الحدائق الناضرة - ج ٨

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]

الحدائق الناضرة - ج ٨

المؤلف:

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]


المحقق: محمّد تقي الإيرواني
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥٤٤

(الثانية) ـ الراكع خلقة يستحب ان يزيد الانحناء يسيرا ليفرق بين قيامه وركوعه ، قاله الشيخ واختاره في المعتبر لأن ذلك حد الركوع فلا يلزم الزيادة عليه ، واليه مال في المدارك. وجزم المحقق في الشرائع والعلامة في جملة من كتبه بالوجوب ليكون فارقا بين حالة القيام وحالة الركوع فان المعهود افتراقهما. ورد بمنع وجوب الفرق على العاجز. والمسألة خالية من النص والاحتياط فيها مطلوب بالإتيان بانحناء يسير.

(الثالثة) ـ يجب ان يقصد بهويه الركوع ، فلو هوى لسجدة العزيمة في النافلة أو هوي لقتل حية أو لقضاء حاجة ـ فلما انتهى إلى حد الراكع أراد ان يجعله ركوعا وكذا لو هوى للسجود ساهيا فلما وصل إلى قوس الركوع ذكر فأراد أن يجعله ركوعا ـ فإنه لا يجزئ ويجب عليه الرجوع والانتصاب ثم الهوى بقصد الركوع فإن الأعمال بالنيات (١). كما تقدم تحقيقه في مبحث نية الوضوء من كتاب الطهارة. ولا يلزم من ذلك زيادة ركوع لأن الأول ليس بركوع. والظاهر انه لا خلاف في الحكم المذكور.

(الرابعة) ـ لو تعذر الانحناء للركوع اتى بالمقدور ، ولا يسقط الميسور بالمعسور (٢). و «لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلّا وُسْعَها» (٣) ولو أمكن إيصال إحدى اليدين دون الأخرى لعارض في إحدى الشقين وجب خاصة. ولو امكنه الانحناء إلى أحد الجانبين فظاهر المبسوط الوجوب. ولو افتقر إلى ما يعتمد عليه في الانحناء وجب ولو تعذر ذلك أجزأ الإيماء برأسه ، لما رواه الشيخ عن إبراهيم الكرخي (٤) قال : «قلت لأبي عبد الله (عليه‌السلام) رجل شيخ لا يستطيع القيام إلى الخلاء ولا يمكنه الركوع والسجود؟ فقال ليومئ برأسه إيماء وان كان له من يرفع الخمرة إليه فليسجد فان لم يمكنه ذلك فليومئ برأسه نحو القبلة إيماء».

__________________

(١) الوسائل الباب ٥ من مقدمة العبادات.

(٢) عوائد النراقي ص ٨٨ وعناوين مير فتاح ص ١٤٦ عن عوالي اللئالي عن على «ع».

(٣) سورة البقرة ، الآية ٢٨٦.

(٤) الوسائل الباب ١ من القيام و ٢٠ من السجود.

٢٤١

(الخامسة) ـ لو كانت يداه في الطول بحيث تبلغ ركبتيه من غير انحناء ـ أو قصيرتين بحيث لا تبلغ مع الانحناء ، ونحوهما المقطوعتان ـ انحنى كما ينحني مستوي الخلقة حملا لألفاظ النصوص على ما هو الغالب المتكرر كما عرفت في غير موضع.

(السادسة) ـ لو لم يضع يديه على ركبتيه وشك بعد انتصابه هل أكمل الانحناء أم لا؟ احتمالان ذكرهما العلامة والشهيدان (أحدهما) العود لعموم رواية أبي بصير عن الصادق (عليه‌السلام) (١) «في رجل شك وهو قائم فلا يدري أركع أم لم يركع قال يركع». وكذا رواية عمران الحلبي (٢) (ثانيهما) العدم لأن الظاهر منه إكمال الركوع ، ولأنه في المعنى شك بعد الانتقال. أقول : الظاهر هو الوجه الثاني فإن المتبادر من رواية أبي بصير المذكورة ـ وكذا رواية الحلبي وهي ما رواه في الموثق (٣) قال : «قلت الرجل يشك وهو قائم فلا يدري أركع أم لا؟ قال فليركع». ـ انما هو من لم يأت بالانحناء بالكلية وشك في ان قيامه هذا هل هو قيام قبل الركوع والانحناء فيجب الركوع عنه أو قيام بعده فيجب ان يسجد عنه؟ فإنه يصدق عليه انه شك في المحل فيجب الإتيان بالمشكوك فيه ، واما من انحنى وشك بعد رفعه في بلوغه المقدار الواجب في الانحناء فإنه يدخل تحت قاعدة الشك بعد الدخول في الغير وتجاوز المحل.

(الثاني) ـ الطمأنينة بضم الطاء وسكون الهمزة بعد الميم وهي عبارة عن سكون الأعضاء واستقرارها في هيئة الراكع بقدر الذكر الواجب في الركوع ، ووجوبها بهذا القدر مما لا خلاف فيه ونقل الإجماع عليه الفاضلان وغيرهما ، وانما الخلاف في الركنية فذهب الشيخ في الخلاف إلى انها ركن ، والمشهور العدم وهو الأصح لما سيأتي ان شاء الله تعالى من عدم بطلان الصلاة بتركها سهوا.

والأصحاب لم يذكروا هنا دليلا على الحكم المذكور من الأخبار وظاهرهم انحصار الدليل في الإجماع ، مع انه قد روى ثقة الإسلام في الصحيح أو الحسن عن زرارة عن

__________________

(١ و ٢ و ٣) الوسائل الباب ١٢ من الركوع. والرواية رقم (٢) هي رقم (٣).

٢٤٢

أبي جعفر (عليه‌السلام) (١) قال : «بينا رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) جالس في المسجد إذ دخل رجل فقام يصلي فلم يتم ركوعه ولا سجوده فقال (صلى‌الله‌عليه‌وآله) نقر كنقر الغراب لئن مات هذا وهكذا صلاته ليموتن على غير ديني». ورواه البرقي في المحاسن عن ابن فضال عن عبد الله بن بكير عن زرارة نحوه (٢).

