الحدائق الناضرة - ج ٨

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]

الحدائق الناضرة - ج ٨

المؤلف:

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]


المحقق: محمّد تقي الإيرواني
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥٤٤

قد ترك الأفضل».

ومن الأخبار الدالة على التأكيد في سورة التوحيد واستحباب قراءة الجحد أيضا ما رواه في الكافي عن يعقوب بن شعيب في الصحيح عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) (١) قال : «كان أبي يقول قل هو الله أحد تعدل ثلث القرآن وقل يا ايها الكافرون ربع القرآن».

وعن منصور بن حازم عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) (٢) قال «من مضى به يوم واحد فصلى فيه بخمس صلوات ولم يقرأ فيها بقل هو الله أحد قيل له يا عبد الله لست من المصلين».

وروى الشيخ في التهذيب عن محمد بن أبي طلحة خال سهل بن عبد ربه عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٣) قال : «قرأت في صلاة الفجر بقل هو الله أحد وقل يا ايها الكافرون وقد فعل ذلك رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله)».

وروى الصدوق في كتاب ثواب الأعمال بسنده عن الحسين بن أبي العلاء عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٤) قال : «من قرأ قل يا ايها الكافرون وقل هو الله أحد في فريضة من الفرائض غفر الله له ولوالديه وان كان شقيا محي من ديوان الأشقياء وأثبت في ديوان السعداء وأحياه الله سعيدا وأماته شهيدا وبعثه شهيدا». الى غير ذلك من الأخبار الدالة على جملة من السور.

(المقام الثاني) ـ في ما يقرأ في مغرب وعشاء يوم الجمعة والغداة والظهر والعصر منه ، اما المغرب والعشاء فالمشهور انه يقرأ الجمعة في الاولى والأعلى في الثانية في كل منهما ، ذهب اليه الشيخ في النهاية والمبسوط والمرتضى وابن بابويه وأكثر الأصحاب.

ومستنده رواية أبي بصير (٥) قال : «قال أبو عبد الله (عليه‌السلام) اقرأ في ليلة الجمعة بالجمعة وسبح اسم ربك الأعلى وفي الفجر سورة الجمعة وقل هو الله أحد.».

__________________

(١ و ٢ و ٣ و ٤) الوسائل الباب ٢٤ من القراءة.

(٥) الوسائل الباب ٤٩ من القراءة.

١٨١

ونحوه روى الحميري في كتاب قرب الاسناد عن احمد بن محمد بن أبي نصر البزنطي عن الرضا (عليه‌السلام) (١) «انه يقرأ في ليلة الجمعة بالجمعة وسبح اسم ربك الأعلى وفي الغداة الجمعة وقل هو الله أحد». والمراد يعني في كل من الفرضين.

والخلاف هنا واقع في كل من الفرضين ، اما في المغرب فمن الشيخ حيث قال في المصباح والاقتصاد تقرأ في ثانية المغرب قل هو الله أحد :

لما رواه أبو الصباح الكناني (٢) قال : «قال أبو عبد الله (عليه‌السلام) إذا كان ليلة الجمعة فاقرأ في المغرب سورة الجمعة وقل هو الله أحد وإذا كانت العشاء الآخرة فاقرأ سورة الجمعة وسبح اسم ربك الأعلى فإذا كانت صلاة الغداة يوم الجمعة فاقرأ سورة الجمعة وقل هو الله أحد».

واما في العشاء الآخرة فمن ابن أبي عقيل حيث قال انه يقرأ في ثانية العشاء ليلة الجمعة سورة المنافقين ، ومستنده ما رواه الشيخ في الصحيح عن حريز وربعي رفعاه إلى أبي جعفر (عليه‌السلام) (٣) قال : «إذا كانت ليلة الجمعة يستحب ان يقرأ في العتمة سورة الجمعة وإذا جاءك المنافقون وفي صلاة الصبح مثل ذلك وفي صلاة الجمعة مثل ذلك وفي صلاة العصر مثل ذلك». قال في الذكرى : والأول أظهر وأشهر في الفتوى ، أقول : لا يخفى ان المقام مقام استحباب فلا مشاحة.

واما الصبح فالمشهور انه يقرأ بسورة الجمعة في الاولى والتوحيد في الثانية. وقال ابن بابويه والمرتضى في الانتصار يقرأ بالمنافقين في الثانية.

ويدل على الأول ما تقدم من رواية أبي بصير ورواية أبي الصباح الكناني وما رواه الكليني في الصحيح عن الحسين بن أبي حمزة (٤) قال : «قلت لأبي عبد الله (عليه‌السلام) بما اقرأ في صلاة الفجر في يوم الجمعة؟ فقال اقرأ في الأولى بسورة الجمعة

__________________

(١) الوسائل الباب ٧٠ من القراءة.

(٢ و ٣ و ٤) الوسائل الباب ٤٩ من القراءة.

١٨٢

وفي الثانية بقل هو الله أحد ثم أقمت حتى تكونا سواء».

ويدل على الثاني مرفوعة حريز وربعي المتقدمة وما رواه الصدوق في كتاب العلل في الصحيح عن زرارة عن أبي جعفر (عليه‌السلام) (١) في حديث طويل يقول «اقرأ سورة الجمعة والمنافقين فان قراءتهما سنة يوم الجمعة في الغداة والظهر والعصر ولا ينبغي لك ان تقرأ بغيرهما في صلاة الظهر يعني يوم الجمعة إماما كنت أو غير امام».

وقال في كتاب الفقه الرضوي (٢) «اقرأ في صلاة الغداة يوم الجمعة سورة الجمعة في الاولى وفي الثانية المنافقين وروى قل هو الله أحد».

وروى فيها الجمعة وسبح اسم ربك الأعلى ، رواه الحميري في كتاب قرب الاسناد عن علي بن جعفر عن أخيه (عليه‌السلام) (٣) قال قال : «يا علي بم تصلي في ليلة الجمعة؟ قلت بسورة الجمعة وإذا جاءك المنافقون. فقال رأيت أبي يصلي ليلة الجمعة بسورة الجمعة وقل هو الله أحد وفي الفجر بسورة الجمعة وسبح اسم ربك الأعلى وفي الجمعة بسورة الجمعة وإذا جاءك المنافقون».

