الحدائق الناضرة - ج ٩

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]

الحدائق الناضرة - ج ٩

المؤلف:

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]


المحقق: محمّد تقي الإيرواني
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٥٩

فبالحمل على أيهما كان لا يمكن القول بالبطلان لما تقدم. والله العالم.

المسألة الثالثة ـ المشهور في كلام الأصحاب (رضوان الله عليهم) من غير خلاف يعرف هو تحريم قطع الصلاة اختيارا وقيده جملة من الأصحاب : منهم ـ العلامة في بعض كتبه بالفريضة.

واحتج عليه بوجهين (الأول) ان الإتمام واجب وهو ينافي القطع فيكون القطع محرما (الثاني) قوله تعالى «وَلا تُبْطِلُوا أَعْمالَكُمْ» (١).

والأول منهما لا يخلو من مصادرة ، والثاني لا يخلو من الإجمال المانع من الاستناد إليه في الاستدلال ، ولهذا صرح جملة من محققي متأخري المتأخرين بأنهم لم يقفوا في المسألة على دليل يعتمد عليه وكان بعض المعاصرين يفتي لذلك بجواز قطع الصلاة اختيارا ، ويجوز له في الشكوك المنصوصة قطع الصلاة والإعادة من رأس للخروج عما في بعض صورها من الخلاف.

أقول : والحق ان الدليل على ذلك ما تقدم في الأخبار الكثيرة من ان تحريمها التكبير وتحليلها التسليم (٢). ، فإنه لا معنى لكون تحريمها التكبير إلا تحريم ما كان محللا على المصلى قبل التكبير وانه بالدخول فيها بالتكبير تحرم عليه تلك الأمور من الاستدبار والكلام عمدا والحدث عمدا ونحو ذلك وان هذه الأشياء إنما تحل عليه بالتسليم ، وهذا المعنى من هذه العبارة أظهر من ان يخفى والروايات بهذا المضمون متكاثرة كما تقدمت في فصل التكبير والتسليم فلا مجال للتوقف في ذلك. وبذلك يظهر انه لا يجوز قطع الصلاة ولا الخروج منها الا بالتسليم. نعم يستثني من ذلك ما دلت النصوص على جواز القطع له كما يأتي ان شاء الله تعالى.

ويؤيده ما رواه الشيخ والكليني في الصحيح عن عبد الرحمن بن الحجاج (٣)

__________________

(١) سورة محمد الآية ٣٥.

(٢) الوسائل الباب ١ من تكبيرة الإحرام و ١ من التسليم.

(٣) الوسائل الباب ٨ من قواطع الصلاة. والمسؤول كما في الفروع ج ١ ص ١٠١ والتهذيب ج ١ ص ٢٢٨ والوافي باب «الحديث ومقدماته والنوم في الصلاة» والوسائل هو أبو الحسن «ع».

١٠١

قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن الرجل يصيبه الغمز في بطنه وهو يستطيع ان يصبر عليه أيصلى على تلك الحال أو لا يصلى؟ فقال ان احتمل الصبر ولم يخف إعجالا عن الصلاة فليصل وليصبر».

وقد تقدمت هذه الرواية (١) وتقدمت روايات أخر في معناها ، والتقريب فيها ان الأمر بالصلاة والصبر الذي هو حقيقة في الوجوب ظاهر في تحريم القطع في الصورة المذكورة مع ما عرفت (٢) من الروايات الدالة على كراهة الصلاة مع المدافعة وانه بمنزله من هو في ثيابه ، وإذا ثبت في هذه الصورة ثبت في ما سواها بطريق الاولى ، ولو كان القطع جائزا في حد ذاته لما أمر باحتمال الأذى ولربما تضرر به إلا ان يخاف سبق الحدث فإنه يجوز له القطع من حيث خوف خروجه.

ثم انه قد ذكر الأصحاب من غير خلاف يعرف انه يجوز قطع الصلاة لأشياء وعبر عنها بعض بالضرورة كقبض الغريم وحفظ النفس المحرمة من التلف والضرر وإنقاذ الغريق وقتل الحية التي يخافها على نفسه وإحراز المال ـ وربما قيد بما يضر ضياعه ـ وخوف ضرر الحدث مع إمساكه ، الى غير ذلك. والذي وقفت عليه من اخبار المسألة

ما رواه الصدوق في الصحيح عن حريز عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) (٣) قال : «إذا كنت في صلاة الفريضة فرأيت غلاما لك قد أبق أو غريما لك عليه مال أو حية تتخوفها على نفسك فاقطع الصلاة واتبع غلامك أو غريمك واقتل الحية». ورواه في الكافي عن حريز عن من أخبره عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) مثله (٤).

وعن سماعة (٥) قال : «سألته عن الرجل يكون قائما في الصلاة الفريضة فينسى كيسه أو متاعا يتخوف ضيعته أو هلاكه؟ قال يقطع صلاته ويحرز متاعه ثم يستقبل الصلاة. قلت فيكون في الصلاة الفريضة فتفلت عليه دابة أو تفلت دابته فيخاف ان تذهب

__________________

(١) ص ٦ و ٦٣.

(٢) ص ٦١.

(٣ و ٤ و ٥) الوسائل الباب ٢١ من قواطع الصلاة.

١٠٢

أو يصيب منها عنتا؟ فقال لا بأس بأن يقطع صلاته ويتحرز ويعود الى صلاته».

أقول : والحديث الأول وان دل على قطع الصلاة إلا انه غير صريح ولا ظاهر في الإعادة من رأس بعد الإتيان بتلك الأشياء بل من الجائز بناؤه على ما مضى إلا مع وقوع أحد المبطلات في البين من كلام عمدا أو استدبار أو نحو ذلك ، وكذا آخر الحديث الثاني وقوله فيه : «ويعود الى صلاته» بل هو ظاهر في البناء على ما مضى كما لا يخفى ، وعلى هذا يجب حمل صدر الخبر الثاني وقوله فيه «ثم يستقبل الصلاة» على ما إذا استلزم أحد المبطلات. وبالجملة فالخبران غير صريحين في ما ادعاه الأصحاب من إبطال الصلاة بهذه الأشياء إلا أن يدعى ان القطع إنما يطلق على الإبطال خاصة ولهذا سموا مبطلات الصلاة قواطع في عباراتهم. وهو غير بعيد إذ هو المتبادر من ظاهر هذا اللفظ.

