الحدائق الناضرة - ج ٨

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]

الحدائق الناضرة - ج ٨

المؤلف:

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]


المحقق: محمّد تقي الإيرواني
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥٤٤

بينهم من أصالة عدم تداخل الأسباب ، وقد عرفت في مسألة تداخل الأغسال من كتاب الطهارة ما يبطل هذا الأصل للأحبار الكثيرة الدالة على انه إذا اجتمعت عليك حقوق أجزأك عنها حق واحد (١) واما خبر محمد بن مسلم الذي استند اليه فلا دلالة فيه على ما ادعاه ، إذ غاية ما يدل عليه انه متى قرأ السجدة وجب عليه السجود تحقيقا للفورية التي لا خلاف فيها ، واما انه لو قرأ مرارا متعددة من غير تخلل السجود فهل الواجب عليه سجدة واحدة أو سجدات متعددة بعدد القراءة فلا دلالة في الخبر عليه. والله العالم

(المقام الثاني) ـ في سجدة الشكر وهي مستحبة عقيب الصلاة شكرا على التوفيق لأدائها ، قال في التذكرة انه مذهب علمائنا اجمع خلافا للجمهور (٢).

ويدل عليه من الأخبار ما يكاد يبلغ حد التواتر المعنوي ، ومنها ما رواه الشيخ وابن بابويه في الصحيح عن مرازم عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) (٣) قال : «سجدة الشكر واجبة على كل مسلم تتم بها صلاتك وترضى بها ربك وتعجب الملائكة ، منك وان العبد إذا صلى ثم سجد سجدة الشكر فتح الرب تبارك وتعالى الحجاب بين العبد والملائكة فيقول يا ملائكتي انظروا إلى عبدي أدى فرضي وأتم عهدي ثم سجد لي شكرا على ما أنعمت به عليه ، ملائكتي ما ذا له عندي؟ قال فتقول الملائكة يا ربنا رحمتك. ثم يقول الرب تبارك وتعالى ثم ما ذا له؟ فتقول الملائكة يا ربنا جنتك. فيقول الرب تبارك وتعالى ثم ما ذا له؟ فتقول الملائكة يا ربنا كفاية مهمه. فيقول الله تبارك وتعالى. ثم ما ذا؟ فلا يبقى شي‌ء من الخير إلا قالته الملائكة فيقول الله تبارك وتعالى يا ملائكتي ثم ما ذا؟ فتقول الملائكة ربنا لا علم لنا. قال فيقول الله تبارك وتعالى اشكر له كما شكر لي واقبل

__________________

(١) الوسائل الباب ٤٣ من غسل الجنابة.

(٢) في الفقه على المذاهب الأربعة ج ١ ص ٤٢٥ «المالكية قالوا سجدة الشكر مكروهة. الحنفية قالوا سجدة الشكر مستحبة ويكره الإتيان بها عقب الصلاة لئلا يتوهم العامة انها سنة أو واجبة».

(٣) الوسائل الباب ١ من سجدتي الشكر.

٣٤١

إليه بفضلي وأريه وجهي».

أقول : في التهذيب (١) «رحمتي» مكان «وجهي» وقال في الفقيه (٢) : من وصف الله تعالى ذكره بالوجه كالوجوه فقد كفر وأشرك ووجهه أنبياؤه وحججه (صلوات الله عليهم) وهم الذين يتوجه بهم الإنسان إلى الله عزوجل وإلى معرفته ومعرفة دينه ، والنظر إليهم في يوم القيامة ثواب عظيم يفوق كل ثواب.

وروى الشيخ في التهذيب والصدوق في الفقيه عن إسحاق بن عمار (٣) قال : «سمعت أبا عبد الله (عليه‌السلام) يقول كان موسى بن عمران إذا صلى لم ينفتل حتى يلصق خده الأيمن بالأرض وخده الأيسر بالأرض».

وروى في الفقيه مرسلا (٤) قال : «قال أبو جعفر (عليه‌السلام) اوحى الله تعالى إلى موسى بن عمران أتدري لما اصطفيتك بكلامي دون خلقي؟ قال موسى لا يا رب. قال يا موسى اني قلبت عبادي ظهرا وبطنا فلم أجد منهم أحدا أذل نفسا لي منك يا موسى انك إذا صليت وضعت خديك على التراب».

وروى في الكافي عن جعفر بن علي (٥) قال : «رأيت أبا الحسن (عليه‌السلام) وقد سجد بعد الصلاة فبسط ذراعيه على الأرض وألصق جؤجؤه بالأرض في دعائه». أقول الجؤجؤ كهدهد ، الصدر.

وعن عبد الرحمن بن خاقان (٦) قال : «رأيت أبا الحسن الثالث (عليه‌السلام) سجد سجدة الشكر فافترش ذراعيه وألصق صدره وبطنه بالأرض فسألته عن ذلك فقال كذا نحب».

وفي الكافي والفقيه عن ابن جندب (٧) قال : «سألت أبا الحسن الماضي (عليه

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ١ من سجدتي الشكر.

(٣ و ٤) الوسائل الباب ٣ من سجدتي الشكر.

(٥ و ٦) الوسائل الباب ٤ من سجدتي الشكر.

(٧) الفروع ج ١ ص ٩٠ والفقيه ج ١ ص ٢١٧ والوسائل الباب ٦ من سجدتي الشكر.

٣٤٢

السلام) عما أقول في سجدة الشكر فقد اختلف أصحابنا فيه؟ فقال قل وأنت ساجد اللهم إني أشهدك وأشهد ملائكتك وأنبياءك ورسلك وجميع خلقك انك أنت الله ربي والإسلام ديني ومحمد نبيي وفلان وفلان إلى آخرهم أئمتي بهم أتولى ومن عدوهم أتبرّأ. اللهم إني أنشدك دم المظلوم (ثلاثا) وزاد في الفقيه «اللهم إني أنشدك بإيوائك على نفسك لأعدائك لتهلكنهم بأيدينا وأيدي المؤمنين» ثم اشترك الكتابان في قوله بعد ذلك «اللهم إني أنشدك بإيوائك على نفسك لأوليائك لتظفرنهم على عدوك وعدوهم ان تصلي على محمد وعلى المستحفظين من آل محمد» في الفقيه (ثلاثا) ثم اشتركا «اللهم إني أسألك اليسر بعد العسر (ثلاثا) ثم ضع خدك الأيمن على الأرض وتقول : يا كهفي حين تعييني المذاهب وتضيق على الأرض بما رحبت ويا بارئ خلقي رحمة بي وقد كنت عن خلقي غنيا صل على محمد وعلى المستحفظين من آل محمد ، ثم ضع خدك الأيسر وتقول : يا مذل كل جبار ويا معز كل ذليل قد وعزتك بلغ مجهودي (ثلاثا) ثم تقول : يا حنان يا منان يا كاشف الكرب العظام (ثلاثا) ثم تعود للسجود فتقول مائة مرة «شكرا شكرا» ثم تسأل حاجتك ان شاء الله تعالى».

