الحدائق الناضرة - ج ٨

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]

الحدائق الناضرة - ج ٨

المؤلف:

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]


المحقق: محمّد تقي الإيرواني
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥٤٤

والحق في المقام ان يقال لا ريب ان تسميتهم هذه الأشياء بالأركان وتفسيرهم الركن بأنه ما تبطل به الصلاة عمدا وسهوا والواجب ما تبطل به عمدا لا سهوا انما هو أمر اصطلاحي لا اثر له في النصوص مع انخرام هذه القاعدة عليهم في كثير من المواضع كما عرفت وستعرف ان شاء الله تعالى ، فالواجب الوقوف في جزئيات الأحكام على النصوص الواردة في كل منها بالعموم أو الخصوص وإلغاء هذه القاعدة التي لا ثمرة لها ولا فائدة. والله العالم.

(المسألة الثانية) ـ المشهور بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) وجوب الاستقلال في القيام بمعنى ان لا يستند إلى شي‌ء بحيث لو أزيل السناد سقط ، ونقل عن ابي الصلاح انه ذهب إلى جواز الاستناد على الوجه المذكور وان كان مكروها.

استدل القائلون بالقول المشهور بما رواه الشيخ في الصحيح عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) (١) قال : «لا تمسك بخمرك وأنت تصلي ولا تستند إلى جدار إلا ان تكون مريضا». والخمر بالخاء المعجمة والميم المفتوحتين ما وراءك من شجر ونحوه.

وأضافوا إلى ذلك ان ذلك هو المتبادر من معنى القيام ، ودليل التأسي ، وصحيحة حماد بن عيسى المتقدمة في تعليم الصادق (عليه‌السلام) الصلاة.

والذي يدل على القول الثاني ما رواه الشيخ في الصحيح عن علي بن جعفر عن أخيه موسى (عليه‌السلام) (٢) قال : «سألته عن الرجل هل يصلح له ان يستند إلى حائط المسجد وهو يصلي أو يضع يده على الحائط وهو قائم من غير مرض ولا علة؟ فقال لا بأس. وعن الرجل يكون في صلاة فريضة فيقوم في الركعتين الأوليين هل يصلح له ان يتناول جانب المسجد فينهض يستعين به على القيام من غير ضعف ولا علة؟ قال لا بأس به».

وما رواه الشيخ في الموثق عن عبد الله بن بكير عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) (٣)

__________________

(١ و ٢ و ٣) الوسائل الباب ١٠ من القيام.

٦١

قال : «سألته عن الرجل يصلي متوكأ على عصا أو على حائط؟ فقال لا بأس بالتوكؤ على عصا والاتكاء على الحائط».

وعن سعيد بن يسار (١) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن التكأة في الصلاة على الحائط يمينا وشمالا فقال لا بأس».

إذا عرفت ذلك فاعلم ان من ذهب إلى القول الأول حمل هذه الأخبار على الاستناد الذي لا يكون فيه اعتماد محتجين بان الاستناد والاتكاء في تلك الأخبار أعم مما فيه اعتماد أو لا اعتماد فيه فيحمل على ما لا اعتماد فيه جمعا بين الأخبار. ومن ذهب إلى العمل بهذه الروايات الأخيرة حمل صحيحة عبد الله بن سنان على الكراهة. والظاهر هو الثاني ويؤيد حمل الاستناد في تلك الأخبار على ما فيه اعتماد قوله في صحيحة علي ابن جعفر «من غير مرض ولا علة» فإن من شأن المريض والعليل الاعتماد لمزيد الضعف كما لا يخفى.

ويؤيده بأوضح تأييد لا يخفى على جملة الأنام فضلا عن ذوي الأحلام والافهام ـ وان لم يتنبه له أحد من علمائنا الاعلام ـ ان الاتكاء لغة يطلق على ما فيه اعتماد ، قال الفيومي في كتاب المصباح المنير : اتكأ وزن افتعل ويستعمل بمعنيين أحدهما الجلوس مع التمكن والثاني القعود مع تمايل معتمدا على أحد الجانبين ، صرح بذلك في مادة «تكأ» وقال أيضا في مادة «وكأ» وتوكأ على عصاه اعتمد عليها ، إلى ان قال ابن الأثير والعامة لا تعرف الاتكاء إلا الميل في القعود معتمدا على أحد الشقين وهو يستعمل في المعنيين جميعا ، يقال اتكأ إذا أسند ظهره أو جنبه إلى شي‌ء معتمدا عليه وكل من اعتمد على شي‌ء فقد اتكأ عليه. انتهى.

وحينئذ فمتى كان الاتكاء حقيقة في الاعتماد فالواجب الحمل عليه حتى تقوم قرينة المجاز الموجبة للخروج عنه ، ومجرد وجود الخبر الدال على خلاف ذلك ليس من قرائن

__________________

(١) الوسائل الباب ١٠ من القيام.

٦٢

المجاز الموجب لحمل هذه الأخبار على خلاف معناها ، وحينئذ فدعوى انه أعم مما فيه اعتماد أو لا اعتماد فيه كما بنى عليه جوابهم عن تلك الأخبار ممنوعة لما عرفت من كلام أهل اللغة ، وعلى هذا فالواجب في مقام التعارض الرجوع إلى المرجحات ولا ريب انها في جانب هذه الروايات الثلاث فيجب جعل التأويل في تلك الرواية كما تقدم.

فروع

(الأول) ـ قد صرح جمع من الأصحاب : منهم ـ السيد السند في المدارك بوجوب الاعتماد على الرجلين معا في القيام ولم أقف له على دليل ، والفاضل الخراساني في الذخيرة إنما استند في ذلك إلى كونه المتبادر من الأمر بالقيام منتصبا. وفيه منع ظاهر وعلله في الذكرى بعد الاستقرار وللتأسي بصاحب الشرع. وفيه منع أيضا فإن الاستقرار لا يتوقف على الاعتماد عليهما معا بل يحصل الاستقرار بالاعتماد على واحدة. واما التأسي فقد صرحوا في الأصول بأنه لا يجوز ان يكون دليلا للوجوب فان فعلهم (عليهم‌السلام) أعم من ذلك ، مع انه قد روى الكليني في الصحيح عن محمد بن أبي حمزة عن أبيه (١) قال : «رأيت علي بن الحسين (عليه‌السلام) في فناء الكعبة في الليل وهو يصلي فأطال القيام حتى جعل يتوكأ مرة على رجله اليمنى ومرة أخرى على رجله اليسرى. الحديث». وهو كما ترى ظاهر الدلالة واضح المقالة في ما ذكرناه ولا معارض له سوى ما ذكروه من تلك التعليلات العليلة.

