الحدائق الناضرة - ج ٨

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]

الحدائق الناضرة - ج ٨

المؤلف:

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]


المحقق: محمّد تقي الإيرواني
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥٤٤

انا بغلام اسود بيده مقص يأخذ اللحم من جبينه وعرنين انفه من كثرة سجوده».

ومنها ـ انه يستحب للمرأة ان ترفع شعرها عن جبهتها وان كانت تصيب ببعضها الأرض لزيادة التمكين :

لما رواه علي بن جعفر في الصحيح عن أخيه (عليه‌السلام) (١) قال : «سألته عن المرأة تطول قصتها فإذا سجدت وقع بعض جبهتها على الأرض وبعض يغطيه الشعر هل يجوز ذلك؟ قال لا حتى تضع جبهتها على الأرض». هذا مع ما دل على عدم وجوب استيعاب الجبهة بالسجود بل يكفي المسمى كما تقدم بيانه.

وقال ابن الجنيد : لا يستحب للمرأة ان تطول قصتها حتى يستر شعرها بعض جبهتها عن الأرض أو ما تسجد عليه.

و (منها) ـ كشف باقي الأعضاء ، قال في المبسوط : ولم نقف على مستنده. واما الجبهة فلا ريب في وجوب كشفها.

ومنها ـ نظره في حال سجوده إلى طرف انفه ، قال في الذكرى : قاله جماعة من الأصحاب. وهو يؤذن بعدم وقوفه على مستنده ، وبذلك صرح غيره أيضا.

ومستنده الذي وقفت عليه ما في كتاب الفقه الرضوي (٢) حيث قال (عليه‌السلام): «ويكون بصرك في وقت السجود إلى انفك وبين السجدتين في حجرك وكذلك في وقت التشهد».

أقول : والمتأخرون قد نقلوا هذا الحكم وكذلك استحباب النظر في حال التشهد إلى حجره واعترفوا بعدم وجود المستند وانما عللوا ذلك ـ بعد كراهة التغميض في الصلاة ـ بأنه أبلغ في الخشوع والإقبال على العبادة. والخبر المذكور كما ترى صريح في ذلك والظاهر انه مستند الحكم عند المتقدمين سيما الصدوقين كما عرفت في غير مقام.

ومنها ـ ان يكون نظره في حال جلوسه بين السجدتين إلى حجره ، لما عرفته

__________________

(١) الوسائل الباب ١٤ من ما يسجد عليه.

(٢) ص ٨.

٣٠١

من عبارة كتاب الفقه الرضوي المذكور ، قال في الذكرى في تعداد مستحبات السجود : ومنها ـ ان يكون نظره في حال جلوسه بين السجدتين إلى حجره ، قاله المفيد وسلار ، وأطلق ابن البراج ان الجالس ينظر إلى حجره. انتهى. وهو مؤذن بما ذكرناه آنفا كما لا يخفى.

ومنها ـ مساواة مسجده لموقفه لقول الصادق (عليه‌السلام) في ما تقدم (١) : اني أحب ان أضع وجهي في موضع قدمي. وكره رفع الجبهة عن الموقف.

وقد تقدم انه يجوز الارتفاع والانخفاض بقدر اللبنة وان كان الأفضل المساواة وقال ابن الجنيد : ولا نختار ان يكون موضع السجود إلا مساويا لمقام المصلي من غير رفع ولا هبوط فان كان بينهما قدر أربع أصابع مقبوضة جاز ذلك مع الضرورة لا الاختيار ولو كان علو مكان السجود كانحدار التل ومسيل الماء جاز ما لم يكن في ذلك تحرف وتدريج وان تجاوز أربع أصابع لضرورة. انتهى.

ومنها ـ وضع اليدين حال السجود حيال المنكبين لقوله (عليه‌السلام) في صحيحة زرارة (٢) «ولا تلزق كفيك بركبتيك ولا تدنهما من وجهك بين ذلك حيال منكبيك». اي اجعلهما بين ذلك حيال منكبيك.

أو حيال وجهه كما هو ظاهر صحيح حماد (٣) حيث قال فيه : «ثم سجد وبسط كفيه مضمومتي الأصابع بين يدي ركبتيه حيال وجهه وقال سبحان ربي الأعلى وبحمده. الحديث».

ومنها ـ ان يجلس بعد السجدة الثانية مطمئنا على المشهور وهي جلسة الاستراحة وقال ابن الجنيد إذا رفع رأسه من السجدة الثانية في الركعة الاولى والثالثة حتى يماس ألياه الأرض أو اليسرى وحدها يسيرا ثم يقوم جاز ذلك. وقال على بن بابويه : لا بأس ان لا يقعد في النافلة ، كذا ذكره في الذكرى.

__________________

(١) ص ٢٨٥.

(٢) ص ٤.

(٣) ص ٣.

٣٠٢

وذهب المرتضى (رضي‌الله‌عنه) الى وجوب الجلوس هنا محتجا بالإجماع والاحتياط ، واحتج له العلامة في المختلف بما رواه الشيخ عن أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) (١) قال : «إذا رفعت رأسك من السجدة الثانية في الركعة الأولى حين تريد ان تقوم فاستو جالسا ثم قم». قال فان ظاهر الأمر الوجوب.

واعترضه في المدارك بأنه معارض بما رواه الشيخ عن زرارة (٢) قال : «رأيت أبا جعفر وأبا عبد الله (عليهما‌السلام) إذا رفعا رؤوسهما من السجدة الثانية نهضا ولم يجلسا». قال والسندان متقاربان ثم قال : ويدل على الاستحباب مضافا إلى ما سبق صحيحة عبد الحميد بن عواض (٣) «انه رأى أبا عبد الله (عليه‌السلام) إذا رفع رأسه من السجدة الثانية من الركعة الأولى جلس حتى يطمئن ثم يقوم». انتهى.

