الحدائق الناضرة - ج ٨

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]

الحدائق الناضرة - ج ٨

المؤلف:

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]


المحقق: محمّد تقي الإيرواني
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥٤٤

واما صيغة «السلام عليكم» فالدليل على وجوبها بعد الإجماع المذكور استفاضة الأخبار بالأمر بها كما تقدم بيانه. وما ذكره في الوجه الرابع من منافاة القول بوجوب «السلام عليكم» للأخبار الدالة على الانقطاع بالصيغة الأخرى انما يرد على القائلين بالجزئية كما تقدم واما من يقول بكونه واجبا خارجا فلا كما عرفت. واما الإشكال باخبار الحدث قبل التسليم (١) وجعل الحدث بذلك مخرجا فقد تقدم الجواب عنه.

(الرابع) ـ قيل ان الواجب على تقدير القول بوجوب التسليم هو «السلام عليكم» خاصة ونقل عن ابن بابويه وابن أبي عقيل وابن الجنيد ، وقال أبو الصلاح يجب «السلام عليكم ورحمة الله» ونقل عن ابن زهرة وجوب «السلام عليكم ورحمة الله وبركاته» وقال العلامة في المنتهى : ولو قال «السلام عليكم ورحمة الله» جاز وان لم يقل «وبركاته» بغير خلاف.

أقول : لا يخفى ان الأخبار في ذلك مختلفة أيضا ففي صحيح ابن أذينة أو حسنه المتقدم ذكره في آخر فصل التشهد (٢) ان النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) لما امره الله تعالى بالسلام على الملائكة والنبيين قال «السلام عليكم ورحمة الله وبركاته».

وفي صحيح علي بن جعفر وهو الخبر الثالث من الأخبار المتقدمة (٣) حكاية عن اخوته الذين منهم الامام (عليه‌السلام) «السلام عليكم ورحمة الله (٤)».

وروى في دعائم الإسلام عن جعفر بن محمد (عليهما‌السلام) (٥) قال : «فإذا قضيت التشهد فسلم عن يمينك وعن شمالك تقول «السلام عليكم ورحمة الله السلام عليكم ورحمة الله». وظاهره استحباب المرتين للمنفرد أيضا.

__________________

(١) الوسائل الباب ٣ من التسليم و ١ من قواطع الصلاة.

(٢) ص ٤٥٦.

(٣) ص ٤٩١.

(٤) وردت الصيغة في الخبر المذكور مكررة كما تقدم في التعليقة (٤) ص ٤٩١.

(٥) مستدرك الوسائل الباب ٤ من التسليم.

٥٠١

وفي الخبر السادس (١) من الأخبار المتقدمة أيضا «السلام عليكم» خاصة ومثله الخبر الثامن ، ومثلهما ما تقدم في موثقة يونس بن يعقوب (٢) الدالة علي انه نسي السلام على من خلفه حيث قال (عليه‌السلام) «ولو نسيت. استقبلتهم بوجهك فقلت السلام عليكم» ومورد الجميع الإمام إلا ان الظاهر انه لا قائل بالفرق.

وفي كتاب المقنع (٣) بعد ذكر التسليمات المستحبة على النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) والأنبياء والرسل والملائكة : فإذا كنت اماما فسلم وقلmz١ السلام عليكمmz٢ مرة واحدة وأنت مستقبل القبلة وتميل بعينيك إلى يمينك وان لم تكن اماما تميل بأنفك إلى يمينك ، وان كنت خلف إمام تأتم به فتسلم تجاه القبلة واحدة ردا على الامام وتسلم على يمينك واحدة وعلى يسارك واحدة. إلى آخره. وهو جار على ما تقدم نقله عن الفقيه.

والظاهر من الجمع بين هذه الأخبار هو حمل ما زاد على «السلام عليكم» على الفضل والاستحباب كما هو مقتضى القول الأول من الأقوال المتقدمة ، ويؤيده انه هو السلام المعهود المتكرر بين كافة الناس والسلام في الصلاة مأخوذ منه كما يشير اليه حديث عبد الله بن الفضل الهاشمي المتقدم في الموضع الأول (٤) ونحوه حديث الفضل بن شاذان المذكور ثمة أيضا (٥).

(الخامس) ـ قال في الذكرى : يستحب ان يقصد الامام التسليم على الأنبياء والأئمة (عليهم‌السلام) والحفظة والمأمومين لذكر أولئك وحضور هؤلاء والصيغة صيغة خطاب والمأموم يقصد بأولى التسليمتين الرد على الامام ، فيحتمل ان يكون على سبيل الوجوب لعموم قوله تعالى «وَإِذا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْها أَوْ رُدُّوها» (٦) ويحتمل ان يكون على سبيل الاستحباب لانه لا يقصد به التحية وانما الغرض منه الإيذان بالانصراف

__________________

(١) ص ٤٩٢.

(٢) ص ٤٧٤.

(٣) مستدرك الوسائل الباب ٢ من التسليم.

(٤) ص ٤٨٠.

(٥) ص ٤٧٩.

(٦) سورة النساء ، الآية ٨٨.

٥٠٢

من الصلاة كما مر في خبر أبي بصير (١) وجاء في خبر عمار بن موسى (٢) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن التسليم ما هو؟ فقال هو اذن». والوجهان ينسحبان في رد المأموم على مأموم آخر ، وروى العامة عن سمرة (٣) قال : «أمرنا رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) ان نسلم على أنفسنا وان يسلم بعضنا على بعض» وعلى القول بوجوب الرد يكفي في القيام به واحد فيستحب للباقين ، وإذا اقترن تسليم المأموم والامام أجزأ ولا رد هنا وكذلك إذا اقترن تسليم المأمومين لتكافؤهم في التحية. ويقصد المأموم بالثانية الأنبياء والحفظة والمأمومين. واما المنفرد فيقصد بتسليمه ذلك. ولو أضاف الجميع إلى ذلك قصد الملائكة أجمعين ومن على الجانبين من مسلمي الجن والانس كان حسنا. وقال ابن بابويه يرد المأموم على الإمام بواحدة ثم يسلم عن جانبيه تسليمتين. وكأنه يرى ان التسليمتين ليستا للرد بل هما عبادة محضة متعلقة بالصلاة ولما كان الرد واجبا في غير الصلاة لم يكف عنه تسليم الصلاة ، وانما قدم الرد لانه واجب مضيق إذ هو حق لآدمي ، والأصحاب يقولون ان التسليمة تؤدي وظيفتي الرد والتعبد به في الصلاة كما سبق مثله في اجتزاء العاطس في حال رفع رأسه من الركوع بالتحميد عن العطسة وعن وظيفة الصلاة. وهذا يتم حسنا على القول باستحباب التسليم واما على القول بوجوبه فظاهر الأصحاب ان الاولى من المأموم للرد على الامام والثانية للإخراج من الصلاة ولهذا احتاج إلى تسليمتين. ويمكن ان يقال ليس استحباب التسليمتين في حقه لكون الاولى ردا والثانية مخرجة لأنه إذا لم يكن على يساره أحد اكتفى بالواحدة عن يمينه وكانت محصلة للرد والخروج من الصلاة وانما شرعية الثانية ليعم السلام من على الجانبين لأنه بصيغة الخطاب فإذا وجهه إلى أحد الجانبين اختص به وبقي الجانب الآخر بغير تسليم ، ولما كان الامام غالبا ليس على جانبيه أحد اختص بالواحدة وكذلك المنفرد ، ولذا حكم ابن الجنيد بما تقدم

__________________

(١) ص ٤٩٢.

