الحدائق الناضرة - ج ٨

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]

الحدائق الناضرة - ج ٨

المؤلف:

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]


المحقق: محمّد تقي الإيرواني
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥٤٤

الكشاف : والأقرب عدم الوجوب للأصل المضاف إلى الإجماع المنقول سابقا وعدم تعليمها للمؤذنين وعدم ورودها في اخبار الأذان وعدم وجودها في كثير من الأدعية المضبوطة المنقولة عن الأئمة الطاهرين (عليهم‌السلام) مع ذكره (صلى‌الله‌عليه‌وآله) فيها ، وكذلك في الأخبار الكثيرة. وما ربما يتوهم دليلا على وجوبها ـ كما ذكر ـ أمور :

(الأول) الآية (١) وقد عرفت الجواب عنه (الثاني) الروايات المنقولة عن الكشاف (الثالث) انها دالة على التنويه بشأنه والشكر لإحسانه المأمور بهما (الرابع) انه لولاه لكان كذكر بعضنا بعضا وهو منهي عنه في آية النور (٢) وبهذه الوجوه الثلاثة احتج صاحب الكنز وهو ضعيف جدا (الخامس) صحيحة زرارة السابقة (٣) وجوابه ضعف دلالة الأوامر في أخبارنا على الوجوب فلا يصلح التعويل على مجرد ذلك إذا لم تنضم إليه قرينة أخرى خصوصا إذا عارض الإجماع المنقول ، وقد ورد من طريقنا بعض الروايات الدالة على الوجوب مثل ما رواه الكليني عن محمد بن هارون عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) (٤) قال : «إذا صلى أحدكم ولم يذكر النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) في صلاته يسلك بصلاته غير سبيل الجنة. وقال رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) من ذكرت عنده فلم يصل علي فدخل النار فأبعده الله. وقال (صلى‌الله‌عليه‌وآله) من ذكرت عنده فنسي الصلاة علي خطئ به طريق الجنة». وعن أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) (٥) قال «قال رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) من ذكرت عنده فنسي ان يصلي علي خطأ الله به طريق الجنة». لكن الروايتين ضعيفتا السند جدا فلا تصلح للتعويل. وقال بعض المتأخرين : ويمكن اختيار الوجوب في كل مجلس مرة ان صلى آخر وان

__________________

(١) سورة الأحزاب ، الآية ٥٦.

(٢) سورة النور الآية ٦٣ «لا تَجْعَلُوا دُعاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضاً».

(٣) تأتى ص ٤٦٢.

(٤) الوسائل الباب ١٠ من التشهد.

(٥) الوسائل الباب ٤٢ من الذكر.

٤٦١

صلى ثم ذكر يجب أيضا كما في تعدد الكفارة بتعدد الموجب إذا تخللت وإلا فلا. وهو ضعيف والظاهر انه لم يقل به سواه. انتهى كلام الفاضل المذكور.

وأنت خبير بما فيه من القصور بخروجه عن الأخبار الواضحة الظهور وجموده على متابعة المشهور بدعوى تزييفه بالإجماع مع رده له في غير موضع من كتابه وجعله غير حاسم لمادة النزاع.

واما رده صحيحة زرارة ـ وهي ما رواه المشايخ الثلاثة عنه في الصحيح عن ابي جعفر (عليه‌السلام) (١) قال : «وصل على النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) كلما ذكرته أو ذكره ذاكر عندك». بعدم دلالة الأوامر في أخبارنا على الوجوب ـ فقد أوضحنا في ما تقدم ما فيه من الفساد فإنه موجب للخروج عن الشريعة المحمدية من حيث لا يشعر قائله بالكلية.

ومن الأخبار الصحيحة الصريحة في الدلالة على الوجوب ما رواه الصدوق في الفقيه في الصحيح عن زرارة عن أبي جعفر (عليه‌السلام) (٢) قال : «لا يجزئك من الأذان إلا ما أسمعت نفسك أو فهمته وأفصح بالألف والهاء ، وصل على النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) كلما ذكرته أو ذكره ذاكر عندك في أذان أو غيره».

وما رواه في الكافي في الصحيح (٣) قال : «قال أبو جعفر (عليه‌السلام) إذا أذنت فأفصح بالألف والهاء ، وصل على النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) كلما ذكرته أو ذكره ذاكر في أذان أو غيره».

وفي هذين الخبرين ما يدل على ضعف قوله : «وعدم تعليمها للمؤذنين

__________________

(١) لم نعثر على رواية للشيخ «قدس‌سره» بهذا اللفظ وانما الموجود في كتب الحديث بهذا المضمون الروايتان الآتيتان عن الفقيه والكافي.

(٢) الوسائل الباب ٣٥ و ٤٢ من الأذان والإقامة.

(٣) الوسائل الباب ١٥ و ٤٢ من الأذان والإقامة.

٤٦٢

وعدم ورودها في اخبار الأذان» فإنهما ـ كما ترى ـ واردان في اخبار الأذان عند تعليم المؤذنين وغيرهم ممن ذكره (صلى‌الله‌عليه‌وآله) ولكن باب الجواب عنهما بان الأمر عنده لا يدل على الوجوب مفتوح ، وليت شعري إذا كانت أوامرهم لا تدل على الوجوب وهذه التهديدات التي تضمنتها الأخبار من عدم قبول الأعمال بدونها والتوعد بدخول النار وأمثال ذلك لا تدل على الوجوب فأي دليل يراد ليندفع الإيراد؟ ما هذا إلا عجب عجيب من مثل هذا الفاضل الأريب.

وبالجملة فإن القول بالوجوب في المقام مما لا يعتريه غشاوة الإبهام لصحة جملة من هذه الأخبار بناء على الاصطلاح الناقص العيار ودلالة الجملة الأخرى مما ذكره وقد عرفت استفاضة الأخبار من الخاصة والعامة على ذلك فالإنكار بعد ذلك مكابرة صرفة وممن ذهب إلى الوجوب ـ زيادة على ما ذكره ـ المحدث الكاشاني في الوافي والمحقق المدقق المازندراني في شرحه على أصول الكافي وقد حقق ذلك في شرح باب الدعاء من الكافي ، وشيخنا المحدث الصالح الشيخ عبد الله بن صالح البحراني.