أقول : الظاهر ان عمدة أدلتهم على الاستحباب هو رواية زرارة المذكورة والذي يظهر لي إنما خرجت مخرج التقية (٤) :

لما رواه الشيخ في التهذيب عن الأصبغ بن نباتة (٥) قال : «كان أمير المؤمنين (عليه‌السلام) إذا رفع رأسه من السجود قعد حتى يطمئن ثم يقوم فقيل له يا أمير المؤمنين كان من قبلك أبو بكر وعمر إذا رفعوا رؤوسهم من السجود نهضوا على صدور اقدامهم كما تنهض

__________________

(١ و ٢ و ٣ و ٥) الوسائل الباب ٥ من السجود.

(٤) في فتح الباري ج ٢ ص ٣٠٤ «قال الشافعي وطائفة من أهل الحديث بمشروعية جلسة الاستراحة وعن احمد روايتان ، وذكر الخلال أن أحمد رجع إلى القول بها ولم يستحبها الأكثر» وفي المغني ج ١ ص ٥٢٩ «اختلفت الرواية عن احمد هل يجلس للاستراحة؟ فروى عنه لا يجلس وهو اختيار الخرقي وروى ذلك عن عمر وعلى وابن مسعود وابن عمر وابن عباس وبه قال مالك والثوري وإسحاق وأصحاب الرأي ، وقال أحمد أكثر الأحاديث على هذا ، وقال الترمذي عليه العمل عند أهل العلم ، وقال أبو الزناد تلك السنة. والرواية الثانية أنه يجلس اختارها الخلال وهو أحد قولي الشافعي».

٣٠٣

الإبل؟ فقال أمير المؤمنين (عليه‌السلام) انما يفعل ذلك أهل الجفاء من الناس ان هذا من توقير الصلاة».

ونحوه ما رواه زيد النرسي في كتابه (١) قال : «سمعت أبا الحسن (عليه‌السلام) يقول إذا رفعت رأسك من آخر سجدتك في الصلاة قبل ان تقوم فاجلس جلسة ثم بادر بركبتيك إلى الأرض قبل يديك وابسط يديك بسطا واتك عليهما ثم قم فان ذلك وقار المؤمن الخاشع لربه ، ولا تطش من سجودك مبادرا إلى القيام كما يطيش هؤلاء الأقشاب في صلاتهم».

ويؤكده ما رواه الصدوق في كتاب الخصال بسند معتبر عن أبي بصير ومحمد ابن مسلم عن أبي عبد الله عن آبائه (عليهم‌السلام) (٢) قال : «قال أمير المؤمنين (عليه‌السلام) اجلسوا في الركعتين حتى تسكن جوارحكم ثم قوموا فان ذلك من فعلنا».

واما ما رواه الشيخ في التهذيب عن رحيم (٣) ـ قال : «قلت لأبي الحسن الرضا (عليه‌السلام) جعلت فداك أراك إذا صليت فرفعت رأسك من السجود في الركعة الاولى والثالثة تستوي جالسا ثم تقوم فنضع كما تصنع؟ قال لا تنظروا إلى ما أصنع أنا اصنعوا ما تؤمرون». ـ فالظاهر عندي ان السائل في هذه الرواية من المخالفين فلذا منعه من الاقتداء به وامره بما هم عليه من المبادرة إلى القيام وعدم الجلوس ، وإلا فلو كان من الشيعة كيف يمنعه من العمل بما صنع هو (عليه‌السلام) والحال انه السنة المأمور بها ويأمره بخلاف ذلك مما يوهم انه مأمور به مع انه ليس بمأمور به عندنا وانما ذلك عند مخالفينا؟ وقد نقل القول بذلك في المنتهى عن جمهور المخالفين ولم ينقل خلافه إلا في رواية عن الشافعي ورواية عن احمد وفي الروايتين الأخيرتين وفاقا للأكثر القيام من غير جلوس (٤) ومتى ثبت خروج الخبر المذكور مخرج التقية انتفى المعارض لما دلت عليه رواية

__________________

(١ و ٢) مستدرك الوسائل الباب ٥ من السجود.

(٣) الوسائل الباب ٥ من السجود.

(٤) ص ٣٠٣ التعليقة (٤).

٣٠٤

أبي بصير من الأمر بالجلوس وتؤكده الروايات الباقية.

وبالجملة فإن الأخبار المذكورة بعد حمل خبر زرارة على ما ذكرناه غير منافية لما ذهب اليه السيد المرتضى (قدس‌سره) بل قابلة للانطباق عليه ، فان منها ما دل على حكاية فعلهم (عليهم‌السلام) في الجلوس ، ومنها ما دل على الأمر به ، وغاية ما استدلوا به رواية زرارة وقد عرفت الوجه فيها.

ومن العجب قول السيد السند (قدس‌سره) : «ويدل على الاستحباب مضافا إلى ما سبق صحيحة عبد الحميد بن عواض.» وذلك فان فعله (عليه‌السلام) لذلك أعم من الوجوب والاستحباب بل يلزم ـ بما ذكره في غير موضع من الاستدلال بالتأسي على الوجوب ـ دلالة الرواية المذكورة على الوجوب فأين الدلالة على الاستحباب؟

ومنها ـ التورك في الجلوس بين السجدتين وفي جلسة الاستراحة وكذا في التشهد كما سيأتي ان شاء الله تعالى ، بان يجلس على وركه الأيسر ويخرج رجليه جميعا من تحته ويجعل رجله اليسرى على الأرض وظاهر قدمه اليمنى على باطن قدمه اليسرى ويفضي بمقعدته إلى الأرض ، هكذا فسره الشيخ (قدس‌سره) ومن تبعه من المتأخرين. ونقل عن المرتضى في المصباح انه قال : يجلس مماسا بوركه الأيسر مع ظاهر فخذه اليسرى للأرض رافعا فخذه اليمنى على عرقوبه الأيسر وينصب طرف إبهام رجله اليمنى على الأرض ويستقبل بركبتيه معا القبلة. وقال ابن الجنيد في الجلوس بين السجدتين انه يضع ألييه على بطن قدميه ولا يقعد على مقدم رجليه وأصابعهما ولا يقعي إقعاء الكلب. وقال في تورك التشهد يلزق ألييه جميعا ووركه الأيسر وظاهر فخذه الأيسر بالأرض ولا يجزئه غير ذلك ولو كان في طين ، ويجعل باطن ساقه الأيمن على رجله اليسرى وباطن فخذه الأيمن على عرقوبه الأيسر ويلزق طرف إبهام رجله اليمنى مما يلي طرفها الأيسر بالأرض وباقي أصابعها عاليا عليها ولا يستقبل بركبتيه جميا القبلة.