(٢) الوسائل الباب ١ من التسليم.

(٣) تيسير الوصول ج ٢ ص ٢٤١ و ٢٤٢. ويأتي في الاستدراكات ما يتعلق بالمقام.

٥٠٣

من تسليم الإمام إذا كان في صف عن جانبيه. انتهى كلامه (زيد مقامه).

وهو جيد متين إلا ان للمناقشة في بعضه مجالا ، ومنه ـ ما تأول به قول ابن بابويه بالتسليمات الثلاث للمأموم من قوله «وكأنه يرى. إلخ» فإن فيه ان الظاهر ان ابن بابويه انما عول على الخبر الذي قدمنا نقله عنه من العلل ، نعم ما ذكره يصلح وجه حكمة لما اشتمل عليه الخبر المشار اليه.

(السادس) ـ هل يجب نية الخروج على القول بوجوب التسليم؟ الأظهر العدم لعدم الدليل على ذلك وبذلك صرح جملة من محققي متأخري المتأخرين ، وقال في المنتهى لم أجد لأصحابنا نصا فيه. وقال الشيخ في المبسوط ينبغي ان ينوي بها ذلك.

وقال في الذكرى : ووجه الوجوب ان نظم السلام يناقض الصلاة في وضعه من حيث هو خطاب للآدميين ومن ثم تبطل الصلاة بفعله في أثنائها عامدا وإذا لم تقترن به نية تصرفه إلى التحليل كان مناقضا للصلاة مبطلا لها. ووجه عدم الوجوب قضية الأصل ، وان نية الصلاة اشتملت عليه وان كان مخرجا منها ، ولأن جميع العبادات لا تتوقف على نية الخروج بل الانفصال منها كاف في الخروج ، ولأن مناط النية الإقدام على الأفعال لا الترك لها. انتهى.

أقول : ان ما وجه به العدم من الوجوه المذكورة مضافا إلى الأصل في غاية القوة والرزانة ، وما وجه به الوجوب ضعيف سخيف لا يصلح لتأسيس الأحكام الشرعية ، فإنه وان كان كما ذكره من كونه خطابا للآدميين وانه تبطل الصلاة بفعله في الأثناء صحيحا إلا ان ذلك لا يستلزم نية التحليل به ، إذ المفهوم من الأخبار المتقدمة ان الشارع قد جعله محللا بمعنى انه متى اتى به المكلف فقد تحلل من الصلاة قصد ذلك أو لم يقصده ونواه أو لم ينوه ، وتوقف التحليل به على أمر وراء الإتيان به يحتاج إلى دليل إذ لا يفهم من الأخبار أمر وراء ذلك كما عرفت ، مع ما عرفت في ما قدمناه في غير مقام من الأخبار الدالة على السكوت عما سكت الله عنه والإبهام لما أبهمه الله والنهي عن تكلف

٥٠٤

ذلك (١) وكلام شيخنا المذكور هنا مؤذن بالتوقف في المسألة حيث لم يرجح شيئا من الوجهين.

(السابع) ـ هل يجوز الاكتفاء بقوله «سلام عليكم»؟ صرح المحقق في المعتبر بذلك ، قال لو قال «سلام عليكم» ناويا به الخروج فالأشبه أنه يجزئ لانه يقع عليه اسم التسليم ، ولأنها كلمة وردت في القرآن صورتها (٢).

وفيه نظر (أما أولا) فلأنه خلاف الوارد عن صاحب الشرع (صلى‌الله‌عليه‌وآله). قوله ـ «لانه يقع عليه اسم التسليم» ـ مردود بأنه وان ورد الأمر بالتسليم بقول مطلق في بعض الأخبار إلا أن أكثر الأخبار قد دلت على ان التسليم انما هو بصيغة «السلام عليكم» كما عرفت من اخبار التحليل وغيرها مما صرح بهذه الصيغة ، وحمل مطلق الأخبار على مقيدها يقتضي التخصيص بتلك الصيغة فلا يجزئ ما سواها. وبالجملة فإنا لا نسلم وقوع التسليم الشرعي عليه.

و (اما ثانيا) فان مجرد وروده في القرآن لا يجوز التعبد به في الصلاة ما لم يرد به نص على الخصوص لأن العبادات توقيفية. وجميع ما ذكرناه بحمد الله سبحانه ظاهر لا خفاء فيه.

ختام به الإتمام في التعقيب

وتحقيق القول فيه يقع في مواضع (الأول) في معناه قال في القاموس : التعقيب الجلوس بعد الصلاة للدعاء. وقال في المصباح المنير : والتعقيب في الصلاة الجلوس بعد قضائها لدعاء أو مسألة. وقال الجوهري : التعقيب في الصلاة الجلوس بعد ان تقضيها

__________________

(١) الشهاب في الحكم والآداب باب الالف المقطوع والموصول ، والبحار ج ٢ ص ٢٧٢ من الطبع الحديث ، وقد تقدم ما يتعلق بذلك في ج ١ ص ٥٥.

(٢) سورة الانعام الآية ٥٤ والأعراف الآية ٤٤.

٥٠٥

لدعاء أو مسألة. ونحوه قال ابن فارس في الجمل. وفي النهاية الأثيرية : فيه «من عقب في صلاته فهو في صلاة» أي أقام في مصلاه بعد ما يفرغ من الصلاة. وكلام أهل اللغة كما ترى متفق الدلالة على دخول الجلوس في مفهومه. ونقل عن بعض فقهائنا أنه فسره بالاشتغال عقيب الصلاة بدعاء أو ذكر وما أشبه ذلك ولم يذكر الجلوس ، ولعل المراد بما أشبه ذلك نحو قراءة القرآن. وهل مجرد الجلوس بعد الصلاة من غير اشتغال بما ذكر تعقيب؟ ظاهر عبارة النهاية ذلك.

