلى ركعتين فظن انها اربع فسلم وانصرف ثم ذكر بعد ما ذهب انه انما صلى ركعتين؟ قال يستقبل الصلاة من أولها. قال قلت فما بال رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) لم يستقبل الصلاة وانما تم بهم ما بقي من صلاته؟ فقال ان رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) لم يبرح من مجلسه ، فان كان لم يبرح من مجلسه فليتم ما نقص من صلاته إذا كان قد حفظ الركعتين الأولتين».

__________________

(١) ص ٢٣.

(٢ و ٣ و ٤) الوسائل الباب ٣ من الخلل في الصلاة.

١٢٨

وعن محمد بن مسلم عن أحدهما (عليهما‌السلام) (١) قال : «سئل عن رجل دخل مع الإمام في صلاته وقد سبقه بركعة فلما فرغ الامام خرج مع الناس ثم ذكر انه قد فاتته ركعة؟ قال يعيد ركعة واحدة يجوز له ذلك إذا لم يحول وجهه عن القبلة فإذا حول وجهه عن القبلة فعليه ان يستقبل الصلاة استقبالا». وروى هذه الرواية في الفقيه عن محمد بن مسلم (٢) الى قوله «ركعة واحدة».

ويعضد هذه الأخبار ما تقدم من الأخبار الدالة على قواطع الصلاة وبطلانها بالحدث ونحوه.

وقال شيخنا الشهيد في الذكرى : وعد الكليني من مبطلات الصلاة عمدا وسهوا الانصراف عن الصلاة بكليته قبل أن يتمها. وهو مشعر بموافقة القول المشهور فنسبة الصدوق في المقنع هذا القول الى يونس بن عبد الرحمن خاصة مؤذنا بشذوذه ليس في محله مع انا لم نقف على موافق له في ما ذهب اليه لا من المتقدمين ولا من المتأخرين ، نعم يدل عليه جملة من الأخبار :

منها ـ ما رواه الشيخ في الصحيح عن زرارة عن ابى جعفر (عليه‌السلام) (٣) قال : «سألته عن رجل صلى بالكوفة ركعتين ثم ذكر وهو بمكة أو بالمدينة أو بالبصرة أو ببلدة من البلدان انه لمن يصل ركعتين؟ قال يصلى ركعتين».

وأجاب عنها الشيخ تارة بالحمل على صورة الظن دون اليقين وتارة بالحمل على النافلة دون الفريضة. وبعدهما ظاهر.

ومنها ـ ما رواه الشيخ عن محمد ـ وهو ابن مسلم ـ في الصحيح عن ابى جعفر (عليه‌السلام) ورواه الصدوق في الفقيه ايضا عن محمد بن مسلم عن ابى جعفر (عليه‌السلام) (٤) قال : سئل عن رجل دخل مع الإمام في صلاته. الحديث المتقدم الى قوله :

__________________

(١) الوسائل الباب ٦ من الخلل في الصلاة وقد تقدمت ص ٢٩ برقم (٩) وص ١٢٣ برقم (١).

(٢ و ٣) الوسائل الباب ٣ من الخلل في الصلاة.

(٤) الوسائل الباب ٣ من الخلل في الصلاة رقم ١ و ١٢.

١٢٩

«ركعة واحدة». بدون الزيادة.

وما رواه في الفقيه عن عبيد بن زرارة في الصحيح (١) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن رجل صلى ركعة من الغداة ثم انصرف وخرج في حوائجه ثم ذكر انه صلى ركعة؟ قال فليتم ما بقي».

وعن عبيد بن زرارة في الموثق بعبد الله بن بكير (٢) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن الرجل يصلى الغداة ركعة ويتشهد ثم ينصرف ويذهب ويجي‌ء ثم يذكر بعد انه انما صلى ركعة؟ قال يضيف إليها ركعة».

ونقل عن الشيخ انه حمل هذه الأخبار على ما إذا لم يحصل الاستدبار. ولا يخفى ما فيه.

وما رواه الشيخ في الموثق عن عمار (٣) في جملة حديث قال فيه «والرجل يذكر بعد ما قام وتكلم ومضى في حوائجه انه انما صلى ركعتين في الظهر والعصر والعتمة والمغرب؟ قال يبنى في صلاته فيتمها ولو بلغ الصين ولا يعيد الصلاة». ورواه ابن بابويه ايضا (٤) بتفاوت في المتن.

