الحدائق الناضرة - ج ٨

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]

الحدائق الناضرة - ج ٨

المؤلف:

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]


المحقق: محمّد تقي الإيرواني
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥٤٤

لفهمه منها على وجه لا يعتريه ان شاء الله نقض ولا إبرام :

فالأول ـ ما رواه في الكافي عن بكر بن حبيب (١) قال : «سألت أبا جعفر (عليه‌السلام) عن التشهد فقال لو كان كما يقولون واجبا على الناس هلكوا انما كان القوم يقولون أيسر ما يعلمون ، إذا حمدت الله أجزأ عنك».

الثاني ـ ما رواه في الكافي والتهذيب عن بكر بن حبيب أيضا (٢) قال : «قلت لأبي جعفر (عليه‌السلام) اي شي‌ء أقول في التشهد والقنوت؟ فقال قل بأحسن ما علمت فإنه لو كان موقتا لهلك الناس».

الثالث ـ ما رواه في الكافي عن سورة بن كليب (٣) قال : «سألت أبا جعفر (عليه‌السلام) عن ادنى ما يجزئ من التشهد فقال الشهادتان».

الرابع ـ ما رواه الشيخ في الموثق عن عبد الملك بن عمرو الأحول عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٤) قال : «التشهد في الركعتين الأولتين : الحمد لله اشهد ان لا إله إلا الله وحده لا شريك له واشهد ان محمدا عبده ورسوله اللهم صل على محمد وآل محمد وتقبل شفاعته في أمته وارفع درجته».

الخامس ـ ما رواه عن زرارة في الصحيح (٥) قال : «قلت لأبي جعفر (عليه‌السلام) ما يجزئ من القول في التشهد في الركعتين الأولتين؟ قال ان تقول : اشهد ان لا إله إلا الله وحده لا شريك له. قلت فما يجزئ من تشهد الركعتين الأخيرتين؟ قال الشهادتان».

السادس ـ ما رواه عن حبيب الخثعمي عن أبي جعفر (عليه‌السلام) (٦) يقول «إذا جلس الرجل للتشهد فحمد الله تعالى أجزأه».

__________________

(١ و ٢ و ٦) الوسائل الباب ٥ من التشهد.

(٣ و ٥) الوسائل الباب ٤ من التشهد.

(٤) الوسائل الباب ٣ من التشهد.

٤٤١

السابع ـ ما رواه عن احمد بن محمد بن أبي نصر (١) قال : «قلت لأبي الحسن (عليه‌السلام) جعلت فداك التشهد الذي في الثانية يجزئ أن أقول في الرابعة؟ قال نعم».

الثامن ـ ما رواه عن محمد بن مسلم في الصحيح (٢) قال : «قلت لأبي عبد الله (عليه‌السلام) التشهد في الصلاة؟ قال مرتين. قال قلت وكيف مرتين؟ قال إذا استويت جالسا فقل : «اشهد ان لا إله إلا الله وحده لا شريك له واشهد ان محمدا عبده ورسوله» ثم تنصرف. قال قلت قول العبد «التحيات لله والصلوات الطيبات لله»؟ قال هذا اللطف من الدعاء يلطف العبد ربه».

التاسع ـ ما رواه الشيخ في الصحيح عن الفضيل وزرارة ومحمد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه‌السلام) (٣) قال : «إذا فرغ من الشهادتين فقد مضت صلاته فان كان مستعجلا في أمر يخاف ان يفوته فسلم وانصرف أجزأه».

العاشر ـ ما رواه عن الحلبي في الصحيح أو الحسن عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) (٤) قال : «إذا التفت في صلاة مكتوبة من غير فراغ فأعد الصلاة إذا كان الالتفات فاحشا وان كنت قد تشهدت فلا تعد».

الحادي عشر ـ ما رواه عن زرارة في الموثق (٥) قال : «قلت لأبي عبد الله (عليه‌السلام) الرجل يحدث بعد ما يرفع رأسه من السجود الأخير؟ فقال تمت صلاته وانما التشهد سنة في الصلاة فيتوضأ ويجلس مكانه أو مكانا نظيفا فيتشهد».

الثاني عشر ـ ما رواه عن زرارة في الصحيح عن أبي جعفر (عليه‌السلام) (٦)

__________________

(١ و ٢ و ٣) الوسائل الباب ٤ من التشهد.

(٤) الوسائل الباب ٣ من التسليم.

(٥) الوسائل الباب ١٣ من التشهد ، وفي الوسائل «عبيد بن زرارة» وفي التهذيب ج ١ ص ٢٢٦ والوافي باب «الحدث والنوم في الصلاة» كما هنا.

(٦) الوسائل الباب ١٣ من التشهد.

٤٤٢

«في الرجل يحدث بعد ان يرفع رأسه من السجدة الأخيرة وقبل ان يتشهد؟ قال ينصرف فيتوضأ فإن شاء رجع إلى المسجد وان شاء ففي بيته وان شاء حيث شاء يقعد فيتشهد ثم يسلم ، وان كان الحدث بعد الشهادتين فقد مضت صلاته».

الثالث عشر ـ ما رواه عن محمد بن مسلم في الصحيح عن أحدهما (عليهما‌السلام) (١) «في الرجل يفرغ من صلاته وقد نسي التشهد حتى ينصرف فقال ان كان قريبا رجع إلى مكانه فتشهد وإلا طلب مكانا نظيفا فتشهد فيه ، وقال انما التشهد سنة في الصلاة».

الرابع عشر ـ ما رواه في المحاسن عن ابن مسكان عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) (٢) قال : «سئل عن رجل صلى الفريضة فلما رفع رأسه من السجدة الثانية من الركعة الرابعة أحدث؟ قال اما صلاته فقد مضت واما التشهد فسنة في الصلاة فليتوضأ وليعد إلى مجلسه أو إلى مكان نظيف فيتشهد».

الخامس عشر ـ ما ذكره في الفقه الرضوي (٣) حيث قال : «وادنى ما يجزئ من التشهد الشهادتان».

