الحدائق الناضرة - ج ٨

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]

الحدائق الناضرة - ج ٨

المؤلف:

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]


المحقق: محمّد تقي الإيرواني
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥٤٤

قال : نعم اما تقرأ كتاب الله عزوجل (يَخِرُّونَ لِلْأَذْقانِ سُجَّداً)» (١).

وقال (عليه‌السلام) في كتاب الفقه الرضوي (٢) «فإن كان في جبهتك علة لا تقدر على السجود أو دمل فاحفر حفيرة فإذا سجدت جعلت الدمل فيها ، وان كان على جبهتك علة لا تقدر على السجود من أجلها فاسجد على قرنك الأيمن فان لم تقدر عليه فعلى قرنك الأيسر فان لم تقدر عليه فاسجد على ظهر كفك فان لم تقدر عليه فاسجد على ذقنك لقول الله تبارك وتعالى (إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ إِذا يُتْلى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلْأَذْقانِ سُجَّداً). إلى قوله (وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعاً)» (٣).

هذا ما وقفت عليه من اخبار المسألة ووصل الي منها ، والمذكور في كتب الأصحاب منها رواية مصادف المشتملة على الحفيرة خاصة ومرسلة الكليني عن علي بن محمد المشتملة على الوضع على الذقن من أول الأمر خاصة ، ولذا احتاج في المعتبر وتبعه في المدارك ـ في تتميم الاستدلال على القول المشهور من الانتقال إلى الجبينين بعد تعذر الحفيرة ـ إلى تعليل عقلي فقال في المعتبر بان الجبينين مع الجبهة كالعضو الواحد فيقوم أحدهما مقامها للعذر ، وان السجود على أحد الجبينين أشبه بالسجود على الجبهة من الإيماء وان الإيماء سجود مع تعذر الجبهة فالجبين اولى. ونقله في المدارك عنه أيضا وجمد عليه حيث لم يقف على دليل سواه يستند اليه.

وأنت خبير بما في الاستناد إلى هذه التعليلات العقلية من عدم الصلاحية لتأسيس الأحكام الشرعية كما نبهت عليه في غير مقام مما تقدم.

والأظهر الاستدلال على ذلك بما في موثقة علي بن إبراهيم بحمل الحاجب الأيمن والأيسر على الجبينين مجازا ، وأظهر منها عبارة كتاب الفقه الرضوي التي منها أخذ كلام الصدوقين كما عرفت ، فان المراد بالقرن الأيمن والأيسر هما الجبينان بلا إشكال ، إلا انها اشتملت على الترتيب بينهما فالواجب القول به.

__________________

(١) سورة بني إسرائيل ، الآية ١٠٨.

(٢) ص ٩.

(٣) سورة بني إسرائيل ، الآية ١٠٨ و ١٠٩.

٣٢١

واما السجود على الذقن فاستدل عليه في المدارك تبعا لصاحب المعتبر وغيره بمرسلة الكليني ، قال في المدارك بعد نقلها والاستدلال بها : وهذه الرواية وان ضعف سندها إلا ان مضمونها مجمع عليه بين الأصحاب.

وفيه انه كيف يكون مضمونها مجمعا عليه بين الأصحاب وهي قد دلت على الانتقال من أول الأمر إلى السجود على الذقن والأصحاب قائلون بالحفيرة أولا ثم مع تعذرها فالجبينان ثم مع تعذرهما فالذقن ، فالسجود على الذقن انما هو مرتبة ثالثة والرواية دالة على انه من أول الأمر. ولكن ضيق الخناق في هذا الاصطلاح الذي هو إلى الفساد أقرب من الصلاح أوجب الوقوع في أمثال هذه التمحلات ، والخبر حيث كان ضعيفا باصطلاحه أراد التستر في العمل به على خلاف قاعدته بما ذكره ، على انه كم قد خالف الأصحاب وناقشهم في أمثال ذلك كما لا يخفى على من له انس بطريقته.

وبالجملة فالظاهر من هذه الأخبار التي نقلناها باعتبار ضم بعضها إلى بعض هو القول بالحفيرة أولا ان أمكن عملا برواية مصادف ، ونحوها كلامه (عليه‌السلام) في كتاب الفقه. واما مع تعذر ذلك فالروايات قد تصادمت ههنا ، فاما مرسلة الكليني فإنها دلت على الانتقال إلى الذقن ، واما موثقة إسحاق بن عمار المروية في تفسير علي ابن إبراهيم فقد تضمنت الحاجب الأيمن ثم الأيسر ثم الذقن ، واما عبارة كتاب الفقه فقد تضمنت القرن الأيمن ثم القرن الأيسر ، وهاتان الروايتان اتفقتا على تأخير الذقن فالعمل بهما اولى من المرسلة المذكورة وينبغي حمل الحاجب في موثقة إسحاق على الجبينين مجازا جمعا بين الخبرين فيتم الاستدلال بهما للقول المشهور لكن باعتبار الترتيب لا كما هو ظاهرهم من التخيير بين الجبينين لعدم المستند له في هذه الأخبار.

واما ما ذكره في الذخيرة ـ من قوله : ولا ترتيب بين الجبينين لإطلاق الرواية لكن الاولى تقديم الأيمن خروجا عن خلاف ابن بابويه ـ ففيه انه لم يذكر في هذا البحث كغيره من الأصحاب إلا رواية مصادف ومرسلة الكافي وشي‌ء منهما لم يشتمل على الجبينين كما

٣٢٢

عرفت. ووجوب السجود على أحد الجبينين انما علله بعد دعوى انه لا خلاف فيه بما نقلناه عن المعتبر وزاد عليه توقف يقين البراءة من التكليف الثابت عليه ، فأي رواية هنا يعتمد في التخيير على إطلاقها؟ وبالجملة فإن كلامه هنا سهو ظاهر كما لا يخفى على الخبير الماهر.

ومع عدم إمكان الجبينين فالذقن وهو المرتبة الثالثة والروايات متفقة عليه في الجملة وان اختلفت فيما قبله ، وما اشتملت عليه عبارة كتاب الفقه من السجود على ظهر الكف بعد تعذر الجبينين فهو غريب مرجوع إلى قائله (عليه‌السلام).