ثم انه لا يخفى أيضا حصول المدافعة بين القول بوجوب الاعتماد على الرجلين وبين القول بجواز الاعتماد اختيارا على الحائط ونحوه كما ذهب إليه في المدارك وكذا غيره ممن اختار القول بالجواز هناك وأوجب الاعتماد على الرجلين هنا ، فإنهم قد فسروا الاعتماد ثمة بأنه لو سقط السناد سقط المصلى ومن الظاهر في هذه الحال انه لا اعتماد على الرجلين. وإيجابهم الاعتماد على الرجلين في القيام هنا لم يقيدوه بمادة مخصوصة بل ظاهرهم انه من

__________________

(١) الوسائل الباب ٣ من القيام.

٦٣

جملة واجبات الصلاة مطلقا. وبالجملة فإن التناقض بين القولين ظاهر كما ترى.

نعم لو رفع احدى رجليه من الأرض بالكلية وانما وضع واحدة واعتمد عليها فلا إشكال في البطلان لوقوعه على خلاف الوجه المتلقى من صاحب الشريعة امرا وفعلا

إلا انه روى الحميري في كتاب قرب الاسناد عن عبد الله بن بكير عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) (١) في حديث قال : «ان رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) بعد ما عظم أو بعد ما ثقل كان يصلي وهو قائم ورفع احدى رجليه حتى انزل الله تعالى (طه ما أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقى) (٢) فوضعها».

والواجب حمله على النسخ بالآية المذكورة المصرحة بالنهي والأخبار الدالة على القيام على القدمين ، قال أمين الإسلام الطبرسي (قدس‌سره) (٣) روى «ان رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) كان يرفع احدى رجليه في الصلاة ليزيد تعبه فانزل الله تعالى الآية فوضعها». قال وروى ذلك عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) ولعله أشار إلى هذه الرواية

وقد روى أيضا في تفسير الآية المذكورة (٤) «انه (صلى‌الله‌عليه‌وآله) كان يقوم على أصابع رجليه في الصلاة حتى تورمت فانزل الله تعالى عليه (طه) ـ بلغة طي يا محمد (صلى‌الله‌عليه‌وآله) ـ (ما أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقى)».

ويمكن ان يكون الصلاة كانت مشروعة على هذه الكيفيات ثم نسخ ذلك فوجب الاعتماد على الرجلين معا كما عليه اتفاق الأصحاب وغيرهم. والله العالم.

(الثاني) ـ لو أخل بالاستقلال على تقدير القول المشهور فالظاهر من كلام الأصحاب بطلان الصلاة لو تعمد ذلك للنهي عن الصلاة كذلك والنهي في العبادة موجب للبطلان. ويمكن ان يقال ان النهى انما هو عن الاستناد وهو أمر خارج عن الصلاة وان كان مقارنا لها فلا يلزم من النهى عنه النهى عن الصلاة ، فغاية ما يلزم من ذلك

__________________

(١ و ٤) الوسائل الباب ٣ من القيام.

(٢) سورة طه الآية ١.

(٣) مجمع البيان ج ٤ ص ٢.

٦٤

الإثم خاصة وتصح صلاته نظير ما تقدم من البحث في الصلاة في الثوب والمكان المغصوبين واما ما أطال به في الذخيرة من الاستدلال على البطلان فظني انه لا يرجع إلى طائل. وكيف كان فلا ريب ان الاحتياط في ما ذكروه. واما مع النسيان فالظاهر الصحة كما صرح به جملة من الأصحاب أيضا.

(الثالث) ـ يجب مع الاستقلال نصب فقار الظهر بفتح الفاء وهو عظامه المنتظمة في النخاع التي تسمى خرز الظهر جمع فقرة بكسرها ، ويحصل الإخلال بذلك بالانحناء والميل إلى اليمين واليسار على وجه لا يعد منتصبا عرفا.

ويدل على ذلك ما تقدم في خبر حماد من قوله «فقام أبو عبد الله (عليه‌السلام) مستقبل القبلة منتصبا» وقد تقدم ان معنى الانتصاب اقامة الصلب ، وان «من لم يقم صلبه فلا صلاة له» (١). وعدم اقامة الصلب يحصل بالميل إلى أحد الجانبين على الوجه المتقدم أو الانحناء أو الانخناس.

والظاهر انه لا يخل بالانتصاب اطراق الرأس وان كان الأفضل إقامة النحر كما تقدم (٢) في مرسلة حريز من قوله (عليه‌السلام) في تفسير قوله عزوجل «فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ» (٣) «النحر الاعتدال في القيام ان يقيم صلبه ونحره».

ونقل عن أبي الصلاح استحباب إرسال الذقن إلى الصدر. ويرد بعدم المستند بل هذا الخبر ـ كما ترى ـ ظاهر في رده.

(الرابع) ـ قد صرح جملة من الأصحاب بأنه لا يجوز تباعد ما بين الرجلين بما يخرج عن حد القيام. والظاهر ان مستندهم في ذلك العرف فان من أفحش في التباعد بينهما لا يعد قائما عرفا.

أقول : المفهوم من الأخبار كما تقدم في شرح صحيحة حماد ان نهاية التباعد بينهما إلى قدر شبر والاحتياط يقتضي ان لا يزيد على ذلك فإنه من المحتمل قريبا ان يكون

__________________

(١) الوسائل الباب ٢ من القيام.

(٢) ص ٤٥.

(٣) سورة الكوثر ، الآية ٢.

٦٥

هذا غاية الرخصة في التباعد بينهما ويقين البراءة يقتضي الوقوف على ذلك.