السادس عشر ـ ما رواه في الخصال عن أبي بصير ومحمد بن مسلم عن أبي عبد الله عن آبائه (عليهم‌السلام) (٤) قال : «قال أمير المؤمنين (عليه‌السلام) إذا قال العبد في التشهد الأخير وهو جالس : «اشهد ان لا إله إلا الله وحده لا شريك له واشهد ان محمدا عبده ورسوله (وَأَنَّ السّاعَةَ آتِيَةٌ لا رَيْبَ فِيها وَأَنَّ اللهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ» ثم أحدث حدثا فقد تمت صلاته».

السابع عشر ـ ما رواه في قرب الاسناد عن علي بن جعفر عن أخيه (عليه‌السلام) (٥) قال : «سألته عن رجل ترك التشهد حتى سلم كيف يصنع؟ قال ان ذكر قبل ان يسلم فليتشهد وعليه سجدتا السهو وان ذكر انه قال «اشهد ان لا إله إلا الله» أو «بسم الله»

__________________

(١ و ٥) الوسائل الباب ٧ من التشهد.

(٢ و ٤) الوسائل الباب ١٣ من التشهد.

(٣) ص ٩.

٤٤٣

أجزأه في صلاته ، وان لم يتكلم بقليل ولا كثير حتى سلم أعاد الصلاة».

هذا ما حضرني من الأخبار الجارية في هذا المضمار وأنت خبير بما فيها من التدافع في وجوب التشهد وعدمه وفي كيفيته.

ويستفاد من هذه الأخبار أمور (الأول) الذي يدل على وجوبه من هذه الأخبار في الجملة الخبر الثالث والرابع والخامس والثامن والتاسع والعاشر والخامس عشر والسادس عشر.

واما ما دل عليه الخبر الخامس ـ من الاقتصار على الشهادة بالتوحيد في التشهد الأول والشهادتين في الثاني ـ فقد أجاب عنه في المعتبر ـ بعد حكمه بوجوب الشهادتين وإيراد الأخبار المتضمنة لذلك ـ بأنه دال على القدر المذكور فيه وليس مانعا من وجوب الزيادة فالعمل بما يتضمن الزيادة أولى. واقتفاه في ذلك العلامة في المنتهى.

والأظهر ما أجاب به المحقق الشيخ حسن (قدس‌سره) في المنتقى ، قال ولعل الغرض من السؤال استعلام كيفية التشهد وانه هل يختلف فيه حكم الأول والأخير؟ فاكتفى في جواب السؤال الأول بذكر كيفية الشهادة بالوحدانية اعتمادا على ان كيفية الشهادة الأخرى التي تضم إليها متقررة معروفة ، وجعل الجواب عن السؤال الثاني بشهادتين كناية عن الاتفاق في الحكم بالنسبة إلى القدر المجزئ ، وسيجي‌ء التصريح بهذا المعنى في خبر آخر. انتهى.

(الثاني) ـ اعلم ان المشهور بين الأصحاب ان التشهد الواجب انما يحصل بان يقول «اشهد ان لا إله إلا الله واشهد ان محمدا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله» ثم يصلي على النبي وآله وما زاد على ذلك فهو مندوب. وقيل الواجب «اشهد ان لا إله إلا الله وحده لا شريك له واشهد ان محمدا عبده ورسوله اللهم صل على محمد وآل محمد».

أقول : الظاهر ان بناء القول الأول على العمل بإطلاق الأخبار المتقدمة من الإتيان بالشهادتين الصادق بما ذكروه فيكون ما زاد على ذلك مستحبا ، وبناء الثاني على

٤٤٤

وجود هذه الصورة في الرواية الرابعة والثامنة والسادسة عشرة ، وقضية حمل مطلق الأخبار على مقيدها ومجملها على مفصلها هو الإتيان بما اشتملت عليه الروايات المذكورة وهو الأقرب مؤيدا بالاحتياط أيضا.

(الثالث) ـ ان ما دل عليه الخبر الأول والثاني ـ من الاكتفاء بكل ما يقول وانه ليس شي‌ء واجبا وإذا حمدت الله تعالى أجزأك ـ فحمله جملة من الأصحاب : منهم ـ السيد السند في المدارك على الضرورة أو التقية (١).

أقول : والحمل على التقية غير بعيد لكن الظاهر انه لا ضرورة تلجئ اليه بل الظاهر ان المراد انما هو الأذكار الزائدة على أصل الشهادتين المنقولة في جملة من الأخبار المذكورة زيادة على الشهادتين والصلاة على النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) والمراد انه ليس شي‌ء من تلك الأذكار واجبا متعينا وإلا لهلك الناس حيث لا يأتون بها وبطلت صلاتهم وانما يأتون منها بأيسر ما يعلمونه ولو بمجرد اضافة «الحمد لله» الى الشهادتين والصلاة لا ان المراد بذلك الشهادتان وعدم وجوبهما ، واضافة القنوت في الخبر الثاني ظاهر في ما قلناه.

(الرابع) ـ ان ما دل عليه الخبر الحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر والرابع عشر من صحة الصلاة بالحدث قبل التشهد يحتمل وجوها :

أحدها ـ الحمل على التقية وعليه اقتصر في الذكرى فقال بعد إيراده

__________________

(١) في المهذب للشيرازي ج ١ ص ٧٨ «أقل ما يجزئ من التشهد خمس كلمات وهي التحيات لله سلام عليك أيها النبي ورحمة الله سلام علينا وعلى عباد الله الصالحين اشهد ان لا إله إلا الله واشهد ان محمدا رسول الله» وأقل ما نصت عليه الروايات المنقولة في عمدة القارئ ج ٣ ص ١٨٠ ما في حديث سمرة وهو قولوا «التحيات لله الطيبات والصلوات والملك لله» ثم سلموا على النبي «ص» وسلموا على أقاربكم وعلى أنفسكم. وفي المحلى ج ٣ ص ٢٧٠ «قال مالك : الجلوس فرض وذكر الله تعالى فيه فرض وليس التشهد فرضا».

٤٤٥

لجملة من الأخبار المخالفة لما عليه الأصحاب ومنها بعض الأخبار المشار إليها : ولو حملت على التقية لكان أنسب لأنه مذهب كثير من العامة كالشافعي وأهل العراق والأوزاعي ومالك إذ يقولون بعدم وجوب التشهد الأول ، وقال بعدم وجوب التشهد الثاني أيضا مالك وأبو حنيفة والثوري والأوزاعي ورووه عن علي (عليه‌السلام) وسعيد ابن المسيب والنخعي والزهري (١) انتهى. وهو جيد.