وقال شيخنا البهائي في الحبل المتين : لم أظفر في كلام أصحابنا (قدس الله أرواحهم) بكلام شاف في ما هو حقيقة التعقيب شرعا بحيث لو نذر التعقيب لانصرف اليه ولو نذر لمن هو مشتغل بالتعقيب في الوقت الفلاني لاستحق المنذور إذا كان مشتغلا به فيه ، وقد فسره بعض اللغويين كالجوهري وغيره بالجلوس بعد الصلاة لدعاء أو مسألة. وهذا يدل بظاهره على ان الجلوس داخل في مفهومه وانه لو اشتغل بعد الصلاة بالدعاء قائما أو ماشيا أو مضطجعا لم يكن ذلك تعقيبا ، وفسره بعض فقهائنا بالاشتغال عقيب الصلاة بدعاء أو ذكر وما أشبه ذلك ولم يذكر الجلوس ، ولعل المراد بما أشبه الدعاء والذكر البكاء من خشية الله تعالى والتفكر في عجائب مصنوعاته والتذكر لجزيل آلائه وما هو من هذا القبيل. وهل يعد الاشتغال بمجرد تلاوة القرآن بعد الصلاة تعقيبا؟ لم أظفر في كلام الأصحاب بتصريح في ذلك والظاهر انه تعقيب ، اما لو ضم اليه الدعاء فلا كلام في صدق التعقيب على المجموع المركب منهما ، وربما يلوح ذلك من بعض الأخبار ، وربما يظن دلالة بعضها على اشتراط الجلوس في التعقيب كما روى عن أمير المؤمنين (عليه‌السلام) (١) انه قال «قال رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) أيما امرء مسلم جلس في مصلاه الذي صلى فيه الفجر يذكر الله تعالى حتى تطلع الشمس كان له من الأجر كحاج رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) وغفر له فان جلس فيه حتى تكون ساعة تحل فيها الصلاة فصلى ركعتين

__________________

(١) الوسائل الباب ١٨ من التعقيب.

٥٠٦

أو أربعا غفر له ما سلف وكان له من الأجر كحاج بيت الله». وما روى عن الصادق عن آبائه عن أمير المؤمنين (عليهم‌السلام) (١) قال : «من صلى فجلس في مصلاه إلى طلوع الشمس كان له سترا من النار». وغيرهما من الأخبار المتضمنة للجلوس بعد الصلاة والحق انه لا دلالة فيها على ذلك بل غاية ما تدل عليه كون الجلوس مستحبا أيضا اما انه معتبر في مفهوم التعقيب فلا ، وقس عليه عدم مفارقة مكان الصلاة. وفي رواية الوليد ابن صبيح عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) (٢) قال : «التعقيب أبلغ في طلب الرزق من الضرب في البلاد. يعني بالتعقيب الدعاء بعقب الصلاة». وهذا التفسير اعني تفسير التعقيب بالدعاء عقيب الصلاة لعله من الوليد بن صبيح أو من بعض رجال السند وأكثرهم من أجلاء. أصحابنا وهو يعطي بإطلاقه عدم اشتراطه بشي‌ء من الجلوس والكون في المصلى والطهارة واستقبال القبلة وهذه ، الأمور انما هي شروط كماله. فقد ورد ان المعقب ينبغي ان يكون على هيئة المتشهد في استقبال القبلة والتورك ، واما ما رواه هشام بن سالم (٣) قال : «قلت لأبي عبد الله (عليه‌السلام) اني اخرج في الحاجة وأحب ان أكون معقبا؟ فقال ان كنت على وضوء فأنت معقب». فالظاهر ان مراده (عليه‌السلام) ان لمستديم الوضوء مثل ثواب المعقب لا انه معقب حقيقة. وهل يشترط في صدق اسم التعقيب شرعا اتصاله بالصلاة وعدم الفصل الكثير بينه وبينها؟ الظاهر نعم وهل يعتبر في الصلاة كونها واجبة أو تحصل حقيقة التعقيب بعد النافلة أيضا؟ إطلاق التفسيرين السابقين يقتضي العموم وكذا إطلاق رواية ابن صبيح وغيرها ، والتصريح بالفرائض في بعض الروايات لا يقتضي تخصيصها بها والله العالم. انتهى كلامه زيد مقامه. وقال الشهيد في الذكرى : قد ورد ان المعقب يكون على هيئة المتشهد في استقبال القبلة وفي التورك وان ما يضر بالصلاة يضر بالتعقيب. انتهى.

__________________

(١) الوسائل الباب ١٨ من التعقيب.

(٢) الوسائل الباب ١ من التعقيب.

(٣) الوسائل الباب ١٧ من التعقيب.

٥٠٧

أقول : ويشير اليه ما ورد في الأخبار (١) ـ كما سيأتي ان شاء الله في المقام ـ ان من سبح تسبيح فاطمة (عليها‌السلام) قبل ان يثني رجليه من صلاة الفريضة غفر الله له». وما ورد أيضا (٢) قال : «من قال في دبر صلاة الفريضة قبل ان يثنى رجليه استغفر الله الذي لا إله إلا هو الحي. الحديث». وسيأتي ان شاء الله ، إلا انه يمكن حمله على الفرد الأكمل منه. وبالجملة فإنه لا ريب في تحققه بالجلوس مشتغلا بالدعاء والمسألة والذكر دبر الصلاة وانما الشك في اشتراطه بالشروط المذكورة من الاستقبال والطهارة والتورك والجلوس بحيث لا يصدق مع الإخلال بشي‌ء منها.

وقال شيخنا المجلسي في البحار : وربما احتمل بعض الأصحاب كون محض الجلوس بعد الصلاة بتلك الهيئة تعقيبا وان لم يقرأ دعاء ولا ذكرا ولا قرآنا. وهو بعيد بل الظاهر تحقق التعقيب بقراءة شي‌ء من الثلاثة بعد الصلاة أو قريبا منها عرفا على اي حال كان والجلوس والاستقبال والطهارة من مكملاته. نعم ورد في بعض التعقيبات ذكر بعض تلك الشرائط كما سيأتي فيكون شرطا فيها بخصوصها في حال الاختيار وان احتمل ان يكون فيها أيضا من المكملات ويكون استحبابه فيها أشد منه في غيرها. والأفضل والأحوط رعاية شروط الصلاة فيه مطلقا مع الإمكان. انتهى كلامه (زيد مقامه) وهو جيد ، وأشار بقوله «نعم ورد في بعض التعقيبات.» الى ما ذكرنا من الخبرين ونحوهما.