أقول : ومن الأخبار الدالة على ما قلناه زيادة على ما تقدم ما رواه في الكافي عن أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) (١) قال : «إذا ذكر النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) فأكثروا الصلاة عليه فإنه من صلى على النبي صلاة واحدة صلى الله عليه ألف صلاة في ألف صف من الملائكة ولم يبق شي‌ء مما خلق الله إلا صلى على ذلك العبد لصلاة الله عليه وصلاة ملائكته ، فمن لم يرغب في هذا فهو جاهل مغرور قد بري‌ء الله منه ورسوله وأهل بيته». والأمر بالإكثار محمول على الاستحباب وقرينته من سياق الخبر ظاهرة.

والمراد بالنسيان في الخبرين المتقدمين الترك كقوله تعالى «وَلَقَدْ عَهِدْنا إِلى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً» (٢) اي ترك لا النسيان بالمعنى المعهود فإنه لا مؤاخذة

__________________

(١) الوسائل الباب ٣٤ من الذكر.

(٢) سورة طه ، الآية ١١٤.

٤٦٣

عليه الحديث رفع القلم (١).

فروع

(الأول) ـ هل يختص الوجوب على القول به كما هو المختار وكذا الاستحباب كما هو المشهور بين الأصحاب باسمه العلمي أو يتعدى إلى لقبه وكنيته وكذا ضميره الراجع اليه؟ لم أقف لأحد من أصحابنا على كلام في ذلك غير شيخنا البهائي والمحدث الكاشاني ، أما الشيخ المذكور فإنه قال في مفتاح الفلاح بعد نقل صحيحة زرارة المتقدم ذكرها : ولا يخفى ان قول الباقر (عليه‌السلام) في الحديث الأول «كلما ذكرته أو ذكره ذاكر» يقتضي وجوب الصلاة سواء ذكره باسمه أو لقبه أو كنيته ، ويمكن ان يكون ذكره بالضمير الراجع اليه (صلى‌الله‌عليه‌وآله) كذلك. ولم أظفر في كلام علمائنا (قدس الله أرواحهم) في ذلك بشي‌ء والاحتياط يقتضي ما قلناه من العموم. واما المحدث المشار إليه فإنه قال في خلاصة الأذكار : ولا فرق بين الاسم واللقب والكنية بل الضمير على الأظهر. انتهى وظاهره الجزم بذلك وظاهر الأول الاحتياط.

أقول : والذي يقرب في الخاطر العليل والفكر الكليل هو التفصيل بأنه ان ذكره باسمه العلمي فلا ريب في الوجوب ، وان ذكره بغيره من الألقاب والكنى فان كان من الألفاظ التي اشتهرت تسميته بها واشتهر بها وجرت في الإطلاقات مثل «الرسول والنبي ورسول الله وأبي القاسم» ونحو ذلك فهي ملحقة بالاسم العلمي ، وان كان غير ذلك من الألفاظ التي يراد منها وليس كذلك مثل «خير الخلق وخير البرية والمختار» فالظاهر العدم ، والظاهر ان الضمير من قبيل الثاني ، والاحتياط لا يخفى.

(الثاني) ـ تبعية آله وعترته له (صلى‌الله‌عليه‌وآله) في الوجوب والاستحباب لان المستفاد من الأخبار دخولها في كيفية الصلاة عليه وان المراد بالصلاة عليه كلما ذكر هو ان يصلى عليه وعلى آله وأهل بيته لا تخصيصه بالصلاة وحده.

__________________

(١) الوسائل الباب ٣٠ من الخلل في الصلاة.

٤٦٤

روى في الكافي عن عبد الله بن ميمون القداح عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) (١) قال : «سمع أبي رجلا متعلقا بالبيت وهو يقول «اللهم صل على محمد» فقال له أبي لا تبترها لا تظلمنا حقنا قل اللهم صل على محمد وأهل بيته». وسيأتي ما يدل على ذلك أيضا.

بل قد ورد في اخبار المخالفين مثل ذلك في جملة منها وقد ذكرناها في كتاب سلاسل الحديد في تقييد ابن أبي الحديد :

منها ـ قوله (صلى‌الله‌عليه‌وآله): «لا تصلوا علي الصلاة البتراء فقالوا وما الصلاة البتراء؟ قال تقولون «اللهم صلى على محمد» وتمسكون بل قولوا اللهم صل على محمد وآل محمد» رواه ابن حجر المتأخر في صواعقه (٢). أحرقه الله بها ، وهو من انصب النصاب المعاندين.

ومن أفحش تعصباتهم انهم مع رواية هذه الأخبار أجمعوا على عدم جواز الصلاة

__________________

(١) الوسائل الباب ٤٢ من الذكر.

(٢) ص ٨٧ وفي كتاب زين العابدين ص ٣٧١ للعلامة الحجة السيد عبد الرزاق المقرم عن كشف الغمة للشعراني ج ١ ص ١٩٤ قال «ص» «لا تصلوا على الصلاة البتراء تقولون «اللهم صل على محمد» وتمسكون بل قولوا اللهم صل على محمد وآل محمد. فقيل له ومن أهلك؟ يا رسول الله «ص» قال على وفاطمة والحسن والحسين ع» وفي ص ٣٧٢ منه نقلا من شرح الشفاء للخفاجى ج ١ ص ٤٥٣ والصواعق المحرقة ص ٨٨ والاتحاف بحب الاشراف للشيرازي ص ٢٩ واسعاف الراغبين للصبان على هامش نور الأبصار ص ١٢١ وشرح الزرقانى على المواهب اللدنية ج ٧ ص ٧ ينسب إلى الشافعي في لزوم الصلاة على الآل في الصلاة :

يا أهل بيت رسول الله «ص» حبكم

فرض من الله في القرآن أنزله

كفاكم من عظيم القدر انكم

من لم يصل عليكم لا صلاة له

قال الخفاجي في شرح الشفاء : يحتمل ان يريد لا صلاة له صحيحة فيوافق قوله بوجوب الصلاة على الآل ويحتمل لا صلاة له كاملة فيوافق أحد قوليه.