وثانيها ـ ما ذكره الشيخ (قدس‌سره) من ان هذه الأخبار انما تنفي وجوب ما زاد على الشهادتين ونحن نقول به وكذا قوله : «انما التشهد سنة» أي ما زاد على الواجب والحديث محمول على انه لم يكمل التشهد لا انه لم يأت به. والظاهر بعده.

وثالثها ـ ما يظهر من الصدوق (قدس‌سره) من عمله بهذه الأخبار حيث قال : ان رفعت رأسك من السجدة الثانية في الركعة الرابعة وأحدثت فإن كنت قد قلت

__________________

(١) في بداية المجتهد لابن رشد المالكي ج ١ ص ١١٨ «ذهب مالك وأبو حنيفة وجماعة إلى ان التشهد ليس بواجب. وذهب الشافعي واحمد وأبو داود الى وجوبه» وفي شرح الزرقانى على المواهب اللدنية ج ٧ ص ٣٢٨ «مذهب الشافعي ان التشهد الأول سنة والثاني واجب وجمهور المحدثين انهما واجبان ، وقال أحمد الأول واجب يجبر تركه بسجود السهو والثاني ركن تبطل الصلاة بتركه ، وقال أبو حنيفة ومالك وجمهور الفقهاء انهما سنتان» وفي المغني ج ١ ص ٥٣٢ «إذا صلى ركعتين جلس للتشهد وهذا الجلوس والتشهد فيه مشروعان بلا خلاف وفي صلاة المغرب والرباعية واجبان على احدى الروايتين وهو مذهب الليث وإسحاق ، والأخرى ليسا بواجبين وهو قول أبي حنيفة ومالك والشافعي لأنهما يسقطان بالسهو فأشبها السنن» وفي ص ٥٤٠ منه «التشهد والجلوس الأخير من أركان الصلاة قال بوجوبه عمر وابنه وأبو مسعود البدري والحسن والشافعي ولم يوجبه مالك ولا أبو حنيفة إلا أن أبا حنيفة أوجب الجلوس قدر التشهد» وفي مجمع الانهر ج ١ ص ١١٥ «ان تعمد الحدث بعد ما قعد قدر التشهد أو عمل ما ينافيها تمت صلاته لوجود الخروج بصنعه وقد وجدت أركانها».

٤٤٦

الشهادتين فقد مضت صلاتك وان لم تكن قلت ذلك فقد مضت صلاتك فتوضأ ثم عد الى مجلسك وتشهد. انتهى.

أقول : الظاهر ان مراده ـ وهو ظاهر الأخبار المذكورة ـ ان التشهد واجب لكنه ليس من قبيل الأركان المفروضة التي تبطل الصلاة بتركها وانما هو واجب بالسنة والإخلال به وتخلل الحدث قبله غير مبطل للصلاة فيتوضأ ويأتي به.

وإلى هذا يميل كلام شيخنا المجلسي (قدس‌سره) في البحار أيضا حيث قال بعد نقل الخبر الرابع عشر وذكر محمل الشيخ ثم ذكر الحمل على التقية : والأظهر حمله على ان وجوبه يظهر من السنة لا من القرآن فيكون من الأركان والحدث الواقع بعد الفراغ من أركان الصلاة لا يوجب بطلانها كما تدل عليه صحيحة زرارة أيضا واختاره الصدوق ولا ينافي وجوب التشهد ، وما ورد من الأمر بالإعادة في خبر قاصر السند (١) يمكن حمله على الاستحباب والأحوط العمل بهذا الخبر ثم الإعادة. انتهى. أقول : وعلى هذا الاحتمال لا تكون المخالفة من حيث التشهد لانه قد أمر به في الأخبار المذكورة وانما تكون المخالفة والاشكال من حيث الحكم بصحة الصلاة مع تخلل الحدث. وما ادعاه (قدس‌سره) من ان الحدث الواقع بعد الفراغ من الأركان لا يوجب البطلان مردود بعموم الأخبار الدالة على بطلان الصلاة بتخلل الحدث فيها (٢) وخصوص رواية الحسين ابن الجهم الآتي جميع ذلك ان شاء الله في مسألة قواطع الصلاة ، وهذه الرواية هي التي أشار إليها بالضعف والحمل على الاستحباب.

وبالجملة فالمسألة لا تخلو من شوب الإشكال فإن هذه الأخبار الأربعة مع اعتبار أسانيدها قد اتفقت على هذا الحكم ، والحمل على التقية كما ذكره الشهيد من قول العامة بصحة الصلاة بدون التشهد (٣) ينافيه الأمر بالتشهد فيها لاتفاقها على الأمر بالإتيان

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ١ من قواطع الصلاة.

(٣) ارجع إلى التعليقة ١ ص ٤٤٦.

٤٤٧

به وظاهرها الوجوب. نعم لو أريد به التقية من حيث قولهم بصحة الصلاة مع تخلل الحدث في أثنائها أمكن ، فإن المحقق الشيخ حسن نقل في المنتقى انه يعزى إلى ابي حنيفة وجماعة من العامة القول بإعادة الوضوء لمن سبقه الحدث والبناء على ما فعله (١) ومن ثم اختار حمل اخبار البناء على ذلك وإلا فالتقية بالمعنى الذي ذكره شيخنا المشار اليه بعيد كما ترى.

الخامس ـ ظاهر الأخبار التي اشتملت على التشهد وحملنا عليها مطلق الأخبار عدم وجوب الصلاة على النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) لورودها في مقام البيان خالية من ذلك فلو كانت واجبة لذكرت فيها.