وجمع في المدارك بين هذه الأخبار بحمل هذه الأخبار على الجواز وما تضمن الاستئناف على الاستحباب. واقتفاه في هذا الحمل جملة ممن تأخر عنه من الأصحاب واحتمل جملة من المتأخرين : منهم ـ شيخنا المجلسي في البحار حمل هذه الأخبار على التقية. وهو جيد لما عرفت من ان الحمل على ذلك لا يتوقف على وجود القائل به من المخالفين ، وانما الوجه في ذلك هو انه لما كان مذهب جمهور الأصحاب (رضوان الله عليهم) من المتقدمين والمتأخرين هو الإبطال والإعادة كما عرفت انه مذهب يونس من القدماء والكليني وبه صرح الشيخان ولم ينقل الخلاف في ذلك إلا عن ابن بابويه ، ومن الظاهر ان شهرة القول بذلك بين المتقدمين مؤذن بكونه مذهب

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ٦ من الخلل في الصلاة.

(٣ و ٤) الوسائل الباب ٣ من الخلل في الصلاة.

١٣٠

أئمتهم (عليهم‌السلام) ويعضده انه هو الأوفق بالاحتياط. وبالجملة فالعمل على القول المشهور والاحتياط بالإتمام ثم الإعادة أولى. والله العالم.

فرع

لو نسي التسليم ثم ذكر بعد فعل المنافي عمدا كالكلام فالمشهور ـ بل الظاهر انه لا خلاف فيه ـ عدم بطلان الصلاة.

ولو ذكر بعد فعل المنافي عمدا وسهوا فالمشهور بطلان الصلاة بناء على القول بوجوبه كما هو المشهور لأن المنافي حينئذ واقع في أثناء الصلاة بناء على القول المذكور ونقل في المدارك عن جده أنه استشكله بان التسليم ليس بركن فلا تبطل الصلاة بتركه سهوا وان فعل المنافي ، قال اللهم إلا ان يقال بانحصار الخروج من الصلاة فيه وهو في حيز المنع. ثم اعترضه بأنه يمكن دفعه بان المقتضي للبطلان على هذا التقدير ليس هو الإخلال بالتسليم وإنما هو وقوع المنافي في أثناء الصلاة فإن ذلك يتحقق بفعله قبل الفراغ من الأفعال الواجبة وان لم يتعقبه ركن كما في حال التشهد.

أقول : لا يخفى ان كلام جده المذكور مشعر بالجواب عن هذا الاعتراض ، وذلك فان المفهوم منه ان الإبطال لا يمكن استناده الى ترك التسليم لان التسليم ليس بركن فلا تبطل الصلاة بتركه سهوا ولا الى فعل المنافي في هذا المقام لانه مبنى على ان الخروج من الصلاة لا يتحقق إلا بالتسليم وهو ممنوع.

ولا يخفى ان ما ادعاه السيد من وقوع المنافي في أثناء الصلاة انما يتم بناء على عدم الخروج من الصلاة إلا بالتسليم وإلا فمتى قيل بالخروج منها قبله كما يشير اليه كلام جده فان المنافي لم يقع في أثناء الصلاة لأن الخصم يدعى انه قد خرج من الصلاة ولا توقف له على التسليم. نعم يبقى الكلام مع جده في ما ادعاه من منع انحصار الخروج من الصلاة في التسليم وهي مسألة أخرى.

ثم قال السيد المشار اليه على اثر الكلام المتقدم : ومع ذلك فالأجود عدم

١٣١

بطلان الصلاة بفعل المنافي قبله وان قلنا بوجوبه لما رواه الشيخ في الصحيح عن زرارة عن ابى جعفر (عليه‌السلام) (١) قال : «سألته عن الرجل يصلى ثم يجلس فيحدث قبل ان يسلم؟ قال تمت صلاته». وفي الصحيح عن زرارة أيضا عن ابى جعفر (عليه‌السلام) (٢) «عن الرجل يحدث بعد ان يرفع رأسه من السجدة الأخيرة وقبل ان يتشهد؟ قال ينصرف فيتوضأ فإن شاء رجع الى المسجد وان شاء ففي بيته وان شاء حيث شاء قعد فيتشهد ثم يسلم ، وان كان الحدث بعد الشهادتين فقد مضت صلاته». انتهى.