(الخامس) ـ الظاهر انه لا إشكال في جواز الاستعانة في حال النهوض والاعتماد على شي‌ء ينهض به كما دلت عليه صحيحة علي بن جعفر المتقدمة. ونقل عن بعض المتأخرين ـ والظاهر انه المحقق الثاني في شرح القواعد ـ انه جعل حكمه حكم الاستناد في حال القيام ، وفيه انه لا دليل عليه بل الدليل كما ترى واضح في خلافه.

(المسألة الثالثة) ـ لو عجز عن القيام على الوجه المتقدم فإن أمكن الصلاة قائما معتمدا في جميعها أو بعضها أو كيف أمكن وجب أولا فإن عجز عن ذلك انتقل إلى الجلوس

وتفصيل هذه الجملة يقع في مواضع : (الأول) الظاهر انه لا خلاف بينهم في انه لو امكنه القيام ولو في بعض الصلاة وجب ان يقوم بقدر المكنة منتصبا أو منحنيا مستقلا أو معتمدا ولو مع تعذر الركوع والسجود فإنه يجب عليه القيام في موضعه وان أومأ للركوع وكذا للسجود بعد الجلوس إذ لا يسقط وجوب أحدهما مع إمكانه بتعذر الآخر.

ويدل على بعض هذه الأحكام ما رواه الشيخ والكليني في الصحيح عن جميل (١) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) ما حد المرض الذي يصلي صاحبه قاعدا؟ فقال ان الرجل ليوعك ويحرج ولكنه اعلم بنفسه إذا قوي فليقم».

وأيده بعضهم بقوله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) (٢) «إذا أمرتكم بشي‌ء فاتوا منه ما استطعتم». وقوله (عليه‌السلام) (٣) «لا يسقط الميسور بالمعسور».

وما ذكرناه ـ من انه مع إمكان القيام وتعذر الركوع والسجود فإنه يومئ للركوع قائما وللسجود جالسا ـ قد ادعى عليه في المنتهى الإجماع.

وعلى هذا لو قدر على الجلوس والانحناء للركوع والسجود ولم يقدر عليه قائما

__________________

(١) الوسائل الباب ٦ من القيام.

(٢) صحيح مسلم ج ١ ص ٥١٣ والنسائي ج ٢ ص ١.

(٣) عوائد النراقي ص ٨٨ وعناوين مير فتاح ص ١٤٦ عن عوالي اللئالي عن على (ع).

٦٦

أومأ في حال القيام ولا ينتقل إلى الجلوس في الركوع. ويمكن ان يقال انه يجلس في الصورة المذكورة ويأتي بالركوع الذي هو الانحناء لأن الركوع قد وردت به الآية وهو عبارة عن مطلق الانحناء ولا تخصيص فيه بكون الانحناء في حال القيام ، قال في القاموس وكل شي‌ء يخفض رأسه فهو راكع. وعلى هذا يكون الانحناء واجبا كما ان القيام واجب وحينئذ فيأتي بالقيام في موضعه فإذا أراد الركوع جلس وركع جالسا. وهذا هو الأوفق بالأصول والقواعد المقررة عندهم إلا ان المشهور هو الأول بل ظاهرهم كما عرفت الاتفاق عليه

(الثاني) ـ لو عجز بالكلية ولو على بعض الوجوه المتقدمة انتقل إلى الجلوس وهو إجماعي ، نقل الإجماع على ذلك غير واحد : منهم ـ المحقق والعلامة.

وتدل عليه الأخبار الكثيرة ، ومنها صحيحة جميل المتقدمة قريبا وحسنة أبي حمزة المتقدمة في المسألة الاولى.

وما رواه الشيخ عن محمد بن إبراهيم عن من أخبره عن الصادق (عليه‌السلام) (١) قال : «يصلي المريض قائما فان لم يقدر على القيام صلى جالسا». وأسنده في الفقيه إلى الصادق (عليه‌السلام) (٢).

ونقل مرسلا عن رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) (٣) انه قال «المريض يصلى قائما فان لم يستطع صلى جالسا». الى غير ذلك من الأخبار.

وانما الخلاف بين الأصحاب في حد العجز المسوغ للقعود فالمشهور ان حده العجز عن القيام أصلا وهو مستند إلى علمه بنفسه «بَلِ الْإِنْسانُ عَلى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ» (٤) ونقل عن الشيخ المفيد (قدس‌سره) ان حد العجز الذي ينتقل معه إلى الجلوس ان لا يتمكن من المشي بمقدار زمان الصلاة.

واستدل على القول المشهور بما تقدم من صحيحة جميل ، وما رواه الشيخ في

__________________

(١ و ٢ و ٣) الوسائل الباب ١ من القيام.

(٤) سورة القيامة ، الآية ١٤.

٦٧

الصحيح عن ابن أبي عمير عن ابن أذينة عن من أخبره عن أبي جعفر (عليه‌السلام) (١) «انه سئل ما حد المرض». وروى الكليني في الصحيح أو الحسن عن ابن أذينة (٢) قال : «كتبت إلى أبي عبد الله (عليه‌السلام) اسأله ما حد المرض الذي يفطر فيه صاحبه والمرض الذي يدع صاحبه الصلاة قائما؟ قال (بَلِ الْإِنْسانُ عَلى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ) (٣) ذاك اليه هو اعلم بنفسه».

والتقريب فيها انه لو كان للعجز حد معين كما هو مقتضى القول الثاني لبينه (عليه‌السلام) في الجواب ولم يجعله راجعا إلى العلم بنفسه الذي هو عبارة عن القدرة على القيام وعدمها كما هو الظاهر.

ونحوه ما رواه الصدوق في الصحيح عن زرارة (٤) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن حد المرض الذي يفطر فيه الصائم ويدع الصلاة من قيام؟ فقال : (بَلِ الْإِنْسانُ عَلى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ) (٥) وهو اعلم بما يطيقه».

ويدل على ما نقل عن الشيخ المذكور ما رواه الشيخ عن سليمان بن حفص المروزي (٦) قال : «قال الفقيه المريض انما يصلى قاعدا إذا صار بالحال التي لا يقدر فيها ان يمشي مقدار صلاته إلى ان يفرغ قائما».

وردها في المدارك (أولا) بضعف السند بجهالة الراوي. و (ثانيا) بان ما تضمنته من التحديد غير مطابق للاعتبار فإن المصلي قد يتمكن ان يقوم بمقدار صلاته ولا يتمكن من المشي بمقدار زمانها وقد يتمكن من المشي ولا يتمكن من الوقوف ، قال وربما كان ذلك كناية عن العجز عن القيام. انتهى.