٣٠٥

أقول : والذي وقفت عليه من الأخبار المتعلقة بذلك ما تقدم في صحيحة حماد (١) حيث قال : «ثم قعد على فخذه الأيسر وقد وضع ظاهر قدمه الأيمن على بطن قدمه الأيسر وقال : «استغفر الله ربي وأتوب إليه» ثم كبر وهو جالس وسجد السجدة الثانية».

وما تقدم في صحيحة زرارة (٢) قال : «وإذا قعدت في تشهدك فألصق ركبتيك بالأرض وفرج بينهما شيئا وليكن ظاهر قدمك اليسرى على الأرض وظاهر قدمك اليمنى على باطن قدمك اليسرى والياك على الأرض وطرف إبهامك اليمنى على الأرض ، وإياك والقعود على قدميك فتتأذى بذلك ولا تكون قاعدا على الأرض فيكون انما قعد بعضك على بعض فلا تصبر للتشهد والدعاء».

والظاهر هو القول الأول من الأقوال الثلاثة المتقدمة لظاهر هذين الخبرين ولا سيما الثاني ، قال في الذكرى : ومنها التورك بين السجدتين بان يجلس على وركه الأيسر ويخرج رجليه جميعا من تحته ويجعل رجله اليسرى على الأرض وظاهر قدمه اليمنى على باطن قدمه اليسرى ويفضي بمقعدته إلى الأرض كما في خبر جماد. ولا يستحب عندنا الافتراش وهو ان يثني رجله اليسرى فيبسطها ويجلس عليها وينصب رجله اليمنى ويخرجها من تحته ويجعل بطون أصابعه على الأرض معتمدا عليها ليكون أطرافها إلى القبلة ، ويظهر من خبر زرارة عن الباقر (عليه‌السلام) (٣) كراهته حيث قال : «وإياك والقعود على قدميك فتتأذى بذلك ولا تكون قاعدا على الأرض انما قعد بعضك على بعض». انتهى.

ومنها ـ الدعاء بعد الجلوس من السجدة الأولى ، قال في المنتهى : إذا جلس عقيب السجدة الأولى دعا مستحبا ذهب إليه علماؤنا.

وقد تقدم في صحيحة الحلبي أو حسنته عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) (٤)

__________________

(١) ص ٣.

(٢ و ٣) ص ٤.

(٤) ص ٢٩٩.

٣٠٦

«فإذا رفعت رأسك فقل بين السجدتين : اللهم اغفر لي وارحمني وأجرني. الدعاء إلى آخره».

وقال في كتاب الفقه الرضوي (١) «وقل بين سجدتيك اللهم اغفر لي وارحمني واهدني وعافني فإني لما أنزلت الي من خير فقير ، ثم اسجد الثانية».

وفي صحيح حماد (٢) «ثم رفع رأسه من السجود فلما استوى جالسا قال الله أكبر. وقال استغفر الله ربي وأتوب إليه ، ثم كبر وهو جالس وسجد السجدة الثانية».

ومنها ـ ان يدعو عند القيام معتمدا على يديه سابقا برفع ركبتيه ، وهو مما لا خلاف فيه بين الأصحاب (رضوان الله عليهم).

والذي وقفت عليه من الأخبار المتعلقة بهذا المقام ما رواه الشيخ في الصحيح عن محمد بن مسلم في حديث قد تقدم قريبا (٣) قال : «وإذا أراد ان يقوم رفع ركبتيه قبل يديه».

وما رواه في الكافي في الصحيح أو الحسن عن الحلبي عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) (٤) قال : «إذا سجد الرجل ثم أراد ان ينهض فلا يعجن بيديه في الأرض ولكن يبسط كفيه من غير ان يضع مقعدته على الأرض». قال في الوافي : ولعل المراد بقوله (عليه‌السلام) : «من غير ان يضع مقعدته على الأرض» ترك الإقعاء.

وعن أبي بكر الحضرمي (٥) قال : «قال أبو عبد الله (عليه‌السلام) إذا قمت من الركعة فاعتمد على كفيك وقل : بحول الله وقوته أقوم واقعد ، فإن عليا (عليه‌السلام) كان يفعل ذلك».

وما رواه الشيخ في الصحيح عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) (٦) «إذا قمت من السجود قلت : اللهم ربي بحولك وقوتك أقوم واقعد ، وان

__________________

(١) ص ٨.

(٢) ص ٣.

(٣) ص ٢٩١.

(٤) الوسائل الباب ١٩ من السجود.

(٥ و ٦) الوسائل الباب ١٣ من السجود.

٣٠٧

شئت قلت واركع واسجد».

وعن محمد بن مسلم في الصحيح عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) (١) قال : «إذا قام الرجل من السجود قال بحول الله أقوم واقعد».

وما رواه الحميري في كتاب قرب الاسناد عن عبد الله بن الحسن عن جده علي ابن جعفر عن أخيه (عليه‌السلام) (٢) قال : «سألته عن القيام من التشهد من الركعتين الأوليين كيف يصنع يضع ركبتيه ويديه على الأرض ثم ينهض أو كيف يصنع؟ قال ما شاء صنع ولا بأس».

وما رواه الطبرسي في الاحتجاج (٣) قال : «كتب الحميري.». ورواه الشيخ في كتاب الغيبة عن جماعة من مشايخه عن محمد بن احمد بن داود القمي عن محمد بن عبد الله الحميري (٤) «انه كتب إلى القائم (عليه‌السلام) يسأله عن المصلي إذا قام من التشهد الأول إلى الركعة الثالثة هل يجب عليه ان يكبر ، فان بعض أصحابنا قال لا يجب عليه التكبير ويجزئه ان يقول بحول الله وقوته أقوم واقعد؟ فوقع (عليه‌السلام) ان فيه حديثين : أما أحدهما فإنه إذا انتقل من حالة إلى حالة اخرى فعليه التكبير. واما الآخر فإنه روى انه إذا رفع رأسه من السجدة الثانية فكبر ثم جلس ثم قام فليس عليه في القيام بعد القعود تكبير وكذلك التشهد الأول يجري هذا المجرى. وبأيهما أخذت من جهة التسليم كان صوابا».