وقسم الشهيدان القطع ههنا إلى الأقسام الخمسة ، فقال في الذكرى بعد حكمه أولا بتحريم القطع إلا في مواضع الضرورة : وقد يجب القطع كما في حفظ الصبي والمال المحترم من التلف وإنقاذ الغريق والمحترق ، وحيث يتعين عليه فلو استمر بطلت صلاته للنهى المفسد للعبادة ، وقد لا يجب بل يباح كقتل الحية التي لا يغلب على الظن أذاها وإحراز المال الذي لا يضر فوته ، وقد يستحب كالقطع لاستدراك الأذان والإقامة وقراءة الجمعة والمنافقين في الظهر والجمعة والائتمام بإمام الأصل وغيره ، وقد يكره كإحراز المال اليسير الذي لا يبالي بفوته مع احتمال التحريم. انتهى

أقول : ما ذكراه (قدس‌سرهما) في صورة وجوب القطع من الكم ببطلان الصلاة لو تعين عليه واستمر في صلاته مبنى على استلزام الأمر بالشي‌ء النهي عن ضده الخاص والظاهر منه في غير موضع من كتابه المذكور عدم القول بذلك ، وبالجملة فالحكم بالبطلان ضعيف بل غايته حصول الإثم.

واما ما ذكراه في صورتي الإباحة والكراهة فمحل إشكال ، لأن الدليل قد دل على تحريم القطع كما قدمنا بيانه ولا يجوز الخروج عنه إلا بدليل ظاهر الدلالة

١٠٣

على الجواز ، وظهور ما ادعوه من الخبرين المذكورين محل منع. وما ذكر من التمثيل بالحية التي لا يغلب على الظن أذاها وإحراز المال الذي لا يضر فوته لا دليل عليه ، والقطع للحية في الخبر الأول وقع مقيدا بخوفها على نفسه ، واما المال فان المفهوم من الروايتين كونه مما يعتد به ويضر بالحال فوته فيكون القطع في الموضعين داخلا تحت القطع الواجب.

وقد وافقنا في هذا الموضع السيد السند (قدس‌سره) في المدارك إلا انه يرجع الى موافقة الجماعة لعدم الدليل على تحريم القطع ، ونحوه الفاضل الخراساني (قدس‌سره) في الذخيرة ، قال في المدارك بعد نقل التقسيم إلى الأقسام الخمسة عن جده وعدها كما ذكره : ويمكن المناقشة في جواز القطع في بعض هذه الصور لانتفاء الدليل عليه إلا انه يمكن المصير اليه لما أشرنا إليه من انتفاء دليل التحريم. انتهى. وفيه انا قد أوضحنا بحمد الله دليل التحريم في المقام بما لا يتطرق اليه نقض ولا إبرام.

ثم انه قال في الذكرى : وإذا أراد القطع فالأجود التحلل بالتسليم. والظاهر ضعفه إذ المتبادر من الخبر انما هو بالنسبة إلى الصلاة التامة. والله العالم.

المطلب الثاني في السهو

وهو عبارة عن زوال الشي‌ء عن القوة الذاكرة مع بقائه في القوة الحافظة ولهذا انه يحصل بالتذكر ، والنسيان عبارة عن زواله عن القوتين معا ولهذا يحتاج إلى المراجعة والتعلم ولا يحصل بمجرد التفكر والتذكر. وربما قيل بالمرادفة بينهما والظاهر الأول. والشك هو تساوى الطرفين ، وقد يطلق السهو في الأخبار وكلام الأصحاب على الشك ايضا.

وكيف كان فالكلام في هذا المطلب يقع في مسائل (الأولى) لا خلاف بين الأصحاب في بطلان الصلاة بالإخلال بركن منها وإن كان سهوا ، وقد تقدم بيان

١٠٤

ذلك في المقصد الأول (١) المشتمل على تعداد أفعال الصلاة وتفصيلها في فصول.

نعم وقع الخلاف هنا في موضعين (الأول) ان من أخل بالركوع ناسيا حتى سجد فهل تبطل صلاته أم لا؟ قولان ، المشهور الأول وهو مذهب الشيخ المفيد والمرتضى وسلار وابن إدريس وابى الصلاح وابن البراج وهو المحكي عن ظاهر ابن ابى عقيل وهو مذهب جمهور المتأخرين.

وقال الشيخ في المبسوط في فصل الركوع : والركوع ركن من أركان الصلاة متى تركه عامدا أو ناسيا بطلت صلاته إذا كان في الركعتين الأولتين من كل صلاة وكذلك إذا كان في الثالثة من المغرب ، وان كان من الركعتين الأخيرتين من الرباعية ان تركه متعمدا بطلت صلاته وان تركه ناسيا وسجد سجدتين أو واحدة منهما أسقط السجدة وقام فركع وتمم صلاته. انتهى. ونقل عنه ذلك أيضا في كتابي الأخبار وقال في فصل السهو من كتاب المبسوط بعد ان قسم السهو على خمسة أقسام وعد منها ما يوجب الإعادة ، فقال في تعداد السهو الذي يوجب الإعادة : ومن ترك الركوع حتى سجد ، وفي أصحابنا من قال يسقط السجود ويعيد الركوع ثم يعيد السجود.

والأول أحوط لأن هذا الحكم مختص بالركعتين الأخيرتين. انتهى. ونحوه قال في الجمل والاقتصاد على ما ذكره في المختلف. وقال في النهاية : فإن تركه ناسيا ثم ذكر في حالة السجود وجب عليه الإعادة فان لم يذكر حتى صلى ركعة أخرى ودخل في الثالثة ثم ذكر أسقط الركعة الاولى وبنى كأنه صلى ركعتين ، وكذلك ان كان قد ترك الركوع في الثانية وذكر في الثانية وذكر في الثالثة أسقط الثانية وجعل الثالثة ثانية وتمم الصلاة.

وقال ابن الجنيد على ما نقله عنه في المختلف : ولو صحت له الأولى وسها في الثانية سهوا لم يمكنه استدراكه كأن أيقن وهو ساجد انه لم يركع فأراد البناء على الركعة الأولى التي صحت له رجوت أن يجزئه ذلك ولو أعاد إذا كان في الأولتين وكان

__________________

(١) ج ٨ ص ١٨ و ٥٧ و ٩١ و ٢٣٤ و ٢٧٣.

