الحدائق الناضرة - ج ٨

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]

الحدائق الناضرة - ج ٨

المؤلف:

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]


المحقق: محمّد تقي الإيرواني
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥٤٤

والامام يجهر بالقراءة؟ قال اقرأ لنفسك وان لم تسمع نفسك فلا بأس».

(الثاني) ـ المشهور في كلامهم انه لا جهر على النساء في موضع الجهر بل الحكم مختص بالرجال ، وادعى عليه الفاضلان والشهيدان إجماع العلماء ، فيكفيها إسماع نفسها تحقيقا أو تقديرا. ولو جهرت ولم يسمعها الأجنبي فقد صرحوا بصحة صلاتها لحصول الامتثال اما لو سمعها فالمشهور عندهم البطلان للنهي في العبادة المستلزم للفساد.

والظاهر ان مرادهم بالنهي هنا هو ان صوت المرأة عورة فهي منهية عن إسماعه الأجنبي وأنت خبير بأنه لم يقم عندنا ما يدل على ما ادعوه من كون صوتها عورة وانها منهية عن إسماعه الأجنبي بل ظاهر الأخبار الدالة على تكلم فاطمة (عليها‌السلام) مع الصحابة في مواضع عديدة ولا سيما في المخاصمة في طلب ميراثها والإتيان بتلك الخطبة الطويلة المشهورة كما نقلناها بطولها في كتابنا سلاسل الحديد في تقييد ابن أبي الحديد وتكلم النساء في مجلس الأئمة (عليهم‌السلام) هو خلاف ما ذكروه.

ثم انه مع تسليم صحة ما ذكروه فالنهي هنا انما توجه إلى أمر خارج عن الصلاة وان كان مقارنا كما تقدم البحث فيه في مسألة الصلاة في المكان والثوب المغصوبين. وبالجملة فإن كلامهم هنا لا يخلو من ضعف لعدم الدليل عليه بل قيام الدليل على خلافه كما عرفت

أقول : والذي وقفت عليه في هذا المقام من الأخبار ما رواه الشيخ في القوى عن علي بن يقطين عن أبي الحسن الماضي (عليه‌السلام) (١) قال : «سألته عن المرأة تؤم النساء ما حد رفع صوتها بالقراءة والتكبير؟ فقال بقدر ما تسمع».

وعن علي بن جعفر في الصحيح عن أخيه موسى بن جعفر (عليه‌السلام) (٢) قال : «سألته عن المرأة تؤم النساء ما حد رفع صوتها بالقراءة والتكبير؟ قال قدر ما تسمع». وما رواه في قرب الاسناد عن عبد الله بن الحسن عن جده علي بن جعفر عن أخيه مثله (٣) وزاد قال : «وسألته عن النساء هل عليهن الجهر بالقراءة في الفريضة؟ قال

__________________

(١ و ٢ و ٣) الوسائل الباب ٣١ من القراءة.

١٤١

لا إلا ان تكون امرأة تؤم النساء فتجهر بقدر ما تسمع قراءتها».

أقول : ظاهر هذه الأخبار انه لا جهر على النساء كما ذكره الأصحاب إلا إذا كانت تؤم النساء فإنها تجهر ولكن لا تجاوز بجهرها إسماع نفسها ، وإطلاق الأخبار الأولة يحمل على الخبر الأخير. وهذه المرتبة وان كانت في عبارات الفاضلين والشهيدين وابن إدريس كما تقدم من مراتب الإخفات وهي حد الإخفات عندهم إلا انه بالنظر إلى كلام المتأخرين الذين جعلوا المدار في الفرق بين الجهر والإخفات هو وجود الصوت وعدمه لا مانع من جعلها من مراتب الجهر إذا اقترنت بالصوت وان كان خفيا. ويمكن حينئذ الفرق بين حال إمامتها وغيرها باعتبار الصوت وعدمه بمعنى أنها تقرأ في الموضعين بقدر ما تسمع نفسها إلا انه في حال الإمامة يكون مقرونا بصوت خفي وفي غيرها بغير صوت ، واما كون ذلك في مقام سماع الأجنبي أو عدمه فغير معلوم من الأخبار وانما هو من تكلفات الأصحاب في هذا الباب. بقي الكلام في انها لو أجهرت زيادة على ذلك فقضية الأصل جوازه وان كان خلاف الأفضل كما صرحوا به في مقام عدم سماع الأجنبي لها. هذا بالنسبة إلى الصلاة الجهرية.

