الحدائق الناضرة - ج ٨

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]

الحدائق الناضرة - ج ٨

المؤلف:

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]


المحقق: محمّد تقي الإيرواني
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥٤٤

مع ارادة التكبير لأن التكبير لازم للرفع تنبيها على تأكده ولزومه له بخلاف العكس. انتهى

وهذه الدعوى ممنوعة لعدم دليل على التلازم ، ومجرد عدم وجود الرفع بدون التكبير في غير هذه الصورة لا يصلح دليلا إذ هو محل النزاع ، وهل هي إلا مصادرة على المطلوب؟ وبالجملة فإن العبادات تشريعية دائرة مدار الورود عن صاحب الشرع ولا مدخل للاستبعادات العقلية فيها ، والذي ورد هو ما ترى من الرفع خاصة وما زاد يتوقف على الدليل وليس فليس ، بل لا يبعد ان الإتيان بالتكبير في الصورة المذكورة تشريع لعدم ثبوت التعبد به.

وبالجملة فالظاهر هو القول الوسط من الأقوال الثلاثة المتقدمة ، على ان احتمال التقية في الخبرين المذكورين بالنسبة إلى هذا الحكم غير بعيد كما أشار إليه الشهيد في الذكرى في ما قدمنا من عبارته ، ويؤيد ذلك ما ذكره شيخنا المجلسي (قدس‌سره) حيث قال بعد نقل كلام الذكرى : أقول : ميل أكثر العامة إلى استحباب الرفع (١) صار.

__________________

(١) في فتح الباري ج ٢ ص ١٤٩ باب (رفع اليدين إذا كبر وعند الركوع وإذا رفع منه) قال «صنف البخاري في هذه المسألة جزء مفردا وحكى فيه ان الصحابة كانوا يفعلون ذلك ، وقال محمد بن نصر المروزي أجمع علماء الأمصار على مشروعية ذلك إلا أهل الكوفة ، وقال ابن عبد البر لم يرو أحد عن مالك ترك الرفع فيهما إلا ابن القاسم. ونقل الخطابي والقرطبي انه آخر قولي مالك وأصحهما ولم أر للمالكية دليلا على تركه. والحنفية عولوا على رواية مجاهد انه صلى خلف ابن عمر فلم يره يفعل ذلك. الى ان قال وقال البخاري في جزئه من زعم ان رفع اليدين عند الركوع وعند الرفع منه بدعة فقد طعن في الصحابة فإنه لم يثبت عن أحد منهم تركه» وفي المغني ج ١ ص ٤٩٧ «فإذا فرغ من القراءة كبر للركوع ويرفع يديه كرفعه عند تكبيرة الإحرام ، وبهذا قال ابن عمر وابن عباس وجابر وأبو هريرة وابن الزبير وانس والحسن وعطاء وطاوس ومجاهد وسالم وسعيد ابن جبير وغيرهم من التابعين ، وهو مذهب ابن المبارك والشافعي وإسحاق ومالك في إحدى الروايتين عنه. وقال الثوري وأبو حنيفة لا يرفع يديه إلا في الافتتاح وهو قول إبراهيم النخعي».

٢٦١

سببا لرفع الاستحباب عند أكثرنا. انتهى. أقول ومن ذلك يعلم انه لا يبعد حمل الحكم المذكور على التقية حيث انه لم يشتهر هذا الحكم في اخبارهم ولا بين متقدمي أصحابهم (عليهم‌السلام).

ومما يؤيد ذلك ما وقفت عليه في كتاب المنتظم للشيخ أبي الفرج ابن الجوزي الحنبلي في مقام الطعن على أبي حنيفة ، حيث عد فيه جملة من المسائل التي خالف فيها أبو حنيفة روايات الصحاح باجتهاده ، وقد نقلت تلك المسائل في مقدمة كتاب سلاسل الحديد في تقييد ابن أبي الحديد في جملة مطاعن أبي حنيفة ، قال في كتاب المنتظم : الخامس ـ تعين رفع اليدين في الركوع وعند الرفع منه وقال أبو حنيفة لا يسن ، وفي الصحيحين (١) من حديث ابن عمر «ان النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) كان إذا افتتح الصلاة رفع يديه حتى يحاذي منكبيه وإذا أراد ان يركع وبعد ما يرفع رأسه من الركوع». الى ان قال : وقد رواه عن رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) نحو من عشرين صحابيا. انتهى. أقول : لا يخفى ان تخصيص أبي حنيفة بالمخالفة في هذا الحكم مؤذن بشهرة الحكم عندهم واتفاق من عداه على الحكم المذكور ، وقد استفاضت الأخبار بمخالفة ما عليه العامة والأخذ بخلافهم وان كان في غير مقام تعارض الأخبار كما لا يخفى على من جاس خلال الديار والتقط من لذيذ تلك الثمار. والله العالم.

ومنها ـ ما اشتملت عليه صحيحة حماد (٢) من قوله : «ثم ركع وملأ كفيه من ركبتيه منفرجات ورد ركبتيه إلى خلفه حتى استوى ظهره حتى لو صبت عليه قطرة من.

__________________

(١) صحيح مسلم ج ١ ص ١٥٣ باب استحباب رفع اليدين مع تكبيرة الإحرام وعند الركوع عن ابن عمر قال «كان رسول الله «ص» إذا قام إلى الصلاة رفع يديه حتى تكونا حذو منكبيه ثم كبر فإذا أراد ان يركع فعل مثل ذلك وإذا رفع من الركوع فعل مثل ذلك ولا يفعله حين يرفع رأسه من السجود». ومثله في البخاري ج ١ ص ١١٨.

(٢) ص ٢. وليس في كتب الحديث بعد ذكر الركوع «ثلاث مرات».

٢٦٢

ماء أو دهن لم تزل لاستواء ظهره ، ومد عنقه وغمض عينيه ثم سبح ثلاثا بترتيل فقال سبحان ربي العظيم وبحمده (ثلاث مرات) ثم استوى قائما فلما استمكن من القيام قال «سمع الله لمن حمده» ثم كبر وهو قائم ورفع يديه حيال وجهه ثم سجد. الحديث».

