الحدائق الناضرة - ج ٨

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]

الحدائق الناضرة - ج ٨

المؤلف:

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]


المحقق: محمّد تقي الإيرواني
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥٤٤

مجرد إلقاء الخلاف بين الشيعة في ذلك لدفع الشنعة عنهم كما تقدم تحقيقه في المقدمة المذكورة ، على ان القول بذلك منقول عن جملة من المخالفين : منهم ـ الزهري والأوزاعي وسعيد بن المسيب والحسن وقتادة والحكم (١) فلعل لمذهب هؤلاء شهرة وصيتا في ذلك الوقت أوجب خروج هذه الأخبار موافقة لهم ، وقد نقل عنهم في المنتهى انه إذا أخل المصلي بتكبيرة الإحرام عامدا أعاد صلاته ولو أخل بها ناسيا أجزأته تكبيرة الركوع وكيف كان فالحمل فيها على ما ذكرناه متعين إذ ليس مع عدم ذلك إلا طرحها وردها لما عرفت من إجماع الطائفة على العمل بتلك الأخبار. والله العالم.

(المسألة الثانية) ـ المشهور نصا وفتوى استحباب التوجه في أول الصلاة بست تكبيرات مضافة إلى تكبيرة الإحرام وهي واجبة كما تقدم ، وكيفية التوجه بالجميع ان يكبر ثلاثا ثم يدعو بالمرسوم ثم اثنتين ثم يدعو ثم اثنتين ثم يتوجه.

والمشهور بين الأصحاب انه يتخير في السبع ايها شاء نوى بها تكبيرة الإحرام فيكون ابتداء الصلاة بها ، قال في المدارك : والمصلي بالخيار ان شاء جعلها الأخيرة واتى بالست قبلها وان شاء جعلها الاولى واتى بالست بعدها وان شاء جعلها الوسطى ، والكل حسن لأن الذكر والدعاء لا ينافي الصلاة. ثم نقل عن الشهيد في الذكرى ان الأفضل جعلها الأخيرة ثم قال ولا أعرف مأخذه. أقول : ما نقله عن الذكرى من جعلها الأخيرة قد صرح به الشيخ في المصباح وتبعه في ذلك جمع : منهم ـ شيخنا الشهيد (قدس‌سره) وغيره ، وربما كان منشأ ذلك كون دعاء التوجه بعدها. وفيه انه لا يصلح دليلا لذلك.

ثم أقول : الظاهر عندي من التأمل في أخبار المسألة انها الاولى خاصة ، وممن تفطن إلى ذلك من محققي متأخري المتأخرين شيخنا البهائي في حواشي الرسالة الاثني عشرية والمحدث الكاشاني في الوافي والسيد الفاضل المحدث السيد نعمة الله الجزائري بل صرح بتعيين الاولى لذلك.

__________________

(١) عمدة القارئ ج ٣ ص ٢ عن الزهري الاكتفاء بنية التكبير وعن الباقين القول بالاستحباب.

٢١

ومن الأخبار الدالة على ذلك صحيحة الحلبي عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) (١) قال : «إذا افتتحت الصلاة فارفع كفيك ثم ابسطهما بسطا ثم كبر ثلاث تكبيرات. الحديث».

والتقريب فيه ان الافتتاح انما يصدق بتكبيرة الإحرام والواقع قبلها من التكبيرات بناء على ما زعموه ليس من الافتتاح في شي‌ء ، وتسمية ما عدا تكبيرة الإحرام بتكبيرات الافتتاح انما يصدق بتأخيرها عن تكبيرة الإحرام التي يقع بها الافتتاح حقيقة والدخول في الصلاة وإلا كان من قبيل الإقامة ونحوها مما يقدم قبل الدخول في الصلاة.

ومما يدل على ذلك بأوضح دلالة صحيحة زرارة (٢) قال : «قال أبو جعفر (عليه‌السلام) الذي يخاف اللصوص والسبع يصلي صلاة المواقفة إيماء. إلى ان قال ولا يدور إلى القبلة ولكن أينما دارت دابته غير انه يستقبل القبلة بأول تكبيرة حين يتوجه».

ومما يدل على ذلك صحيح زرارة الوارد في علة استحباب السبع بإبطاء الحسين (عليه‌السلام) عن الكلام (٣) حيث قال فيه «فافتتح رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) الصلاة فكبر الحسين (عليه‌السلام) فلما سمع رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) تكبيره عاد فكبر وكبر الحسين (عليه‌السلام) حتى كبر رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) سبع تكبيرات وكبر الحسين (عليه‌السلام) فجرت السنة بذلك».

والتقريب فيه ان التكبير الذي كبره (صلى‌الله‌عليه‌وآله) هو تكبيرة الإحرام التي وقع الدخول بها في الصلاة لإطلاق الافتتاح عليها والعود الى التكبير ثانيا وثالثا انما وقع لتمرين الحسين (عليه‌السلام) على النطق كما هو ظاهر السياق.

__________________

(١) الوسائل الباب ٨ من تكبيرة الإحرام.

(٢) الوسائل الباب ٣ من صلاة الخوف.

(٣) الوسائل الباب ٧ من تكبيرة الإحرام.

٢٢

وروى السيد الزاهد العابد المجاهد رضي الدين بن طاوس (عطر الله مرقده) في كتاب فلاح السائل هذه القصة عن الحسن (عليه‌السلام) (١) قال في الحديث الذي نقله : «فخرج رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) حامله على عاتقه وصف الناس خلفه واقامه عن يمينه فكبر رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) وافتتح الصلاة فكبر الحسن (عليه‌السلام) فلما سمع رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) وأهل بيته تكبير الحسن (عليه‌السلام) عاد فكبر وكبر الحسن حتى كبر سبعا فجرت بذلك سنة بافتتاح الصلاة بسبع تكبيرات». وهو أوضح من ان يحتاج إلى بيان.

ومما يدل على ذلك أيضا صحيحة زرارة عن أبي جعفر (عليه‌السلام) قال : «قلت الرجل ينسى أول تكبيرة من الافتتاح. الحديث المتقدم (٢) في سابق هذه المسألة» وهو صريح في ان تكبيرة الإحرام هي الاولى.

