الحدائق الناضرة - ج ٨

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]

الحدائق الناضرة - ج ٨

المؤلف:

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]


المحقق: محمّد تقي الإيرواني
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥٤٤

ما وضعا له ظاهرا وهي الصلاة فالمصدر بمعنى المفعول. «والصلاة القائمة» أي في هذا الوقت إشارة إلى قوله «قد قامت الصلاة» أو القائمة إلى يوم القيامة ، والدرجة المختصة به (عليه‌السلام) في القيامة هي الشفاعة الكبرى ، والوسيلة هي المنبر المعروف الذي يعطيه الله في القيامة كما ورد في الأخبار.

وروى في التهذيب في الصحيح عن زرارة عن أبي جعفر (عليه‌السلام) (١) قال : «يجزئك في الصلاة من الكلام في التوجه إلى الله سبحانه ان تقول (وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ) على ملة إبراهيم حنيفا مسلما (وَما أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ) ـ (إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيايَ وَمَماتِي لِلّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذلِكَ أُمِرْتُ) وانا من المسلمين. ويجزيك تكبيرة واحدة».

وروى السيد الزاهد العابد رضي الدين بن طاوس في كتاب فلاح السائل بسنده عن ابن أبي عمير عن الأزدي عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) (٢) في حديث انه قال : «كان أمير المؤمنين (عليه‌السلام) يقول لأصحابه من اقام الصلاة وقال قبل ان يحرم ويكبر ـ يا محسن قد أتاك المسي‌ء وقد أمرت المحسن ان يتجاوز عن المسي‌ء وأنت المحسن وانا المسي‌ء فبحق محمد وآل محمد صل على محمد وآل محمد وتجاوز عن قبيح ما تعلم مني ـ فيقول الله يا ملائكتي اشهدوا اني قد عفوت عنه وأرضيت عنه أهل تبعاته».

وقال الشهيد في الذكرى انه قد ورد هذا الدعاء عقيب السادسة إلا انه لم يذكر فيه «فبحق محمد وآل محمد» وانما فيه «وانا المسي‌ء فصل على محمد وآل محمد. الى آخره»

وروى الطبرسي في الاحتجاج (٣) قال : «كتب الحميري إلى القائم (عليه‌السلام) يسأله عن التوجه للصلاة ان يقول «على ملة إبراهيم ودين محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله» فان بعض أصحابنا ذكر انه إذا قال «على دين محمد» فقد أبدع لأنا لم نجده في

__________________

(١ و ٣) الوسائل الباب ٨ من تكبيرة الإحرام.

(٢) مستدرك الوسائل الباب ٩ من القيام.

٤١

شي‌ء من كتب الصلاة خلا حديثا واحدا في كتاب القاسم بن محمد عن جده الحسن بن راشد ان الصادق (عليه‌السلام) قال للحسن كيف تتوجه؟ قال أقول «لبيك وسعديك» فقال له الصادق (عليه‌السلام) ليس عن هذا أسألك كيف تقول «(وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفاً) مسلما»؟ قال الحسن أقوله : فقال له الصادق (عليه‌السلام) إذا قلت ذلك فقل : على ملة إبراهيم ودين محمد ومنهاج علي بن أبي طالب والائتمام بآل محمد حنيفا مسلما (وَما أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ)؟ فأجاب (عليه‌السلام) التوجه كله ليس بفريضة والسنة المؤكدة فيه التي هي كالإجماع الذي لا خلاف فيه (وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفاً) مسلما على ملة إبراهيم ودين محمد (صلى‌الله‌عليه‌وآله) وهدى أمير المؤمنين (عليه‌السلام) (وَما أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ) ـ (إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيايَ وَمَماتِي لِلّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذلِكَ أُمِرْتُ) وانا من المسلمين اللهم اجعلني من المسلمين أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم بسم الله الرحمن الرحيم. ثم تقرأ الحمد». قال الفقيه الذي لا يشك في علمه : الدين لمحمد (صلى‌الله‌عليه‌وآله) والهداية لعلي أمير المؤمنين (عليه‌السلام) لأنها له (صلى الله عليهما) وفي عقبه باقية إلى يوم القيامة فمن كان كذلك فهو من المهتدين ومن شك فلا دين له ونعوذ بالله من الضلالة بعد الهدى.

و (الخامس) ـ رفع اليدين بالتكبير وقد وقع الخلاف هنا في مواضع (الأول) الرفع فالمشهور الاستحباب ونقل عن المرتضى انه أوجب رفع اليدين بالتكبير في جميع الصلاة ونقل عنه انه احتج عليه بإجماع الفرقة ، قال في المدارك : وهو اعلم بما ادعاه.

أقول : لو رجع السيد (رضي‌الله‌عنه) الى الآية والأخبار لوجدها ظاهرة الدلالة على ما ذهب اليه على وجه لا يتطرق اليه النقض ولا الطعن عليه ولكنه (رضي‌الله‌عنه) ـ كما أشرنا إليه في ما سبق ـ قليل الرجوع إلى الأخبار وانما يعتمد على أدلة واهية لا تقبلها البصائر والأفكار من تعليل عقلي أو دعوى إجماع مع انه لا قائل به سواه كما

٤٢

لا يخفى على من راجع مصنفاته (رضي‌الله‌عنه).

وبيان صحة ما ذكرناه ان مما يدل على القول المذكور قوله تعالى «فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ» (١) لورود الأخبار في تفسيرها كما سيأتي بأن المراد بالنحر هنا انما هو رفع اليدين بالتكبير في الصلاة ، والأوامر القرآنية عندهم على الوجوب إلا ما قام الدليل على خلافه

ومن ذلك الأخبار المتكاثرة ومنها ـ صحيحة الحلبي المتقدمة (٢) وفيها «إذا افتتحت الصلاة فارفع كفيك ثم ابسطهما بسطا ثم كبر ثلاث تكبيرات.».

ومنها ـ صحيحة معاوية بن عمار (٣) قال : «رأيت أبا عبد الله (عليه‌السلام) إذا كبر في الصلاة يرفع يديه حتى يكاد يبلغ أذنيه».

وفي صحيحة أخرى له (٤) قال : «رأيت أبا عبد الله (عليه‌السلام) حين افتتح الصلاة رفع يديه أسفل من وجهه قليلا».