وظاهر هذه الرواية ان الجمعة والتوحيد ليلة الجمعة في كل من الفرضين ففيه دلالة على ما ذهب اليه الشيخ (قدس‌سره) في المصباح والاقتصاد في المغرب ، واما في العشاء فلم أقف على قائل به إذ الخلاف كما عرفت في سورة الأعلى والمنافقين واما التوحيد فلم يقل به أحد في ما اعلم.

واما الظهر فالمشهور فيها استحباب الجمعة والمنافقين ، وقال ابن بابويه في الفقيه لا يجوز ان يقرأ في ظهر يوم الجمعة بغير سورة الجمعة والمنافقين فان نسيتهما أو واحدة منهما في صلاة الظهر وقرأت غيرهما ثم ذكرت فارجع إلى سورة الجمعة والمنافقين ما لم تقرأ نصف السورة فإن قرأت نصف السورة فتمم السورة واجعلهما ركعتي نافلة وسلم فيهما وأعد صلاتك بسورة الجمعة والمنافقين ، وقد رويت رخصة في القراءة في صلاة الظهر بغير

__________________

(١ و ٣) الوسائل الباب ٤٩ من القراءة.

(٢) ص ١١.

١٨٣

سورة الجمعة والمنافقين لا استعملها ولا افتى بها إلا في حال السفر والمرض وخيفة فوت حاجة. انتهى. ومراده بالظهر ما هو أعم من الجمعة والظهر لأنه متى ثبت الحكم في الظهر ففي الجمعة بطريق الاولى ولا سيما ان اخباره التي استند إليها فإنما هي في الجمعة.

ومنشأ هذا الخلاف اختلاف الأخبار ظاهرا في هذه المسألة فروى الكليني والشيخ عنه في الصحيح أو الحسن عن عمر بن يزيد (١) قال : «قال أبو عبد الله (عليه‌السلام) من صلى الجمعة بغير الجمعة والمنافقين أعاد الصلاة في سفر أو حضر». والثابت في السفر انما هو الظهر لا الجمعة.

وروى الكليني في الصحيح أو الحسن عن الحلبي (٢) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن القراءة في الجمعة إذا صليت وحدي أربعا أجهر بالقراءة؟ قال نعم وقال اقرأ بسورة الجمعة والمنافقين في يوم الجمعة».

وروى الكليني أيضا في الصحيح أو الحسن عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه‌السلام) (٣) قال : «ان الله أكرم بالجمعة المؤمنين فسنها رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) بشارة لهم والمنافقين توبيخا للمنافقين ولا ينبغي تركهما فمن تركهما متعمدا فلا صلاة له».

وعن الحسين بن عبد الملك الأحول عن أبيه عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) (٤) قال : «من لم يقرأ في الجمعة الجمعة والمنافقين فلا جمعة له».

وقد تقدم في صحيحة زرارة المنقولة في كتاب العلل (٥) «انه لا ينبغي ان يقرأ بغير الجمعة والمنافقين في صلاة الظهر يعني في يوم الجمعة».

وروى الشيخ في الصحيح عن صباح بن صبيح (٦) قال : «قلت لأبي عبد الله (عليه‌السلام) رجل أراد ان يصلي الجمعة فقرأ بقل هو الله أحد؟ قال يتمها ركعتين

__________________

(١ و ٦) الوسائل الباب ٧٢ من القراءة.

(٢) الوسائل الباب ٧٣ من القراءة.

(٣ و ٤) الوسائل الباب ٧٠ من القراءة.

(٥) الوسائل الباب ٤٩ من القراءة.

١٨٤

ثم يستأنف».

ورواه الكليني مرسلا (١). وروى ثقة الإسلام في الصحيح عن منصور بن حازم عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) (٢) قال : «ليس في القراءة شي‌ء موقت إلا الجمعة يقرأ بالجمعة والمنافقين».

وروى الشيخ في الصحيح عن محمد بن مسلم (٣) قال : «قلت لأبي عبد الله (عليه‌السلام) القراءة في الصلاة فيها شي‌ء موقت؟ قال لا إلا الجمعة يقرأ فيها بالجمعة والمنافقين».

وعن سليمان بن خالد في الصحيح (٤) في حديث «انه سأل أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن الجمعة فقال القراءة في الركعة الأولى بالجمعة وفي الثانية بالمنافقين».

وروى الشيخ في الصحيح عن علي بن يقطين (٥) قال : «سألت أبا الحسن الأول (عليه‌السلام) عن الرجل يقرأ في صلاة الجمعة بغير سورة الجمعة متعمدا؟ فقال لا بأس بذلك».

وعن علي بن يقطين (٦) قال : «سألت أبا الحسن (عليه‌السلام) عن الجمعة في السفر ما اقرأ فيهما؟ قال اقرأهما بقل هو الله أحد».

وعن عبد الله بن سنان في الصحيح عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) (٧) قال : «سمعته يقول في صلاة الجمعة لا بأس بأن تقرأ فيها بغير الجمعة والمنافقين إذا كنت مستعجلا».

وعن محمد بن سهل عن أبيه (٨) قال : «سألت أبا الحسن (صلوات الله عليه) عن الرجل يقرأ في صلاة الجمعة بغير سورة الجمعة متعمدا؟ قال لا بأس».

وعن يحيى الأزرق (٩) قال : «سألت أبا الحسن (عليه‌السلام) قلت رجل صلى الجمعة فقرأ سبح اسم ربك الأعلى وقل هو الله أحد؟ قال أجزأه».

وقال في كتاب الفقه الرضوي (١٠) «وتقرأ في صلواتك كلها يوم الجمعة وليلة الجمعة سورة الجمعة والمنافقين وسبح اسم ربك الأعلى ، وان نسيتهما أو واحدة منهما

__________________

(١) الوسائل الباب ٧٢ من القراءة.

(٢ و ٣ و ٤) الوسائل الباب ٧٠ من القراءة.

(٥ و ٦ و ٧ و ٨ و ٩) الوسائل الباب ٧١ من القراءة.

(١٠) ص ١٢.

١٨٥

فلا اعادة عليك ، فان ذكرتها من قبل ان تقرأ نصف سورة فارجع إلى سورة الجمعة وان لم تذكرها إلا بعد ما قرأت نصف سورة فامض في صلاتك».