ولا ينافي ذلك اشتمال الخبر على ما لا يقول به الأصحاب كما عرفت فإنه يجب ارتكاب التأويل في موضع المخالفة كما في غيره ، وقد صرحوا بان رد بعض الخبر لمعارض أقوى لا يمنع من العمل بما لا معارض له وما هو إلا كالعام المخصوص والمطلق المقيد في العمل بالباقي بعد التخصيص والتقييد.

فائدة

من الأخبار الواردة في قضية الحسين (عليه‌السلام) أيضا ما رواه الشيخ في التهذيب في الصحيح عن حفص ـ والظاهر انه ابن البختري ـ عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) (٣) قال : «ان رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) كان في الصلاة وإلى جانبه الحسين بن علي (عليهما‌السلام) فكبر رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) فلم يحر الحسين

__________________

(١) مستدرك الوسائل الباب ٥ من تكبيرة الإحرام.

(٢) ص ٢٠.

(٣) الوسائل الباب ٧ من تكبيرة الإحرام.

٢٣

(عليه‌السلام) التكبير ثم كبر رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) فلم يحر الحسين التكبير ولم يزل رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) يكبر ويعالج الحسين (عليه‌السلام) التكبير فلم يحر حتى أكمل رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) سبع تكبيرات فأحار الحسين (عليه‌السلام) التكبير في السابعة فقال أبو عبد الله (عليه‌السلام) فصارت سنة».

بيان : قال في الوافي المحاورة المجاوبة والتحاور التجاوب ، يقال كلمته فما أحار لي جوابا ، ولعل المراد ان الحسين (عليه‌السلام) وان كبر في كل مرة إلا انه لم يفصح بها إلا في المرة الأخيرة ، وبهذا يجمع بين الخبرين الأخيرين. انتهى.

بقي الكلام في انهم (عليهم‌السلام) ينطقون ساعة الولادة كما وردت به الأخبار فكيف يمتنع عليهم النطق في هذه الصورة؟ وأجاب عنه في البحار بأنه لعل ذلك كان عند الناس وان التخوف كان من الناس لا منه (صلى‌الله‌عليه‌وآله). أقول : وفيه بعد ويمكن ان يقال لا يخفى على المتأمل في اخبارهم والمتطلع في أحوالهم انهم (عليهم‌السلام) في مقام إظهار المعجز لهم حالات غير حالات الناس واما في غير ذلك فإنهم يقدرون أنفسهم بالناس في صحة ومرض وغناء وفقر ونزول بلاء ونحو ذلك ، وهذا من جملته فإنهم (عليهم‌السلام) لا ينطقون إلا إذا أنطقهم الله تعالى كما ينطق سائر الصبيان ولا يطلبون منه إلا ما يقدره ويريده فليس لهم إرادة زائدة على إرادته تعالى بهم (عليهم‌السلام) وان كانوا لو شاؤا لفعلوا ما يريدون. وهذا هو الجواب الحق في المقام لا يعتريه نقض ولا إبرام.

ثم ان من العلل الواردة في هذه التكبيرات الست المذكورة ما رواه في الفقيه عن هشام بن الحكم عن أبي الحسن موسى بن جعفر (عليه‌السلام) (١) وهي «ان النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) لما اسرى به إلى السماء قطع سبع حجب فكبر عند كل حجاب تكبيرة فأوصله الله تعالى بذلك إلى منتهى الكرامة».

__________________

(١) الوسائل الباب ٧ من تكبيرة الإحرام.

٢٤

قال في الفقيه (١) أيضا : وذكر الفضل بن شاذان عن الرضا (عليه‌السلام) لذلك علة أخرى وهي انه انما صارت التكبيرات في أول الصلاة سبعا لأن أصل الصلاة ركعتان واستفتاحهما بسبع تكبيرات : تكبيرة الافتتاح وتكبيرة الركوع وتكبيرتي السجدتين وتكبيرة الركوع في الثانية وتكبيرتي السجدتين ، فإذا كبر الإنسان في أول صلاته سبع تكبيرات ثم نسي شيئا من تكبيرات الافتتاح من يعد أو سها عنها لم يدخل عليه نقص في صلاته.

قال في الوافي : لعل المراد باستفتاح الركعتين بالسبع التكبيرات التي يستفتح بها كل فعل ولهذا لم يعد منها الأربع التي بعد الرفع من السجدات. انتهى. وهو جيد.

قال في الفقيه بعد ذكر هذه الأخبار كملا : وهذه العلل كلها صحيحة وكثرة العلل للشي‌ء تزيده تأكيدا ولا يدخل هذا في التناقض ، انتهى.

تتميم

من العجب في هذا المقام ما وقع لشيخنا المجلسي ووالده (عطر الله مرقديهما) من الكلام المنحل الزمام والمختل النظام حيث قال في كتاب البحار : وظاهر خبر الحسين (عليه‌السلام) ان النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) جعلها الاولى ولهذا ذهب بعض المحدثين إلى ان تعيين الاولى متعين. ويمكن المناقشة فيه بان كون أول وضعها لذلك لا يستلزم استمرار هذا الحكم ، مع ان العلل الواردة فيها كثيرة وسائر العلل لا يدل على شي‌ء. وكان الوالد (قدس‌سره) يميل إلى ان يكون المصلي مخيرا بين الافتتاح بواحدة وثلاث وخمس وسبع ومع اختيار كل منها يكون الجميع فردا للواجب المخير كما قيل في تسبيحات الركوع والسجود. وهذا أظهر من أكثر الأخبار كما لا يخفى على المتأمل فيها بل بعضها كالصريح في ذلك. وما ذكروه من ان كلا منها قارنتها النية فهي تكبيرة الافتتاح ان

__________________

(١) الوسائل الباب ٧ من تكبيرة الإحرام.