وما رواه في مستطرفات السرائر نقلا من كتاب محمد بن علي بن محبوب بسنده عن سعد الجلاب عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) (٥) قال : «كان أمير المؤمنين (عليه‌السلام) يبرأ من القدرية في كل ركعة ويقول بحول الله وقوته أقوم واقعد».

وما رواه عنه أيضا من الكتاب المذكور عن عبد الله بن سنان في الصحيح عن

__________________

(١ و ٣ و ٤ و ٥) الوسائل الباب ١٣ من السجود.

(٢) الوسائل الباب ١ من السجود.

٣٠٨

أبي عبد الله (عليه‌السلام) (١) قال : «إذا قمت من السجود قلت اللهم بحولك وقوتك أقوم واقعد واركع واسجد».

وما رواه في كتاب دعائم الإسلام عن جعفر بن محمد (عليهما‌السلام) (٢) قال : «إذا أردت القيام من السجود فلا تعجن بيديك يعني تعتمد عليهما وهي مقبوضة ولكن ابسطهما بسطا واعتمد عليهما وانهض قائما».

وعن علي (عليه‌السلام) (٣) «انه كان يقول إذا نهض من السجود إلى القيام اللهم بحولك وقوتك أقوم واقعد».

وما رواه في كتاب زيد النرسي عن أبي الحسن موسى (عليه‌السلام) (٤) «انه كان إذا رفع رأسه في صلاته من السجدة الأخيرة جلس جلسة ثم نهض للقيام وبادر بركبتيه من الأرض قبل يديه وإذا سجد بادر بهما الأرض قبل ركبتيه».

أقول : قد اشتملت هذه الأخبار على جملة من الأحكام : (الأول) الابتداء في الجلوس بوضع اليدين قبل الركبتين ، وقد مر انه إجماعي وتقدم ما يدل عليه من الأخبار.

(الثاني) ـ استحباب الابتداء عند القيام برفع الركبتين قبل اليدين وهو أيضا إجماعي.

(الثالث) ـ كراهة العجن باليدين عند القيام بان يقبضهما ويقوم عليهما مقبوضتي الأصابع بل ينبغي ان يبسطهما ويقوم عليهما كما تضمنه صحيح الحلبي وخبر كتاب دعائم الإسلام.

(الرابع) ـ رجحان الإتيان بجلسة الاستراحة وقد تقدم تحقيق القول فيها.

__________________

(١) الوسائل الباب ١٣ من السجود.

(٢) مستدرك الوسائل الباب ١٦ من السجود.

(٣) مستدرك الوسائل الباب ١١ من السجود.

(٤) مستدرك الوسائل الباب ١ من السجود.

٣٠٩

(الخامس) ـ استحباب الدعاء عند القيام ، قال في الذكرى في تعداد مستحبات السجود : ومنها ـ الدعاء في جلسة الاستراحة بقوله «بحول الله تعالى وقوته أقوم واقعد واركع واسجد» قال في المعتبر : والذي ذكره علي بن بابويه وولده والجعفي وابن الجنيد والمفيد وسلار وأبو الصلاح وابن حمزة ـ وهو ظاهر الشيخ (قدس‌سره) ـ ان هذا القول يقوله عند الأخذ في القيام وهو الأصح ، ثم استدل بجملة من الروايات المتقدمة. وهو جيد

(السادس) ـ التخيير بين الأدعية المذكورة في الأخبار في كل من القيام عن التشهد وعن جلسة الاستراحة.

(السابع) ـ ما دل عليه خبر التوقيع المذكور من التكبير عند القيام من التشهد الأول ، والمشهور بين الأصحاب عدم مشروعيته ، ونقل عن الشيخ المفيد (قدس‌سره) استحباب التكبير هنا وعدم استحبابه في القنوت. واعترض عليه الشيخ في التهذيب والشهيد في الذكرى بأنه يكون حينئذ عدد التكبير في الصلاة أربعا وتسعين مع ورود الرواية بأن عددها خمس وتسعون ، قال الشهيد (قدس‌سره) مع انه روى بعدة طرق : منها ـ رواية محمد بن مسلم عن الصادق (عليه‌السلام) (١) في القيام من التشهد يقول «بحول الله وقوته أقوم واقعد» وفي بعضها «بحولك وقوتك» وفي بعض «واركع واسجد». ولم يذكر في شي‌ء منها التكبير فالأقرب سقوطه للقيام وثبوته للقنوت وبه كان يفتي المفيد (قدس‌سره) وفي آخر عمره رجع عنه ، قال الشيخ ولست اعرف بقوله هذا حديثا أصلا. انتهى.

وقال السيد السند في المدارك ـ بعد ان أورد صحيحتي عبد الله بن سنان ومحمد بن مسلم المتقدمتين ـ ما لفظه : ويستفاد من هذه الرواية وغيرها عدم مشروعية التكبير عند القيام من التشهد وهو اختيار الشيخ وأكثر الأصحاب ، وقال المفيد (قدس‌سره) انه يقوم بالتكبير ، وهو ضعيف (أما أولا) فلما أوردناه من النقل و (اما ثانيا) فلأن تكبيرات

__________________

(١) الوسائل الباب ١٣ من السجود.