وصحيحة زرارة عن أبي جعفر (عليه‌السلام) (١) قال : «إذا أردت أن تركع فقل وأنت منتصب «الله أكبر» ثم اركع وقل : اللهم لك ركعت ولك أسلمت وبك آمنت وعليك توكلت وأنت ربي خشع لك قلبي وسمعي وبصري وشعري وبشري ولحمي ودمي ومخي وعصبي وعظامي وما أقلته قدماي غير مستنكف ولا مستكبر ولا مستحسر سبحان ربي العظيم وبحمده (ثلاث مرات في ترتيل) وتصف في ركوعك بين قدميك تجعل بينهما قدر شبر ، وتمكن راحتيك من ركبتيك وتضع يدك اليمنى على ركبتك اليمنى قبل اليسرى ، وبلع بأطراف أصابعك عين الركبة وفرج أصابعك إذا وضعتها على ركبتيك ، وأقم صلبك ومد عنقك وليكن نظرك بين قدميك ، ثم قل : سمع الله لمن حمده ـ وأنت منتصب قائم ـ الحمد لله رب العالمين أهل الجبروت والكبرياء والعظمة لله رب العالمين. تجهر بها صوتك. ثم ترفع يديك بالتكبير ثم تخر ساجدا».

وفي صحيح زرارة الآخر عن أبي جعفر (عليه‌السلام) المتقدم في صدر الباب (٢) «فإذا ركعت فصف في ركوعك بين قدميك تجعل بينهما قدر شبر وتمكن راحتيك من ركبتيك وتضع يدك اليمنى على ركبتك اليمنى قبل اليسرى وبلع بأطراف الأصابع عين الركبة وفرج أصابعك إذا وضعتها على ركبتيك فان وصلت أطراف أصابعك في ركوعك إلى ركبتيك أجزأك ذلك ، وأحب الي ان تمكن كفيك من ركبتيك فتجعل أصابعك في عين الركبة وتفرج بينها ، وأقم صلبك ومد عنقك وليكن نظرك إلى ما بين قدميك ، فإذا أردت أن تسجد فارفع يديك بالتكبير وخر ساجدا. الحديث».

وقال في كتاب الفقه الرضوي (٣) «وإذا ركعت فألقم ركبتيك راحتيك وتفرج

__________________

(١) الوسائل الباب ١ من الركوع.

(٢) ص ٣.

(٣) ص ٧.

٢٦٣

بين أصابعك واقبض عليهما».

وقال في موضع آخر (١) : «فإذا ركعت فمد ظهرك ولا تنكس رأسك وقل في ركوعك بعد التكبير : اللهم لك ركعت ولك خشعت وبك اعتصمت ولك أسلمت وعليك توكلت أنت ربي خشع لك قلبي وسمعي وبصري وشعري وبشري ومخي ولحمي ودمي وعصبي وعظامي وجميع جوارحي وما الأرض مني غير مستنكف ولا مستكبر لله رب العالمين لا شريك له وبذلك أمرت سبحان ربي العظيم وبحمده (ثلاث مرات) وان شئت خمس مرات وان شئت سبع مرات وان شئت التسع فهو أفضل. ويكون نظرك في وقت القراءة إلى موضع سجودك وفي الركوع بين رجليك ثم اعتدل حتى يرجع كل عضو منك إلى موضعه وقل : سمع الله لمن حمده بالله أقوم واقعد أهل الكبرياء والعظمة لله رب العالمين لا شريك له وبذلك أمرت ثم كبر واسجد».

أقول : وفي هذا المقام فوائد (الأولى) ما دل عليه خبر حماد من استحباب التغميض حال الركوع مناف لما دل عليه صحيحا زرارة من استحباب النظر إلى ما بين القدمين ، وكلامه (عليه‌السلام) في كتاب الفقه الرضوي ، وربما جمع بينهما بالتخيير وإلى ذلك أشار الشيخ (قدس‌سره) في النهاية حيث قال : وغمض عينيك فان لم تفعل فليكن نظرك إلى ما بين رجليك وقال في الذكرى : لا منافاة فإن الناظر إلى ما بين قدميه تقرب صورته من صورة المغمض ، وهذا الكلام محتمل لمعنيين (أحدهما) ان إطلاق حماد التغميض على هذه الصورة الشبيهة به مجاز. و (ثانيهما) ان صورة الناظر إلى ما بين قدميه لما كانت شبيهة بصورة المغمض ظن حماد ان الصادق (عليه‌السلام) كان مغمضا. وهذان الاحتمالان ذكرهما في كتاب الحبل المتين واستظهر الأول منهما واستبعد الثاني.

(الثانية) ـ ان صريح خبر حماد انه (عليه‌السلام) كبر للسجود قائما وظاهر خبر زرارة كون التكبير حال الهوى للسجود ، وأصرح منهما في ذلك ما رواه في الكافي

__________________

(١) ص ٨.

٢٦٤

عن معلى بن خنيس عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) (١) قال «سمعته يقول كان علي بن الحسين (عليهما‌السلام) إذا هوى ساجدا انكب وهو يكبر». والجمع بالتخيير جيد وقال في الذكرى : ولو كبر في هويه جاز وترك الأفضل. وهو مشكل بعد ورود الخبر كما عرفت. وقال ابن أبي عقيل : يبدأ بالتكبير قائما ويكون انقضاء التكبير مع مستقره ساجدا. وخير الشيخ في الخلاف بين هذا وبين التكبير قائما. وفيه تأييد لما ذكرناه من الجمع بين الأخبار بالتخيير. إلا ان ما ذكره ابن أبي عقيل ـ من امتداد ذلك إلى ان يستقر ساجدا ـ فيه ما ذكره بعضهم من انه لا يستحب مده ليطابق الهوى لما ورد (٢) «ان التكبير جزم». وقال في الذكرى : لا ينبغي مد التكبير قصدا لبقائه ذاكرا إلى تمام الهوى لما روى عن النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) (٣) قال : «التكبير جزم». وبالجملة فإن غاية ما يدل عليه خبر المعلى انه يكبر هاويا ، واما امتداده إلى هذا المقدار فلا دلالة فيه عليه.