٢٥

أرادوا نية الصلاة فهي مستمرة من أول التكبيرات إلى آخرها ، مع انهم جوزوا تقديم النية في الوضوء عند غسل اليدين لكونه من مستحبات الوضوء فأي مانع من تقديم نية الصلاة عند أول التكبيرات المستحبة فيها؟ وان أرادوا نية كونها تكبيرة الإحرام فلم يرد ذلك في خبر ، وعمدة الفائدة التي تتخيل في ذلك جواز إيقاع منافيات الصلاة في أثناء التكبيرات ، وهذه أيضا غير معلومة إذ يمكن ان يقال بجواز إيقاع المنافيات قبل السابعة وان قارنت نية الصلاة الأولى لأن الست من الاجزاء المستحبة أو لأنه لم يتم الافتتاح بعد بناء على ما اختاره الوالد (قدس‌سره) لكنهم نقلوا الإجماع على ذلك ، وتخيير إلا ما في تعيين الواحدة التي يجهر بها يومي إلى ما ذكروه إذ الظاهر ان فائدة الجهر علم المأمومين بدخول الإمام في الصلاة ، والاولى والأحوط رعاية الجهتين معا بان يتذكر النية عند كل واحدة منها ولا يوقع مبطلا بعد التكبيرة الاولى ، ولو لا ما قطع به الأصحاب من بطلان الصلاة إذا قارنت النية تكبيرتين منها لكان الأحوط مقارنة النية للأولى والأخيرة معا. انتهى.

أقول : فيه من المناقشات الدالة على بطلانه وانهدام أركانه ما لا يحصى ولا يعد إلا أنا نذكر ما خطر بالبال على سبيل الاستعجال.

فنقول : اما قوله «ويمكن المناقشة فيه بان كون أول وضعها لذلك لا يستلزم استمرار هذا الحكم» فان فيه انه لا ريب ان العبادات الشرعية مبنية على التوقيف عن صاحب الشريعة كما اعترف به هو وغيره فإذا علم من الشارع انه جعل الاولى من هذه التكبيرات للإحرام وابتداء الصلاة وافتتاحها فإنه يلزم استمرار الحكم بذلك حتى يثبت النسخ لهذا الحكم ويقوم دليل أقوى على الخروج عنه.

واما قوله : «مع ان العلل الواردة فيها كثيرة وسائر العلل لا يدل على شي‌ء» ففيه (أولا) ان هذه العلل انما هي للتكبيرات الزائدة لا تعلق لها بتكبيرة الإحرام. و (ثانيا) ان خلو الأخبار الدالة على بعض تلك العلل من هذا الحكم وكونها مجملة في

٢٦

ذلك لا ينافي ما بين فيه الحكم المذكور كهذا الخبر ، ومقتضى القاعدة حمل إجمال تلك الأخبار على هذا الخبر ، على ان الدلالة على ما ذهب إليه القائل بالتعيين لا ينحصر في هذا الخبر كما توهمه بل هو مدلول أخبار عديدة كما عرفت.

واما ما نقله عن أبيه ـ وان كان ظاهره تأييده وتشييده حمية لوالده ـ فهو في البطلان أظهر من ان يحتاج إلى بيان كما لا يخفى على ذوي الأفهام والأذهان إلا أنا نشرح ذلك بوجه يظهر منه البطلان كالعيان لكل انسان :

وذلك (أولا) ان كلامه مبني على التخيير كما هو المشهور في كلام الأصحاب وقد عرفت ان النصوص على خلافه.

و (ثانيا) انه لا يخفى على من أحاط خبرا بالاخبار وجاس خلال تلك الديار ان المستفاد منها على وجه لا يداخله الشك والإنكار ان الافتتاح والدخول في الصلاة انما هو بتكبيرة واحدة لا بأكثر وهي التي مضى عليها الناس في صدر الإسلام برهة من الأزمان والأعوام ، وما عداها فإنما يزيد استحبابا للعلل المذكورة في الأخبار وان استصحب استحبابها في جميع الأدوار والأعصار فهي ليست من الافتتاح والتحريم حقيقة في شي‌ء وان سميت بذلك مجازا للمجاورة بالتقريب المتقدم ، وقد تقدم لك في صدر الفصل من الروايات الظاهرة في وحدة تكبيرة الإحرام قوله في صحيحة زرارة (١) «سألت أبا جعفر (عليه‌السلام) عن الرجل ينسى تكبيرة الافتتاح قال يعيد». وقوله (عليه‌السلام) (٢) في مرسلة الفقيه «الإنسان لا ينسى تكبيرة الافتتاح». وقوله في صحيحة البزنطي (٣) «رجل نسي أن يكبر تكبيرة الافتتاح». وفي صحيحة زرارة (٤) «ينسى أول تكبيرة من الافتتاح». وفي جملة من الأخبار (٥) «ان رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) كان أوجز الناس في الصلاة كان يقول الله أكبر بسم الله الرحمن الرحيم». الى غير ذلك من

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ٢ من تكبيرة الإحرام.

(٣ و ٤) ص ٢٠.

(٥) الوسائل الباب ١ من تكبيرة الإحرام.

٢٧

الأخبار فإنها صريحة في كون الافتتاح انما هو بواحدة ، وما أجمل في الأخبار فهو محمول على ذلك جريا على القاعدة المعلومة.

و (ثالثا) ان ما ذكره تشريع ظاهر لأن المعلوم مما قدمناه في الوجه الثاني وكذا عن النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) قبل حصول هذه العلة الموجبة للزيادة انما هو تكبيرة واحدة يحرم بها وهي المشار إليها بقولهم (١) «تحريمها التكبير» ثم انه زاد هذه التكبيرات الست أخيرا للعلل المذكورة فصارت مستحبة في الصلاة كزيادة النوافل التي زادها لمولد الحسنين وفاطمة (صلوات الله عليهم) كما تقدم في بحث الأوقات (٢) وجرت بذلك السنة ولا مدخل لها في التحريم والافتتاح بل هي اذكار مستحبة في هذا المكان ، ويشير إلى ذلك ما تقدم (٣) في حديث الحسين (عليه‌السلام) من قوله (عليه‌السلام) «فجرت السنة بذلك» ومثله في صحيحة حفص في قضية الحسين (عليه‌السلام) (٤) إلا ان فيه ان الحسين لم يكبر إلا في السابعة ، قال (عليه‌السلام) في تمام الحديث «فصارت سنة» ويعضده ما تقدم في الأخبار من الدلالة على وحدة تكبيرة الإحرام ، وحينئذ فإذا كان المعلوم من صاحب الشريعة ان التكبير الواجب انما هو تكبيرة واحدة وهي التي تعقد بها الصلاة فالزيادة عليها تشريع محض ، ومجرد استحباب هذه التكبيرات في هذا الموضع لا يوجب جعلها في هذه المرتبة بل تصريحهم (عليهم‌السلام) باستحبابها دليل على عدم وجوبها والاستفتاح في الصلاة بها كالتكبيرة الأصلية غاية الأمر انه قد اشتبه على أصحابنا بعد زيادة هذه الست وصيرورة التكبيرات سبعا محل تكبيرة الإحرام منها هل هي أولا أو أخيرا أو وسطا؟ فقالوا بالتخيير لذلك ، وبالتأمل في أخبارهم (عليهم‌السلام) يعلم انها الاولى وان الزيادة وقعت بعدها كما قدمنا بيانه وأوضحنا برهانه.