٤٦٥

على غيره (صلى‌الله‌عليه‌وآله) وغير الأنبياء بل صرح جملة منهم بالمنع من ضم آله في الصلاة إليه (١) كل ذلك عداوة وبغضا لهم (عليهم‌السلام) بل صرح بعضهم بالاعتراف بذلك وانهم انما تركوها مراغمة للشيعة حيث انهم يضمون أهل بيته اليه (صلى‌الله‌عليه‌وآله) في الصلاة عليه (٢) كما شرحناه منقحا في الكتاب المشار اليه.

(الثالث) ـ تأدى ذلك بذكر الصلاة عليه وعليهم كيف اتفق من قولك

__________________

(١) في المغني ج ١ ص ٥٤٣ بعد ذكر خبر كعب بن عجرة الآتي قال : «ولأصحابنا في وجوب الصلاة على آله وجهان قال بعض أصحابنا تجب الصلاة على الوجه في خبر كعب لأنه أمر به» وفي شرح الشفاء للخفاجى ج ٣ ص ٤٥٣ طبع سنة ١٣٢٦ عن أبي جعفر الباقر «ع» عن ابن مسعود عن النبي «ص» «من صلى صلاة لم يصل فيها على ولا على أهل بيتي لم تقبل منه» وصحح الدارقطني عن أبي جعفر محمد بن على الباقر «ع» قال : «لو صليت صلاة لم أصل فيها على النبي «ص» ولا على أهل بيته لرأيت انها لا تتم». ثم قال الخفاجي : يفيد هذا ان الصلاة على الآل في التشهد الأخير واجبة كالصلاة عليه «ص» وفيها قولان للشافعي والصحيح في المذهب انها غير واجبة واما في التشهد الأول فمن قال انها واجبة في الأخير قال باستحبابها. وفي تحفة المحتاج لابن حجر ج ١ ص ١٠ «ينبغي ان يقول بعد الشهادة للنبي «ص» بالرسالة والصلاة عليه : «وعلى آل ه» لأنها مستحبة بالنص وقال بعضهم انها واجبة في التشهد الأخير والأصح أنها مسنونة وأقل الصلاة عليهم «اللهم صل على محمد وآله».

(٢) في كتاب مقتل الحسين للعلامة الحجة السيد عبد الرزاق المقرم ص ٤٤٣ من الطبع الثاني ان الزمخشري في الكشاف في سورة الأحزاب الآية ٥٦ عند قوله تعالى : «إِنَّ اللهَ وَمَلائِكَتَهُ ...» قال إذا أفرد غير النبي «ص» من أهل البيت بالصلاة كما يفرد هو بالصلاة عليه فمكروه لأنه يؤدي إلى الاتهام بالرفض وقد قال «ص» «لا تقفن مواقف التهم». وفي فتح الباري ج ١١ ص ١٣٥ «لا يفرد غير الأنبياء بالسلام عليه لكونه صار شعارا للرافضة» وفي شرح الزرقانى على المواهب اللدنية ج ٥ ص ١٣ «لما صار إرخاء العذبة من الجانب الأيمن شعارا للإمامية فينبغي تجنبه» وفي روح البيان ج ٤ ص ١٤٢ «قال الشيخ إسماعيل البروسوي : الأصل التختم في اليمين ولما صار شعار الظلمة جعل في اليد اليسرى».

٤٦٦

«اللهم صل على محمد وآل محمد» وأردف آله بضميره ، أو قولك «صلى‌الله‌عليه‌وآله أو صلوات الله عليهم» وكذا ابدال الآل بعترته أو أهل بيته ، وكل ذلك مستفاد من الأخبار والأدعية المأثورة عنهم (صلوات الله عليهم) ولا سيما الصحيفة السجادية ، وحينئذ فما ورد عنه (صلى‌الله‌عليه‌وآله) (١) ـ «انه لما نزلت آية قوله سبحانه «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً» (٢) قيل يا رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) هذا السلام عليك قد عرفناه فكيف الصلاة عليك؟ فقال قولوا اللهم صل على محمد وآل محمد كما صليت على إبراهيم وآل إبراهيم وبارك على محمد وآل محمد كما باركت على إبراهيم وآل إبراهيم إنك حميد مجيد». ـ فالظاهر حمله على الفرد الأكمل من الصلاة عليه. وهذا الخبر أيضا مروي من طرق القوم (٣) كما نقلناه في الكتاب المشار اليه آنفا. وفي هذا الخبر دلالة على ما قدمناه من دخول الآل في كيفية الصلاة عليه (صلى الله عليه وعليهم أجمعين).

(الرابع) ـ لو سمع ذكره (صلى‌الله‌عليه‌وآله) في حال الصلاة واشتغل بإتمام صلاته ولم يصل عليه فالأشهر الأظهر صحة صلاته وان اثم على القول بالوجوب. وربما قيل بالبطلان بناء على انه مأمور بالصلاة والأمر بالشي‌ء يستلزم النهي عن ضده الخاص ، والنهي متى توجه في العبادة إلى شرطها أو جزئها أوجب فسادهما. وحيث ان القاعدة المذكورة لم يقم دليل عندنا على صحتها كما تقدم الكلام فيه في غير موضع لم يثبت الحكم بالبطلان ، بل ناقش بعض مشايخنا المحدثين من متأخري المتأخرين في القاعدة الثانية أيضا فقال ان النهي وان توجه إلى شرطها وجزئها لا يكون مبطلا. ولكن الظاهر بعده

(الخامس) ـ ظاهر قوله في صحيحة زرارة المتقدمة : «كلما ذكرته أو ذكره ذاكر» وجوب الفورية بها وهو كذلك. وممن صرح بذلك أيضا الفاضل المحقق المولى

__________________

(١) الوسائل الباب ٣٥ من الذكر.

(٢) سورة الأحزاب ، الآية ٥٦.

(٣) المغني ج ١ ص ٥٤٢.

٤٦٧

محمد صالح المازندراني في شرحه على الأصول حيث قال : ثم الظاهر من بعض الأخبار المذكورة ـ حيث رتب الأمر بالصلاة على الذكر بالفاء التعقيبية ـ هو فوريتها فلو أهمل الفور اثم على تقدير الوجوب ولم يسقط. وكذا الظاهر هو الأمر بها على كل أحد في جميع الأحوال. ولو كان مشتغلا بالصلاة. ثم ذكر نحو ما ذكرنا في الفرع الرابع من تفريع الابطال وعدمه على المسألة الأصولية واختار عدم الابطال لعدم التعويل على تلك القاعدة الأصولية.