أقول : هذه جملة أخبار المسألة والصدوق قد حمل الأخبار الدالة على مطلق الأمر بهاتين السورتين في الجمعة التي هي أعم ـ كما عرفت ـ من الواجبة أو الظهر على الوجوب مستندا إلى صحيحة عمر بن يزيد الدالة على الإعادة لو أخل بهما ، وصحيحة محمد بن مسلم الدالة على ان من تركهما متعمدا فلا صلاة له ، ورواية الأحول عن أبيه الدالة على ان من لم يقرأهما فلا جمعة له ، ورواية صباح بن صبيح الدالة على إتمام ركعتين ثم الاستئناف لو تركهما. ثم انه حمل الروايات الدالة بظاهرها على صحة الجمعة مع قراءة غير السورتين المذكورتين على السفر أو المرض أو الحاجة. وفيه ان بعض تلك الأخبار وان أمكن فيه ما ذكره إلا ان صحيحة علي بن يقطين ورواية محمد بن سهل قد صرحتا بان من قرأ بغير السورتين المذكورتين متعمدا فلا بأس ومفاد التعمد هو عدم العذر ، وحينئذ فلا يجري حمله المذكور فيهما مع إمكان التأويل في ما استند اليه بالحمل على تأكيد الاستحباب وله نظائر في الأخبار كما لا يخفى على من جاس خلال الديار. واما قوله (عليه‌السلام) «لا صلاة له أو لا جمعة له» فقد ورد نظيره «ان من تكلم في أثناء الخطبة فلا جمعة له» (١). و «لا صلاة لجار المسجد إلا فيه» (٢). ونحو ذلك. واما الإعادة لو تركهما فإنه قد ورد نظيره في تارك الأذان والإقامة ونحو ذلك ، على ان الإعادة في رواية صباح انما هي في صلاة الجمعة ومدعاه أعم منها ومن الظهر فلا تنهض دليلا له. وحمل الجمعة على الظهر وان أمكن إلا انه مجاز لا يصار اليه إلا مع القرينة. وبالجملة فالظاهر هو القول المشهور وحمل هذه الأخبار على ما ذكرناه.

واما العصر فالمشهور فيها استحباب السورتين المذكورتين والصدوق قد وافق هنا

__________________

(١) الوسائل الباب ١٤ من صلاة الجمعة.

(٢) الوسائل الباب ٢ من أحكام المساجد.

١٨٦

على الاستحباب حيث قال : «ولا بأس ان تصلي العشاء والغداة والعصر بغير الجمعة والمنافقين إلا ان الفضل في ان تصليها بالجمعة والمنافقين» والمستند هنا في استحباب السورتين المذكورتين ما تقدم في مرفوعة حريز وربعي ، وردها في المدارك بالضعف ثم قال إلا ان هذا المقام يكفي فيه مثل ذلك وفيه نظر قد تقدم ذكره مرارا مع انه قد تقدم في صحيحة زرارة المنقولة من كتاب العلل ما يدل على ذلك أيضا ولكنه لم يقف عليها ، ونحو ذلك ما تقدم في رواية رجاء بن أبي الضحاك عن الرضا (عليه‌السلام) في طريق خراسان.

وقال في المدارك بعد نقل كلام الصدوق المتقدم : والمعتمد استحباب قراءتهما في الجمعة خاصة لما رواه الشيخ ، ثم نقل صحيحة محمد بن مسلم المتقدمة الدالة على انه ليس في الصلاة شي‌ء موقت إلا الجمعة ، إلى ان قال واما الاستحباب في صلاة الظهر فلم أقف على رواية تدل بمنطوقها عليه.

أقول : قد تقدم في صحيحة زرارة المنقولة من كتاب العلل «اقرأ بالسورتين في ظهر الجمعة إماما كنت أو غير امام». وكذا في صحيحة الحلبي أو حسنته التصريح بذلك حيث قال : «إذا صليت وحدي أربعا أجهر بالقراءة؟ قال نعم ، وقال اقرأ بسورة الجمعة والمنافقين يوم الجمعة». فإنها كما ترى صريحة في القراءة في الظهر. والعجب انه استدل بصدر الرواية على جواز الجهر.

بقي هنا شي‌ء يجب التنبيه عليه وهو ان المحقق (قدس‌سره) في الشرائع نقل قولا بوجوب السورتين في الظهر والعصر ، والمنقول عن ابن بابويه كما تقدم انما هو الوجوب في الظهر خاصة ، واستنكر هذا القول جملة من المتأخرين من حيث عدم الوقوف عليه إلا من عبارة المحقق المذكور ، وحمله في المدارك على الغفلة بعد نقل كلام ابن بابويه في كتابه الكبير فتوهم من ظاهر أول العبارة العموم للظهر والعصر والحال ان آخرها صريح في الظهر خاصة.

١٨٧

(المقام الثالث) ـ في ما يقرأ في صبحي الاثنين والخميس والمشهور انه يستحب ان يقرأ فيهما «هَلْ أَتى عَلَى الْإِنْسانِ».

وقد تقدم في حديث رجاء بن أبي الضحاك المنقول من كتاب العيون «ان الرضا (عليه‌السلام) كان يقرأ في صلاة الغداة يوم الاثنين ويوم الخميس في الأولى الحمد و (هَلْ أَتى عَلَى الْإِنْسانِ) وفي الثانية الحمد و (هَلْ أَتاكَ حَدِيثُ الْغاشِيَةِ)».

وقال الصدوق في الفقيه : في صلاة الغداة يوم الاثنين ويوم الخميس في الركعة الأولى الحمد و (هَلْ أَتى عَلَى الْإِنْسانِ) وفي الثانية الحمد و (هَلْ أَتاكَ حَدِيثُ الْغاشِيَةِ) ، فإن من قرأهما في صلاة الغداة يوم الاثنين ويوم الخميس وقاه الله شر اليومين ، وقد حكى من صحب الرضا (عليه‌السلام) الى خراسان لما أشخص إليها انه كان يقرأ في صلاته بالسور التي ذكرناها فلذلك اخترناها من بين السور بالذكر في هذا الكتاب. انتهى. وأشار بذلك إلى ما قدمه من أفضلية سورتي التوحيد وانا أنزلناه وما يقرأ في يوم الجمعة وليلتها وما يقرأ في غداة الخميس والاثنين وقد تقدم ذلك في الحديث المشار اليه.