وبذلك يظهر لك ما في قياسه ذلك على تسبيح الركوع والسجود فإنه قياس مع الفارق وتشبيه غير مطابق ، فان التخيير ثمة ثابت ومعلوم نصا وفتوى واما هنا فقد

__________________

(١) الوسائل الباب ١ من تكبيرة الإحرام.

(٢) ج ٦ ص ٥٨.

(٣) ص ٢٢ و ٢٣.

(٤) ص ٢٢ و ٢٣.

٢٨

عرفت على ما اخترناه قيام الدليل على التعيين في التكبيرة الاولى واما على ذكره الأصحاب فقد عرفت ان معناه التخيير في واحدة من هذه السبع ايها يريد جعلها تكبيرة الافتتاح لعدم معلومية محلها بعد شرع الست معها لا بمعنى التخيير بين ان يجعل الإحرام بواحدة أو ثلاث أو سبع كما ذكره فإنه منه عجيب ، وأعجب منه قوله «وهذا أظهر من أكثر الأخبار وبعضها كالصريح في ذلك» والظاهر انه أشار بذلك إلى حسنة الحلبي المتقدمة وقوله فيها «إذا افتتحت الصلاة فارفع يديك ثم ابسطهما بسطا ثم كبر ثلاث تكبيرات ثم قل اللهم أنت الملك الحق. الخبر» وفيه ان سياق الخبر انما هو في ذكر الأدعية الموظفة بين التكبيرات السبع وبيان محالها ، والحديث كما قدمنا ظاهر في كون التحريم وقع بالتكبيرة الاولى وهي التي افتتح بها والتكبيرتان اللتان بعدها انما ضما إليها لبيان وقوع الدعاء المذكور بعد الثلاث لأنك قد عرفت من الأخبار المتقدمة وما حققناه آنفا وحدة تكبيرة الإحرام ، فتوهم كون الثلاث هنا للإحرام كما ظنه توهم بارد وانما العلة في ذلك هو ما ذكرناه.

ولعل من مواضع الشبهة أيضا عنده ما في حسنة زرارة (١) من قوله (عليه‌السلام) «ادنى ما يجزئ من التكبير في التوجه تكبيرة واحدة وثلاث تكبيرات أحسن وسبع أفضل». وقوله في صحيحة الحلبي (٢) : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن أخف ما يكون من التكبير في الصلاة؟ قال ثلاث تكبيرات». وقوله (عليه‌السلام) في رواية أبي بصير (٣) «إذا افتتحت الصلاة فكبر إن شئت واحدة وان شئت ثلاثا وان شئت خمسا وان شئت سبعا فكل ذلك مجزئك غير انك إذا كنت اماما لم تجهر إلا بتكبيرة».

وأنت خبير بان مطرح هذه الأخبار والغرض منها انما هو بيان الرخصة في هذه

__________________

(١) الوسائل الباب ١ من تكبيرة الإحرام.

(٢ و ٣) الوسائل الباب ١٢ من تكبيرة الإحرام.

٢٩

التكبيرات الست المستحبة بتركها والاقتصار على تكبيرة الافتتاح أو الإتيان بثلاث منها تكبيرة الافتتاح ونحو ذلك من الاعداد المذكورة لا ان المعنى انه يحصل الافتتاح بكل من هذه الاعداد فيكون واجبا مخيرا كما زعمه ، وبما ذكرناه صرح جملة من الأصحاب في الباب.

واما قوله : «وما ذكروه من ان كلا منها قارنتها النية فهي تكبيرة الإحرام إن أرادوا نية الصلاة. إلخ» ففيه انا نختار الشق الثاني وهو نية كونها تكبيرة الإحرام ، قوله «لم يرد ذلك في خبر» مردود بأنه وان لم يرد بهذا العنوان ولكن مفاد الأخبار الدالة على الافتتاح بتلك التكبيرة وتسميتها تكبيرة الافتتاح كما تقدم ذلك بالتقريب الذي قدمناه ، ومما يوضح ذلك انه من المعلوم أولا ان الشارع قد جعل التكبير محرما بقوله (١) «تحريمها التكبير وتحليلها التسليم». والتكبير من حيث هو لا يكون محرما ولا موجبا للدخول في الصلاة إلا إذا اقترن بالقصد إلى ذلك فما لم ينو بالتكبير الإحرام ويقصد به الافتتاح للصلاة لا يصير محرما ولا موجبا للافتتاح ، ويعضده ان العبادات موقوفة على القصود والنيات.

واما قوله : «ويمكن ان يقال بجواز إيقاع المنافيات قبل السابعة وان قارنت نية الصلاة الأولى لأن الست من الاجزاء المستحبة» فعجيب من مثله (قدس‌سره) لما عرفت من انه متى قصد بالأولى الافتتاح والدخول في الصلاة فإنه تحرم عليه المنافيات لما ورد عنهم (عليهم‌السلام) (٢) «تحريمها التكبير» بمعنى انه يحرم عليه بالتكبير ما حل له قبله وليس الدخول في الصلاة متوقفا على أزيد من الواحدة كما عرفت ، فكيف يجوز له إيقاع المنافيات وهو قد دخل في الصلاة بمجرد كونه في الست المستحبة؟ وإلا لجاز إيقاع المنافيات في القنوت بناء على استحبابه وان كان في أثناء الصلاة.

واما قوله : «أو لأنه لم يتم الافتتاح بعد بناء على قول الوالد» ففيه ان ما نسبه

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ١ من تكبيرة الإحرام.