وفي صحيحة زرارة عن أبي جعفر (عليه‌السلام) (٥) «إذا قمت في الصلاة فكبرت فارفع يديك ولا تجاوز بكفيك أذنيك أي حيال خديك».

وفي صحيحة صفوان بن مهران الجمال (٦) قال : «رأيت أبا عبد الله (عليه‌السلام) إذا كبر في الصلاة يرفع يديه حتى يكاد يبلغ أذنيه».

وفي صحيحة عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) (٧) «في قول الله عزوجل (فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ) (٨) قال هو رفع يديك حذاء وجهك».

وروى أمين الإسلام الطبرسي في كتاب مجمع البيان في تفسير الآية المذكورة

__________________

(١ و ٨/) سورة الكوثر ، الآية ٢.

(٢) ص ٣٩.

(٣) لم نقف في كتب الحديث على رواية لمعاوية بن عمار بهذا اللفظ ، نعم نسب في المدارك والذخيرة هذا النص إلى معاوية بن عمار.

(٤ و ٦ و ٧) الوسائل الباب ٩ من تكبيرة الإحرام.

(٥) الوسائل الباب ١٠ من تكبيرة الإحرام.

٤٣

عن عمر بن يزيد (١) قال : «سمعت أبا عبد الله (عليه‌السلام) يقول في قوله تعالى «فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ» هو رفع يديك حذاء وجهك». قال وروى عنه عبد الله بن سنان مثله (٢).

وروى فيه أيضا عن جميل (٣) قال : «قلت لأبي عبد الله (عليه‌السلام) «فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ»؟ فقال بيده هكذا يعني استقبل بيديه حذاء وجهه القبلة في افتتاح الصلاة».

ثم روى فيه أيضا عن مقاتل بن حيان عن الأصبغ بن نباتة عن أمير المؤمنين (عليه‌السلام) (٤) «لما نزلت هذه السورة قال النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) لجبرئيل (عليه‌السلام) ما هذه النحيرة التي أمرني بها ربي؟ قال ليست بنحيرة ولكن يأمرك إذا تحرمت للصلاة ان ترفع يديك إذا كبرت وإذا ركعت وإذا رفعت رأسك من الركوع وإذا سجدت فإنه صلاتنا وصلاة الملائكة في السماوات السبع فان لكل شي‌ء زينة وان زينة الصلاة رفع الأيدي عند كل تكبيرة». ورواه الشيخ الطوسي في مجالسه وكذا ابنه في مجالسه (٥) فهذه الروايات الأربع تضمنت تفسير الآية.

ومن اخبار المسألة أيضا ما في صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) (٦) في وصية النبي لعلي (عليه‌السلام) «وعليك ان ترفع يديك في صلاتك. الحديث». إلى غير ذلك من الأخبار الآتية ان شاء الله تعالى.

وأنت خبير بأن جملة منها قد دلت على حكاية فعلهم (عليهم‌السلام) وجملة قد دلت على الأمر بذلك وجملة على تفسير الآية بذلك ولم نقف في الأخبار على ما يخالفها ويضادها.

وغاية ما استدلوا به على عدم الوجوب كما ذكره بعض متأخري المتأخرين صحيحة علي بن جعفر عن أخيه موسى (عليه‌السلام) (٧) قال : «على الامام ان يرفع يده في الصلاة وليس على غيره ان يرفع يده في الصلاة». قالوا : والظاهر انه لا قائل بالفصل بين الإمام

__________________

(١ و ٢ و ٣ و ٤ و ٥ و ٦ و ٧) الوسائل الباب ٩ من تكبيرة الإحرام.

٤٤

وغيره فعدم وجوبه على غير الامام يوجب تعدي الحكم اليه ، ولهذا ذكر الشيخ ان المعنى في هذا الخبر ان فعل الإمام أكثر فضلا وأشد تأكيدا وان كان فعل المأموم أيضا فيه فضل. انتهى.

ولا يخفى ما في هذا الاستدلال من ظهور الاختلال ومنافاته لظاهر الخبر المذكور مضافا إلى عدم الصراحة بل الظهور في محل ذلك الرفع ولعله في القنوت. وبالجملة معارضة تلك الأخبار الكثيرة الصحيحة الصريحة بهذه الرواية المجملة المتهافتة الدلالة لا تخلو من تعسف. نعم لقائل أن يقول ان إيجاب الرفع في ما عدا تكبيرة الإحرام المتفق على وجوبها وتكبيري الركوع والسجود على القول بوجوبهما لا يخلو من اشكال إذ متى كان أصل التكبير مستحبا لزم ان يكون ما تعلق به من شرط وصفة ونحوهما مستحبا كما هو مقتضى القواعد العقلية والنقلية ، وكيف كان فقول السيد (رضي‌الله‌عنه) بمحل من القوة والاحتياط يقتضي المحافظة عليه.

واما ما أطال به في الذخيرة ـ انتصارا للقول المشهور ونقل معان متعددة للآية من كلام المفسرين ـ فلا طائل تحته بعد ما عرفته ، والاعتماد على كلام المفسرين في مقابلة تفسير أهل البيت (عليهم‌السلام) خروج عن الدين كما لا يخفى على الحاذق المكين وقد تقدم إيضاحه في غير مقام مما تقدم. نعم ما ذكره من رواية حريز عن رجل عن ابي جعفر (عليه‌السلام) ـ (١) قال : «قلت له (فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ)؟ قال النحر الاعتدال في القيام ان يقيم صلبه ونحره». ـ مسلم إلا انه لا منافاة فيها لما دلت عليه تلك الأخبار حتى يعترض بها لإمكان تفسير الآية بالأمرين وبه يجمع بين الأخبار ، ومثله في القرآن غير عزيز فان القرآن ذلول ذو وجوه (٢).

(الثاني) ـ قد اختلفت عبارات الأصحاب في بيان حد الرفع ، فقال الشيخ الرفع

__________________

(١) الوسائل الباب ٢ من القيام.

(٢) مجمع البيان طبع صيدا ج ١ ص ١٣ عن النبي (ص).