ويمكن الجواب بأن غاية ما تدل عليه هذه الأخبار هو بيان كيفية التشهد والصلاة ليست داخلة في كيفيته بل هي واجب آخر بعد التشهد ، وكون المقام مقام بيان مسلم لكنه لبيان صورة التشهد الذي أجمل في الأخبار الباقية لا لبيان ما وجب في الصلاة ليلزم من عدم ذكر الصلاة فيه عدم وجوبها ، فغايتها ان تكون مطلقة بالنسبة إلى وجوبها وعدمه ولا تصريح ولا اشارة فيها إلى عدم الوجوب ليحصل بها المنافاة بل غايتها كما عرفت الإطلاق وهو مقيد بما سيأتي ذكره من الدليل على وجوبها في هذا الموضع فلا منافاة ، على ان رواية عبد الملك بن عمرو (٢) قد اشتملت على ذكر الصلاة وكذا جملة من الروايات الآتية أيضا ان شاء الله تعالى. والجواب عن ذلك ـ بأنها قد اشتملت على جملة من المستحبات فيحتمل ان يكون هذا من جملتها ـ سيأتي جوابه.

نعم ربما أشكل ذلك بقوله في الخبر الثامن بعد ذكر الشهادتين «ثم تنصرف» فان الانصراف إما كناية عن الإتيان بالتسليم أو عبارة عن انقضاء الصلاة وتمامها. وقريب منه قوله في الخبر التاسع «إذا فرغ من الشهادتين فقد مضت صلاته».

__________________

(١) في البحر الرائق لابن نجيم الحنفي ج ١ ص ٣٦٧ «من سبقه الحدث توضأ وبنى على صلاته ، والبلوى فيما سبق دون ما يتعمده فلا يلحق به».

(٢) ص ٤٤١.

٤٤٨

ويمكن الجواب عن الخبر الأول وان بعد بان المراد ثم تنصرف يعني بعد الإتيان بالصلاة ، ويشير اليه عطف الانصراف ب «ثم» الدالة على المهلة والتراخي. وبالجملة فإنه لما قام الدليل على الوجوب في هذا الموضع بالأخبار الصريحة الصحيحة بالتقريب الآتي فالواجب حمل ما ينافي ذلك على ما يرجع به اليه وان بعد في حد ذاته إلا انه ليس ذلك بعيدا في مقام الجمع كما وقع لهم مثله في غير موضع. واما الخبر الثاني فيحمل على دخول الصلاة في الشهادتين تجوزا كما أطلق التشهد على مجموع الأذكار الطويلة الآتية في رواية أبي بصير ونحوها.

السادس ـ ما تضمنه الخبر السابع عشر من الأحكام لا يخلو من الإشكال في المقام قال شيخنا المجلسي (قدس‌سره) في البحار بعد نقل الخبر المذكور : لم أر به عاملا من الأصحاب بل المشهور قضاء التشهد وسجدتا السهو كما سيأتي. نعم قال ابن إدريس : إذا كان المنسي التشهد الأخير وأحدث ما ينقض طهارته قبل الإتيان به يجب عليه إعادة الصلاة. وهو أيضا خلاف المشهور. ويمكن حمل الخبر عليه والأظهر حمله على الاستحباب وروى في التهذيب قريبا منه عن عمار الساباطي (١) ولو قضى التشهد وسجد السهو ثم أعاد الصلاة كان أحوط. انتهى.

أقول : ويخطر بالبال العليل والفكر الكليل ان المراد من الخبر المذكور انه متى ذكر انه قال «اشهد ان لا إله إلا الله» أو ذكر انه قال «بسم الله» فإنه يبني على وقوع التشهد بمعنى انه يبعد بعد الشروع فيه ببعض هذه العبارات ان يترك باقيه نسيانا ويسهو عنه ، اما لو علم انه لم يتكلم بقليل ولا كثير فان السهو عنه ممكن وحكمه حينئذ بإعادة الصلاة محمول على حصول المنافي في البين بمعنى حصول ما يبطل الصلاة عمدا وسهوا فان الواجب هو الإعادة. وهو معنى صحيح لا غبار عليه وهو في باب التأويل غير بعيد كما لا يخفى.

__________________

(١) الوسائل الباب ٧ من التشهد.

٤٤٩

(المورد الثاني) ـ أفضل التشهد ما رواه الشيخ في الموثق عن أبي بصير عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (١) قال : «إذا جلست في الركعة الثانية فقل : بسم الله وبالله والحمد لله وخير الأسماء لله ، اشهد ان لا إله إلا الله وحده لا شريك له وان محمدا (صلى‌الله‌عليه‌وآله) عبده ورسوله أرسله بالحق بشيرا ونذيرا بين يدي الساعة ، أشهد انك نعم الرب وان محمدا (صلى‌الله‌عليه‌وآله) نعم الرسول ، اللهم صل على محمد وآل محمد وتقبل شفاعته في أمته وارفع درجته. ثم تحمد الله تعالى مرتين أو ثلاثا ثم تقوم فإذا جلست في الرابعة قلت : بسم الله وبالله والحمد لله وخير الأسماء لله ، اشهد ان لا إله إلا الله وحده لا شريك له واشهد ان محمدا عبده ورسوله أرسله بالحق بشيرا ونذيرا بين يدي الساعة ، أشهد انك نعم الرب وان محمدا (صلى‌الله‌عليه‌وآله) نعم الرسول التحيات لله والصلوات الطاهرات الطيبات الزاكيات الغاديات الرائحات السابغات الناعمات لله ما طاب وزكا وطهر وخلص وصفا فلله ، واشهد ان لا إله إلا الله وحده لا شريك له واشهد ان محمدا عبده ورسوله أرسله بالحق بشيرا ونذيرا بين يدي الساعة أشهد ان ربي نعم الرب وان محمدا (صلى‌الله‌عليه‌وآله) نعم الرسول ، واشهد ان الساعة آتية لا ريب فيها وان الله يبعث من في القبور ، الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لو لا ان هدانا الله الحمد لله رب العالمين ، اللهم صل على محمد وآل محمد وبارك على محمد وآل محمد وسلم على محمد وآل محمد وترحم على محمد وآل محمد كما صليت وباركت وترحمت على إبراهيم وآل إبراهيم إنك حميد مجيد ، اللهم صل على محمد وآل محمد واغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالايمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا ربنا انك رؤوف رحيم ، اللهم صل على محمد وآل محمد وامنن علي بالجنة وعافني من النار ، اللهم صل على محمد وآل محمد واغفر للمؤمنين والمؤمنات ولمن دخل بيتي مؤمنا وللمؤمنين والمؤمنات ولا تزد الظالمين إلا تبارا. ثم قل السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته السلام

__________________

(١) الوسائل الباب ٣ من التشهد.