وفي الذكرى يجب الركوع بالإجماع ولقوله تعالى «وَارْكَعُوا مَعَ الرّاكِعِينَ» ولما روى (٣) «ان رجلا دخل المسجد ورسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) جالس في ناحية المسجد فصلى ثم جاء فسلم عليه فقال (صلى‌الله‌عليه‌وآله) وعليك السلام ارجع فصل فإنك لم تصل فرجع فصلى ثم جاء فقال له مثل ذلك فقال له الرجل في الثالثة علمني يا رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) فقال إذا قمت إلى الصلاة فأسبغ الوضوء ثم استقبل القبلة فكبر ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن ثم اركع حتى تطمئن راكعا ثم ارفع رأسك حتى تعتدل قائما ثم اسجد حتى تطمئن ساجدا ثم ارفع حتى تستوي قائما ثم افعل ذلك في صلاتك كلها». أقول : وهذا الخبر لم أقف عليه في ما وصل الي من كتب الأخبار حتى كتاب البحار إلا في كتاب الذكرى.

ولو كان مريضا لا يتمكن من الطمأنينة سقطت عنه لأن الضرورات تبيح المحظورات وما غلب الله عليه فهو اولى بالعذر (٤). والحكم المذكور مما لا خلاف فيه ولا اشكال يعتريه ، انما الخلاف في انه لو تمكن من مجاوزة الانحناء أقل الواجب والابتداء بالذكر عند بلوغ حده وإكماله قبل الخروج منه فهل يجب ذلك؟ قيل نعم استنادا إلى ان الذكر في حال الركوع واجب والطمأنينة واجب آخر ولا يسقط أحد الواجبين بسقوط الآخر واستحسنه الفاضل الخراساني في الذخيرة وجعله في المدارك اولى. وقيل لا لأصالة العدم واليه ذهب الشهيد في الذكرى ، قال (قدس‌سره) بعد ذكر الطمأنينة أولا : ويجب

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ٣ من الركوع.

(٣) مستدرك الوسائل الباب ١ من أفعال الصلاة عن عوالي اللئالئ مثله.

(٤) الوسائل الباب ٣ من قضاء الصلوات.

٢٤٣

كونها بقدر الذكر الواجب لتوقف الواجب عليها ، ولا يجزئ عن الطمأنينة مجاوزة الانحناء القدر الواجب ثم العود إلى الرفع مع اتصال الحركات لعدم صدقها حينئذ ، نعم لو تعذرت أجزأ زيادة الهوي ويبتدئ بالذكر عند الانتهاء إلى حد الراكع وينتهي بانتهاء الهوى ، وهل يجب هذا الهوى لتحصيل الذكر في حد الراكع؟ الأقرب لا للأصل فحينئذ يتم الذكر رافعا رأسه. انتهى. والمسألة لعدم النص محل اشكال والاحتياط يقتضي الإتيان بما ذكروه من الكيفية المذكورة وان لم يقم دليل واضح على الوجوب.

ولو اتى بالذكر من دون الهوى أو رفع قبل إكماله فظاهر الشهيد الثاني في الروض بطلان صلاته ان كان عامدا قال لتحقق النهي ، وان كان ناسيا استدركه في محله ان أمكن. وظاهر الشهيد في الدروس والعلامة القول بمساواة العامد للناسي إذا استدركه في محله ، قال في الروض وليس بجيد. ويتحقق التدارك في الأول بالهوى ثم الإتيان بالذكر وفي الثاني بالإتيان به مطمئنا قبل الخروج عن حد الراكع.

(الثالث) ـ رفع الرأس منه حتى يقوم منتصبا فلا يجوز ان يهوى للسجود قبل الانتصاب إلا لعذر.

ويدل عليه جملة من الأخبار ففي صحيحة حماد (١) بعد ذكر الركوع قال : «ثم استوى قائما فلما استمكن من القيام قال : سمع الله لمن حمده. الحديث».

وفي رواية أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) (٢) قال : «إذا رفعت رأسك من الركوع فأقم صلبك فإنه لا صلاة لمن لا يقيم صلبه». ومثلها روايته الأخرى (٣)

وفي كتاب الفقه الرضوي (٤) «وإذا رفعت رأسك من الركوع فانتصب قائما حتى ترجع مفاصلك كلها إلى المكان ثم اسجد».

(الرابع) ـ الطمأنينة قائما ولا حد لها بل يكفي مسماها وهو ما يحصل به الاستقرار والسكون ، ولا خلاف في وجوبها بل نقل عليه الإجماع جمع منهم.

__________________

(١) ص ٢.

(٢ و ٣) الوسائل الباب ١٦ من القراءة.

(٤) ص ٧.

٢٤٤

وذهب الشيخ هنا إلى الركنية أيضا ، ورد بقوله (عليه‌السلام) في صحيحة زرارة (١) «لا تعاد الصلاة إلا من خمسة : الطهور والوقت والقبلة والركوع والسجود».

والظاهر من الأخبار وكلام الأصحاب انه لا فرق في ذلك بين الفريضة والنافلة ونقل جمع من الأصحاب عن العلامة في النهاية القول بأنه لو ترك الاعتدال في الرفع من الركوع أو السجود في صلاة النفل عمدا لم تبطل صلاته لانه ليس ركنا في الفرض فكذا في النفل. وهو ضعيف مردود بان جميع ما يجب في الفريضة فهو شرط في صحة النافلة فلا معنى للتخصيص بهذا الموضع ، إلا ان يمنع وجوبه في الفريضة وهو لا يقول به بل صرح في جميع كتبه بخلافه. نعم خرج من ذلك السورة على القول بوجوبها في الفريضة بدليل خاص وغيرها يحتاج إلى دليل أيضا وليس فليس. وقوله ـ انه ليس ركنا. إلخ ـ كلام مزيف لا معنى له عند المحصل.