١٠٥

الوقت متسعا كان أحب الى ، وفي الثانيتين ذلك يجزئه.

ويقرب منه قول على بن بابويه ، فإنه قال : وان نسيت الركوع بعد ما سجدت من الركعة الأولى فأعد صلاتك لأنه إذا لم تثبت لك الأولى لم تثبت لك صلاتك وان كان الركوع من الركعة الثانية أو الثالثة فاحذف السجدتين واجعل الثالثة ثانية والرابعة ثالثة. كذا نقله عنه في المختلف.

أقول : ما ذكره الشيخ في فصل السهو من المبسوط عن بعض الأصحاب ـ من القول بالتلفيق مطلقا وان كان في الأوليين ـ حكاه العلامة في المنتهى عن الشيخ ايضا

احتج القائلون بالقول المشهور من الابطال مطلقا بأن الناسي للركوع حتى يسجد لم يأت بالمأمور به على وجهه فيبقى تحت عهدة التكليف الى ان يتحقق الامتثال

وما رواه الشيخ في الصحيح عن رفاعة عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) (١) قال : «سألته عن رجل نسي أن يركع حتى يسجد ويقوم؟ قال يستقبل».

وعن ابى بصير عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) (٢) قال : «إذا أيقن الرجل انه ترك ركعة من الصلاة وقد سجد سجدتين وترك الركوع استأنف الصلاة».

وعن إسحاق بن عمار في الموثق (٣) قال : «سألت أبا إبراهيم (عليه‌السلام) عن الرجل ينسى ان يركع؟ قال يستقبل حتى يضع كل شي‌ء من ذلك موضعه».

وخبر ابى بصير (٤) قال : «سألت أبا جعفر (عليه‌السلام) عن رجل نسي أن يركع؟ قال عليه الإعادة».

واعترض في المدارك على الدليل الأول فقال : ويتوجه على الأول ان الامتثال يتحقق بالإتيان بالركوع ثم السجود فلا يتعين الاستئناف ، نعم لو لم يذكر إلا بعد السجدتين اتجه البطلان لزيادة الركن كما هو مدلول الروايتين الأوليين. والرواية الثالثة ضعيفة السند فلا تنهض حجة في إثبات حكم مخالف للأصل. انتهى.

أقول : ظاهر كلام الأصحاب (رضوان الله عليهم) في هذه المسألة من غير

__________________

(١ و ٢ و ٣ و ٤) الوسائل الباب ١٠ من الركوع.

١٠٦

خلاف يعرف انه متى سها عن الركوع حتى دخل في السجود فإنه تبطل صلاته وظاهر السيد (قدس‌سره) هنا المناقشة في هذا الحكم على عمومه ومنع البطلان في صورة ما لو ذكر ترك الركوع في السجدة الأولى أو بعدها قبل الدخول في الثانية وانه يعمل بالتلفيق بغير استئناف ، إذ غاية ما يلزم منه زيادة الواجب وهو غير موجب للبطلان ، وكأنه يجعله في حكم ما لو وقع سهوا. إلا ان ظاهر إطلاق الأصحاب ـ كما أشرنا إليه أولا ـ إنما يتم بناء على الإبطال بزيادة الواجب هنا ، ويعضده موثقة إسحاق بن عمار ورواية أبي بصير الثانية.

ومما يؤيد كلام السيد السند (قدس‌سره) ان المفهوم من كلامهم من غير خلاف يعرف انه لو سها عن واجب يمكن تداركه ثم تداركه فإنه يرتب عليه ما بعده ان كان ثمة واجب ايضا كمن سها عن الحمد حتى قرأ السورة فإنه يجب عليه اعادة الحمد ثم السورة بعدها ، وهكذا ما كان نحو ذلك.

ويدل عليه ما في كتاب الفقه الرضوي حيث قال (عليه‌السلام) (١) : «وان نسيت الحمد حتى قرأت السورة ثم ذكرت قبل ان تركع فاقرأ الحمد وأعد السورة». وقال في موضع آخر (٢) «وان نسيت السجدة من الركعة الأولى ثم ذكرت في الثانية من قبل ان تركع فأرسل نفسك واسجدها ثم قم إلى الثانية وأعد القراءة». وهو صريح في ما دل عليه كلام السيد السند (قدس‌سره).

إلا انه يمكن خروج هذه المسألة التي نحن فيها عن القاعدة المذكورة بما ذكرنا من خبري إسحاق بن عمار وابى بصير إذ لا معارض لهما في البين ، ويمكن تقييدهما بصحيحة رفاعة ورواية أبي بصير الأولى ، ولعله أقرب لما عرفت من ظاهر اتفاقهم على اغتفار زيادة الواجب في مثل ذلك. وكيف كان فالعمل بظاهر روايتي إسحاق ابن عمار وابى بصير الثانية طريق الاحتياط.

احتج الشيخ (قدس‌سره) على ما تقدم نقله عنه ، اما على البطلان في الركعتين

__________________

(١) ص ٩.

(٢) ص ١٠.

١٠٧

الأوليين وثالثة المغرب فبما ذكرناه من الأخبار ، وعلى إسقاط الزائد والإتيان بالفائت في الركعتين الأخيرتين من الرباعية بما رواه في التهذيب عن محمد بن مسلم عن ابى جعفر (عليه‌السلام) (١) «في رجل شك بعد ما سجد انه لم يركع؟ قال فان استيقن فليلق السجدتين اللتين لا ركعة لهما فيبني على صلاته على التمام ، وان كان لم يستيقن إلا بعد ما فرغ وانصرف فليقم فليصل ركعة وسجدتين ولا شي‌ء عليه».

وفي الصحيح عن العيص بن القاسم (٢) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن رجل نسي ركعة من صلاته حتى فرغ منها ثم ذكر انه لم يركع؟ قال يقوم فيركع ويسجد سجدتي السهو».