٤٥

المعتبر في تكبيرة الإحرام وغيرها ان يحاذي بيديه شحمتي أذنيه. وعن ابن أبي عقيل يرفعهما حذو منكبيه أو حيال خديه لا يجاوز بهما أذنيه. وقال ابن بابويه يرفعهما إلى النحر ولا يجاوز بهما الأذنين حيال الخد. وقال الفاضلان في بحث الركوع من المعتبر والمنتهى في تكبير الركوع يرفع يديه حيال وجهه ، وفي رواية إلى أذنيه وبه قال الشيخ. وقال الشافعي إلى منكبيه (١) وبه رواية عن أهل البيت (عليهم‌السلام).

أقول : قد تقدم في الأخبار الواردة في هذا المقام في الموضع الأول صحيحة معاوية ابن عمار «وفيها يرفع يديه حتى يكاد يبلغ أذنيه» (٢). وفي صحيحته الثانية «أسفل من وجهه قليلا». وفي صحيحة زرارة «ولا تجاوز بكفيك أذنيك أي حيال خديك». وفي صحيحة صفوان مثل صحيحة معاوية بن عمار الاولى ، وفي صحيحة عبد الله بن سنان «حذاء وجهك» ومثله في رواية جميل. هذا ما تقدم في المقام.

وفي صحيحة حماد بن عيسى المتقدمة (٣) في تعليم الصادق (عليه‌السلام) في تكبيرة للسجود «ورفع يديه حيال وجهه».

وفي رواية أبي بصير (٤) قال : «قال أبو عبد الله (عليه‌السلام) إذا دخلت المسجد فاحمد الله وأثن عليه وصل على النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) فإذا افتتحت الصلاة فكبرت فلا تجاوز أذنيك ولا ترفع يديك بالدعاء في المكتوبة تجاوز بهما رأسك».

وعن منصور بن حازم (٥) قال : «رأيت أبا عبد الله (عليه‌السلام) افتتح الصلاة فرفع يديه حيال وجهه واستقبل القبلة ببطن كفيه».

وفي الصحيح عن ابن سنان (٦) قال : «رأيت أبا عبد الله (عليه‌السلام) يصلي يرفع

__________________

(١) الام ج ١ ص ٩٠.

(٢) تقدم عدم الوقوف على رواية لمعاوية بن عمار بهذا اللفظ.

(٣) ص ٣.

(٤) الوسائل الباب ٣٩ من المساجد و ٩ من تكبيرة الإحرام.

(٥ و ٦) الوسائل الباب ٩ من تكبيرة الإحرام.

٤٦

يديه حيال وجهه حين استفتح». وعن زرارة في الصحيح أو الحسن عن أحدهما (عليهما‌السلام) (١) قال : «ترفع يديك في افتتاح الصلاة قبالة وجهك ولا ترفعهما كل ذلك».

وفي كتاب الفقه الرضوي (٢) «فإذا افتتحت الصلاة فكبر وارفع يديك بحذاء أذنيك ولا تجاوز بإبهاميك حذاء أذنيك ولا ترفع يديك بالدعاء في المكتوبة حتى تجاوز بهما رأسك ولا بأس بذلك في النافلة والوتر».

والمفهوم من هذه الأخبار باعتبار ضم بعضها إلى بعض هو ان أعلى مراتب الرفع إلى ما سامت الأذنين كما يشير اليه قوله في صحيحة زرارة الاولى «ولا تجاوز بكفيك أذنيك» ومثله في رواية أبي بصير وعبارة كتاب الفقه ، وأقل مراتبه ان يكون أسفل من وجهه قليلا كما في صحيحة معاوية بن عمار الثانية ، والظاهر انها هي التي أشار إليها ابن بابويه بقوله «يرفعهما إلى النحر» فإنه أسفل من الوجه قليلا وإلا فلفظ النحر لم أقف عليه في شي‌ء من الأخبار التي وصلت الي وهي جملة ما ذكرته هنا. وبهذا يجمع بين الأخبار المذكورة وما دل عليه خبر أبي بصير وكذا كلامه (عليه‌السلام) في كتاب الفقه من النهي عن رفع اليدين بالدعاء في المكتوبة حتى يجاوز بهما الرأس ، والظاهر انه هو المراد من الخبر المروي عن أمير المؤمنين (عليه‌السلام) على ما ذكره جمع من الأصحاب (رضوان الله عليهم) :

قال في الذكرى : روى ابن أبي عقيل قال جاء عن أمير المؤمنين (عليه‌السلام) (٣) «ان النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) مر برجل يصلي وقد رفع يديه فوق رأسه فقال ما لي أرى أقواما يرفعون أيديهم فوق رؤوسهم كأنها آذان خيل شمس؟». انتهى. ونحوه روى في المعتبر والمنتهى عن علي (عليه‌السلام) (٤)

__________________

(١) الوسائل الباب ١٠ من تكبيرة الإحرام.

(٢) ص ٧.

(٣) مستدرك الوسائل الباب ٨ من تكبيرة الإحرام.

(٤) الوسائل الباب ١٠ من تكبيرة الإحرام.

٤٧

قال شيخنا المجلسي (عطر الله مرقده) في كتاب البحار : روى المخالفون هذه الرواية في كتبهم فبعضهم روى «آذان خيل» وبعضهم «أذناب خيل» قال في النهاية «ما لي أراكم رافعي أيديكم في الصلاة كأنها أذناب خيل شمس؟» هي جمع شموس وهي النفور من الدواب الذي لا يستقر لشغبه وحدته. انتهى. والعامة حملوها على رفع الأيدي في التكبير (١) لعدم قولهم بشرعية القنوت في أكثر الصلوات وتبعهم الأصحاب