(الثالثة) ـ ظاهر الأخبار المذكورة بل صريحها انه يأتي بالسمعلة بعد الاستقرار قائما وهو المشهور في كلام الأصحاب ، ونقل في الذكرى عن ظاهر كلام ابن أبي عقيل وابن إدريس وصريح أبي الصلاح وابن زهرة انه يقول «سمع الله لمن حمده» في حال ارتفاعه وباقي الأذكار بعد انتصابه. وهو خال من المستند بل الأخبار ـ كما ترى ـ صريحة في رده.

(الرابعة) ـ قد تضمنت صحيحة زرارة الأولى (٤) بعد السمعلة : الحمد لله رب العالمين. الى آخر الدعاء المذكور ثمة ، وكذلك عبارة الفقه الرضوي بعد البسملة : بالله أقوم واقعد. إلى آخر ما هو مذكور ثمة ، وهو ظاهر في العموم لجميع المصلين. وقد نقل الفاضلان في المعتبر والمنتهى الإجماع على استحباب السمعلة للمصلي إماما كان أو مأموما أو منفردا.

__________________

(١) الوسائل الباب ٢٤ من السجود.

(٢) ص ٣٧ وفي الوسائل الباب ١٥ من الأذان والإقامة.

(٣) ص ٣٧.

(٤) ص ٢٦٣.

٢٦٥

وفي صحيحة جميل المروية في الكافي عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) (١) «قلت ما يقول الرجل خلف الإمام إذا قال : سمع الله لمن حمده؟ قال يقول : الحمد لله رب العالمين ويخفض من الصوت». وضمير «قال» يحتمل رجوعه إلى الامام وحينئذ فالمستحب للمأموم انما هو «الحمد لله رب العالمين» خاصة فيمكن تخصيص الأخبار الأولة بها ، ويحتمل رجوعه إلى المأموم فيكون من قبيل الأخبار المتقدمة إلا انه يقتصر في الذكر بعد السمعلة على لفظ «الحمد لله رب العالمين» والظاهر ان الأول أقرب إلا ان فيه ما يوجب الخروج عن الإجماع المدعى في المقام كما عرفت.

وقال في الذخيرة : ولو قيل باستحباب التحميد خاصة للمأموم لم يكن بعيدا لما رواه الكليني عن جميل بن دراج في الصحيح ، ثم ذكر الرواية. وفيه ما عرفت من الاحتمالين في الرواية وكلامه لا يتم إلا على تقدير الاحتمال الأول ، وفيه ما عرفت من الخروج عن دعوى الإجماع المنقول.

ونقل في الذكرى عن الحسين بن سعيد انه روى بإسناده إلى أبي بصير عن الصادق (عليه‌السلام) (٢) انه كان يقول بعد رفع رأسه «سمع الله لمن حمده الحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم بحول الله وقوته أقوم واقعد أهل الكبرياء والعظمة والجبروت». وروى أيضا بإسناده إلى محمد بن مسلم عنه (عليه‌السلام) (٣) «إذا قال الامام سمع الله لمن حمده قال من خلفه ربنا لك الحمد ، وان كان وحده إماما أو غيره قال : سمع الله لمن حمده الحمد لله رب العالمين».

ونقل المحقق في المعتبر عن الشيخ في الخلاف ان الامام والمأموم يقولان : «الحمد لله رب العالمين أهل الكبرياء والعظمة» بعد السمعلة ، قال وهو مذهب علمائنا ثم نقل عن الشافعي يقول الامام والمأموم «ربنا ولك الحمد» وعن احمد روايتان : إحداهما كما قال الشافعي ، والثانية لا يقولها المنفرد ، وفي وجوبها عنه روايتان ، وعن أبي حنيفة يقولها

__________________

(١ و ٢ و ٣) الوسائل الباب ١٧ من الركوع.

٢٦٦

المأموم دون الامام (١) وأنكر في المعتبر ذلك مستندا إلى خلو أخبارنا منه وان المنقول فيها ما ذكره الشيخ. قال في الذكرى : والذي أنكره في المعتبر يدفعه قضية الأصل والخبر حجة عليه وطريقه صحيح واليه ذهب صاحب الفاخر واختاره ابن الجنيد ولم يقيده بالمأموم

أقول : الظاهر ان المحقق (قدس‌سره) لم يقف على الخبر الذي نقله في الذكرى فيكون إنكاره في محله لعدم وصول الخبر اليه والذي وصل اليه خال من ذلك ، ويعضده ما نقله في المدارك عن الشيخ انه قال ولو قال «ربنا لك الحمد» لم تفسد صلاته لانه نوع تحميد لكن المنقول عن أهل البيت (عليهم‌السلام) أولى ، فإنه مشعر بعدم وصول الرواية له بذلك عن أهل البيت (عليهم‌السلام).

ثم أقول : من المحتمل قريبا حمل الخبر المذكور على التقية لموافقته لما عليه العامة من استحباب هذا اللفظ واليه يشير ما نقله في المدارك عن الشيخ (قدس‌سره) من قوله «لكن المنقول عن أهل البيت اولى» والحمل على التقية لا يختص بوجود المعارض كما عرفته غير مرة حسبما صرحت به اخبارهم (عليهم‌السلام).

ثم ان الخبر المنقول عندنا بلفظ «ربنا لك الحمد» بغير واو والعامة مختلفون في ثبوتها وسقوطها بناء على اختلاف رواياتهم في ذلك ، فمنهم من أسقطها لأنها زيادة لا معنى لها وهو منقول عن الشافعي ، والأكثر منهم على ثبوتها ، وعلى تقدير ثبوتها فمنهم من زعم انها واو العطف ومنهم من زعم انها مقحمة (٢).

(الخامسة) ـ لا يخفى ان «سمع» من الأفعال المتعدية إلى المفعول بنفسها وعدي هنا باللام تضمينا لمعنى (استحباب) فعدي بما يعدى به كما ان قوله تعالى «لا يسمعون إلى الملإ الأعلى» (٣) ضمن معنى الإصغاء اي يصغون فعدي ب «إلى» قال في النهاية الأثيرية

__________________

(١) المغني ج ١ ص ٥٠٨ و ٥١٠ والبحر الرائق ج ١ ص ٣١٦.

(٢) البحر الرائق ج ١ ص ٣١٦ وعمدة القارئ ج ٣ ص ١١٣ والمغني ج ١ ص ٥٠٨.

(٣) سورة الصافات ، الآية ٨.