أقول : ما ذكره (قدس‌سره) من الطعن في الخبر بالضعف ورميه له من البين قد عرفت ما فيه (أولا) فيما تقدم من ان هذا الإيراد غير وارد على المتقدمين الذين

__________________

(١ و ٢ و ٤ و ٦) الوسائل الباب ٦ من القيام.

(٣ و ٥) سورة القيامة ، الآية ١٤.

٦٨

لا اثر لهذا الاصطلاح عندهم ولا غيرهم ممن لا يرى العمل به أيضا. و (ثانيا) ان ما ذكره من رد الخبر هنا أيضا من متفرداته وان تبعه فيه من تبعه فإن جملة أرباب هذا الاصطلاح من المتأخرين قد عملوا بالخبر وفزعوا عليه كما سيظهر لك في المقام ان شاء الله تعالى.

وفي الذكرى بعد ان اختار القول المشهور عملا بالأخبار المتقدمة حمل رواية المروزي على من يتمكن من القيام إذا قدر على المشي للتلازم بينهما غالبا ، قال فلا يرد جواز انفكاكهما ثم قال : فرع ـ لو قدر على القيام ولم يقدر على المشي وجب. ولو عجز عن القيام مستقرا وقدر على القيام ماشيا أو مضطربا من غير معاون ففي ترجيحه على القيام ساكنا بمعاون أو على القعود لو تعذر المعاون نظر أقربه ترجيحهما عليه ، لان الاستقرار ركن في القيام إذ هو المعهود من صاحب الشرع. وقال الفاضل يجب المشي ولا يصلي قاعدا. انتهى.

وما اختاره من تقديم الصلاة جالسا هو ظاهر المحقق الشيخ علي أيضا في شرح القواعد مستندا إلى ان الطمأنينة أقرب إلى حال الصلاة من الاضطراب عرفا وشرعا والخشوع الذي هو روح العبادة بها يتحقق. وفيه ان الاعتماد في تأسيس حكم شرعي على مثل هذه التعليلات مشكل كما أشرنا إليه في غير موضع.

وقال شيخنا الشهيد الثاني في الروض : ولا يعتبر القدرة على المشي بل لو أمكن القيام من دونه وجب لانه المقصود الذاتي ، وربما قيل باشتراطه لرواية سليمان المروزي عن الكاظم (عليه‌السلام) (١) «المريض انما يصلي قاعدا إذا صار إلى الحال التي لا يقدر فيها على المشي مقدار صلاته». وحملها الشهيد على من يتمكن من القيام إذا قدر على المشي للتلازم بينهما غالبا ، قال فلا يرد جواز انفكاكهما. وفيه نظر لانه تخصيص للعام من غير ضرورة ، مع ان الرواية تدل على ان من قدر على القيام ماشيا لا يصلي جالسا بمعنى ان القيام غير مستقر مرجح على القعود مستقرا وهو اختيار المصنف ، فلا يحتاج إلى تكلف

__________________

(١) الوسائل الباب ٦ من القيام.

٦٩

البحث عن التلازم بين القيام والمشي غالبا. ورجح في الذكرى الجلوس في هذه الصورة محتجا بان الاستقرار ركن في القيام إذ هو المعهود من صاحب الشرع. والخبر حجة عليه وكون الاستقرار واجبا في القيام لا يستلزم تقديم الجلوس على القيام بدونه فإن المشي يرفع وصف القيام وهو الاستقرار والجلوس يرفع أصله وفوات الوصف خاصة أولى من فوات الموصوف ، ومن ثم اتفق الجماعة على ان من قدر على القيام معتمدا على شي‌ء وجب مقدما على الجلوس مع فوات وصف القيام وهو الاستقلال. نعم بالغ المصنف فرجح القيام ماشيا مستقلا عليه مع المعاون. ويضعف بأن الفائت على كل تقدير وصف من القيام أحدهما الاستقرار والآخر الاستقلال فلا وجه لترجيح الثاني ، نعم يتجه ترجيح الأول لما تقدم في حجة ترجيح القعود على المشي إذ لا معارض لها هنا ، ولأنه أقرب إلى هيئة المصلي ، فظهر من ذلك ان التفصيل أجود من إطلاق المصنف ترجيح المشي عليهما وإطلاق الشهيد القول بترجيحهما عليه. انتهى. وهو جيد وانما نقلناه بطوله لجودة محصوله وإحاطته بأطراف الكلام في المقام.

إلا ان فيه ان ما ذكره ـ من كون الاستقرار وصفا للقيام. الى آخر ما فرعه على ذلك ـ يمكن خدشه بان الظاهر ان الاستقرار ليس من أوصاف القيام بل هو وصف من أوصاف المصلي معتبر في صحة صلاته قائما كان أو قاعدا مع الإمكان فترجيح القيام عليه يحتاج إلى دليل ، ولانه يجتمع هو وضده مع القيام والقعود فلا اختصاص له بالقيام. نعم جوابه يصلح إلزاما للشهيد حيث ان ظاهره ذلك واما في التحقيق فلا ، وعلى هذا فالأولى الرجوع إلى دلالة الخبر على الحكم المذكور من تقديم الصلاة ماشيا على الصلاة جالسا مستقرا.