وقال الشهيد في الرسالة النفلية : ووظائفه عشرة : الإقبال عليه بالقلب والبقاء على هيئة التشهد وعدم الكلام ـ اي قبله وخلاله كما ذكره في الشرح ـ والحدث بل الباقي على طهارته معقب وان انصرف ، وعدم الاستدبار وعدم مزايلة المصلي اي مفارقته وكل مناف صحة الصلاة أو كمالها. قال في الشرح هذا كله من وظائف الكمال وإلا فإنه يتحقق بدونها. انتهى. والله العالم.

__________________

(١) الوسائل الباب ٧ من التعقيب.

(٢) الوسائل الباب ٢٤ من التعقيب.

٥٠٨

(الثاني) في فضله ، قد دلت الآية واستفاضت الرواية بالحث عليه وما فيه من مزيد النفع في الدين والدنيا :

قال الله تعالى «فَإِذا فَرَغْتَ فَانْصَبْ وَإِلى رَبِّكَ فَارْغَبْ» (١) قال في مجمع البيان (٢) : معناه فإذا فرغت من الصلاة المكتوبة فانصب إلى ربك في الدعاء وارغب إليه في المسألة. عن مجاهد وقتادة والضحاك ومقاتل والكلبي ، وهو المروي عن ابي جعفر وأبي عبد الله (عليهما‌السلام). وقال الصادق (عليه‌السلام) هو الدعاء في دبر الصلاة وأنت جالس. انتهى.

وروى في دعائم الإسلام عن جعفر بن محمد (عليهما‌السلام) (٣) انه قال في قول الله عزوجل (فَإِذا فَرَغْتَ فَانْصَبْ وَإِلى رَبِّكَ فَارْغَبْ) قال : «الدعاء بعد الفريضة إياك ان تدعه فان فضله بعد الفريضة كفضل الفريضة على النافلة».

وروى في قرب الاسناد عن هارون بن مسلم عن مسعدة بن صدقة عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) (٤) قال : «كان أبي يقول في قول الله تعالى (فَإِذا فَرَغْتَ فَانْصَبْ وَإِلى رَبِّكَ فَارْغَبْ) : فإذا قضيت الصلاة بعد ان تسلم وأنت جالس فانصب في الدعاء من أمر الدنيا والآخرة فإذا فرغت من الدعاء فارغب إلى الله (عزوجل) ان يتقبلها منك».

وروى في الكافي عن بزرج عمن ذكره عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) (٥) قال : «من صلى صلاة فريضة وعقب إلى أخرى فهو ضيف الله وحق على الله تعالى ان يكرم ضيفه».

وروى في الكافي والفقيه في الصحيح عن زرارة عن أبي جعفر (عليه‌السلام) (٦) قال : «الدعاء بعد الفريضة أفضل من الصلاة تنفلا» وزاد في الفقيه

__________________

(١) سورة الشرح ، الآية ٧ و ٨.

(٢) ج ٥ ص ٥٠٩.

(٣) مستدرك الوسائل الباب ١ من التعقيب.

(٤ و ٥) الوسائل الباب ١ من التعقيب.

(٦) الوسائل الباب ٥ من التعقيب.

٥٠٩

«وبذلك جرت السنة».

قيل : لعل المراد بالتنفل غير الرواتب لأنها أهم من التعقيب كما مر بيانه ، على انه لا راتبة بعد فريضة إلا نافلة المغرب وقد مضى انه لا ينبغي تركها في سفر ولا حضر. انتهى. وهو جيد.

وروى الشيخ في الصحيح عن الوليد بن صبيح عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) (١) قال : «التعقيب أبلغ في طلب الرزق من الضرب في البلاد. يعني بالتعقيب الدعاء بعقب الصلاة».

أقول : المراد بالضرب في البلاد السفر للتجارة مع ما ورد (٢) «ان تسعة أعشار الرزق في التجارة». ومع ذلك فالتعقيب أبلغ منها في طلبه ، ولعل ذلك لأن التاجر يتكل على طلبه وسعيه وجده واجتهاده والمعقب انما يتكل على الله تعالى وقد ورد (٣) «ان من كان لله كان الله له».

وروى في الفقيه مرسلا (٤) قال : «قال الصادق (عليه‌السلام) الجلوس بعد صلاة الغداة في التعقيب والدعاء حتى تطلع الشمس أبلغ في طلب الرزق من الضرب في الأرض».

وروى في التهذيب عن عبد الله بن محمد عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) (٥) قال : «ما عالج الناس شيئا أشد من التعقيب». قيل ، المعالجة المزاولة والمداواة فكأن المراد انهم لا يزاولون عملا أشق عليهم منه ، أو المراد انه لا دواء أنفع لادوائهم منه.

وروى السيد الزاهد المجاهد رضي الدين بن طاوس في كتاب فلاح السائل بإسناده إلى محمد بن علي بن محبوب عن الصادق عن آبائه (عليهم‌السلام) (٦) قال :

__________________

(١ و ٥) الوسائل الباب ١ من التعقيب.

(٢) الوسائل الباب ١ من مقدمات التجارة.

(٣) البحار ج ١٨ الصلاة ص ٤١٢.

(٤) الوسائل الباب ١٨ من التعقيب.

(٦) مستدرك الوسائل الباب ١ من التعقيب.

٥١٠

«قال رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) من جلس في مصلاه ثانيا رجله وكل الله به ملكا فقال له ازدد شرفا تكتب لك الحسنات وتمحى عنك السيئات وتثبت لك الدرجات حتى تنصرف». وروى في كتاب دعائم الإسلام مثله (١) إلا ان فيه «ثانيا رجليه».

وروى في التهذيب مسندا عن أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) (٢) ان أمير المؤمنين (عليه‌السلام) ورواه في الفقيه مرسلا (٣) «ان أمير المؤمنين (عليه‌السلام) قال إذا فرغ أحدكم من الصلاة فليرفع يديه إلى السماء ولينصب في الدعاء؟ فقال ابن سبأ يا أمير المؤمنين أليس الله بكل مكان؟ قال (عليه‌السلام) بلى. قال فلم يرفع يديه إلى السماء؟ قال أو ما تقرأ «وَفِي السَّماءِ رِزْقُكُمْ وَما تُوعَدُونَ» (٤) فمن اين يطلب الرزق إلا من موضعه ، وموضع الرزق وما وعد الله السماء». قيل المراد بالسماء السحاب وبالرزق المطر لانه سبب الأقوات ، وما توعدون اي من الثواب لأن الجنة فوق السماء السابعة أو لأن الأعمال وثوابها مكتوبة مقدرة في السماء ، والحاصل انه لما كان تقدير الرزق وأسبابه في السماء والمثوبات الأخروية وتقديرها في السماء ناسب رفع اليد إليها في طلب الأمور الدنيوية والأخروية في التعقيب وغيره. وابن سبا هذا هو الذي كان يزعم ان أمير المؤمنين (عليه‌السلام) إله فاستتابه أمير المؤمنين ثلاثة أيام فلم يتب فأحرقه (٥).