٣٠

للوالد بعيد شارد أوهن من بيت العنكبوت وانه لأوهن البيوت ولو أنه أخفاه ولم يظهر شيئا من هذا الكلام لكان أولى بالمحافظة على علو المقام.

وبالجملة فإن كلامه هنا مزيف لا يخفى ما فيه على الفطن اللبيب وأضعف منه كلام أبيه ، وانما أطلنا الكلام في نقض إبرامه وتمزيق سمط نظامه لئلا يغتر به من لم يعض على المسألة بضرس قاطع فان نور الحق بحمد الله سبحانه واضح ساطع. والله العالم.

فروع

(الأول) ـ قد صرح الأصحاب (رضوان الله عليهم) من غير خلاف يعرف بأنه لو كبر ونوى الافتتاح ثم كبر ثانية ونوى الافتتاح بطلت صلاته فان كبر ثالثا بالنية المذكورة انعقدت الصلاة. وهذا الحكم مبنى على ان زيادة الركن موجبة للبطلان كنقصانه. وهو على إطلاقه مشكل واخبار هذه المسألة قد دلت على البطلان بترك التكبير عمدا أو سهوا واما بطلانها بزيادته فلم نقف له على نص. وكون الركن تبطل الصلاة بزيادته ونقيصته عمدا وسهوا مطلقا وان اشتهر ظاهرا بينهم إلا انه على إطلاقه مشكل لتخلف جملة من الموارد عن الدخول تحت هذه الكلية كما يأتي بيانه كله في محله ، ومن ثم قال في المدارك في هذا المقام : ويمكن المناقشة في هذا الحكم اعني البطلان بزيادة التكبير ان لم يكن إجماعيا فإن أقصى ما يستفاد من الروايات بطلان الصلاة بتركه عمدا وسهوا وهو لا يستلزم البطلان بزيادته. انتهى.

(الثاني) ـ التكبير الواجب المنقول عن النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) وأئمة الهدى (عليهم‌السلام) بصيغة «الله أكبر» فيتعين الإتيان بها لأنها عبادة مبنية على التوقيف وهذا هو الذي ورد فيها ، فلو زاد حرفا أو نقص حرفا أو عوض كلمة مكان كلمة ونحو ذلك مما يتضمن الخروج عن هذه الصيغة بطلت صلاته اتفاقا إلا من ابن الجنيد فإنه نقل عنه في الذكرى القول بانعقادها بلفظ «الله الأكبر» وان كان مكروها

٣١

وهو شاذ. وعلى هذا لا تجزى الترجمة للقادر على التعليم حتى يضيق الوقت فيحرم بترجمتها عند الأصحاب مراعيا الترتيب فيقول الأعجمي مثلا «خدا بزرگتر است» ولا خلاف بين أصحابنا بل وأكثر العامة في ذلك ، وقال بعض العامة يسقط التكبير عن من هذا شأنه كالأخرس (١) وهو محتمل. ولم أقف في المسألة على نص وان كان ما ذكروه لا يخلو من قرب. قالوا : والأخرس ينطق على قدر ما يمكنه فان عجز عن النطق بالكلية عقد قلبه بها مع الإشارة بإصبعه كما يشير اليه خبر السكوني عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) (٢) قال : «تلبية الأخرس وتشهده وقراءته القرآن في الصلاة تحريك لسانه وإشارته بإصبعه». وربما احتج بعضهم أيضا بأن تحريك اللسان كان واجبا مع القدرة على النطق فلا يسقط بالعجز عنه إذ لا يسقط الميسور بالمعسور (٣). وفيه ما فيه ، ولو لا إشعار الرواية المذكورة بذلك لأمكن احتمال ما ذكره بعض العامة من سقوط الفرض بالعجز. وكيف كان فما ذكره الأصحاب هو الاولى.

(الثالث) ـ لا ريب ان التكبير جزء من الصلاة فيعتبر فيه من الشروط ما يعتبر في الصلاة من الطهارة والستر والاستقبال والقيام في موضعه ونحو ذلك فلو كبر قاعدا أو آخذا في القيام مع القدرة لم تنعقد صلاته ، قال في الذكرى : فلو كبر وهو آخذ في القيام أو وهو هاو إلى الركوع كما يتفق للمأموم فالأقرب البطلان لأن الانحناء ليس قياما حقيقيا ، وهل تنعقد نافلة؟ الأقرب المنع لعدم نيتها ، ووجه الصحة حصول التقرب والقصد إلى الصلاة والتحريم بتكبيرة لا قيام فيها وهي من خصائص النافلة. انتهى. ولا يخفى ضعف ما ذكره من الوجه في الانعقاد فان القصد إلى الصلاة مطلقا غير كاف في الانعقاد ما لم يقصد الفرض ان كان فرضا أو النافلة ان كان كذلك.

__________________

(١) المغني ج ١ ص ٤٦٣ والمهذب ج ١ ص ٧٠.

(٢) الوسائل الباب ٥٩ من القراءة.

(٣) عوائد النراقي ص ٨٨ وعناوين مير فتاح ص ١٤٦ عن عوالي اللئالي عن على (ع).

٣٢

ثم انه في الذكرى نقل عن الشيخ انه جوز أن يأتي ببعض التكبير منحنيا ثم قال : ولم نقف على مأخذه. وهو كذلك.

وقال في المدارك : قال جدي (قدس‌سره) وكما يشترط القيام وغيره من الشروط في التكبير كذا يشترط في النية فإذا كبر قاعدا أو آخذا في القيام وقعت النية أيضا على تلك الحالة فعدم الانعقاد مستند إلى كل منهما ولا يضر ذلك لأن علل الشرع معرفات لا علل حقيقة. وفيه نظر لانتفاء ما يدل على اعتبار هذه الشرائط في النية على الخصوص كما تقدم تحقيقه إلا ان المقارنة المعتبرة للتكبير تدفع فائدة هذا الاختلاف. انتهى.