قال في الوافي (١) صرح في الفقيه بأسماء الأئمة (عليهم‌السلام) هكذا : وعلي امامي والحسن والحسين وعلي بن الحسين ومحمد بن علي وجعفر بن محمد وموسى بن جعفر وعلي بن موسى ومحمد بن علي وعلي بن محمد والحسن بن علي والحجة ابن الحسن بن علي أئمتي. ومعنى أنشدك «أسألك بالله» من النشد والمراد هنا أسألك بحقك أن تأخذ بدم المظلوم يعني الحسين (عليه‌السلام) وتنتقم من قاتليه وممن أسس أساس الظلم عليه وعلى أبيه وعلى أخيه (صلوات الله عليهم). والإيواء بالمثناة التحتانية والمد : العهد ، والمستحفظين بصيغة الفاعل أو المفعول بمعنى استحفظوا الإمامة أي حفظوها أو استحفظهم الله تعالى إياها. «يا كهفي حين تعييني المذاهب» اي يا ملجأي حين تعييني مسالكي إلى الخلق وتردداني إليهم في

__________________

(١) باب سجود الشكر.

٣٤٣

تحصيل بغيتي وتدبير أموري و «تعييني» بيائين مثناتين من تحت من الإعياء أو بنونين أولهن مشددة وبينهما مثناة تحتانية من التعنية بمعنى الإيقاع في العناء. «بِما رَحُبَتْ» اي بسعتها وما مصدرية.

وروى في الكافي عن سليمان بن حفص (١) قال : «كتبت إلى أبي الحسن (عليه‌السلام) في سجدة الشكر فكتب الي مائة مرة شكرا شكرا وان شئت عفوا عفوا».

وعن محمد بن سليمان عن أبيه (٢) قال : «خرجت مع أبي الحسن موسى بن جعفر (عليه‌السلام) الى بعض أمواله فقام إلى صلاة الظهر فلما فرغ خر لله ساجدا فسمعته يقول بصوت حزين وتغرغر دموعه : رب عصيتك بلساني ولو شئت وعزتك لأخرستني وعصيتك ببصري ولو شئت وعزتك لأكمهتني وعصيتك بسمعي ولو شئت وعزتك لأصممتني وعصيتك بيدي ولو شئت وعزتك لكنعتني وعصيتك برجلي ولو شئت وعزتك لجذمتني وعصيتك بفرجي ولو شئت وعزتك لعقمتني وعصيتك بجميع جوارحي التي أنعمت بها علي وليس هذا جزاؤك مني. قال ثم أحصيت له ألف مرة وهو يقول العفو العفو ، قال ثم ألصق خده الأيمن بالأرض فسمعته وهو يقول بصوت حزين : بؤت إليك بذنبي عملت سوء وظلمت نفسي فاغفر لي فإنه لا يغفر الذنوب غيرك يا مولاي «ثلاث مرات» ثم ألصق خده الأيسر بالأرض فسمعته يقول : ارحم من أساء واقترف واستكان واعترف (ثلاث مرات) ثم رفع رأسه».

وروى في التهذيب في الصحيح وكذا في الفقيه عن سعد بن سعد الأشعري عن أبي الحسن الرضا (عليه‌السلام) (٣) قال : «سألته عن سجدة الشكر فقال اي شي‌ء سجدة الشكر؟ فقلت له ان أصحابنا يسجدون بعد الفريضة سجدة واحدة ويقولون هي سجدة الشكر. فقال ان الشكر إذا أنعم الله على عبد النعمة أن يقول : (سُبْحانَ الَّذِي

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ٦ من سجدتي الشكر.

(٣) الوسائل الباب ١ من سجدتي الشكر.

٣٤٤

سَخَّرَ لَنا هذا وَما كُنّا لَهُ مُقْرِنِينَ وَإِنّا إِلى رَبِّنا لَمُنْقَلِبُونَ) (١) والحمد لله رب العالمين».

وروى الطبرسي في كتاب الاحتجاج في ما كتبه الحميري إلى القائم (عليه‌السلام) (٢) «يسأله عن سجدة الشكر بعد الفريضة فإن بعض أصحابنا ذكر أنها بدعة فهل يجوز ان يسجدها الرجل بعد الفريضة؟ وان جاز ففي صلاة المغرب هي بعد الفريضة أو بعد الأربع ركعات النافلة؟ فأجاب (عليه‌السلام) سجدة الشكر من الزم السنن وأوجبها ولم يقل ان هذه السجدة بدعة إلا من أراد ان يحدث في دين الله بدعة. واما الخبر المروي فيها بعد صلاة المغرب. الحديث». وقد تقدم في المقدمة الثانية من مقدمات هذا الكتاب (٣).

وروى الصدوق في كتاب المجالس (٤) بسنده عن أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) قال : «بينا رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) يسير مع بعض أصحابه في بعض طرق المدينة إذ ثنى رجله عن دابته ثم خر ساجدا فأطال ثم رفع رأسه فعاد ثم ركب فقال له أصحابه يا رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) رأيناك ثنيت رجلك عن دابتك ثم سجدت فاطلت السجود؟ فقال ان جبرئيل (عليه‌السلام) أتاني فأقرأني السلام من ربي وبشرني انه لن يخزيني في أمتي فلم يكن لي مال فأتصدق به ولا مملوك فأعتقه فأحببت أن أشكر ربي عزوجل».