__________________

(١) قال في بدائع الصنائع ج ١ ص ٢٠٧ : «واما رفع اليدين عند التكبير فليس بسنة في الفرائض عندنا إلا في تكبيرة الافتتاح. إلى ان قال في ضمن الاستدلال : وروى انه (ص) رأى بعض أصحابه يرفعون أيديهم عند الركوع وعند رفع الرأس من الركوع فقال ما لي أراكم رافعي أيديكم كأنها أذناب خيل شمس؟ اسكنوا في الصلاة». وقال في نيل الأوطار ج ٢ ص ١٩١ في مبحث رفع الأيدي عند التكبير : احتج من قال بعدم الاستحباب بحديث جابر بن سمرة عند مسلم وأبي داود قال «خرج علينا رسول الله (ص) فقال ما لي أراكم رافعي أيديكم كأنها أذناب خيل شمس اسكنوا في الصلاة». وأجيب عن ذلك بأنه ورد على سبب خاص فان مسلما رواه أيضا من حديث جابر بن سمرة قال «كنا إذا صلينا مع النبي (ص) قلنا السلام عليكم ورحمة الله السلام عليكم ورحمة الله ـ وأشار بيديه إلى الجانبين ـ فقال لهم النبي (ص) علام تومئون بأيديكم كأنها أذناب خيل شمس؟ إنما يكفي أحدكم ان يضع يده على فخذه ثم يسلم على أخيه من على يمينه وشماله». وفي هامش المنتقى ج ١ ص ٤٦١ في التعليق على الحديث باللفظ الثاني المنسوب إلى أحمد ومسلم وبلفظ آخر للنسائي وهو «كنا نصلي خلف النبي (ص) فقال ما بال هؤلاء يسلمون بأيديهم كأنها أذناب خيل شمس؟ إنما يكفي أحدكم ان يضع يده على فخذه ثم يقول السلام عليكم السلام عليكم». قال : قد احتج به الأحناف على ترك رفع اليدين عند الركوع والرفع منه ، قال البخاري في جزء رفع اليدين : فاما احتجاج بعض من لا يعلم بحديث وكيع عن الأعمش عن المسيب ابن رافع عن تميم بن طرفة عن جابر بن سمرة قال : دخل علينا رسول الله (ص) ـ ونحن رافعو أيدينا ـ الحديث فإنما كان هذا في التشهد لا في القيام كان يسلم بعضهم على بعض فنهى النبي (ص) عن رفع الأيدي في التشهد ولا يحتج بهذا من له حظ من العلم.

٤٨

فاستدلوا بها على كراهة تجاوز اليد عن الرأس في التكبير ، ولعل الرفع للقنوت منها أظهر ويحتمل التعميم أيضا والأحوط الترك فيهما معا. انتهى كلام شيخنا المشار إليه.

أقول : والظاهر هو ما استظهره من الحمل على القنوت ، وينبغي ان يخص بالفريضة كما تضمنه الخبران المتقدمان ولا بأس بذلك في النافلة كما تضمنته عبارة كتاب الفقه. واما الحمل على رفع اليدين في التكبير كما ذكره الأصحاب (رضوان الله عليهم) فالظاهر بعده عن سياق الخبر وان كان الحكم كذلك كما يدل عليه النهي عن الرفع في التكبير عما زاد على محاذاة الأذنين إلا ان الخبر المذكور ليس مرادا به ذلك بل المراد به ما اشتمل عليه خبر أبي بصير وكلامه (عليه‌السلام) في الكتاب المذكور.

(الثالث) ـ المشهور بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) انه يتبدئ في التكبير بابتداء رفع يديه وينتهي بانتهائه ويرسلهما بعد ذلك ، قال في المعتبر : وهو قول علمائنا. ونحوه كلام العلامة في المنتهى. وعللوه بأنه لا يتحقق رفعهما بالتكبير إلا بذلك وعلى هذا جرى في المدارك والذخيرة وغيرهما.

مع ان في المسألة قولين آخرين (أحدهما) انه يبتدئ بالتكبير حال إرسالهما. وقيل انه يبتدئ بالتكبير عند انتهاء الرفع فيكبر عند تمام الرفع ثم يرسل يديه. وهذا هو الظاهر من صحيحة الحلبي أو حسنته المتقدمة (١) لقوله (عليه‌السلام) «إذا افتتحت الصلاة ـ أي إذا أردت افتتاح الصلاة كما في قوله عزوجل «فَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ» (٢) و «إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ» (٣) ـ فارفع كفيك ثم ابسطهما بسطا ثم كبر ثلاث تكبيرات» وأجاب العلامة عن هذه الرواية بحمل «ثم» على الانسلاخ عن معنى التراخي.

واما ما تمسكوا به من ان الرفع بالتكبير لا يتحقق إلا بذلك فهو جيد لو وجدت هذه العبارة في شي‌ء من اخبار المسألة وقد تقدم لك ذكرها وان وجد ذلك فإنما هو في كلام الأصحاب ولا حجة فيه.

__________________

(١) ص ٣٩.

(٢ و ٣) سورة النحل ، الآية ١٠٠ و ٩.

٤٩

وقريب من صحيحة الحلبي في ذلك صحيحة صفوان المتقدمة (١) وقوله : «إذا كبر في الصلاة يرفع يديه حتى يكاد يبلغ أذنيه». فإن المراد إذا أراد التكبير كما تقدم فيدل على ان الرفع متقدم على وقوع التكبير واقع عند إرادته واما كون التكبير عند انتهاء الرفع أو حال الإرسال فهي مجملة في ذلك فهي موافقة للقول المشهور ومحتملة للقولين الآخرين.

وقال العلامة في التذكرة : قال ابن سنان (٢) «رأيت الصادق (عليه‌السلام) يرفع يديه حيال وجهه حين استفتح». وظاهره يقتضي ابتداء التكبير مع ابتداء الرفع وانتهاءه مع انتهائه وهو أحد وجهي الشافعية والثاني يرفع ثم يكبر عند الإرسال وهو عبارة بعض علمائنا. وظاهر كلام الشافعي انه يكبر بين الرفع والإرسال (٣) انتهى.

أقول : لا ريب ان ظاهر صحيحة الحلبي المتقدمة ما عرفت من الدلالة على القول الثالث وقريب منها صحيحة صفوان بالتقريب الذي ذكرناه ، وهذه الرواية ظاهرة أيضا في القول المشهور كما ذكره شيخنا المذكور وان أمكن التأويل فيها بحمل قوله : «استفتح» على ارادة الاستفتاح كما في الخبرين الآخرين ، وبذلك تنطبق على الخبرين المذكورين ويكون الجميع دليلا للقول الثالث. واما حملها على ظاهرها فيوجب المناقضة بينها وبين الخبرين الأولين ، إلا ان يجاب عن صحيحة الحلبي بما ذكره العلامة من حمل «ثم» على الانسلاخ من معنى التراخي وعن صحيحة صفوان بان المراد بقوله «إذا كبر» أي إذا ابتدأ في التكبير فيصير ابتداء التكبير بابتداء الرفع كما هو القول المشهور ، وبذلك تبقى المسألة في قالب الإشكال في البين لتصادم الاحتمال من الطرفين.