(الخامس) ـ التسبيح وقد وقع الخلاف هنا في موضعين (أحدهما) انه هل الواجب في حال الركوع والسجود هو التسبيح خاصة أو يجزئ مطلق الذكر؟ قولان مشهوران (الثاني) انه على تقدير القول الأول من تعين التسبيح فقد اختلفوا في الصيغة الواجبة منه على أقوال ، ونحن نبسط الكلام في المقامين بنقل الأخبار والأقوال وما سنح لنا من المقال في هذا المجال بتوفيق الملك المتعال وبركة الآل (عليهم صلوات ذي الجلال) :

(الموضع الأول) ـ اعلم انه قد اختلف الأصحاب في ان الواجب في الركوع والسجود هل هو مطلق الذكر أو يتعين التسبيح؟ قولان : والأول منهما مذهب الشيخ في المبسوط والجمل والحلبيين الأربعة ، واليه ذهب جملة من المتأخرين : منهم ـ شيخنا الشهيد الثاني وسبطه في المدارك وغيرهما. والثاني مذهب الشيخ في باقي كتبه والشيخ المفيد والمرتضى وابني بابويه وأبي الصلاح وابن البراج وسلار وابن حمزة وابن الجنيد ، وادعى

__________________

(١) الوسائل الباب ٢٩ من القراءة و ١٠ من الركوع.

٢٤٥

عليه السيد المرتضى في الانتصار والشيخ في الخلاف وابن زهرة في الغنية الإجماع. والظاهر انه المشهور بين المتقدمين ونسبه في الذكرى إلى المعظم. وللشيخ في النهاية قول آخر يؤذن بكونه ثالثا في المسألة حيث يجوز ان يقال بعد التسبيح في الفريضة «لا إله إلا الله والله أكبر» مع انه قال فيه : والتسبيح في الركوع فريضة من تركه عمدا فلا صلاة له.

والذي يدل على الأول من الأخبار ما رواه ثقة الإسلام والشيخ في كتابيهما عن هشام بن سالم في الصحيح عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) (١) قال : «سألته يجزئ عني ان أقول مكان التسبيح في الركوع والسجود : لا إله إلا الله والحمد لله والله أكبر؟ قال نعم كل هذا ذكر الله». ولفظ «والحمد لله» ليس في رواية الكافي وانما هو في التهذيب.

وما رواه الشيخ في الصحيح عن هشام بن الحكم عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) (٢) قال : «قلت له يجزئ أن أقول مكان التسبيح في الركوع والسجود : لا إله إلا الله والحمد لله والله أكبر؟ قال نعم كل هذا ذكر الله».

ورواه في الكافي في الصحيح عن هشام بن الحكم (٣) قال : «قال أبو عبد الله (عليه‌السلام) ما من كلمة أخف على اللسان منها ولا أبلغ من «سبحان الله». قال قلت يجزئني في الركوع والسجودان أقول مكان التسبيح : لا إله إلا الله والحمد لله والله أكبر؟ قال نعم كل ذا ذكر الله». وروى هذا الخبر ابن إدريس في مستطرفات السرائر من كتاب النوادر لمحمد بن علي بن محبوب عن احمد بن محمد عن ابن أبي عمير عن هشام بن الحكم نحوه (٤)

وأيد هذا القول في المدارك بما رواه الشيخ في الصحيح عن عبد الرحمن بن ابي نجران عن مسمع ابي سيار عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) (٥) قال : «يجزئك من القول في الركوع والسجود ثلاث تسبيحات أو قدرهن مترسلا وليس له ولا كرامة أن يقول

__________________

(١ و ٢ و ٤) الوسائل الباب ٧ من الركوع. و «كل هذا ذكر الله» في الرقم ١ ليس في الكافي.

(٣) الفروع ج ١ ص ٩١ وفي الوسائل الباب ٧ من الركوع.

(٥) الوسائل الباب ٥ من الركوع.

٢٤٦

سبح سبح سبح».

والظاهر ان عده هذه الرواية من المؤيدات دون ان تكون دليلا اما من حيث ان الراوي لها مسمع أبي سيار وهو يطعن في حديثه في مواضع من شرحه وان عده حسنا تارة وصحيحا أخرى في مواضع أخر ولهذا وصف الحديث بالصحة إلى عبد الرحمن ابن أبي نجران مؤذنا بانتهاء صحة الحديث اليه ، ويحتمل ان يكون من حيث إجمال متنها بقوله «أو قدرهن» لاحتمال ان يكون قدرهن من الذكر ، ويحتمل ان يكون قدرهن من تسبيحة واحدة كبرى.

ومثلها حسنة أخرى لمسمع أيضا عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) (١) قال : «لا يجزئ الرجل في صلاته أقل من ثلاث تسبيحات أو قدرهن». هذا ما يتعلق من الأخبار بالقول المذكور.

واما ما يدل على القول الآخر فروايات عديدة تأتي ان شاء الله تعالى في المقام الآتي والذي يظهر لي في وجه الجمع بين اخبار القولين على وجه يندفع به التنافي في البين ان يقال ان المفهوم من الأخبار ان التسبيح هو الأصل والذكر وقع رخصة كما يشير اليه هنا ما تقدم في اخبار الهشامين من قولهما «يجزئ ان يقول مكان التسبيح» وحينئذ فتحمل روايات التسبيح على الأفضلية وروايات الذكر على الرخصة والاجزاء ، وهذا كما في غسل الجنابة ترتيبا وارتماسا فإن الأصل فيه هو الأول وهو الذي استفاضت به الأخبار وعليه عمل النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) وأهل بيته الاطهار والثاني ورد في خبرين رخصة كما أشرنا إلى ذلك ثمة. ولعله على هذا بنى الشيخ (قدس‌سره) في عبارته في النهاية حيث صرح بأن الفريضة التسبيح مع قوله بجواز إبداله بالذكر المذكور في كلامه ، وبذلك يندفع ما أورده عليه المتأخرون من التناقض في كلامه. ولم أقف للقائلين بتعين التسبيح على جواب عن هذه الروايات الدالة على الاجتزاء بمطلق الذكر والله العالم.

__________________

(١) الوسائل الباب ٥ من الركوع.