٢٦٧

«سمع الله لمن حمده» أي أجاب حمده وتقبله ، يقال اسمع دعائي أي أجب لأن غرض السائل الإجابة والقبول ، ومنه الحديث «اللهم إني أعوذ بك من دعاء لا يسمع». اي لا يستجاب ولا يعتد به فكأنه غير مسموع.

(السادسة) ـ قال في الذكرى : يستحب للإمام رفع صوته بالذكر في الركوع والرفع ليعلم المأموم لما سبق من استحباب إسماع الإمام للمأمومين ، أما المأموم فيسر واما المنفرد فمخير إلا التسميع فإنه جهر على إطلاق الرواية السالفة. انتهى. أقول : أشار بالرواية إلى ما تقدم في صحيحة زرارة الاولى (١) من قوله «تجهر بها صوتك».

(السابعة) ـ قال في الذكرى أيضا : ويجوز الصلاة على النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) في الركوع والسجود بل يستحب ، ففي الصحيح عن عبد الله بن سنان (٢) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن الرجل يذكر النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) وهو في الصلاة المكتوبة إما راكعا أو ساجدا فيصلي عليه وهو على تلك الحال؟ فقال نعم ان الصلاة على نبي الله كهيئة التكبير والتسبيح وهي عشر حسنات يبتدرها ثمانية عشر ملكا أيهم يبلغها إياه». وعن الحلبي عنه (عليه‌السلام) (٣) «كل ما ذكرت الله عزوجل به والنبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) فهو من الصلاة».

أقول : روى الصدوق في كتاب ثواب الأعمال عن محمد بن أبي حمزة عن أبيه (٤) قال : «قال أبو جعفر (عليه‌السلام) من قال في ركوعه وسجوده وقيامه : اللهم صل على محمد وآل محمد ، كتب الله له ذلك بمثل الركوع والسجود والقيام». ونحوه روى الشيخ في التهذيب (٥) إلا ان فيه «صلى الله على محمد وآل محمد». وهذا الخبر هو الأليق

__________________

(١) ص ٢٦٣.

(٢ و ٣ و ٤) الوسائل الباب ٢٠ من الركوع.

(٥) هذه الرواية رواها الكليني في الكافي ج ١ من الفروع ص ٨٩ ونقلها عنه في الوافي باب الصلاة على النبي وآله «ص» وفي الوسائل في الباب ٢٠ من الركوع ولم ينقلاها عن التهذيب.

٢٦٨

بالاستدلال على الحكم المذكور ، إذ المدعى هو استحباب الصلاة ابتداء في هذه المواضع والأخبار المذكورة انما تدل على الاستحباب من حيث ذكره (صلى‌الله‌عليه‌وآله) بناء على ما هو المشهور بينهم من استحباب الصلاة متى ذكر وان كان الأظهر عندي القول بالوجوب وهذا أمر عام لحال الركوع وغيره والمدعى انما هو استحباب الصلاة في الركوع وكذا في السجود والقيام كما دل عليه الخبر المذكور.

(الثامنة) ـ قد صرح جملة من الأصحاب بكراهة القراءة في الركوع والسجود ، قال في المنتهى لا تستحب القراءة في الركوع والسجود وهو وفاق لما رواه علي (عليه‌السلام) «ان النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) نهى عن قراءة القرآن في الركوع والسجود». رواه الجمهور (١) ولأنها عبادة فتستفاد كيفيتها من صاحب الشرع وقد ثبت انه لم يقرأ فيهما فلو كان مستحبا لنقل فعله ، وقال : يستحب ان يدعو في ركوعه لانه موضع اجابة لكثرة الخضوع فيه. وقال في الدروس : يكره قراءة القرآن في الركوع والسجود. وقال في الذكرى : كره الشيخ القراءة في الركوع وكذا يكره عنده في السجود والتشهد ، وقد روى العامة عن علي (عليه‌السلام) عن النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) (٢) انه قال : «ألا اني نهيت ان اقرأ راكعا وساجدا». ولعله ثبت طريقه عند الشيخ (رحمه‌الله) وقد روى في التهذيب قراءة المسبوق مع التقية في ركوعه (٣) وروى عن عمار عن الصادق (عليه‌السلام) (٤) في الناسي حرفا من القرآن «لا يقرأ راكعا بل ساجدا».

__________________

(١) صحيح الترمذي على هامش شرحه لابن العربي ج ٢ ص ٦٥ والمغني ج ١ ص ٥٠٣.

(٢) سنن أبي داود ج ١ ص ٢٣٢ رقم ٨٧٦ عن ابن عباس عن النبي «ص».

(٣) لم نقف على هذه الرواية بعد الفحص عنها في مظانها وقد صرح المصنف «قدس‌سره» عند تعرضه للمسألة في صلاة الجماعة ص ٢٥٦ بأنه لم يقف على مستند للقول بأن المصلي خلف من لا يقتدي به يقرأ حال الركوع إذا ركع الامام قبل إتمامه لفاتحة.

(٤) الوسائل الباب ٣٠ من القراءة و ٨ من الركوع.

٢٦٩

أقول : ظاهر كلام أصحابنا في هذا المقام انه لا سند لهذا الحكم في أخبارنا ولذلك ان العلامة في المنتهى اقتصر على الخبر المنقول عن علي (عليه‌السلام) مع اعترافه بكونه من روايات الجمهور ، واليه يشير أيضا قوله في الذكرى بعد اسناد الحكم إلى الشيخ وتعقيبه بالخبر المذكور : «ولعله ثبت طريقه عند الشيخ».

أقول : والذي وقفت عليه من أخبارنا في ذلك ما رواه الحميري في كتاب قرب الاسناد عن أبي البختري عن الصادق عن أبيه عن علي (عليهم‌السلام) (١) قال : «لا قراءة في ركوع ولا سجود انما فيهما المدحة لله عزوجل ثم المسألة فابتدئوا قبل المسألة بالمدحة لله عزوجل ثم اسألوا بعدها».

وما رواه في الخصال عن السكوني عن الصادق عن آبائه عن علي (عليهم‌السلام) (٢) قال : «سبعة لا يقرأون القرآن : الراكع والساجد وفي الكنيف وفي الحمام والجنب والنفساء والحائض».