٣١٠

الصلاة منحصرة في خمس وتسعين : خمس للافتتاح وخمس للقنوت والبواقي للركوع والسجود فلو قام إلى الثالثة بالتكبير لزاد أربعا ، ويدل على هذا العدد روايات : منها ـ ما رواه الشيخ في الحسن عن معاوية بن عمار عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) (١) قال : «التكبير في صلاة الفرض في الخمس صلوات خمس وتسعون تكبيرة : منها ـ تكبيرة القنوت خمس». انتهى

أقول : لقائل أن يقول ان غاية ما يستفاد من هذه الروايات التي ذكروها هو عدم الدلالة على المشروعية لا الدلالة على العدم فإنها مطلقة ولا دلالة فيها على نفيه ولا المنع منه ، والمستلزم لعدم المشروعية انما هو الثاني لا الأول. واما الاستناد إلى حصر التكبيرات في خمس وتسعين تكبيرة كما ذكروه ففيه انه انما يتم لو كان الحصر المذكور حقيقيا والظاهر انه ليس كذلك ، لان الست الافتتاحية المضافة إلى تكبيرة الإحرام مما لا خلاف في استحبابها نصا وفتوى مع انها غير مذكورة ، وكذا استحباب الافتتاح بإحدى وعشرين تكبيرة كما رواه زرارة في الصحيح عن الباقر (عليه‌السلام) (٢) من ان من استفتح بها أول صلاته أجزأه عن كل تكبير في الصلاة إذا نسيه. وينبغي القول بما دلت عليه وان لم ينص عليه أحد في ما أعلم لصحة مستنده وصراحته ، وحينئذ فمتى كان الحصر إضافيا فلا دلالة في الأخبار المذكورة فتحمل على التكبيرات المؤكدة والوظائف اللازمة. نعم لو احتجوا على هذه الدعوى بان العبادات توقيفية والقول بشي‌ء منها من غير دليل إدخال في الدين ما ليس منه فيكون تشريعا محرما لكان له وجه وجيه. إلا انه يجاب حينئذ عن ذلك بخبر التوقيع المذكور. ويمكن ان يكون الشيخ المفيد (عطر الله مرقده) انما استند اليه ، ومن المقطوع ان مثله (قدس‌سره) لا يعدل عما كان عليه إلا لوضوح الدليل لديه ، وعدم اطلاع الشيخ كما ذكره لا يدل على العدم ، وظاهر خبر التوقيع المذكور ان الخلاف في المسألة يومئذ كان موجودا ونسبة السائل

__________________

(١) الوسائل الباب ٥ من تكبيرة الإحرام.

(٢) الوسائل الباب ٦ من تكبيرة الإحرام.

٣١١

المحالفة إلى بعض الأصحاب يؤذن بأن الأكثر كان يومئذ على القول بالاستحباب كما لا يخفى.

(الثامن) ـ ما يدل عليه الخبر المذكور من التخيير في مقام اختلاف الأخبار كما نص عليه جملة من أصحابنا (رضوان الله عليهم) وجعلوه وجه جمع بين الأخبار. وهو جيد لهذا الخبر ونحوه في بعض الأخبار أيضا.

(التاسع) ـ قوله (عليه‌السلام) في التوقيع المذكور «واما الآخر فإنه روى أنه إذا رفع رأسه من السجدة الثانية فكبر ثم جلس. إلخ» فإنه ربما يشعر بظاهره بان تكبير الرفع من السجدة الثانية قبل ان يستوي جالسا وهو خلاف المفهوم من كلام الأصحاب ، ونحوه في ذلك قوله في خبر حماد (١) «ثم رفع رأسه من السجود فلما استوى جالسا قال الله أكبر ثم قعد على جانبه الأيسر وقد وضع ظاهر قدمه اليمنى على باطن قدمه اليسرى». قال شيخنا المجلسي (قدس‌سره) في البحار في شرح حديث حماد : هذا يوهم ان التورك بعد التكبير ولم يقل به أحد وليس في رواية أخرى مثله.

أقول : في هذه الرواية كما ترى مثله ، وقد مر له نظير في تكبير الأخذ في السجدة الأولى فإن أكثر الأخبار ـ وهو الذي صرح به الأكثر ـ انه حال القيام وقيل يهوى بالتكبير وعليه دل بعض الأخبار المتقدمة.

ثم ان شيخنا المشار اليه احتمل ان «ثم» هنا ليست للتراخي الزماني بل للتراخي الرتبي والترتيب المعنوي.

(المقام الثالث) ـ في الأحكام وفيه مسائل (الأولى) قد عرفت في ما تقدم استحباب التورك في جلوس الصلاة وبيان كيفيته ، وقد صرح الأصحاب بكراهة الإقعاء في جلوس الصلاة إلا انه قد وقع الخلاف في حكمه وكيفيته فلا بد من الكلام في الموضعين

فاما في حكمه فالمشهور بين الأصحاب هو القول فيه بالكراهة بل ادعى الشيخ في الخلاف

__________________

(١) ص ٣.

٣١٢

عليه الإجماع ، ونقل القول بالكراهة المحقق في المعتبر عن معاوية بن عمار ومحمد بن مسلم من القدماء.

ونقل عن الشيخ في المبسوط والمرتضى (رضي‌الله‌عنهما) انهما ذهبا إلى عدم الكراهة ، قال في المبسوط حيث ذكر الجلوس بين السجدتين وبعد الثانية : الأفضل ان يجلس متوركا وان جلس بين السجدتين أو بعد الثانية مقعيا كان أيضا جائزا إلا انه في موضع آخر ـ حيث عد التروك المسنونة ـ قال : ولا يقعي بين السجدتين. وقال في النهاية : لا بأس ان يقعد متربعا أو يقعي بين السجدتين ولا يجوز ذلك في حال التشهد. وفي الخلاف الإقعاء مكروه.

وقال الصدوق : لا بأس بالإقعاء فيما بين السجدتين ولا بأس به بين الاولى والثانية وبين الثالثة والرابعة ولا يجوز الإقعاء في موضع التشهدين لأن المقعي ليس بجالس انما يكون بعضه قد جلس على بعض فلا يصبر للدعاء والتشهد ، وقال ابن إدريس : لا بأس بالإقعاء بين السجدتين من الاولى والثانية والثالثة والرابعة ، وتركه أفضل ، ويكره أشد من تلك الكراهة في حال الجلوس للتشهدين. وقد يوجد في بعض كتب أصحابنا : ولا يجوز الإقعاء في حال التشهدين. وذلك يدل على تغليظ الكراهة لا الحظر لأن الشي‌ء إذا كان شديد الكراهة قيل «لا يجوز» ويعرف ذلك بالقرائن.