٤٥٠

على أنبياء الله ورسله السلام على جبرئيل وميكائيل والملائكة المقربين السلام على محمد ابن عبد الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) خاتم النبيين لا نبي بعده والسلام علينا وعلى عباد الله الصالحين. ثم تسلم».

وقال (عليه‌السلام) في الفقه الرضوي (١) فإذا تشهدت في الثانية فقل : بسم الله وبالله والحمد لله والأسماء الحسنى كلها لله اشهد ان لا إله إلا الله وحده لا شريك له واشهد ان محمدا عبده ورسوله أرسله بالحق بشيرا ونذيرا بين يدي الساعة. ولا تزد على ذلك ثم انهض إلى الثالثة وقل إذا نهضت : بحول الله أقوم واقعد ، الى ان قال فإذا صليت الركعة الرابعة فقل في تشهدها : بسم الله وبالله والحمد لله والأسماء الحسنى كلها لله ، اشهد ان لا إله إلا الله وحده لا شريك له واشهد ان محمدا عبده ورسوله أرسله بالحق بشيرا ونذيرا بين يدي الساعة ، التحيات لله والصلوات الطيبات الزاكيات الغاديات الرائحات التامات الناعمات المباركات الصالحات لله ما طاب وزكا وطهر ونما وخلص وما خبث فلغير الله ، أشهد انك نعم الرب وان محمدا (صلى‌الله‌عليه‌وآله) نعم الرسول وان علي بن أبي طالب (عليه‌السلام) نعم المولى وان الجنة حق والنار حق والموت حق والبعث حق وان الساعة آتية لا ريب فيها وان الله يبعث من في القبور ، الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لو لا ان هدانا الله ، اللهم صل على محمد وآل محمد وبارك على محمد وآل محمد وارحم محمدا وآل محمد أفضل ما صليت وباركت وترحمت وسلمت على إبراهيم وآل إبراهيم في العالمين انك حميد مجيد ، اللهم صل على محمد المصطفى وعلي المرتضى وفاطمة الزهراء والحسن والحسين وعلى الأئمة الراشدين من آل طه ويس ، اللهم صل على نورك الأنور وعلى حبلك الأطول وعلى عروتك الوثقى وعلى وجهك الأكرم وعلى جنبك الأوجب وعلى بابك الأدنى وعلى مسلك الصراط ، اللهم صل على الهادين المهديين الراشدين الفاضلين الطيبين الطاهرين الأخيار الأبرار ، اللهم صل على جبرئيل وميكائيل وإسرافيل

__________________

(١) ص ٨.

٤٥١

وعزرائيل وعلى ملائكتك المقربين وأنبيائك المرسلين ورسلك أجمعين من أهل السماوات والأرضين وأهل طاعتك المتقين واخصص محمدا بأفضل الصلاة والتسليم ، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته السلام عليك وعلى أهل بيتك الطاهرين السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين. ثم سلم عن يمينك وان شئت يمينا وشمالا وان شئت تجاه القبلة.

بيان

المشهور في كلام الأصحاب ـ كما ذكره الشيخ وغيره ـ في افتتاح التشهد «بسم الله وبالله والأسماء الحسنى كلها لله» ورواية أبي بصير خالية من لفظ «الأسماء الحسنى كلها لله» إلا انها في الفقه الرضوي ، والصدوق في الفقيه قد عبر بهذه العبارة والظاهر انه أخذ ذلك من الكتاب المذكور والجماعة تبعوا الصدوق في ذلك.

وقال الشهيد الثاني في شرح النفلية : اختصاص التحيات بالتشهد الثاني موضع وفاق بين الأصحاب فلا تحيات في الأول إجماعا فلو اتى بها فيه لغير تقية (١) معتقدا لشرعيتها مستحبا اثم واحتمل البطلان ، ولو لم يعتقد استحبابها اثم من حيث الاعتقاد. وتوقف المصنف في الذكرى في بطلان الصلاة حينئذ ، وعدم البطلان متجه لانه ثناء على الله تعالى. انتهى.

وقال في الذكرى : لا تحيات في التشهد الأول بإجماع الأصحاب غير ان أبا الصلاح قال فيه «بسم الله وبالله والحمد لله والأسماء الحسنى كلها لله ، لله ما طاب وزكا ونما وخلص وما خبث فلغير الله» وتبعه ابن زهرة.

وقال الشهيد في النفلية : وروى مرسلا عن الصادق (عليه‌السلام) جواز التسليم

__________________

(١) في البحر الرائق ج ١ ص ٣٢٣ «إذا فرغ من سجدتي الركعة الثانية افترش رجله اليسرى. إلى ان قال وقرأ تشهد ابن مسعود وهو : التحيات لله والصلوات والطيبات. إلخ. ثم قال : والقعود الأول كالثاني وتشهد وصلى على النبي ص».

٤٥٢

على الأنبياء ونبينا (صلى‌الله‌عليه‌وآله) في التشهد الأول ولم يثبت. قال الشارح من حيث إرسال خبره وعدم القائل به من الأصحاب. انتهى.

والتحية لغة ما يحيى به من سلام وثناء ونحوهما ، وقد تفسر التحيات بالعظمة والملك والبقاء ، قال في النهاية الأثيرية : التحيات جمع تحية ، قيل أراد بها السلام يقال «حياك الله» اي سلم عليك ، وقيل التحية الملك وقيل البقاء. وانما جمع التحية لأن ملوك الأرض يحيون بتحيات مختلفة فيقال لبعضهم «أبيت اللعن» ولبعضهم «أنعم صباحا» ولبعضهم «عش ألف سنة» فقيل للمسلمين قولوا «التحيات لله» اي الألفاظ التي تدل على السلام والملك والبقاء هي لله عزوجل. والتحية تفعلة من الحياة وانما أدغمت لاجتماع الأمثال والهاء لازمة لها والتاء زائدة. انتهى. وقيل «التحيات لله» هي أسماء الله تعالى : (السَّلامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ). (الْحَيُّ الْقَيُّومُ) يريد التحية بهذه الأسماء. وقوله «الصلوات لله» اي الرحمة لله على العباد كقوله تعالى «أُولئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَواتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ» (١) وقيل الصلوات الأدعية لله. «والغاديات» الكائنات وقت الغدو. و «الرائحات» الكائنة في وقت الرواح وهو من زوال الشمس إلى الليل وما قبله الغدو. و «السابغات» الكاملات الوافيات. والمراد من الناعمات ما يقرب من معنى الطيبات. و «خلص» بفتح اللام كما ذكره ابن إدريس في السرائر.