وروى الصدوق في العلل وفي العيون في الموثق عن علي بن الحسن بن فضال عن أبيه عن أبي الحسن الرضا (عليه‌السلام) (٥) قال : «السجدة بعد الفريضة شكر لله تعالى على ما وفق له العبد من أداء فرضه ، وادنى ما يجزئ فيها من القول ان يقول شكرا لله شكرا لله

__________________

(١) سورة الزخرف ، الآية ١٢.

(٢) الوسائل الباب ٣١ من التعقيب.

(٣) ج ٦ ص ٦٠.

(٤) ص ٣٠٤ المجلس ٧٦ وفي الوسائل الباب ٧ من سجدتي الشكر.

(٥) الوسائل الباب ١ من سجدتي الشكر.

٣٤٥

شكرا لله (ثلاث مرات) قلت فما معنى قوله شكرا لله؟ قال : يقول هذه السجدة مني شكر لله عزوجل على ما وفقني له من خدمته وأداء فرضه والشكر موجب للزيادة فإن كان في الصلاة تقصير لم يتم بالنوافل تم بهذه السجدة».

وروى الشيخ أبو علي بن شيخنا الطوسي في كتاب المجالس بسنده عن جميل عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (١) قال : «اوحى الله تعالى إلى موسى بن عمران أتدري يا موسى لم انتجبتك من خلقي واصطفيتك لكلامي؟ فقال لا يا رب. فأوحى الله اليه اني اطلعت إلى الأرض فلم أجد عليها أشد تواضعا لي منك فخر موسى ساجدا وعفر خديه في التراب تذللا منه لربه عزوجل فأوحى الله اليه ان ارفع رأسك يا موسى وأمر يدك في موضع سجودك وامسح بها وجهك وما نالته من بدنك فإنه أمان من كل سقم وداء وآفة وعاهة».

وروى في كتاب العلل بسنده عن جابر بن يزيد الجعفي (٢) قال : «قال أبو جعفر محمد بن علي الباقر (عليه‌السلام) ان أبي علي بن الحسين ما ذكر لله نعمة عليه إلا سجد ولا قرأ آية من كتاب الله عزوجل فيها سجود إلا سجد ولا دفع الله عنه سوء يخشاه أو كيد كائد إلا سجد ولا فرغ من صلاة مفروضة إلا سجد ولا وفق لإصلاح بين اثنين إلا سجد ، وكان اثر السجود في جميع مواضع سجوده فسمى السجاد لذلك».

أقول : وفي هذا المقام فوائد يحسن التنبيه عليها ويهش خاطر الذاكر الشاكر إليها

(الاولى) ـ قد أنكر هذه السجدة بعد الصلاة العامة وشددوا في إنكارها مع ورودها في اخبارهم (٣) والظاهر ان السبب في ذلك مراغمة الشيعة (٤) حيث شددوا في استحبابها والملازمة عليها كما استفاضت به اخبارهم ، وعلى ذلك يحمل صحيح سعد بن

__________________

(١) الوسائل الباب ٥ من سجدتي الشكر.

(٢) الوسائل الباب ٧ من سجدتي الشكر.

(٣) لم نعثر على خبر من طرقهم يدل على السجود بعد الصلاة وقد تقدم في التعليقة (٢) ص ٣٤١ ان المالكية كرهوا سجدة الشكر مطلقا والحنفية كرهوا سجدة الشكر بعد الصلاة.

(٤) ارجع إلى ج ٤ ص ١٢٤ التعليقة ١ فإنك تجد هناك ما يؤيد كلامه (قدس‌سره).

٣٤٦

سعد المتقدم عن الرضا (عليه‌السلام) المتضمن لإنكارها فإنه إنما خرج مخرج التقية كما ينادي به الخبر الذي بعده بلا فصل.

وهي بعد تمام التعقيب والفراغ منه كما ينادي به ما رواه الصدوق (١) «ان الكاظم (عليه‌السلام) كان يسجد بعد ما يصلي الفجر فلا يرفع رأسه حتى يتعالى النهار».

(الثانية) ـ يستحب فيها ان يفترش ذراعيه ويلصق صدره بالأرض كما تقدم في رواية جعفر بن علي ، وفي رواية عبد الرحمن بن خاقان (٢) و «بطنه» أيضا.

(الثالثة) ـ يستحب فيها تعفير الخدين وهو وضعهما على العفر الذي هو التراب ، وقد تقدم في خبر إسحاق بن عمار (٣) نقلا عن موسى بن عمران ومثله اخبار أخر غيره أيضا مما ذكرنا هنا وما لم نذكره.

وقد ذكر جملة من الأصحاب : منهم ـ الشهيدان والسيد في المدارك استحباب تعفير الجبينين أيضا وهما المكتنفان للجبهة. واستدل عليه في المدارك بالخبر المشهور في ان من علامات المؤمن خمسا ، وعد منها تعفير الجبين (٤).

وعندي في ذلك إشكال إذا لم أقف في اخبار السجود على تعددها وكثرتها على ما يدل عليه ، والاستدلال بهذا الخبر على ذلك غير ظاهر إذ من المحتمل بل هو الظاهر ان المراد بالجبين هو الجبهة كما مر نظيره في باب التيمم من كثرة هذا الإطلاق في الأخبار ويؤيده التعبير في الخبر بالجبين مفردا والمراد حينئذ انما هو استحباب السجود على الأرض. وجعل ذلك من علامات المؤمن من حيث ان المخالفين لا يرون استحباب سجدة الشكر كما عرفت (٥) كما جعل (عليه‌السلام) من جملة ذلك التختم باليمين

__________________

(١) الوسائل الباب ٢ من سجدتي الشكر.

(٢ و ٣) ص ٣٤٢.

(٤) رواه الشيخ في التهذيب ج ٢ ص ١٧ وقد تقدم في الصفحة ١٦٧ ما يتعلق به.

(٥) التعليقة (٢) ص ٣٤١.