والمراد بالذقن مجمع اللحيين ، وهل يجب كشفه لأجل السجود عليه؟ صرح شيخنا الشهيد الثاني بذلك استنادا إلى ان اللحية ليست من الذقن فيجب كشفه لتصل البشرة إلى ما يصح السجود عليه. وقيل لا يجب لإطلاق الخبر. واختاره سبطه في المدارك قال في الذخيرة ولعله أقرب.

والمراد بالعذر هنا وفي أمثاله المشقة الشديدة التي لا تتحمل عادة وان أمكن تحملها بعسر.

ثم انه مع تعذر جميع ذلك ينتقل إلى الإيماء كما تقدم في بحث القيام. والله العالم.

(المسألة الثالثة) ـ قد صرح جملة من الأصحاب بكراهة النفخ في موضع السجود في الصلاة.

ومن الأخبار في ذلك ما رواه ثقة الإسلام في الصحيح عن محمد بن مسلم عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) (١) قال «قلت له الرجل ينفخ في الصلاة موضع جبهته؟ فقال لا».

وما رواه الشيخ عن أبي بكر الحضرمي عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) (٢) قال «لا بأس بالنفخ في الصلاة في موضع السجود ما لم يؤذ أحدا».

وعن إسحاق بن عمار في الموثق عن رجل (٣) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن المكان يكون عليه الغبار فأنفخه إذا أردت السجود فقال لا بأس».

__________________

(١ و ٢ و ٣) الوسائل الباب ٧ من السجود.

٣٢٣

وروى الصدوق مرسلا (١) قال : «سأل رجل الصادق (عليه‌السلام). وذكر الحديث ثم قال وروى عن الصادق (عليه‌السلام) انه قال : انما يكره ذلك خشية أن يؤذي من إلى جانبه».

وروى الصدوق بإسناده إلى شعيب بن واقد عن الحسين بن زيد عن الصادق عن آبائه (عليهم‌السلام) عن النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) في حديث المناهي (٢) قال : «ونهى ان ينفخ في طعام أو شراب وان ينفخ في موضع السجود».

وروى في كتاب العلل عن ليث المرادي في الصحيح (٣) قال : «قلت لأبي عبد الله (عليه‌السلام) الرجل يصلي فينفخ في موضع جبهته؟ فقال ليس به بأس إنما يكره ذلك ان يؤذي من إلى جانبه».

وروى في كتاب المجالس بسنده عن عبد الله بن الحسين بن زيد بن علي عن أبيه عن الصادق عن آبائه (عليهم‌السلام) (٤) قال : «قال رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) ان الله كره لكم أيتها الأمة أربعا وعشرين خصلة ونهاكم عنها. إلى ان قال وكره النفخ في الصلاة». ورواه في الفقيه بإسناده عن سليمان بن جعفر عن عبد الله بن الحسين ابن زيد مثله (٥).

وعن الحسين بن مصعب (٦) قال : «قال أبو عبد الله (عليه‌السلام) : يكره النفخ في الرقى والطعام وموضع السجود».

وبإسناده عن علي (عليه‌السلام) في حديث الأربعمائة (٧) قال : «لا ينفخ الرجل في موضع سجوده ولا ينفخ في طعامه ولا في شرابه ولا في تعويذه».

وأنت خبير بان ظاهر خبر الحضرمي ومرسلة الصدوق وصحيح ليث المرادي ان الكراهة انما هي من حيث استلزام إيذاء أحد وهو مؤذن بعدم الكراهة من حيث الصلاة. ويمكن تقييد إطلاق صحيح محمد بن مسلم وكذا أخبار المناهي بها إلا ان ظاهر

__________________

(١ و ٢ و ٣ و ٤ و ٥ و ٦ و ٧) الوسائل الباب ٧ من السجود.

٣٢٤

اخبار المناهي والمتبادر منها ان الكراهة انما هي من حيث الصلاة ، وحينئذ فيمكن ان يقال بأنه وان كان مكروها من حيث الصلاة إلا أنه أشد كراهة باعتبار الإيذاء ، ونفى البأس في باقي الأخبار يحمل على أصل الجواز وهو غير مناف للكراهة بل ربما ايدها لقولهم : نفى البأس مؤذن بالبأس.

تذنيب يشتمل على مقامين

(الأول) ـ في سجدات القرآن وهي خمس عشرة : منها أربع عزائم ، وها أنا أولا ابدأ بذكر الأخبار المتعلقة بذلك ثم أعطف الكلام على ما يظهر منها من الأحكام بتوفيق الملك العلام وبركة أهل الذكر عليهم‌السلام :

(الأول) ـ ما رواه في الكافي والتهذيب في الصحيح عن عبد الله بن سنان عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (١) قال : «إذا قرأت شيئا من العزائم التي يسجد فيها فلا تكبر قبل سجودك ولكن تكبر حين ترفع رأسك. والعزائم أربع : حم السجدة ، وتنزيل ، والنجم ، واقرأ باسم ربك».

(الثاني) ـ ما روياه أيضا عن أبي بصير (٢) قال قال : «إذا قرئ شي‌ء من العزائم الأربع فسمعتها فاسجد وان كنت على غير وضوء وان كنت جنبا وان كانت المرأة لا تصلي ، وسائر القرآن أنت فيه بالخيار ان شئت سجدت وان شئت لم تسجد».

(الثالث) ـ ما روياه أيضا عن عبد الله بن سنان (٣) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن رجل سمع السجدة تقرأ؟ قال لا يسجد إلا ان يكون منصتا لقراءته مستمعا لها أو يصلي بصلاته ، فاما ان يكون يصلي في ناحية وأنت تصلي في ناحية أخرى فلا تسجد لما سمعت».

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ٤٢ من قراءة القرآن.

(٣) الوسائل الباب ٤٣ من قراءة القرآن.

٣٢٥

(الرابع) ـ ما رواه في التهذيب في الموثق عن سماعة (١) قال : «قال أبو عبد الله (عليه‌السلام) إذا قرأت السجدة فاسجد ولا تكبر حتى ترفع رأسك».