أقول : والحق ان الخبر المذكور محتمل لمعنيين (أحدهما) ما ذكره شيخنا الشهيد (قدس‌سره) في الذكرى من ان من يقدر على المشي بقدر الصلاة يقدر على الصلاة غالبا ، وعلى هذا فلا يكون في الخبر منافاة للقول المشهور فان مرجعه إلى انه انما يصلي قاعدا إذا لم يقدر

٧٠

على القيام. و (ثانيهما) ما فهمه الأكثر من ان من قدر على المشي مصليا ولم يقدر على القيام مستقرا فحكمه الصلاة ماشيا دون الصلاة جالسا ، إلا ان الظاهر هو رجحان الاحتمال الثاني وبه يظهر قوة ما ذكره في الروض واختاره من القول بتقديم الصلاة ماشيا على الصلاة جالسا مستقرا كما هو المنقول عن الشيخ المفيد (قدس‌سره) وهو اختيار العلامة أيضا على ما نقله عنه في الذكرى كما تقدم في الروض إلا انه بالغ في ذلك أيضا فقال بتقديم الصلاة ماشيا على الصلاة قائما معتمدا ، والمشهور بين الأصحاب هو تقديم القيام مطلقا مستقلا أو معتمدا وانما الخلاف في ما لو تمكن من الصلاة ماشيا هل يقدم على الجلوس مستقرا أم لا؟

ومن ذلك ظهر ان في المسألة أقوالا ثلاثة (أحدها) ما ذهب اليه الشيخ المفيد وشيخنا الشهيد الثاني من انه متى قدر على الصلاة ماشيا بعد تعذر الصلاة قائما معتمدا فإنه يقدمه على الجلوس. و (ثانيها) ما نقل عن العلامة من ترجيح الصلاة ماشيا على الصلاة جالسا مستقرا وقائما مستقرا معتمدا. و (ثالثها) ما ذكره في الذكرى من ترجيح القيام معتمدا مستقرا ثم الجلوس مستقرا على الصلاة ماشيا وهو عكس ما ذهب إليه العلامة.

(الثالث) ـ اعلم ان العجز المسوغ للقعود وكذا في سائر المراتب الآتية يتحقق بحصول الألم الشديد الذي لا يتحمل ولا يعتبر العجز الكلي ، وبه صرح غير واحد من الأصحاب في جملة من الأبواب ، وهو المفهوم أيضا من ظاهر السنة والكتاب.

وكما انه يجوز الانتقال إلى المرتبة الدنيا مع العجز عن المرتبة العليا بحصول الألم الشديد كذلك يجوز الانتقال عنها باخبار الطبيب بالبرء في المرتبة الدنيا بعلاج ونحوه.

كما يدل عليه صحيحة محمد بن مسلم (١) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن الرجل والمرأة يذهب بصره فيأتيه الأطباء فيقولون نداويك شهرا أو أربعين ليلة مستلقيا كذلك يصلي؟ فرخص في ذلك وقال (فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَلا عادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ) (٢)».

__________________

(١) الوسائل الباب ٧ من القيام.

(٢) سورة البقرة ، الآية ١٦٨.

٧١

وموثقة سماعة (١) قال : «سألته عن الرجل يكون في عينيه الماء فينزع الماء منها فيستلقي على ظهره الأيام الكثيرة أربعين يوما أو أقل أو أكثر فيمتنع من الصلاة الأيام وهو على حال؟ فقال لا بأس بذلك وليس شي‌ء مما حرم الله إلا وقد أحله الله لمن اضطر اليه».

وما رواه الحسين بن بسطام في كتاب طب الأئمة بسنده عن عبد الله بن المغيرة عن بزيع المؤذن (٢) قال : «قلت لأبي عبد الله (عليه‌السلام) اني أريد أن أقدح عيني؟

فقال استخر الله وافعل. فقلت هم يزعمون انه ينبغي للرجل ان ينام على ظهره كذا وكذا ولا يصلي قاعدا؟ قال افعل».

قوله في الخبر الأول «كذلك يصلي» على الاستفهام بحذف الهمزة اي أكذلك يصلي؟

وظاهر الأخبار جواز العمل بقول الأطباء في ترك القيام وان كانوا غير عدول بل فسقة أو كفارا ، والظاهر انه لا خلاف بين الأصحاب في هذا الحكم ولا غيره من الأحكام.

قال العلامة في التذكرة : لو كان به رمد وهو قادر على القيام فقال العالم بالطب إذا صلى مستلقيا رجى له البرء جاز ذلك ، وبه قال أبو حنيفة والثوري وقال مالك والأوزاعي لا يجوز لان ابن عباس لم يرخص له الصحابة في الصلاة مستلقيا (٣) انتهى وظاهره ان الخلاف انما هو بين العامة دون الخاصة.

وخبر ابن عباس المشار إليه في كلامه هو ما روى (٤) من ان ابن عباس (رضي‌الله‌عنه) لما كف بصره أتاه رجل فقال له ان صبرت على سبعة أيام لا تصلي إلا مستلقيا داويت عينيك ورجوت ان تبرأ فأرسل إلى بعض الصحابة كأم سلمة وغيرها يستفتيهم في ذلك فقالوا لو متّ في هذه الأيام ما الذي تصنع في الصلاة؟ فترك المعالجة.

أقول : والخبر المذكور عامي لا يعارض ما ذكرناه من اخبارهم (عليهم‌السلام) ومن البعيد بل الأبعد ان ابن عباس مع عدم علمه بالمسألة يستفتي الصحابة مع وجود الحسن والحسين

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ١ و ٧ من القيام.

(٣ و ٤) المغني ج ٢ ص ١٤٧.

٧٢

(عليهما‌السلام) معه وهو عالم بإمامتهما ووجوب الطاعة لهما.

(الرابع) ـ انه مع الانتقال إلى القعود فإنه لا يختص بكيفية وجوبا بل يجلس كيف اتفق ، نعم يستحب له ان يتربع قارئا ويثنى رجليه راكعا ويتورك بين السجدتين وعند التشهد. وفسروا التربع هنا بان ينصب فخذيه وساقيه كهيئة جلوس المرأة في الصلاة وقد تقدم وجه الإشكال في هذه المسألة في الفوائد الملحقة بالأخبار المذكورة في صدر المقدمة الاولى من المقدمات المتقدمة في الباب الأول (١) وفسروا تثنية رجليه بان يفترشهما تحته ويجلس على صدورهما بغير إقعاء.

والذي وقفت عليه من الأخبار الجارية في هذا المضمار ما رواه الشيخ عن حمران ابن أعين عن أحدهما (عليهما‌السلام) (٢) قال : «كان أبي إذا صلى جالسا تربع فإذا ركع ثنى رجليه».

وما رواه الصدوق عن معاوية بن ميسرة (٣) «انه سأل أبا عبد الله (عليه‌السلام) قال أيصلي الرجل وهو جالس متربع ومبسوط الرجلين؟ فقال لا بأس بذلك».

وما رواه الشيخ في الموثق عن عبد الله بن المغيرة وصفوان بن يحيى ومحمد بن ابي عمير عن أصحابهم عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) (٤) «في الصلاة في المحمل؟ فقال صل متربعا وممدود الرجلين وكيف أمكنك».