(الرابع) ـ ذهب جمع من الأصحاب إلى استحباب ضم الأصابع حين الرفع ونقل الفاضلان عن المرتضى وابن الجنيد تفريق الإبهام وضم الباقي ، ونقله في الذكرى عن المفيد وابن البراج وابن إدريس وجعله اولى وأسنده إلى الرواية.

__________________

(١ و ٢) ص ٤٣ و ٤٦.

(٣) شرح صحيح مسلم للنووي الشافعي على هامش إرشاد الساري ج ٣ ص ٤ والام للشافعي ج ١ ص ٩٠.

٥٠

أقول : ظاهر كلامهم في هذا المقام ان ضم الأصابع بعضها إلى بعض متفق عليه في ما عدا الإبهام والخلاف انما هو فيها ضما وتفريقا. ولم أقف لهم على دليل لا في موضع الوفاق ولا في موضع الخلاف.

وظاهر صاحب المدارك الاستناد في أصل المسألة إلى خبر حماد (١) حيث قال : ولتكن الأصابع مضمومة كما يستفاد من رواية حماد في وصف صلاة الصادق (عليه‌السلام) ..

وأنت خبير بان خبر حماد لم يشتمل على رفع اليدين في تكبيرة الإحرام فضلا عن كونها في حال الرفع مضمومة الأصابع أم لا ، وقد صرح بالرفع في تكبير الركوع وتكبير السجود ولكنه أيضا غير متضمن لضم الأصابع ، نعم ذكر في صدر الرواية قال : «فقام أبو عبد الله (عليه‌السلام) مستقبل القبلة منتصبا فأرسل يديه جميعا على فخذيه قد ضم أصابعه». فضم الأصابع في الخبر انما وقع في حال الإسدال على الفخذين ، وحينئذ فلا دلالة فيه على ما ادعوه إلا ان يدعى استصحاب تلك الحال إلى حال الرفع. وفيه من البعد ما لا يخفى.

وظاهر الشهيد في الذكرى وصول النص اليه بالتفريق في الإبهام والضم حيث قال : ولتكن الأصابع مضمومة وفي الإبهام قولان وفرقه أولى ، واختاره ابن إدريس تبعا للمفيد وابن البراج وكل ذلك منصوص. انتهى.

نعم روى شيخنا المجلسي في كتاب البحار (٢) عن زيد النرسي في كتابه عن ابي الحسن الأول (عليه‌السلام) «انه رآه يصلى فكان إذا كبر في الصلاة ألزق أصابع يديه الإبهام والسبابة والوسطى والتي تليها وفرج بينها وبين الخنصر ثم يرفع يديه بالتكبير قبالة وجهه ثم يرسل يديه ويلزق بالفخذين ولا يفرج بين أصابع يديه فإذا ركع كبر ورفع يديه بالتكبير قبالة وجهه ثم يلقم ركبتيه كفيه ويفرج بين الأصابع فإذا اعتدل لم

__________________

(١) ص ٢.

(٢) ج ٨٤ بحار الأنوار ص ٢٢٥ ح ١٢.

٥١

يرفع يديه وضم الأصابع بعضها إلى بعض كما كانت ويلزق يديه مع الفخذين ثم يكبر ويرفعهما قبالة وجهه كما هي ملتزق الأصابع فيسجد. الحديث». وهو وان تضمن ضم الأصابع إلا انه تضمن تفريق الخنصر دون الإبهام فهو لا يصلح لأن يكون دليلا في المقام ، وظاهره ضم الأصابع كملا في تكبير السجود.

(المسألة الرابعة) ـ قد تقدم استحباب اضافة ست تكبيرات للافتتاح مع تكبيرة الإحرام وهو مما لا خلاف فيه بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) وانما الخلاف في عموم هذا الحكم للفرائض والنوافل أو لخصوص الفرائض أو بانضمام مواضع مخصوصة من النوافل لا جميعها كما هو القول الأول؟ أقوال ، وبالأول صرح المحقق في المعتبر والعلامة وابن إدريس واختاره السيد السند في المدارك والظاهر انه المشهور بين الأصحاب ونقل عن المرتضى (رضي‌الله‌عنه) في المسائل المحمدية انه خصها بالفرائض دون النوافل وعن ابن الجنيد انه خصها بالمنفرد.

وقال الشيخ المفيد (نور الله مرقده) يستحب التوجه بسبع تكبيرات في سبع صلوات. قال الشيخ في التهذيب ذكر ذلك علي بن الحسين في رسالته ولم أجد به خبرا مسندا وتفصيلها ما ذكره : أول كل فريضة وأول ركعة من صلاة الليل وفي المفردة من الوتر وفي أول ركعة من ركعتي الزوال وفي أول ركعة من نوافل المغرب وفي أول ركعة من ركعتي الإحرام ، فهذه الستة مواضع ذكرها علي بن الحسين (قدس‌سره) وزاد الشيخ ـ يعني المفيد ـ الوتيرة. انتهى.

أقول : ينبغي ان يعلم ان ما ذكره علي بن الحسين (قدس‌سره) في رسالته انما أخذه من كتاب الفقه الرضوي على ما عرفت وستعرف في غير مقام مما تقدم وسيأتي حيث قال (عليه‌السلام) في الكتاب المذكور «ثم افتتح بالصلاة وتوجه بعد التكبير فإنه من السنة الموجبة في ست صلوات وهي أول ركعة من صلاة الليل والمفردة من الوتر وأول ركعة من نوافل المغرب وأول ركعة من ركعتي الزوال وأول ركعة من ركعتي

٥٢

الإحرام وأول ركعة من ركعات الفرائض» انتهى. ورواه الصدوق في كتاب الهداية مرسلا ومن الظاهر انه من هذا الكتاب كما عرفت.