أقول : لا ريب ان هذا الكلام مبني على النية المشهورة في كلامهم التي هي عبارة عن التصوير الفكري وهو ما يترجمه قول المصلي «أصلي فرض الظهر ـ مثلا ـ أداء قربة إلى الله تعالى» ثم يقارن بها التكبير ، وقد عرفت ان هذه ليست هي النية بل النية هي القصد البسيط المصاحب له من حال قيامه إلى الوضوء والإتيان به ثم توجهه إلى مصلاه ثم صلاته إلى ان يفرغ منها لا اختصاص له بوقت دون وقت ولا حال دون حال حتى يأتي بالفعل ويفرغ كما في سائر الأفعال التي تصدر عن المكلفين.

(الرابع) ـ قد عرفت ان النية أمر قلبي سواء كانت بالمعنى المشهور أو المعنى الذي ذكرناه لكن الأصحاب بناء على المعنى المشهور من التصوير الفكري على الوجه المتقدم قالوا لو تلفظ به بلسانه بان قال «أصلي فرض الظهر ـ مثلا ـ أداء لوجوبه قربة إلى الله» ثم يقارن به التكبير فإنه يلزم أحد محذورين على تقدير الدرج الذي تحصل به المقارنة أما قطع همزة «الله» فيلزم مخالفة القانون اللغوي لأنها همزة وصل واما وصلها فيلزم مخالفة القانون الشرعي لأن المنقول عن الشرع قطعها ، ومن هنا قيل انه يحرم التلفظ بالنية لاستلزام أحد المحذورين ، قال في الذخيرة : ولو فرض تلفظ المصلي بها كان كلاما لغوا مخالفا للمعهود المنقول عن صاحب الشرع فلا عبرة بها فحينئذ وصل التكبير بها يوجب مخالفة المعهود من صاحب الشرع من القطع. ونقل عن بعض المتأخرين جواز الوصل

٣٣

حينئذ عملا بظاهر القانون العربي وفيه ان إيراد الكلام المتصل به أمر مستحدث مبتدع لم يعهد من الشارع فلا يوجب سقوط التكليف بما ثبت وجوبه من قطع الهمزة كما لا يخفى. وظاهر هذا الكلام انه في الصورة المذكورة يقطع الهمزة مراعاة للجانب الشرعي. وفيه ان المقتضى للسقوط كونها في الدرج حيث انها همزة وصل ولا مدخل لكون ذلك الكلام معتبرا عند الشارع أو غير معتبر.

أقول : ما ذكروه من ان المنقول عن صاحب الشرع قطع الهمزة لا اعرف له مستندا ولا به رواية إلا ما ذكروه هنا من حيث ان النية التي يقارن بها التكبير أمر قلبي فليس ههنا كلام قبلها يوجب كونها في درج الكلام. وفيه ان حسنة الحلبي المشتملة على الأدعية بين التكبيرات بان يكبر ثلاثا ثم يدعو ثم يكبر اثنتين ثم يدعو ثم يكبر اثنتين ثم يدعو مع قولهم بالتخيير في تكبيرة الإحرام بين هذه السبع موجب لوقوع كلام قبل تكبيرة الإحرام فمن الممكن الجائز قصد الإحرام بإحدى التكبيرات المتوسطة مع درج الكلام فتسقط الهمزة لا بد لنفيه من دليل. إلا ان يقال ان المعلوم من الشرع هو تعيين هذا اللفظ للإحرام وعقد الصلاة فكما لا يجوز الزيادة فيه لا يجوز النقيصة منه وبمقتضى ما ذكرتم يلزم سقوط الهمزة في الدرج فلا يكون آتيا بالمأمور به ، وحينئذ فالواجب الوقوف بعد تمام الدعاء ثم الابتداء بالتكبير ، قال في الروض : واعلم ان الإخلال بحرف من التكبير يتحقق بوصل احدى الهمزتين في الكلمتين فان وصل الهمزة إسقاط لها بالكلية كما ذكره أهل العربية من ان همزة الوصل تسقط في الدرج. ووجه البطلان مع وصل همزة «أكبر» ظاهر لأنها همزة قطع واما همزة «الله» فلأنها وان كانت همزة وصل إلا ان سقوط همزة الوصل انما هو في الدرج في كلام متصل بها قبلها ولا كلام قبل التكبير لأن النية إرادة قلبية. الى آخر كلامه زيد في مقامه. وفيه ما عرفت والجواب كما تقدم.

وكما تبطل بالإخلال بحرف منها كذا تبطل بالزيادة ولو بحرف فيها كما تقدم ، فلو مد همزة «الله» بحيث تصير استفهاما فمع القصد تبطل قطعا وبدونه على الأصح فإن

٣٤

الدلالة غير متوقفة على القصد وخروج ذلك عن المعهود من صاحب الشريعة. ويحتمل عدم البطلان من حيث ان الإشباع بحيث يحصل به الحرف شائع في كلام العرب ، وتحصيل يقين البراءة يوجب الوقوف على الأول. وكذا الكلام في لفظ «أكبر» فلو أشبع الفتحة حتى صارت ألفا فصار «أكبار» وهو الطبل ذو وجه واحد فإنه يبطل مع القصد يقينا وكذا مع عدمه على الأصح لما عرفت.

(الخامس) ـ صرح جملة من الأصحاب بأنه يشترط القصد بالتكبير إلى الافتتاح. ولا ريب فيه لما تقدم فلو قصد به تكبير الركوع لم تنعقد صلاته ، ويدل عليه صحيح البقباق وابن أبي يعفور المتقدم (١) واما ما عارضه من صحيحة أحمد بن محمد بن أبي نصر المتقدمة (٢) فقد عرفت الوجه فيها وفي أمثالها.

ولو قصدهما معا كما في المأموم فقيل بالاجزاء ذهب اليه ابن الجنيد والشيخ في الخلاف محتجا بإجماع الفرقة ورواه الشيخ عن معاوية بن شريح عن الصادق (عليه‌السلام) (٣) قال : «إذا جاء الرجل مبادرا والامام راكع أجزأته تكبيرة واحدة لدخوله في الصلاة والركوع». والمشهور بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) العدم استنادا إلى ان الفعل الواحد لا يتصف بالوجوب والاستحباب.