(الخامس) ـ ما رواه أيضا في الموثق عن عمار الساباطي عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) (٢) «في الرجل يسمع السجدة في الساعة التي لا تستقيم الصلاة فيها قبل غروب الشمس وبعد صلاة الفجر؟ فقال لا يسجد».

(السادس) ـ ما رواه في الصحيح عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه‌السلام) (٣) قال : «سألته عن الرجل يعلم السورة من العزائم فتعاد عليه مرارا في المقعد الواحد؟ قال عليه ان يسجد كلما سمعها وعلى الذي يعلمه أيضا ان يسجد».

(السابع) ـ ما رواه في الكافي في الصحيح عن أبي عبيدة الحذاء عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٤) قال : «إذا قرأ أحدكم السجدة من العزائم فليقل في سجوده : سجدت لك يا رب تعبدا ورقا لا مستكبرا عن عبادتك ولا مستنكفا ولا متعظما بل انا عبد ذليل خائف مستجير».

(الثامن) ـ ما رواه في الفقيه مرسلا (٥) قال : «وروى انه يقول في سجدة العزائم : لا إله إلا الله حقا حقا لا إله إلا الله ايمانا وتصديقا لا إله إلا الله عبودية ورقا سجدت لك يا رب تعبدا ورقا لا مستنكفا ولا مستكبرا بل انا عبد ذليل خائف مستجير. ثم يرفع رأسه ثم يكبر».

(التاسع) ـ ما رواه علي بن جعفر في كتاب المسائل عن أخيه موسى (عليه‌السلام) (٦) قال : «سألته عن الرجل يكون في صلاة في جماعة فيقرأ إنسان السجدة

__________________

(١) الوسائل الباب ٤٢ من قراءة القرآن.

(٢ و ٦) الوسائل الباب ٤٣ من قراءة القرآن.

(٣) الوسائل الباب ٤٥ من قراءة القرآن.

(٤ و ٨) الوسائل الباب ٤٦ من قراءة القرآن.

٣٢٦

كيف يصنع؟ قال يومئ برأسه. قال : وسألته عن الرجل يكون في صلاته فيقرأ آخر السجدة؟ قال يسجد إذا سمع شيئا من العزائم الأربع ثم يقوم فيتم صلاته إلا ان يكون في فريضة فيومى برأسه إيماء».

(العاشر) ـ ما رواه في مستطرفات السرائر من كتاب النوادر لمحمد بن علي ابن محبوب عن غياث عن جعفر عن أبيه عن علي (عليهم‌السلام) (١) قال : «لا تقضي الحائض الصلاة ولا تسجد إذا سمعت السجدة».

(الحادي عشر) ـ ما رواه أيضا بسنده عن عمار الساباطي (٢) قال : «سئل أبو عبد الله (عليه‌السلام) عن الرجل إذا قرأ العزائم كيف يصنع؟ قال ليس فيها تكبير إذا سجدت ولا إذا قمت ولكن إذا سجدت قلت ما تقول في السجود».

(الثاني عشر) ـ ما رواه في كتاب العلل في الصحيح عن الحلبي عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) (٣) قال : «سألته عن الرجل يقرأ السجدة وهو على ظهر دابته؟ قال يسجد حيث توجهت به ، فان رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) كان يصلي على ناقته وهو مستقبل المدينة يقول الله عزوجل (فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ) (٤)». ورواه العياشي عن حماد بن عثمان عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) مثله (٥).

(الثالث عشر) ـ ما رواه في كتاب مجمع البيان (٦) قال : «روى عبد الله ابن سنان عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) قال العزائم الم تنزيل ، وحم السجدة ، والنجم إذا هوى ، واقرأ باسم ربك ، وما عداها في جميع القرآن مسنون وليس بمفروض».

(الرابع عشر) ـ منه أيضا (٧) قال : «عن أئمتنا (عليهم‌السلام) ان السجود

__________________

(١) الوسائل الباب ٣٦ من الحيض.

(٢) الوسائل الباب ٤٦ من قراءة القرآن.

(٣) الوسائل الباب ٤٩ من قراءة القرآن.

(٤) سورة البقرة ، الآية ١٠٩.

(٥) البحار ج ١٨ الصلاة ص ٢٧٠.

(٦ و ٧) الوسائل الباب ٤٢ من قراءة القرآن.

٣٢٧

في سورة (فصلت) عند قوله (إِنْ كُنْتُمْ إِيّاهُ تَعْبُدُونَ)» (١).

(الخامس عشر) ـ ما رواه في كتاب عوالي اللئالئ مرسلا (٢) قال : «روى في الحديث انه لما نزل قوله تعالى «وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ» (٣) سجد النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) فقال في سجوده : أعوذ برضاك من سخطك وبمعافاتك من عقوبتك وأعوذ بك منك لا احصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك».

(السادس عشر) ـ ما رواه في مستطرفات السرائر من كتاب النوادر لأحمد ابن محمد بن أبي نصر عن الوليد بن صبيح عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) (٤) قال : «في من قرأ السجدة وعنده رجل على غير وضوء؟ قال يسجد».

(السابع عشر) ـ ما رواه فيه أيضا من الكتاب المذكور في الصحيح عن الحلبي (٥) قال : «قلت لأبي عبد الله (عليه‌السلام) يقرأ الرجل السجدة وهو على غير وضوء؟ قال يسجد إذا كانت من العزائم».

(الثامن عشر) ـ ما رواه في كتاب الخصال في الصحيح عن داود بن سرحان عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) (٦) قال : «ان العزائم أربع : اقرأ باسم ربك الذي خلق ، والنجم ، وتنزيل السجدة ، وحم السجدة».

(التاسع عشر) ـ ما رواه في المعتبر نقلا من جامع البزنطي عن محمد بن مسلم عن ابي جعفر (عليه‌السلام) (٧) «في من يقرأ السجدة من القرآن من العزائم لا يكبر حين يسجد ولكن يكبر إذا رفع رأسه».

(العشرون) ـ ما رواه في مستطرفات السرائر نقلا من نوادر احمد بن محمد

__________________

(١) سورة فصلت ، الآية ٣٧.