وروى الشيخ أبو علي بن شيخنا أبي جعفر الطوسي (قدس‌سره) في كتاب المجالس في الصحيح إلى علي بن عمر العطار (١) قال : «دخلت على أبي الحسن العسكري (عليه‌السلام) يوم الثلاثاء فقال لم أرك أمس؟ قلت كرهت الحركة في يوم الاثنين. قال يا علي من أحب ان يقيه الله شر يوم الاثنين فليقرأ في أول ركعة من صلاة الغداة (هَلْ أَتى عَلَى الْإِنْسانِ) ، ثم قرأ أبو الحسن (عليه‌السلام) (فَوَقاهُمُ اللهُ شَرَّ ذلِكَ الْيَوْمِ وَلَقّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُوراً) (٢)».

وروى في كتاب ثواب الأعمال بسنده عن عمرو بن جبير العزرمي عن أبيه عن ابي جعفر (عليه‌السلام) (٣) قال : «من قرأ (هَلْ أَتى عَلَى الْإِنْسانِ) في كل غداة خميس

__________________

(١) الوسائل الباب ٤ من آداب السفر.

(٢) سورة هل أتى ، الآية ١١.

(٣) الوسائل الباب ٥٠ من القراءة.

١٨٨

زوجه الله تعالى من الحور العين ثمانمائة عذراء وأربعة آلاف ثيب وحوراء من الحور العين وكان مع محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله».

(المقام الرابع) ـ ما ذكروه بالنسبة إلى نوافل الليل والنهار من القراءة بالسور الطوال والقصار والجهر والإخفات ، فاما الأول فلم أقف له على مستند من الأخبار وبذلك اعترف في المدارك فقال : لم أقف على رواية تدل بمنطوقها عليه ، ثم قال وربما أمكن الاستدلال عليه بفحوى صحيحة محمد بن القاسم (١) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) هل يجوز ان يقرأ في صلاة الليل بالسورتين والثلاث. الخبر». وقد تقدم في مسألة حكم القران في الفريضة. واما الثاني فقال في المعتبر انه قول علمائنا اجمع ويدل عليه ما رواه الشيخ عن الحسن بن علي بن فضال عن بعض أصحابنا عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) (٢) قال : «السنة في صلاة النهار بالإخفات والسنة في صلاة الليل بالإجهار». قال في المعتبر : والرواية وان كانت ضعيفة السند مرسلة لكن عمل الأصحاب على ذلك. انتهى. واما استحباب التوحيد ثلاثين مرة في الركعتين الأولتين من صلاة الليل فقد تقدم الكلام فيه مشروحا في المقدمة الاولى من مقدمات الباب الأول من هذا الكتاب.

ومنها ـ استحباب الجهر بالظهر في يوم الجمعة إماما كان أو منفردا على الأشهر الأظهر ، وقد اختلف الأصحاب (رضوان الله عليهم) هنا بعد الاتفاق على استحباب الجهر في صلاة الجمعة ، فقيل بالاستحباب كما ذكرنا وهو المشهور ، قال الصدوق أبو جعفر ابن بابويه بعد نقل صحيحة عمران الحلبي الآتية (٣) وهذه رخصة الأخذ بها جائز والأصل انه انما يجهر فيها إذا كانت خطبة فإذا صلاها الإنسان وحده فهي كصلاة الظهر في سائر الأيام يخفى فيها القراءة ، وكذلك في السفر من صلى الجمعة جماعة بغير خطبة جهر بالقراءة

__________________

(١) الوسائل الباب ٨ من القراءة وهي هكذا «سألت عبدا صالحا.» في المدارك والوسائل.

(٢) الوسائل الباب ٢٢ من القراءة.

(٣) الوسائل الباب ٧٣ من القراءة.

١٨٩

وان أنكر ذلك عليه. وقال السيد المرتضى في المصباح : والمنفرد بصلاة الظهر يوم الجمعة فقد روى انه يجهر بالقراءة استحبابا ، وروى ان الجهر انما يستحب لمن صلاها مقصورة بخطبة أو صلاها أربعا ظهرا في جماعة ولا جهر على المنفرد. وقال ابن إدريس : وهذا الثاني هو الذي يقوى في نفسي وأعتقده وافتي به ، لأن شغل الذمة بواجب أو ندب يحتاج إلى دليل شرعي لأصالة براءة الذمة والرواية مختلفة فوجب الرجوع إلى الأصل ، ولأن الاحتياط يقتضي ذلك لأن تارك الجهر تصح صلاته إجماعا وليس كذلك الجاهر بالقراءة. ونقل المحقق في المعتبر عن بعض الأصحاب المنع من الجهر في الظهر مطلقا وقال ان ذلك أشبه بالمذهب.

أقول : وتحقيق المسألة كما هو حقها بنقل اخبارها وبيان الجمع بينها كما سيأتي ان شاء الله تعالى في باب صلاة الجمعة.

ومنها ـ السكوت بعد القراءة كما تقدم في رواية حماد وحكايته صلاة الصادق (عليه‌السلام) تعليما له ، قال فيه «ثم قرأ الحمد بترتيل وقل هو الله أحد ثم صبر هنية بقدر ما يتنفس وهو قائم ثم قال الله أكبر».

قال شيخنا في الذكرى : يستحب السكوت إذا فرغ من الحمد والسورة فهما سكتتان لرواية إسحاق بن عمار عن الصادق عن أبيه (عليهما‌السلام) (١) «ان رجلين من أصحاب رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) اختلفا في سكتة رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) فكتب إلى ابى بن كعب كم كانت لرسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) من سكتة؟ قال كانت له سكتتان : إذا فرغ من أم القران وإذا فرغ من السورة». وفي رواية حماد تقدير السكتة بعد السورة بنفس. وقال ابن الجنيد روى سمرة وأبي بن كعب عن النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) (٢) «ان السكتة الأولى بعد تكبيرة الإحرام والثانية بعد الحمد». ثم قال (قدس‌سره) فرع ـ الظاهر استحباب السكوت عقيب الحمد في الأخيرتين قبل

__________________

(١) الوسائل الباب ٤٦ من القراءة.