قال في الذكرى : ويمكن حمل كلام الشيخ والرواية على ان المراد سقوط تكبير الركوع هنا ويكون له ثوابه لإتيانه بصورة التكبير عند الركوع لا على ان المصلي قصدهما معا لأن الفعل لا يكون له جهتا وجوب وندب ، ولو قلنا بوجوب تكبير الركوع ـ كما يجي‌ء وقد صرح به الشيخ هنا في الخلاف ـ لم تجزي الواحدة لأن تداخل المسببات مع اختلاف الأسباب خلاف الأصل. وكذا لو نذر تكبير الركوع لم تجزي الواحدة ، وحينئذ لو قصدهما معا فالأقرب عدم تحريمه بالصلاة لعدم تمحض القصد إليها ولا صلاته نفلا أيضا لعدم نيته ولأن السبب الواحد لا يجزى عن السببين ، فعلى هذا لو نوى المتنفل بالتكبيرة

__________________

(١ و ٢) ١٩ و ٢٠.

(٣) الوسائل الباب ٤ من تكبيرة الإحرام. والرواية عن معاوية بن شريح عن أبيه.

٣٥

الواحدة تكبيرة الإحرام والركوع لم تحصلا ولا إحداهما. وعندي في هذه المسألة نظر لأن الأسباب قد تتداخل وجوبا كما في اجزاء الغسل الواحد للجنب وماس الميت وندبا كما في اجزاء الغسل المندوب عن أسباب كثيرة ، والفعل الواحد قد يحصل به الوجوب والندب كما في الجمع بين الصلاة على البالغ ستا والناقص عنها. انتهى. وانما نقلناه بطوله لإحاطته بأطراف الكلام في المقام.

والتحقيق عندي ما اختاره أخيرا وهو ظاهر الخبر المذكور ، وتأويله بما ذكروه من غير معارض ـ إلا ما ذكروه من هذه التعليلات العليلة ـ مجازفة.

ونظير هذا الخبر أيضا ما رواه البرقي في كتاب المحاسن في الموثق عن عمار الساباطي عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) (١) «عن رجل جاء مبادرا والامام راكع فركع؟ قال أجزأته تكبيرة واحدة لدخوله في الصلاة والركوع».

وقد تقدم في مسألة تداخل الأغسال من كتاب الطهارة انه لا مانع من تداخل المسببات مع تعدد الأسباب فإن العلل الشرعية معرفات لا علل حقيقية فلا يضر تواردها على أمر واحد.

(المسألة الثالثة) ـ يستحب في هذا المقام أمور (الأول) أن يسمع الامام من خلفه التكبير ويستحب للمأموم الأسرار بها وبغيرها ويتخير المنفرد ، ونقل في الذكرى عن الجعفي انه أطلق استحباب رفع الصوت بها ، قال في المدارك ولا نعرف مأخذه.

والذي يدل على الحكم الأول من الأخبار صحيحة الحلبي عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) (٢) قال : «إذا كنت إماما فإنه يجزئك ان تكبر واحدة تجهر فيها وتسر ستا».

وروى الصدوق في كتاب عيون الأخبار والخصال بسنده عن أبي علي الحسن ابن راشد (٣) قال : «سألت أبا الحسن الرضا (عليه‌السلام) عن تكبيرة الافتتاح

__________________

(١) الوسائل الباب ٤ من تكبيرة الإحرام.

(٢ و ٣) الوسائل الباب ١٢ من تكبيرة الإحرام.

٣٦

فقال سبع؟ قلت روى عن النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) انه كان يكبر واحدة؟ فقال ان النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) كان يكبر واحدة يجهر بها ويسر ستا». وروى في الخصال عن الحلبي عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) الحديث الأول (١).

وقد تقدم قريبا (٢) في رواية أبي بصير قوله (عليه‌السلام): «انك إذا كنت اماما لم تجهر إلا بتكبيرة».

ويدل على الحكم الثاني ما ورد في موثقة أبي بصير (٣) من انه ينبغي للإمام ان يسمع من خلفه كل ما يقول وللمأموم ان لا يسمع الإمام شيئا مما يقول. ولا منافاة بين ما دل عليه هذا الخبر من انه ينبغي للإمام ان يسمع من خلفه كل ما يقول وبين ما دلت عليه الأخبار المتقدمة من استحباب إسراره بما عدا تكبيرة الإحرام ، لأن عموم هذا الخبر مخصوص بما دلت عليه تلك الأخبار كما هو قضية اجتماع المطلق والمقيد والخاص والعام فلا تغتر بما يفعله من يدعي انه من أهل العلم في هذه الأزمان وليس بذلك من الإجهار بمجموع تكبيرات الافتتاح عملا بعموم هذا الخبر اللازم منه إلغاء ما دلت عليه تلك الأخبار من الأسرار.

واما ما يدل على الثالث فأصالة البراءة من الأمرين.

و (الثاني) ـ ما ذكره جملة من الأصحاب (رضوان الله عليهم) من انه يستحب ترك الاعراب في آخر التكبير لما روى عن النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) (٤)

__________________

(١) الوسائل الباب ١٢ من تكبيرة الإحرام.

(٢) ص ٢٩.

(٣) الوسائل الباب ٥٢ من الجماعة.

(٤) في الإقناع للخطيب الشربينى ج ١ ص ١٠٧ «لو لم يجزم الراء من «أكبر» لم يضر خلافا لما اقتضاه كلام ابن يونس في شرح التنبيه ، واستدل له الدميري بقوله (ص) «التكبير جزم» وقال الحافظ ابن حجر لا أصل له وانما هو قول النخعي وعلى تقدير وجوده معناه عدم التردد فيه» وفي تحفة المحتاج لابن حجر ج ١ ص ٢٣٣ : حديث

٣٧

انه قال : «التكبير جزم». أقول : الظاهر ان هذه الرواية عامية ذكرها أصحابنا في هذا المقام لعمومها. والذي وقفت عليه من الأخبار الدالة على جزم التكبير هو ما تقدم في اخبار الأذان ولا عموم فيها بحيث يشمل تكبيرات الافتتاح وغيرها. ولا بأس بمتابعتهم لكن لا باعتقاد الاستحباب لعدم الدليل الواضح عليه.

و (الثالث) ـ استحباب التوجه ـ زيادة على التوجه بتكبيرة الإحرام ـ بست تكبيرات أو بما دونها مما دلت عليه الأخبار :

ومنها ـ رواية أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) (١) قال : «إذا افتتحت الصلاة فكبر إن شئت واحدة وان شئت ثلاثا وان شئت خمسا وان شئت سبعا فكل ذلك مجزئ عنك غير انك إذا كنت اماما لم تجهر إلا بتكبيرة».