تذنيب

لا بأس بنقل بعض الأخبار الواردة في فضل الصلاة عليهم تقربا إلى الله تعالى وإليهم زيادة على ما ذكرناه وتأكيدا لما سطرناه :

فمنها ـ ما رواه في الكافي في الصحيح عن هشام بن سالم عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) (١) قال : «لا يزال الدعاء محجوبا حتى يصلي على محمد وآل محمد».

وعن السكوني عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) (٢) قال : «من دعا ولم يذكر النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) رفرف الدعاء على رأسه فإذا ذكر النبي رفع الدعاء».

وعن صفوان الجمال في الصحيح عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) (٣) قال : «كل دعاء يدعى الله تعالى به محجوب عن السماء حتى يصلى على محمد وآل محمد «صلى‌الله‌عليه‌وآله».

وعن ابن جمهور عن أبيه عن رجاله (٤) قال : «قال أبو عبد الله (عليه‌السلام) من كانت له إلى الله حاجة فليبدأ بالصلاة على محمد وآل محمد (صلى‌الله‌عليه‌وآله) ثم يسأل حاجته ثم يختم بالصلاة على محمد وآل محمد فان الله تعالى أكرم من ان يقبل الطرفين ويدع الوسط إذا كانت الصلاة على محمد وآل محمد لا تحجب عنه».

__________________

(١ و ٢ و ٣ و ٤) الوسائل الباب ٣٦ من الدعاء.

٤٦٨

وعن محمد بن مسلم في الصحيح عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) (١) «ان رجلا اتى النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) فقال يا رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) اجعل لك ثلث صلاتي لا بل اجعل لك نصف صلاتي لا بل اجعلها كلها لك فقال رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) إذا تكفى مؤنة الدنيا والآخرة».

وعن أبي بكر الحضرمي (٢) قال : «حدثني من سمع أبا عبد الله (عليه‌السلام) يقول جاء رجل إلى رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) فقال اجعل نصف صلاتي لك قال نعم. ثم قال اجعل صلاتي كلها لك. قال نعم. فلما مضى قال رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) كفي هم الدنيا والآخرة».

أقول : المراد بالصلاة في هذين الخبرين الدعاء بمعنى انه كلما دعا الله تعالى في حاجة صلى على الرسول وآله وجعل الصلاة عليه وعلى آله أصلا وأساس لدعائه ثم بنى عليه كما سيأتي في الأخبار الآتية الإشارة اليه ان شاء الله.

وعن مرازم (٣) قال : «قال أبو عبد الله (عليه‌السلام) ان رجلا اتى رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) فقال يا رسول الله اني جعلت ثلث صلاتي لك فقال له خيرا فقال يا رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) اني جعلت نصف صلاتي لك فقال له ذاك أفضل فقال اني جعلت كل صلاتي لك فقال إذا يكفيك الله (عزوجل) ما أهمك من أمر دنياك وآخرتك. فقال له رجل أصلحك الله كيف يجعل صلاته له؟ فقال أبو عبد الله (عليه‌السلام) لا يسأل الله شيئا إلا بدأ بالصلاة على محمد وآل محمد».

وعن أبي بصير (٤) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) ما معنى «اجعل صلاتي كلها لك»؟ فقال يقدمه بين يدي كل حاجة فلا يسأل الله شيئا حتى يبدأ بالنبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) فيصلي عليه ثم يسأل الله حوائجه».

__________________

(١ و ٢ و ٣ و ٤) الوسائل الباب ٣٦ من الدعاء.

٤٦٩

وروى الصدوق في كتاب ثواب الأعمال (١) بسنده عن عاصم بن ضمرة عن أمير المؤمنين (عليه‌السلام) قال : «الصلاة على النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) أمحق للخطايا من الماء للنار والسلام على النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) أفضل من عتق رقاب وحب رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) أفضل من مهج الأنفس ، أو قال ضرب السيوف في سبيل الله».

وعن جابر عن أبي جعفر (عليه‌السلام) (٢) قال : «ان عبدا مكث في النار سبعين خريفا والخريف سبعون سنة ثم انه سأل الله بحق محمد وأهل بيته (صلى‌الله‌عليه‌وآله) لما رحمتني فأوحى الله إلى جبرئيل أن اهبط إلى عبدي فأخرجه قال يا رب وكيف لي بالهبوط في النار؟ قال الله اني امرتها ان تكون عليك بردا وسلاما. قال يا رب فما علمي بموضعه قال انه في جب في سجين. قال فهبط جبرئيل على النار على وجهه فأخرجه فقال الله عزوجل يا عبدي كم لبثت في النار؟ قال ما احصي يا رب. فقال وعزتي وجلالي لو لا ما سألتني به لأطلت هوانك في النار ولكني حتمت على نفسي ان لا يسألني أحد بحق محمد وأهل بيته (صلى‌الله‌عليه‌وآله) إلا غفرت له ما كان بيني وبينه وقد غفرت لك اليوم».

وعن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) (٣) قال : «قال رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) ذات يوم لأمير المؤمنين (عليه‌السلام) ألا أبشرك؟ قال بلى بأبي أنت وأمي فإنك لم تزل مبشرا بكل خير. فقال أخبرني جبرئيل آنفا بالعجب فقال أمير المؤمنين (عليه‌السلام) وما الذي أخبرك يا رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله)؟ قال أخبرني ان الرجل من أمتي إذا صلى علي واتبع بالصلاة على أهل بيتي فتحت له أبواب السماء وصلت عليه الملائكة سبعين صلاة وانه لمذنب خطأ ثم تحات عنه الذنوب

__________________

(١) ص ٨٤ وفي الوسائل الباب ٣٤ من الذكر.

(٢) ص ٨٤ وفي الوسائل الباب ٣٧ من الدعاء.

(٣) ص ٨٤ وفي الوسائل الباب ٤٢ من الذكر.