(٢) تيسير الوصول ج ٢ ص ٢٢٩ وفيه «الثانية بعد الحمد وسورة».

١٩٠

الركوع وكذا عقيب التسبيح. انتهى.

وروى الصدوق في كتاب الخصال عن الخليل عن الحسين بن حمدان عن إسماعيل بن مسعود عن يزيد بن زريع عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن الحسن (١) «ان سمرة بن جندب وعمران بن حصين تذاكرا فحدث سمرة انه حفظ عن رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) سكتتين سكتة إذا فرغ من قراءته عند ركوعه ثم ان قتادة ذكر السكتة الأخيرة إذا فرغ من قراءة «غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضّالِّينَ». اي حفظ ذلك سمرة وأنكره عليه عمران بن حصين قال فكتبنا في ذلك إلى أبي بن كعب وكان في كتابه إليهما أو في رده عليهما ان سمرة قد حفظ» قال الصدوق (قدس‌سره) ان النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) انما سكت بعد القراءة لئلا يكون التكبير موصولا بالقراءة وليكون بين القراءة والتكبير فصل ، وهذا يدل على انه لم يقل آمين بعد فاتحة الكتاب سرا ولا جهرا لان المتكلم سرا أو علانية لا يكون ساكتا وفي ذلك حجة قوية للشيعة على مخالفيهم في قولهم آمين بعد الفاتحة ولا قوة إلا بالله. انتهى.

أقول : الذي يقرب عندي في هذا المقام ان السكوت المستحب انما هو ما دل عليه خبر حماد المشار اليه واما ما عدا ذلك من كونه بعد التكبير أو بعد الفاتحة فالظاهر انه قول الجمهور (٢) وظاهر رواية الخصال انها عامية ورجالها من العامة ، وحديث إسحاق بن عمار المنقول في الذكرى لا دلالة فيه على ذلك ان لم يكن فيه إشارة إلى الدلالة على العدم ، وذلك لأن عدوله (عليه‌السلام) عن الإفتاء بذلك كما في جملة الأحكام الشرعية التي تخرج عنه إلى الأخبار بما نقل في الخبر نوع إشارة إلى ما قلناه وان قصده (عليه‌السلام) حكاية ما عليه العامة حسب ما تضمنه حديث الخصال وان اختلف الحديثان في السكتة الأخرى من انها بعد الحمد أو بعد تكبيرة الإحرام.

ثم ان ظاهر كلام الصدوق أيضا ان السكوت الذي اشتمل عليه خبر حماد ليس

__________________

(١) مستدرك الوسائل الباب ٣٤ من القراءة.

(٢) المغني ج ١ ص ٤٩٥.

١٩١

مستحبا من حيث هو بل من حيث استحباب إظهار همزة «الله» في التكبير ولو وصل لزم سقوطها لأنها همزة وصل والنصوص دالة على قطعها والقطع لا يكون إلا مع السكوت قبلها. إلا ان كلامه (قدس‌سره) وقوله : «وهذا يدل على انه لم يقل آمين. الى آخره» لا اعرف له وجها وجيها لأن ظاهر الحديث الذي نقله ان السكتتين إحداهما بعد تكبيرة الإحرام والأخرى بعد تمام القراءة قبل الركوع وهذا هو الذي حفظه سمرة والتأمين انما هو بعد الفاتحة والسكتة بعد الفاتحة إنما ذكرها قتادة. نعم كلامه يتم على تقدير رواية إسحاق بن عمار التي نقلها في الذكرى حيث اشتملت على ذلك إلا انه لم يلم بها ولم ينقلها.

وقال في المنتهى : يستحب للمصلي أن يسكت بعد قراءة الحمد وبعد السورة وبه قال احمد والأوزاعي والشافعي وكرهه مالك وأصحاب الرأي ، وقال بعضهم يسكت عقيب الافتتاح وبعد الحمد خاصة (١) لنا ما رواه الجمهور ، ثم ذكر رواية تدل على الأول ثم قال ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ عن غياث بن كلوب عن إسحاق بن عمار ، ثم نقل رواية إسحاق بن عمار المتقدمة.

ومنها ـ ما تقدم في الفائدة العشرين من الفوائد الملحقة باخبار المقدمة الثانية من نقل جملة من السور التي يستحب قراءتها في النوافل فليرجع اليه من أحب الوقوف عليه.

البحث الثالث في الأحكام وفيه مسائل

(الأولى) ـ قد صرح الأصحاب (رضوان الله عليهم) بان من واجبات القراءة الموالاة فلو قرأ خلالها من غيرها فان كان عمدا فظاهر الشهيد في الذكرى بطلان الصلاة ونقل عن الشيخ في المبسوط انه يستأنف القراءة ولا تبطل الصلاة ، ولو كان ناسيا استأنف القراءة على ما صرح به في الذكرى ، وفي المبسوط انه يبني على ما قرأ

__________________

(١) بداية المجتهد لابن رشد ج ١ ص ١١٣.

١٩٢

أولا ، وفي الدروس تبع الشيخ في استئناف القراءة في صورة العمد ونسب ما اختاره في الذكرى من البطلان إلى لفظ «قيل» مؤذنا بتمريضه وضعفه واما في صورة النسيان فكما في الذكرى من إعادة القراءة ، وبهذا يصير هذا قولا ثالثا في المسألة وهو ظاهر المحقق في الشرائع والعلامة في الإرشاد واليه جنح في المدارك أيضا ، وفي البيان كما في الذكرى من الحكم ببطلان الصلاة في صورة العمد ولم يتعرض لحكم الناسي.

أقول : أنت خبير بان الظاهر انه لا دليل لهم على وجوب الموالاة إلا دعوى ان ذلك هو المفهوم من القراءة ، وزاد بعضهم الاستناد إلى التأسي فإنه (صلى‌الله‌عليه‌وآله) وكذا الأئمة (عليهم‌السلام) بعده كانوا يوالون في قراءتهم مع قوله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) (١) «صلوا كما رأيتموني أصلي». ومعنى الموالاة عندهم هو ان لا يقرأ في خلالها ولا يسكت بحيث يخرج عن كونه قارئا ، واستثنوا من ذلك الدعاء فإنه جائز. ويشكل ذلك بان الظاهر من العرف ان نحو الكلمة والكلمتين لا يخل بالموالاة فلو قيد الحكم المذكور في المنع من القراءة في الأثناء بما يخل بالموالاة عرفا كما قيدوا بذلك في السكوت لكان أظهر.