فروع

(الأول) ـ قال في كتاب البحار : لو قال «اشهد ان لا إله إلا الله وان محمدا (صلى‌الله‌عليه‌وآله) رسول الله ، أو قال اشهد ان لا إله إلا الله وان محمدا (صلى‌الله‌عليه‌وآله) عبده ورسوله ، أو قال اشهد ان لا إله إلا الله اشهد ان محمدا (صلى‌الله‌عليه‌وآله) عبده ورسوله» من غير واو أو غير الترتيب فلا يبعد الاجزاء والأحوط العدم. انتهى.

__________________

(١) سورة البقرة ، الآية ١٥٢.

٤٥٣

أقول : الظاهر التفصيل في ذلك فان قلنا ان الواجب هو الشهادتان عملا بإطلاق جملة من الأخبار المتقدمة فلا ريب في اجزاء ما ذكره من الصور وان قلنا بتلك الصورة المخصوصة المذكورة في الأخبار التي قدمنا ذكرها وحملنا عليها إطلاق الأخبار الباقية فلا ريب في عدم الاجزاء ، قال في الذكرى : ظاهر الأصحاب وخلاصة الأخبار الاجتزاء بالشهادتين مطلقا فعلى هذا لا يضر ترك «وحده لا شريك له» ولا لفظ «عبده» وفي رواية أبي بصير «وان محمدا» بغير لفظ «اشهد» نعم لو بدل الألفاظ المخصوصة بمرادفها من العربية أو غيرها من اللغات لم يجزئ نعم تجزئ الترجمة لو ضاق الوقت عن التعلم

(الثاني) ـ قد تقدم الكلام في استحباب التورك وكراهة الإقعاء في فصل السجود ، وقد ذكر الأصحاب انه يستحب حال التشهد النظر إلى حجره وظاهر كلام جملة من المتأخرين ومتأخريهم عدم الوقوف فيه على نص ، قال في الذكرى : ويكون نظره حال التشهد إلى حجره قاله الأصحاب. وقال في المدارك بعد ذكر المصنف الحكم المذكور : ذكره الأصحاب ولا بأس به لما فيه من الخشوع والإقبال على عبادة الله تعالى. انتهى.

أقول : مستند هذا الحكم مما اختص به كتاب الفقه الرضوي كما تقدم في السجود واستحباب النظر إلى طرف أنفه فإنه لم يوجد إلا فيه أيضا ، قال (عليه‌السلام) في الكتاب المذكور (١) : «وليكن بصرك في وقت السجود الى طرف انفك وبين السجدتين في حجرك وكذا في وقت التشهد». انتهى. والظاهر ان الأصحاب تبعوا في ذلك الصدوقين والصدوقان انما أخذاه من الكتاب المذكور على النهج الذي تقدم ذكره في غير موضع.

(الثالث) ـ قال في الذخيرة : والجاهل بالتشهد يتعلم مع السعة ومع الضيق يأتي منه بقدر ما يعلم ، وان لم يعلم شيئا لا يبعد وجوب الجلوس بقدر حمد الله تعالى كما

__________________

(١) ص ٨.

٤٥٤

اختاره الشهيد وقوفا على ظاهر خبر الخثعمي السابق (١) ولو لم يعلم شيئا أصلا لا يبعد وجوب الجلوس أيضا. انتهى.

أقول : قال في الذكرى على اثر العبارة المتقدمة في الفرع الأول : والأقرب وجوب التحميد عند تعذر الترجمة للروايتين السالفتين. انتهى. وأشار بالروايتين السالفتين إلى ما تقدم في الخبر الأول (٢) من قوله «إذا حمدت الله أجزأ عنك». وقوله في الخبر السادس وهو خبر الخثعمي (٣) «إذا جلس الرجل للتشهد فحمد الله أجزأه».

وأنت خبير بان هذين الخبرين غير معمول عليهما عند الأصحاب وشيخنا الشهيد في الكتاب المذكور حيث فهم منهما الاجتزاء بذلك عن التشهد الواجب حملهما على التقية واما على ما حققناه آنفا فهما محمولان على الأذكار المستحبة وانه يجزئ منها ما كان بهذا المقدار ، وأياما كان فلا يتم الاستناد إليهما في هذا الحكم كما لا يخفى.

واما ما ذكره في الذخيرة ـ من انه لو لم يعلم شيئا أصلا فلا يبعد وجوب الجلوس ـ فكأنه بناء على ان الواجب الجلوس والتشهد معا وسقوط أحدهما لتعذره لا يسقط وجوب الآخر كما صرحوا به في أمثال هذه المواضع. وفيه انه وان تراءى منه بحسب الظاهر صحة ما ذكروه إلا ان بناء الأحكام الشرعية على مثل هذه التعليلات العقلية لا يخلو من مجازفة كما تقدمت الإشارة إليه في غير موضع.

(الرابع) ـ قال في الذكرى : وعبارة الصلاة في الأشهر «اللهم صل على محمد وآل محمد» وسبق في رواية سماعة «صلى‌الله‌عليه‌وآله» (٤) فيمكن اختصاصه بحال الضرورة كما تضمنته الرواية ويمكن اجزاؤه لحصول مسمى الصلاة. انتهى.

أقول : قد تقدم في المورد الأول في الرواية الرابعة الصلاة بصيغة «اللهم صل على محمد وآل محمد» ومثله في المورد الثاني في موثقة أبي بصير في التشهد الأول والثاني وفي عبارة كتاب الفقه الرضوي في التشهد الثاني وان كانت هاتان الروايتان الأخيرتان

__________________

(١ و ٢ و ٣) ص ٤٤١.

