الحدائق الناضرة - ج ٨

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]

الحدائق الناضرة - ج ٨

المؤلف:

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]


المحقق: محمّد تقي الإيرواني
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥٤٤

تقديرها ما ذكره ، قال في القاموس : آمين بالمد والقصر وقد يشدد الممدود ويمال أيضا عن الواحدي في البسيط اسم من أسماء الله أو معناه «اللهم استجب أو كذلك فليكن أو كذلك فافعل» انتهى. وقال ابن الأثير : هو اسم مبني على الفتح ومعناه «اللهم استجب لي» وقيل معناه (كذلك فليكن) يعني الدعاء. وقال في المغرب معناه «استجب» وقال صاحب الكشاف انه صوت سمي به الفعل الذي هو «استجب» كما ان «رويدا وحيهل وهلم» أصوات سميت بها الأفعال التي هي «أمهل وأسرع واقبل» انتهى. وقال في كتاب المصباح المنير : وآمين بالقصر في لغة الحجاز والمد إشباع بدليل انه لا يوجد في العربية كلمة على «فاعيل» ومعناه «اللهم استجب» وقال أبو حاتم معناه (كذلك يكون) وعن الحسن البصري انه اسم من أسماء الله تعالى. أقول : هذه جملة من كلمات أساطين اللغة وأرباب العربية الذين عليهم المعول وهي متفقة في ان أحد معانيه «اللهم استجب أو استجب» أو غيرهما من الألفاظ المذكورة التي ليست بدعاء البتة وترجيح كلام المحقق المشار اليه على كلامهم محل نظر ، على ان اللازم ـ مما ذكره المحقق المذكور لو تم ـ عدم وجود هذا القسم الذي هو اسم الفعل بالكلية فإن كلامه هذا جار في جميع أسماء الأفعال التي وضعت بإزائها ، فهي حينئذ بمقتضى ما ذكره من قبيل الألفاظ المترادفة مع انه لا خلاف بين أهل العربية في ان اسم الفعل قسم من الأقسام المذكورة في كلامهم والمبحوث عنها في كتبهم. و (ثانيا) ان الظاهر ان هذه الأخبار التي وردت بالمنع والنهي عن التأمين لا وجه لتصريحها بذلك إلا من حيث كونه كلاما أجنبيا خارجا عن الصلاة مبطلا لها متى وقع فيها وإلا فالنهي عنه ـ مع كونه دعاء كما ادعاه واستفاضة الأخبار بجواز الدعاء في الصلاة بل استحبابه ـ مما لا يعقل له وجه.

و (اما ثالثا) فما طعن به على رواية جميل بقوله أولا «فمع سلامة سندها» وقوله ثانيا «لقصور الروايتين عن إثبات التحريم من حيث السند» وهذا الطعن انما هو من حيث اشتمال سندها على إبراهيم بن هاشم ، وهو مناف لما صرح به في غير موضع من كتابه من

٢٠١

الاعتماد على روايته وعدها في الصحيح في جملة من المواضع ، وهذا من جملة المواضع التي اضطرب فيها كلامه أيضا كما تقدمت الإشارة إليه في غير موضع. وبذلك يظهر لك ان القول المشهور هو المؤيد المنصور.

ثم انه نقل في المدارك عن المحقق في المعتبر والعلامة في جملة من كتبه انهما استدلا على ان التأمين مبطل للصلاة بأن معناه «اللهم استجب» ولو نطق بذلك لبطلت صلاته فكذا ما قام مقامه ، ثم رده بأنه ضعيف جدا فان الدعاء في الصلاة جائز بإجماع العلماء وهذا دعاء عام في طلب استجابة جميع ما يدعى به فلا وجه للمنع منه. انتهى.

أقول : ما ذكره (قدس‌سره) جيد وفيه دلالة على صحة ما ألزمناه به في ما اختاره من التحريم دون الابطال مع قوله بأنه دعاء لا اسم لما يدل على الدعاء ، فإنه لا يعقل لتحريمه وجه مع كونه دعاء كما عرفت.

(المسألة الثالثة) ـ المشهور في كلام المتقدمين ـ وبه صرح الشيخان والصدوق والمرتضى (رضوان الله عليهم) ـ ان «الضحى» و «ألم نشرح» وكذا «الفيل» و «لإيلاف» سورة واحدة ، والمشهور بين المتأخرين ـ ومنهم المحقق وربما كان أولهم ـ خلافه.

قال في المعتبر بعد البحث في المسألة : ولقائل أن يقول لا نسلم أنهما سورة واحدة بل لم لا يكونان سورتين وان لزم قراءتهما في الركعة الواحدة على ما ادعوه؟ ونطالب بالدلالة على كونهما سورة واحدة ، وليس قراءتهما في الركعة الواحدة دالة على ذلك وقد تضمنت رواية المفضل تسميتهما سورتين ، ونحن قد بينا ان الجمع بين السورتين في الفريضة مكروه فتستثنيان من الكراهة. انتهى.

وقال في المدارك ـ بعد قول المصنف : روى أصحابنا ان «الضحى» و «ألم نشرح» سورة واحدة وكذا «الفيل» و «لإيلاف» فلا يجوز إفراد إحداهما عن صاحبتها في كل ركعة ولا يفتقر إلى البسملة بينهما على الأظهر ـ ما صورته : ما ذكره المصنف من رواية الأصحاب ان «الضحى» و «ألم نشرح» سورة واحدة وكذا «الفيل» و «الإيلاف» لم أقف عليه في شي‌ء من

٢٠٢

الأصول ولا نقله ناقل في كتب الاستدلال. والذي وقفت عليه في ذلك روايتان ـ إحداهما ـ رواية زيد الشحام في الصحيح (١) قال : «صلى بنا أبو عبد الله (عليه‌السلام) فقرأ «الضحى» و «ألم نشرح» في ركعة». والأخرى رواية المفضل (٢) قال : «سمعت أبا عبد الله (عليه‌السلام) يقول لا تجمع بين سورتين في ركعة واحدة إلا «الضحى» و «ألم نشرح» وسورة «الفيل» و «لإيلاف». ولا دلالة لهما على ما ذكروه من الاتحاد بل ولا على وجوب قراءتهما في الركعة ، أما الأولى فظاهر لأنها تضمنت انه (عليه‌السلام) قرأهما في الركعة والتأسي في ما لا يعلم وجوبه مستحب لا واجب. واما الثانية فلأنها مع ضعف سندها انما تضمنت استثناء هذه السورة من النهي عن الجمع بين السورتين في الركعة والنهي هنا للكراهة على ما بيناه في ما سبق فيكون الجمع بين هذه السور مستثنى من الكراهة. والذي ينبغي القطع بكونهما سورتين لاثباتهما في المصاحف كذلك كغيرهما من السور فتجب البسملة بينهما ان وجب قراءتهما معا ، وهو ظاهر المصنف في المعتبر فإنه قال بعد ان منع دلالة الروايتين على وجوب قراءتهما في الركعة : ولقائل ، ثم ساق كلامه الذي ذكرناه.