أقول : ما اشتمل عليه الخبر الأول من استحباب الدعاء في الركوع قد صرح به ابن الجنيد فقال : لا بأس بالدعاء فيهما ـ يعني الركوع والسجود ـ لأمر الدين والدنيا من غير ان يرفع يديه في الركوع عن ركبتيه ولا عن الأرض في سجوده.

وروى في كتاب معاني الأخبار عن محمد بن هارون الزنجاني عن علي بن عبد العزيز عن القاسم بن سلام رفعه (٣) قال : «قال رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) اني قد نهيت عن القراءة في الركوع والسجود ، فاما الركوع فعظموا الله فيه واما السجود فأكثروا فيه الدعاء فإنه قمن ان يستجاب لكم».

أقول : والذي يقرب في الخاطر الفاتر ان أصل هذا الحكم انما هو من

__________________

(١ و ٣) الوسائل الباب ٨ من الركوع.

(٢) الوسائل الباب ٤٧ من قراءة القرآن.

٢٧٠

العامة (١) وان هذه الأخبار خرجت مخرج التقية ، ويعضدها ان رواتها رجال العامة ، وان هذا الحكم انما ذكره المتأخرون واشتهر بينهم ولا وجود له في كلام المتقدمين في ما أظن ، وقد عرفت ان أصحابنا القائلين بذلك انما استندوا إلى ذلك الخبر العامي وهذا الخبر الأخير يشير إليه أيضا ، وكيف كان فالاحتياط في ترك ذلك.

(التاسعة) ـ قال في الذكرى : ظاهر الشيخ وابن الجنيد وكثير ان السبع نهاية الكمال في التسبيح وفي رواية هشام (٢) اشارة اليه ، لكن روى حمزة بن حمران والحسن بن زياد ، ثم نقل الخبر وقد تقدم في الموضع الثاني من المقام الأول (٣) ثم نقل رواية أبان بن تغلب المنقولة ثمة ، ثم قال قال في المعتبر الوجه استحباب ما لا يحصل معه السأم إلا ان يكون اماما. وهو حسن. ولو علم من المأمومين حب الإطالة استحب له أيضا التكرار.

أقول : أشار برواية هشام إلى الخبر الأول من الأخبار المتقدمة في الموضع الثاني من المقام الأول (٤) المصرحة بأن السنة ثلاث والفضل في سبع ، وظاهر عبارة كتاب الفقه المتقدمة ان الفضل في التسع ، والجمع بين الأخبار لا يخلو من اشكال إلا ان المقام مقام استحباب.

(العاشرة) ـ روى الحميري في كتاب قرب الاسناد بسنده عن علي بن جعفر (٥) ورواه علي بن جعفر في كتابه عن أخيه موسى (عليه‌السلام) (٦) قال : «سألته عن تفريج الأصابع في الركوع أسنة هو؟ قال من شاء فعل ومن شاء ترك».

__________________

(١) المغني ج ١ ص ٥٠٣ «يكره ان يقرأ في الركوع والسجود لما روى عن على «ع» ان النبي (ص) نهى عن قراءة القرآن في الركوع والسجود». وفي بداية المجتهد لابن رشد ج ١ ص ١١٧ «اتفق الجمهور على منع قراءة القرآن في الركوع والسجود لحديث على (ع) في ذلك ، إلى ان قال : وصار قوم من التابعين إلى جواز ذلك».

(٢ و ٤) ص ٢٤٨.

(٣) ٢٥٠.

(٥ و ٦) الوسائل الباب ٢٢ من الركوع.

٢٧١

وربما أشعر هذا الخبر بان تفريج الأصابع ليس بسنة حال الركوع مع دلالة الأخبار المتقدمة وغيرها على استحبابه ، ولعل المراد انه ليس بسنة مؤكدة ، أو ليس من الواجبات التي علمت من جهة السنة ، وبالجملة فالواجب ارتكاب التأويل في الخبر وان بعد لكثرة الأخبار الدالة على استحباب ذلك مع اعتضادها بفتوى الأصحاب.

وقال في المنتهى : يستحب للمصلي وضع الكفين على عيني الركبتين مفرجات الأصابع عند الركوع ، وهو مذهب العلماء كافة إلا ما روى عن ابن مسعود (١) انه كان إذا ركع طبق يديه وجعلهما بين ركبتيه.

وفي الذكرى عد التطبيق من مكروهات الركوع قال : ولا يحرم على الأقرب وهو قول أبي الصلاح والفاضلين ، وظاهر الخلاف وابن الجنيد التحريم ، وحينئذ يمكن البطلان للنهي عن العبادة والصحة لأن النهي عن وصف خارج.

أقول : لم أقف في الأخبار على نهي عن ذلك بل ولا ذكر لهذه المسألة بنفي أو إثبات فالقول بالتحريم وما فرع عليه من البطلان لا اعرف له وجها.

(الحادية عشرة) ـ قد عد جملة من الأصحاب : منهم ـ الشيخ (عطر الله مرقده) ومن تأخر عنه من مكروهات الركوع ان يركع ويداه تحت ثيابه ، وقالوا يستحب ان تكونا بارزتين أو في كمه. وقال ابن الجنيد لو ركع ويداه تحت ثيابه جاز ذلك إذا كان عليه مئزر أو سراويل.

ويمكن الاستدلال على ما ذكروه برواية عمار عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) (٢) «في الرجل يصلي فيدخل يده تحت ثوبه؟ قال ان كان عليه ثوب آخر إزار أو سراويل فلا بأس».

ونقل عن أبي الصلاح انه قال : يكره إدخال اليدين في الكمين أو تحت الثياب. وأطلق ، ويدفعه ما رواه محمد بن مسلم في الصحيح عن أبي جعفر (عليه‌السلام) (٣)

__________________

(١) المغني ج ١ ص ٤٩٩.

(٢ و ٣) الوسائل الباب ٤٠ من لباس المصلي.

٢٧٢

قال : «سألته عن الرجل يصلي ولا يخرج يديه من ثوبه؟ قال ان اخرج يديه فحسن وان لم يخرج فلا بأس».