(٢) مستدرك الوسائل الباب ٣٩ من القراءة في غير الصلاة.

(٣) سورة العلق ، الآية ١٩.

(٤ و ٥ و ٦ و ٧) الوسائل الباب ٤٢ من قراءة القرآن.

٣٢٨

ابن أبي نصر عن العلاء عن محمد بن مسلم (١) قال : «سألته عن الرجل يقرأ بالسورة فيها السجدة فينسى فيركع ويسجد سجدتين ثم يذكر بعد؟ قال يسجد إذا كانت من العزائم ، والعزائم أربع : ألم تنزيل ، وحم السجدة ، والنجم ، واقرأ باسم ربك. وكان علي بن الحسين (عليهما‌السلام) يعجبه ان يسجد في كل سورة فيها سجدة».

(الحادي والعشرون) ـ ما رواه في كتاب العلل بسنده عن جابر عن ابي جعفر (عليه‌السلام) (٢) قال : «ان أبي علي بن الحسين (عليه‌السلام) ما ذكر لله نعمة عليه إلا سجد ولا قرأ آية من كتاب الله عزوجل فيها سجود إلا سجد. الى ان قال فسمى السجاد لذلك».

(الثاني والعشرون) ـ ما رواه في كتاب دعائم الإسلام (٣) قال : مواضع السجود في القرآن خمسة عشر موضعا أولها آخر الأعراف ، وفي سورة الرعد «وَظِلالُهُمْ بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ» (٤) وفي النحل «وَيَفْعَلُونَ ما يُؤْمَرُونَ» (٥) وفي بني إسرائيل «وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعاً» (٦) وفي كهيعص «خَرُّوا سُجَّداً وَبُكِيًّا» (٧) وفي الحج «إِنَّ اللهَ يَفْعَلُ ما يَشاءُ» (٨) وفيها «وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ» (٩) وفي الفرقان «وَزادَهُمْ نُفُوراً» (١٠) وفي النمل «رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ» (١١) وفي تنزيل السجدة «وَهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ» (١٢) وفي ص «وَخَرَّ راكِعاً وَأَنابَ» (١٣) وفي حم السجدة «إِنْ كُنْتُمْ إِيّاهُ تَعْبُدُونَ» (١٤) وفي آخر النجم وفي إذا السماء انشقت «وَإِذا قُرِئَ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنُ لا يَسْجُدُونَ» (١٥) وآخر «اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ».

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ٤٤ من قراءة القرآن.

(٣) البحار ج ١٨ الصلاة ص ٣٧١.

(٤) الآية ١٦.

(٥) الآية ٥٠.

(٦) الآية ١٠٩.

(٧) الآية ٥٩.

(٨) الآية ١٩.

(٩) الآية ٧٦.

(١٠) الآية ٦١.

(١١) الآية ٢٦.

(١٢) الآية ١٥.

(١٣) الآية ٢٣.

(١٤) الآية ٣٧.

(١٥) الآية ٢١.

٣٢٩

وروينا عن أبي جعفر محمد بن علي (عليهما‌السلام) (١) انه قال : «العزائم من سجود القرآن أربع : في «الم تنزيل السجدة» و «حم السجدة» والنجم «واقرأ باسم ربك» قال فهذه العزائم لا بد من السجود فيها وأنت في غيرها بالخيار ان شئت فاسجد وان شئت فلا تسجد ، قال وكان علي بن الحسين (عليهما‌السلام) يعجبه ان يسجد فيهن كلهن».

وعن جعفر بن محمد (عليهما‌السلام) (٢) انه قال : «من قرأ السجدة أو سمعها من قارئ يقرأها وكان يستمع قراءته فليسجد ، فان سمعها وهو في صلاة فريضة من غير الإمام أومأ برأسه ، وان قرأها وهو في الصلاة سجد وسجد معه من خلفه ان كان اماما ، ولا ينبغي للإمام ان يتعمد قراءة سورة فيها سجدة في صلاة فريضة».

وعنه (عليه‌السلام) (٣) انه قال : «ومن قرأ السجدة أو سمعها سجد اي وقت كان ذلك مما تجوز الصلاة فيه أو لا تجوز عند طلوع الشمس وعند غروبها ويسجد وان كان على غير طهارة ، وإذا سجد فلا يكبر ولا يسلم إذا رفع وليس في ذلك غير السجود ، ويدعو في سجوده بما تيسر من الدعاء».

وعنه (عليه‌السلام) (٤) انه قال : «إذا قرأ المصلي سجدة انحط فسجد ثم قام فابتدأ من حيث وقف فان كانت في آخر السورة فليسجد ثم يقوم فيقرأ بفاتحة الكتاب ويركع ويسجد».

وعن ابي جعفر بن علي (عليهما‌السلام) (٥) انه قال : «إذا قرأت السجدة وأنت جالس فاسجد متوجها إلى القبلة وإذا قرأتها وأنت راكب فاسجد حيث توجهت ، فان رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) كان يصلي على راحلته وهو متوجه إلى المدينة بعد انصرافه من مكة يعني النافلة ، قال وفي ذلك قول الله عزوجل (فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ» (٦). انتهى.

__________________

(١ و ٢ و ٣ و ٤ و ٥) البحار ج ١٨ الصلاة ص ٣٧١.

(٦) سورة البقرة ، الآية ١٠٩.

٣٣٠

أقول : والكلام في ما اشتملت عليه هذه الأخبار يقع في مواضع (الأول) وجوب السجود في العزائم الأربع المذكورة في هذه الأخبار بقراءتها أو استماعها مما انعقد عليه إجماع الأصحاب ، وعليه دل الخبر الثاني والرابع والسادس والثاني عشر والسادس عشر والسابع عشر والعشرون والثاني والعشرون.