أقول : الظاهر ان منشأ الشبهة في هذه المسألة على المتأخرين (أولا) هو انه لما كان نظرهم غالبا مقصورا على الكتب الأربعة المشهورة وهي خالية من هذه الرواية التي أشار إليها المحقق حصل لهم الإشكال في ذلك. و (ثانيا) وجود البسملة في كل من السور المذكورة في المصاحف. و (ثالثا) حكمهم بكراهة القران دون تحريمه كما سيظهر لك من كلام صاحبي المعتبر والمدارك. والجميع محل بحث ونظر كما سيظهر لك ان شاء الله تعالى.

وتحقيق المقام بما لا يحوم حوله النقض والإبرام بتوفيق الملك العلام وبركة أهل الذكر (عليهم الصلاة والسلام) انك قد عرفت مما قدمنا في غير موضع ان كثيرا من

__________________

(١) الوسائل الباب ١٠ من القراءة.

(٢) الوسائل الباب ١٠ من القراءة.

٢٠٣

الأحكام التي يذكرها المتقدمون وهذه الكتب المشار إليها عارية عن أدلتها فيعترض عليهم المتأخرون بعدم وجود الدليل وربما تكلفوا لهم دليلا والحال ان أدلتها موجودة في مواضع أخر من كتب الأخبار ، ومنها هذه المسألة فإن دليلها موجود في مواضع :

منها ـ كتاب الفقه الرضوي الذي قد أشرنا سابقا إلى تفرده بأمثال ذلك وبه صرح شيخنا المجلسي وولده (عطر الله مرقديهما) حيث قال (عليه‌السلام) (١) «ولا تقرأ في صلاة الفريضة «والضحى» و «ألم نشرح» و «ألم تر كيف» و «لإيلاف» ، لانه روى ان «والضحى» و «ألم نشرح» سورة واحدة وكذلك «ألم تر كيف» و «لإيلاف» سورة واحدة. الى ان قال فإن قرأت بعض هذه السور الأربع فاقرأ «والضحى» و «ألم نشرح» ولا تفصل بينهما ، وكذلك «ألم تر كيف» و «لإيلاف». انتهى.

ومنها ـ ما رواه الصدوق في كتاب الهداية مرسلا عن الصادق (عليه‌السلام) (٢) في حديث قال فيه «وموسع عليك أي سورة قرأت في فرائضك إلا أربع وهي «والضحى» «وأ لم نشرح» في ركعة لأنهما جميعا سورة واحدة و «لإيلاف» و «ألم تر كيف» في ركعة لأنهما جميعا سورة واحدة ، ولا تنفرد بواحدة من هذه الأربع سور في ركعة فريضة». وبهذه الرواية أفتى في الفقيه من غير اسناد إلى الرواية كما هي عادته غالبا من الإفتاء بمضامين الأخبار.

ومنها ـ ما نقله شيخنا أمين الإسلام الطبرسي في مجمع البيان (٣) قال : «روى أصحابنا ان «الضحى» و «ألم نشرح» سورة واحدة وكذا سورة «ألم تر كيف» و «لإيلاف قريش». قال وروى العياشي عن أبي العباس عن أحدهما (عليهما‌السلام) قال : «ألم تر كيف فعل ربك» و «لإيلاف قريش» سورة واحدة». قال : «وروى ان أبي بن كعب لم يفصل بينهما في مصحفه». انتهى.

__________________

(١) ص ٩.

(٢) البحار ج ٨٥ الصلاة ص ٤٥ ح ٣٤.

(٣) الوسائل الباب ١٠ من القراءة.

٢٠٤

وهذه الأخبار هي مستند شهرة الحكم بين المتقدمين بالاتحاد ، ويؤيدها صحيحة زيد الشحام ورواية المفضل المتقدمتين بنقل صاحب المدارك ، ورواية المفضل هذه رواها في المعتبر من جامع احمد بن محمد بن أبي نصر وعليهما اقتصر في المعتبر أيضا ، وهاتان الروايتان ليستا بالدليل في المسألة على الحكم المذكور كما توهماه حتى انه بتأويلهما يسقط الدليل في المقام ، بل الدليل الواضح انما هو ما نقلناه من الأخبار وهذان انما خرجا بناء على ما تضمنته هذه الأخبار من الاتحاد وإلا فهما في حد ذاتهما غير صريحين في ذلك.

ويؤيد ما ذكرناه ما صرح به الشيخ في الاستبصار من ان هاتين السورتين سورة واحدة عند آل محمد (عليهم‌السلام) وينبغي ان يقرأهما موضعا واحدا ولا يفصل بينهما ب (بسم الله الرحمن الرحيم) في الفرائض. وقال في التهذيب : وعندنا انه لا يجوز قراءة هاتين السورتين إلا في ركعة واحدة. وكلامه في الاستبصار مشعر باتفاق الروايات على الاتحاد وانه مذهب أهل البيت (عليهم‌السلام) وكلامه في التهذيب مشعر باتفاق الأصحاب على الحكم المذكور.

ثم ان من روايات المسألة مما لم يقف عليه صاحبا المعتبر والمدارك زيادة على الخبرين المنقولين في كلامهما ما رواه الشيخ في الصحيح عن زيد الشحام (١) قال : «صلى بنا أبو عبد الله (عليه‌السلام) فقرأ بنا «بالضحى» و «ألم نشرح». وحملها الشيخ على انه قرأهما في ركعة واحدة كما في روايته المتقدمة.

وروى الشيخ في الصحيح عن زيد الشحام (٢) قال : «صلى بنا أبو عبد الله (عليه‌السلام) فقرأ في الاولى «والضحى» وفي الثانية «ألم نشرح لك صدرك». وحملها في التهذيبين على قراءتهما في النافلة.