(٤) ارجع إلى الاستدراكات.

٤٥٥

مشتملتين على جملة من المستحبات زيادة على اللفظ المذكور.

وقد روى الكليني في الصحيح أو الحسن عن عمر بن أذينة في حديث طويل يتضمن المعراج وبدو الصلاة وحكاية صلاته (ص) بالملائكة والنبيين (١) قال فيه في حكاية التشهد : «ثم اوحى الله اليه يا محمد (صلى‌الله‌عليه‌وآله) صل على نفسك وعلى أهل بيتك فقال صلى الله علي وعلى أهل بيتي وقد فعل. ثم التفت فإذا بصفوف من الملائكة والمرسلين والنبيين فقيل يا محمد سلم عليهم فقال السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. الخبر».

وبالجملة فان الواجب هي الصلاة عليه وآله وهي كما تحصل بالجملة الإنشائية تحصل بالجملة الخبرية المراد بها الإنشاء كما سيأتي تحقيقه قريبا ان شاء الله إلا ان الأحوط هو الإتيان بلفظ «اللهم صل على محمد وآل محمد» لوروده في أكثر الأخبار.

(المورد الثالث) ـ الأظهر الأشهر اضافة الصلاة على النبي وآله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) إلى التشهد واقتصر في المقنع على الشهادتين ولم يذكر الصلاة على النبي وآله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) ثم قال : وادنى ما يجزئ من التشهد ان يقول الشهادتين أو يقول «بسم الله وبالله.» ثم يسلم ، نقل ذلك في الذكرى ، ونقل عن والده في الرسالة انه لم يذكر الصلاة على النبي وآله في التشهد الأول ، ثم قال والقولان شاذان لا يعدان ويعارضهما إجماع الإمامية على الوجوب.

أقول : وظاهر الصدوق في الفقيه أيضا عدم وجوب الصلاة في التشهد حيث قال : إذا رفعت رأسك من السجدة الثانية فتشهد وقل : «بسم الله وبالله والحمد لله والأسماء الحسنى كلها لله اشهد ان لا إله إلا الله وحده لا شريك له واشهد ان محمدا (صلى‌الله‌عليه‌وآله) عبده ورسوله أرسله بالحق بشيرا ونذيرا بين يدي الساعة» ثم انهض إلى الثالثة.

وقال ابن الجنيد : تجزئ الشهادتان إذا لم تخل الصلاة من الصلاة على محمد وآل محمد في أحد التشهدين.

__________________

(١) الفروع ج ١ «النوادر» آخر كتاب الصلاة وفي الوسائل الباب ١ من أفعال الصلاة.

٤٥٦

قال في المدارك : واستدل عليه من طريق الأصحاب بما رواه الشيخ في الصحيح عن أبي بصير وزرارة (١) قالا «قال أبو عبد الله (عليه‌السلام) من تمام الصوم إعطاء الزكاة كما ان الصلاة على النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) من تمام الصلاة لأنه من صام ولم يؤد الزكاة فلا صوم له إذا تركها متعمدا ولا صلاة له إذا ترك الصلاة على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله». وقد يقال ان أقصى ما تدل عليه الرواية وجوب الصلاة على النبي وآله في الصلاة اما كونها في كل من التشهدين فلا ، على ان هذا التشبيه ربما اقتضى توجه النفي إلى الفضيلة والكمال لا إلى الصحة للإجماع على عدم توقف صحة الصوم على إخراج الزكاة. انتهى.

أقول : روى الصدوق في كتاب ثواب الأعمال بسنده عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) (٢) قال : «إذا صلى أحدكم ولم يصل على النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) سلك بصلاته غير سبيل الجنة». وروى مثله في كتاب المجالس (٣) ورواه في الكافي أيضا (٤) وفيه «إذا صلى أحدكم ولم يذكر النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) يسلك بصلاته غير سبيل الجنة».

وحينئذ فلقائل أن يقول لا ريب ان هذه الأخبار قد دلت على وجوب الصلاة على النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) في الصلاة وان من تركها عمدا فلا صلاة له ، وليست دلالتها على الوجوب باعتبار الأمر فيها بالصلاة حتى يمكن ان يقال في الجواب ان الأمر بذلك يتأدى بالإتيان بها في أي جزء من الصلاة فلا يدل على وجوبها في التشهد بخصوصه بل دلالتها انما هو بالاشعار والأخبار وان الشارع قد جعلها من اجزاء الصلاة الواجبة وان الصلاة تبطل بتركها عمدا كما تبطل بترك سائر الأجزاء الواجبة كذلك. وهذه الأخبار وان كانت مجملة بالنسبة إلى تعيين محلها من الصلاة وبيان موقعها إلا أنا لما رجعنا إلى أفعال الصلاة المفهومة من الأخبار والمعدودة فيها لم نجد لها موضعا نص الشارع على ذكرها

__________________

(١ و ٢ و ٣ و ٤) الوسائل الباب ١٠ من التشهد.

٤٥٧

فيه إلا في التشهد كما ورد في رواية عبد الملك بن عمرو (١) وغيرها من الروايات المذكورة في المقام.

وغاية ما طعن به الخصم على تلك الروايات انها قد اشتملت على جملة من المستحبات فيحتمل ان تكون الصلاة من تلك الجملة فلا تكون صريحة في الوجوب.

ونحن نقول انه بمعونة هذه الروايات الدالة على جزئيتها من الصلاة يجب الحكم بوجوبها وجزئيتها في هذا الموضع لأن الشارع كما عرفت قد أخبرنا بجزئيتها وحينئذ فلا يجوز ان تخلو الصلاة منها ونحن لم نجد ذكره لها إلا في هذا الموضع فيتعين الحمل عليه البتة ولا يبقى لاحتمال الاستحباب هنا مجال. ونحن لم نستدل على وجوبها بمجرد هذه الروايات التي وردت مشتملة على التشهد بجميع المستحبات فيه حتى يتطرق اليه ما ذكروه من الاحتمال. وهذا بحمد الله سبحانه ظاهر لا ستر عليه ولا يأتيه النقض من خلفه ولا من بين يديه.