ثم ان الظاهر عندي ان ما حكم به في الذكرى والبيان من بطلان الصلاة بالإخلال بالموالاة عمدا لا يخلو من اشكال لعدم الوقوف في المسألة على نص. وفي الذكرى انما علل ذلك بتحقق المخالفة المنهي عنها ، وحاصله انه منهي عن تلك القراءة والنهي عن العبادة يوجب الفساد. وفيه ان النهي غير موجود لعدم النص في المسألة إلا ان يدعى انه مأمور بالموالاة التي هي ـ كما عرفت ـ عبارة عن عدم القراءة خلالها والأمر بالشي‌ء يستلزم النهى عن ضده الخاص وهو القراءة خلالها. وتوجه المنع إلى جملة من مقدمات هذا الدليل واضح ، اما الأمر بالموالاة فغير ظاهر إلا ما عرفت من دعوى انه المفهوم من القراءة ، ومع الإغماض عن ذلك فدعوى فوات الموالاة بمجرد القراءة ولو بمثل كلمة أو كلمتين

__________________

(١) المغني ج ١ ص ٥٠٨.

١٩٣

قد عرفت ما فيه ، واما الاستناد إلى قاعدة أن الأمر بالشي‌ء يستلزم النهي عن ضده الخاص فقد عرفت ما فيه مما تقدم بيانه في أثناء مباحث الكتاب زيادة على ما تقدم في المقدمات من كتاب الطهارة ، ومرجعه إلى عدم ثبوت هذه القاعدة بل قيام النصوص على خلافها فلا ثمرة لها ولا فائدة وان أطالوا فيها الكلام بإبرام النقض ونقض الإبرام إلا انه عند من يتمسك باخبار أهل العصمة (عليهم‌السلام) لا يصل إلى محل ولا مقام وبذلك يظهر لك ان ما ذهب اليه الشيخ هو الأقرب في كل من صورتي العمد والنسيان

قال السيد السند في المدارك بعد قول المصنف «الموالاة في القراءة شرط في صحتها فلو قرأ خلالها من غيرها استأنف القراءة» ما صورته : اما اشتراط الموالاة في القراءة فللتأسي بالنبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) فإنه كان يوالي في قراءته ، وقال (صلى‌الله‌عليه‌وآله) (١) «صلوا كما رأيتموني أصلي».

أقول : لا يخفى ما في هذا الدليل من الوهن لما صرح به هو في غير مقام من هذا الشرح وغيره من الأصحاب من ان التأسي في ما لا يعلم وجه وجوبه بدليل من خارج مستحب لا واجب ، وقد تقدم نحو ذلك في مسألة الجهر والإخفات في شرح قول المصنف «ويجب الجهر بالحمد والسورة. إلخ» حيث نقل ثمة عن الشهيد الاستدلال على الوجوب بفعل النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) والتأسي به واجب ، فقال في رده : وهو ضعيف جدا فإن التأسي في ما لا يعلم وجهه مستحب لا واجب كما قرر في محله. وعين ما أورده على الشهيد يرد عليه هنا. وبالجملة فإن هذا الموضع من جملة المواضع التي اضطرب كلامه فيها في هذا الشرح كما نبهنا عليه في غير مقام ففي جملة من المواضع يستدل به وفي مواضع اخرى يرد على من استدل به.

نعم يمكن ان يقال ان العبادات لما كانت مبنية على التوقيف والذي ثبت عن صاحب الشريعة انما هو الموالاة فيقين البراءة من التكليف الثابت في الذمة بيقين

__________________

(١) المغني ج ١ ص ٥٠٨.

١٩٤

والخروج عن العهدة لا يحصل إلا بذلك.

واما ما ذكره الفاضل الخراساني في الذخيرة ـ من ان عموم ما دل على جواز قراءة القرآن في أثناء الصلاة يضعف التمسك بذلك ـ ففيه انا لم نقف بعد الفحص في شي‌ء من الأخبار على ما يدل على هذا العموم وان اشتهر بين الأصحاب على وجه لا يكاد يوجد له فيه مخالف ، فإنهم جعلوا مما يستثني في الصلاة الدعاء وقراءة القرآن ، والأول موجود في الأخبار اما الثاني فلم أقف على ما يدل عليه بعد الفحص والتتبع بل ربما دل بعض الأخبار على خلافه مثل ما رواه الكليني والشيخ في الموثق عن عبيد بن زرارة (١) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن ذكر السورة من الكتاب ندعو بها في الصلاة مثل (قل هو الله أحد) فقال إذا كنت تدعو بها فلا بأس». ومفهومه حصول البأس مع عدم قصد الدعاء بها.

ثم قال في المدارك : وقال الشيخ في المبسوط يستأنف القراءة مع العمد ويبنى على السابق مع النسيان. وهو مشكل أيضا لفوات الموالاة الواجبة مع العمد والنسيان فلا يتحقق الامتثال.

أقول : فيه انه يمكن ان يقال ان مع القول بوجوب الموالاة فغاية ما يفيده الإخلال بها عمدا بطلان القراءة فمن ثم أوجب الشيخ الإعادة واستئناف القراءة لا بطلان الصلاة لتوقفه على الدليل ، وقد عرفت مما تقدم في الكلام على كلام الذكرى انه لا دليل على الابطال. واما حال السهو فان ترك الواجب سهوا غير مبطل فيبني كما ذكره الشيخ. ولو سكت في أثناء القراءة بما يزيد عن العادة فلهم فيه تفصيل ، فان كان لانه ارتج عليه وأراد التذكر لم يضر إلا ان يخرج عن كونه مصليا ، وان سكت متعمدا لا لحاجة حتى خرج عن كونه قارئا أعاد قراءته ولو خرج عن كونه مصليا بطلت صلاته ، ولو نوى قطع القراءة وسكت فنقل عن الشيخ الحكم بوجوب إعادة الصلاة حيث قال : «وان

__________________

(١) الوسائل الباب ٩ من القراءة.