والأقرب عندي حمل الرواية الثانية على جواز التبعيض فيكون سبيلها سبيل ما دل على التبعيض في السورة كغيرها من الأخبار فبعين ما تحمل عليه تلك الأخبار عند من

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ١٠ من القراءة.

٢٠٥

أوجب السورة كاملة تحمل عليه هذه الرواية. وهذان الخبران كانا اولى بالاستدلال لصاحبي المعتبر والمدارك لو اطلعا عليهما.

وبالجملة فالظاهر من الأخبار هو الاتحاد كما عليه متقدمو الأصحاب ويؤيده ارتباط المعنى بين السورتين. بقي الكلام في توسط البسملة بينهما في المصاحف وهذا من أعظم الشبهة في ذهاب المتأخرين إلى خلاف ما عليه المتقدمون.

وفيه (أولا) انك قد عرفت من عبارة كتاب الفقه عدم الفصل بينهما بالبسملة متى أراد قراءتهما معا ، وما نقله في مجمع البيان عن أبي بن كعب من عدم إثباته البسملة في مصحفه.

و (ثانيا) ان الاستدلال بإثباتها في المصاحف انما يتم لو كان هذا القرآن الموجود بأيدينا جمع الامام (عليه‌السلام) وليس كذلك لاتفاق الأخبار وكلمة الأصحاب وغيرهم على انه جمع الخلفاء الثلاثة (١) واما القرآن الذي جمعه (عليه‌السلام) فلم يخرج ولم يظهر

__________________

(١) أورد المجلسي في الباب ٧ ج ١٩ من البحار الأخبار الواردة في هذا الموضوع وقد وردت روايات من طريق العامة تتضمن ان جمع القرآن كان بعد النبي «ص» وان المتصدي لذلك هو زيد بن ثابت بأمر أبي بكر ، أو هو أبو بكر نفسه وانما طلب من زيد ان ينظر في ما جمعه من الكتب ، أو هو زيد وعمر على اختلاف بين الروايات في ذلك ، وقد أوردها في كنز العمال ج ٢ ص ٣٦١ من الطبعة الثانية ، وهناك روايات تدل على جمعه في زمن النبي «ص» كما في منتخب كنز العمال ج ٢ ص ٤٨ و ٥٢ وصحيح البخاري ج ٦ ص ١٠٢ والإتقان ج ١ ص ١٢٤ ، وقد أورد آية الله الأستاذ الخوئي أدام الله ظله الطائفتين من الروايات في البيان في بحث صيانة القرآن من التحريف من ص ١٣٦ إلى ١٨١ في الشبهة الثانية من شبه القائلين بالتحريف ص ١٥٦ التي ملخصها ان كيفية جمع القرآن مستلزمة في العادة لوقوع التحريف ، وقد حقق البحث تحقيقا وافيا واثبت عدم صلوح هذه الروايات ـ من جهة كونها اخبار آحاد ومن جهة تناقضها في نفسها ومن جهة معارضاتها العديدة ـ لإثبات ذلك وان القرآن بمقتضى الأدلة التي ذكرها كان مجموعا في زمن النبي «ص» فلا مجال لدعوى التحريف من هذه الجهة.

٢٠٦

لأحد حتى يقوم القائم (عليه‌السلام) وتقرير الأئمة (عليهم‌السلام) على هذا القرآن أعم من ذلك لما تقدم في القراءات السبع.

وحينئذ إذا دلت الأخبار على انهما سورة واحدة كما عرفت وانهما تقرءان معا في ركعة واحدة مع تحريم القران بين السورتين كما قدمنا تحقيقه وأوسعنا مضيقة فقد علم من ذلك ان وجود البسملة في المصاحف ليس بحجة ـ ويؤيده خلو مصحف أبي منها في هذين الموضعين دون غيرهما (١) ـ وان قراءتهما في ركعة واحدة انما هو من حيث الاتحاد إذ مع التعدد لا يجوز إلا على تقدير جواز القران وقد أثبتنا تحريمه ، وهذا خلف.

واما ما استند اليه في المعتبر من ان رواية المفضل قد تضمنت انهما سورتان ففيه ـ مع الإغماض عن المناقشة في السند بناء على اصطلاحهم ـ انه قد أجيب عنها بحمل الاستثناء على كونه منفصلا لا متصلا أو الحمل على التقية ، والأظهر عندي ان ذلك انما خرج مخرج التجوز والمسامحة في التعبير من حيث انهما بإثبات البسملة في المصاحف تسميان سورتين ، ويؤيد ذلك ما في عبارة الصدوق في الفقيه ورواية كتاب الهداية حيث أطلق على كل منهما أنهما سورة مع تصريحه بكونهما سورة واحدة ، وحاصله انهما سورتان باعتبار الرسم في القرآن والشهرة على اللسان وإلا فهما في التحقيق سورة واحدة وبذلك يظهر لك قوة القول المشهور وانه المؤيد المنصور. والله العالم.

(المسألة الرابعة) ـ المشهور بين الأصحاب جواز العدول من سورة إلى أخرى

__________________

(١) قال الالوسى في روح المعاني ج ٣٠ ص ٢٣٨ في سورة «لإيلاف» «قالت طائفة انها وما قبلها سورة واحدة واحتجوا عليه بان أبي بن كعب لم يفصل بينهما في مصحفه بالبسملة ، ثم ذكر جمعا اثبتوا الفصل في مصحف ابى والمثبت مقدم على النافي» وفيه ص ١٦٥ في سورة «ألم نشرح» «هي شديدة الاتصال بسورة الضحى حتى روى عن طاوس وعمر بن عبد العزيز انهما يقولان هما سورة واحدة ويقرءانها في ركعة واحدة ولم يفصلا بينهما بالبسملة وعلى ذلك الشيعة كما حكاه الطبرسي».

٢٠٧

ما لم يبلغ نصفها أو يتجاوز نصفها على الخلاف في ذلك وانه يحرم بعد بلوغ الحد المذكور إلا في سورتي التوحيد والجحد فإنه يحرم العدول عنهما بمجرد الشروع فيهما أو يكره على الخلاف إلا إلى الجمعة والمنافقين في يوم الجمعة فإنه يعدل منهما إلى السورتين المذكورتين ما لم يبلغ النصف أو يتجاوزه على الأشهر.