٣٤٧

ردا على المخالفين الذين يستحبون التختم باليسار (١) ومثله الجهر ببسم الله الرحمن الرحيم في مواضع إخفات القراءة فإنه في مقام الرد عليهم كما تقدم ذكره في المسألة المذكورة وأيضا فإنه لا دلالة في الخبر المذكور على انه بعد السجود أو لا ليحصل به الفصل بين السجدتين وتعددهما كما ذكروه قياسا على تعفير الخدين فان الخبر لا يدل على ذلك كما لا يخفى. وبالجملة فإن فهم ما ذكروه من هذه الرواية في غاية من الخفاء والاشكال إلا ان يكون لهم خبر آخر ولم يوردوه ولم أقف عليه في اخبار السجود ، والذي صرحوا به دليلا لهذا الحكم انما هو هذه الرواية كما في المسالك والمدارك وغيرهما والحال كما ترى.

(الرابعة) ـ قد دل خبر جميل المروي في كتاب مجالس الشيخ أبي علي على استحباب وضع اليد بعد السجود على محل السجود وان يمسح بها وجهه وما نالته من بدنه وان لم يكن به علة ولا مرض لدفع ما عساه يعرض من الأمراض في هذه الأماكن.

وقد روى في كتاب مكارم الأخلاق عن إبراهيم بن عبد الحميد (٢) «ان الصادق (عليه‌السلام) قال لرجل إذا أصابك هم فامسح يدك على موضع سجودك ثم أمر يدك على وجهك من جانب خدك الأيسر وعلى جبهتك إلى جانب خدك الأيمن ثم قل بسم الله الذي لا إله إلا هو عالم الغيب والشهادة الرحمن الرحيم اللهم أذهب عني الهم والحزن (ثلاثا)».

وقال شيخنا المفيد (عطر الله مرقده) في المقنعة : يضع باطن كفه الأيمن موضع سجوده ثم يرقعها فيمسح بها وجهه من قصاص شعر رأسه إلى صدغيه ثم يمرها على باقي وجهه ويمرها على صدره فان ذلك سنة وفيه شفاء ان شاء الله تعالى ، وقد روى عن

__________________

(١) راجع رسالة «يوم الأربعين عند الحسين ع» للعلامة الحجة السيد عبد الرزاق المقرم ومقتل الحسين «ع» له أيضا ص ٤٤٢ الطبعة الثانية فقد نقل من كتب الحنابلة والحنفية والمالكية ترك الجهر بالبسملة ومن كتب المالكية استحباب ان يكون التختم باليسار وكان البغوي من الشافعية يقول آخر الأمرين التختم باليسار.

(٢) البحار ج ١٨ الصلاة ص ٤٧٨.

٣٤٨

الصادقين (عليهم‌السلام) (١) انهم قالوا «ان العبد إذا سجد امتد من عنان السماء عمود من نور إلى موضع سجوده فإذا رفع أحدكم رأسه من السجود فليمسح بيده موضع سجوده ثم يمسح بها وجهه وصدره فإنه لا تمر بداء إلا نقته ان شاء الله تعالى». انتهى.

وقال في الذكرى : يستحب إذا رفع رأسه منها ان يمسح يده على موضع سجوده ثم يمرها على وجهه من جانب خده الأيسر وعلى جبهته إلى جانب خده الأيمن ويقول بسم الله. الدعاء كما تقدم. ثم قال ورواه الصدوق عن إبراهيم بن عبد الحميد عن الصادق (عليه‌السلام) (٢) فإنه يدفع الهم قال وفي مرفوع اليه (عليه‌السلام) (٣) «إذا كان بك داء من سقم أو وجع فإذا قضيت صلاتك فامسح بيدك على موضع سجودك من الأرض وادع بهذا الدعاء وأمر يدك على موضع وجعك (سبع مرات) تقول : يا من كبس الأرض على الماء وسد الهواء بالسماء واختار لنفسه أحسن الأسماء صل على محمد وآل محمد وافعل بي كذا وكذا وارزقني كذا وكذا وعافني من كذا وكذا».

(الخامسة) ـ قال في الذكرى : ليس في سجود الشكر تكبير الافتتاح ولا تكبير السجود ولا رفع اليدين ولا تشهد ولا تسليم ، وهل يستحب التكبير لرفع رأسه من السجود؟ أثبته في المبسوط. وهل يشترط فيه وضع الجبهة على ما يصح السجود عليه في الصلاة؟ في الأخبار السالفة إيماء اليه والظاهر انه غير شرط لقضية الأصل. اما وضع الأعضاء السبعة فمعتبر قطعا ليتحقق مسمى السجود. ويجوز على الراحلة اختيارا لأصالة الجواز. انتهى.

أقول : اما ما ذكره الشيخ في المبسوط من استحباب التكبير للرفع من هذه السجدة فالظاهر انه حمله على سجدة التلاوة كما عرفت من دلالة أخبارها على التكبر للرفع وإلا فأخبار سجدة الشكر على كثرتها لا تعرض فيها لذلك كما لا يخفى على المتتبع.

واما ما اختاره في الذكرى من عدم اشتراط وضع الجبهة على ما يصح السجود عليه

__________________

(١) المقنعة ص ١٧.

(٢ و ٣) الوسائل الباب ٥ من سجدتي الشكر.

٣٤٩

في الصلاة فجيد لقضية الأصل وعدم وجود ما يوجب الخروج عنه. وورود بعض الأخبار بحكاية حال في ذلك لا دلالة فيه على الحصر والاختصاص ، وهذا هو الذي أشار إليه بالإيماء في كلامه.

واما ما اختاره من اشتراط وضع المساجد السبعة لأن به يتحقق مسمى السجود فمحل اشكال لما تقدم في سجود التلاوة من اعترافه بصدق السجود بمجرد وضع الجبهة والأخبار مطلقة وتقييدها بما زاد على وضع الجبهة مع صدق السجود بذلك يحتاج إلى دليل. ودعوى ان السجود لا يتحقق إلا بوضع المساجد السبعة ممنوعة مخالفة لما اعترف به سابقا من صدق ذلك بمجرد وضع الجبهة. قال شيخنا البهائي في كتاب الحبل المتين : وهل يشترط السجود على الأعضاء السبعة أم يكتفى بوضع الجبهة؟ كل محتمل وقطع شيخنا في الذكرى بالأول وعلله بان مسمى السجود يتحقق بذلك. واما وضع الجبهة على ما يصح السجود عليه فالأصل عدم اشتراطه. انتهى. وهو جيد.