واما ما ذكره الفاضل الخراساني في الذخيرة ـ بناء على أصله الغير الأصيل وقاعدته الخالية من الدليل من ان هذه الأخبار وان لم تكن مصرحة بالوجوب كما نبهنا عليه كثيرا لكن انضمام عمل الأصحاب وفهمهم يقتضي المصير إلى الوجوب ـ ففيه ما عرفت مما أوضحناه في غير مقام مما تقدم. والتجاؤه هنا إلى عمل الأصحاب وفهمهم انما نشأ من ضيق الخناق ، وإلا فالواجب على الفقيه هو العمل بالأحكام الشرعية بمقتضى الأدلة الواضحة الجلية لا تقليد العلماء وما فهموه فإنها مرتبة المقلدين القاصرين عن رتبة الاستنباط والاستدلال ، والواجب عليه بمقتضى قاعدته وعدم ثبوت الوجوب عنده من الأخبار هو نفي الوجوب لعدم الدليل في أمثال هذا الموضع وهو خروج من الدين بما لا يشعر به قائله وكفى به شناعة.

وكيف كان فكما انعقد الإجماع على الوجوب في هذه المواضع الأربعة انعقد أيضا على الاستحباب في باقي الخمس عشرة ، وعليه يدل الخبر الثالث عشر والعشرون والحادي والعشرون وبذلك يظهر لك ما في قول صاحب المدارك هنا حيث قال : واما استحباب السجود في غير هذه الأماكن الأربعة من المواضع الخمس عشرة فمقطوع به في كلام الأصحاب مدعى عليه الإجماع ولم أقف فيه على نص يعتد به. انتهى. فان فيه انه ان أراد بالنص الذي يعتد به ما كان صحيح السند بناء على اصطلاحه فالخبر العشرون صحيح السند لأن البزنطي صاحب الكتاب رواه عن العلاء عن محمد بن مسلم والثلاثة ثقات بالاتفاق ، على انه في غير موضع من كتابه يعمل بالخبر الضعيف في السنن ومتى ظن في خبر ظاهره الوجوب أو التحريم بضعف السند حمله على الاستحباب أو الكراهة

٣٣١

تفاديا من طرحه فلا معنى لرده هنا يضعف السند. وبالجملة فالعذر له ظاهر حيث ان نظره مقصور على اخبار الكتب الأربعة وعدم الفحص عن غيرها وهذه الأخبار خارجة عنها ، وإلا فهذه الأخبار كما ترى ظاهرة الدلالة على ذلك وفيها الصحيح باصطلاحه لكن الحق هو الاعتذار عنه بما ذكرناه.

(الثاني) ـ لا خلاف بين الأصحاب في ان السجدات خمس عشرة كما فصلها في كتاب دعائم الإسلام وادعى عليه الشهيد (قدس‌سره) الإجماع ، قال في الذكرى : أجمع الأصحاب على ان سجدات القرآن خمس عشرة : ثلاث في المفصل وهي في النجم وانشقت واقرأ ، واثنتا عشرة في باقي القرآن وهي في الأعراف والرعد والنحل وبني إسرائيل ومريم والحج في موضعين والفرقان والنمل والم تنزيل وص وحم فصلت : انتهى. ونقل عن الصدوق ابن بابويه انه يستحب ان يسجد في كل سورة فيها سجدة ، وعلى هذا فيدخل فيها آل عمران لقوله تعالى «يا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي» (١) وغيرها ، ويومئ اليه الخبر الحادي والعشرون. ولا بأس بالعمل به احتياطا.

(الثالث) ـ لا خلاف بين الأصحاب في وجوب السجود على القارئ والمستمع وهو المنصت ، وانما الخلاف في الوجوب على السامع من غير إصغاء ، فذهب الشيخ إلى عدم الوجوب عليه ونقل عليه الإجماع في الخلاف ، وإلى هذا القول ذهب جمع من الأصحاب : منهم ـ المحقق في الشرائع والعلامة في المنتهى. وقال ابن إدريس انه يجب على السامع وذكر انه إجماع الأصحاب ، واليه يميل كلامه في الذكرى وبه صرح في المسالك وعليه الأكثر من الأصحاب. وهو الأقرب كما سيظهر لك ان شاء الله تعالى استدل الشيخ بعد الإجماع بالخبر الثالث ، واحتج ابن إدريس بعد الإجماع الذي ادعاه بعموم الأمر وبالخبر الثاني.

قال في الذكرى بعد ذكر القولين والدليلين : وطريق الرواية التي ذكرها الشيخ

__________________

(١) سورة آل عمران ، الآية ٣٨.

٣٣٢

فيه محمد بن عيسى عن يونس ، مع أنها تقتضي وجوب السجود إذا صلى بصلاة التالي لها وهو غير مستقيم عندنا إذ لا يقرأ في الفريضة عزيمة على الأصح ولا يجوز القدوة في النافلة غالبا ، وقد نقل ابن بابويه عن ابن الوليد انه لا يعتمد على حديث محمد بن عيسى عن يونس. وروى العامة عدم سجود السامع عن ابن عباس وعثمان (١) ولا شك عندنا في استحبابه على تقدير عدم الوجوب.

أقول : ما ذكره من الإشكال في مضمون الخبر جيد إلا ان الظاهر حمله على الائتمام بالمخالف ، مع ان القدوة في بعض النوافل كالاستسقاء والغدير والعيدين مع اختلال الشرائط جائزة.

ثم انه مما يدل أيضا على الاكتفاء. بمجرد السماع زيادة على الخبر الثاني الخبر التاسع ، ويؤيد ما دل عليه الخبر الثالث قوله في بعض أخبار الدعائم المتقدمة «أو سمعها من قارئ يقرأها وكان يستمع قراءته» اي ينصت لها.

وبالجملة فالأخبار من الطرفين ظاهرة الدلالة على كل من القولين ، قال في المدارك بعد ذكر ما دل على السماع وما دل على الاستماع : وانا في هذه المسألة من المتوقفين. والحق ان الجمع بين أخبار المسألة دائر بين أمرين : اما حمل ما دل على الأمر بالسجود بمجرد السماع على الفضيلة والاستحباب ، واما حمل ما دل على التخصيص بعد القراءة بالاستماع دون السماع على التقية لموافقته لمذهب العامة وهو الأرجح. والاحتياط لا يخفى.