وتفصيل هذه الجملة يقع في مقامات ثلاثة إلا ان الواجب أولا نقل الأخبار المتعلقة بالمسألة فأقول :

الأول ـ ما رواه الكليني والشيخ عن عمرو بن أبي نصر (١) قال : «قلت لأبي عبد الله (عليه‌السلام) الرجل يقوم في الصلاة فيريد ان يقرأ سورة فيقرأ قل هو الله أحد وقل يا ايها الكافرون؟ فقال يرجع من كل سورة إلا من قل هو الله أحد وقل يا ايها الكافرون».

والثاني ـ ما رواه الشيخ عن الحلبي في الصحيح (٢) قال : «قلت لأبي عبد الله (عليه‌السلام) رجل قرأ في الغداة سورة قل هو الله أحد؟ قال لا بأس ، ومن افتتح بسورة ثم بدا له ان يرجع في سورة غيرها فلا بأس إلا قل هو الله أحد فلا يرجع منها إلى غيرها ، وكذلك قل يا ايها الكافرون».

والثالث ـ عن عبيد بن زرارة في الموثق (٣) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن رجل أراد ان يقرأ في سورة فأخذ في أخرى؟ قال فليرجع إلى السورة الأخرى إلا ان يقرأ بقل هو الله أحد. قلت رجل صلى الجمعة فأراد أن يقرأ سورة الجمعة فقرأ قل هو الله أحد؟ قال يعود إلى سورة الجمعة».

الرابع ـ عن عبيد بن زرارة في الموثق أيضا عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) (٤) «في الرجل يريد ان يقرأ السورة فيقرأ غيرها فقال له ان يرجع ما بينه وبين ان يقرأ ثلثيها».

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ٣٥ من القراءة.

(٣) الوسائل الباب ٦٩ من القراءة.

(٤) الوسائل الباب ٣٦ من القراءة.

٢٠٨

الخامس ـ ما رواه في الكافي في الصحيح عن محمد بن مسلم عن أحدهما (عليهما‌السلام) (١) «في الرجل يريد ان يقرأ سورة الجمعة في الجمعة فيقرأ قل هو الله أحد؟ قال يرجع إلى سورة الجمعة». ورواه الشيخ عن احمد بن محمد بن أبي نصر في الصحيح مثله (٢)

السادس ـ ما رواه الشيخ عن الحلبي في الصحيح عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) (٣) قال : «إذا افتتحت صلاتك بقل هو الله أحد وأنت تريد أن تقرأ بغيرها فامض فيها ولا ترجع إلا ان تكون في يوم الجمعة فإنك ترجع إلى الجمعة والمنافقين منها».

السابع ـ ما رواه عبد الله بن جعفر الحميري في قرب الاسناد عن عبد الله بن الحسن عن جده علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر (عليه‌السلام) (٤) ورواه علي بن جعفر في كتاب المسائل أيضا عن أخيه (عليه‌السلام) (٥) قال : «سألته عن رجل أراد سورة فقرأ غيرها هل يصلح له ان يقرأ نصفها ثم يرجع إلى السورة التي أراد؟ قال نعم ما لم تكن قل هو الله أحد وقل يا ايها الكافرون. وسألته عن القراءة في الجمعة بما يقرأ؟ قال بسورة الجمعة وإذا جاءك المنافقون وان أخذت في غيرها وان كان قل هو الله أحد فاقطعها من أولها وارجع إليها». وعبارة كتاب المسائل في السؤال الأول هكذا «هل يصلح له بعد ان يقرأ نصفها ان يرجع. إلى آخر ما هنا».

الثامن ـ ما رواه الشيخ في الصحيح عن عبيد الله بن علي الحلبي وأبي الصباح الكناني وأبي بصير كلهم عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) (٦) «في الرجل يقرأ في المكتوبة بنصف السورة ثم ينسى فيأخذ في أخرى حتى يفرغ منها ثم يذكر قبل ان يركع؟ قال يركع ولا يضره».

التاسع ـ ما رواه الشيخ في الصحيح عن صباح بن صبيح (٧) قال : «قلت

__________________

(١ و ٢ و ٣) الوسائل الباب ٦٩ من القراءة.

(٤ و ٥) الوسائل الباب ٣٥ و ٦٩ من القراءة إلا انه لم ينقل السؤال الثاني من كتابه.

(٦) الوسائل الباب ٣٦ من القراءة.

(٧) الوسائل الباب ٧٢ من القراءة.

٢٠٩

لأبي عبد الله (عليه‌السلام) رجل أراد ان يصلي الجمعة فقرأ بقل هو الله أحد؟ قال يتمها ركعتين ثم يستأنف». ورواه الكليني مرسلا (١).

العاشر ـ ما رواه الشهيد في الذكرى نقلا من كتاب نوادر البزنطي عن أبي العباس (٢) «في الرجل يريد ان يقرأ السورة فيقرأ في أخرى؟ قال يرجع إلى التي يريد وان بلغ النصف». وهذه الرواية نقلها في البحار (٣) عن الذكرى أيضا إلا ان فيها عن أبي العباس عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) «في الرجل. إلى آخره» والذي وقفنا عليه من نسخ الذكرى التي عندنا هو ما نقلناه.

الحادي عشر ـ ما ذكره (عليه‌السلام) في كتاب الفقه الرضوي (٤) قال : «وقال العالم لا تجمع بين السورتين في الفريضة. وسئل عن رجل يقرأ في المكتوبة نصف السورة ثم ينسى فيأخذ في الأخرى حتى يفرغ منها ثم يذكر قبل ان يركع؟ قال لا بأس به. وتقرأ في صلواتك كلها يوم الجمعة وليلة الجمعة سورة الجمعة والمنافقين وسبح اسم ربك الأعلى وان نسيتها أو واحدة منها فلا اعادة عليك فان ذكرتها من قبل ان تقرأ نصف سورة فارجع إلى سورة الجمعة وان لم تذكرها إلا بعد ما قرأت نصف سورة فامض في صلاتك».

الثاني عشر ـ ما رواه علي بن جعفر في كتاب المسائل عن أخيه (عليه‌السلام) (٥) قال : «سألته عن الرجل يفتتح السورة فيقرأ بعضها ثم يخطئ فيأخذ في غيرها حتى يختمها ثم يعلم انه قد أخطأ هل له ان يرجع في الذي افتتح وان كان قد ركع وسجد؟ قال ان كان لم يركع فليرجع ان أحب وان ركع فليمض».

الثالث عشر ـ ما رواه في كتاب دعائم الإسلام (٦) قال : «وروينا عن جعفر بن

__________________

(١) الوسائل الباب ٧٢ من القراءة.