أقول : قد عرفت في فصل التسليم ان المختار الذي تجتمع عليه الأخبار في مسألة التسليم هو القول بكونه واجبا خارجا وهذه الاخبار التي ذكرها ونحوها انما خرجت بناء على هذا القول وان لم يهتد اليه هو ولا غيره من جمهور الأصحاب والا فإنه متى كان التسليم واجبا داخلا كما هو المفروض في كلامه ، فإنه يلزم أن يكون الحدث الواقع بعد التشهد وقبل التسليم واقعا في أثناء الصلاة كما الزم به جده في ما قدمنا من كلامه ، ولا يعقل هنا خصوصية لإبطاله قبل التشهد ولا بعده قبل التسليم بناء على القول المذكور بل الحال في المقامين واحدة ، إذ العلة الموجبة للإبطال في الموضعين واحدة وهي وقوع الحدث في أثناء الصلاة.

والعجب كل العجب انه (قدس‌سره) قد قال في مسألة التسليم في الاستدلال على استحبابه حيث انه اختار ذلك ما لفظه : ويدل عليه ايضا أنه لو وجب التسليم لبطلت الصلاة بتخلل المنافي بينه وبين التشهد واللازم باطل فالملزوم مثله ، اما الملازمة فإجماعية واما بطلان اللازم فلما رواه زرارة في الصحيح ، ثم ساق هذه الروايات المذكورة. وحينئذ فمتى كانت هذه الملازمة إجماعية بمقتضى كلامه هذا ـ وليست هذه الملازمة إلا عبارة عن انه متى وجب التسليم لزم بطلان الصلاة بتخلل المنافي في الموضع المذكور ـ فكيف يقول هنا ان الأجود عدم بطلان الصلاة بفعل المنافي قبله وان قلنا بوجوبه؟ ما هذا إلا تناقض ظاهر كما لا يخفى على كل ناظر

__________________

(١) الوسائل الباب ٣ من التسليم.

(٢) الوسائل الباب ١٣ من التشهد.

١٣٢

وبالجملة فهذه الروايات لا تنطبق إلا على القول بالاستحباب كما اختاره في المسألة أو القول بكونه واجبا خارجا كما اخترناه وإلا فالتزام القول بها مع القول بكونه واجبا داخلا ـ كما يشعر به كلامه هنا ـ سفسطة ظاهرة كما لا يخفى. والله العالم.

المسألة الخامسة ـ إذا أخل بواجب سهوا فمنه ما تتم معه الصلاة من غير تدارك ومنه ما يتدارك من غير سجود ومنه ما يتدارك مع سجدتي السهو ، فههنا صور ثلاث :

الاولى ـ ما تتم معه الصلاة من غير تدارك ولا سجود للسهو ، وتفصيل القول فيها ان من سها عن واجب تداركه ما لم يدخل في ركن كما لو سها عن القراءة مثلا أو بعض واجباتها قبل الركوع فإنه يتداركها ما لم يركع ، فلو ركع مضى في صلاته لاستلزام تداركها زيادة ركن ، أو يلزم من تداركه زيادة ركن كما إذا سها عن الذكر الواجب في الركوع أو الطمأنينة فيه حتى يرفع رأسه فإن العود الى ذلك وتداركه مستلزم لزيادة الركن. ونحوه من سها عن الذكر في السجود أو السجود على الأعضاء السبعة أو الطمأنينة فيه حتى يرفع رأسه. نعم يستثني من ذلك السجود على الجبهة حيث ان السجود لا يتحقق بدون وضعها فإن الإخلال به في السجدتين يكون موجبا للإبطال ، وقد نبه على ذلك الشهيد في البيان.

ومن الأخبار الدالة على صحة الصلاة مع نسيان أحد الواجبات ما رواه الشيخ عن محمد بن مسلم عن ابى جعفر (عليه‌السلام) (١) قال : «ان الله عزوجل فرض الركوع والسجود ، والقراءة سنة ، فمن ترك القراءة متعمدا أعاد الصلاة ومن نسي القراءة فقد تمت صلاته ولا شي‌ء عليه».

وعن منصور بن حازم في الموثق (٢) قال : «قلت لأبي عبد الله (عليه‌السلام) انى صليت المكتوبة فنسيت ان اقرأ في صلاتي كلها؟ فقال أليس قد أتممت

__________________

(١) الوسائل الباب ٢٧ من القراءة.