ثم أقول : ومن الأدلة الظاهرة في الوجوب ما رواه في الكافي في الصحيح أو الحسن بإبراهيم بن هاشم في حديث طويل في المعراج (٢) قال فيه في الجلوس في الركعة الثانية : «يا محمد (صلى‌الله‌عليه‌وآله) إذا ما أنعمت عليك فسم باسمي فالهم ان قال : «بسم الله وبالله ولا إله إلا الله والأسماء الحسنى كلها لله» ثم اوحى الله اليه يا محمد (صلى‌الله‌عليه‌وآله) صل على نفسك وعلى أهل بيتك فقال صلى الله علي وعلى أهل بيتي وقد فعل. ثم التفت فإذا بصفوف من الملائكة والمرسلين والنبيين فقيل يا محمد (صلى‌الله‌عليه‌وآله) سلم عليهم فقال السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. الحديث».

واما المعارضة بأخبار التشهد المشعرة بتمام الصلاة بعده فغير مضر بما ذهبنا اليه وبيناه في المقام ، وذلك فان غرضنا انما هو إثبات الدليل على وجوب الصلاة في التشهد

__________________

(١) ص ٤٤١.

(٢) الفروع ج ١ «النوادر» آخر كتاب الصلاة. وفي الوسائل الباب ١ من أفعال الصلاة.

٤٥٨

ردا على من أنكر وجود الدليل على ذلك واما قيام دليل آخر يعارضه فيصير من قبيل تعارض الدليلين في حكم من الأحكام وهو خارج عن محل البحث.

واما قوله في المدارك ـ : «على ان هذا التشبيه ربما اقتضى توجه النفي إلى الفضيلة والكمال. إلخ» ـ

ففيه (أولا) ان التشبيه لا يجب ان يكون من كل وجه. و (ثانيا) ان كونها في المشبه كذلك لا يوجب كونها في المشبه به على نحوه ، نعم لو كان الواقع في الرواية هو العكس اعني تشبيه الصلاة على النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) في الصلاة بالزكاة مع الصوم يتجه ما ذكره فإنك إذا قلت «زيد كالأسد» يعني في الشجاعة فان المبالغة والتجوز انما هو في جانب المشبه واما في جانب المشبه به فهو على الحقيقة.

على ان الفاضل المحدث الشيخ محمد بن الحسن الحر العاملي (قدس‌سره) في الوسائل نقل عن الصدوق في الفقيه (١) صحيحة زرارة وأبي بصير بما هذه صورته قال : «ان الصلاة على النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) من تمام الصلاة ولا صلاة له إذا ترك الصلاة على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله». وذكر انه اقتطعه من حديث طويل ، وظني إني وقفت عليه في الكتاب المذكور حين قرأ بعض الاخوان علي الكتاب المذكور ولكن لا يحضرني موضعه الآن وهو اما ان يكون رواية لتلك الصحيحة بنحو آخر أو يكون حديثا آخر ، وأياما كان فهو ظاهر في المراد عار عن وصمة الإيراد ويعضده الخبران المتقدمان. وبذلك يظهر لك قوة القول المشهور وانه المؤيد المنصور. ولا تكاد تقع على أمثال هذه التحقيقات في غير كتبنا وزبرنا وله سبحانه المنة والحمد على مزيد إفضاله

__________________

(١) الوسائل الباب ١٠ من التشهد رقم (١) وقد نقل صحيحة زرارة وأبي بصير بالمتن المتقدم عن الشيخ ص ٤٥٧ في نفس الباب برقم (٢) ولم ينقلها عن الفقيه مع ان الصدوق رواها فيه في ج ٢ ص ١١٩ من الطبع الحديث وقد نقلها عنه في الوسائل في الباب (١) من زكاة الفطرة.

٤٥٩

تذييل جليل وتكميل نبيل

هل تجب الصلاة على النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) حيثما ذكر أم تستحب؟ المشهور الثاني بل نقل العلامة في المنتهى والمحقق في المعتبر الإجماع عليه ، قالا في الكتابين المذكورين : لا يقال ذهب الكرخي إلى وجوبها في غير الصلاة في العمر مرة واحدة وقال الطحاوي كلما ذكر (١) قلنا الإجماع سبق الكرخي والطحاوي فلا عبرة بتخريجهما. قال في الذخيرة ولم اطلع على مصرح بالوجوب من الأصحاب إلا ان صاحب كنز العرفان ذهب إلى ذلك ونقله عن ابن بابويه واليه ذهب الشيخ البهائي في مفتاح الفلاح. وللعلامة هنا أقوال مختلفة ، قال في الكشاف (٢) : الصلاة على رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) واجبة وقد اختلفوا فمنهم من أوجبها كلما جرى ذكره ، وفي الحديث «من ذكرت عنده فلم يصل علي فدخل النار فأبعده الله». وروى «انه قيل يا رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) أرأيت قول الله تعالى (إِنَّ اللهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ) (٣) فقال هذا من العلم المكنون ولو لا أنكم سألتموني عنه ما أخبرتكم به ، ان الله وكل بي ملكين فلا اذكر عند عبد مسلم فيصلي علي إلا قال ذلك الملكان غفر الله لك وقال الله وملائكته جوابا لذينك الملكين «آمين» ولا اذكر عند عبد مسلم فلا يصلى علي إلا قال ذلك الملكان لا غفر الله لك وقال الله وملائكته لذينك الملكين «آمين». ومنهم من قال تجب في كل مجلس مرة وان تكرر ذكره كما قيل في آية السجدة وتسميت العاطس وكذلك في كل دعاء في اوله وآخره ، ومنهم من أوجبها في العمر مرة وكذا قال في إظهار الشهادتين والذي يقتضيه الاحتياط الصلاة عليه عند كل ذكر لما ورد من الأخبار. انتهى. قال الفاضل الخراساني في الذخيرة بعد الكلام في المسألة وذكر كلام صاحب

__________________

(١) فتح الباري ج ١١ ص ١١٨.

(٢) ج ٣ ص ٢٤٥.

(٣) سورة الأحزاب الآية ٥٦.

٤٦٠