(٢) الوسائل الباب ٣٦ من القراءة.

(٣) ج ٨٥ الصلاة ص ٦١ ح ٤٩.

(٤) ص ١١ و ١٢.

(٥) الوسائل الباب ٢٨ من القراءة.

(٦) مستدرك الوسائل الباب ٥١ من القراءة.

٢١٠

محمد (عليهما‌السلام) انه قال : من بدأ بالقراءة في الصلاة بسورة ثم رأى ان يتركها ويأخذ في غيرها فله ذلك ما لم يأخذ في نصف السورة الأخرى إلا ان يكون بدأ بقل هو الله أحد فإنه لا يقطعها ، وكذلك سورة الجمعة وسورة المنافقين في الجمعة لا يقطعهما إلى غيرهما ، وان بدأ بقل هو الله أحد فقطعها ورجع إلى سورة الجمعة أو سورة المنافقين في صلاة الجمعة يجزئه خاصة».

هذا ما حضرني من روايات المسألة ، والكلام في هذه الأخبار وبيان ما اشتملت عليه من الأحكام يقع في مقامات ثلاثة :

(الأول) ـ في جواز العدول من سورة إلى أخرى ما عدا سورتي الجحد والتوحيد ، فقيل بجواز العدول في الصورة المذكورة ما لم يبلغ النصف وبه قال ابن إدريس والشهيد في الذكرى والدروس وابن بابويه في الفقيه والجعفي وابن الجنيد وأسنده في الذكرى إلى الأكثر. وقيل ما لم يتجاوز النصف وظاهره جواز العدول وان بلغ النصف وهو قول الشيخين والفاضلين في المعتبر والمنتهى وغيره من كتبه وعليه جملة من الأصحاب بل قال في الذخيرة انه المشهور ومثله شيخنا المجلسي في البحار قال بأنه المشهور. واعترف جملة من الأصحاب : منهم ـ الشهيدان في الذكرى والروض وكذا من تأخر عنهما بعدم وجود النص على شي‌ء من هذين القولين ، قال شيخنا المجلسي (عطر الله مرقده) في كتاب البحار : واعترف جماعة من الأصحاب بأن التحديد بمجاوزة النصف أو بلوغه غير موجود في النصوص وهو كذلك. انتهى.

وأنت خبير بان ما عدا روايتي كتاب الفقه وكتاب دعائم الإسلام من الروايات المذكورة لا دلالة في شي‌ء منها على شي‌ء من القولين بالكلية حسبما ذكره الأصحاب المشار إليهم آنفا وهذه هي الأخبار التي وصل نظرهم إليها من الكتب الأربعة وغيرها ، واما عبارة كتاب الفقه فإنها دالة على القول الأول. والعجب هنا من شيخنا المجلسي (قدس‌سره) انه مع تصديه في كتاب البحار لنقل عبارات هذا الكتاب وشرحها

٢١١

كلمة كلمة كيف لم ينبه على ذلك؟ بل غاية ما ذكره هنا ان قال والجزء الأخير يدل على اعتبار مجاوزة النصف في الجملة. انتهى. وأراد بالجزء الأخير آخر العبارة التي ذكرناها وهي كما ترى تدل على الاعتبار ببلوغ النصف لا بمجاوزته حيث انه (عليه‌السلام) قال «ان ذكرتها من قبل ان تقرأ نصف سورة فارجع وان لم تذكر إلا بعد ما قرأت النصف فامض» وهو صريح في ان المدار في جواز الرجوع وعدمه على بلوغ النصف وعدمه فان بلغه مضى في صلاته وإلا رجع. والصدوق الذي قد نسب اليه القول ببلوغ النصف انما استفيد ذلك من عبارته في الفقيه بهذه العبارة وان جعلها في الظهر خاصة ورتب عليها وجوب السورة في الظهر حيث قال : «ان نسيتهما ـ يعني سورة الجمعة والمنافقين ـ أو واحدة منهما في صلاة الظهر وقرأت غيرهما ثم ذكرت فارجع إلى سورة الجمعة والمنافقين ما لم تقرأ نصف السورة فإن قرأت نصف السورة فتمم السورة واجعلها ركعتين نافلة وسلم فيهما وأعد صلاتك» ومرجع العبارتين الى معنى واحد وهو الاعتبار ببلوغ النصف وعدمه. واما عبارة كتاب دعائم الإسلام فهي صريحة في القول الثاني حيث رتب جواز الرجوع على عدم الدخول في النصف الآخر من السورة التي قرأها فلو دخل فيه مضى وهذا معنى ما عبروا به من تجاوز النصف.

بقي الكلام في الاعتماد على الكتابين المذكورين ، اما كتاب الفقه فقد تقدم الكلام فيه غير مرة وانه باعتماد الصدوقين عليه وافتائهما بعباراته لا يقصر عن غيره من كتب الأخبار ، وقد نبهنا في غير موضع على ان كثيرا من الأحكام التي ذكرها المتقدمون ولم يصل دليلها إلى المتأخرين فاعترضوا عليهم بعدم وجود الدليل قد وجدنا أدلتها في هذا الكتاب ، وهذا منها فإن عبارة الصدوق هنا كما ترى موافقة لعبارة الكتاب وان كان انما رتبها على الظهر خاصة بناء على مذهبه من وجوب السورتين فيها. واما كتاب دعائم الإسلام فاخباره صالحة للتأييد البتة والغرض هنا التنبيه على ما وصل إلينا من اخبار المسألة. والعجب هنا أيضا من شيخنا المجلسي مع تصديه لنقل اخبار الكتاب المذكور

٢١٢

والبحث فيها وبيانها وإيضاحها أغمض النظر عن هذه العبارة ولم يتكلم فيها ولو بالإشارة وظاهره ـ كما عرفت من كلامه المنقول آنفا ـ الجمود على ما ذكره جملة ممن قدمنا نقل ذلك عنه وعنهم من عدم وجود نص على شي‌ء من ذينك القولين.