(الرابع) ـ قد صرح جملة من الأصحاب بأن الظاهر ان موضع السجود في هذه الأربعة بعد الفراغ من الآية ، وذهب المحقق في المعتبر إلى ان موضعه في حم السجدة

__________________

(١) المغني ج ١ ص ٦٢٤ «يسن السجود للتالي والمستمع لا نعلم في هذا خلافا واما السامع غير القاصد للسماع فلا يستحب له. روى ذلك عن عثمان وابن عباس وعمران وبه قال مالك ، وقال أصحاب الرأي عليه السجود ، وقال الشافعي لا أوكد عليه السجود وان سجد فحسن».

٣٣٣

عند قوله تعالى «وَاسْجُدُوا لِلّهِ» (١) ونقله عن الشيخ في الخلاف.

وقال في الذكرى : موضع السجود عند التلفظ به في جميع الآيات والفراغ من الآية فعلى هذا يسجد في فصلت عند «تَعْبُدُونَ» (٢) وهو الذي ذكره في الخلاف والمبسوط واحتج عليه بالإجماع وقال قضية الأصل الفور ، ونقل في المعتبر عن الخلاف انه عند قوله تعالى «وَاسْجُدُوا لِلّهِ» واختاره مذهبا ، وليس كلام الشيخ صريحا فيه ولا ظاهرا بل ظاهره ما قلناه لانه ذكر في أول المسألة ان موضع السجود في «حم» عند قوله تعالى «وَاسْجُدُوا لِلّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِنْ كُنْتُمْ إِيّاهُ تَعْبُدُونَ» (٣) ثم قال وأيضا قوله «وَاسْجُدُوا لِلّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ» أمر والأمر يقتضي الفور عندنا وذلك يقتضي السجود عقيب الآية ومن المعلوم ان آخر الآية «تَعْبُدُونَ» ولأن تخلل السجود في أثناء الآية يؤدى إلى الوقوف على المشروط دون الشرط وإلى ابتداء القارئ بقوله «إِنْ كُنْتُمْ إِيّاهُ تَعْبُدُونَ» وهو مستهجن عند القراء ولانه لا خلاف فيه بين المسلمين ، انما الخلاف في تأخير السجود إلى «يَسْأَمُونَ» فإن ابن عباس والثوري وأهل الكوفة والشافعي يذهبون اليه والأول هو المشهور عند الباقين (٤) فاذن ما اختاره في المعتبر لا قائل به ، فان احتج بالفور قلنا هذا القدر لا يخل بالفور وإلا لزم وجوب السجود في باقي آي العزائم عند صيغة الأمر وحذف ما بعده من اللفظ ولم يقل به أحد. انتهى. وهو جيد ، ويؤيده الخبر الرابع عشر وما ذكره صاحب كتاب دعائم الإسلام من السجود بعد تمام الآيات المشتملة على لفظ السجدة ومنها سورة حم فصلت.

أقول : لا يخفى ان ظواهر الأخبار التي قدمناها هو السجود عند ذكر السجدة لتعليق السجود في جملة منها على سماع السجدة أو قراءتها أو استماعها والمتبادر منها هو

__________________

(١ و ٢ و ٣) الآية ٢٧.

(٤) عمدة القارئ ج ٣ ص ٥٠٧ وأحكام القرآن للجصاص الحنفي ج ٣ ص ٤٧٤ وبدائع الصنائع ج ١ ص ١٩٤.

٣٣٤

لفظ السجدة ، والحمل على تمام الآية يحتاج إلى تقدير في تلك العبارات بان يراد سماع آية السجدة إلى آخرها. إلا ان ظاهر الأصحاب الاتفاق على ان محل السجود بعد تمام الآية كما عرفت ، واليه يشير قول شيخنا الشهيد في آخر عبارته : وإلا لزم وجوب السجود. إلى قوله ولم يقل به أحد. وبالجملة فإني لا أعرف لإطلاق الأخبار المذكورة مخصصا سوى ما يدعى من الاتفاق في المقام.

قال شيخنا في كتاب البحار : رأيت في بعض تعليقات شيخنا البهائي (قدس‌سره) قول بعض الأصحاب بوجوب السجود عند التلفظ بلفظ السجدة في جميع السجدات الأربع ولم أر هذا القول في كلام غيره ، وقد صرح في الذكرى بعدم القول به فلعله اشتباه. انتهى.

أقول : لا ريب في قوة هذا القول بالنظر إلى ما ذكرناه من التقريب إلا ان الخروج عما ظاهرهم الاتفاق عليه مشكل سيما مع عدم إخلال ذلك بالفور الواجب في المقام كما أشار إليه شيخنا الشهيد (قدس‌سره) في ما تقدم من كلامه ، نعم ظاهر الخبر الرابع عشر وما ذكره في كتاب دعائم الإسلام مؤيد لما ذكره الأصحاب.

(الخامس) ـ الظاهر ـ كما استظهره جملة من الأصحاب ـ ان الطهارة من الحدث غير شرط في هذا السجود ، وعليه يدل الخبر الثاني والخبر السادس عشر والسابع عشر والثاني والعشرون.

ونحو هذه الأخبار موثقة أبي عبيدة الحذاء (١) قال : «سألت أبا جعفر (عليه‌السلام) عن الطامث تسمع السجدة قال ان كانت من العزائم فلتسجد إذا سمعتها».

ومنع الشيخ في النهاية عن سجود الحائض ونقل في الذكرى عن ابن الجنيد ان ظاهره اعتبار الطهارة.

ويدل عليه الخبر العاشر ، ونحوه أيضا ما رواه الشيخ في الصحيح عن عبد الرحمن

__________________

(١) الوسائل الباب ٣٦ من الحيض.

٣٣٥

ابن أبي عبد الله عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) (١) قال : «سألته عن الحائض هل تقرأ القرآن وتسجد سجدة إذا سمعت السجدة؟ قال تقرأ ولا تسجد».

وحمله الشيخ في الاستبصار على جواز الترك ، وحمله على الاستفهام الإنكاري غير بعيد بمعنى انه يجوز لها قراءة القرآن الذي من جملته العزائم ولا يجب عليها السجود بل تسجد كما أنها تقرأ. واما خبر غياث المتقدم (٢) فهو يضعف عن معارضة ما ذكرناه من الأخبار. ولا يبعد عندي حمل الخبرين على التقية فإن العلامة قد نقل في المنتهى عن أكثر الجمهور اشتراط الطهارة من الحدثين (٣).