وما رواه في الكافي عن معاوية بن ميسرة (٥) «أن سنانا سأل أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن الرجل يمد احدى رجليه بين يديه وهو جالس؟ قال لا بأس. ولا أراه إلا قال في المعتل والمريض». قال الكليني وفي حديث آخر (٦) «يصلي متربعا ومادا رجليه كل ذلك واسع». وتمام الكلام في هذا المقام قد تقدم في الموضع المشار اليه آنفا.

(الخامس) ـ الظاهر انه لا خلاف في ان القاعد إذا تمكن من القيام للركوع فإنه يجب عليه القيام ليركع عن قيام ، لما تقدم من ان القيام المقارن للركوع ركن تبطل

__________________

(١) ج ٦ ص ٦٦.

(٢ و ٣ و ٤ و ٥ و ٦) الوسائل الباب ١١ من القيام.

٧٣

الصلاة بتركه عمدا وسهوا وحينئذ فمع القدرة عليه يجب الإتيان به.

والظاهر انه لا تجب الطمأنينة في هذا القيام لأن وجوبها انما كان لأجل القراءة وقد اتى بها ، قال في الذكرى : ولو خف بعد القراءة وجب القيام للركوع وهل تجب الطمأنينة في هذا القيام قبل الهوى؟ قال الفاضل لا تجب بناء على ان القيام انما تجب الطمأنينة فيه لأجل القراءة وقد سقطت. ويحتمل الوجوب (اما أولا) فلضرورة كون الحركتين المتضادتين في الصعود والهبوط بينهما سكون فينبغي مراعاته ليتحقق الفصل بينهما. و (اما ثانيا) فلان ركوع القائم يجب ان يكون عن طمأنينة وهذا ركوع قائم. (واما ثالثا) فلان معه يتيقن الخروج عن العهدة. أقول : فيه ما عرفت في غير مقام من عدم صلاحية أمثال هذه التخريجات لتأسيس حكم شرعي ، ويزيده بيانا ان الأول من هذه التعليلات خارج عن محل البحث ، فان الكلام في وجوب ذلك من حيث ترتب صحة الصلاة عليه لا من حيث حصول الفصل بين الحركتين المتضادتين. والثاني على تقدير تسليمه انما يثبت في صلاة القائم واما في صلاة الجالس فيحتاج إلى دليل ، وقياس أحدهما على الآخر قياس مع الفارق لأن الصورة المقاس عليها حال اختيار والمقيسة حال اضطرار. والثالث غاية ما يفيده الأولوية والاستحباب دون الوجوب لانه نوع احتياط. ثم قال في الذكرى : ولا يستحب إعادة القراءة هنا لعدم الأمر بتكرارها في الركعة الواحدة وجوبا ولا ندبا. وهو جيد. ثم قال ولو خف في ركوعه قاعدا قبل الطمأنينة وجب إكماله بأن يرتفع منحنيا إلى حد الراكع وليس له الانتصاب لئلا يزيد ركوعا ثم يأتي بالذكر قائما لأنه لم يكن أكمله ، فإن اجتزأنا بالتسبيحة الواحدة لم يجز البناء هنا لعدم سبق كلام تام إلا ان نقول هذا الفصل لا يقدح بالموالاة ، وان أوجبنا التعدد اتى بما بقي قطعا. ولو خف بعد الطمأنينة قام للاعتدال من الركوع وجبت الطمأنينة في الاعتدال. ولو خف بعد الاعتدال من الركوع قبل الطمأنينة فيه قام ليطمئن. ولو خف بعد الطمأنينة في الاعتدال فالأقرب وجوب القيام ليسجد عن قيام كسجود القائم ، وفي وجوب الطمأنينة في هذا القيام بعد إلا إذا

٧٤

عللناه بتحصيل الفصل الظاهر بين الحركتين فتجب الطمأنينة. انتهى. وفي كثير من هذه المواضع اشكال لعدم الدليل الواضح فيها كما لا يخفى على المتأمل إلا انه يمكن اندراجها تحت القواعد المقررة في أمثال هذه المقامات. والله العالم.

(المسألة الرابعة) ـ لو عجز عن القعود مستقلا فإنه يقعد معتمدا أو منحنيا ومع العجز عن ذلك فإنه يصلي مضطجعا مقدما للجانب الأيمن على الأيسر وقيل بالتخيير بينهما ، ومع العجز عن الجانبين يصلي مستلقيا.

وتفصيل هذه الجملة انه لا خلاف بينهم في انه لو عجز عن القعود بجميع وجوهه المتقدمة فإنه ينتقل إلى الاضطجاع ، ويدل عليه زيادة على الاتفاق عدة من الروايات :

منها ـ ما تقدم (١) من الروايات التي في تفسير قوله عزوجل «الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللهَ قِياماً وَقُعُوداً وَعَلى جُنُوبِهِمْ».

ومنها ـ ما رواه الشيخ في الموثق عن سماعة (٢) قال : «سألته عن المريض لا يستطيع الجلوس قال فليصل وهو مضطجع وليضع على جبهته شيئا إذا سجد فإنه يجزئ عنه ولن يكلف الله ما لا طاقة له به».

وعن عمار في الموثق عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) (٣) قال : «المريض إذا لم يقدر ان يصلي قاعدا كيف قدر صلى اما ان يوجه فيومى إيماء ، وقال يوجه كما يوجه الرجل في لحده وينام على جنبه الأيمن ثم يومئ بالصلاة فان لم يقدر ان ينام على جنبه الأيمن فكيف ما قدر فإنه له جائز ويستقبل بوجهه القبلة ثم يومئ بالصلاة إيماء».

وروى المحقق في المعتبر قال : «روى أصحابنا عن حماد (٤) عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) قال «المريض إذا لم يقدر ان يصلي قاعدا يوجه كما يوجه الرجل في لحده وينام على جانبه الأيمن ثم يومئ بالصلاة فان لم يقدر على جانبه الأيمن فكيف ما قدر فإنه

__________________

(١) ص ٥٩.

(٢ و ٣) الوسائل الباب ١ من القيام.