٤٧٠

كما يتحات الورق من الشجر ويقول الله تعالى لبيك عبدي وسعديك يا ملائكتي أنتم تصلون عليه سبعين صلاة وانا أصلي عليه سبعمائة صلاة. فإذا صلى علي ولم يتبع بالصلاة على أهل بيتي كان بينها وبين السماء سبعون حجابا ويقول الله (جل جلاله) لا لبيك ولا سعديك يا ملائكتي لا تصعدوا دعاءه إلا ان يلحق بالنبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) عترته فلا يزال محجوبا حتى يلحق بها أهل بيتي». وفي هذا الخبر دلالة على ما قدمناه سابقا من دخول الآل في الصلاة عليه (صلى الله عليه وعليهم).

وعن الرضا (عليه‌السلام) (١) «من لم يقدر على ما يكفر به ذنوبه فليكثر من الصلاة على محمد وآله فإنها تهدم الذنوب هدما».

إلى غير ذلك من الأخبار وفي ما ذكرناه كفاية لاولى الأفكار ، نسأل الله الثبات على ولايتهم والحشر في زمرتهم انه القادر على ما يشاء.

الفصل العاشر في التسليم

وقد وقع الخلاف فيه في مواضع : (الأول) في وجوبه واستحبابه ، و (الثاني) في دخوله في الصلاة وخروجه ، و (الثالث) في كيفيته وانه عبارة عما ذا؟ وحينئذ فتحرير الكلام في المقام وتنقيحه بما يدفع عنه تطرق النقض والإبرام يتوقف على بسطه في مواضع ثلاثة :

(الأول) ـ في الوجوب والاستحباب وشرح الخلاف فيه ، فذهب المرتضى في المسائل الناصرية والمحمدية وأبو الصلاح وسلار وابن أبي عقيل والقطب الراوندي وصاحب الفاخر وابن زهرة إلى الوجوب واختاره المحقق وصاحب البشرى والعلامة في المنتهى والشهيد وهو المختار ، وذهب الشيخان وابن البراج وابن إدريس إلى الاستحباب واليه ذهب جمهور المتأخرين.

ويدل على الوجوب وقوع الأمر به الذي هو حقيقة في الوجوب في الأخبار

__________________

(١) الوسائل الباب ٣٤ من الذكر.

٤٧١

المستفيضة : منها ـ ما تقدم (١) في صحيحة ابن أذينة أو حسنته من حديث المعراج وقول الله تعالى لنبيه (صلى‌الله‌عليه‌وآله): «سلم عليهم فقال السلام عليكم ورحمة الله وبركاته». وأوامره عزوجل للوجوب بلا خلاف إلا ما خرج بالدليل. ومنها ـ ما تقدم (٢) في موثقة أبي بصير المشتملة على التشهد الطويل من قوله في آخرها : «ثم تسلم» وكذا في عبارة الفقه (٣) من قوله «ثم سلم عن يمينك» إلى غير ذلك من الأخبار التي يضيق المقام عن نقلها.

قال الفاضل الخراساني في الذخيرة في نقل أدلة القائلين بالوجوب : السابع ـ تعلق الأمر وما في معناه به في اخبار كثيرة والأمر للوجوب فيكون التسليم واجبا ، فمن ذلك ما رواه الشيخ في الصحيح عن الحلبي عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) (٤) قال : «إذا لم تدر أربعا صليت أم خمسا أم نقصت أم زدت فتشهد وسلم واسجد سجدتين بغير ركوع. الحديث». وفي الصحيح عن ابن أبي يعفور (٥) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن رجل يصلى الركعتين من المكتوبة فلا يجلس فيهما حتى يركع؟ فقال يتم صلاته ثم يسلم ويسجد سجدتي السهو وهو جالس قبل ان يتكلم». الى غير ذلك من الأخبار الكثيرة كصحيحة الحلبي (٦) وصحيحة عبد الحميد بن عواض (٧) ومرسلة ابن أبي يعفور ومرسلة ابن أبي عمير (٨) وحسنة زرارة الطويلة الواردة في حكم الفوائت (٩) وحسنة الحلبي الواردة في صلاة الخوف (١٠) وحسنة أخرى لزرارة (١١) وموثقة أبي بصير (١٢)

__________________

(١) ص ٤٥٦.

(٢) ص ٤٥٠ و ٤٥١.

(٣) ص ٤٥١ و ٤٥٢.

(٤) الوسائل الباب ١٤ من الخلل في الصلاة.

(٥) الوسائل الباب ٧ من التشهد.

(٦ و ١٢) الوسائل الباب ١٠ من الخلل في الصلاة.

(٧) الوسائل الباب ٢ من التسليم.

(٨) الوسائل الباب ١٣ من الخلل في الصلاة.

(٩) الوسائل الباب ٦٣ من مواقيت الصلاة.

(١٠) الوسائل الباب ٢ من صلاة الخوف.

(١١) الوسائل الباب ٩ من الخلل في الصلاة.

٤٧٢

وموثقة عمار (١) ورواية أبي بكر الحضرمي (٢) ورواية الحسين بن أبي العلاء (٣) ورواية عبد الله بن أبي يعفور (٤) وعبد الرحمن بن سيابة (٥) وغيرها من الأخبار التي لا مزيد فائدة في نقلها. والجواب ان دلالة الأوامر في أخبارنا على الوجوب من غير قرينة تلتحق بها غير واضح ، وعلى كل تقدير فلا معدل عن حمل الأوامر في تلك الأخبار على الاستحباب جمعا بين الأدلة. انتهى.

وفيه ما عرفت في غير موضع من ان هذا الأمر الذي تفرد به من بين كافة العلماء قديما وحديثا باطل موجب لخروج قائله عن الدين من حيث لا يشعر كما تقدم التنبيه عليه في غير مقام مما تقدم ، والواجب حمل هذه الأوامر على الوجوب كما عليه محققو الأصوليين ودلت عليه الآيات والروايات المتقدمة في مقدمات الكتاب إلى ان يظهر خلافه. وما يدعى من أدلة الاستحباب سيأتيك الكلام عليها في الباب.