__________________

(١) مستدرك الوسائل الباب ١ من التعقيب.

(٢ و ٣) الوسائل الباب ٢٩ من التعقيب.

(٤) سورة الذاريات ، الآية ٢٢.

(٥) قال العلامة في القسم الثاني من الخلاصة : عبد الله سبأ غال ملعون أحرقه أمير المؤمنين «ع» بالنار ، كان يزعم ان عليا «ع» إله وانه نبي. وفي تنقيح المقال ج ٢ ص ١٨٣ عن الشيخ الطوسي في باب أصحاب أمير المؤمنين «ع» : عبد الله بن سبإ الذي رجع إلى الكفر وأظهر الغلو. وفي رجال الكشي ص ٧٠ «ان الأئمة «ع» يبرأون منه لانه كان يدعي النبوة ويزعم ان عليا «ع» هو الله فاستتابه ثلاثة أيام فلم يرجع فأحرقه بالنار وأحرق سبعين رجلا ادعوا.

٥١١

وروى الصدوق في الفقيه في الصحيح عن هشام بن سالم (١) قال : «قلت.

__________________

فيه ذلك» وذلك مضمون ما رواه بطرقه عن السجاد والباقر والصادق «عليهم‌السلام» وهو خمس روايات. وقد نقل في الوسائل اثنتين منها في الباب ٢ من حد المرتد. أقول : ان هذه الروايات الواردة عن أئمة أهل البيت «عليهم‌السلام» والكلمات الصادرة من اعلام الشيعة دليل قاطع وبرهان ساطع على سخط أئمة الشيعة وإعلامهم على هذا الرجل وانهم يبرأون منه لكفره وغلوه بل بعض الروايات تصرح ـ كما في كلام الكشي ـ بأن عليا «ع» أحرق سبعين رجلا ادعوا فيه ذلك ، مما يدل على تنفيذ حكم الاعدام فيه وفي كل من قال بمقالته. ولا يخفى ان المقارنة بين الرواية المتقدمة في المتن وهذه الروايات الخمس تقتضي ان هذا الانحراف كان في زمان متأخر عن المحاورة بينه وبين الامام «ع» التي اشتملت عليها الرواية. ومع هذا كله فقد وجد أعداء الشيعة في هذه الشخصية خير وسيلة لتحطيم مذهب الشيعة الذي تأسس وتكون على ضوء قول الله تعالى في سورة المائدة «إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ راكِعُونَ» وقول النبي «ص» في حديث الغدير «من كنت مولاه فهذا على مولاه» بعد قوله «ص» «ألست (أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ)» وقول المسلمين «اللهم بلى». وقوله «ص» «على مع الحق والحق مع علي يدور معه حيثما دار». وقوله «ص» لعلي «ع» «أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا انه لا نبي بعدي». الى غير ذلك مما يدل على المطلوب ، ووجدوا فيه خير وسيلة لتشويه مذهب أهل البيت «ع» الذين انزل الله فيهم آية التطهير واوصى النبي «ص» بالتمسك بهم وقرنهم بالقرآن في حديث الثقلين ، فجعلوه المؤسس لمذهب التشيع والمبتدع لأصوله واعتبروه مأخوذا من اليهود ، فالكشى ـ بعد ان حكى عن أهل العلم ان عبد الله بن سبأ كان يهوديا فأسلم ووالى عليا «ع» وكان يقول وهو على يهوديته في يوشع بن نون وصى موسى «ع» الغلو فقال في إسلامه بعد وفاة رسول الله «ص» في على «ع» مثل ذلك وكان أول من أشهر بالقول بفرض امامة علي «ع» وأظهر البراءة من أعدائه وكاشف مخالفيه وكفرهم ـ قال «فمن هنا قال من خالف الشيعة ان أصل التشيع والرفض مأخوذ من اليهودية» وقد تصدى المؤرخون لهذا الأمر كالطبري وابن عساكر.

(١) الوسائل الباب ١٧ من التعقيب.

٥١٢

لأبي عبد الله (عليه‌السلام) اني اخرج في الحاجة واجب ان أكون معقبا؟ فقال ان

__________________

وابن الأثير وأبي الفداء وابن كثير ، وملخص ما ذكروه في هذه القصة ـ كما في مدخل كتاب عبد الله بن سبإ للعلامة الأستاذ السيد مرتضى العسكري ص ٢ ـ ان يهوديا من صنعاء اليمن يسمى عبد الله بن سبأ ويلقب بابن الأمة السوداء أظهر الإسلام في عصر عثمان واندس بين المسلمين وأخذ يتنقل في حواضرهم وعواصم بلادهم : الشام والكوفة والبصرة ومصر مبشرا بان للنبي محمد «ص» رجعة كما ان لعيسى بن مريم رجعة وان عليا «ع» هو وصى محمد «ص» كما كان لكل نبي وصي وان عليا خاتم الأوصياء كما كان محمد «ص» خاتم الأنبياء وان عثمان غاصب هذا الحق وظالمة فيجب مناهضته لإرجاع الحق إلى اهله ، وانه بث في البلاد الإسلامية دعاته وأشار عليهم ان يظهروا الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر والطعن في الأمراء وتبعه على ذلك جماعات من المسلمين فيهم الصحابي الكبير والتابعي الصالح كأبي ذر وعمار بن ياسر ومحمد بن أبي حذيفة وعبد الرحمن بن عديس ومحمد بن أبي بكر وصعصعة ابن صوحان ومالك الأشتر إلى غيرهم من أبرار المسلمين واخيارهم ، وان الثورة ضد عثمان كانت بتحريض السبأيين وانهم حينما رأوا ان رؤساء الجيشين في حرب الجمل أخذوا يتفاهمون اجتمعوا ليلا وقرروا ان يندسوا بين الجيشين ويثيروا الحرب بكرة دون علم غيرهم ونفذوا هذا القران قبل ان يتنبه الجيشان وان حرب الجمل وقعت هكذا دون ان يكون لرؤساء الجيشين فيها رأي أو علم. إلى هنا تنتهي القصة ولا يذكر بعد ذلك عن مصيرهم شي‌ء. وقد جاء المتأخرون من أعداء الشيعة فطبلوا وزمروا لما كتبه أسلافهم فهذا السيد رشيد رضا يقول في كتاب السنة والشيعة ص ٤ ـ ٦ «كان التشيع للخليفة الرابع على بن أبي طالب «ع» مبدأ تفرق هذه الأمة المحمدية في دينها وفي سياستها وكان مبتدع أصوله يهوديا اسمه عبد الله بن سبإ أظهر الإسلام خداعا ودعا إلى الغلو في على «ع» لأجل تفريق هذه الأمة وإفساد دينها ودنياها عليها» ثم يسرد القصة إلى ص ٦ من كتابه ويعلق عليها بما يهوى. وهذا أحمد أمين يقول في فجر الإسلام ص ١٣٦ : «ونلمح وجه شبه بين رأي أبي ذر الغفاري وبين رأي مزدك في الناحية المالية فقط. إلى ان يقول ولكن من أين أتاه هذا الرأي؟ يحدثنا الطبري عن جواب هذا السؤال فيقول ان ابن السوداء لقي أبا ذر فأوعز إليه بذلك» ثم ذكر في ص ٣١١ و ٣١٣ و ٣٣٠ ما يوافق مقالة صاحبه المتقدم.