وصحيحة زيد الشحام (٢) قال : «قلت لأبي عبد الله (عليه‌السلام) الافتتاح؟ قال تكبيرة تجزئك. قلت فالسبع؟ قال ذلك الفضل».

وروى في الكافي عن زرارة في الصحيح أو الحسن (٣) قال : «ادنى ما يجزى من التكبير في التوجه تكبيرة واحدة وثلاث تكبيرات أحسن وسبع أفضل».

وعن معاوية بن عمار في الصحيح عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) (٤) قال : «إذا كنت إماما أجزأتك تكبيرة واحدة لأن معك ذا الحاجة والضعيف والكبير».

وقال في الفقيه ، وقد تجزئ في الافتتاح تكبيرة واحدة (٥) وكان رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) أتم الناس صلاة وأوجزهم كان إذا دخل في الصلاة قال الله أكبر بسم الله الرحمن الرحيم.

__________________

«التكبير جزم» لا أصل له وعلى فرض صحته المراد منه عدم مده كما حملوا الخبر الصحيح «السلام جزم».

(١) الوسائل الباب ٧ من تكبيرة الإحرام.

(٢ و ٣ و ٤ و ٥) الوسائل الباب ١ من تكبيرة الإحرام.

٣٨

وروى في التهذيب في الصحيح عن الحلبي (١) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن أخف ما يكون من التكبير في الصلاة؟ قال ثلاث تكبيرات فإذا كانت قراءة قرأت مثل قل هو الله أحد وقل يا ايها الكافرون ، وإذا كنت إماما فإنه يجزئك ان تكبر واحدة تجهر فيها وتسر ستا».

وعن زرارة في الموثق (٢) قال : «رأيت أبا عبد الله (عليه‌السلام) أو سمعته استفتح للصلاة بسبع تكبيرات ولاء».

وعن أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) (٣) قال : «سألته عن ادنى ما يجزئ في الصلاة من التكبير؟ قال تكبيرة واحدة».

وعن محمد بن مسلم في الصحيح عن أبي جعفر (عليه‌السلام) (٤) قال : «التكبيرة الواحدة في افتتاح الصلاة تجزئ والثلاث أفضل والسبع أفضل كله».

وربما يستفاد من صحيحة معاوية بن عمار ـ ونحوها كلام الفقيه الذي هو لا يكون إلا عن الرواية أيضا ـ عدم تأكد استحباب التكبيرات الزائدة على تكبيرة الإحرام للإمام ولم أقف على من قال به من علمائنا الاعلام.

و (الرابع) ـ الدعاء بين هذه التكبيرات فمن ذلك ما تضمنته صحيحة الحلبي أو حسنته كما رواه في الكافي عنه عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) (٥) قال : «إذا افتتحت الصلاة فارفع كفيك ثم ابسطهما بسطا ثم كبر ثلاث تكبيرات ثم قل اللهم أنت الملك الحق لا إله إلا أنت سبحانك اني ظلمت نفسي فاغفر لي ذنبي انه لا يغفر الذنوب إلا أنت. ثم تكبر تكبيرتين ثم قل لبيك وسعديك والخير في يديك والشر ليس إليك والمهدي من هديت لا ملجأ منك إلا إليك سبحانك وحنانيك تباركت وتعاليت

__________________

(١) الوسائل الباب ١٢ من تكبيرة الإحرام.

(٢) الوسائل الباب ٧ من تكبيرة الإحرام.

(٣ و ٤) الوسائل الباب ١ من تكبيرة الإحرام.

(٥) الوسائل الباب ٨ من تكبيرة الإحرام.

٣٩

سبحانك رب البيت. ثم تكبر تكبيرتين ثم تقول وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض عالم الغيب والشهادة حنيفا مسلما وما انا من المشركين (إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيايَ وَمَماتِي لِلّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا) من (الْمُسْلِمِينَ). ثم تعوذ من الشيطان الرجيم ثم اقرأ فاتحة الكتاب».

بيان : «لبيك وسعديك» قال في النهاية : لبيك أي إجابتي لك يا رب وهو مأخوذ من «لب بالمكان وألب» إذا قام به «وألب على كذا» إذا لم يفارقه ، ولم يستعمل إلا على لفظ التثنية في معنى التكرير أي إجابة بعد اجابة ، وهو منصوب على المصدر بعامل لا يظهر كأنك قلت «ألب إلبابا بعد الباب» وقيل معناه اتجاهي وقصدي يا رب إليك من قولهم «داري تلب دارك» اي تواجهها. وقيل معناه إخلاصي لك من قولهم «حب لباب» إذا كان خالصا محضا ومنه لب الطعام ولبابه. انتهى. وزاد في القاموس معنى آخر قال : أو معناه محبتي لك من امرأة لبه محبة لزوجها. وفي النهاية «سعديك» اي ساعدت طاعتك مساعدة بعد مساعدة أو إسعادا بعد إسعاد ولهذا ثنى وهو من المصادر المنتصبة بفعل لا يظهر في الاستعمال ، قال الجوهري لم يسمع «سعديك» مفردا. انتهى.

وروى السيد الزاهد العابد المجاهد رضي الدين بن طاوس في كتاب فلاح السائل بسنده فيه عن ابن أبي نجران عن الرضا (عليه‌السلام) (١) قال : «تقول بعد الإقامة قبل الاستفتاح في كل صلاة : اللهم رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة بلغ محمدا (صلى‌الله‌عليه‌وآله) الدرجة والوسيلة والفضل والفضيلة ، بالله استفتح وبالله أستنجح وبمحمد رسول الله وآل محمد (صلى الله عليه وعليهم) أتوجه اللهم صل على محمد وآل محمد واجعلني بهم عندك وجيها في الدنيا والآخرة ومن المقربين».

بيان : «الدعوة التامة» أي الأذان والإقامة فإنهما دعوة إلى الصلاة وتمامهما في إفادة

__________________

(١) مستدرك الوسائل الباب ٩ من القيام.

٤٠