ولنكتف هنا في تحقيق ما اخترناه بنقل كلام صاحب المدارك وبيان ما فيه حيث انه ممن اختار القول بالاستحباب وبالغ في الاستدلال عليه ونقض ما خالفه ، وبإبطاله يظهر صحة ما اخترناه زيادة على ما استندنا اليه من الأوامر المشار إليها فنقول :

قال (قدس‌سره) بعد ذكر الاستحباب ونقله عن جملة من الأصحاب ما لفظه : وهو المعتمد ، لنا ـ ان الوجوب زيادة تكليف والأصل عدمه ، وما رواه الشيخ في الصحيح عن محمد بن مسلم عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) (٦) انه قال : «إذا استويت جالسا فقل : اشهد ان لا إله إلا الله وحده لا شريك له واشهد ان محمدا عبده ورسوله. ثم تنصرف». وفي الصحيح عن الفضيل وزرارة ومحمد بن مسلم عن أبي جعفر

__________________

(١) الوسائل الباب ٢ من الخلل في الصلاة.

(٢) الوسائل الباب ٢ من التسليم.

(٣) الوسائل الباب ١٠ من الخلل في الصلاة.

(٤) الوسائل الباب ١١ من الخلل في الصلاة.

(٥) الوسائل الباب ٧ من الخلل في الصلاة.

(٦) الوسائل الباب ٤ من التشهد.

٤٧٣

(عليه‌السلام) (١) قال : «إذا فرغ من الشهادتين فقد مضت صلاته فان كان مستعجلا في أمر يخاف ان يفوته فسلم وانصرف أجزأه». والمراد بالإجزاء الاجزاء في حصول الفضيلة والكمال كما يقتضيه أول الخبر. وفي الصحيح عن علي بن جعفر عن أخيه موسى (عليه‌السلام) (٢) «وقد سأله عن المأموم يطول الامام فتعرض له الحاجة قال يتشهد وينصرف ويدع الامام». وفي الموثق عن يونس بن يعقوب (٣) قال : «قلت لأبي الحسن (عليه‌السلام) صليت بقوم صلاة فقعدت للتشهد ثم قمت ونسيت ان أسلم عليهم فقالوا ما سلمت علينا؟ فقال ألم تسلم وأنت جالس ، قلت بلى ، قال لا بأس عليك ولو نسيت حتى قالوا لك ذلك استقبلتهم بوجهك فقلت السلام عليكم». ويمكن ان يستدل عليه أيضا بصحيحة معاوية بن عمار (٤) قال : «قال أبو عبد الله (عليه‌السلام) إذا فرغت من طوافك فائت مقام إبراهيم فصل ركعتين واجعله امامك واقرأ في الأولى منهما «قل هو الله أحد» وفي الثانية «قل يا ايها الكافرون» ثم تشهد واحمد الله تعالى وأثن عليه وصل على النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) واسأله ان يتقبل منك.». فان ظاهره عدم وجوب التسليم في ركعتي الطواف ولا قائل بالفصل. ويدل عليه أيضا انه لو وجب التسليم لبطلت الصلاة بتخلل المنافي بينه وبين التشهد واللازم باطل فالملزوم مثله ، اما الملازمة فإجماعية واما بطلان اللازم فلما رواه زرارة في الصحيح عن أبي جعفر (عليه‌السلام) (٥) «انه سأله عن الرجل يصلي ثم يجلس فيحدث قبل ان يسلم؟ قال تمت صلاته». وما رواه الحلبي في الحسن عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) (٦) قال : «إذا التفت في صلاة مكتوبة من غير فراغ فأعد الصلاة إذا كان الالتفات فاحشا وان كنت قد تشهدت فلا تعد».

__________________

(١) الوسائل الباب ٤ من التشهد.

(٢) الوسائل الباب ٦٤ من صلاة الجماعة.

(٣ و ٥ و ٦) الوسائل الباب ٢ من التسليم.

(٤) الوسائل الباب ٧١ من الطواف.

٤٧٤

وما رواه غالب بن عثمان في الموثق عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) (١) قال : «سألته عن الرجل يصلي المكتوبة فتنقضي صلاته ويتشهد ثم ينام قبل ان يسلم؟ قال تمت صلاته وان كان رعافا غسله ثم رجع فسلم». انتهى.

وتوجه النظر اليه من وجوه : (الأول) ان ما ذكره من الاستدلال بالأصل فصحيح إلا انه يجب الخروج عنه بالدليل وهو هنا الأوامر الواردة بالتسليم التي هي حقيقة في الوجوب باعترافه ، وهي في الأخبار أكثر من ان يأتي عليها قلم الإحصاء ، وقد عرفت منها ما تقدم وستعرف ان شاء الله.

(الثاني) ـ استدلاله بالصحيحتين المذكورتين ، فان فيه (أولا) انهم لا يقفون على ظاهرهما ولا يفتون بهما لدلالتهما على عدم وجوب الصلاة على النبي وآله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) في التشهد مع إجماعهم على ذلك ، وحينئذ فكيف يستندون إليهما هنا والحال في المقامين واحد؟

و (ثانيا) ـ ان غاية ما يدلان عليه تمام الصلاة بعد التشهد وهو غير مناف لمذهبنا في المسألة ، فانا نختار فيها كون التسليم واجبا خارجا فلا يرد علينا الاستدلال بهما كما لا يخفى ، على ان الثانية منهما وهي صحيحة الفضلاء الثلاثة ظاهرة في وجوب التسليم وان كان قد تمت صلاته بالتشهد وهو عين ما نختاره من كونه واجبا خارجا كما سيأتي تحقيقه ان شاء الله ، وحاصل معنى الخبر انه بالفراغ من التشهد فقد تمت صلاته ، فان كان مستعجلا في أمر يخاف فوته سلم وانصرف من غير ان يأتي ببقية الأذكار المستحبة التي مرت في موثقة أبي بصير وعبارة الفقه الرضوي ، وان كان غير مستعجل اتى بتلك الأذكار الموظفة مستجمعا لمستحباتها على الوجه الأكمل ، وبذلك يظهر لك ما في قوله : «والمراد بالإجزاء الاجزاء في حصول الفضيلة والكمال» من التكلف الذي لا ضرورة تلجئ إليه في هذا المجال.

__________________

(١) الوسائل الباب ٣ من التسليم.