أقول : قد روى في الفقيه رواية محمد بن مسلم بطريق صحيح ومتن أوضح مما نقله الشيخ ، روى عن العلاء عن محمد بن مسلم ـ وطريقه في المشيخة الى العلاء صحيح ـ عن ابى جعفر (عليه‌السلام) (٣) «في رجل شك بعد ما سجد انه لم يركع؟ فقال يمضي في صلاته حتى يستيقن انه لم يركع فان استيقن انه لم يركع فليلق السجدتين اللتين لا ركوع لهما ويبنى على صلاته على التمام ، فان كان لم يستيقن إلا بعد ما فرغ وانصرف فليقم وليصل ركعة وسجدتين ولا شي‌ء عليه». والظاهر ان هذه الزيادة التي في هذه الرواية قد سقطت من قلم الشيخ كما لا يخفى على من له انس بطريقته في التهذيب وقد نبهنا على ذلك في غير مقام مما تقدم.

وروى هذه الرواية أيضا ابن إدريس في مستطرفات السرائر من كتاب الحسن بن محبوب عن العلاء عن محمد بن مسلم عن ابى جعفر (عليه‌السلام) (٤) «في رجل شك بعد ما سجد انه لم يركع؟ قال يمضى على شكه حتى يستيقن ولا شي‌ء عليه وان استيقن لم يعتد بالسجدتين اللتين لا ركعة معهما ويتم ما بقي عليه من صلاته ولا سهو عليه».

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ١١ من الركوع.

(٣) الفقيه ج ١ ص ٢٢٨ وفي الوسائل الباب ١٢ و ١١ من الركوع.

(٤) الوسائل الباب ١٣ و ١١ من الركوع.

١٠٨

وأجاب المحقق في المعتبر عن رواية الشيخ بان ظاهرها الإطلاق وهو متروك وتخصيصها بالأخيرتين تحكم. وزاد في المدارك الطعن بضعف السند باشتماله على الحكم بن مسكين وهو مجهول ، وأورد على الرواية الثانية بأنها غير دالة على مطلوبه وإنما تدل على وجوب الإتيان بالمنسي خاصة وهو لا يذهب اليه بل يوجب الإتيان بما بعده. انتهى.

أقول : اما ما ذكره في المعتبر ـ من ان الرواية ظاهرها الإطلاق وهو متروك ـ ففيه ان من جملة الأقوال في المسألة كما عرفت القول بالتلفيق مطلقا كما نقله في المبسوط عن بعض الأصحاب ونقله العلامة في المنتهى عن الشيخ ، وحينئذ فكيف يدعى انه متروك لا قائل به؟ واما ما ذكره ـ من ان تخصيصها بالأخيرتين تحكم ، ففيه انه لا يخفى ان الظاهر ان ما ذهب اليه الشيخ هنا إنما هو وجه جمع بين أخبار المسألة ، وذلك لما اشتهر عنه وعن شيخه المفيد كما سيأتي ان شاء الله تعالى من ان كل سهو يلحق الأوليين في الاعداد والأفعال فهو موجب للإعادة ، فجمع بين هذه الأخبار بحمل إطلاقات الإبطال على السهو في الأوليين وثالثة المغرب وما دل على التلفيق وصحة الصلاة على الأخيرتين. وهو وجه وجيه في الجمع بين الأخبار بناء على صحة ما ادعاه في تلك المسألة. نعم يبقى الكلام معه في ثبوت تلك المسألة وهو أمر خارج عن ما نحن فيه. وبذلك يظهر أن طعنه على الشيخ في ما ذكره بأنه تحكم غير جيد.

واما ما ذكره في المدارك من الطعن في السند فقد عرفت ما فيه في غير موضع وانه على مذهب الشيخ وجملة المتقدمين غير متجه ولا معتمد.

بقي الكلام في الجمع بين روايات المسألة ، والشيخ قد جمع بينها بما عرفت وقد أوضحنا ان جمعه جيد بناء على ثبوت ما ادعاه في تلك المسألة ، وبه يندفع اعتراض المتأخرين عليه كما سمعت من كلام صاحب المعتبر.

وقال في المدارك بعد ذكر صحيحة محمد بن مسلم برواية الصدوق : ومقتضى الرواية وجوب الإتيان بالركوع وإسقاط السجدتين مطلقا كما هو أحد الأقوال في

١٠٩

المسألة ، ويمكن الجمع بينها وبين ما تضمن الاستئناف بذلك بالتخيير بين الأمرين وأفضلية الاستئناف.

وقال شيخنا المجلسي (قدس‌سره) في البحار : واما الصحيحة الاولى ـ وأشار بها الى صحيحة محمد بن مسلم برواية الفقيه ـ فلا يمكن العمل بها وترك سائر الأخبار الكثيرة الدالة على بطلان الصلاة بترك الركوع ، إذ لا يتصور له حينئذ فرد يوجب البطلان لأنها تتضمن انه لو لم يذكر ولم يأت به الى آخر الصلاة أيضا لا يوجب البطلان فلا بد اما من طرحها أو حملها على الجواز وغيرها على الاستحباب ، فالعمل بالمشهور اولى على كل حال. ويمكن حمله على النافلة لورود مثله فيها أو على التقية (١) والشيخ حمله على الأخيرتين ، وكذا قال بالتفصيل مع عدم إشعار في الخبر به. انتهى. وهو جيد إلا ان ما اعترض به على الشيخ قد عرفت جوابه وان جمع الشيخ جيد ان ثبت ما ذكره في تلك المسألة.

واما استدلال الشيخ بصحيحة العيص المتقدمة فقد أورد عليه بأنها غير دالة على مطلوبه وإنما تدل على وجوب الإتيان بالمنسي خاصة وهو لا يذهب اليه بل يوجب الإتيان بما بعده. وهو جيد.

وبالجملة فالمسألة لا تخلو من شوب الإشكال والاحتياط فيها مطلوب على كل حال.

واما ما ذكره الشيخ عن ابن بابويه مما قدمنا نقله عنه فقد اعترضه من تأخر عنه بعدم وجود المستند في ذلك.

أقول : لا يخفى ان عبارته المتقدمة مأخوذة من عبارة كتاب الفقه الرضوي على النهج الذي قدمنا ذكره في غير مقام ومنه يعلم ان مستنده إنما هو الكتاب المذكور وكلامه (عليه‌السلام).

قال في الكتاب المشار اليه (٢) : وان نسيت الركوع بعد ما سجدت من الركعة

__________________

(١) البحر الرائق ج ٢ ص ٩٨ والمغني ج ٢ ص ٢٧.

(٢) ص ٩.