واما بالنسبة إلى الصلاة الإخفاتية فالظاهر من كلام الأكثر وجوب الإخفات عليها في موضعه ولم أقف على مصرح به إلا انه يظهر من تخصيصهم استثناء النساء بصورة وجوب الجهر على الرجل ، قيل وربما أشعر بعض عباراتهم بثبوت التخيير لها مطلقا. وقال المحقق الأردبيلي (قدس‌سره) انه لا دليل على وجوب الإخفات على المرأة في الإخفاتية ، واختاره جملة ممن تأخر عنه : منهم ـ الفاضل الخراساني وشيخنا المجلسي ، وكيف كان فالأحوط العمل بالقول المشهور لحصول البراءة اليقينية على تقديره.

(الثالث) ـ وجوب الجهر على تقدير القول به انما هو في القراءة خاصة ولا يجب في شي‌ء من أذكار الصلاة لأصالة العدم.

ولما رواه الشيخ في الصحيح عن علي بن يقطين عن أبي الحسن موسى (عليه

١٤٢

السلام) (١) قال : «سألته عن التشهد والقول في الركوع والسجود والقنوت للرجل ان يجهر به؟ قال ان شاء جهر وان شاء لم يجهر».

والظاهر ان ذكر هذه الأشياء في الرواية انما هو على وجه التمثيل فيكون الحكم شاملا لجميع أذكار الصلاة إلا ما خرج بالدليل ، ومنه القراءة أو التسبيح في الأخيرتين فإن الحكم فيها ذلك إلا ان ظاهر الأصحاب وجوب الإخفات فيه ، وفي هذه الأزمان اشتهر بين جملة من أبناء هذا الزمان القول بوجوب الجهر فيه والكل بمعزل عن الصواب وسيجي‌ء ان شاء الله تحقيق المقام في الفصل الموضوع لهذه المسألة. وبالجملة فالظاهر انه لا خلاف ولا إشكال في ما عدا هذا الموضع في ان المصلي مخير بين الجهر والإخفات نعم يستحب للإمام الجهر في هذه المواضع لما في موثقة أبي بصير (٢) من انه ينبغي للإمام ان يسمع من خلفه كل ما يقول وللمأموم ان لا يسمع الإمام شيئا مما يقول.

(الرابع) ـ لا خلاف بين الأصحاب هنا في معذورية الجاهل وهذا أحد الموضعين الذين خصوهما بالاستثناء في كلامهم ، ويدل على ذلك ما تقدم في صحيحتي زرارة. ولو ذكر في الأثناء لم يجب عليه الاستئناف كما صرح به بعض الأصحاب ، وإطلاق الصحيحتين المذكورتين دال عليه. والناسي أيضا كذلك كما دل عليه الصحيحان المذكوران ، فلو خافت في موضع الجهر أو جهر في موضع الإخفات جاهلا أو ناسيا فلا شي‌ء عليه وصحت صلاته ولا يجب بالإخلال بهما سجود سهو لإطلاق الرواية. والظاهر انه لا خلاف في جميع هذه الأحكام.

(الخامس) ـ حكم القضاء حكم الأداء في ذلك بلا خلاف كما ذكره في المنتهى

__________________

(١) الوسائل الباب ٢٠ من القنوت ، واللفظ كما في التهذيب ج ١ ص ١٦٣ والوسائل والوافي باب الجهر والإخفات هكذا : «سألت أبا الحسن الماضي «ع» عن الرجل هل يصلح له ان يجهر بالتشهد والقول في الركوع والسجود والقنوت؟ قال.».

(٢) الوسائل الباب ٥٢ من صلاة الجماعة.

١٤٣

سواء كان القضاء في ليل أو نهار ، قال في المنتهى : قد أجمع أهل العلم على الإسرار في صلاة النهار إذا قضيت في ليل أو نهار وكذا صلاة الليل إذا قضيت بالليل جهر بها وإذا قضاها بالنهار جهر بها عندنا ، وبه قال أبو حنيفة وأبو ثور وابن المنذر ، وقال الشافعي يسر بها (١). الى آخره.