٥١٣

كنت على وضوء فأنت معقب».

__________________

وهذا الدكتور حسن إبراهيم حسن يذكر في كتابه تاريخ الإسلام السياسي ص ٣٤٧ مثل ذلك وهكذا المستشرقون. هذا. وان كل من تعرض لهذه القصة من المؤرخين والباحثين ما عدا ابن عساكر أخذ هذه القصة من الطبري وان الطبري وابن عساكر اخذاها من سيف بن عمر التميمي البرجمي الكوفي فكل هذا البناء يبتنى على هذا الأساس اذن فلننظر إلى قيمة هذا الأساس واعتباره ، تصرح كتب الرجال في ترجمة سيف بن عمر بما يلي : «يروى عن خلق كثير من المجهولين. ضعيف الحديث. ليس بشي‌ء. متروك يضع الحديث. وهو في الرواية ساقط. يروى الموضوعات عن الثقات عامة حديثه منكر متهم بالوضع والزندقة» راجع فهرست ابن النديم ص ١٣٧ وميزان الاعتدال للذهبى ج ١ ص ٤٣٨ رقم ٣٥٨١ وتهذيب التهذيب ج ٤ ص ٢٩٥ نقلا عن جماعة من علماء الرجال كابن معين وأبي حاتم وأبي داود النسائي والدارقطني وابن عدي وابن حيان وعباس بن يحيى وغيرهم. فانظر ايها المنصف وتأمل في هذا المنطق الذي يسوغ الاقدام على هذه العظائم والطعن بكبار الصحابة والتابعين والحط من مقامهم بهذه القصة التي يقصها سيف بن عمر الذي ليست له آية قيمة عند علماء الرجال بل صرحوا بوضعه الحديث وزندقته ، كل ذلك لإضاعة الحقائق والتمويه على البسطاء والسذج من الناس. هذا. ومن العجيب ان التاريخ الذي يصور شخصية عبد الله بن سبأ بهذه الصورة حتى أوصلها الرقم القياسي في التأثير على عواطف المسلمين وآرائهم وانتزاع عقائدهم ينهى قصته إلى حيث تقدم من اثارة حرب الجمل وبجهل كل شي‌ء عنها بعد ذلك. وقال أحمد أمين في هامش ص ٣٣٠ من فجر الإسلام : «يذهب بعض الباحثين إلى ان عبد الله بن سبأ رجل خرافي ليس له وجود تاريخي محقق ولكنا لم نر لهم من الأدلة ما يثبت مدعاهم» والظاهر انه يقصد الدكتور طه حسين. هذا. وقد بحث العلامة الأستاذ السيد مرتضى العسكري دامت بركاته الموضوع بحثا وافيا وشرحه شرحا صافيا وكشف الستار عن حقيقة أحاديث سيف بن عمر التي بنى عليها المؤرخون والباحثون القضايا التاريخية المهمة في مدخل كتابه عبد الله بن سبأ ومن قبله آية الله الأميني فقد أوضح قيمة تاريخ الطبري وغيره في الغدير ج ٨ ص ٣٢٤ (جزاهما الله عن الحق واهله خير الجزاء) وكل ما تقدم في هذه التعليقة من المصادر مأخوذ من كتاب عبد الله بن سبأ فيرجع في التفصيل اليه.

٥١٤

وقال في الفقيه (١) «قال الصادق (عليه‌السلام) المؤمن معقب ما دام على وضوئه».

وروى الصدوق في المجالس بسنده عن عمير بن مأمون العطاردي (٢) قال : «رأيت الحسن بن علي (عليه‌السلام) يقعد في مجلسه حين يصلي الفجر حتى تطلع الشمس وسمعته يقول سمعت رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) يقول من صلى الفجر ثم جلس في مجلسه يذكر الله تعالى حتى تطلع الشمس ستره الله عزوجل من النار ستره الله من النار ستره الله من النار».

وروى العياشي في تفسيره عن الحسين بن مسلم عن أبي جعفر (عليه‌السلام) (٣) قال : «قلت له جعلت فداك انهم يقولون ان النوم بعد الفجر مكروه لأن الأرزاق تقسم في ذلك الوقت؟ فقال الأرزاق موظوفة مقسومة ولله فضل يقسمه من طلوع الفجر إلى طلوع الشمس وذلك قوله «وَسْئَلُوا اللهَ مِنْ فَضْلِهِ» (٤) ثم قال وذكر الله بعد طلوع الفجر أبلغ في طلب الرزق من الضرب في الأرض». الى غير ذلك من الأخبار.

(الثالث) ـ قد استفاضت الأخبار بالحث على تسبيح فاطمة الزهراء (سلام الله عليها) وفضله في التعقيب ، قال في المنتهى : أفضل الأذكار كلها تسبيح الزهراء (سلام الله عليها) وقد أجمع أهل العلم كافة على استحبابه.

والأخبار من طرقنا وطرق المخالفين (٥) أيضا متكاثرة إلا انها لا تخلو من

__________________

(١) الوسائل الباب ١٧ من التعقيب.

(٢) الوسائل الباب ١٨ من التعقيب.

(٣) مستدرك الوسائل الباب ١٦ من التعقيب.

(٤) سورة النساء ، الآية ٣٦.