(الثانية عشرة) ـ روى في مستطرفات السرائر من كتاب الحسن بن محبوب عن بريد العجلي (١) قال : «قلت لأبي جعفر (عليه‌السلام) أيهما أفضل في الصلاة كثرة القراءة أو طول اللبث في الركوع والسجود؟ قال فقال كثرة اللبث في الركوع والسجود في الصلاة أفضل ، أما تسمع لقول الله تعالى «فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنْهُ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ» (٢) إنما عنى بإقامة الصلاة طول اللبث في الركوع والسجود ، قلت فأيهما أفضل كثرة القراءة أو كثرة الدعاء؟ فقال كثرة الدعاء أفضل أما تسمع لقوله تعالى لنبيه (صلى‌الله‌عليه‌وآله) (قُلْ ما يَعْبَؤُا بِكُمْ رَبِّي لَوْ لا دُعاؤُكُمْ)» (٣).

الفصل السادس في السجود

وهو لغة الخضوع والانحناء وشرعا عبارة عن وضع الجبهة على الأرض أو ما أنبتت مما لا يؤكل ولا يلبس ، فهو خضوع وانحناء خاص فيكون مجازا لغويا أو حقيقة شرعية ، والسجدة بالفتح الواحدة وبالكسر الاسم.

ووجوبه في الصلاة ثابت بالنص والإجماع ، قال الله تعالى «ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا» (٤) وقد تقدمت جملة من الأخبار في سابق هذا الفصل دالة على وجوبه وركنيته في الصلاة.

ويجب في كل ركعة سجدتان هما ركن في الصلاة تبطل بالإخلال بهما في الركعة الواحدة عمدا وسهوا ، وقال في المعتبر انه مذهب العلماء. قال في المدارك : والوجه فيه ان الإخلال بالسجود مقتض لعدم الإتيان بالمأمور به على وجهه فيبقى المكلف تحت العهدة إلى ان يتحقق الامتثال.

__________________

(١) الوسائل الباب ٢٦ من الركوع.

(٢) سورة المزمل ، الآية ٢٠.

(٣) سورة الفرقان ، الآية ٧٧.

(٤) سورة الحج ، الآية ٧٦.

٢٧٣

ويدل عليه صحيحة زرارة عن أبي جعفر (عليه‌السلام) (١) «لا تعاد الصلاة إلا من خمسة : الطهور والوقت والقبلة والركوع والسجود».

ويظهر من كلام الشيخ في المبسوط انهما ركن في الأوليين وثالثة المغرب بناء على ان ناسيهما في الركعتين الأخيرتين من الرباعية يحذف الركوع ويعود إليهما. وسيجي‌ء تحقيق البحث في ذلك في محله من أحكام السهو.

والمشهور بين الأصحاب ان الركن من السجود هو مجموع السجدتين. وأورد عليه لزوم بطلان الصلاة بفوات السجدة الواحدة لفوات المجموع بفوات الجزء وهو خلاف النص والفتوى.

وأجاب الشهيد (قدس‌سره) بان الركن مسمى السجود وهو الأمر الكلي الصادق بالواحدة ومجموعهما ولا يتحقق الإخلال به إلا بتركهما معا لحصول المسمى بالواحدة وفيه (أولا) ان فيه خروجا عن محل البحث فان الكلام مبني على كون الركن مجموع السجدتين كما هو المدعى أولا لا ان الركن المسمى فإنه قول آخر. و (ثانيا) لزوم البطلان أيضا بزيادة السجدة الواحدة لحصول المسمى. وهو خلاف النص والفتوى.

والتحقيق انه لا مناص في الجواب بعد القول بركنية المجموع إلا باستثناء هذا الفرد الذي ذكرنا من القاعدة لدلالة النصوص على صحة الصلاة مع فوات السجدة سهوا وكذا لو قلنا بان الركن المسمى يكون زيادة السجدة الواحدة سهوا مستثنى من القاعدة بالنص ، وله نظائر كثيرة كما لو سبق المأموم إمامه بالركوع سهوا فإنه يرفع ويعيد معه ، ونحو ذلك.

واما ما يدل من النصوص على صحة الصلاة مع نقصان السجدة فأخبار عديدة :

منها ـ صحيحة إسماعيل بن جابر عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) (٢) «في رجل

__________________

(١) الوسائل الباب ٢٩ من القراءة و ١٠ من الركوع.

(٢) الوسائل الباب ١٤ من السجود.

٢٧٤

نسي أن يسجد السجدة الثانية حتى قام فذكر وهو قائم انه لم يسجد؟ قال فليسجد ما لم يركع فإذا ركع فذكر بعد ركوعه انه لم يسجد فليمض في صلاته حتى يسلم ثم يسجدها فإنها قضاء».

وصحيحة عبد الله بن مسكان عن أبي بصير (١) ـ وهو ليث المرادي بقرينة رواية عبد الله بن مسكان عنه ـ قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عمن نسي أن يسجد سجدة واحدة فذكرها وهو قائم؟ قال يسجدها إذا ذكرها ما لم يركع فان كان قد ركع فليمض على صلاته فإذا انصرف قضاها وحدها وليس عليه سهو». ونحوهما غيرهما كما سيأتي ان شاء الله تعالى في باب السهو.

وذهب ابن أبي عقيل ـ على ما نقل عنه ـ إلى ركنية السجدة الواحدة وان الصلاة تبطل بالإخلال بها ولو سهوا استنادا إلى رواية المعلى بن خنيس (٢) قال : «سألت أبا الحسن الماضي (عليه‌السلام) في الرجل ينسى السجدة من صلاته؟ قال إذا ذكرها قبل ركوعه سجدها وبنى على صلاته ثم سجد سجدتي السهو بعد انصرافه ، وان ذكرها بعد ركوعه أعاد الصلاة. ونسيان السجدة في الأوليين والأخيرتين سواء».

والجواب المعارضة بما هو أصح سندا وأكثر عددا وأصرح دلالة ، مع ان في رواية المعلى بن خنيس عن الكاظم (عليه‌السلام) اشكالا لم أقف على من تنبه له في هذا المقام ، فان المعلى بن خنيس قتل في زمن الصادق (عليه‌السلام) وقضيته مشهورة فكيف روى عن الكاظم (عليه‌السلام) (٣) ولا سيما بهذه العبارة المشعرة بتأخره عن الكاظم (عليه‌السلام) لان قوله «سألت أبا الحسن الماضي» يدل على ان هذا الأخبار بعد مضيه وموته (عليه‌السلام).