إذا عرفت ذلك فاعلم ان ما دلت عليه عبارة كتاب الفقه وكذا عبارة الصدوق معارض بما دلت عليه الرواية السابعة من حكمه (عليه‌السلام) بان من أراد قراءة سورة فقرأ غيرها فإنه يجوز له الرجوع إلى التي أرادها أولا وان قرأ نصف السورة التي شرع فيها وكذا الرواية العاشرة والرواية الرابعة ، وفي هذه الرواية رد أيضا للقول بتجاوز النصف فان ما قبل الثلثين كما يشمل بلوغ النصف يشمل بلوغ ما زاد على النصف إلى ان يبلغ الثلثين. ويدل على جواز الرجوع مطلقا في غير ما استثنى إطلاق الرواية الاولى والثانية والثالثة ، وإطلاق هذه الأخبار مع تصريح تلك الأخبار الأخر كما عرفت مما يدفع رواية كتاب الفقه ، وبذلك يظهر ضعف العمل عليها والاستناد في الحكم المذكور إليها.

وبالجملة فإني لا اعرف دليلا معتمدا لهذين القولين بل الأخبار كما ترى ظاهرة في خلافه رأى العين ، والشيخ (قدس‌سره) لما حكى كلام الشيخ المفيد بالتحديد بمجاوزة النصف لم يذكر له دليلا إلا الرواية الثامنة ، ومن الظاهر انها لا دلالة فيها على شي‌ء من التحديدين بالكلية وانما غاية ما تدل عليه صحة الصلاة عند العدول بعد النصف في حال النسيان وهو مع كونه مخصوصا بالنسيان لا يقتضي عدم جواز العدول بعد مجاوزة النصف إلا بمفهوم اللقب وهو مما لا حجة فيه عند محققي الأصوليين.

واحتمل الشهيد في الذكرى إرجاع قول الشيخ بمجاوزة النصف إلى القول ببلوغ النصف ليطابق كلام الأكثر ، قال ـ بعد نقل جملة من العبارات الدالة على بلوغ النصف ـ ما لفظه : فتبين ان الأكثر اعتبروا النصف والشيخ اعتبر مجاوزة النصف ولعل مراده بلوغ النصف. انتهى.

وفيه (أولا) ان ما ذكره جيد بالنسبة إلى ما ادعاه من ان الأكثر على القول ببلوغ

٢١٣

النصف والمخالف انما هو الشيخ خاصة أو مع الشيخ المفيد ، اما على تقدير ما قدمنا نقله عن جملة من الأصحاب من ان المشهور انما هو مذهب الشيخ فلا وجه له. و (ثانيا) انه اي فائدة في إرجاع مذهب الشيخ إلى قول الأكثر بناء على كلامه والحال انه لا دليل عليه في المقام كما اعترف به في صدر كلامه. و (ثالثا) ان الشيخ كما عرفت قد أورد الرواية الثامنة دليلا على ما ادعاه وهي صريحة في العدول مع بلوغ النصف ، وهل ما ذكره (قدس‌سره) إلا صلح مع عدم تراضي الخصمين؟

والعلامة في النهاية قد وجه كلام الشيخين ومن تبعهما بالبناء على تحريم القران ، قال : وكما لا يجوز القران بين سورتين فكذا لا يجوز بين السورة ومعظم الأخرى. ولا يخفى ما فيه.

وشيخنا الشهيد الثاني في الروض لما اختار التحديد ببلوغ النصف استدل عليه وفاقا للمحقق الشيخ علي بقوله تعالى «وَلا تُبْطِلُوا أَعْمالَكُمْ» (١) فإن الانتقال من سورة إلى أخرى إبطال للعمل.

وفيه منع ظاهر فان الانتقال المذكور من حيث هو انتقال ليس إبطالا للعمل وإلا لصدق على الانتقال قبل بلوغ النصف بل الظاهر من إبطال العمل انما هو إسقاطه عن درجة الانتفاع به وعدم ترتب الثواب عليه بالمرة بأن يكون فعله كلا فعل ، وعلى هذا لا يتم الاستدلال بالآية إلا إذا ثبت ان الانتقال عن السورة يوجب ارتفاع ثوابها بالكلية وهو غير واضح بل المعلوم خلافه. ويعضد ما ذكرناه ان بعض المفسرين حمل الابطال على إبطال الأعمال بالكفر والنفاق وعلى هذا يدل سياق الآية ، وبعض على الابطال بالرياء والسمعة ، وبعض على الإبطال بالمعاصي والكبائر ، وهذه الوجوه الثلاثة ذكرها في مجمع البيان. وبالجملة فالقول المذكور بمحل من البعد والقصور. ثم انه لو سلم دلالتها على ما ادعاه لوجب تخصيصها بالنصوص المتقدمة الدالة عموما وخصوصا على الرجوع بعد بلوغ النصف

__________________

(١) سورة محمد ، الآية ٣٣.

٢١٤

كما خصصت بالإجماع والأخبار قبل بلوغ النصف.

نعم ادعى جماعة من الأصحاب : منهم ـ الشهيد الثاني في الروض والمحقق الأردبيلي في شرح الإرشاد الإجماع على عدم جواز العدول بعد تجاوز النصف فان تم كان هو الوجه لا ما ذكروه من هذه التخريجات الواهية ، وحينئذ يجعل النهي عن إبطال العمل مؤيدا له والأخبار دليلا على جواز العدول في النصف فما دونه ، وتحمل الرواية الرابعة الدالة على جواز العدول في ما بينه وبين ثلثي السورة على الشروع في النصف الثاني جمعا بين الأخبار كما ذكره بعض الاعلام. إلا ان تحقق الإجماع المذكور مشكل لما عرفت في مقدمات الكتاب. ومن ذلك يظهر لك قوة القول بجواز العدول مطلقا للأصل مضافا إلى إطلاق الأخبار المتقدمة والأوامر المطلقة في القراءة لصدقها بعد العدول أيضا والأخبار المتقدمة الصريحة في جواز العدول ولو بعد مجاوزة النصف. والله العالم.

(المقام الثاني) ـ المشهور بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) انه لا يجوز العدول عن سورتي التوحيد والجحد إلى غيرهما سوى ما سيأتي بل متى شرع فيهما وجب إتمامهما ، صرح به الشيخان والمرتضى وابن إدريس والعلامة وغيرهم ونقل المرتضى في الانتصار إجماع الفرقة عليه. وخالف المحقق في المعتبر فذهب إلى الكراهة. وتوقف فيه العلامة في المنتهى والتذكرة ، وظاهر الفاضل الخراساني في الذخيرة أيضا التوقف في ذلك.

والذي يدل على القول المشهور ما تقدم من الرواية الاولى والثانية والثالثة والسادسة والسابعة.