١١٠

الأولى فأعد صلاتك لأنه إذا لم تصح لك الركعة الأولى لم تصح صلاتك ، وان كان الركوع من الركعة الثانية أو الثالثة فاحذف السجدتين واجعلها أعني الثانية الأولى والثالثة ثانية والرابعة ثالثة. انتهى.

ولا يخفى ما فيه من الغرابة ، فإن المستفاد من النصوص والفتاوى ان ما ذكره من وجوب المحافظة على الاولى لتصح صلاته ثابت للركعتين الأوليين لا لخصوص الاولى وان الثانية كالثالثة والرابعة ، وقد صرحت النصوص بأن العلة في كون السهو في الأخيرتين دون الأوليين للفرق بين ما فرضه الله وبين ما فرضه رسوله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) ولعل تخصيصه (عليه‌السلام) هذا الحكم بالأولى بناء على مزيد التأكيد في المحافظة عليها لما يظهر من بعض الأخبار وقد تقدم في صدر هذا الكتاب (١) وهو ان الله عزوجل انما فرض الصلاة ركعتين لعلمه بعدم المحافظة على الركعة الاولى والإقبال عليها فوسع لهم بزيادة الثانية. وصورته ما رواه الصدوق في العيون والعلل في علل الفضل بن شاذان المروية عن الرضا (عليه‌السلام) قال : «انما جعل أصل الصلاة ركعتين وزيد على بعضها ركعة وعلى بعضها ركعتان ولم يزد على بعضها شي‌ء لأن أصل الصلاة إنما هي ركعة واحدة لأن أصل العدد واحد فإذا نقصت عن واحدة فليست هي صلاة ، فعلم الله تعالى ان العباد لا يؤدون تلك الركعة الواحدة التي لا صلاة أقل منها بكمالها وتمامها والإقبال عليها فقرن إليها ركعة أخرى ليتم بالثانية ما نقص من الأولى ففرض الله أصل الصلاة ركعتين ، فعلم رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) ان العباد لا يؤدون هاتين الركعتين بتمام ما أمروا به وكماله فضم الى الظهر والعصر والعشاء الآخرة ركعتين ركعتين ليكون بهما تمام الركعتين الأوليين. الحديث».

الموضع الثاني ـ المشهور بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) ان من نسي سجدتين الى ان ركع بعدهما بطلت صلاته وانه لا فرق في ذلك بين الركعتين الأوليين والأخيرتين ، وهو قول الشيخ المفيد والشيخ في النهاية وابى الصلاح وابن إدريس

__________________

(١) ج ٦ ص ١١ وفي الوسائل الباب ١٣ من أعداد الفرائض.

١١١

واليه ذهب جمهور المتأخرين وهو المختار. وقال الشيخ في الجمل والاقتصاد ان السجدتين إذا كانتا من الأخيرتين بنى على الركوع الأول وأعاد السجدتين. ووافق المشهور في موضع من المبسوط ، وقال في موضع آخر منه : من ترك سجدتين من ركعة من الركعتين الأوليين حتى يركع في ما بعدهما أعاد على المذهب الأول وعلى الثاني يجعل السجدتين في الثانية للأولة وبنى على صلاته. وأشار بالمذهب الأول الى ما ذكره في الركوع من انه إذا ترك الركوع حتى سجد أعاد.

حجة القول المشهور انه قد أخل بالركن حتى دخل في ركن آخر فإن أوجبنا عليه الإتيان بالأول ثم الركوع بعده وإتمام الصلاة لزم زيادة ركن وان أوجبنا عليه المضي في صلاته والحال هذه لزم نقصان ركن ، وكلاهما مبطل.

ويؤيده قوله (عليه‌السلام) (١) : «لا تعاد الصلاة إلا من خمسة : الطهور والوقت والقبلة والركوع والسجود».

وقوله في رواية محمد بن مسلم عن أحدهما (عليهما‌السلام) (٢) قال : «ان الله عزوجل فرض الركوع والسجود ، والقراءة سنة ، فمن ترك القراءة متعمدا أعاد الصلاة ومن نسي القراءة فقد تمت صلاته ولا شي‌ء عليه».

وموثقة منصور بن حازم (٣) قال : «قلت لأبي عبد الله (عليه‌السلام) انى صليت المكتوبة فنسيت ان اقرأ في صلاتي كلها؟ فقال أليس قد أتممت الركوع والسجود؟ قلت بلى. قال فقد تمت صلاتك إذا كان نسيانا».

ومفهوم الأول ان نسيان الركوع والسجود يوجب الإعادة بقرينة المقابلة ومفهوم الثاني انه بعدم إتمام السجود لا تتم الصلاة.

هذا. واما القول الآخر فلم نقف له على دليل وبذلك اعترف جملة من المتأخرين ومتأخريهم ، وغاية ما تكلفه في المختلف للاستدلال على ذلك هو ان السجدتين

__________________

(١ و ٣) الوسائل الباب ٢٩ من القراءة.

(٢) الوسائل الباب ٢٧ من القراءة.

١١٢

مساويتان للركوع في جميع الأحكام وقد ثبت جواز التلفيق فيه. وضعفه أظهر من ان يحتاج الى بيان وهل هو إلا قياس محض؟ والله العالم.

المسألة الثانية ـ الظاهر انه لا خلاف بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) في بطلان الصلاة بتعمد زيادة ركعة فيها انما الخلاف في صورة السهو ، فالمشهور انه كذلك من غير فرق بين الرباعية وغيرها ولا بين ان يجلس عقيب الرابعة بقدر التشهد أم لا ، أما إذا لم يجلس دبر الرابعة بقدر التشهد فالقول بالبطلان ايضا موضع اتفاق على ما حكاه جمع : منهم ـ الفاضلان والشهيد وغيرهم ، اما لو جلس القدر المذكور فقد أطلق الأكثر ـ ومنهم الشيخ في جملة من كتبه والسيد المرتضى وابن بابويه وغيرهم ـ البطلان ايضا.