احتج السيد السند (قدس‌سره) في المدارك على ما اختاره من القول الأول بإطلاق الأحاديث ، قال وقد تقدم طرف منها في ما سبق ثم قال :

وروى الشيخ في الصحيح عن زيد الشحام (١) قال : «قلت لأبي عبد الله (عليه‌السلام) الافتتاح؟ قال تكبيرة تجزئك ، قلت : فالسبع؟ قال ذلك الفضل». وروى ابن بابويه في الصحيح عن زرارة عن ابي جعفر (عليه‌السلام) «انه خرج رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) إلى الصلاة وقد كان الحسين (عليه‌السلام) ابطأ. الحديث». وقد تقدم قريبا (٢) ثم نقل حسنة الحلبي أو صحيحته المتقدمة (٣) المشتملة على التكبيرات السبع والأدعية الثلاثة بينها.

أقول : ما ذكره من إطلاق الأحاديث أشار به إلى الأخبار التي قدمناها في الأمر الثالث من المسألة الثالثة ، وأنت خبير بأنه وان كان الأمر كما ذكره بالنسبة إلى إطلاق الأخبار إلا انه مدخول بأنه من المحتمل قريبا حمل الإطلاق على الفريضة سيما اليومية التي هي الفرض المتكرر الشائع المتبادر إلى الذهن عند الإطلاق كما صرحوا به في غير موضع سيما ان جملة منها ظاهرة كالصريح في الفريضة كأخبار العلل بزيادة هذه التكبيرات من أحاديث الحسين (عليه‌السلام) واخبار الحجب فإنها كلها ظاهرة كالصريح في الفريضة واخبار الامام فإنها كذلك.

وأنت إذا راجعت الأخبار وتأملتها بعين التفكر والاعتبار وضممت بعضها إلى بعض ظهر لك صحة ما قلناه وقوة ما اخترناه ، وبذلك يظهر لك قوة ما ذكره علي بن الحسين بن بابويه لاعتماده فيه على الكتاب المذكور.

ويعضده أيضا ما رواه السيد الزاهد العابد المجاهد رضي الدين بن طاوس

__________________

(١) الوسائل الباب ١ من تكبيرة الإحرام.

(٢) ص ٢٢.

(٣) ص ٢٩.

٥٣

(رضوان الله عليه) في كتاب فلاح السائل عن التلعكبري عن محمد بن همام عن عبد الله ابن علاء المذاري عن ابن شمون عن حماد عن حريز عن زرارة عن أبي جعفر (عليه‌السلام) (١) قال قال : «افتتح في ثلاثة مواطن بالتوجه والتكبير : في أول الزوال وصلاة الليل والمفردة من الوتر ، وقد يجزئك في ما سوى ذلك من التطوع ان تكبر تكبيرة لكل ركعتين».

وظاهر الخبر ان المراد ثلاثة مواطن يعني بعد الفرائض كما يشير اليه قوله «قد يجزئك في ما سوى ذلك من التطوع» وقد حمله ابن طاوس في الكتاب المذكور على التأكيد في هذه الثلاثة بعد تخصيصه الاستحباب بسبعة مواضع بإلحاق الفريضة واولى نافلة المغرب والوتيرة وركعتي الإحرام. وظاهره كما ترى موافقة الشيخ المفيد (قدس‌سره) في ضم الوتيرة إلى الستة المتقدمة في كتاب الفقه الرضوي.

وقال شيخنا المجلسي في البحار بعد نقله كلام علي بن بابويه المطابق لعبارة كتاب الفقه كما عرفت : ويمكن حمله على تأكد الاستحباب في تلك المواضع لا نفيه عن غيرها. وفيه ان ذلك فرع الدليل الظاهر في العموم وقد عرفت ما فيه.

(المسألة الخامسة) ـ قال شيخنا الشهيد في الذكرى : زاد ابن الجنيد بعد التوجه استحباب تكبيرات سبع و «سبحان الله» سبعا و «الحمد لله» سبعا و «لا إله إلا الله» سبعا من غير رفع يديه ونسبه إلى الأئمة (عليهم‌السلام) وروى زرارة عن الباقر (عليه‌السلام) (٢) «إذا كبرت في أول الصلاة بعد الاستفتاح احدى وعشرين تكبيرة ثم نسيت التكبير أجزأك». انتهى.

أقول : ظاهر كلامه (قدس‌سره) في نقل مذهب ابن الجنيد انه يستحب سبع تكبيرات سوى التكبيرات الافتتاحية المشهورة ويمكن حمل التوجه على الكناية

__________________

(١) مستدرك الوسائل الباب ٥ من تكبيرة الإحرام.

(٢) الوسائل الباب ٦ من تكبيرة الإحرام.

٥٤

عن تكبيرة الإحرام خاصة فتكون السبع المذكورة بعدها ، وكيف كان فهو مخالف لما عليه الأصحاب.

وقال في النفلية : وروى التسبيح بعده سبعا والتحميد سبعا. قال شيخنا الشهيد الثاني في شرحها : ذكره ابن الجنيد ونسبه إلى الأئمة (عليهم‌السلام) ولم نقف عليه وكذا اعترف المصنف في الذكرى بذلك. انتهى.

أقول : قد روى الصدوق في كتاب العلل في الصحيح عن زرارة عن أبي جعفر (عليه‌السلام) (١) وذكر حديث تكبيرات الافتتاح ثم قال : «قال زرارة فقلت لأبي جعفر (عليه‌السلام) فكيف نصنع؟ قال تكبر سبعا وتحمد سبعا وتسبح سبعا وتحمد الله وتثني عليه ثم تقرأ». ولعل هذا الخبر هو المستند لما ذكره ابن الجنيد إلا ان ابن الجنيد ذكر التهليل سبعا والخبر خال من ذلك ولعل الخبر عنده كان كذلك ، ويؤيده ما نقله بعض مشايخنا عن بعض الثقات انه رأى هذا الخبر في بعض النسخ بعد قوله «وتسبح سبعا» و «تهلل سبعا» كما ذكره ابن الجنيد.