وقال المحقق في المعتبر بعد ان نقل عن السيد المرتضى (قدس‌سره) القول بالتحريم : الوجه الكراهة لقوله تعالى «فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ» (١) قال ولا تبلغ الرواية قوة في تخصيص الآية.

__________________

(١) سورة المزمل ، الآية ٢٠.

٢١٥

وضعفه ظاهر (أما أولا) فلا جمال الآية المذكورة وقد حققنا في مقدمات الكتاب عدم جواز الاستدلال بمجملات القرآن ومتشابهاته إلا بتفسير منهم (عليهم‌السلام)

و (اما ثانيا) ـ فإنه مع تسليم دلالة الآية على ما ادعاه فان الروايات المذكورة لصحتها وصراحتها وتعددها موجبة لتخصيص الآية ، وقد خصصوا آيات القرآن بما هو أقل عددا من هذه الأخبار كما لا يخفى على من جاس خلال تلك الديار.

و (اما ثالثا) فإن الآية المذكورة مخصصة عندهم بما إذا لم يتجاوز النصف أو لم يبلغه فإنهم يحرمون العدول بعد الحدين المذكورين على اختلاف القولين مع ان الدليل في ما نحن فيه أقوى وأظهر.

واما ما ذكره الفاضل الخراساني في الذخيرة ـ حيث قال : والأصل في هذا الباب الروايتان السابقتان أعني رواية عمرو بن أبي نصر ورواية الحلبي ودلالتهما على التحريم ليس بواضح ، إلى ان قال والتوقف في هذا المقام في موضعه إلا ان مقتضاه عدم العدول تحصيلا للبراءة اليقينية. انتهى ـ فهو من جملة تشكيكاته الواهية لأنه مبني على ما تفرد به مما نبهناك عليه مرارا من عدم دلالة الأوامر والنواهي في الأخبار على الوجوب والتحريم وقد أوضحناه في غير مقام مما تقدم.

فرع

لو قلنا بتحريم العدول كما هو الأشهر الأظهر فخالف وعدل إلى غيرهما فهل تبطل صلاته أم غاية ما يترتب عليه الإثم خاصة؟ لم أقف فيه على نص من الأخبار ولا تصريح لأحد من الأصحاب إلا على كلام للوالد العلامة (أفاض الله عليه الكرامة) حيث قال ـ بعد ان اعترف أيضا بعدم الوقوف على نص من الأخبار ولا كلام لأحد من الأصحاب ـ ما لفظه : ولا يبعد القول ببطلان العبادة بذلك لأن النهي حينئذ راجع إلى جزء العبادة فيبطلها لأن النهي عن الرجوع عنهما إلى غيرهما نهى في الحقيقة عن قراءة غيرهما مع انه مأمور

٢١٦

بإتمامهما فعند العدول عنهما وقراءة غيرهما يكون آتيا بما نهى عنه تاركا لما أمر به فيكون باقيا تحت العهدة فتبطل عبادته حينئذ ، فتأمل. انتهى. وهو جيد.

(المقام الثالث) ـ المشهور جواز العدول من التوحيد والجحد إلى الجمعة والمنافقين ، وقال المحقق في الشرائع في أحكام صلاة الجمعة : وإذا سبق الإمام إلى قراءة سورة فليعدل إلى الجمعة والمنافقين ما لم يتجاوز نصف السورة إلا في سورة الجحد والتوحيد. وظاهره عدم جواز العدول عنهما ولو إلى الجمعة والمنافقين ، وربما ظهر ذلك من كلام المرتضى (قدس‌سره) في الانتصار حيث قال : ومما انفردت به الإمامية حظر الرجوع من سورة الإخلاص وروى قل يا ايها الكافرون أيضا إذا ابتدأ بها ، ثم نقل الإجماع عليه. وظاهره عموم المنع حيث لم يستثن هاتين السورتين ، قيل وهو ظاهر إطلاق ابن الجنيد أيضا.

ويدل على القول المشهور الخبر الثالث من الأخبار المتقدمة والخبر الخامس والخبر السادس والسابع ، وقد تقدم في الرواية التاسعة جواز العدول إلى النفل كما ذهب اليه الصدوق في ظهر الجمعة وقد تقدم بيانه. والظاهر الجمع بينها وبين الأخبار المذكورة بالتخيير في مورد الرواية المذكورة وهو صلاة الجمعة. ومنع ابن إدريس من العدول إلى النفل هنا بناء على أصله الغير الأصيل من عدم العمل بخبر الواحد مع تحريم قطع الصلاة الواجبة. ولا ريب ان ما ذكره أحوط.

واما القول الثاني فلعل مستنده إطلاق جملة من الأخبار المتقدمة الدالة على انه بالشروع في التوحيد والجحد فإنه لا يجوز العدول عنهما كالرواية الاولى من الروايات المتقدمة والثانية والثالثة والسؤال الأول من الرواية السابعة. وفيه ان مقتضى القاعدة تقييد إطلاق هذه الأخبار بالأخبار المتقدمة فإنها مفصلة والمفصل يحكم على المجمل.

بقي الكلام هنا في مواضع (الأول) ان النصوص المتقدمة المتعلقة بالمقام الثاني قد دلت على عدم جواز العدول عن سورتي التوحيد والجحد إلى غيرهما ونصوص هذا المقام انما دلت على جواز العدول إلى سورتي الجمعة والمنافقين من التوحيد خاصة واما

٢١٧

سورة الجحد فلم يدل على جواز العدول عنها دليل ، فبقي عموم الأخبار الدالة على عدم جواز العدول عنها على حاله لا مخصص له والتخصيص انما وقع في الأخبار المتعلقة بالتوحيد ، والأصحاب قد شركوا بين السورتين في جواز العدول عنهما إلى سورتي الجمعة والمنافقين والدليل كما ترى لا ينهض بذلك.

واستند بعضهم في الجواب عن هذا الإشكال إلى التمسك بالإجماع المركب وهو ان كل من أجاز العدول من التوحيد اجازه من الجحد. وبعض استند إلى طريق الأولوية. وضعف الجميع عني عن البيان.

نعم ربما يستفاد ذلك من الرواية السابعة وقوله فيها «وان أخذت في غيرها وان كان قل هو الله أحد فاقطعها من أولها وارجع إليها» وجه الدلالة دخول سورة الجحد في ذلك الغير المأمور بقطعه. إلا انه لا يخلو من شي‌ء فان تقييد إطلاق تلك الأخبار بإطلاق هذا الخبر ليس اولى من تقييد إطلاق هذا الخبر بإطلاق تلك الأخبار ، وبالجملة فههنا اطلاقان تعارضا وتقييد أحدهما بالآخر لازم لكن لا بد لتعيين أحدهما من ترجيح.