وإلى هذا يميل كلام العلامة (قدس‌سره) في المختلف حيث قال : والأقرب عندي كراهة الإقعاء مطلقا وان كان في التشهد آكد. وظاهر هذا الكلام هو ثبوت الكراهة في كل جلوس وهو ظاهر الشهيدين أيضا وبه صرح العلامة في النهاية على ما نقل عنه. وأكثر الأخبار الآتية ان شاء الله تعالى المشتملة على النهي مختصة بالجلوس بين السجدتين والأخبار انما تقابلت نفيا وإثباتا في هذا الموضع كما ستمر بك ان شاء الله تعالى واما الكلام في كيفيته فقد وقع الخلاف في ذلك بين الفقهاء وأهل اللغة ، قال في الصحاح : أقعى الكلب إذا جلس على استه مفترشا رجليه وناصبا يديه ، وقد جاء

٣١٣

النهي عن الإقعاء في الصلاة وهو ان يضع ألييه على عقبيه بين السجدتين ، وهذا تفسير الفقهاء ، واما أهل اللغة فالإقعاء عندهم ان يلصق الرجل ألييه بالأرض وينصب ساقيه ويتساند إلى ظهره. وقال ابن الأثير في النهاية : فيه «انه نهى عن الإقعاء في الصلاة» الإقعاء أن يلصق الرجل ألييه بالأرض وينصب ساقيه وفخذيه ويضع يديه على الأرض كما يقعي الكلب. وقيل هو ان يضع ألييه على عقبيه بين السجدتين ، والقول الأول ومنه الحديث «انه (صلى‌الله‌عليه‌وآله) أكل مقعيا». أراد انه كان يجلس عند الأكل على وركيه مستوفزا غير متمكن.

وقال في القاموس : أقعى في جلوسه تساند إلى ما وراءه والكلب جلس على استه.

وقال المطرزي في المغرب : الإقعاء أن يلصق ألييه بالأرض وينصب ساقيه ويضع يديه على الأرض كما يقعي الكلب. وتفسير الفقهاء ان يضع ألييه على عقبيه بين السجدتين وقال في كتاب المصباح المنير : أقعى إقعاء ألصق ألييه بالأرض ونصب ساقيه ووضع يديه على الأرض كما يقعي الكلب. وقال الجوهري الإقعاء عند أهل اللغة ، وأورد نحو ما تقدم وجعل مكان «وضع يديه» «ويتساند إلى ظهره» وقال ابن القطاع : أقعى الكلب جلس على ألييه ونصب فخذيه وأقعى الرجل جلس تلك الجلسة. انتهى.

فهذه جملة من كلام أهل اللغة متفقة على تفسيره بإقعاء الكلب على النحو المذكور في كلامهم.

واما الفقهاء فقال المحقق (عطر الله مرقده) في المعتبر : ويستحب الجلوس بين السجدتين متوركا ، وقال في المبسوط : الأفضل ان يجلس متوركا ولو جلس مقعيا بين السجدتين وبعد الثانية جاز. وقال الشافعي وأبو حنيفة واحمد يجلس مفترشا لرواية أبي حميد الساعدي (١) وكيفية التورك ان يجلس على وركه الأيسر ويخرج رجليه جميعا ويفضي بمقعدته إلى الأرض ويجعل رجله اليسرى على الأرض وظاهر قدمه اليمنى على باطن

__________________

(١) الأم للشافعي ج ١ ص ١٠٠.

٣١٤

قدمه اليسرى ، وكيفية الافتراش ان يجلس على رجله اليسرى ويخرج رجله اليمنى من تحته وينصبها ويجعل بطون أصابعها على الأرض معتمدا عليها إلى القبلة. وقال علم الهدى (قدس‌سره) : يجلس مماسا بوركه الأيسر مع ظاهر فخذه اليسرى الأرض رافعا فخذه اليمنى على عرقوبه الأيسر وينصب طرف إبهام رجله اليمنى على الأرض ويستقبل بركبتيه معا القبلة. وما ذكره الشيخ اولى. ثم قال (قدس‌سره) : يكره الإقعاء بين السجدتين قاله في الجمل وبه قال معاوية بن عمار منا ومحمد بن مسلم والشافعي وأبو حنيفة واحمد (١) وقال الشيخ بالجواز وان كان التورك أفضل وبه قال علم الهدى. لنا ـ ما رووه عن علي (عليه‌السلام) (٢) قال : «قال رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) لا تقع بين السجدتين». وعن انس (٣) قال : «قال رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) إذا رفعت رأسك من السجود فلا تقع كما يقعي الكلب». ومن طريق الأصحاب ما رواه أبو بصير عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٤) قال : «لا تقع بين السجدتين إقعاء». والدليل على ان النهي ليس للتحريم ما رواه عبيد الله بن علي الحلبي عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) (٥) قال : «لا بأس بالإقعاء في الصلاة في ما بين السجدتين». والإقعاء أن يعتمد بصدور قدميه على الأرض ويجلس على عقبيه. وقال بعض أهل اللغة هو ان يجلس على ألييه ناصبا فخذيه مثل إقعاء الكلب. والمعتمد الأول لأنه تفسير الفقهاء وبحثهم على تقديره. وعلى هذا الكلام من أوله إلى آخره جرى العلامة في المنتهى وقريب منه الشهيد في الذكرى.

وبالجملة فكلام الفقهاء متفق على تفسير الإقعاء بما اختاره المحقق وبين انه المعمول

__________________

(١) في المغني ج ١ ص ٥٢٤ «يكره الإقعاء وهو ان يفترش قدميه ويجلس على عقبيه قال به علي (ع) وأبو هريرة وقتادة ومالك والشافعي وأصحاب الرأي وعليه العمل عند أكثر أهل العلم».

(٢ و ٣) المغني ج ١ ص ٥٢٤ عن ابن ماجة.

(٤ و ٥) الوسائل الباب ٦ من السجود.

٣١٥

عليه بين الفقهاء وان بحثهم على تقديره. بقي الكلام في اخبار المسألة ، والواجب نقلها ثم الكلام في المقام بما سنح بتوفيق الملك العلام وبركة أهل الذكر عليهم الصلاة والسلام :

فمن أخبار المسألة ما تقدم في كلام المحقق من روايتي أبي بصير والحلبي ، وما رواه في التهذيب في الصحيح عن معاوية بن عمار ومحمد بن مسلم والحلبي (١) قالوا : «لا تقع في الصلاة بين السجدتين كإقعاء الكلب».