(السادسة) قال شيخنا البهائي (عطر الله مرقده) في كتاب الحبل المتين : أطبق علماؤنا (رضوان الله عليهم) على ندبية سجود الشكر عند تجدد النعم ودفع النقم ، وقد روى (١) «ان النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) كان إذا جاءه شي‌ء يسره خر ساجدا». وروى (٢) «انه سجد يوما فأطال فسئل عنه فقال أتاني جبرئيل (عليه‌السلام) فقال من صلى عليك مرة صلى الله عليه عشرا فخررت شكرا لله». وروى (٣) «ان أمير المؤمنين (عليه‌السلام) سجد يوم النهروان شكرا لما وجدوا ذا الثدية قتيلا». وكما يستحب السجود لشكر النعمة المتجددة فالظاهر ـ كما قاله شيخنا في الذكرى ـ انه يستحب عند تذكر النعمة وان لم تكن متجددة ، وقد روى إسحاق بن عمار عن أبي عبد الله

__________________

(١) رواه البيهقي في السنن ج ٢ ص ٣٧٠.

(٢ و ٣) سنن البيهقي ج ٢ ص ٣٧١ باختلاف في الحديث (٢) والوافي في (سجود الشكر).

٣٥٠

(عليه‌السلام) (١) قال : «إذا ذكرت نعمة الله عليك وقد كنت في موضع لا يراك أحد فألصق خدك بالأرض ، وإذا كنت في ملأ من الناس فضع يدك على أسفل بطنك واحن ظهرك وليكن تواضعا لله فان ذلك أحب وترى ان ذلك غمز وجدته في أسفل بطنك». انتهى.

أقول : ومما يعضد ما ذكره ما تقدم في حديث جابر بن يزيد الجعفي عن الباقر (عليه‌السلام) (٢) في حكايته عن أبيه علي بن الحسين (عليه‌السلام) وفيه زيادات على ما ذكروا.

ومنها ـ ما رواه في كتاب ثواب الأعمال عن ذريح المحاربي (٣) قال : «قال أبو عبد الله (عليه‌السلام) أيما مؤمن سجد لله سجدة لشكر نعمة في غير صلاة كتب الله له بها عشر حسنات ومحا عنه عشر سيئات ورفع له عشر درجات في الجنان».

وما رواه في كتاب البصائر عن معاوية بن وهب (٤) قال «كنت مع أبي عبد الله (عليه‌السلام) وهو راكب حماره فنزل وقد كنا صرنا إلى السوق أو قريبا من السوق قال فنزل وسجد وأطال السجود وانا انتظره ثم رفع رأسه قال فقلت جعلت فداك رأيتك نزلت فسجدت؟ قال اني ذكرت نعمة الله علي. قال قلت قرب السوق والناس يجيئون ويذهبون؟ قال انه لم يرني أحد». الى غير ذلك من الأخبار الكثيرة المذكورة في مظانها.

(السابعة) ـ الظاهر من كلام الأصحاب وكذا من الأخبار ان سجود الشكر المندوب إليه يتأدى بالمرة الواحدة وان كان التعدد بالفصل بتعفير الخدين بين السجدتين أفضل ، فإن كثيرا من الأخبار انما اشتمل على سجدة واحدة وجملة منها دلت على التعدد وكذا في كلام الأصحاب ربما عبروا بسجدة الشكر وربما عبروا بسجدتي الشكر والكل منصوص كما عرفت ، والتعدد سيما مع توسط التعفير أفضل البتة.

__________________

(١ و ٣ و ٤) الوسائل الباب ٧ من سجدتي الشكر.

(٢) ص ٣٤٦.

٣٥١

(الثامنة) ـ قد استفاضت الأخبار باستحباب اطالة السجود فروى في الكافي عن زيد الشحام عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) (١) في حديث قال : «ان العبد إذا سجد فأطال السجود نادى إبليس يا ويله أطاعوا وعصيت وسجدوا وأبيت».

وعن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) (٢) قال : «مر بالنبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) رجل وهو يعالج بعض حجراته فقال يا رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) إلا أكفيك؟ قال شأنك. فلما فرغ قال له رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) حاجتك قال الجنة ، فأطرق رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) ثم قال نعم. فلما ولى قال له يا عبد الله أعنا بطول السجود».

وعن عبد الحميد بن أبي العلاء (٣) قال «دخلت المسجد الحرام. ثم ساق الخبر إلى ان قال فإذا أنا بأبي عبد الله (عليه‌السلام) ساجدا فانتظرته طويلا فطال سجوده علي فقمت فصليت ركعات وانصرفت وهو بعد ساجد فسألت مولاه متى سجد؟ فقال من قبل ان تأتينا. فلما سمع كلامي رفع رأسه. الحديث».

وعن الوشاء (٤) قال : «سمعت الرضا (عليه‌السلام) يقول أقرب ما يكون العبد من الله تعالى وهو ساجد وذلك قوله تعالى (وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ)» (٥).

وروى في كتاب العلل عن أبي بصير (٦) قال : «قال أبو عبد الله (عليه‌السلام) يا أبا محمد عليك بطول السجود فان ذلك من سنن الأوابين». الى غير ذلك من الأخبار الكثيرة.

وقد روى الأصحاب (٧) «ان ادنى ما يجزئ في سجدة الشكر (شكرا شكرا) ثلاث مرات». ذكر ذلك الشهيد في الذكرى. وقد ورد في عدة اخبار عن الصادق (عليه‌السلام) (٨) «ان العبد إذا سجد فقال يا رب يا رب حتى ينقطع نفسه قال له الرب

__________________

(١ و ٢ و ٣ و ٤ و ٦) الوسائل الباب ٢٣ من السجود.

(٥) سورة العلق ، الآية ١٩.

(٧) ص ٣٤٥.

(٨) الوسائل الباب ٦ من سجدتي الشكر.

٣٥٢

عزوجل لبيك ما حاجتك».

الفصل السابع في القنوت

وهو لغة الطاعة والسكون والدعاء والقيام في الصلاة والإمساك عن الكلام ، نص على ذلك في القاموس ، وذكر ابن الأثير معاني أخر كالخشوع والصلاة والعبادة والقيام وطول القيام. وقال الجوهري القنوت الطاعة هذا هو الأصل ومنه قوله تعالى (وَالْقانِتِينَ وَالْقانِتاتِ) (١) ثم سمى القيام في الصلاة قنوتا. وقريب منه كلام ابن فارس ، والمراد هنا ذكر مخصوص في موضع معين سواء كان معه رفع اليدين أم لا ، وربما يطلق على الدعاء مع رفع اليدين.