إذا عرفت ذلك فاعلم ان ما ذكره في النفلية بعيد الانطباق على مذهب ابن الجنيد وان كان شيخنا الشهيد الثاني قد فسره به ، لأن ابن الجنيد ـ كما عرفت ـ ذكر التسبيح سبعا والتهليل سبعا ومع فرض ان يكون المصنف فهم من التكبير سبعا في كلام ابن الجنيد التكبيرات السبع بإضافة تكبيرة الإحرام إليها فلم يذكره لموافقته لكلام الأصحاب وانما أراد التنبيه على ما لم يتعرضوا له إلا انه ينافيه حذف التهليل وعدم ذكره. ولعل المصنف اطلع على رواية زرارة المذكورة وأشار بقوله «روى» إليها لا إلى ما نقل عن ابن الجنيد دعوى الرواية به فإنه بعيد عن ظاهر هذه العبارة ، وكلامه إلى الانطباق على ظاهر الصحيحة المذكورة ـ بحمله التكبير سبعا فيها على تكبيرات الافتتاح المشهورة فلم يذكره وانما

__________________

(١) الوسائل الباب ١١ من تكبيرة الإحرام.

٥٥

ذكر التسبيح والتحميد كما في الخبر ـ أقرب منه إلى الانطباق على كلام ابن الجنيد كما فهمه الشارح.

واما رواية زرارة التي ذكرها فصورتها على ما رواه الشيخ في التهذيب في الصحيح والصدوق أيضا في الصحيح عن زرارة (١) قال : «قال أبو جعفر (عليه‌السلام) إذا أنت كبرت في أول صلاتك بعد الاستفتاح بإحدى وعشرين تكبيرة ثم نسيت التكبير كله ولم تكبر أجزأك التكبير الأول عن تكبير الصلاة كلها».

والخبر المذكور محمول على الرباعية والمراد بالاستفتاح الإحرام أي إذا كبرت بعدها احدى وعشرين تكبيرة ـ وهي مجموع التكبيرات المستحبة في الرباعية ، إذ في كل ركعة خمس تكبيرات واحدة للركوع ولكل سجدة اثنتان فيكون في الأربع الركعات عشرون تكبيرة وتكبيرة القنوت وهي تمام العدد المذكور ـ فإذا نسيت جميع التكبيرات المستحبة في أماكنها أجزأك عنها التكبير الأول على ارادة الجنس اي الإحدى والعشرين المتقدمة أولا ، فعلى هذا يكون في الثلاثية ست عشرة تكبيرة وفي الثنائية إحدى عشرة كل ذلك سوى تكبيرة الافتتاح.

ويؤكد ذلك وان كان واضحا ما رواه في الكافي في الصحيح أو الحسن عن معاوية بن عمار عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) (٢) قال : «التكبير في صلاة الفرض ـ الخمس الصلوات ـ خمس وتسعون تكبيرة منها تكبيرات القنوت خمس». ورواه أيضا عن علي عن أبيه عن ابن المغيرة (٣) وفسرهن : في الظهر احدى وعشرون تكبيرة وفي العصر احدى وعشرون تكبيرة وفي المغرب ست عشرة تكبيرة وفي العشاء الآخرة احدى وعشرون تكبيرة وفي الفجر إحدى عشرة تكبيرة وخمس تكبيرات القنوت في خمس صلوات.

__________________

(١) الوسائل الباب ٦ من تكبيرة الإحرام.

(٢ و ٣) الوسائل الباب ٥ من تكبيرة الإحرام.

٥٦

أقول : ظاهر هذه الأخبار طرح الست المستحبة الافتتاحية ، ولعل طرحها في صحيحة زرارة محمول على الاكتفاء بتلك التكبيرات التي يقدمها وفي هذين الخبرين باعتبار تأكد هذه التكبيرات زيادة عليها فإنها من أصل الصلاة قبل تلك الست التي تجددت لتلك العلل المذكورة. والله العالم.

الفصل الثالث في القيام

وفيه مسائل (الأولى) ـ قد صرح الأصحاب (رضوان الله عليهم) بان القيام ركن في الصلاة متى أخل به مع القدرة عمدا أو سهوا بطلت صلاته ، قال في المعتبر وعليه إجماع العلماء.

وفي تعيين الموضع الركني منه أقوال : فنقل عن العلامة الحكم بركنيته كيف اتفق وفي المواضع التي لا تبطل بزيادته يكون مستثنى بالنص كغيره. وقيل ان الركن منه ما اتصل بالركوع. ولم نقف لهما على دليل. وقيل انه تابع لما وقع فيه ومنقسم بانقسامه في الركنية والوجوب والاستحباب.

وهذا القول الأخير نقل عن شيخنا الشهيد (قدس‌سره) قال ان القيام بالنسبة إلى الصلاة على أنحاء : فالقيام في النية شرط كالنية ، والقيام في التكبير تابع له في الركنية والقيام في القراءة واجب غير ركن ، والقيام المتصل بالركوع ركن فلو ركع جالسا بطلت صلاته وان كان ناسيا ، والقيام من الركوع واجب غير ركن إذ لو هوى من غير رفع وسجد ناسيا لم تبطل صلاته ، والقيام في القنوت تابع له في الاستحباب.

واستشكل ذلك المحقق الشيخ علي بان قيام القنوت متصل بقيام القراءة فهو في الحقيقة كله قيام واحد فكيف يتصف بعضه بالوجوب وبعضه بالاستحباب؟

ورد بان مجرد اتصاله به مع وجود خواص الندب فيه لا يدل على الوجوب والحال انه ممتد يقبل الانقسام إلى الواجب والندب.

٥٧

واعترض بان القيام المتصل بالركوع هو بعينه القيام في القراءة إذ لا يجب قيام آخر بعدها قطعا فكيف يجتمع فيه الركنية وعدمها؟

وأجيب بأنه لا يلزم من اتصاله بالركوع كونه للقراءة بل قد يتفق لا معها كناسي القراءة فإن القيام كاف وان وجب سجود السهو ، وكذا لو قرأ جالسا ناسيا ثم قام وركع تأدى الركن به من غير قراءة ، وعلى تقدير القراءة فالركن منه هو الأمر الكلي وهو ما صدق عليه اسم القيام متصلا بالركوع وما زاد على ذلك موصوف بالوجوب لا غير ، وهذا كالوقوف بعرفة من حيث هو كلي ركن ومن حيث الاستيعاب واجب لا غير.

واعترض أيضا بأنه على تقدير اتصاله بالركوع لا يتصور زيادته ونقصانه لا غير حتى ينسب بطلان الصلاة إليه ، فإن الركوع ركن قطعا وهو اما مزيد أو ناقص وكل منهما مبطل من جهة الركوع ، فلا فائدة في إطلاق الركنية على القيام.