واما ستر العورة والطهارة من الخبث واستقبال القبلة فظاهر الأكثر انه لا خلاف في عدم اشتراطها ، قال في الذكرى اما ستر العورة واستقبال القبلة فغير شرط ، وكذا لا يشترط خلو البدن والثوب من النجاسة لإطلاق الأمر بها فالتقييد خلاف الأصل. انتهى أقول : قد تقدم في ما ذكره في كتاب الدعائم مما رواه عن جعفر (عليه‌السلام) التفصيل بين ما إذا قرأها وهو جالس فإنه يستقبل القبلة أو قرأها وهو راكب فحيث ما توجه. إلا ان الكتاب على ما قدمنا ذكره لا تصلح اخباره للاستدلال وانما قصارها التأييد سيما مع ما نقله في المنتهى عن العامة من اشتراط الاستقبال فيها (٤) فيضعف الاعتماد عليها وتقييد إطلاق الأخبار كملا بها.

(السادس) ـ اختلف الأصحاب في باقي المساجد غير الجبهة هل يشترط السجود عليها أيضا أم لا ، وكذا في السجود على الجبهة هل يجب وضعها على ما يصح السجود عليه في الصلاة أم يكفي على اي شي‌ء كان؟ والأخبار المتقدمة كما عرفت مطلقة لا اشعار فيها بالتقييد بشي‌ء مما ذكروه في الموضعين المذكورين.

قال في الذكرى : وفي اشتراط السجود على الأعضاء السبعة أو الاكتفاء بالجبهة

__________________

(١) الوسائل الباب ٣٦ من الحيض.

(٢) ص ٣٢٧.

(٣ و ٤) المغني ج ١ ص ٦٢٠.

٣٣٦

نظر من انه السجود المعهود ومن صدقه بوضع الجبهة ، وكذا في السجود على ما يصح السجود عليه في الصلاة من التعليل هناك بان الناس عبيد ما يأكلون ويلبسون وهو مشعر بالتعميم. انتهى.

أقول : أشار بالتعليل المذكور إلى ما رواه الصدوق في الصحيح عن هشام بن الحكم (١) «انه قال لأبي عبد الله (عليه‌السلام) أخبرني عما يجوز السجود عليه وعما لا يجوز؟ قال السجود لا يجوز إلا على الأرض أو على ما أنبتت الأرض إلا ما أكل أو لبس. فقال له جعلت فداك ما العلة في ذلك؟ قال لأن السجود خضوع لله عزوجل فلا ينبغي ان يكون على ما يؤكل أو يلبس لأن أبناء الدنيا عبيد ما يأكلون ويلبسون والساجد في سجوده في عبادة الله عزوجل فلا ينبغي ان يضع جبهته في سجوده على معبود أبناء الدنيا الذين اغتروا بغرورها».

وعندي في ما ذكره من التعليل في كل من الموضعين نظر ، اما ما علل به اشتراط باقي المساجد من انه السجود المعهود فإنه على إطلاقه ممنوع نعم هو معهود بالنسبة إلى الصلاة لا مطلقا ، وبالجملة فإنه قد اعترف بصدق السجود بمجرد وضع الجبهة وهو كاف في التمسك بإطلاق الأخبار المذكورة وأصالة عدم ما زاد حتى يقوم عليه دليل. واما الخبر المذكور فمورده أيضا انما هو سجود الصلاة ، وما تضمنه من العلة لا يخفى انه ليس من قبيل العلل الحقيقية التي يدور المعلول مدارها وجودا وعدما ويجب اطرادها ، فان هذه العلل انما هي معرفات وبيان حكمة شرعية أو مناسبة جلية للتقريب للإفهام. وبالجملة فأصالة البراءة أقوى دليل في المقام حتى يقوم الدليل الصريح والبرهان الصحيح الموجب للخروج عنه إذ لا تكليف إلا بعد البيان ولا حجة إلا بعد البرهان.

(السابع) ـ المشهور بين الأصحاب عدم التكبير لها وقال أكثر العامة بوجوب التكبير قبلها (٢) نعم يستحب التكبير عند الرفع ، وظاهر الشيخ في المبسوط

__________________

(١) الوسائل الباب ١ من ما يسجد عليه.

(٢) المغني ج ١ ص ٦٢١.

٣٣٧

والخلاف والشهيد في الذكرى الوجوب.

ويدل على التكبير ما تقدم في الخبر الأول (١) وقد تضمن النهي عن التكبير قبل السجود والأمر به حين رفع الرأس ، والخبر الرابع (٢) وفيه «ولا تكبر حتى ترفع رأسك» والخبر الثامن (٣) لقوله «ثم يرفع رأسه ثم يكبر» والخبر التاسع عشر (٤) وفيه «لا يكبر حين يسجد ولكن يكبر إذا رفع رأسه».

ولعل من يظهر منه القول بوجوب التكبير نظر إلى لفظ الأمر به في هذه الأخبار إلا ان ظاهر الخبر الحادي عشر (٥) عدم التكبير مطلقا حيث قال فيه «ليس فيها تكبير إذا سجدت ولا إذا قمت ـ يعني رفعت من السجود ـ ولكن إذا سجدت قلت ما تقول في السجود» فإنه ظاهر في انه ليس فيها شي‌ء غير الذكر ، ونحوه خبر الدعائم وقوله فيه «وإذا سجد فلا يكبر ولا يسلم إذا رفع وليس في ذلك غير السجود» والواجب حملهما على نفي الوجوب جمعا ، وبه يظهر ضعف قول من ادعى وجوب التكبير المذكور. وكيف كان فالأحوط عدم تركه. ثم ان ظاهر الأخبار الدالة عليه انه بعد الرفع وقبل الجلوس إلا ان يحمل على التجوز في العبارة.