والكلام في هذا الفصل أيضا ينتظم في مسائل (الأولى) المشهور بين الأصحاب استحباب القنوت ، وقال الصدوق في الفقيه انه سنة واجبة من تركه عمدا أعاد. ونقل عن ظاهر ابن أبي عقيل القول بوجوبه في الصلوات الجهرية ، وإلى القول بوجوبه كما هو ظاهر الصدوق مال شيخنا أبو الحسن الشيخ سليمان بن عبد الله البحراني وذكر انه صنف رسالة في القول بالوجوب ولم أقف عليها.

والأصل في هذا الاختلاف اختلاف ظواهر الأخبار الواردة في المسألة ، وينبغي ان يعلم ان روايات المسألة على ثلاثة أقسام ، فمنها ما يدل على القول المشهور ، ومنها ما يدل على القول الآخر ، ومنها ما هو مجمل قابل للحمل على كل من القولين وان كان جملة من المتأخرين قد نظموه في أدلة القول المشهور إلا انه بمحل من القصور كما سيظهر لك ان شاء الله. ولا بد من الإتيان على جميع أخبار المسألة وذكرها ليظهر لك حقيقة الحال فنقول :

(الأول) ـ ما رواه ثقة الإسلام والشيخ في الموثق عن محمد بن

__________________

(١) سورة الأحزاب ، الآية ٣٥.

٣٥٣

مسلم (١) قال «سألت أبا جعفر (عليه‌السلام) عن القنوت في الصلوات الخمس؟ فقال اقنت فيهن جميعا قال : وسألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) بعد ذلك عن القنوت فقال لي اما ما جهرت فيه فلا تشك».

(الثاني) ـ ما رواه في الكافي عن أبي بصير في الموثق (٢) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن القنوت فقال في ما يجهر فيه بالقراءة. قال فقلت له اني سألت أباك عن ذلك فقال في الخمس كلها؟ فقال رحم الله أبي ان أصحاب أبي أوه فسألوه فأخبرهم بالحق ثم أتوني شكاكا فأفتيتهم بالتقية».

(الثالث) ـ ما رواه أيضا عن الحارث بن المغيرة (٣) قال : «قال أبو عبد الله (عليه‌السلام) اقنت في كل ركعتين فريضة أو نافلة قبل الركوع».

(الرابع) ـ ما رواه أيضا عن عبد الرحمن بن الحجاج في الصحيح عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٤) قال : «سألته عن القنوت فقال في كل صلاة فريضة ونافلة».

(الخامس) ـ ما رواه أيضا في الصحيح عن وهب بن عبد ربه عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) (٥) قال : «من ترك القنوت رغبة عنه فلا صلاة له».

(السادس) ـ ما رواه في الكافي والتهذيب أيضا في الصحيح عن زرارة عن ابي جعفر (عليه‌السلام) (٦) قال : «القنوت في كل صلاة في الركعة الثانية قبل الركوع».

(السابع) ـ ما رواه في الكافي عن محمد بن مسلم (٧) قال : «القنوت في كل صلاة في الفريضة والتطوع».

(الثامن) ـ ما رواه في التهذيب عن وهب في الصحيح عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) (٨) قال : «القنوت في الجمعة والعشاء والعتمة والوتر والغداة فمن ترك القنوت رغبة عنه فلا صلاة له».

أقول : المراد بالعشاء هنا المغرب.

__________________

(١ و ٢ و ٣ و ٤ و ٥ و ٧) الوسائل الباب ١ من القنوت.

(٦) الوسائل الباب ٣ من القنوت.

(٨) الوسائل الباب ٣ من القنوت.

٣٥٤

(التاسع) ـ ما رواه في التهذيب في الموثق والفقيه في الصحيح عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه‌السلام) (١) قال : «القنوت في كل ركعتين في التطوع والفريضة». وفي التهذيب (٢) زيادة على ذلك : قال الحسن وأخبرني عبد الله بن بكير عن زرارة عن ابي جعفر (عليه‌السلام) قال : «القنوت في كل الصلوات». قال محمد بن مسلم فذكرت ذلك لأبي عبد الله (عليه‌السلام) فقال : «اما ما لا يشك فيه فما جهر فيه بالقراءة».

(العاشر) ـ ما رواه الصدوق في كتاب الخصال بسنده فيه عن الأعمش عن الصادق (عليه‌السلام) (٣) قال : «القنوت في جميع الصلوات سنة واجبة في الركعة الثانية قبل الركوع وبعد القراءة. وقال فرائض الصلاة سبع : الوقت والطهور والتوجه والقبلة والركوع والسجود والدعاء».

أقول : هذا ما يمكن الاستدلال به للقول بالوجوب من الأخبار.

(الحادي عشر) ـ ما رواه الشيخ عن عبد الملك بن عمرو (٤) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن القنوت قبل الركوع أو بعده؟ قال لا قبله ولا بعده».

(الثاني عشر) ـ ما رواه في الصحيح عن سعد بن سعد عن أبي الحسن الرضا (عليه‌السلام) (٥) قال : «سألته عن القنوت هل يقنت في الصلوات كلها أم في ما يجهر فيها بالقراءة؟ قال ليس القنوت إلا في الغداة والجمعة والوتر والمغرب».

(الثالث عشر) ـ ما رواه عن يونس بن يعقوب في الموثق (٦) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن القنوت في أي الصلوات اقنت؟ فقال لا تقنت إلا في الفجر».

(الرابع عشر) ـ ما رواه عن احمد بن محمد بن أبي نصر عن أبي الحسن الرضا (عليه

__________________

(١) الوسائل الباب ١ و ٢ من القنوت.

(٢ و ٥ و ٦) الوسائل الباب ٢ من القنوت.

(٣) الوسائل الباب ١ من القنوت و ١ من أفعال الصلاة.

(٤) الوسائل الباب ٤ من القنوت.