(٤) مستدرك الوسائل الباب ١ من القيام.

٧٥

جائز ويستقبل بوجهه القبلة ثم يومئ بالصلاة إيماء». وهذا الخبر نقله أيضا الشهيدان في الذكرى والروض.

وظاهر الفاضل الخراساني في الذخيرة ان هذه الرواية رواية عمار المذكورة وان المحقق في المعتبر أسندها إلى حماد وتبعه الشهيدان ، حيث قال بعد موثقة عمار المذكورة : وفي متن هذه الرواية اضطراب ونقلها في المعتبر بوجه آخر وتبعه على ذلك الشهيدان وهو هذا «المريض إذا لم يقدر ان يصلي قاعدا يوجه كما يوجه الرجل في لحده» وهي على هذا الوجه تسلم من الاضطراب وأسندها إلى حماد وهي كذلك في بعض نسخ التهذيب. انتهى

وظني بعد ما تمحله وما ادري ما الحامل له على ذلك مع ان المحقق في المعتبر كثيرا ما ينقل اخبارا زائدة على ما في الكتب الأربعة من الأصول التي عنده. وما ذكره من التعلل بالاضطراب وانه برواية المحقق تسلم من الاضطراب فلا يخفى على المتتبع لروايات عمار ما في كثير منها من الغرائب والاضطراب كما نبهنا عليه في غير موضع مما تقدم. ونسخ المعتبر وكذا كتابي الشهيدين متفقة على حماد دون عمار. وبالجملة فالظاهر عندي انها رواية مستقلة متنا وسندا.

وروى الصدوق مرسلا عن النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) (١) قال : «قال رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) المريض يصلي قائما فان لم يستطع صلى جالسا فان لم يستطع صلى على جنبه الأيمن فان لم يستطع صلى على جنبه الأيسر فان لم يستطع استلقى وأومأ إيماء وجعل وجهه نحو القبلة وجعل سجوده اخفض من ركوعه».

وروى في الكافي عن محمد بن إبراهيم عن من حدثه عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) (٢) قال : «يصلي المريض قائما فان لم يقدر على ذلك صلى قاعدا فان لم يقدر صلى مستلقيا يكبر ثم يقرأ فإذا أراد الركوع غمض عينيه ثم يسبح ثم يفتح عينيه ويكون فتح عينيه رفع رأسه من الركوع فإذا أراد ان يسجد غمض عينيه ثم يسبح فإذا سبح فتح

__________________

(١) الوسائل الباب ١ من القيام.

(٢) الوسائل الباب ١ من القيام. والرواية جارية على الوافي دون الوسائل والكافي.

٧٦

عينيه فيكون فتح عينيه رفع رأسه من السجود ثم يتشهد وينصرف».

وروى في التهذيب بسنده عن محمد بن إبراهيم عن من حدثه عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) ورواه في الفقيه مرسلا عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) (١) قال : «يصلي المريض قائما فان لم يقدر على ذلك صلى جالسا فان لم يقدر على ذلك صلى مستلقيا يكبر ثم يقرأ فإذا أراد الركوع غمض عينيه ثم يسبح فإذا سبح فتح عينيه فيكون فتح عينيه رفع رأسه من الركوع فإذا أراد ان يسجد غمض عينيه ثم يسبح فإذا سبح فتح عينيه فيكون فتح عينيه رفع رأسه من السجود ثم يتشهد وينصرف».

وروى الصدوق في كتاب عيون اخبار الرضا عن عبد السلام بن صالح الهروي وبأسانيد ثلاثة أخرى عن الرضا عن آبائه (عليهم‌السلام) (٢) قال : «قال رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) إذا لم يستطع الرجل ان يصلي قائما فليصل جالسا فان لم يستطع فليصل مستلقيا ناصبا رجليه حيال القبلة يومئ إيماء».

وقال في كتاب دعائم الإسلام (٣) «وروينا عن جعفر بن محمد عن آبائه عن علي (عليهم‌السلام) ان رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) سئل عن صلاة العليل فقال يصلي قائما فان لم يستطع صلى جالسا. إلى ان قال فان لم يستطع ان يصلي جالسا صلى مضطجعا لجنبه الأيمن ووجهه إلى القبلة فان لم يستطع ان يصلي على جنبه الأيمن صلى مستلقيا ورجلاه مما يلي القبلة يومئ إيماء».

وبالجملة فإن الأخبار وكلام الأصحاب متفق على الانتقال إلى الاضطجاع بعد تعذر القعود وانما الخلاف في الموضعين المذكورين في كيفية الاضطجاع التي ينتقل إليها فظاهر الأخبار كما عرفت وظاهر كلام جملة من الأصحاب التخيير بين الاضطجاع على الجانب الأيمن والجانب الأيسر وبه صرح الشيخ في موضع من المبسوط وهو ظاهر

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ١ من القيام.

(٣) مستدرك الوسائل الباب ١ من القيام.

٧٧

المحقق في الشرائع والنافع والعلامة في الإرشاد.

وقال في المعتبر : ومن عجز عن القعود صلى مضطجعا على جانبه الأيمن مومئا وهو مذهب علمائنا ، ثم قال : وكذا لو عجز عن الصلاة على جانبه صلى مستلقيا. ولم يذكر الجانب الأيسر ، ونحوه في المنتهى. وظاهرهما تعيين الجانب الأيمن خاصة.

وقال العلامة في التذكرة بعد ان ذكر الاضطجاع على الجانب الأيمن : ولو اضطجع على شقه الأيسر مستقبلا فالوجه الجواز. وظاهره التخيير أيضا وبه قطع في النهاية لكنه قال ان الأيمن أفضل.

وجزم الشهيد ومن تأخر عنه بوجوب تقديم الأيمن على الأيسر وهو الأظهر بحمل مطلق الأخبار على مقيدها ، ويدل على ما قلناه صريحا مرسلة الصدوق عن النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) وهو ظاهر روايتي عمار وحماد المتقدمتين ، ودعوى الاتحاد بعيد كما عرفت ، والتقريب فيهما ان ظاهر قوله (عليه‌السلام) «فان لم يقدر على جانبه الأيمن فكيف ما قدر» وان كان يقتضي استواء الاستلقاء والاضطجاع على الأيسر عند تعذر الأيمن إلا ان قوله «ويستقبل بوجهه القبلة» يدل على الانتقال إلى الأيسر لأن به يحصل الاستقبال بالوجه حقيقة دون الاستلقاء. واما ما في بقية رواية عمار من التهافت كما في كثير من رواياته فلا يضر بعد ظهور المطلوب منها.