(٢) الوسائل الباب ٢٩ من القراءة.

١٣٣

الركوع والسجود؟ قلت بلى. قال تمت صلاتك إذا كان نسيانا».

وعن معاوية بن عمار في الصحيح عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) (١) قال : «قلت الرجل يسهو في القراءة في الركعتين الأولتين فيذكر في الركعتين الأخيرتين انه لم يقرأ؟ قال أتم الركوع والسجود؟ قلت نعم. قال انى اكره أن أجعل آخر صلاتي أولها».

وعن ابى بصير في الموثق (٢) قال : «إذا نسي أن يقرأ في الأولى والثانية أجزأه تسبيح الركوع والسجود وان كانت الغداة فنسي ان يقرأ فيها فليمض في صلاته».

وعن الحسين بن حماد في القوى عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) (٣) قال : «قلت له أسهو عن القراءة في الركعة الأولى؟ قال اقرأ في الثانية. قلت أسهو في الثانية؟ قال اقرأ في الثالثة. قلت أسهو في صلاتي كلها؟ قال إذا حفظت الركوع والسجود فقد تمت صلاتك».

وعن القداح عن جعفر عن أبيه (عليهما‌السلام) (٤) «ان عليا (عليه‌السلام) سئل عن رجل ركع ولم يسبح ناسيا؟ قال تمت صلاته».

وعن على بن يقطين (٥) قال : «سألت أبا الحسن الأول (عليه‌السلام) عن رجل نسي تسبيحة في ركوعه وسجوده؟ قال لا بأس بذلك».

الى غير ذلك من الأخبار الواردة بنسيان السجدة والتشهد وان تضمن بعضها القضاء بعد الفراغ.

ومما يدل على التدارك ما لم يدخل في ركن رواية أبي بصير (٦) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن رجل نسي أم القرآن؟ قال ان كان لم يركع فليعد أم القرآن».

__________________

(١) الوسائل الباب ٣٠ و ٥١ من القراءة.

(٢) الوسائل الباب ٢٩ من القراءة.

(٣) الوسائل الباب ٣٠ من القراءة.

(٤ و ٥) الوسائل الباب ١٥ من الركوع.

(٦) الوسائل الباب ٢٨ من القراءة.

١٣٤

ثم انه ينبغي ان يستثني من هذا الحكم الجهر والإخفات فإنه لا يتداركه وان لم يدخل في ركن كما تقدم (١) في صحيحتي زرارة من انه متى فعل شيئا ناسيا أو ساهيا أو لا يدرى فلا شي‌ء عليه.

الثانية ـ ما يتدارك من غير سجود وذلك في مواضع : (منها) من نسي قراءة الحمد حتى قرأ السورة أو بعضها فإنه يرجع الى الحمد ثم يقرأ سورة بعدها ، وربما ظهر من بعض العبارات وجوب قراءة السورة الأولى بعينها.

ويدل عليه قوله (عليه‌السلام) في كتاب الفقه (٢) : وان نسيت الحمد حتى قرأت السورة ثم ذكرت قبل ان تركع فاقرأ الحمد وأعد السورة وان ركعت فامض على حالتك. انتهى.

قال في المدارك ـ بعد قول المصنف : الثاني من نسي قراءة الحمد حتى قرأ السورة استأنف الحمد وسورة ـ ما لفظه : انما نكر المصنف السورة للتنبيه على انه لا يتعين قراءة السورة التي قرأها أو لا بل يتخير بعد الحمد أي سورة شاء. انتهى.

ونحوه كلام جده في الروض حيث ان عبارة المصنف ظاهرة في إعادة السورة نفسها فاعترضه فقال : ويفهم من قوله : «أعادها» وجوب إعادة السورة التي قرأها بعينها وليس متعينا بل يتخير بين إعادتها وقراءة غيرها لوقوعها فاسدة فساوت غيرها. انتهى. وهو جيد إلا ان ظاهر الخبر المتقدم كما عرفت خلافه والاحتياط يقتضي الوقوف عليه.

وممن صرح أيضا بإعادة السورة بعينها الشهيد في الذكرى فقال : لو ترك الحمد حتى قرأ السورة وجب بعد قراءة الحمد إعادة السورة. انتهى.