٣٥٥

السلام) (١) قال : «قال أبو جعفر (عليه‌السلام) في القنوت ان شئت فاقنت وان شئت لا تقنت. قال أبو الحسن (عليه‌السلام) وإذا كان التقية فلا تقنت وانا أتقلد هذا».

(الخامس عشر) ـ ما رواه عن احمد بن محمد عنه في الصحيح (٢) قال : «قال أبو جعفر (عليه‌السلام) في القنوت في الفجر ان شئت فاقنت وان شئت فلا تقنت وقال إذا كانت تقية فلا تقنت وانا أتقلد هذا».

(السادس عشر) ـ ما رواه عن سماعة في الموثق (٣) قال : «سألته عن القنوت في الجمعة؟ فقال اما الامام فعليه القنوت في الركعة الأولى. الى ان قال فمن شاء قنت في الركعة الثانية قبل ان يركع وان شاء لم يقنت وذلك إذا صلى وحده».

(السابع عشر) ـ ما رواه عن عبد الملك بن عمرو (٤) قال : «قلت لأبي عبد الله (عليه‌السلام) قنوت الجمعة في الركعة الأولى قبل الركوع وفي الثانية بعد الركوع؟ فقال لا قبل ولا بعد».

أقول : هذا ما يمكن الاستدلال به للقول بالاستحباب من الأخبار الواردة في هذا المضمار.

(الثامن عشر) ـ ما رواه المشايخ الثلاثة عن صفوان الجمال في الصحيح (٥) قال : «صليت خلف أبي عبد الله (عليه‌السلام) أياما فكان يقنت في كل صلاة يجهر فيها ولا يجهر فيها».

أقول : وتحقيق الكلام في هذه الأخبار ان يقال لا ريب انه وان كانت هذه الأخبار ظاهرة الاختلاف في المقام ومتصادمة في هذا الحكم كما في غيره من الأحكام ، والجمع بينها كما يمكن بالعمل باخبار الاستحباب وحمل اخبار الوجوب على تأكيد

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ٤ من القنوت.

(٣ و ٤) الوسائل الباب ٥ من القنوت.

(٥) الوسائل الباب ١ من القنوت.

٣٥٦

الاستحباب كذلك يمكن العمل باخبار الوجوب وحمل اخبار الاستحباب على التقية (١)

إلا ان الظاهر هو ترجيح الحمل الأول (اما أولا) فلما تدل عليه قرائن ألفاظ تلك الأخبار وعباراتها من تخصيص الصلاة الجهرية بذلك في بعض والتشريك بين الفريضة والنافلة في بعض وتخصيص بعض أفراد الجهرية به في ثالث ، فان الظاهر ان ذلك مبني على ترتيب هذه الافراد في الفضل والكمال.

و (اما ثانيا) فان بعض اخبار القول بالاستحباب لا يمكن اجراء الحمل على التقية فيه مثل صحيحتي أحمد بن محمد بن أبي نصر (وموثقة يونس بن يعقوب) (٢) الدالتين على التخيير «ان شئت فاقنت وان شئت فلا تقنت وإذا كانت تقية فلا تقنت» فان ذلك ظاهر في التخيير في حال عدم التقية واما حال التقية فيتحتم فيها ترك القنوت.

ومن ذلك يظهر انه مع القول بالاستحباب يمكن اجتماع الروايات عليه بحمل ما دلت عليه تلك الأخبار من انه «من تركه رغبة عنه فلا صلاة له» على المبالغة والتأكيد في استحبابه كقولهم (عليهم‌السلام) «لا صلاة لجار المسجد إلا فيه» (٣). ونحو ذلك.

واما ما دل عليه الخبر العاشر ـ من قوله فيه «سنة واجبة» ونحوه ما رواه

__________________

(١) في عمدة القارئ ج ٣ ص ٤٢٢ «لا قنوت في شي‌ء من الصلوات المكتوبة انما القنوت في الوتر قبل الركوع» وفي ص ٤٢٧ حكى عن زين الدين العراقي ان أكثر السلف على استحباب القنوت في صلاة الصبح سواء نزلت نازلة أم لا ، ثم ذكر جماعة من الصحابة والتابعين والأئمة. وناقشه العيني في هذه النسبة. ثم ذكر ان أبا حنيفة وأبا يوسف ومحمد واحمد وإسحاق والليث لا يرون القنوت في الصبح. وفي المحلى لابن حزم ج ٤ ص ١٣٨ «القنوت حسن بعد الرفع من الركوع في آخر ركعة من كل صلاة فرض الصبح وغير الصبح وفي الوتر» وفي ص ١٤٥ «قال أبو حنيفة لا يقنت في شي‌ء من الصلوات كلها إلا الوتر فإنه فيه قبل الركوع السنة كلها وقال مالك والشافعي لا يقنت في شي‌ء من الصلوات المفروضة إلا الصبح خاصة فعند مالك قبل الركوع وعند الشافعي بعد الركوع».

(٢) الظاهر زيادة ما بين القوسين.

(٣) الوسائل الباب ٢ من أحكام المساجد.

٣٥٧

الصدوق أيضا في كتاب عيون الأخبار بإسناده عن الفضل بن شاذان عن الرضا (عليه‌السلام) (١) في كتابه إلى المأمون قال : «القنوت سنة واجبة في الغداة والظهر والعصر والمغرب والعشاء الآخرة». ـ

ففيه ما عرفت في غير موضع مما تقدم من اشتراك لفظ السنة وكذا لفظ الوجوب في المعنيين المشهورين المذكورين وانه لا يحمل شي‌ء منهما على أحد المعنيين إلا مع القرينة ، فمن المحتمل حينئذ ان المراد بالسنة هنا المستحب وبالوجوب تأكيد الاستحباب فيكون المراد الاستحباب المؤكد جمعا بين الأخبار وبه يرتفع عنها التنافي بخلاف الحمل على الوجوب لما عرفت آنفا.