٤٧٥

(الثالث) ـ ان ما ذكره من صحيحة علي بن جعفر فإنه لم ينقلها على وجهها وكأنه نقلها بالمعنى وحرف لفظ التسليم إلى التشهد ، وصورة الرواية هكذا : علي بن جعفر عن أخيه موسى (عليه‌السلام) (١) قال : «سألته عن الرجل يكون خلف امام فيطول في التشهد فيأخذه البول أو يخاف على شي‌ء ان يفوت أو يعرض له وجع كيف يصنع؟ قال يسلم وينصرف ويدع الامام». والعجب انه قد نقلها بهذه الصورة التي ذكرناها في بحث صلاة الجماعة في مسألة جواز الانفراد للمأموم مع العذر ، وبذلك يظهر ان هذه الرواية مثل صحيحة الفضلاء الثلاثة المتقدمة في انها دالة على خلاف ما يدعيه فهي عليه لا له كما لا يخفى.

أقول : ومثل هذه الرواية أيضا صحيحة زرارة عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) (٢) قال : «سألته عن رجل يكون خلف الامام فيطيل الامام التشهد؟ قال يسلم ويمضي لحاجته ان أحب».

(الرابع) ـ استدلاله بموثقة يونس بن يعقوب ومثلها موثقة غالب بن عثمان فإنه لا يخلو من غرابة ، إذ لا يخفى ان قاعدته في هذا الكتاب رد الأخبار الموثقة والحكم بضعفها وانها متى وردت من طرف الخصم طعن فيها بالضعف وردها فكيف جاز منه الاستدلال بها هنا؟ ما هذه إلا مجازفة ظاهرة ، على ان معنى هذه الرواية أعني موثقة يونس ليس ما توهمه بل هي بالدلالة على نقيض ما يدعيه أشبه ، وذلك ان الغرض من السؤال انما هو ان المصلي بعد ان صلى بالقوم وأتم صلاته وسلم لم يلتفت إلى القوم بوجهه ويسلم عليهم كما هو السنة يومئذ ولا سيما في مقام التقية من التفات الإمام إلى

__________________

(١) الوسائل الباب ٦٤ من الجماعة. ولا يخفى ان التهذيب والفقيه اختلفا في نقل الرواية ففي التهذيب ج ١ ص ٢٥٣ «يتشهد وينصرف» وفي الوسائل عنه كذلك ، وفي الفقيه ج ١ ص ٢٦١ «يسلم وينصرف» كما ذكره «قدس‌سره».

(٢) الوسائل الباب ٦٤ من الجماعة.

٤٧٦

المأمومين بوجهه (١) وقوله «السلام عليكم» وان سلم لنفسه ، ولهذا قال له الامام «ألم تسلم وأنت جالس؟ قال بلى فقال لا بأس عليك» لإتيانه بالواجب والذي أخل به أمر مستحب وهو الالتفات إليهم بوجهه ، ثم قال له «ولو نسيت السلام عليهم حتى قالوا لك ذلك استقبلتهم بوجهك ـ في مقامك ذلك ـ وقلت السلام عليكم» وحينئذ فالرواية كسابقتها عليه لا له

(الخامس) ـ استدلاله بصحيحة معاوية بن عمار فإنها (أولا) أخص من المدعى والاستناد في التعميم إلى عدم القائل بالفصل ليس بذلك الفصل. و (ثانيا) إمكان التجوز بل شيوعه بحمل التشهد على ما يشمل التسليم كما انه يطلق على مجموع تلك الأذكار الطويلة اسم التشهد. وقوله في الرواية «واحمد الله. إلخ» المراد به بعد صلاة الركعتين كما لا يخفى.

(السادس) ـ الاستدلال ببطلان الصلاة بتخلل المنافي لو كان واجبا ففيه :

(أولا) ان ما ادعاه من ان الملازمة إجماعية فهو في حيز المنع لأن جملة من الأصحاب القائلين بالوجوب قد ذهبوا إلى كونه واجبا خارجا كما يأتي ذكره ان شاء الله تعالى ، ومنهم ـ شيخنا الشهيد في قواعده حيث قال على ما نقله عنه بعض مشايخنا المحققين وسيأتي نقل كلامه ان شاء الله. وبه يظهر ان دعوى الإجماع مجازفة ولو كان ثمة إجماع لما خفي على شيخنا المشار اليه مع تبحره وسعة باعه ووفور اطلاعه.

و (ثانيا) ـ ان ما ذكره من الأخبار انما يرد على من قال بكونه واجبا داخلا ونحن قلنا بكونه واجبا لكنا نقول بكونه خارجا. بقي

__________________

(١) في فتح الباري ج ٢ ص ٢٢٧ باب «يستقبل الامام الناس إذا سلم» ما ملخصه «سياق حديث سمرة بن جندب ظاهره مواظبته «ص» على استقباله المأمومين بعد السلام ، والحكمة فيه تعريف الداخل ان الصلاة قد انقضت إذ لو استمر الامام على حاله لأوهم انه في التشهد وقال الزين بن المنير استقباله المأمومين يرفع الخيلاء» وفي البحر الرائق ج ١ ص ٣٣٥ «جلوس الامام مستقبل القبلة بدعة فان شاء انحرف يمينا وشمالا وان شاء استقبلهم بوجهه».

٤٧٧

أنها مطلقة بالنسبة إلى التسليم إذ لا تعرض له فيها بنفي ولا إثبات وقضية ورود جملة من الأخبار الدالة على الوجوب ـ كما عرفت وستعرف ان شاء الله تعالى ـ حمل إطلاق هذه الأخبار على تلك فيجب الحكم بصحة الصلاة وان وجب عليه الإتيان بالتسليم.