وأجيب بأن استناد البطلان إلى مجموع الأمرين غير ضائر فإن علل الشرع معرفات للاحكام لا علل عقلية فلا يضر اجتماعها.

وظاهر شيخنا الشهيد الثاني في الروضة انه لا مستند للركنية في القيام إلا الإجماع ولولاه لأمكن القدح في ركنيته لأن زيادته ونقصانه لا يبطلان إلا مع اقترانه بالركوع ومعه يستغنى عن القيام لأن الركوع كاف في البطلان. انتهى.

وقال في الروض : وحيث قد نقل المصنف الاتفاق على ركنية القيام ولم تتحقق ركنيته إلا بمصاحبة الركوع خصت بذلك إذ لا يمكن القول بعد ذلك بأنه غير ركن مطلقا لانه لا يصح خلاف الإجماع ، بل لو قيل بان القيام ركن مطلقا أمكن وعدم بطلان الصلاة بزيادة بعض افراده ونقصها لا يخرجه عن الركنية فإن زيادته ونقصانه قد اغتفرا في مواضع كثيرة للنص فليكن هذا منها بل هو أقوى في وضوح النص. انتهى.

أقول : والتحقيق في المقام بتوفيق الملك العلام وبركة أهل الذكر (عليهم الصلاة

٥٨

والسلام) ان يقال لا اشكال ولا ريب في ان القيام في الصلاة في الجملة مما قد دل على وجوبه الكتاب العزيز والسنة المطهرة.

(اما الأول) فقوله عزوجل «الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللهَ قِياماً» (١) فروى الكليني في الحسن عن أبي حمزة عن أبي جعفر (عليه‌السلام) (٢) في هذه الآية قال «الصحيح يصلي قائما ، وقعودا المريض يصلي جالسا ، وعلى جنوبهم الذي يكون أضعف من المريض الذي يصلي جالسا».

وروى العياشي في تفسيره عن أبي حمزة عن أبي جعفر (عليه‌السلام) (٣) قال : «سمعته يقول في قول الله تعالى (الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللهَ). (٤) قياما الأصحاء وقعودا يعني المرضى وعلى جنوبهم قال اعل ممن يصلي جالسا وأوجع».

وفي تفسير النعماني بسنده عن علي (عليه‌السلام) (٥) في حديث قال فيه : «واما الرخصة فهي الإطلاق بعد النهي. الى ان قال ومثله قوله عزوجل (فَإِذا قَضَيْتُمُ الصَّلاةَ فَاذْكُرُوا اللهَ قِياماً وَقُعُوداً وَعَلى جُنُوبِكُمْ) (٦) ومعنى الآية ان الصحيح يصلي قائما والمريض يصلي قاعدا ومن لم يقدر ان يصلي قاعدا صلى مضطجعا ويومئ إيماء. فهذه رخصة جاءت بعد العزيمة».

و (اما الثاني) فمنه ما رواه الصدوق في الفقيه في الصحيح عن زرارة (٧) قال : «قال أبو جعفر (عليه‌السلام) في حديث : وقم منتصبا فان رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) قال من لم يقم صلبه فلا صلاة له». ورواه في الكافي في الصحيح أو الحسن عن زرارة مثله (٨).

وروى في الكافي في الصحيح عن أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) (٩)

__________________

(١ و ٤) سورة آل عمران ، الآية ١٨٨.

(٢ و ٥) الوسائل الباب ١ من القيام.

(٣) مستدرك الوسائل الباب ١ من القيام.

(٦) سورة النساء الآية ١٠٤.

(٧ و ٨ و ٩) الوسائل الباب ٢ من القيام.

٥٩

قال : «قال أمير المؤمنين (عليه‌السلام) من لم يقم صلبه في الصلاة فلا صلاة له». ورواه البرقي في المحاسن عن أبي بصير مثله (١).

وظاهر هذين الخبرين الركنية لدلالتهما على وجوب الانتصاب في الصلاة بلا انحناء ولا انخناس فان الصلب هو عظم من الكاهل إلى العجب وهو أصل الذنب وإقامته تستلزم الانتصاب فالإخلال بذلك عمدا أو سهوا موجب لبطلان الصلاة (ولو قيل) ان لفظ «لا صلاة له» قد استعمل كثيرا في نفي الكمال دون نفي الصحة (قلنا) لا ريب ان هذا الاستعمال مجاز خلاف حقيقة اللفظ المذكور ، وقيام الدليل على المجاز في تلك المواضع لا يستلزم الخروج عن الحقيقة مطلقا بل الواجب حمل اللفظ على حقيقته إلى ان يقوم صارف عن ذلك ، سيما مع تأكد هذين الخبرين بالأخبار الكثيرة الدالة على وجوب القيام كما ستعرف ان شاء الله تعالى.

نعم يبقى الكلام في انه من المعلوم ان القيام ليس بركن في جميع الحالات لأن من نسي القراءة أو أبعاضها أو جلس في موضع القيام لا يجب عليه إعادة الصلاة ، ومن جلس في موضع قيام ساهيا أو زاده ساهيا لا تبطل صلاته ، وحينئذ فيمكن ان يقال بتخصيص الركن بما قارن الركوع خاصة وهو الأمر الكلي منه كما تقدم ، ويجاب عن الإيراد بإمكان استناد البطلان إلى الركوع بالجواب المتقدم من جواز الاستناد إليهما معا. ويمكن ان يقال ان القيام كيف اتفق ركن وعدم البطلان بزيادته ونقصانه مستثنى بالنص ، فإنه مع تصريحهم بل اتفاقهم على ركنية الركوع قد استثنوا مواضع منه لقيام الدليل عليها ، كما لو سبق المأموم إمامه سهوا بالركوع ثم تبين له انه لم يركع بعد فإنه يعود ويركع معه ونحو ذلك مما يأتي ان شاء الله تعالى. أو يقال بالتفصيل الذي ذكره شيخنا الشهيد (قدس‌سره). وبالجملة فالمفهوم من الأدلة كما ذكرناه هو الركنية في الجملة واما تعيين موضع الركن منه فغير معلوم.

__________________

(١) الوسائل الباب ٢ من القيام.

٦٠