وقال في المبسوط : من زاد ركعة في صلاته أعاد وفي أصحابنا من قال ان كانت الصلاة رباعية وجلس في الرابعة مقدار التشهد فلا اعادة عليه. والأول هو الصحيح لأن هذا قول من يقول ان الذكر في التشهد ليس بواجب. انتهى. ونحوه كلامه في الخلاف ايضا. وهذا القول الذي نقله الشيخ عن بعض أصحابنا أسنده في المختلف الى ابن الجنيد واليه ذهب المحقق في المعتبر والعلامة في التحرير والمختلف وجعله المحقق أحد قولي الشيخ ونسبه في المنتهى الى الشيخ في التهذيب ، وفيه تأمل كما سيأتي

وقال ابن إدريس في السرائر : من صلى الظهر اربع ركعات وجلس في دبر الرابعة فتشهد الشهادتين وصلى على النبي وآله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) ثم قام ساهيا عن التسليم وصلى ركعة خامسة ، فعلى مذهب من أوجب التسليم فالصلاة باطلة ، وعلى مذهب من لم يوجبه فالأولى ان يقال ان الصلاة صحيحة لأنه ما زاد في صلاته ركعة لأنه بقيامه خرج من صلاته. والى هذا القول ذهب شيخنا أبو جعفر في استبصاره ونعم ما قال. انتهى كلامه.

واستدل على القول المشهور بما رواه الشيخ في الحسن عن زرارة وبكير ابني أعين عن ابى جعفر (عليه‌السلام) (١) قال : «إذا استيقن انه زاد في صلاته

__________________

(١) الوسائل الباب ١٩ من الخلل في الصلاة. والشيخ يرويها عن الكليني.

١١٣

المكتوبة لم يعتد بها واستقبل صلاته استقبالا.».

وعن ابى بصير (١) قال : «قال أبو عبد الله (عليه‌السلام) من زاد في صلاته فعليه الإعادة».

أقول : ونحوهما ما رواه الشيخ في التهذيب عن زيد الشحام (٢) قال : «سألته عن الرجل صلى العصر ست ركعات أو خمس ركعات؟ قال ان استيقن انه صلى خمسا أو ستا فليعد. الحديث».

احتج المحقق في المعتبر على ما ذهب إليه بأن نسيان التشهد غير مبطل فإذا جلس قدر التشهد فقد فصل بين الفرض والزيادة.

وما رواه الشيخ في الصحيح عن زرارة عن ابى جعفر (عليه‌السلام) (٣) قال : «سألته عن رجل صلى خمسا؟ فقال ان كان جلس في الرابعة قدر التشهد فقد تمت صلاته».

وعن محمد بن مسلم (٤) قال : «سألت أبا جعفر (عليه‌السلام) عن رجل استيقن بعد ما صلى الظهر انه صلى خمسا؟ قال وكيف استيقن؟ قلت علم. قال ان كان علم انه جلس في الرابعة فصلاة الظهر تامة وليقم فليضف إلى الركعة الخامسة ركعة وسجدتين فتكونان ركعتين نافلة ولا شي‌ء عليه».

أقول : ويدل عليه ايضا ما رواه الصدوق في الصحيح عن جميل بن دراج عن الصادق (عليه‌السلام) (٥) «انه قال في رجل صلى خمسا انه ان كان جلس في الرابعة مقدار التشهد فعبادته جائزة».

وعن العلاء عن محمد بن مسلم في الصحيح عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) (٦) قال : «سألته عن رجل صلى الظهر خمسا؟ فقال ان كان لا يدرى جلس في الرابعة أم لم يجلس فليجعل اربع ركعات منها الظهر ويجلس ويتشهد ثم يصلى وهو جالس ركعتين واربع سجدات فيضيفهما إلى الخامسة فتكون نافلة».

__________________

(١ و ٢ و ٣ و ٤ و ٥ و ٦) الوسائل الباب ١٩ من الخلل في الصلاة.

١١٤

ولا يخفى ما في مضمون هذا الخبر من المخالفة لما عليه الأصحاب (أما أولا) فإن ظاهر الرواية ان الشك في الجلوس وعدمه حكمه حكم الجلوس المحقق في صحة الصلاة على القول به ، ولا قائل به في ما أعلم إلا انه ربما كان في إيراد الصدوق هذه الرواية إشعار بالقول بذلك بناء على قاعدته التي مهدها في صدر كتابه ، وفيه تأمل كما لا يخفى على من راجع كتابه وعلم خروجه عن هذه القاعدة في مواضع عديدة.

و (اما ثانيا) ـ فإنه إذا جعل اربع ركعات من هذه الخمس للظهر فهذا التشهد المذكور في الخبر اما ان يكون للفريضة أو النافلة ، فإن كان للفريضة فهو لا يكون إلا على جهة القضاء لوقوعه بعد الركعة الزائدة ، مع ان التشهد الأول مشكوك فيه والتشهد المشكوك فيه لا يقضى بعد تجاوز محله لأنه في الخبر انه لا يدرى جلس بعد الرابعة أم لا فهو اما شك في التشهد أو في ما قام مقامه وهو الجلوس قدر التشهد ، وان كان للنافلة فالأنسب ذكره بعد الركعتين من جلوس ، واحتمال كونه تشهدا لهذه الركعة الزائدة التي جعلها نفلا على قياس صلاة الاحتياط إذا كانت ركعة من قيام لا يخلو من الإشكال.

ثم انه قد أورد على الحجة الأولى بأن تحقق الفصل بالجلوس لا يقتضي عدم وقوع الزيادة في أثناء الصلاة. وعلى الروايات بان الظاهر ان المراد فيها من الجلوس بقدر التشهد التشهد بالفعل لشيوع هذا الإطلاق وندور تحقق جلوس بقدر التشهد من دون الإتيان به. كذا ذكره في المدارك قال : وبذلك صرح الشيخ في الاستبصار فقال ـ بعد ذكر خبري زرارة ومحمد بن مسلم الأول ـ ان هذين الخبرين لا ينافيان الخبرين الأولين يعني روايتي أبي بصير وابني أعين ، لأن من جلس في الرابعة وتشهد ثم قام وصلى ركعة لم يخل بركن من أركان الصلاة وإنما أخل بالتسليم والإخلال بالتسليم لا يوجب إعادة الصلاة حسبما قدمناه. وقريب منه في التهذيب ايضا. واستحسن هذا الحمل في الذكرى ، قال : ويكون في هذه الأخبار دلالة على ندب التسليم.