٢٤٧

(الموضع الثاني) ـ اعلم انه قد اختلف أصحاب القول بتعين التسبيح في ما يجب منه على أقوال : (أحدها) القول بجواز التسبيح مطلقا وهو منقول عن السيد المرتضى (رضي‌الله‌عنه) و (ثانيها) وجوب تسبيحة واحدة كبرى وهي «سبحان ربي العظيم وبحمده» وهو قول الشيخ في النهاية. و (ثالثها) تسبيحة واحدة كبرى أو ثلاث صغريات وهي «سبحان الله» ثلاثا ، ونقل عن ظاهر ابني بابويه وهو ظاهر التهذيب كما ذكره في المدارك. و (رابعها) وجوب ثلاث مرات على المختار وواحدة على المضطر ، وهو منقول عن أبي الصلاح ، ونقل عنه في المختلف انه قال أفضله «سبحان ربي العظيم وبحمده» ويجوز «سبحان الله» وهو ظاهر في تخيير المختار بين ثلاث صغريات أو كبريات و (خامسها) وجوب ثلاث تسبيحات كبريات ، نسبه العلامة في التذكرة إلى بعض علمائنا. هذا ما وقفت عليه من الأقوال في المسألة.

واما الأخبار الجارية في هذا المضمار (فأحدها) ما رواه الشيخ في التهذيب عن هشام ابن سالم (١) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن التسبيح في الركوع والسجود فقال تقول في الركوع «سبحان ربي العظيم» وفي السجود «سبحان ربي الأعلى» الفريضة من ذلك تسبيحة والسنة ثلاث والفضل في سبع».

الثاني ـ ما رواه عن عقبة بن عامر الجهني (٢) قال : «لما نزلت (فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ) (٣) قال لنا رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) اجعلوها في ركوعكم ، فلما نزلت «سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى» (٤) قال لنا رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) اجعلوها في سجودكم».

الثالث ـ ما رواه في الصحيح عن زرارة عن أبي جعفر (عليه‌السلام) (٥) قال : «قلت له ما يجزئ من القول في الركوع والسجود؟ فقال ثلاث تسبيحات في

__________________

(١ و ٥) الوسائل الباب ٤ من الركوع.

(٢) الوسائل الباب ٢١ من الركوع.

(٣) سورة الواقعة ، الآية ٧٣.

(٤) سورة الأعلى ، الآية ١.

٢٤٨

في ترسل وواحدة تامة تجزئ».

الرابع ـ ما رواه عن علي بن يقطين في الصحيح عن ابى الحسن الأول (عليه‌السلام) (١) قال : «سألته عن الركوع والسجود كم يجزئ فيه من التسبيح؟ فقال ثلاثة وتجزئك واحدة إذا أمكنت جبهتك من الأرض».

قال في الوافي الظاهر ان المراد بالتسبيح «سبحان الله» ويحتمل التام. ولعل السر في اشتراط إمكان الجبهة من الأرض في الاجتزاء بالواحدة تعجيل أكثر الناس في ركوعهم وسجودهم وعدم صبرهم على اللبث والمكث فمن اتى منهم بواحدة فربما يصدر منه بعضها في الهوى أو الرفع ، فلا بد لمن هذه صفته أن يأتي بالثلاث ليتحقق لبثه بمقدار واحدة.

الخامس ـ ما رواه عن الحسن بن علي بن يقطين عن أخيه الحسين بن علي بن يقطين في الصحيح عن أبي الحسن الأول (عليه‌السلام) (٢) قال : «سألته عن الرجل يسجد كم يجزئه من التسبيح في ركوعه وسجوده؟ فقال ثلاث وتجزئه واحدة».

السادس ـ ما رواه عن مسمع في الحسن عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) قال : «يجزئك من القول. الخبر». وقد تقدم في المقام الأول (٣).

السابع ـ ما رواه عن سماعة في الموثق (٤) قال : «سألته عن الركوع والسجود هل نزل في القرآن. الخبر وقد تقدم ، إلى ان قال فقلت كيف حد الركوع والسجود؟ فقال اما ما يجزئك من الركوع فثلاث تسبيحات تقول سبحان الله سبحان الله (ثلاثا). الحديث». ويأتي ان شاء الله تعالى.

الثامن ـ ما رواه عن معاوية بن عمار في الصحيح (٥) قال : «قلت لأبي عبد الله (عليه‌السلام) أخف ما يكون من التسبيح في الصلاة قال ثلاث تسبيحات مترسلا تقول سبحان

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ٤ من الركوع.

(٣) ص ٢٤٦.

(٤ و ٥) الوسائل الباب ٥ من الركوع.

٢٤٩

الله سبحان الله سبحان الله».

التاسع ـ ما رواه عن مسمع في الحسن عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) (١) قال : «لا يجزئ الرجل في صلاته أقل من ثلاث تسبيحات أو قدرهن».

العاشر ـ ما رواه عن أبي بصير (٢) قال : «سألته عن ادنى ما يجزئ من التسبيح في الركوع والسجود؟ فقال ثلاث تسبيحات».

الحادي عشر ـ ما رواه عن أبي بكر الحضرمي (٣) قال قال أبو جعفر (عليه‌السلام): «أتدري أي شي‌ء حد الركوع والسجود؟ قلت لا. قال تسبيح في الركوع ثلاث مرات «سبحان ربي العظيم وبحمده» وفي السجود «سبحان ربي الأعلى وبحمده» ثلاث مرات ، فمن نقص واحدة نقص ثلث صلاته ومن نقص ثنتين نقص ثلثي صلاته ومن لم يسبح فلا صلاة له».

الثاني عشر ـ ما رواه عن ابان بن تغلب في الصحيح (٤) قال : «دخلت على ابى عبد الله (عليه‌السلام) وهو يصلي فعددت له في الركوع والسجود ستين تسبيحة».

الثالث عشر ـ ما رواه عن حمزة بن حمران والحسن بن زياد (٥) ، قالا «دخلنا على ابى عبد الله (عليه‌السلام) وعنده قوم فصلى بهم العصر وقد كنا صلينا فعددنا له في ركوعه «سبحان ربى العظيم» أربعا أو ثلاثا وثلاثين مرة. وقال أحدهما في حديثه «وبحمده» في الركوع والسجود».

الرابع عشر ـ ما رواه في كتاب العلل بسنده عن هشام بن الحكم عن ابى الحسن

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ٥ من الركوع.

(٣) الوسائل الباب ٤ من الركوع وما ذكره في المتن لفظ الكافي كما في نفس الباب من الوسائل وفي ج ١ من الفروع ص ٩١ واما لفظ التهذيب ج ١ ص ١٥٦ فهو هكذا «قلت لأبي جعفر «ع» أي شي‌ء حد الركوع والسجود؟ قال تقول : سبحان ربى العظيم وبحمده «ثلاثا» في الركوع ، وسبحان ربي الأعلى وبحمده «ثلاثا» في السجود فمن نقص. الحديث».