(الثامن) ـ يستحب الذكر فيها بما تيسر وأفضله المأثور ، ومنه ما تقدم في الخبر السابع والخبر الثامن (٦) وظاهر الخبر الحادي عشر (٧) انه يقول ما يقول في سجود الصلاة ، وفي خبر الدعائم (٨) ما تيسر من الدعاء ، وقال في المنتهى يستحب ان يقول في سجوده «آمنا بما كفروا وعرفنا منك ما أنكروا وأجبناك إلى ما دعوا فالعفو العفو» وقال في : الفقيه : ويستحب ان يسجد الإنسان في كل سورة فيها سجدة إلا ان الواجب في هذه العزائم الأربع ، قال ومن قرأ شيئا من هذه العزائم الأربع فليسجد وليقل «إلهي آمنا بما كفروا. الى آخر ما تقدم» قال ثم يرفع رأسه ويكبر.

(التاسع) قال العلامة في المنتهى : يجوز فعلها في الأوقات كلها وان كانت

__________________

(١) ص ٢٢٥.

(٢ و ٣ و ٦) ص ٣٢٦.

(٤) ص ٣٢٨.

(٥ و ٧) ص ٣٢٧.

(٨) ص ٣٣٠.

٣٣٨

مما يكره فيه النوافل ، وهو قول الشافعي واحمد في إحدى الروايتين ومروي عن الحسن والشعبي وسالم وعطاء وعكرمة ، وقال أحمد في الرواية الأخرى انه لا يسجد وبه قال أبو ثور وابن عمر وسعيد بن المسيب وإسحاق ، وقال مالك يكره قراءة السجدة في وقت النهي (١). انتهى. وظاهر تشاغله بنقل أقوال العامة خاصة انه لا مخالف في هذا الحكم من أصحابنا.

ويدل على الحكم المذكور إطلاق أكثر الأخبار المتقدمة ، وخصوص رواية كتاب الدعائم حيث قال (٢) «ومن قرأ السجدة أو سمعها سجد اي وقت كان ذلك مما تجوز الصلاة فيه أو لا تجوز وعند طلوع الشمس وعند غروبها». إلا ان الخبر الخامس (٣) قد دل على النهي عن السجود إذا كان في تلك الساعات.

والعلامة في المنتهى قد احتج على الحكم المذكور بإطلاق الأمر بالسجود المتناول للأوقات كلها ، قال ولأنها ذات سبب فجاز فعلها في وقت النهي عن النوافل كقضاء النوافل الراتبة. ثم اعترض على نفسه برواية عمار المذكورة (٤) ثم أجاب بأن رواتها فطحية فلا تعارض ما ثبت بغيرها من الأخبار.

وأنت خبير بان الحكم المذكور لا يخلو من اشكال لعدم المعارض للموثقة المذكورة سوى إطلاق الأخبار الذي يمكن تقييده بالرواية المذكورة كما هو مقتضى القاعدة ، ورواية كتاب الدعائم لا تبلغ قوة في رد هذه الموثقة إلا انها بانضمام اتفاق الأصحاب على القول بمضمونها لا تقصر عن معارضتها ، مضافا إلى ما في روايات عمار مما نبهت عليه في غير موضع. وبالجملة فللتوقف في الحكم مجال.

(العاشر) ـ الظاهر انه لا خلاف في فوريتها وقد نقلوا الإجماع على ذلك ، ولو أخل بها حتى فاتت الفورية فهل تكون أداء أو قضاء؟ قال في الذكرى يجب قضاء العزيمة مع الفوات ويستحب قضاء غيرها ، ذكره الشيخ في المبسوط والخلاف لتعلق الذمة ، بالواجب أو المستحب فتبقى على الشغل. وهل ينوي القضاء؟ ظاهره ذلك لصدق حد القضاء عليها ، وفي المعتبر

__________________

(١) المغني ج ١ ص ٦٢٣.

(٢) ص ٣٢٠.

(٣ و ٤) ص ٣٢٦.

٣٣٩

ينوي الأداء لعدم التوقيت. وفيه منع لأنها واجبة على الفور فوقتها وجود السبب فإذا فات فقد فعلت في غير وقتها ولا نعني بالقضاء إلا ذلك. انتهى.

أقول : فيه ان الظاهر ان المراد من الوقت للشي‌ء ما كان ظرفا له يقع الإتيان به فيه كاوقات الصلوات الخمس ونحوها ، والظاهر هنا بالنسبة إلى قراءة العزيمة انما هو كونها سببا لوجوب السجود بحيث متى اتى بها اشتغلت الذمة بالسجود كالزلزلة فإنها سبب لوجوب الصلاة وان قصر وقتها عن الإتيان بالصلاة فتجب الصلاة بحصولها ، وقد حققنا ان الوقت في الزلزلة هو العمر فتبقى أداء مطلقا إذ لا وقت لها فكذلك السجدة هنا تكون أداء مطلقا لعدم التوقيت فيها ، وقراءة العزيمة انما هو سبب لوجوب الإتيان بها لا وقت له كما ذكره لأن الإتيان بها لا يقع إلا بعد مضي القراءة وانقضائها وقضية الوقتية الوقوع في أثناء الوقت كما عرفت ، وبذلك يظهر ان ما ذكره في المعتبر هو الأقوى والمعتبر.

هذا كله بناء على وجوب الإتيان بنية الوجه كما هو المشهور بينهم واما على ما نختاره وهو الأصح في المسألة فالواجب الإتيان به مطلقا من غير تعرض لنية قضاء ولا أداء.

ونظير الزلزلة في ما ذكرنا الحج أيضا فإنه بالاستطاعة يصير واجبا فيبقى وجوبه مستقرا في جميع الأزمان فلا وقت له يوجب الإتيان به في خارجه بنية القضاء ، ونسبة قراءة السجدة إلى وجوب السجود كنسبة الاستطاعة إلى الحج والزلزلة إلى الصلاة في كون الجميع من قبيل الأسباب.

(الحادي عشر) ـ قال في الذكرى : تتعدد السجدة بتعدد السبب سواء تخلل السجود أو لا لقيام السبب وأصالة عدم التداخل وروى محمد بن مسلم ، ثم أورد الخبر السادس (١).

أقول : لا إشكال في التعدد مع تخلل السجود واما مع عدمه فهو مبني على ما اشتهر

__________________

(١) ص ٣٢٦.

٣٤٠