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ١٤ من السجود.

(٣) ذكر بعضهم في وجه ذلك احتمال روايته عنه «ع» في زمان أبيه «ع» فإنه قتل وللكاظم «ع» ست أو سبع سنين كما يحتمل ان يكون لفظ (الماضي) من زيادة الرواة.

٢٧٥

إذا عرفت ذلك فاعلم ان السجود يشتمل على الواجب والمستحب وان له أحكاما تتعلق به ، وحينئذ فتحقيق الكلام فيه يتوقف على بسطه في مقامات ثلاثة :

(الأول) ـ في واجباته وهي أمور (أحدها) انه يجب السجود على سبعة أعظم : الجبهة والكفين والركبتين وإبهامي الرجلين ، هذا هو المشهور بل قيل انه لا خلاف فيه ، وفي التذكرة انه مذهب علمائنا اجمع ، مؤذنا بدعوى الإجماع عليه.

ونقل عن المرتضى انه جعل عوض الكفين المفصل عند الزندين. أقول وبذلك صرح ابن إدريس في السرائر ، قال : ويكون السجود على سبعة أعظم : الجبهة ومفصل الكفين عند الزندين وعظمي الركبتين وطرفي إبهامي الرجلين ، والإرغام بطرف الأنف مما يلي الحاجبين من السنن الأكيدة. انتهى.

والذي يدل على القول المشهور من الأخبار ما رواه الشيخ عن زرارة في الصحيح (١) قال : «قال أبو جعفر (عليه‌السلام) قال رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) السجود على سبعة أعظم : الجبهة واليدين والركبتين والإبهامين ، وترغم بأنفك إرغاما ، فأما الفرض فهذه السبعة واما الإرغام بالأنف فسنة من النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله)».

وما تقدم (٢) في صحيحة حماد بن عيسى من قوله «وسجد على ثمانية أعظم : الكفين والركبتين وأنامل إبهامي الرجلين والجبهة والأنف ، وقال سبعة منها فرض يسجد عليها وهي التي ذكرها الله عزوجل في كتابه فقال «وَأَنَّ الْمَساجِدَ لِلّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللهِ أَحَداً» (٣) وهي الجبهة والكفان والركبتان والإبهامان ووضع الأنف على الأرض سنة».

وما رواه عبد الله بن جعفر الحميري في كتاب قرب الاسناد عن محمد بن عيسى عن عبد الله بن ميمون القداح عن جعفر بن محمد (عليهما‌السلام) (٤) قال : «يسجد ابن آدم على سبعة أعظم : يديه ورجليه وركبتيه وجبهته».

__________________

(١ و ٤) الوسائل الباب ٤ من السجود.

(٢) ص ٢.

(٣) سورة الجن الآية ١٨.

٢٧٦

وروى الفضل بن الحسن الطبرسي في كتاب مجمع البيان (١) قال : «روى ان المعتصم سأل أبا جعفر محمد بن علي بن موسى الرضا (عليه‌السلام) عن قوله تعالى (وَأَنَّ الْمَساجِدَ لِلّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللهِ أَحَداً)؟ فقال هي الأعضاء السبعة التي يسجد عليها».

أقول : وهذه الرواية التي أشار إليها في كتاب مجمع البيان هي ما رواه العياشي عن أبي جعفر الثاني (عليه‌السلام) (٢) «انه سأله المعتصم عن السارق من اي موضع يجب ان تقطع يده؟ فقال ان القطع يجب ان يكون من مفصل أصول الأصابع فيترك الكف. قال وما الحجة في ذلك؟ قال قول رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) السجود على سبعة أعضاء : الوجه واليدين والركبتين والرجلين. فإذا قطعت يده من الكرسوع أو المرفق لم يبق له يد يسجد عليها ، وقال الله «(وَأَنَّ الْمَساجِدَ لِلّهِ) ـ يعنى به هذه الأعضاء السبعة التي يسجد عليها ـ فلا تدعوا مع الله أحدا» وما كان لله فلا يقطع. الخبر».

وفي كتاب الفقيه (٣) في وصية أمير المؤمنين (عليه‌السلام) لابنه محمد بن الحنيفة «قال الله (وَأَنَّ الْمَساجِدَ لِلّهِ). يعني بالمساجد الوجه واليدين والركبتين والإبهامين».

واما القول الآخر فلم نقف له على دليل وبذلك صرح في المدارك أيضا فقال ولم نقف للمرتضى في اعتبار المفصل على حجة.

فوائد

(الاولى) ـ الظاهر من كلام الأصحاب من غير خلاف يعرف انه يكفي في ما عدا الجبهة من هذه الأشياء المعدودة ما يصدق به الاسم ولا يجب الاستيعاب ، قال في المدارك : ولا نعرف فيه خلافا. وقال في الذخيرة : ولم نجد قائلا بخلاف ذلك ، ثم قال ويدل عليه حصول الامتثال بذلك وعموم صحيحة زرارة المشتملة على حصر ما تعاد

__________________

(١) الوسائل الباب ٤ من السجود.

(٢) مستدرك الوسائل الباب ٤ من السجود وفي الوسائل الباب ٤ من حد السرقة.

(٣) ج ٢ ص ٣٨١ طبع النجف وفي البحار ج ١٨ الصلاة ص ٢٦١.

٢٧٧

منه الصلاة (١) مضافا إلى الأصل. انتهى.

والعجب ان العلامة مع تصريحه في أكثر كتبه بهذا الحكم تردد في المنتهى في الكفين فقال هل يجب استيعاب جميع الكف بالسجود؟ عندي فيه تردد ، والحمل على الجبهة يحتاج إلى دليل لورود النص في خصوصية الجبهة ، والتعدي بالاجزاء في البعض يحتاج إلى دليل.

(الثانية) ـ هل يجوز السجود على ظاهر الكفين؟ إطلاق الأخبار يدل على ذلك لأنها وردت بلفظ اليدين في بعض والكفين في آخر ، إلا ان المفهوم والمتبادر انما هو بطن الكفين ، وقد عرفت في غير موضع مما تقدم ان إطلاق الأخبار يجب حمله على الافراد المعهودة الشائعة المتكثرة ، وحينئذ يجب تقييد إطلاق الأخبار بذلك.