١٩٥

نوى ان يقطعها ولم يقطعها بل قرأها كانت صلاته ماضية ، وان نوى قطعها ولم يقرأ بطلت صلاته» والمشهور الصحة ، وأورد على الشيخ انه قد ذهب في المبسوط إلى عدم بطلان الصلاة بنية فعل المنافي. واعتذر عنه في الذكرى بان المبطل هنا نية القطع مع القطع فهو في الحقيقة نية المنافي مع فعله. ورده في المدارك بأنه غير جيد لأن السكوت بمجرده غير مبطل للصلاة إذا لم يخرج به عن كونه مصليا.

ثم قال : والأصح ان قطع القراءة بالسكوت غير مبطل لها سواء حصل معه نية القطع أم لا إلا ان يخرج بالسكوت عن كونه قارئا فتبطل القراءة أو مصليا فتبطل الصلاة. انتهى. وهو جيد.

وبالجملة فالمسألة لما كانت عارية عن النص فالواجب فيها الوقوف على جادة الاحتياط وهو في ما ذكره السيد المشار إليه (أفاض الله رواشح رضوانه عليه) ويعضده ان الأصل في الصلاة الصحة حتى يقوم دليل الابطال. والله العالم.

(المسألة الثانية) ـ اختلف الأصحاب (رضوان الله عليهم) في حكم التأمين في الصلاة فقيل بتحريمه وبطلان الصلاة به وهو المشهور عندهم حتى انه نقل الشيخان والمرتضى وابن زهرة والعلامة في النهاية الإجماع عليه ، وقال ابن بابويه في من لا يحضره الفقيه : ولا يجوز ان يقال بعد فاتحة الكتاب (آمين) لان ذلك كان يقوله النصارى. ونقل عن ابن الجنيد انه يجوز التأمين عقيب الحمد وغيرها ، ومال اليه المحقق في المعتبر ونقله في المدارك عن شيخه المعاصر والظاهر انه المحقق الأردبيلي كما عبر عنه في غير موضع من الكتاب بذلك.

واما الأخبار الواردة في المقام فمنها ـ ما رواه الكليني والشيخ في الحسن أو الصحيح عن جميل عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) (١) قال : «إذا كنت خلف إمام فقرأ الحمد وفرغ من قراءتها فقل أنت الحمد لله رب العالمين ولا تقل آمين».

__________________

(١) الوسائل الباب ١٧ من القراءة.

١٩٦

وعن معاوية بن وهب في الصحيح (١) قال : «قلت لأبي عبد الله (عليه‌السلام) أقول (آمين) إذا قال الامام غير المغصوب عليهم ولا الضالين؟ قال هم اليهود والنصارى ، ولم يجب في هذا».

وعن محمد الحلبي (٢) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) أقول إذا فرغت من فاتحة الكتاب آمين؟ قال لا». وفي المعتبر (٣) نقل هذه الرواية عن جامع البزنطي عن عبد الكريم عن محمد الحلبي المذكور.

وعن جميل في الصحيح (٤) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن قول الناس في الصلاة جماعة حين يقرأ فاتحة الكتاب آمين؟ قال ما أحسنها واخفض الصوت بها».

وروى الفضل بن الحسن الطبرسي في كتاب مجمع البيان عن الفضيل بن يسار عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) (٥) قال : «إذا قرأت الفاتحة وقد فرغت من قراءتها وأنت في الصلاة فقل الحمد لله رب العالمين».

وقال في كتاب دعائم الإسلام (٦) «وروينا عنهم (عليهم‌السلام) انهم قالوا يبتدأ بعد بسم الله الرحمن الرحيم في كل ركعة بفاتحة الكتاب ، إلى ان قال وحرموا ان يقال بعد قراءة فاتحة الكتاب (آمين) كما يقول العامة ، قال جعفر بن محمد (عليهما‌السلام) انما كانت النصارى تقولها. وعنه عن آبائه (عليهم‌السلام) قال قال رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) لا تزال أمتي بخير وعلى شريعة من دينها حسنة جميلة ما لم يتخطوا القبلة بأقدامهم ولم ينصرفوا قياما كفعل أهل الكتاب ولم تكن ضجة آمين».

هذا مجموع ما حضرني من اخبار المسألة والذي يدل منها على القول المشهور ـ وهو المؤيد المنصور ـ صحيحة جميل أو حسنته. وهذا الترديد الذي نذكره دائما في الأسانيد من حيث اشتمال السند على إبراهيم بن هاشم المعدود حديثه عند الأكثر في الحسن وعند

__________________

(١ و ٢ و ٤ و ٥) الوسائل الباب ١٧ من القراءة.

(٣) ص ١٧٧.

(٦) مستدرك الوسائل الباب ١٣ من القراءة.

١٩٧

جمع من أصحابنا في الصحيح ، وهو الصحيح على الاصطلاح الغير الصحيح حيث اشتملت على النهي عن قولها وهو حقيقة في التحريم ، ونحوها رواية الحلبي. أما صحيحة جميل فهي محمولة على التقية (١) ويعضد ذلك عدوله (عليه‌السلام) في صحيحة معاوية بن وهب عن جواب السؤال إلى ما ذكره من تفسير «غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضّالِّينَ» باليهود والنصارى.

وقال المحقق في المعتبر : ويمكن ان يقال بالكراهة ويحتج بما رواه الحسين بن سعيد عن ابن أبي عمير عن جميل ، ثم ذكر صحيحة جميل الثانية ، ثم قال : ويطعن في الروايتين الأولتين ـ يعني روايتي الحلبي ـ بأن إحداهما رواية محمد بن سنان وهو مطعون فيه وليس عبد الكريم في النقل والثقة كابن أبي عمير فتكون رواية الإذن اولى لسلامة سندها من الطعن ورجحانها ، ثم لو تساوت الروايتان في الصحة جمع بينهما بالاذن والكراهة توفيقا ، ولأن رواية المنع تحتمل منع المنفرد والمبيحة تتضمن الجماعة ولا يكون المنع في إحداهما منعا في الأخرى.