أقول : ومما يدل على ما ذكروه من ارادة التجوز في الأخبار المذكورة بحمل

١١٥

الجلوس بقدر التشهد على وقوع التشهد بالفعل صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج البجليّ (١) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن الرجل يدرك الركعة الثانية من الصلاة مع الامام وهي له الأولى كيف يصنع إذا جلس الامام؟ قال يتجافى ولا يتمكن من القعود فإذا كانت الثالثة للإمام وهي له الثانية فليلبث قليلا إذا قام الامام بقدر ما يتشهد ثم يلحق بالإمام. الحديث». فإنه لا إشكال في ان المراد من هذه العبارة ان اللبث وقع للتشهد بالفعل لا بقدره. وهذه الرواية هي مستند الأصحاب في إيجاب التشهد على المسبوق. ونحو ذلك ايضا ما في موثقة سماعة الواردة في من كان في الصلاة منفردا ثم دخل الامام المسجد (٢) حيث قال (عليه‌السلام) فيها : «وان لم يكن امام عدل فليبن على صلاته كما هو ويصلى ركعة أخرى معه ويجلس قدر ما يقول «اشهد ان لا إله إلا الله وحده لا شريك له واشهد ان محمدا عبده ورسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله» ثم ليتم صلاته معه على ما استطاع. الحديث».

وأجاب جملة من الأصحاب : منهم ـ الشيخ في الخلاف عن الأخبار المذكورة بحملها على التقية لموافقتها لمذهب كثير من العامة مثل أبي حنيفة وغيره (٣) قال الشيخ في الخلاف في المقام : وإنما يعتبر الجلوس بمقدار التشهد أبو حنيفة بناء على ان الذكر في التشهد ليس بواجب عنده.

أقول : ومن رواياتهم في المسألة ما رواه مسلم في صحيحة (٤) عن عبد الله ابن مسعود «ان رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) صلى الظهر خمسا فلما سلم قيل له أزيد في الصلاة؟ فقال وما ذاك؟ قالوا صليت خمسا. فسجد سجدتين».

وقال في شرح السنة على ما نقله في البحار : أكثر أهل العلم على انه إذا صلى خمسا ساهيا فصلاته صحيحة يسجد للسهو وهو قول علقمة والحسن البصري وعطاء

__________________

(١) الوسائل الباب ٤٧ من الجماعة.

(٢) الوسائل الباب ٥٦ من الجماعة. ارجع الى استدراكات ج ٨ (٣٣).

(٣) بدائع الصنائع ج ١ ص ١٧٨.

(٤) ج ٢ باب السهو في الصلاة.

١١٦

والنخعي وبه قال الزهري ومالك والأوزاعي والشافعي واحمد وإسحاق ، وقال سفيان الثوري ان لم يكن قعد في الرابعة يعيد الصلاة. وقال أبو حنيفة ان لم يكن قعد في الرابعة فصلاته فاسدة يجب إعادتها وان قعد في الرابعة تم ظهره والخامسة تطوع يضيف إليها ركعة أخرى ثم يتشهد ويسلم ويسجد للسهو (١) انتهى.

ولا ريب أن الأخبار الدالة على البطلان أبعد من مذاهب العامة في هذه المسألة والأخبار الأخيرة موافقة لقول أبي حنيفة.

وبالجملة فإنه لا مناص من أحد الحملين المذكورين وظني ان الأول أقرب لما عرفت من شيوع هذا المجاز في الأخبار ، وبذلك يظهر لك اجتماع الأخبار على وجه لا يعتريه الإنكار ، وبذلك يظهر صحة القول المشهور وانه المؤيد المنصور سيما مع أوفقيته بالاحتياط.

نعم يبقى الكلام هنا في مواضع (الأول) ـ قد روى الشيخ في الضعيف عن زيد بن على عن آبائه عن على (عليهم‌السلام) (٢) قال : «صلى بنا رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) الظهر خمس ركعات ثم انفتل فقال له بعض القوم يا رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) هل زيد في الصلاة شي‌ء؟ قال وما ذاك؟ قال صليت بنا خمس ركعات. قال فاستقبل القبلة وكبر وهو جالس ثم سجد سجدتين ليس فيهما قراءة ولا ركوع ثم سلم وكان يقول هما المرغمتان». وهو ضعيف لا يعول عليه وشاذ نادر من جهات عديدة فلا يلتفت اليه ، وحمل على انه (صلى‌الله‌عليه‌وآله) تشهد ثم قام إلى الخامسة. والأظهر عندي حمله على التقية فإن مذهب العامة صحة الصلاة مع زيادة الخامسة سهوا جلس بعد الرابعة أو لم يجلس (٣) وقد تقدمت روايتهم ذلك عنه (صلى‌الله‌عليه‌وآله) ومن رواياتهم في ذلك ايضا ما رووه عن ابن مسعود (٤)

__________________

(١ و ٣) شرح صحيح مسلم للنووي على هامش إرشاد الساري ج ٣ ص ٢٣٥.

(٢) الوسائل الباب ١٩ من الخلل في الصلاة.

(٤) صحيح مسلم ج ٢ باب السهو في الصلاة.

١١٧

«ان النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) صلى بنا خمسا فلما أخبرناه انفتل فسجد سجدتين ثم سلم وقال إنما أنا بشر مثلكم انسى كما تنسون». نقله شيخنا الشهيد في الذكرى ثم قال بعده : وهذا الحديث لم يثبت عندنا مع منافاته للقواعد العقلية. انتهى.

(الثاني) ـ لو ذكر الزيادة بعد السجود والحال انه قد جلس بعد الرابعة قدر التشهد أو تشهد بالفعل على القولين المتقدمين فالأولى ان يضيف إلى الخامسة ركعة لتكون معها نافلة كما تضمنه خبر محمد بن مسلم المتقدم ، ونحوه صحيحته المتقدمة أيضا وان كان متنها لا يخلو من قصور كما عرفت. ونقل عن العلامة انه احتمل التسليم وسجود السهو. وصرح في الروض بأنه يتشهد ويسجد للسهو ، وهو راجع الى كلام العلامة أيضا ، والنصوص كما ترى خالية من ذلك.