(٤ و ٥) الوسائل الباب ٦ من الركوع.

٢٥٠

موسى (عليه‌السلام) (١) قال : «قلت لأي علة يقال في الركوع «سبحان ربي العظيم وبحمده» ويقال في السجود «سبحان ربي الأعلى وبحمده»؟ قال يا هشام ان الله تبارك وتعالى لما اسرى بالنبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) وكان من ربه كقاب قوسين أو أدنى رفع له حجابا من حجبه فكبر رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) سبعا حتى رفع له سبع حجب فلما ذكر ما رأى من عظمة الله ارتعدت فرائصه فابترك على ركبتيه وأخذ يقول «سبحان ربي العظيم وبحمده» فلما اعتدل من ركوعه قائما ونظر إليه في موضع أعلى من ذلك الموضع خر على وجهه وجعل يقول «سبحان ربي الأعلى وبحمده» فلما قال سبع مرات سكن ذلك الرعب فلذلك جرت به السنة».

الخامس عشر ـ ما رواه إبراهيم بن محمد الثقفي في كتاب الغارات عن عباية (٢) قال : «كتب أمير المؤمنين (عليه‌السلام) الى محمد بن أبي بكر انظر ركوعك وسجودك فإن النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) كان أتم الناس صلاة واحفظهم لها وكان إذا ركع قال : «سبحان ربي العظيم وبحمده» ثلاث مرات ، وإذا رفع صلبه قال : سمع الله لمن حمده اللهم لك الحمد مل‌ء سماواتك ومل‌ء أرضيك ومل‌ء ما شئت من شي‌ء ، فإذا سجد قال : «سبحان ربي الأعلى وبحمده» ثلاث مرات».

السادس عشر ـ ما رواه الصدوق في كتاب الهداية مرسلا (٣) قال : «قال الصادق (عليه‌السلام) سبح في ركوعك ثلاثا : تقول «سبحان ربي العظيم وبحمده» ثلاث مرات ، وفي السجود «سبحان ربي الأعلى وبحمده» ثلاث مرات ، فان الله عزوجل لما انزل على نبيه (صلى‌الله‌عليه‌وآله) «فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ» (٤). قال النبي (صلى

__________________

(١) الوسائل الباب ٧ من تكبيرة الإحرام و ٢١ من الركوع.

(٢) مستدرك الوسائل الباب ١٣ و ١٦ من الركوع.

(٣) مستدرك الوسائل الباب ١٦ و ٤ من الركوع.

(٤) سورة الواقعة ، الآية ٧٣.

٢٥١

الله عليه وآله) اجعلوها في ركوعكم فلما انزل الله «سبح اسم ربك الأعلى» (١) قال اجعلوها في سجودكم ، فان قلت سبحان الله سبحان الله سبحان الله أجزأك ، وتسبيحة واحدة تجزئ للمعتل والمريض والمستعجل».

السابع عشر ـ ما رواه في كتاب العلل لمحمد بن علي بن إبراهيم بن هاشم (٢) قال : «سئل أمير المؤمنين (عليه‌السلام) عن معنى قوله : سبحان ربي العظيم وبحمده. الحديث».

الثامن عشر ـ ما ذكره في كتاب الفقه الرضوي (٣) قال : «فإذا ركعت فمد ظهرك ولا تنكس رأسك وقل في ركوعك بعد التكبير : اللهم لك ركعت. ثم ساق الدعاء إلى ان قال بعد تمامه : سبحان ربي العظيم وبحمده ، ثم ساق الكلام في السجود كذلك إلى ان قال : سبحان ربي الأعلى وبحمده».

إذا عرفت ذلك فاعلم ان الظاهر ان مستند القول الأول وهو القول بجواز التسبيح مطلقا هو العمل بأخبار المسألة كملا والاكتفاء بكل ما ورد ، ومرجعه إلى التخيير بين جملة الصور الواردة في الأخبار ، إلا ان ظاهره الاكتفاء ولو بتسبيحة صغرى لصدق التسبيح بها مع دلالة جملة من الأخبار على ان ادنى ما يجزئ ثلاث صغريات.

وهذا القول قد اختاره الفاضل الخراساني في الذخيرة واستدل عليه بالرواية الرابعة والخامسة فإنهما دالتان على جواز الاكتفاء بواحدة ويحمل الأخبار المعارضة لهما على الاستحباب جمعا بين الأدلة. وأراد بالأخبار المعارضة ما دل على ان أقل المجزئ ثلاث صغريات كالرواية السابعة والثامنة والتاسعة والعاشرة.

وفيه ان الروايتين اللتين استند إليهما غير صريحتين بل ولا ظاهرتين في ما ادعاه لجواز ان يكون المراد بالواحدة تسبيحة كبرى ، ومرجعه إلى التخيير بين ثلاث

__________________

(١) سورة الأعلى ، الآية ١.

(٢) مستدرك الوسائل باب نوادر ما يتعلق بأبواب الركوع.

(٣) ص ٨.

٢٥٢

صغريات وواحدة كبرى ، فان جعل كل منهما في قالب الإجزاء يقتضي كونهما في مرتبة واحدة ، ويشير إلى ما ذكرناه ما قدمناه من كلام صاحب الوافي ، ويعضد ما ذكرناه الخبر الثالث حيث انه جعل المجزئ ثلاث تسبيحات في ترسل وواحدة تامة والمراد ثلاث صغريات بتأن وتثبت أو واحدة تامة كبرى. نعم قد ورد في الخبر السادس عشر ما يدل على الاكتفاء بواحدة صغرى للمعتل والمريض والمستعجل. وبذلك يظهر لك ان القول المذكور لا مستند له من الأخبار.

واما القول الثاني فاستدل عليه في المدارك بالخبر الأول. وفيه ان الخبر ليس فيه «وبحمده» كما هو المذكور في كلام الشيخ (قدس‌سره) فلا ينطبق على تمام المدعى إلا بتكلف. والأظهر الاستدلال عليه بالخبر الحادي عشر ـ ولا ينافيه نقص الصلاة بنقص واحدة أو اثنتين إذ المراد نقص ثوابها ـ والخبر الرابع عشر والخامس عشر والسابع عشر والثامن عشر وكذا حديث حماد بن عيسى المتقدم في أول الباب (١).