ومنها ـ من نسي السجدتين أو إحداهما فإنه يتلافاهما ما لم يركع ثم يقوم ويأتي بما يلزمه من قراءة أو تسبيح.

وهذا الحكم في السجدة الواحدة موضع اتفاق كما نقله غير واحد ، ويدل

__________________

(١) ج ٨ ص ١٣٠ و ١٣١.

(٢) ص ٩.

١٣٥

عليه من الأخبار ما رواه الشيخ في الصحيح عن إسماعيل بن جابر عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) (١) «في رجل نسي أن يسجد السجدة الثانية حتى قام فذكر وهو قائم انه لم يسجد؟ قال فليسجد ما لم يركع فإذا ركع فذكر بعد ركوعه انه لم يسجد فليمض على صلاته حتى يسلم ثم يسجدها فإنها قضاء».

وما رواه ابن بابويه في الصحيح عن ابن مسكان عن ابى بصير (٢) ـ وهو ليث المرادي بقرينة الراوي عنه ـ قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن رجل نسي أن يسجد سجدة واحدة فذكرها وهو قائم؟ قال يسجدها إذا ذكرها ما لم يركع فان كان قد ركع فليمض على صلاته فإذا انصرف قضاها وحدها وليس عليه سهو».

وانما الخلاف في السهو عن السجدتين فالمشهور سيما بين المتأخرين انه كالأول في وجوب الرجوع ما لم يركع ، ونقله في الذخيرة عن المفيد في الرسالة الغرية ، ومنهم من صرح بوجوب سجدتي السهو للقيام الذي زاده ، وذهب ابن إدريس الى ان نسيان السجدتين بعد قيامه الى الركوع يوجب إعادة الصلاة ونقل ايضا عن ابى الصلاح ، وبه صرح الشيخ المفيد في المقنعة حيث قال : ان ترك سجدتين من ركعة واحدة أعاد على كل حال وان نسي واحدة منهما حتى ذكرها في الركعة الثانية قبل الركوع أرسل نفسه وسجدها ثم قام.

احتج من ذهب الى القول الأول بأن القيام ان كان انتقالا عن المحل لم يعد إلى السجدة الواحدة والا عاد الى السجدتين.

واستدل للقول الثاني بالروايات الدالة على بطلان الصلاة بنسيان السجود (٣) خرج منها ما دل على عدم البطلان بنسيان السجدة الواحدة بالخبرين المتقدمين وبقي ما عداه. والفرق بين السجدة والسجدتين بعد الركوع ظاهر للحكم بالصحة في الأول والبطلان في الثاني فيمكن ان يكون ما قبل الركوع كذلك أيضا.

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ١٤ من السجود.

(٣) الوسائل الباب ٩ من الركوع.

١٣٦

وأيد القول المشهور في المدارك بإطلاق صحيحة ابن سنان عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) (١) انه قال : «إذا نسيت شيئا من الصلاة ركوعا أو سجودا أو تكبيرا فاقض الذي فاتك سهوا». ورواية محمد بن مسلم الصحيحة المتضمنة لتدارك الركوع بعد السجدتين (٢) قال : فإنه إذا جاز تداركه مع تخلل السجدتين اللتين هما ركن في الصلاة جاز تدارك السجود مع تخلل القيام خاصة بطريق اولى. انتهى.

ويمكن المناقشة في صحيحة ابن سنان المذكورة بما سيأتي إيضاحه قريبا ان شاء الله تعالى ، وكذا في صحيحة محمد بن مسلم بان ما دلت عليه من الحكم المذكور خارج عن مقتضى القواعد الشرعية مع معارضتها بالأخبار الكثيرة ، وقد تقدم الكلام فيها في المسألة الأولى.

وبالجملة فالمسألة لا تخلو من شوب الإشكال ، والاحتياط فيها مطلوب على كل حال بالرجوع والإتمام ثم الإعادة من رأس وان كان القول الأول لا يخلو من قوة.

وتمام تحقيق البحث في المقام يتوقف على بيان أمور (الأول) لا كلام في انه لو كان المنسي مجموع السجدتين عاد إليهما من غير جلوس واجب قبلهما.

اما لو كان المنسي إحداهما فإن كان قد جلس عقيب الأولى واطمأن بنية الفصل أو لا بنيته فإنه لا كلام في انه لا يجب الرجوع الى الجلوس قبل السجدة.