ثم قال في المدارك أيضا في رد ما احتج به القائلون بالوجوب : الثالث ـ ما رواه الشيخ والمرتضى وابن بابويه مرسلا عن أمير المؤمنين (عليه‌السلام) (١) انه قال : «قال رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) مفتاح الصلاة الطهور وتحريمها التكبير وتحليلها التسليم». وقد رواه الكليني مسندا عن علي بن محمد بن عبد الله عن سهل بن زياد عن جعفر بن محمد الأشعري عن القداح عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) (٢) قال : «قال رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله). الحديث». وجه الاستدلال ان التسليم وقع خبرا عن التحليل فيجب كونه مساويا للمبتدإ أو أعم منه فلو وقع التحليل بغيره لكان المبتدأ أعم. وأيضا فإن الظاهر ارادة حصر التحليل فيه لأنه مصدر مضاف إلى الصلاة فيتناول كل تحليل يضاف إليها. ولأن الخبر إذا كان مفردا كان هو المبتدأ بمعنى ان الذي صدق عليه انه تحليل للصلاة يصدق عليه التسليم. كذا قرره في المعتبر ، وجوابه (أولا) بضعف هذا الحديث ، وما قيل ـ من ان هؤلاء الثلاثة هم العمدة في ضبط الأحاديث ولولا علمهم بصحته لما أرسلوه ـ فظاهر الفساد. و (ثانيا) ان ما قرر في إفادة الحصر غير تام لأن مبناه على دعوى كون الإضافة للعموم وهو ممنوع فإن الإضافة كما تكون للاستغراق تكون للجنس وللعهد الذهني والخارجي كما قرر في محله. الرابع ـ ما رواه الشيخ عن ابي بصير (٣) قال : «سمعت أبا عبد الله (عليه‌السلام) يقول في رجل صلى الصبح فلما

__________________

(١) الوسائل الباب ١ من التسليم عن أمير المؤمنين «ع» ولم يسنده إلى رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» وهو هكذا «افتتاح الصلاة.».

(٢) الوسائل الباب ١ من التسليم وفيه «افتتاح الصلاة» أيضا.

(٣) الوسائل الباب ١ من التسليم.

٤٧٨

جلس في الركعتين قبل ان يتشهد رعف؟ قال فليخرج فليغسل انفه ثم ليرجع فليتم صلاته فان آخر الصلاة التسليم». والجواب (أولا) بالطعن في السند باشتراك أبي بصير بين الثقة وغيره ، وبأنه من جملة رجالها عثمان بن عيسى وسماعة وهما واقفيان. و (ثانيا) منع الدلالة فإن كون التسليم آخر الصلاة لا يقتضي وجوبه فإن الأفعال تشمل الواجب والمندوب. و (ثالثا) بأنه متروك الظاهر إذ لا نعلم بمضمونه قائلا من الأصحاب. انتهى المقصود من كلامه زيد في مقامه.

وفيه نظر من وجوه : (الأول) ما أجاب به عن حديث «تحريمها التكبير وتحليلها التسليم» من ضعف السند فان فيه (أولا) ما قدمنا بيانه في غير موضع من ان الطعن بذلك لا يقوم حجة على المتقدمين الذين لا اثر لهذا الاصطلاح الذي هو أقرب إلى الفساد من الصلاح عندهم ولا على غيرهم ممن يرى بطلانه.

و (ثانيا) استفاضة الأخبار بذلك وان ضعف سندها فان تكررها في الأصول المعتمدة برواية أجلاء مشايخ العصابة لا يقصر عن خبر صحيح باصطلاحهم كما لا يخفى على المصنف :

ففي حديث الفضل بن شاذان المروي في العلل وعيون الأخبار (١) «انما جعل التسليم تحليل الصلاة ولم يجعل بدله تكبيرا أو تسبيحا أو ضربا آخر قيل لانه لما كان في الدخول في الصلاة تحريم الكلام للمخلوقين والتوجه إلى الخالق كان تحليلها كلام المخلوقين والانتقال عنها وابتداء المخلوقين بالكلام انما هو بالتسليم». وفي نسخة اخرى «وانما بدأ المخلوقين في الكلام أولا بالتسليم» فانظر إلى صراحة هذا الخبر في حصر التحليل في التسليم دون غيره من تكبير أو تسبيح أو ضرب آخر.

وفي كتاب المناقب لابن شهرآشوب عن أبي حازم (٢) قال : «سئل علي بن الحسين (عليه‌السلام) ما افتتاح الصلاة؟ قال التكبير. قال ما تحليلها؟ قال التسليم».

__________________

(١) الوسائل الباب ١ من التسليم.

(٢) مستدرك الوسائل الباب ١ من التسليم.

٤٧٩

وفي عيون الأخبار في ما كتبه الرضا (عليه‌السلام) للمأمون (١) قال : «تحليل الصلاة التسليم».

وفي العلل بسنده عن المفضل بن عمر (٢) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن العلة التي من أجلها وجب التسليم في الصلاة؟ قال لانه تحليل الصلاة. إلى ان قال : فلم صار تحليل الصلاة التسليم؟ قال لأنه تحية الملكين».

وما رواه الصدوق في الهداية (٣) قال : «قال الصادق (عليه‌السلام) تحريم الصلاة التكبير وتحليلها التسليم».

وروى الشيخ مرسلا (٤) قال : «قال رجل لأمير المؤمنين (عليه‌السلام) ما معنى قول الامام : السلام عليكم؟ فقال ان الامام يترجم عن الله تعالى ويقول في ترجمته لأهل الجماعة أمان لكم من عذاب الله يوم القيامة».

وما رواه الصدوق في كتاب معاني الأخبار عن عبد الله بن الفضل الهاشمي بسند معتبر (٥) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن معنى التسليم في الصلاة؟ فقال التسليم علامة الأمن وتحليل الصلاة. قلت وكيف ذلك جعلت فداك؟ فقال الناس في ما مضى إذا سلم عليهم وارد أمنوا شره وكانوا إذا ردوا عليه أمن شرهم وإذا لم يسلم عليهم لم يأمنوه وإذا لم يردوا على المسلم لم يأمنهم وذلك خلق في العرب ، فجعل التسليم علامة للخروج من الصلاة وتحليلا للكلام وأمنا من ان يدخل في الصلاة ما يفسدها والسلام اسم من أسماء الله تعالى وهو واقع من المصلي على الملكين الموكلين».

وهذه الأخبار ـ كما ترى ـ ظاهرة في ان التسليم الذي يحصل به الاذن والتحليل انما هو صيغة «السلام عليكم» دون «السلام علينا» على ان من جملة من نقل الحديث

__________________

(١ و ٢ و ٥) الوسائل الباب ١ من التسليم.

(٣) مستدرك الوسائل الباب ١ من التسليم.

(٤) الوسائل الباب ١ من التسليم عن الصدوق ولم ينقله عن الشيخ.

٤٨٠