وبذلك يظهر ان الأظهر عدم جواز العدول عن سورة الجحد مطلقا لا إلى هاتين السورتين ولا إلى غيرهما ، ويؤيده أنه الأوفق بالاحتياط.

(الثاني) ـ انه قد صرح جملة من الأصحاب ـ بل الظاهر انه المشهور ـ بجواز العدول عن سورتي التوحيد والجحد هنا إلى سورتي الجمعة والمنافقين باشتراط عدم بلوغ النصف أو تجاوزه كما تقدم من القولين السابقين ، وكثير من عباراتهم مجمل لا تقييد فيه بذلك والأخبار كما عرفت عارية عن هذا التقييد.

واستدل شيخنا الشهيد الثاني ومثله المحقق الشيخ علي على ذلك بالجمع بين الرواية التاسعة الدالة على ان من صلى الجمعة وقرأ بقل هو الله أحد فإنه يتمها ركعتين ثم يستأنف وبين الروايات المتقدمة الدالة على العدول ، قال في الروض : وانما اعتبروا فيهما عدم بلوغ

٢١٨

النصف جمعا بين ما دل على جواز العدول منهما كصحيحة محمد بن مسلم وغيرها وبين ما روى عن الصادق (عليه‌السلام) ثم ذكر الرواية التاسعة المشار إليها ، قال فان العدول من الفريضة إلى النافلة بغير ضرورة غير جائز لأنه في حكم إبطال العمل المنهي عنه فحملت هذه الرواية على بلوغ النصف والأولى محمولة على عدمه. انتهى.

وفيه (أولا) ان الجمع بين الروايات لا ينحصر في ما ذكره بل يمكن الجمع بينها بالتخيير كما قدمنا الإشارة اليه ، وهو انما ألجأه إلى القول المذكور ضرورة الجمع والجمع يحصل بما ذكرنا. وما ذكر من الجمع بالتخيير ظاهر الكليني في الكافي حيث انه بعد نقل صحيحة محمد بن مسلم الدالة على العدول قال (١) «وروى أيضا يتمها ركعتين ثم يستأنف».

و (ثانيا) انك قد عرفت مما قدمنا انه لا دليل من الأخبار على هذا التقييد من أصله فالقول به كائنا ما كان قول بلا دليل.

و (ثالثا) انه مخالف لما عليه الأصحاب فإن العدول إلى النافلة عندهم غير مقيد ببلوغ النصف بل يجوز مطلقا تبعا لإطلاق النص.

و (رابعا) ان قوله ـ ان العدول إلى النافلة بغير ضرورة غير جائز ـ مردود بما ذكروه ودلت عليه الأخبار من العدول لاستدراك الجماعة ، وقطع الفريضة لتدارك الأذان والإقامة ، فإن كانت هذه الأشياء من الضرورات التي يجوز لأجلها القطع أو العدول فكذا في ما نحن فيه وإلا فاشتراط الضرورة في جواز العدول ممنوع.

(الثالث) ـ انه قد صرح المحققان الفاضلان المحقق الشيخ علي وشيخنا الشهيد الثاني (عطر الله مرقديهما) بان جواز العدول من التوحيد والجحد إلى السورتين المذكورتين مشروط بكون قراءتهما على وجه السهو والنسيان ، وحينئذ فلو كان عمدا فإنه لا يجوز له الرجوع عملا بإطلاق أخبار المقام الثاني.

والظاهر ان مستندهم في ذلك قوله في الرواية الخامسة «في الرجل يريد ان يقرأ

__________________

(١) الوسائل الباب ٦٩ من القراءة.

٢١٩

سورة الجمعة في الجمعة فيقرأ قل هو الله أحد؟» ونحوها غيرها من روايات المسألة ، فإن ظاهرها ان القصد كان لسورة الجمعة وان قراءة التوحيد انما وقع لا عن قصد بل سهوا

وفيه ان هذه العبارة كما تحتمل ما ذكروه كذلك تحتمل الحمل على العامد أيضا بأن يكون قد قصد أولا إلى سورة الجمعة ثم بدا له فقصد إلى التوحيد ، على ان ظاهر الرواية السابعة شمول العامد لقوله بعد الأمر بقراءة سورتي الجمعة والمنافقين «وان أخذت في غيرها. إلى آخره» فإن الأخذ في الغير أعم من ان يكون عمدا أو سهوا ونحوها رواية كتاب دعائم الإسلام.

والتحقيق ما ذكره العلامة الوالد (قدس‌سره) هنا حيث قال بعد الكلام في المسألة : وبالجملة فإن المفهوم من الروايات ان المصلي إذا قرأ سورة التوحيد وكان في قصده قراءة غيرها فلا يرجع عنها إلا إلى السورتين ، وهذا المعنى لا خصوص له بالناسي بل ينطبق على العامد ويصح حمل اللفظ عليه ، على ان رواية علي بن جعفر المذكورة آنفا لا وجه لقصرها على حال النسيان لظهور شمولها لحال العامد أيضا بل هي فيه أظهر. وبهذا يندفع ما يقال ان الخروج عن مقتضى الأخبار الصحيحة الصريحة في المنع عن العدول من سورة التوحيد بل والجحد أيضا بناء على ما مر بمجرد الاحتمال غير جيد بل ينبغي الاقتصار فيها على المتيقن من حال الناسي لأنه متيقن الإرادة منها ومتفق عليه بين الأصحاب ، لأن ذلك مبني على ظهور الأخبار في الناسي ليكون متيقن الإرادة منها بخلاف العامد لكونه حينئذ خلاف الظاهر منها ، اما من لا يسلم ظهورها فيه كما هو مقتضى كلام الأكثر فيكون اللفظ محتملا لهما على سواء والخروج فيهما عن مقتضى الأخبار الصحيحة الصريحة في المنع على حال واحدة ، نعم لا يبعد ان الأخبار في الناسي أظهر منها في حال العامد وهو لا يقتضي إلا أولوية العدول فيه لا خصوصيته به والكلام فيه. فتأمل المقام فإنه حري بالتأمل التام. انتهى كلامه رفع مقامه.

(الرابع) ـ انه لا يخفى ان الأخبار المتعلقة بهذا المقام الدالة على القول المشهور

٢٢٠