اما لو لم يجلس أو جلس ولم يطمئن فقيل انه يجب الجلوس وبه صرح شيخنا الشهيد الثاني في الروض وسبطه السيد السند في المدارك ، وعلله في المدارك بان الجلوس من أفعال الصلاة ولم يأت به مع بقاء محله فيجب تداركه. قال في الذخيرة بعد نقل نحو ذلك عن الروض ايضا : ويمكن المنازعة فيه بان القدر الثابت الجلوس الفاصل بين السجدتين المتصل بهما وقد فات ولا يمكن تداركه لا مطلقا. انتهى. وظني ضعف هذه المنازعة فإن ما ذكره من الخصوصيتين المذكورتين لا دخل لهما في وجوب الجلوس وان اتفق ذلك وإلا للزم اجراء ما ذكره في الاجزاء التي يجب تداركها مطلقا.

__________________

(١) الوسائل الباب ٢٦ من الخلل في الصلاة.

(٢) ص ١٠٨.

١٣٧

وقيل بعدم الوجوب ، قال في الذخيرة : وهو قول المصنف في المنتهى وهو المحكي عن الشيخ في المبسوط استنادا الى ان الفصل بين السجدتين تحقق بالقيام. ورد بان الواجب ليس هو مطلق الفصل بل الجلوس الفاصل ولم يحصل.

وبالجملة فالظاهر هو قوة القول الأول سيما مع أوفقيته بالاحتياط.

(الثاني) ـ قال في الروض بناء على ما اختاره من وجوب الجلوس في المسألة المذكورة : ولو شك هل جلس أم لا؟ بنى على الأصل فيجب الجلوس وان كان حالة الشك قد انتقل عن محله لأنه بالعود إلى السجدة مع استمرار الشك يصير في محله فيأتي به. ومثله ما لو تحقق نسيان سجدة وشك في الأخرى فإنه يجب عليه الإتيان بهما معا عند الجلوس وان كان ابتداء الشك بعد الانتقال. انتهى. وهو جيد.

اما لو نوى بالجلوس الاستحباب لظنه انه قد اتى بالسجدتين وان ذلك الجلوس إنما هو جلسة الاستراحة فهل يكتفي به؟ وجهان أحدهما نعم ، لاقتضاء نية الصلاة ابتداء كون كل فعل في محله وذلك يقتضي كون هذه الجلسة للفصل فلا تعارضها النية الطارئة سهوا بالاستراحة ، وثانيهما العدم لتنافي وجهي الوجوب والندب فلا يجزئ أحدهما عن الأخر ، وقوله (عليه‌السلام) «انما لكل امرئ ما نوى» (١).

والظاهر هو الأول لا لما ذكر من التعليل فإنه عليل بل للأخبار الكثيرة الدالة على انه لو دخل في الصلاة بنية الفريضة ثم سها في أثنائها وقصد ببعض أفعالها الندب وانها نافلة لم يضره ذلك بل يبنى على النية الأولى (٢).

وقد تقدم تحقيق القول في ذلك في كتاب الطهارة في باب الوضوء في المقامات التي في تحقيق النية ونقل جملة من الأخبار في المقام.

ومن تلك الأخبار ما رواه الشيخ عن عبد الله بن ابى يعفور عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) (٣) قال : «سألته عن رجل قام في صلاة فريضة فصلى ركعة وهو

__________________

(١) الوسائل الباب ٥ من مقدمة العبادات.

(٢ و ٣) الوسائل الباب ٢ من النية.

١٣٨

ينوي أنها نافلة؟ قال هي التي قمت فيها ولها. وقال إذا قمت وأنت تنوي الفريضة فدخلك الشك بعد فأنت في الفريضة على الذي قمت له ، وان كنت دخلت فيها وأنت تنوي النافلة ثم انك تنويها بعد فريضة فأنت في النافلة ، وانما يحسب للعبد من صلاته التي ابتدأ في أول صلاته». ونحوها أخبار أخر تقدمت في المقام المشار اليه.

(الثالث) ـ لا اشكال ولا خلاف في انه لو كان قد تشهد أو قرأ أو سبح ثم ذكر نسيان السجود فإنه يجب اعادة ما اتى به أولا رعاية لوجوب الترتيب.