واما القول الثالث فاستدل عليه في المدارك بالخبر الثالث والخبر الثامن. وفيه ان الثاني لا دلالة فيه على تمام المدعى ، فان القول المذكور مشتمل على التخيير بين واحدة كبرى وثلاث صغريات والرواية إنما اشتملت على ثلاث تسبيحات صغريات. وكونها أخف ما يقال في التسبيح لا يستلزم خصوصية كون الفرد الآخر تسبيحة كبرى كما لا يخفى ، والدليل انما هو الأول. ويدل عليه أيضا الحديث الرابع والخامس بالتقريب الذي قدمناه ذكره من حملهما على ما دل عليه الخبر الثالث.

واما القول الرابع فاستدل عليه في المدارك بالخبر الحادي عشر. وفيه (أولا) ان الخبر المذكور غير منطبق على القول المشار اليه بكلا طرفيه إذ لا تصريح في الخبر المذكور بحكم المضطر. و (ثانيا) ان ظاهر القول المذكور وجوب الثلاث والخبر المذكور لا دلالة له على ذلك ، لان نقصان ثلث الصلاة لمن ترك واحدة وثلثيها لمن ترك ثنتين انما هو بمعنى نقص

__________________

(١) ص ٢.

٢٥٣

ثوابها فغاية ما يفهم منه الفضل والاستحباب في الإتيان بالزائد على واحدة ، وحينئذ فلا يكون منطبقا على القول المذكور.

والأظهر الاستدلال له بالخبر السادس عشر فإنه مشتمل على حكم المختار والمضطر ، وان المختار مخير بين ثلاث كبريات وثلاث صغريات حسب ما تقدم نقله عن المختلف في نقله عن ذلك القائل ما يؤذن بالتخيير بين ثلاث كبريات وثلاث صغريات ، وبالجملة فالرواية منطبقة على القول المذكور من جميع جهاته كما لا يخفى فهي الأولى بأن تجعل دليلا له. إلا انها معارضة بالخبر الثالث لدلالته على حصول الواجب بواحدة كبرى وثلاث صغريات فالواجب حمله على الفضل والاستحباب ، ومنه يظهر انه لا دليل للقول المذكور.

واما القول الخامس فلم أقف له على دليل ظاهر من الأخبار.

بقي الكلام في شي‌ء آخر وهو انه على تقدير القول بمطلق الذكر كما هو أحد القولين أو كون ذلك رخصة وان كان الأصل انما هو التسبيح كما قدمنا ذكره فاللازم الاكتفاء بتسبيحة واحدة صغرى لحصول الذكر بذلك مع انك قد عرفت من جملة من الأخبار ان أقل المجزئ ثلاث تسبيحات صغريات والواحدة انما هي لذوي الاعذار.

وهذا الاشكال قد تنبه له في الروض حيث انه اختار الاكتفاء بمطلق الذكر ، وأجاب عنه وقال بعد نقل جملة من اخبار القولين : والتحقيق انه لا منافاة بين هذه الأخبار الصحيحة من الجانبين فإن التسبيحة الكبرى وما يقوم مقامها تعد ذكر الله فتكون أحد أفراد الواجب التخييري المدلول عليه بالأخبار الأولى ، فإنها دلت على اجزاء ذكر الله وهو أمر كلي يتأدى في ضمن التسبيحة الكبرى والصغرى المكررة والمتحدة فيجب الجميع تخييرا. وهذا مع كونه موافقا للقواعد الأصولية جمع حسن بين الأخبار فهو اولى من اطراح بعضها أو حملها على التقية وغيرها. نعم رواية معاوية بن عمار عن الصادق (عليه‌السلام) (١) ـ حين «سأله عن أخف ما يكون من التسبيح في

__________________

(١) الوسائل الباب ٥ من الركوع.

٢٥٤

الصلاة فقال ثلاث تسبيحات مترسلا تقول سبحان الله سبحان الله سبحان الله». ـ قد تأبى هذا الحمل لكن لا صراحة فيها بان ذلك أخف الواجب فيحمل على أخف المندوب فإنه أعم منهما إذ لم يبين فيه الفرد المنسوب إليه الأخفية. انتهى.

وفي هذا الحمل الذي ذكره (قدس‌سره) من البعد ما لا يخفى سيما مع دلالة الخبر التاسع الذي هو نظيره في هذا المعنى على انه لا يجزئ الرجل في صلاته أقل من ثلاث تسبيحات أو قدرهن ، وفي الخبر العاشر «ادنى ما يجزئ من التسبيح».

ويمكن ان يقال في الجواب عن هذا الاشكال ـ بناء على ما اخترناه من ان الأصل هو التسبيح والاكتفاء بمطلق الذكر انما وقع رخصة ـ ان المستفاد من اخبار التسبيح كما عرفت هو ان الواجب منه انما هو تسبيحة كبرى أو ثلاث صغريات ، وحينئذ فيجب التخصيص في اخبار الذكر بما ذكرنا من اخبار التسبيح الدالة على الصورة المذكورة بمعنى انه لا يجزئ من التسبيح أقل مما ذكرنا وكل ما صدق عليه الذكر فإنه يجزئ ما عدي ما نقص من التسبيح عما ذكرنا. هذا أقصى ما يمكن ان يقال.

والعجب هنا ان العلامة في المنتهى قال اتفق الموجبون للتسبيح من علمائنا على ان الواجب من ذلك تسبيحة واحدة تامة كبرى صورتها «سبحان ربي العظيم وبحمده (١)» أو ثلاث صغريات صورتها «سبحان الله» ثلاثا مع الاختيار ، ومع الضرورة تجزئ الواحدة الصغرى لرواية زرارة ، والاجتزاء بالواحدة الكبرى دل عليه قول أبي عبد الله (عليه‌السلام) في حديث هشام بن سالم «تقول في الركوع سبحان ربي العظيم ، الفريضة.». ثم ساق الخبر كما تقدم ، ثم قال وعلى قيام الثلاث الصغرى مقامها ما رواه الشيخ في الصحيح عن معاوية بن عمار ، ثم ساق الرواية كما تقدمت ، ثم قال والاجتزاء بواحدة صغرى في حال الضرورة مستفاد من الإجماع. انتهى. ولا يخفى ما فيه بعد الإحاطة بما تلوناه عليك فلا ضرورة في الإعادة.