وما رواه في كتاب معاني الأخبار عن عمرو بن جميع (٢) قال : «قال أبو عبد الله (عليه‌السلام) لا بأس بالإقعاء في الصلاة بين السجدتين وبين الركعة الاولى والثانية وبين الركعة الثالثة والرابعة ، وإذا أجلسك الإمام في موضع يجب ان تقوم فيه فتجاف ولا يجوز الإقعاء في موضع التشهدين إلا من علة لأن المقعي ليس بجالس انما جلس بعضه على بعض. والإقعاء أن يضع الرجل ألييه على عقبيه في تشهديه. فأما الأكل مقعيا فلا بأس به فان رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) قد أكل مقعيا».

وما رواه ابن إدريس في مستطرفات السرائر نقلا من كتاب حريز عن زرارة (٣) قال : «قال أبو جعفر (عليه‌السلام) لا بأس بالإقعاء في ما بين السجدتين ولا ينبغي الإقعاء في موضع التشهد انما التشهد في الجلوس وليس المقعي بجالس».

إذا عرفت ذلك فاعلم أن الإقعاء بالمعنى الذي عليه الفقهاء قد صرحت به رواية عمرو بن جميع إلا انها دلت على المنع منه في التشهدين ونفى البأس عما عداهما ، والإقعاء بالمعنى الذي صرح به أهل اللغة قد أشارت إليه صحيحة المشايخ الثلاثة معاوية بن عمار ومحمد بن مسلم والحلبي ودلت على النهي عنه بين السجدتين ، وحينئذ فيكون كل من المعنيين قد ورد في الأخبار لكن على الوجه الذي عرفت ، وعلى هذا فيمكن الجمع بين الروايات بحمل روايات النهي على الإقعاء المنقول عن أهل اللغة ـ وهو الجلوس على

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ٦ من السجود.

(٣) الوسائل الباب ١ من التشهد.

٣١٦

الأليين ناصبا فخذيه واضعا يديه على الأرض مثل إقعاء الكلب ، ورواية أبي بصير الدالة على النهى عنه بين السجدتين وان كانت مطلقة إلا ان رواية للمشايخ الثلاثة المصرحة بالنهي في الصورة المذكورة قد صرحت بأنه بهذا المعنى فتحمل رواية أبي بصير عليها في ذلك ـ وروايات الجواز على الإقعاء بالمعنى الذي عند الفقهاء كما صرحت به رواية عمرو بن جميع ، ورواية عبيد الله بن علي الحلبي المتقدمة الدالة على نفى البأس عنه بين السجدتين وان كانت مطلقة في معنى الإقعاء إلا انه يجب حملها على رواية عمرو بن جميع التي اشتركت معها في نفي البأس عنه في الصورة المذكورة حيث صرحت بتفسيره. وفي هذا وقوف على ظاهر الروايات من كل من الطرفين وتقييد مجملها بمفصلها وحمل مطلقها على مقيدها.

هذا بالنسبة إلى الجلوس بين السجدتين الذي هو مورد اختلاف الأخبار فإنها إنما تقابلت فيه خاصة.

واما التشهد فظاهر روايتي معاني الأخبار والسرائر هو المنع من الإقعاء ، وليس لهاتين الروايتين بالنسبة إلى التشهد معارض في الأخبار بل فيها ما يؤيدهما مثل قوله (عليه‌السلام) في صحيحة زرارة الدالة على النهى عن القعود على قدميه وانه يتأذى بذلك ولا يكون قاعدا على الأرض وانما قعد بعضه على بعض فلا يصبر للتشهد والدعاء (١) وما توهمه صاحب المدارك ـ من تعدية الحكم فيها إلى الجلوس بين السجدتين ، قال فإن العلة التي ذكرها في التشهد تحصل في غيره فيتعدى الحكم اليه ـ ممنوع بان الذكر والدعاء في التشهد أكثر منهما بين السجدتين كما لا يخفى فلا يثبت تعدي الحكم ، ورواية السرائر وان أجمل فيها الإقعاء إلا انه مفسر في رواية عمرو بن جميع فيحمل إجمالها على تفسير هذه.

نعم يبقى الكلام في انه قد تقدم ان ظاهر الأخبار وكلام الأصحاب هو استحباب التورك في جلوس الصلاة مطلقا. والوجه في الجواب عن ذلك ما ذكره الشيخ من حمل اخبار الجواز على الرخصة والجواز وان كان خلاف الأفضل.

__________________

(١) ص ٤.

٣١٧

ثم انه من المحتمل قريبا أيضا ـ ولعله الاولى والأرجح في المقام ـ حمل روايات نفى البأس عن الإقعاء بمعنى الجلوس على العقبين كما ذكرنا على التقية ، حيث ان مذهب جماعة من العامة استحبابه ونقلوا عن ابن عباس أنه السنة ، وعن طاوس قال : رأيت العبادلة يفعلون ذلك : عبد الله بن عمر وابن عباس وابن الزبير (١).

وقال بعض شراح صحيح مسلم في باب الإقعاء (٢) بعد نقل حديث ابن عباس انه سنة : اعلم ان الإقعاء ورد فيه حديثان ففي هذا الحديث انه سنة وفي حديث آخر النهي عنه ، رواه الترمذي وغيره من رواية علي (عليه‌السلام) ، وابن ماجة من رواية انس ، واحمد بن حنبل من رواية سمرة وأبي هريرة ، والبيهقي من رواية سمرة وانس وأسانيدها كلها ضعيفة. وقد اختلف العلماء في حكم الإقعاء وفي تفسيره اختلافا كثيرا لهذه الأحاديث ، والصواب الذي لا معدل عنه ان الإقعاء نوعان : (أحدهما) ان يلصق ألييه بالأرض وينصب ساقيه ويضع يديه على الأرض كإقعاء الكلب ، هكذا فسره أبو عبيدة معمر بن المثنى وصاحبه أبو عبيد القاسم بن سلام وآخرون من أهل اللغة ، وهذا النوع هو المكروه الذي ورد فيه النهي. و (النوع الثاني) ان يجعل ألييه على عقبيه بين السجدتين ، وهذا هو مراد ابن عباس انه سنة ، وقد نص الشافعي على استحبابه في الجلوس بين السجدتين : وحمل حديث ابن عباس عليه جماعات من المحققين : منهم ـ البيهقي والقاضي عياض وآخرون ، قال القاضي وقد ورد عن جماعة من الصحابة والسلف انهم كانوا يفعلونه ، قال وكذا جاء مفسرا عن ابن عباس من السنة ان تمس عقبيك ألييك ، فهذا هو الصواب في تفسير حديث ابن عباس ، وقد ذكرنا ان الشافعي نص على استحبابه في الجلوس بين السجدتين. انتهى. ومما ذكرناه يظهر قرب حمل اخبار الجواز على التقية.