بقي الكلام في ما لو كان يقضي عن غيره واختلف حكم القاضي والمقضي عنه كالرجل يقضي عن المرأة والمرأة تقضى عن الرجل ، فان الرجل يجب عليه الجهر في الجهرية والمرأة يجب عليها الإخفات في الجهرية في مقام سماع الأجنبي عند الأصحاب ، فلو أرادت المرأة القضاء عن الرجل صلاته الجهرية في مقام يسمع صوتها الأجانب فمقتضى القاعدة الأولة وجوب الجهر عليها كما فاتت ذلك الرجل ، ومقتضى ما صرحوا به من عدم جواز الجهر لها بالنسبة إلى صلاتها انه يكون الحكم كذلك بالنسبة إلى هذه الصلاة التي تقضيها عن الغير ، وكذا لو أراد الرجل ان يقضي عن المرأة صلاة جهرية وجب عليه الإخفات فيها أو استحب فان مقتضى القاعدة أنه يقضيها إخفاتا لأن الفائتة كانت كذلك ، ومقتضى إطلاق الأخبار الدالة على وجوب الجهر في هذه الصلاة وان المرأة إنما وجب عليها الإخفات أو استحب لخصوص مادة وهو تحريم إسماع صوتها الأجنبي أو كراهة ذلك مطلقا هو وجوب الجهر عملا بالإطلاق إذ المخصص المذكور غير موجود هنا. ولم أقف في هذا المقام على كلام لأحد من علمائنا الاعلام والأقرب الأنسب بالقواعد هنا هو الاعتبار بحال القاضي لا المقضي عنه لما عرفت في تعليل كل من المسألتين هذا كله بناء على قواعد الأصحاب في تحريم سماع صوت المرأة واما على ما ذكرناه واخترناه فلا اشكال.

(السادس) ـ المستحب في نوافل النهار الإخفات وفي نوافل الليل الإجهار بالقراءة ، قال في المنتهى : وهو مذهب علمائنا اجمع.

__________________

(١) المغني ج ١ ص ٥٧٠.

١٤٤

أقول : ويدل عليه جملة من الأخبار : منها ـ ما رواه الشيخ عن الحسن بن علي ابن فضال عن بعض أصحابنا عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) (١) قال : «السنة في صلاة النهار بالإخفات والسنة في صلاة الليل بالإجهار».

ومما يدل على جواز الجهر نهارا وان كان خلاف الأفضل ما رواه الشيخ في الموثق عن سماعة عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) (٢) قال : «سألته عن الرجل هل يجهر بقراءته في التطوع بالنهار؟ قال نعم».

(المسألة الرابعة) ـ اختلف الأصحاب في حكم القران بين السورتين في الفريضة فقال الشيخ في النهاية والمبسوط انه غير جائز بل قال في النهاية انه مفسد للصلاة ونحو منه كلامه في الخلاف ، واليه ذهب المرتضى في الانتصار ونقل إجماع الفرقة عليه واختاره في المسائل المصرية الثالثة أيضا ، لكن نقل في التذكرة عن المرتضى القول بكراهة القران ولعله في موضع آخر من مصنفاته. والعلامة اختلف اختياره في هذه المسألة في كتبه فاختار التحريم في التحرير والقواعد والإرشاد والمختلف ومال اليه الشهيد في رسالته واليه ذهب أبو الصلاح على ما رأيته في كتابه الكافي حيث قال : ولا يجوز ان يقرأ مع فاتحة الكتاب بعض سورة ولا أكثر من سورة. انتهى. وممن صرح بذلك الصدوق في الفقيه حيث قال : ولا تقرن بين سورتين في فريضة فاما في النافلة فأقرن ما شئت. وذهب الشيخ في الاستبصار إلى الكراهة واختاره ابن إدريس والمحقق وجمهور المتأخرين ومتأخريهم.

والظاهر عندي هو القول بالتحريم ، ومما يدل عليه صحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما (عليهما‌السلام) (٣) قال : «سألته عن الرجل يقرأ السورتين في الركعة فقال لا لكل سورة ركعة».

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ٢٢ من القراءة.

(٣) الوسائل الباب ٨ من القراءة.

١٤٥

وصحيحة منصور بن حازم (١) قال : «قال أبو عبد الله (عليه‌السلام) لا تقرأ في المكتوبة بأقل من سورة ولا بأكثر».

والسيد السند في المدارك حيث اختار القول المشهور بين المتأخرين نقل هذه الصحيحة في أدلة القول بالتحريم عارية عن وصف الصحة ثم طعن فيها في آخر كلامه بأنها ضعيفة الاسناد ، وسند هذه الرواية قد اشتمل على محمد بن عبد الحميد وسيف بن عميرة. والظاهر ان طعنه فيها بالضعف لاشتمال سندها على محمد بن عبد الحميد كما عرفت من كلامه فيه آنفا وقد تقدم الجواب عنه منقحا. ويحتمل أيضا بالنظر إلى سيف بن عميرة حيث نقل ابن شهرآشوب انه ثقة واقفي وعليه فتكون الرواية في الموثق والموثق عندهم من قسم الضعيف إلا ان المشهور خلافه ، وقد وثقه الشيخ والعلامة والشهيد في كتاب نكت الإرشاد في بحث نكاح الأمة بإذن المولى ، قال بعد ان نقل الطعن عليه بالضعف : والصحيح انه ثقة. وبه صرح خاتمة المحدثين المجلسي في وجيزته وشيخنا الشيخ سليمان في بلغته ، فالحديث صحيح بلا شبهة ولا ريب.