وبذلك يظهر ضعف القول بالتخيير استنادا إلى إطلاق بعض أخبار المسألة ، وأضعف منه قول من اقتصر على الجانب الأيمن ثم الاستلقاء مع تعذره ولم يذكر الجانب الأيسر كما هو ظاهر الفاضلين في المعتبر والمنتهى وان دل عليه الخبر المتقدم نقله عن كتاب دعائم الإسلام ، إلا انه معارض بما نقلناه من الأخبار الثلاثة مضافا إلى ما عرفت من عدم الاعتماد على اخبار الكتاب المذكور وان صلحت للتأييد. وبالجملة فإن فيه إلغاء لهذه الأخبار التي ذكرناها.

بقي الكلام في الأخبار الدالة على الانتقال إلى الاستلقاء بعد تعذر الجلوس ،

٧٨

قال في المعتبر بعد نفل رواية حماد المتقدمة : وفي رواية محمد بن إبراهيم عن من حدثه عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) ثم ساق الخبر كما قدمناه ، ثم قال وهذه تدل على انتقاله بعد العجز عن الصلاة قاعدا إلى الاستلقاء لكن الرواية الأولى أشهر وأظهر بين الأصحاب لأنها مسندة وهذه مجهولة الراوي. وقال في المدارك : وربما وجد في بعضها انه ينتقل إلى الاستلقاء بالعجز عن الجلوس وهو متروك. انتهى.

وبالجملة فإن هذه الأخبار لا قائل بها ويؤيد ضعفها والاعراض عنها انها مخالفة لظاهر الآية أعني قوله سبحانه «الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللهَ قِياماً وَقُعُوداً وَعَلى جُنُوبِهِمْ» (١) التي قدمنا تفسيرها بالأخبار الدالة على التفصيل بالصلاة قائما أو قاعدا ان ضعف عن القيام أو على الجنب ان ضعف عن القعود ، ومن الظاهر عدم دخول المستلقي في ذلك.

والأظهر حمل هذه الأخبار على التقية (٢) كما صرح به شيخنا المجلسي في البحار وبذلك أيضا صرح الفاضل الخراساني في الذخيرة فقال بعد ذكر خبر عمار ومرسلة محمد ابن إبراهيم : والجمع بين الروايتين بحمل المرسلة المذكورة على التقية غير بعيد. انتهى وبذلك يظهر لك قوة ما اخترناه.

وتمام التحقيق في المقام يتوقف على بيان أمور (الأول) المشهور انه يجب الإيماء في حالتي الصلاة مضطجعا على جنبه أو مستلقيا بالرأس ان أمكن وإلا فبالعينين لكل من الركوع والسجود.

__________________

(١) سورة آل عمران الآية ١٩١.

(٢) قال في بدائع الصنائع ج ١ ص ٦٠٥ : فان عجز عن القعود يستلقي ويومئ إيماء. إلى ان قال وما ذكرناه هو المشهور من الروايات ، ثم نقل رواية عن ابن عمر عن النبي (ص) تدل على ذلك وعلله بإيماء المستلقي برأسه إلى القبلة بخلاف ما إذا صلى على الجنب فإنه ينحرف عنها ولا يجوز ذلك من غير ضرورة ، ثم قال وروى عمران بن حفص قال : «مرضت فعادني رسول الله (ص) فقال صل قائما فان لم تستطع فقاعدا فان لم تستطع فعلى جنبك تومئ إيماء». وبه أخذ إبراهيم النخعي والشافعي.

٧٩

ومتى كان الإيماء بالرأس فليكن الإيماء للسجود اخفض من الركوع كما تقدم في مرسلة الفقيه عنه (صلى‌الله‌عليه‌وآله).

وروى في الفقيه مرسلا (١) قال : «قال أمير المؤمنين (عليه‌السلام) دخل رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) على رجل من الأنصار وقد شبكته الريح فقال يا رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) كيف أصلي؟ فقال ان استطعتم ان تجلسوه فأجلسوه وإلا فوجهوه إلى القبلة ومروه فليوم برأسه إيماء ويجعل السجود اخفض من الركوع وان كان لا يستطيع ان يقرأ فاقرأوا عنده وأسمعوه».

وروى في الكافي في الصحيح أو الحسن عن الحلبي عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) (٢) قال : «سألته عن المريض إذا لم يستطع القيام والسجود؟ قال يومئ برأسه إيماء ، وان يضع جبهته على الأرض أحب الي».

وروى في الفقيه والتهذيب عن إبراهيم بن أبي زياد الكرخي (٣) قال : «قلت لأبي عبد الله (عليه‌السلام) رجل شيخ كبير لا يستطع القيام إلى الخلاء لضعفه ولا يمكنه الركوع والسجود؟ فقال ليوم برأسه إيماء وان كان له من يرفع الخمرة إليه فليسجد فان لم يمكنه ذلك فليوم برأسه نحو القبلة إيماء. الحديث».

واما انه مع العجز عن الإيماء بالرأس فبالعينين وهو عبارة عن تغميضهما حال الركوع والسجود كما تقدم في مرسلة محمد بن إبراهيم برواية المشايخ الثلاثة (٤) إلا ان موردها الاستلقاء ومورد الإيماء بالرأس في الروايات المتقدمة الاضطجاع على أحد الجانبين والأصحاب قد رتبوا بينهما في كل من الموضعين ، والوقوف على ظاهر الأخبار أولى إلا مع عدم إمكان الإيماء بالرأس من المضطجع فإنه لا مندوحة عن الانتقال إلى الإيماء بالعينين. ولعل الأخبار انما خرجت مخرج الغالب من ان النائم على أحد جنبيه لا يصعب عليه الإيماء برأسه والمستلقي لمزيد الضعف لا يمكنه الإيماء بالرأس.

__________________

(١ و ٢ و ٣) الوسائل الباب ١ من القيام.

(٤) هكذا العبارة في النسخ.

٨٠