ولا يخفى عليك ما فيه بعد الإحاطة بما أسلفناه ، ويزيده بيانا ان راوي الرواية المبيحة وهو جميل قد روى المنع أيضا وهي الرواية الاولى من هذه الروايات المنقولة ولكنه لم ينقلها في كتابه وانما نقل رواية الحلبي المروية عن الشيخ بالطريق الذي فيه محمد بن سنان وعن جامع البزنطي بالطريق الذي فيه عبد الكريم وهو عبد الكريم بن عمرو وهو ثقة واقفي فردها بما ذكره ، وحينئذ بناء على ما ذكرناه من رواية جميل المذكورة الدالة على النهي تكون معتضدة بالروايتين المذكورتين اللتين قد وجه الطعن إليهما فلا

__________________

(١) في البدائع ج ١ ص ٢٠٧ «المستحب بعد الفاتحة أن يقول «آمين» اماما كان أو مقتديا وهو قول عامة العلماء ، وقال بعض العلماء لا يؤتى بالتأمين أصلا ، وقال مالك يأتي به المقتدي دون الامام والمنفرد. والصحيح قول العامة» وفي المحلى ج ٣ ص ٢٦٢ «قول آمين يقوله الامام والمنفرد سنة وندبا ويقوله المأموم فرضا».

١٩٨

ترجيح لرواية الترخيص بل الترجيح لرواية المنع المعتضدة بالروايتين المذكورتين وغيرهما ولا سيما رواية كتاب دعائم الإسلام لما عرفت فيها من الصراحة ، مضافا ذلك إلى الشهرة بين الأصحاب حتى ادعى عليه الإجماع جملة منهم كما عرفت ، ومخالفة العامة القائلين بالاستحباب ، مع ان الرواية المبيحة التي اعتمدها وبنى النزاع في المسألة عليها لا تقبل ما حملها عليه من الكراهة فإن استحسانها على سبيل التعجب ينفي الكراهة بل أقل مراتب الاستحسان الاستحباب فكيف يمكن حملها على الجواز على كراهة كما ذهب اليه؟ بل المحمل الظاهر لها انما هو التقية ، ويشهد له ما عرفت من صحيحة معاوية بن وهب.

قال شيخنا البهائي (قدس‌سره) في كتاب الحبل المتين : وقد تضمن الحديث السابع عشر عدم مشروعية قول «آمين» في الصلاة فإن عدوله (عليه‌السلام) عن جواب السؤال عن قولها إلى تفسير المغضوب عليهم ولا الضالين يعطى التقية وان بعض المخالفين كان حاضرا في المجلس فاوهمه (عليه‌السلام) ان سؤال معاوية انما هو عن المراد بالمغضوب عليهم ولا الضالين ، وربما حمل قوله (عليه‌السلام) «هم اليهود والنصارى» على التشنيع على المخالفين والمراد ان الذين يقولون (آمين) في الصلاة هم يهود ونصارى اي مندرجون في عدادهم ومنخرطون في الحقيقة في سلكهم. انتهى. أقول لا يخفى ما في قوله : «وربما حمل قوله (عليه‌السلام). إلخ» من اللطف والحسن في المقام.

وقال السيد السند في المدارك : احتج الشيخ في الخلاف على التحريم والإبطال بإجماع الفرقة فإنهم لا يختلفون في ان ذلك مبطل للصلاة ، وبقول النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) (١) «ان هذه الصلاة لا يصلح فيها شي‌ء من كلام الآدميين» وقول «آمين». من كلامهم لأنها ليست بقرآن ولا دعاء وانما هي اسم للدعاء والاسم غير المسمى ، وبما رواه في الحسن عن جميل عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) ، ثم نقل رواية جميل وهي الاولى من الروايات المتقدمة ثم نقل رواية الحلبي بعدها ، ثم قال : وفي كل من هذه

__________________

(١) المغني ج ١ ص ٥٤٨.

١٩٩

الأدلة نظر ، اما الإجماع فقد تقدم الكلام فيه مرارا ، واما ان «آمين» من كلام الآدميين لأنها اسم للدعاء وليست بدعاء فلتوجه المنع إلى ذلك بل الظاهر انها دعاء كقولك «اللهم استجب» وقد صرح بذلك المحقق نجم الأئمة الرضي (رضي‌الله‌عنه) فقال : وليس ما قال بعضهم ـ من ان «صه» مثلا اسم للفظ (اسكت) الذي هو دال على معنى الفعل فهو علم للفظ الفعل لا لمعناه ـ بشي‌ء لأن العربي القح يقول «صه» مع انه ربما لا يخطر في باله لفظ «اسكت» وربما لم يسمعه أصلا ، ولو قلت اسم لاصمت أو امتنع أو اكفف عن الكلام أو غير ذلك مما يؤدي هذا المعنى لصح فعلمنا ان المقصود المعنى لا اللفظ. واما الروايتان فمع سلامة سندهما انما تضمنتا النهي عن هذا اللفظ فيكون محرما ولا يلزم كون ذلك مبطلا للصلاة ، لأن النهي انما يفسد العبادة إذا توجه إليها أو إلى جزء منها أو شرط لها وهو هنا انما توجه إلى أمر خارج عن الصلاة. ثم نقل احتجاج ابن زهرة على التحريم والابطال ثم نقل كلام المحقق في المعتبر ورده. إلى ان قال وقد ظهر من ذلك كله ان الأجود التحريم دون الابطال وان كان القول بالكراهة محتملا لقصور الروايتين عن إثبات التحريم من حيث السند وكثرة استعمال النهي في الكراهة خصوصا مع مقابلته بأمر الندب. انتهى. أقول : وبما اختاره في المسألة من التحريم دون الابطال يصير في المسألة أقوال ثلاثة بانضمام هذا القول إلى القولين المتقدمين

ثم ان كلامه (قدس‌سره) لا يخلو عندي من نظر (أما أولا) فإن طعنه في الإجماع بما أشار اليه وان كان حقا ولكن لا يخفى على من لاحظ كتابه كثرة تمسكه بالإجماع في غير مقام وذبه عنه بجدة وجهده في جملة من الأحكام وهو من جملة المواضع التي اضطرب فيها كلامه في هذا الكتاب.

و (اما ثانيا) فما ذكره ـ من توجه المنع إلى ان «آمين» من كلام الآدميين مستندا إلى ما ذكره المحقق المذكور ـ فان فيه (أولا) انه مع تسليمه انما يتم لو كان معنى (آمين) منحصرا في (اللهم استجب) لفظا أو معنى وليس كذلك بل لها معان أخر لا يتم على

٢٠٠