ومن الأخبار الدالة على ذلك أيضا موثقة زرارة (٢) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن الرجل يقرن بين السورتين في الركعة فقال ان لكل سورة حقا فأعطها حقها من الركوع والسجود».

أقول : وحق السورة من الركوع والسجود هو ان يأتي بهما بعد السورة بلا فصل فإذا قرن بين سورتين فقد ترك حق الاولى. وتوثيق هذا الخبر انما هو بعبد الله بن بكير الذي قد عد في من أجمعت العصابة على تصحيح ما يصح عنه فلا يقصر خبره عن رتبة الصحيح بناء على اصطلاحهم.

ومن ذلك ما رواه الشيخ عن عمر بن يزيد (٣) قال : «قلت لأبي عبد الله (عليه‌السلام) اقرأ سورتين في ركعة؟ قال نعم. قلت أليس يقال أعط كل سورة حقها من

__________________

(١) الوسائل الباب ٤ من القراءة.

(٢ و ٣) الوسائل الباب ٨ من القراءة.

١٤٦

الركوع والسجود؟ فقال ذلك في الفريضة فأما في النافلة فليس به بأس».

ومن ذلك ما رواه ابن إدريس في مستطرفات السرائر من كتاب حريز عن زرارة عن أبي جعفر (عليه‌السلام) (١) قال : «لا تقرن بين سورتين في الفريضة في ركعة فإن ذلك أفضل». ولا يتوهم من قوله «فان ذلك أفضل» الدلالة على الاستحباب فان استعمال افعل التفضيل بمعنى أصل الفعل شائع.

وما رواه في كتاب الخصال بسنده فيه إلى علي (عليه‌السلام) في حديث الأربعمائة (٢) قال : «أعطوا كل سورة حقها من الركوع والسجود».

وما رواه في كتاب قرب الاسناد عن علي بن جعفر عن أخيه موسى (عليه‌السلام) (٣) قال : «سألته عن رجل قرأ سورتين في ركعة؟ قال إذا كانت نافلة فلا بأس واما الفريضة فلا يصلح».

وما رواه في آخر السرائر بالسند المتقدم عن أبي جعفر (عليه‌السلام) (٤) قال : «لا قران بين سورتين في ركعة ولا قران بين أسبوعين في فريضة ونافلة ولا قران بين صومين».

وما رواه في المعتبر والمنتهى من جامع البزنطي عن المفضل (٥) قال : «سمعت أبا عبد الله (عليه‌السلام) يقول لا تجمع بين سورتين في ركعة واحدة إلا الضحى وأ لم نشرح والفيل ولإيلاف».

وما رواه في كتاب الهداية للصدوق مرسلا (٦) قال : «قال الصادق (عليه‌السلام) لا تقرن بين السورتين في الفريضة واما في النافلة فلا بأس».

وقال في كتاب الفقه الرضوي (٧) قال العالم (عليه‌السلام) لا تجمع بين

__________________

(١ و ٢ و ٣ و ٤) الوسائل الباب ٨ من القراءة.

(٥) المعتبر ص ١٧٨ والمنتهى ص ٢٧٦ والوسائل الباب ١٠ من القراءة.

(٦) مستدرك الوسائل الباب ٦ من القراءة.

(٧) ص ١١.

١٤٧

السورتين في الفريضة».

أقول : هذا مجموع ما وقفت عليه من الأخبار الدالة على التحريم وهي في الدلالة والظهور كالنور على الطور.

احتج السيد السند في المدارك على القول بالكراهة حيث اختاره بالأصل والعمومات وما رواه الشيخ في الصحيح عن علي بن يقطين (١) قال : «سألت أبا الحسن (عليه‌السلام) عن القران بين السورتين في المكتوبة والنافلة قال لا بأس». وفي الموثق عن زرارة (٢) قال : «قال أبو جعفر (عليه‌السلام) انما يكره ان يجمع بين السورتين في الفريضة فاما النافلة فلا بأس». ثم نقل كلام ابن إدريس بأن الإعادة وبطلان الصلاة يحتاج إلى دليل وأصحابنا قد ضبطوا قواطع الصلاة وما يوجب الإعادة ولم يذكروا ذلك في جملتها والأصل صحة الصلاة والإعادة والبطلان يحتاج إلى دليل ، ثم نقل عن القائلين بالتحريم الاحتجاج بصحيحة محمد بن مسلم التي قدمناها في أول الأخبار ثم صحيحة منصور بن حازم معبرا عنها بلفظ رواية منصور ، ثم قال والجواب الحمل على الكراهة جمعا بين الأدلة. اما البطلان فاحتج عليه في المختلف بان القارن بين السورتين غير آت بالمأمور به على وجهه فيبقى في عهدة التكليف. وهو ضعيف فان الامتثال حصل بقراءة السورة الواحدة والنهي عن الزيادة لو سلمنا انه للتحريم فهو أمر خارج عن العبادة فلا يترتب عليه الفساد. انتهى.