__________________

(١) ليس في المنتهى المطبوع «وبحمده» في ذكر الركوع.

٢٥٥

تذييل جليل

قال شيخنا البهائي (قدس‌سره) في كتاب الحبل المتين : ومعنى «سبحان ربي العظيم وبحمده» انزه ربي عن كل ما لا يليق بعز جلاله تنزيها وانا متلبس بحمده على ما وفقني له من تنزيهه وعبادته ، كأنه لما أسند التسبيح إلى نفسه خاف ان يكون في هذا الاسناد نوع تبجح بأنه مصدر لهذا الفعل فتدارك ذلك بقوله وانا متلبس بحمده على ان صيرني أهلا لتسبيحه وقابلا لعبادته ، على قياس ما قاله جماعة من المفسرين في قوله تعالى حكاية عن الملائكة «ونحن نسبح بحمدك» (١) فسبحان مصدر بمعنى التنزيه كغفران ولا يكاد يستعمل إلا مضافا منصوبا بفعل مضمر كمعاذ الله وهو هنا مضاف إلى المفعول وربما جوز كونه مضافا إلى الفاعل ، والواو في «وبحمده» حالية وربما جعلت عاطفة. و «سمع الله لمن حمده» بمعنى استجاب لكل من حمده ، وعدي باللام لتضمنه معنى الإصغاء والاستجابة ، والظاهر انه دعاء لا مجرد ثناء كما يستفاد مما رواه المفضل عن الصادق (عليه‌السلام) (٢) قال : «قلت له جعلت فداك علمني دعاء جامعا فقال لي احمد الله فإنه لا يبقى أحد يصلي إلا دعا لك يقول سمع الله لمن حمده». ، انتهى كلامه زيد إكرامه

(المقام الثاني) ـ في ما يستحب في الركوع وهي أمور : (منها) التكبير له على المشهور بين الأصحاب ، ونقل عن ابن أبي عقيل القول بوجوب تكبير الركوع والسجود وهو اختيار سلار ونقله الشيخ في المبسوط عن بعض أصحابنا ، وتردد فيه المحقق في الشرائع ثم استظهر الندب.

قال في المدارك : منشأ التردد من ورود الأمر به في عدة اخبار كقول أبي جعفر (عليه‌السلام) في صحيحة زرارة (٣) «إذا أردت أن تركع فقل وأنت منتصب

__________________

(١) سورة البقرة ، الآية ٢٨.

(٢) الوسائل الباب ١٧ من الركوع.

(٣) الوسائل الباب ١ من الركوع.

٢٥٦

الله أكبر ثم اركع». وفي صحيحة أخرى له عنه (عليه‌السلام) (١) «ثم تكبر وتركع». ومن أصالة البراءة من الوجوب ، واشتمال ما فيه ذلك الأمر على كثير من المستحبات ، وموثقة أبي بصير (٢) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن ادنى ما يجزئ من التكبير في الصلاة؟ قال تكبيرة واحدة». والمسألة محل إشكال إلا ان المعروف من مذهب الأصحاب هو القول بالاستحباب. انتهى. وعلى هذا النهج كلام غيره أيضا.

أقول : لقائل أن يقول ان أصالة البراءة يجب الخروج عنها بالدليل وهو هنا الأمر الذي هو حقيقة في الوجوب كما قرر في محله ، واشتمال ما فيه ذلك الأمر على كثير من المستحبات لا يستلزم حمل ذلك الأمر على الاستحباب إذ ليس هذا أحد قرائن المجاز فان كثيرا من الأخبار قد اشتمل على الصنفين المذكورين ، وقيام الدليل على استحباب تلك الأشياء المذكورة لا يقتضي استحباب ذلك في ما لا دليل فيه.

ويؤيد القول بالوجوب ما ذكره في كتاب الفقه الرضوي (٣) حيث قال (عليه‌السلام): «واعلم ان الصلاة ثلث وضوء وثلث ركوع وثلث سجود ، وان لها أربعة آلاف حد ، وان فروضها عشرة : ثلاثة منها كبار وهي تكبيرة الإحرام والركوع والسجود ، وسبعة صغار وهي القراءة وتكبير الركوع وتكبير السجود وتسبيح الركوع وتسبيح السجود والقنوت والتشهد ، وبعض هذه أفضل من بعض». انتهى.

واما موثقة أبي بصير التي أوردها فظني انها ليست على ما فهمه منها ، فان الظاهر ان السؤال في هذه الرواية انما هو بالنسبة إلى التكبيرات الافتتاحية وادنى ما يجزئ منها لا تكبيرات الصلاة ليدخل فيه تكبير الركوع والسجود كما ظنه.

ومن هذا القبيل رواية أبي بصير أيضا عنه (عليه‌السلام) (٤) قال : «إذا

__________________

(١) الوسائل الباب ٢ من الركوع. واللفظ هكذا «وكبر ثم اركع» كما سيأتي منه «قدس‌سره» ص ٢٥٨ رقم ٣.

(٢) الوسائل الباب ١ من تكبيرة الإحرام.

(٣) ص ٨.

(٤) الوسائل الباب ٧ من تكبيرة الإحرام.

٢٥٧

افتتحت الصلاة فكبر إن شئت واحدة وان شئت ثلاثا وان شئت خمسا وان شئت سبعا. الحديث».

وصحيحة الشحام (١) قال : «قلت لأبي عبد الله (عليه‌السلام) الافتتاح؟ قال تكبيرة تجزئك. قلت فالسبع؟ قال ذلك الفضل».

وهذه الرواية إنما خرجت هذا المخرج وان كانت مجملة ليست كهذين الخبرين في التقييد بالافتتاح ومقتضى المقام وقرائن الكلام يومئذ كانت ظاهره في ذلك ونحوه في الأخبار غير عزيز.

وبالجملة فالمسألة غير خالية من الاشكال والاحتياط فيها مطلوب على كل حال ، ولو لا اتفاق الأصحاب قديما وحديثا إلا ابن أبي عقيل ـ مع إمكان إرجاع كلامه إلى ما ذكروه ـ لكان القول بالوجوب متعينا.