(الثالث) ـ لو ذكر الزيادة قبل الركوع فلا إشكال في الصحة لأنه لم يزد إلا القيام وغاية ما يوجبه سجود السهو ، ولو ذكر بعد الركوع وقبل السجود فنقل عن العلامة القول بالإبطال ، قال : لأنا ان أمرناه بالسجود زاد ركنا آخر في الصلاة وان لم نأمره زاد ركنا غير متعبد به بخلاف الركعة الواحدة لإمكان البناء عليها نفلا. وقيل بأن حكمه حكم ما لو ذكر بعد السجود فيبني صحة الصلاة على الجلوس بعد الرابعة بقدر التشهد أو التشهد بالفعل على القولين المتقدمين والبطلان مع عدم ذلك وهو اختيار الشهيد في الذكرى.

(الرابع) ـ هل ينسحب الحكم إلى زيادة أكثر من ركعة والى غير الرباعية من الثلاثية والثنائية إذا جلس آخرها بقدر التشهد على أحد القولين؟ قال في الروض : وجهان من المساواة في العلة ومخالفة المنصوص الثابت على خلاف الأصل. واختار في الذكرى التعدية فيهما. وأطلق جماعة من الأصحاب البطلان بالزيادة مطلقا لعموم قول الباقر (عليه‌السلام) (١) «إذا استيقن انه زاد في صلاته المكتوبة لم يعتد بها واستقبل صلاته».

__________________

(١) في حسنة زرارة وبكير الواردة ص ١١٣ وفي الوسائل الباب ١٩ من الخلل في الصلاة.

١١٨

أقول : الظاهر انه لا إشكال على ما اخترناه من وقوع التشهد بالفعل في آخر الفريضة بناء على القول باستحباب التسليم أو كونه واجبا خارجا ، فان هذه الزيادة بناء على القولين المذكورين قد وقعت خارجة من الصلاة ، واما على القول بوجوب التسليم ودخوله فإنه لا إشكال في بطلان الصلاة لكن هذه الأخبار باعتبار حملها على وقوع التشهد بالفعل كما كشفنا عنه نقاب الإجمال تدفع هذا القول وترده ، وإنما الإشكال في ما لو قلنا بالاكتفاء بمجرد الجلوس قدر التشهد بناء على الأخذ بظاهر الأخبار المتقدمة ، فإنها حيث كانت واردة على خلاف القواعد الشرعية والضوابط المرعية فالواجب قصرها على مورد المخالفة وهو الركعة الواحدة في الصلاة الرباعية والعمل بالقواعد المذكورة في ما عدا ذلك. والله العالم.

المسألة الثالثة ـ ظاهر الأصحاب (رضوان الله عليهم) من غير خلاف يعرف بطلان الصلاة بزيادة ركن عمدا أو سهوا إلا ما استثنى مما يأتي بيانه ان شاء الله تعالى.

واحتجوا على ذلك (أولا) ـ باشتراك الزيادة والنقيصة في تغيير هيئة الصلاة. و (ثانيا) ـ بما قدمناه (١) في سابق هذه المسألة من حسنة زرارة وبكير المشتملة على ان من استيقن انه زاد في صلاته المكتوبة لم يعتد بها واستقبل الصلاة ، ورواية أبي بصير الدالة على ان من زاد في صلاته فعليه الإعادة.

وأنت خبير بان التعليل الأول عليل لا يبرد الغليل ، واما الخبران المذكوران فظاهرهما حصول البطلان بكل زيادة ركنا كان أو غيره عمدا أو سهوا ، ولا قائل به مع دلالة الأخبار على خلافه. وحملهما على الركن بخصوصه ـ مع خروج جملة من الافراد ومشاركة جملة من الواجبات المزادة عمدا ـ تخصيص بغير مخصص ، على ان ما ذكروه من التسمية لهذه الواجبات المخصوصة بكونها أركانا ثم تفريع ما ذكروه من الأحكام على هذه التسمية يخدشه ان هذا الاسم لا وجود له في الأخبار وإنما ذلك اصطلاح منهم (رضوان الله عليهم) وإلا فبالنظر الى الأخبار بعين

__________________

(١) ص ١١٣ و ١١٨.

١١٩

التحقيق والتأمل بالفهم الصائب الدقيق لا تجد فرقا بين سائر الواجبات وبين هذه الواجبات التي سموها أركانا في أن زيادتها أو نقصانها في بعض المواضع قد يكون موجبا لبطلان الصلاة وقد لا يكون ، وحينئذ فالواجب الرجوع في كل جزئي جزئي وفرد فرد من الأحكام الى النصوص وما دلت عليه من صحة أو إبطال في ركن كان أو واجب ، ولا وجه لهذه الكلية التي زعموها قاعدة ثم استثنوا منها ما ستعرفه ولقائل ان يجرى مثل ذلك في مطلق الواجب ايضا ويجعل ما دلت النصوص على صحة الصلاة مع زيادته أو نقصانه عمدا أو سهوا مستثنى.

وبالجملة ما ذكروه من هذه القاعدة فإني لا اعرف له وجها وجيها لما عرفت مضافا الى اختلافهم في بعض تلك الأركان كما سلف في الفصول المتقدمة كاختلافهم في الركن القيامي والركن السجودى.

ثم ان الأصحاب (رضوان الله عليهم) بناء على ما ذكروه من هذه القاعدة استثنوا من ذلك مواضع أشار إليها شيخنا الشهيد الثاني في الروض :

فمن المستثنى من قاعدة البطلان بزيادة الركن عمدا النية فإن زيادتها غير مبطلة مع عدم التلفظ بها لأن الاستدامة الفعلية أقوى من الحكمية.

ومما يستثني أيضا من بطلان الصلاة بالسهو عن الركن مواضع (الأول) النية أيضا فإن زيادتها سهوا غير مبطلة بطريق أولى.

أقول : وعد النية في هذين الموضعين بناء على النية المتعارفة في كلامهم التي هي عبارة عن التصوير الفكري والكلام النفسي ، واما على ما قدمنا تحقيقه فلا معنى لهذا الكلام.

(الثاني) ـ القيام ان قلنا انه ركن كيف اتفق كما هو أحد الأقوال في المسألة وهو اختيار العلامة ولذا صرح بالاستثناء كما تقدم ذلك في فصل القيام ، واما على مذهب من يجعله قياما خاصا كالقيام المقارن للركوع مثلا فلا استثناء.

(الثالث) ـ الركوع كما سيأتي ان شاء الله تعالى في باب صلاة الجماعة الحكم

١٢٠