(٥) رواه البخاري في صحيحة ج ١ باب الذكر بعد الصلاة ، ومسلم في صحيحة ج ٢ ص ٩٧ و ٩٨ طبعة محمد علي صبيح إلا ان في بعض رواياتهم «ثلاث وثلاثون» في الثلاثة فيكون المجموع تسعا وتسعين ، وفي بعضها تمام المائة «لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شي‌ء قدير» وفي بعضها التكبير اربع وثلاثون وفي بعضها المجموع ثلاث وثلاثون ولم يعنون في شي‌ء منها بتسبيح فاطمة «ع». نعم في إرشاد الساري ج ٦ ص ١١٢ باب ـ

٥١٥

الاختلاف في ترتيبه فالواجب أولا سوق جملة من الأخبار الواردة فيه ثم الكلام بما يرفع التنافي بينها في المقام وما وقفنا عليه في ذلك من كلام علمائنا الأعلام :

فمن الأخبار المشار إليها ما رواه المشايخ الثلاثة (عطر الله مراقدهم) عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) إلا ان ثقة الإسلام والشيخ روياه في الصحيح عن عبد الله بن سنان (١) قال : «قال أبو عبد الله (عليه‌السلام) من سبح تسبيح فاطمة الزهراء (عليها‌السلام) قبل ان يثني رجليه من صلاة الفريضة غفر الله له ، ويبدأ بالتكبير».

وروى في الكافي عن عبد الرحمن بن أبي نجران عن رجل عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) (٢) قال : «من سبح الله في دبر الفريضة تسبيح فاطمة المائة مرة وأتبعها بلا إله إلا الله مرة غفر الله له».

وعن أبي هارون المكفوف عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) (٣) قال : «يا أبا هارون إنا نأمر صبياننا بتسبيح فاطمة (عليها‌السلام) كما نأمرهم بالصلاة فالزمه فإنه لم يلزمه عبد فشقي».

وعن صالح بن عقبة عن عقبة عن أبي جعفر (عليه‌السلام) (٤) قال : «ما عبد الله بشي‌ء من التحميد أفضل من تسبيح فاطمة (عليها‌السلام) ولو كان شي‌ء أفضل منه لنحله رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) فاطمة (عليها‌السلام)».

وعن أبي خالد القماط (٥) قال : «سمعت أبا عبد الله (عليه‌السلام) يقول تسبيح

__________________

مناقب على «ع» ذكر حديث عائشة وفيه ان النبي «ص» قال لفاطمة وعلى «ع» : «إذا أخذتما مضاجعكما تكبرا أربعا وثلاثين وتسبحا ثلاثا وثلاثين وتحمدا ثلاثا وثلاثين فهو خير لكما من خادم». ثم قال القسطلاني : في هذا الحديث منقبة ظاهرة لعلي وفاطمة «ع» ورواه أحمد في المسند ج ١ ص ٩٦ ومسلم في صحيحة ج ٨ ص ٨٤.

(١ و ٢) الوسائل الباب ٧ من التعقيب.

(٣) الوسائل الباب ٨ من التعقيب.

(٤ و ٥) الوسائل الباب ٩ من التعقيب.

٥١٦

فاطمة (ع) في كل يوم في دبر كل صلاة أحب الي من صلاة ألف ركعة في كل يوم».

وعن زرارة عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) (١) قال : «تسبيح فاطمة الزهراء (عليها‌السلام) من الذكر الكثير الذي قال الله تعالى (اذْكُرُوا اللهَ ذِكْراً كَثِيراً)» (٢).

وعن محمد بن عذافر في الصحيح (٣) قال : «دخلت مع أبي على أبي عبد الله (عليه‌السلام) فسأله أبي عن تسبيح فاطمة (عليها‌السلام) فقال «الله أكبر» حتى أحصى أربعا وثلاثين مرة ثم قال «الحمد لله» حتى بلغ سبعا وستين ثم قال «سبحان الله» حتى بلغ مائة يحصيها بيده جملة واحدة».

وعن أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) (٤) قال في تسبيح فاطمة (عليها‌السلام): «تبدأ بالتكبير أربعا وثلاثين ثم التحميد ثلاثا وثلاثين ثم التسبيح ثلاثا وثلاثين».

وعن هشام بن سالم عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) (٥) قال : «تسبيح فاطمة (عليها‌السلام) إذا أخذت مضجعك فكبر الله أربعا وثلاثين واحمده ثلاثا وثلاثين وسبحه ثلاثا وثلاثين. الحديث».

ونقل في البحار (٦) عن مشكاة الأنوار قال : «دخل رجل على أبي عبد الله (عليه‌السلام) وكلمه فلم يسمع كلام أبي عبد الله (عليه‌السلام) وشكى اليه ثقلا في أذنيه فقال ما يمنعك واين أنت من تسبيح فاطمة (عليها‌السلام)؟ فقال له جعلت فداك وما تسبيح فاطمة؟ فقال تكبر الله أربعا وثلاثين وتحمد الله ثلاثا وثلاثين وتسبح الله ثلاثا

__________________

(١) الوسائل الباب ٨ من التعقيب.

(٢) سورة الأحزاب ، الآية ٤١.

(٣ و ٤) الوسائل الباب ١٠ من التعقيب.

(٥) الوسائل الباب ١٢ من التعقيب.

(٦) ج ١٨ الصلاة ص ٤١٥ وتمام الحديث هكذا : «فما فعلت ذلك إلا يسيرا حتى أذهب عني ما كنت أجده».

٥١٧

وثلاثين تمام المائة».

وروى الشيخ في التهذيب عن المفضل بن عمر عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) (١) في حديث نافلة شهر رمضان قال : «سبح تسبيح فاطمة (عليها‌السلام) وهو الله أكبر أربعا وثلاثين مرة وسبحان الله ثلاثا وثلاثين مرة والحمد لله ثلاثا وثلاثين مرة فوالله لو كان شي‌ء أفضل منه لعلمه رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) إياها».

وروى في الفقيه في الصحيح عن العلاء بن رزين عن محمد بن مسلم (٢) قال : «قال أبو جعفر (عليه‌السلام) إذا توسد الرجل يمينه فليقل : بسم الله. إلى ان قال ثم يسبح تسبيح فاطمة الزهراء (عليها‌السلام).».

وروى في الفقيه مرسلا عن أمير المؤمنين (عليه‌السلام) (٣) «انه قال لرجل من بني سعد إلا أحدثك عني وعن فاطمة (عليها‌السلام)؟ انها كانت عندي. ثم ساق الحديث إلى ان قال فقال رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) أفلا أعلمكما ما هو خير لكما من الخادم؟ إذا أخذتما منامكما فكبرا أربعا وثلاثين تكبيرة وسبحا ثلاثا وثلاثين تسبيحة واحمدا ثلاثا وثلاثين تحميدة. الحديث».