وقال في المدارك : والاعتبار في الكفين بباطنهما للتأسي. وفيه ما عرفت في غير مقام وبه صرح هو في غير موضع من ان التأسي لا يصلح ان يكون دليلا للوجوب في حكم من الأحكام.

وصرح العلامة في النهاية والشهيدان بعدم الاجتزاء بالظاهر ، ونقله في الذكرى عن الأكثر ، ونقل في النهاية عن ظاهر علمائنا إلا المرتضى وجوب تلقى الأرض بباطن راحتيه. وفي المنتهى لو جعل ظهور كفيه إلى الأرض وسجد عليها ففي الإجزاء نظر ، اما ظاهر الإبهامين في الرجلين لو سجد عليهما فالأقرب عندي الجواز. انتهى.

(الثالثة) ـ الظاهر الاكتفاء في الإبهامين بالظاهر والباطن لإطلاق الأخبار وان كان السجود على رؤوسهما أفضل لظاهر خبر حماد ، وقد تقدم في عبارة ابن إدريس التصريح بطرفي إبهامي الرجلين والظاهر انه أراد به الاستحباب.

وقال الشيخ في المبسوط : ان وضع بعض أصابع رجليه أجزأه. وقال ابن زهرة يسجد على أطراف القدمين. وقال أبو الصلاح أطراف أصابع الرجلين. ونقل في

__________________

(١) ص ٢٧٤.

٢٧٨

الذكرى عن نهاية الشيخ ذكر الإبهامين في هذا المقام ورؤوس الأصابع في باب التحنيط وجمع بينهما ، قال في النكت لما كانت المساجد لا تنفك ان يجامعها في السجود غيرها مسح عليه وان لم يجب السجود عليه ، وتسمى مساجد لاتفاق السجود عليها لا لوجوبه. ثم انه قال في الذكرى : والوجه تعين الإبهامين نعم لو تعذر السجود عليهما لعدمهما أو لقصرهما أجزأ على بقية الأصابع. انتهى.

أقول : لا يخفى ان اخبار المسألة بعض منها بلفظ الإبهامين وآخر بلفظ الرجلين ، وحمل مطلقها على مقيدها يقتضي القول بالإبهامين ، وحينئذ فلا وجه للقول الآخر ولا دليل عليه.

(الرابعة) ـ قالوا ويجب الاعتماد على مواضع الأعضاء بإلقاء ثقله عليها فلو تحامل عنها لم يجزئ. وعلل بأن الطمأنينة لا تحصل بهذا القدر.

أقول : الظاهر ان الوجه فيه انما هو من حيث كون ذلك هو المتبادر من الأمر بالسجود على الأعضاء.

ويؤيده ما تقدم في صحيحة علي بن يقطين عن الكاظم (عليه‌السلام) (١) قال : «وتجزئك واحدة إذا أمكنت جبهتك من الأرض».

ورواية علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر (عليه‌السلام) (٢) قال : «سألته عن الرجل يسجد على الحصى ولا يمكن جبهته من الأرض؟ قال يحرك جبهته حتى يتمكن فينحي الحصى عن جبهته ولا يرفع جبهته».

ويعضده أنه الأوفق بالاحتياط ، فلو سجد على مثل الصوف والقطن وجب ان يعتمد عليه حتى تثبت الأعضاء إن أمكن وإلا فلا يصلي عليه إلا ان يتعذر غيره ، ولا يجب المبالغة في الاعتماد بحيث يزيد على قدر ثقل الأعضاء.

(الخامسة) ـ قيل يجب ان يجافي بطنه عن الأرض فلو أكب على وجهه ومد

__________________

(١) الوسائل الباب ٤ من الركوع.

(٢) الوسائل الباب ٨ من السجود.

٢٧٩

يديه ورجليه ووضع جبهته على الأرض منبطحا لم يجزئه على ما صرح به العلامة وغيره لانه لا يسمى ذلك سجودا.

أقول : ان عدم الاجزاء في الصورة المذكورة ليس من عدم مجافاة البطن عن الأرض بل من حيث ان هذه الهيئة والكيفية لا تسمى سجودا وانما تسمى نوما على وجهه أو انبطاحا ، اما لو لصق بطنه بالأرض مع كونه على هيئة الساجد مع وضع باقي المساجد على كيفيتها الواجبة فيها فالظاهر الصحة وان كان خلاف الأفضل.

(الثاني) ـ وضع الجبهة على ما يصح السجود عليه ، وقد تقدم تحقيق ما يجوز السجود عليه وما لا يجوز السجود عليه في المسألة السادسة من المقدمة السادسة في المكان (١) وملخص ذلك هو الأرض أو ما أنبتت مما لا يؤكل ولا يلبس إلا القرطاس خاصة أو ما أوجبته الضرورة ، وحينئذ فلو سجد على كور عمامته لم يجزئ لكونه مما يلبس وأطلق الشيخ في المبسوط المنع من السجود على ما هو حامل له ككور العمامة ، قال في الذكرى : فان قصد لكونه من جنس ما لا يسجد عليه فمرحبا بالوفاق ، وان جعل المانع نفس الحمل كمذهب العامة (٢) طولب بدليل المنع.

واختلف الأصحاب هنا في ما يجب وضعه على الأرض ونحوها من الجبهة فالمشهور الاكتفاء بالمسمى وما يصدق به الاسم كغيرها من الافراد الأخر ، وقال الصدوق في موضعين من الفقيه وابن إدريس بتحديده بقدر الدرهم.

ومما يدل على القول المشهور ما رواه الصدوق في الصحيح عن زرارة عن أحدهما (عليهما‌السلام) (٣) قال : «قلت له الرجل يسجد وعليه قلنسوة أو عمامة؟ فقال إذا مس شي‌ء من جبهته الأرض في ما بين حاجبيه وقصاص شعره فقد أجزأ عنه».

وعن عمار بن أبي عبد الله (عليه‌السلام) (٤) قال : «ما بين قصاص الشعر إلى طرف الأنف مسجد اي ذلك أصبت به الأرض أجزأك».

__________________

(١) ج ٧ ص ٢٤٥.

(٢) ج ٧ ص ٢٥٨.

(٣ و ٤) الوسائل الباب ٩ من السجود.

٢٨٠