واما الاستناد إلى لفظ الدعاء ـ في قوله في الخبر المذكور (٢) «فرائض الصلاة سبع.». وعد منها الدعاء بحمل الدعاء على القنوت ، ومثله ما رواه الصدوق في الفقيه في الصحيح عن زرارة عن الباقر (عليه‌السلام) (٣) قال : «الفرض في الصلاة الوقت والطهور والقبلة والتوجه والركوع والسجود والدعاء. قلت ما سوى ذلك؟ قال سنة في فريضة». وهذا الخبر مما استدل به شيخنا أبو الحسن المتقدم ذكره على الوجوب في هذه المسألة قال : «والقنوت دعاء ولا يجب منه سواه» ـ

ففيه (أولا) ان جملة من الأخبار دلت على الاكتفاء في ذكر القنوت بالتسبيح وهو ليس بدعاء كما في رواية حريز عن بعض أصحابنا عن أبي جعفر (عليه‌السلام) (٤)

__________________

(١) الوسائل الباب ١ من القنوت.

(٢) ص ٣٥٥.

(٣) لم نعثر على هذه الرواية في الفقيه وقد رواها الكليني في فروع الكافي ج ١ ص ٧٥ والشيخ في التهذيب ج ١ ص ١٧٥ و ٢٠٤ وقد رواه عنهما في الوسائل في الباب ١ من القبلة والباب ١ من الوضوء ونسبه هناك إلى الصدوق أيضا ، وربما يشير إلى رواية الخصال المتقدمة. ورواه في الوافي عن الكافي والتهذيب في باب (الفرض في الصلاة).

(٤) الوسائل الباب ٦ من القنوت.

٣٥٨

قال : «يجزئك من القنوت خمس تسبيحات في ترسل». ورواية أبي بصير (١) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن ادنى القنوت فقال خمس تسبيحات». رواهما الشيخ في التهذيب وقال الصدوق في الفقيه : ادنى ما يجزئ في القنوت أنواع ، وعد منها ان يقول «سبحان من دانت له السماوات والأرض بالعبودية» ومنها ان يسبح ثلاث تسبيحات ولا ريب ان جواز التسبيح كما دل عليه الخبران المذكوران ينافي إيجاب الدعاء بظاهر الآية على ما يدعيه الخصم. ولو أجيب بإطلاق الدعاء على التسبيح مجازا فلنا حينئذ ان نحمله على الأذكار الواقعة في الركوع والسجود أيضا لذلك.

و (ثانيا) انه من المحتمل حمل الدعاء على الصلاة على النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) في التشهد فان المشهور ـ بل ادعى عليه الإجماع ـ وجوبها وهي دعاء ، وعلى ذلك يدل بعض الأخبار الصحاح وغيرها كما يأتي تحقيقه في محله ان شاء الله تعالى.

ولو أجيب ـ بأن المراد بالفرض هنا ما ثبت وجوبه بالكتاب العزيز والقنوت قد ثبت بالكتاب دون الصلاة في التشهد.

قلنا : يشكل ذلك عليكم بعد التوجه بل يحصل الاشكال به ولو بحمل الفرض على الواجب أيضا ، فإن التوجه الذي هو عبارة عن الإقبال على العبادة مستحب إجماعا ، ولا مخرج من هذا الإشكال إلا بان يحمل الفرض هنا على ما يشمل الواجب والمستحب مجازا.

وما يقال ـ من انه يلزم استعمال اللفظ الواحد في حقيقته ومجازه وهو ممنوع عند الأصوليين ـ مردود بما حققناه سابقا وأشرنا إليه في غير موضع مما تقدم من وقوع ذلك في الأخبار كثيرا بل صرح بجوازه شيخنا الشهيد في الذكرى أيضا كما قدمناه في كتاب الطهارة إلا انه أيضا لا يخلو من اشكال.

واستدل شيخنا المشار اليه آنفا على الوجوب بالآية أعني قوله عزوجل : «وَقُومُوا

__________________

(١) الوسائل الباب ٦ من القنوت.

٣٥٩

لِلّهِ قانِتِينَ» (١) قال (قدس‌سره) بعد ذكر الآية : قال في مجمع البيان (٢) قال ابن عباس معناه «داعين» والقنوت هو الدعاء في الصلاة حال القيام وهو المروي عن أبي جعفر وأبي عبد الله (عليهما‌السلام) انتهى. وفي الكشاف فسره بذكر الله قائما ولعله أراد به الذكر في الوقت المخصوص لا مطلق الذكر ، وعلى تقديره فهو أشمل إذ المروي عنهما (عليهما‌السلام) في ما يعم الذكر والدعاء ، وفي بعض الأخبار الصحيحة تفسيره بالدعاء كما أوردناه في رسالتنا المعمولة في المسألة ، ويمكن حمله على ما يشمل الذكر ولو مجازا. انتهى. ثم قال في تقرير الاستدلال : إذ لا يجوز حمله على الخضوع لانه مجاز إذ القنوت حقيقة شرعية في المصطلح عليه بين الفقهاء كما ذكرناه في رسالتنا القنوتية. وأجاب جماعة من أصحابنا عن الاستدلال بالآية باحتمال الاختصاص بالوسطى واحتمال إرادة الطاعة والخشوع وارادة الأذكار الواجبة في الصلاة ولا يخفى ما في هذه الأجوبة اما الأول فلأنه مع بعده لا يضر بالاستدلال لعدم القائل بالفصل. واما الأخير فلما بيناه فإنه حقيقة شرعية في المصطلح المتبادر وظواهر الأخبار. انتهى كلامه زيد مقامه.

وفيه نظر (أما أولا) فلما عرفت من المعاني للقنوت لغة فهو حينئذ من قبيل الألفاظ المتشابهة التي لا يمكن الاستدلال بها إلا مع القرينة المشخصة للمراد ليندفع عنه بذلك وصمة الإيراد.

قوله ـ : ان القنوت حقيقة شرعية في المعنى المدعى ـ قننا ان استند في ثبوت ذلك إلى الرواية التي نقلها عن كتاب مجمع البيان فهي معارضة بما رواه الثقة الجليل علي بن إبراهيم القمي في تفسيره عن الصادق (عليه‌السلام) (٣) في تفسير الآية المذكورة قال : «(قُومُوا لِلّهِ قانِتِينَ) : إقبال الرجل على صلاته ومحافظته حتى لا يلهيه ولا يشغله عنها شي‌ء».

__________________

(١) سورة البقرة ، الآية ٢٣٩.

(٢) ج ١ ص ٣٤٣ طبع صيدا.

(٣) ص ٦٩.

٣٦٠