وروى في الكافي عن داود بن فرقد عن أخيه (٤) «ان شهاب بن عبد ربه سأله ان يسأل أبا عبد الله (عليه‌السلام) وقال قل له ان امرأة تفزعني في المنام بالليل فقال قل له اجعل مسباحا وكبر الله أربعا وثلاثين تكبيرة وسبح الله ثلاثا وثلاثين تسبيحة واحمد الله ثلاثا وثلاثين تحميدة وقل لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد يحيي ويميت ويميت ويحيي بيده الخير وله اختلاف الليل والنهار وهو على كل شي‌ء قدير (عشر مرات)». أقول : المسباح ما يسبح به ويعد به الأذكار.

__________________

(١) الوسائل الباب ١٠ من التعقيب.

(٢ و ٤) الوسائل الباب ١٢ من التعقيب.

(٣) الفقيه ج ١ ص ٢١١ ، والوسائل الباب ١١ من التعقيب.

٥١٨

وفي كتاب الفقه الرضوي (١) «وتسبح تسبيح فاطمة الزهراء (عليها‌السلام) وهو اربع وثلاثون تكبيرة وثلاث وثلاثون تسبيحة وثلاث وثلاثون تحميدة».

إذا عرفت ذلك فاعلم ان ظاهر الأصحاب الاتفاق على تقديم التكبير وانما الخلاف في تقديم التحميد على التسبيح أو العكس فالمشهور الأول.

قال في المختلف : المشهور في تسبيح الزهراء (عليها‌السلام) تقديم التكبير ثم التحميد ثم التسبيح ، ذكره الشيخ في النهاية والمبسوط والمفيد في المقنعة وسلار وابن البراج وابن إدريس. وقال علي بن بابويه يسبح تسبيح فاطمة الزهراء (عليها‌السلام) وهو اربع وثلاثون تكبيرة وثلاث وثلاثون تسبيحة وثلاث وثلاثون تحميدة. وهو يشعر بتقديم التسبيح على التحميد ، وكذا قال ابنه أبو جعفر وابن الجنيد والشيخ في الاقتصاد. انتهى.

وقال شيخنا البهائي في مفتاح الفلاح : اعلم ان المشهور استحباب تسبيح الزهراء (عليها‌السلام) في وقتين أحدهما بعد الصلاة والآخر عند النوم ، وظاهر الرواية الواردة به عند النوم يقتضي تقديم التسبيح على التحميد ، وظاهر الرواية الصحيحة الواردة في تسبيح الزهراء (عليها‌السلام) على الإطلاق يقتضي تأخيره عنه. ولا بأس ببسط الكلام في هذا المقام وان كان خارجا عن موضوع الكتاب فنقول : قد اختلف علماؤنا في ذلك مع اتفاقهم على الابتداء بالتكبير لصراحة صحيحة ابن سنان عن الصادق (عليه‌السلام) (٢) في الابتداء به ، فالمشهور الذي عليه العمل في التعقيبات تقديم التحميد على التسبيح ، وقال رئيس المحدثين وأبوه وابن الجنيد بتأخيره عنه ، والروايات عن أئمة الهدى (عليهم‌السلام) لا تخلو بحسب الظاهر من اختلاف ، والرواية المعتبرة التي ظاهرها تقديم التحميد شاملة بإطلاقها لما يفعل بعد الصلاة وما يفعل عند النوم وهي ما رواه شيخ الطائفة في التهذيب بسند صحيح عن محمد بن عذافر ، ثم ساق الحديث كما تقدم ثم قال والرواية التي ظاهرها تقديم التسبيح على التحميد مختصة بما يفعل عند النوم ، ثم أورد

__________________

(١) ص ٩.

(٢) ص ٥١٦.

٥١٩

عن الفقيه رواية علي وفاطمة (عليهما‌السلام) وأوردها بطولها ـ ونحن قدمنا (١) موضع الحاجة منها ـ ثم قال ولا يخفى ان هذه الرواية غير صريحة في تقديم التسبيح على التحميد فان الواو لا تفيد الترتيب وانما هي لمطلق الجمع على الأصح كما بين في الأصول ، نعم ظاهر التقديم اللفظي يقتضي ذلك وكذا الرواية السابقة غير صريحة في تقديم التحميد على التسبيح فان لفظ «ثم» فيها من كلام الراوي فلم يبق إلا ظاهر التقديم اللفظي أيضا فالتنافي بين الروايتين انما هو بحسب الظاهر ، فينبغي حمل الثانية على الاولى لصحة سندها واعتضادها ببعض الروايات الضعيفة كما رواه أبو بصير عن الصادق (عليه‌السلام) ثم ساق الرواية المتقدمة (٢) ثم قال : وهذه الرواية صريحة في تقديم التحميد على التسبيح فهي مؤيدة لظاهر لفظ الرواية الصحيحة فتحمل الرواية الأخرى على خلاف ظاهر لفظها ليرتفع التنافي بينهما كما قلنا (فان قلت) يمكن العمل بظاهر الروايتين معا بحمل الاولى على الذي يفعل بعد الصلاة والثانية على الذي يفعل عند النوم ، وحينئذ لا يحتاج إلى صرف الثانية عن ظاهرها فلم عدلت عنه وكيف لم تقل به؟ (قلت) لأني لم أجد قائلا بالفرق بين تسبيح الزهراء (عليها‌السلام) في الحالين بل الذي يظهر بعد التتبع ان كلا من الفريقين القائلين بتقديم الحمد وتأخيره قائل به مطلقا سواء وقع بعد الصلاة أو قبل النوم ، فالقول بالتفصيل احداث قول ثالث في مقابل الإجماع المركب ، واما ما يقال ـ من ان احداث القول الثالث انما يمتنع إذا لزم منه رفع ما اجتمعت عليه الأمة كما يقال في رد البكر الموطوءة بعيب مجانا لاتفاق الكل على عدمه بخلاف ما ليس كذلك كالقول بفسخ النكاح ببعض العيوب الخمسة دون بعض لموافقة كل من الشطرين في شطر ، وكما نحن فيه إذ لا مانع منه مثل القول بصحة بيع الغائب وعدم قتل المسلم بالذمي بعد قول أحد الشطرين بالثاني ونقيض الأول والشطر الثاني بعكسه ـ فجوابه ان هذا التفصيل انما

__________________

(١) ص ٥١٨.

(٢) ص ٥١٧.

٥٢٠