و (منها) ـ رفع اليدين بالتكبير قائما قبل الركوع حتى يحاذي أذنيه على نحو ما تقدم تحقيقه في بحث تكبيرة الإحرام.

ويدل على ذلك قوله (عليه‌السلام) في صحيحة زرارة (٢) : «إذا أردت أن تركع فقل وأنت منتصب : الله أكبر ، ثم اركع وقل اللهم : لك ركعت. الحديث».

وفي صحيحته الأخرى عن أبي جعفر (عليه‌السلام) (٣) قال : قال «إذا أردت أن تركع وتسجد فارفع يديك وكبر ثم اركع واسجد».

وفي صحيحة حماد المتقدمة أول الباب (٤) في وصف صلاة الصادق (عليه‌السلام) «انه رفع يديه حيال وجهه وقال الله أكبر وهو قائم ثم ركع».

وقال الشيخ في الخلاف : ويجوز ان يهوى بالتكبير. قيل فإن أراد الجواز المطلق فهو متجه وان أراد المساواة في الفضيلة فهو ممنوع. ذكر ذلك جمع من المتأخرين.

__________________

(١) الوسائل الباب ١ من تكبيرة الإحرام.

(٢) الوسائل الباب ١ من الركوع.

(٣) الوسائل الباب ٢ من الركوع.

(٤) ص ٢.

٢٥٨

وقد تقدم نقل الخلاف في رفع اليدين في التكبير وجوبا واستحبابا وكذا الكلام في نهاية الرفع وحده في الموضع المشار اليه آنفا.

فائدة

روى الشيخ في الصحيح عن معاوية بن عمار (١) قال : «رأيت أبا عبد الله (عليه‌السلام) يرفع يديه إذا ركع وإذا رفع رأسه من الركوع وإذا سجد وإذا رفع رأسه من السجود وإذا أراد ان يسجد الثانية».

وعن ابن مسكان في الصحيح عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) (٢) قال : «في الرجل يرفع يديه كلما أهوى للركوع والسجود وكلما رفع رأسه من ركوع أو سجود؟ قال هي العبودية».

وقد وقع الخلاف في ما دل عليه هذان الخبران من رفع اليدين بعد الركوع والسجود في موضعين :

(أحدهما) في ثبوته واستحبابه كما هو ظاهر الخبرين المذكورين وبه قال ابنا بابويه وصاحب الفاخر ونفاه ابن أبي عقيل والمحقق والعلامة ، وأكثرهم لم يتعرضوا لذلك بنفي ولا إثبات ، قال في المعتبر : رفع اليدين بالتكبير مستحب في كل رفع ووضع إلا في الرفع من الركوع فإنه يقول «سمع الله لمن حمده» من غير تكبير ولا رفع يد وهو مذهب علمائنا. انتهى. وقال الشهيد في الذكرى بعد نقل الخبرين المذكورين : لم أقف على قائل باستحباب رفع اليدين عند الرفع من الركوع إلا ابني بابويه وصاحب الفاخر ونفاه ابن ابي عقيل والفاضل وهو ظاهر ابن الجنيد ، والأقرب استحبابه لصحة سند الخبرين وأصالة الجواز وعموم «ان الرفع زينة الصلاة واستكانة من المصلي» (٣). وحينئذ يبتدئ بالرفع عند

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ٢ من الركوع.

(٣) الوسائل الباب ٩ من تكبيرة الإحرام رقم «١١» و «١٤» والباب ٢ من الركوع رقم «٣» و «٤» و «٨».

٢٥٩

ابتداء رفع الرأس وينتهي بانتهائه وعليه جماعة من العامة (١) انتهى. ونقل هذا الكلام عن الذكرى في كتاب الحبل المتين ونفى عنه البأس ، وظاهر المدارك أيضا الميل إلى ذلك

و (ثانيهما) في التكبير مصاحبا للرفع فأثبته بعض الأصحاب ومنهم ـ المحدث السيد نعمة الله الجزائري (قدس‌سره) في رسالته (التحفة) وادعى ان الخبرين المذكورين صريحان في ذلك. وهو عجيب فإنهما كما عرفت لم يتضمنا إلا الرفع خاصة. وممن بالغ في ذلك وأطال الاستدلال عليه شيخنا المحدث الصالح الشيخ عبد الله بن الحاج صالح البحراني في بعض أجوبة المسائل وادعى ما ادعاه السيد المزبور من ظهور الخبرين في التكبير وادعى أيضا تصريح ابن بابويه وصاحب الفاخر بذلك. وأنت خبير بان الخبرين المذكورين لا دلالة فيهما على ما ادعياه كما عرفت ، واما كلام صاحب الفاخر فلا يحضرني الآن ، واما كلام الصدوق في الفقيه فهو بهذه العبارة «ثم ارفع رأسك من الركوع وارفع يديك واستو قائما ثم قل سمع الله لمن حمده والحمد لله رب العالمين ، ثم ذكر الدعاء إلى ان قال واهو إلى السجود. وهي كما ترى خالية من ذلك.

ومن ذلك يظهر ان الأقوال في المسألة ثلاثة (أحدها) نفى الرفع كما هو قول ابن أبي عقيل ومن تبعه. و (ثانيها) إثباته كما دل عليه الخبران. و (ثالثها) القول بالرفع واضافة التكبير. والأول والثالث طرفا إفراط وتفريط ، لأن الأول فيه رد للحكم مع وجود النص الصحيح الصريح الدال على ذلك ، والثالث يتضمن زيادة ليس لها في النص اثر ، وأحسن الأمور أوسطها.

والشيخ المحدث الصالح المشار اليه قد أطال في الاستدلال على ما ادعاه بما لا مزيد طائل في التعرض اليه ، وعمدة ما استدل به التلازم بين الرفع والتكبير ، قال (قدس‌سره) : الأول انه لما ثبت استحباب الرفع ثبت استحباب التكبير لعدم انفكاك الرفع عن التكبير شرعا إذ لم يعهد من الشارع رفع بدون تكبير وانما ذكر الملزوم وهو الرفع

__________________

(١) ص ٥٠.

٢٦٠