__________________

(١) المغني ج ١ ص ٥٢٤.

(٢) شرح صحيح مسلم للنووي ج ٥ ص ١٩.

٣١٨

وقد عرفت مما قدمناه ان المراد بالإقعاء في اخبار الجواز هو الإقعاء الذي جعلوه هنا سنة وهو الجلوس على العقبين معتمدا على صدور الرجلين ، هذا بالنسبة إلى ما بين السجدتين وإلا فقد عرفت ان الإقعاء في التشهد مما لا معارض للقول بالمنع منه.

ولا يخفى ان ما ذكره الأصحاب ـ من جواز الإقعاء على كراهة في جلوس الصلاة مطلقا مع تفسيرهم الإقعاء بالجلوس على العقبين معتمدا على صدور قدميه ـ ظاهر في صحة الصلاة بجلوسه على هذه الكيفية ، وهو مشكل فان صدق الجلوس شرعا أو عرفا على هذه الكيفية لا يخلو من بعد سيما مع تصريح الخبر بأن المقعي ليس بجالس. والظاهر ان ما ذكره في الفقيه وصرحت به رواية عمرو بن جميع من عدم الجواز مراد به ظاهره لا المبالغة في الكراهة كما صرح به ابن إدريس ، لما عرفت من ان الجالس على عقبيه مع اعتماده على صدور رجليه لا يصدق عليه انه جالس كما صرحت به الرواية وحينئذ فيجب حمل لفظ «لا ينبغي» في رواية السرائر على معنى التحريم وهو أكثر كثير في الأخبار كما تقدم ذكره في غير مقام.

وبالجملة فالذي يتلخص مما فهمنا من اخبار المسألة هو كراهة الإقعاء بمعنى الجلوس على الأليين كإقعاء الكلب بحمل روايات النهي على هذه الصورة كما عرفت واما روايات الجواز فهي محمولة على الإقعاء بالمعنى الثاني ولكن رواياته انما خرجت مخرج التقية وموردها بين السجدتين الذي قد عرفت من كلامهم انه سنة ، والظاهر هو عدم جوازه لعدم صدق الجلوس معه إلا في حال التقية وان كان ذلك خلاف ما عليه الأصحاب كما عرفت. والله العالم.

(المسألة الثانية) ـ المشهور بين الأصحاب ان من كان في موضع سجوده دمل أو جراحة أو دم يمنع من السجود عليه فان أمكنه أن يحفر حفيرة أو يعمل شيئا مجوفا من طين أو خشب أو نحوهما ليقع السليم من الجبهة على ما يصح السجود عليه وجب وان تعذر لاستغراق الجبهة بالمرض أو غير ذلك سجد على أحد الجبينين فان تعذر فعلى ذقنه.

٣١٩

وقال الشيخ في المبسوط ان كان هناك دمل أو جراحة ولم يتمكن من السجود عليه سجد على أحد جانبيه فان لم يتمكن سجد على ذقنه وان جعل لموضع الدمل حفيرة يجعلها فيه كان جائزا. وفيه تصريح بعدم وجوب الحفيرة أولا ونحوه في النهاية. وقال ابن حمزة يسجد على أحد جانبيها فان لم يتمكن فالحفيرة فان لم يتمكن فعلى ذقنه فقدم السجود على أحد الجانبين على الحفيرة. وقال الشيخ علي بن بابويه يحفر حفيرة للدمل وان كان بجبهته علة تمنعه من السجود سجد على قرنه الأيمن من جبهته فان عجز فعلى قرنه الأيسر من جبهته فان عجز فعلى ظهر كفه فان عجز فعلى ذقنه. ونحوه كلام ابنه الصدوق (قدس‌سره).

واما الأخبار التي وقفت عليها في هذه المسألة فمنها ـ ما رواه الشيخ في الموثق عن إسحاق بن عمار عن بعض أصحابه عن مصادف (١) قال «خرج بي دمل فكنت اسجد على جانب فرأى أبو عبد الله (عليه‌السلام) أثره فقال ما هذا؟ فقلت لا أستطيع ان اسجد من أجل الدمل فإنما اسجد منحرفا. فقال لي لا تفعل ذلك ولكن احفر حفيرة واجعل الدمل في الحفيرة حتى تقع جبهتك على الأرض».

وما رواه في الكافي عن علي بن محمد بإسناده (٢) قال : «سئل أبو عبد الله (عليه‌السلام) عن من بجبهته علة لا يقدر على السجود عليها قال يضع ذقنه على الأرض ان الله تبارك وتعالى يقول (يَخِرُّونَ لِلْأَذْقانِ سُجَّداً)» (٣).

وما رواه الثقة الجليل علي بن إبراهيم في كتابه في الموثق عن أبيه عن الصباح عن إسحاق بن عمار (٤) قال : «قلت لأبي عبد الله (عليه‌السلام) رجل بين عينيه قرحة لا يستطيع ان يسجد عليها؟ قال يسجد ما بين طرف شعره فان لم يقدر سجد على حاجبه الأيمن فان لم يقدر فعلى حاجبه الأيسر فان لم يقدر فعلى ذقنه. قلت على ذقنه؟

__________________

(١ و ٢ و ٤) الوسائل الباب ١٢ من السجود.

(٣) سورة بني إسرائيل ، الآية ١٠٨ وهي فيما وقفنا عليه من النسخ تبعا للكافي والوافي والوسائل هكذا «ويخرون.» والصحيح «يخرون.» والواو من زيادة النساخ.

٣٢٠