ولو فرض ان المنسي السجود الأخير وذكر بعد التشهد اعادة ثم تشهد وسلم وهذا على القول بوجوب التسليم واضح لذكره في محله قبل الخروج من الصلاة ، واما على القول بندبه فهل يعود الى السجود أو تبطل الصلاة لو كان المنسي السجدتين ويقضى السجدة الواحدة لو كان المنسي واحدة؟ إشكال ينشأ من ان آخر الصلاة على هذا التقدير التشهد فيفوت محل التدارك ، ومن إمكان القول بتوقف الخروج من الصلاة حينئذ على فعل المنافي أو التسليم فما لم يحصلا لا يتحقق الخروج من الصلاة.

وربما قيل بمجي‌ء الإشكال وان ذكر بعد التسليم ، ووجه قضاء السجدة حينئذ أو بطلان الصلاة بنسيان السجدتين ظاهر للخروج من الصلاة بالتسليم قبل تداركهما ، ووجه التدارك عدم صحة التشهد والتسليم حيث وقعا قبل تمام السجود لأن قضية الأفعال الصحيحة وقوعها في محلها مرتبة. والكلام ايضا آت في نسيان التشهد الى ان يسلم. وعلى هذا الوجه ان ذكر قبل فعل المنافي تدارك المنسي وأكمل الصلاة وان ذكر بعده بطلت الصلاة. واليه ذهب ابن إدريس في ناسي التشهد حتى يسلم.

وقد صرح جملة من الأصحاب : منهم ـ العلامة بأن فوات محل هذه الأجزاء بالتسليم مطلقا قوى فيقضى منها ما يقضى وتبطل الصلاة بما هو ركن. وهو جيد.

ومنها ـ من نسي التشهد وذكر قبل ان يركع فإنه يرجع له ويتلافاه ثم يأتي بما يلزمه بعده ويرتبه عليه ، وهو مما لا خلاف فيه.

١٣٩

ويدل عليه جملة من الأخبار : منها ـ ما رواه الشيخ في الصحيح عن سليمان ابن خالد (١) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن رجل نسي أن يجلس في الركعتين الأولتين؟ فقال ان ذكر قبل ان يركع فليجلس وان لم يذكر حتى يركع فليتم الصلاة حتى إذا فرغ فليسلم ويسجد سجدتي السهو».

وعن عبد الله بن سنان في الصحيح عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) (٢) قال : «سألته عن الرجل يصلى ركعتين من المكتوبة فلا يجلس فيهما؟ فقال ان كان ذكر وهو قائم في الثالثة فليجلس وان لم يذكر حتى يركع فليتم صلاته ثم يسجد سجدتين وهو جالس قبل ان يتكلم».

وعن الحلبي في الصحيح أو الحسن عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) (٣) قال : «إذا قمت في الركعتين من الظهر أو غيرها ولم تتشهد فيهما فذكرت ذلك في الركعة الثالثة قبل ان تركع فاجلس وتشهد وقم فأتم صلاتك ، وان أنت لم تذكر حتى تركع فامض في صلاتك حتى تفرغ فإذا فرغت فاسجد سجدتي السهو بعد التسليم قبل ان تتكلم».

الى غير ذلك من الأخبار الآتية قريبا ان شاء الله تعالى.

قال في المدارك : واعلم انه ليس في كلام المصنف (قدس‌سره) ما يدل على حكم نسيان السجود في الركعة الأخيرة والتشهد الأخير والأجود تدارك الجميع إذا ذكر قبل التسليم وان قلنا باستحبابه لإطلاق الأمر بفعلهما وبقاء محلهما ، ولو لم يذكر إلا بعد التسليم بطلت الصلاة ان كان المنسي السجدتين لفوات الركن وقضى السجدة الواحدة والتشهد لإطلاق قوله (عليه‌السلام) في صحيحة ابن سنان (٤) «إذا نسيت

__________________

(١) الوسائل الباب ٧ من التشهد.

(٢) الوسائل الباب ٧ من التشهد. والراوي هو عبد الله بن ابى يعفور ولم نجد رواية بهذا اللفظ لعبد الله بن سنان.

(٣) الوسائل الباب ٩ من التشهد.

(٤) الوسائل الباب ٢٦ من الخلل في الصلاة.

١٤٠