وفيه نظر من وجوه : (الأول) ـ ان ما احتج به من الأصل والعمومات وأيده بنقل كلام ابن إدريس المذكور فهو مردود بما ذكرناه من الأخبار فإنها في ما ادعيناه واضحة المنار مع تعددها وكثرتها وهم يخرجون عن الأصل بأقل من ذلك كما لا يخفى على الخبير المنصف.

(الثاني) ـ ان ما احتج به من صحيحة علي بن يقطين فهي محمولة على التقية

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ٨ من القراءة.

١٤٨

كما صرح به جملة من الأصحاب : منهم ـ شيخنا المجلسي في البحار وان رجح القول بالكراهة تبعا للجماعة ، قال : ويمكن الجمع بين الأخبار بوجهين (أحدهما) حمل اخبار المنع على الكراهة. و (ثانيهما) حمل اخبار الجواز على التقية والأول أظهر والثاني أحوط. انتهى

أقول : لا اعرف لهذه الأظهرية وجها سوى متابعة المشهور بين المتأخرين لما عرفت (أولا) مما حققناه في غير مقام مما سبق من ان الجمع بين الأخبار بالكراهة والاستحباب مما لا مستند له من سنة ولا كتاب مع خروجه عن القواعد الشرعية والضوابط المرعية ، لأن الحمل على ذلك مجاز لا يصار اليه إلا مع القرينة ولا قرينة هنا سوى اختلاف أخبار المسألة وهذا ليس من قرائن المجاز سيما مع ظهور محمل سواه.

و (ثانيا) ان القاعدة المنصوصة عن أصحاب العصمة (عليهم‌السلام) في أمثال هذا المقام هو الترجيح بين الأخبار بالعرض على مذهب العامة والأخذ بخلافه ، والخروج عن قواعدهم (عليهم‌السلام) التي قرروها وضوابطهم التي ذكروها بمجرد التشهي رد عليهم في ما ذكروه.

و (ثالثا) ان من ضوابطهم المقررة أنهم يعملون بالمرجحات ويجعلون التأويل في طرف الخبر المرجوح ، ولا ريب ان ما ذكرناه من الأخبار وان لم يتفطنوا لها ولم ينقلوها أكثر عددا وظهور رجحانها على هذه الرواية ظاهر ، فالواجب جعل التأويل في جانب هذه الرواية ووجه التأويل بالحمل على التقية ظاهر فيها كما اعترف به ، فأي أظهرية في ما ادعاه مع التأمل في ما ذكرناه؟ ما هذه إلا مجاز فات نشأت من الاستعجال وعدم إعطاء النظر حقه في هذا المجال.

(الثالث) ـ ان ما احتج به من موثقة زرارة ـ مع قطع النظر عن كونه يرد الأخبار الموثقة ويرميها بالضعف ويطرحها كما لا يخفى على من عرف طريقته في الكتاب المذكور ـ مردود بأنه مبني على كون الكراهة في عرفهم (عليهم‌السلام) بهذا المعنى المصطلح وهو قد اعترف في غير موضع من شرحه وصرح بكون استعمالها في الأخبار بمعنى

١٤٩

التحريم شائعا كثيرا بل ربما ترجح على المعنى الأصولي ، فكيف يتم له الاستدلال بالخبر المذكور والحال كما ترى؟

(الرابع) ـ ما أجاب به عن الروايتين المنقولتين في كلامه حجة للقائلين بالتحريم من حملهما على الكراهة فإن فيه ما عرفت مما قدمنا ذكره على كلام شيخنا المجلسي (قدس‌سره) ونزيده تأكيدا بأن نقول انه إذا كان العمل عندهم في الجمع بين الأخبار في جميع الأحكام من أول أبواب الفقه إلى آخرها انما هو على هذه القاعدة من حمل الأوامر على الاستحباب والنواهي على الكراهة كما لا يخفى على الخائض في كلامهم والناظر في نقضهم وإبرامهم فلمن خرجت هذه الأخبار المستفيضة بهذه القواعد المقررة عنهم (عليهم‌السلام) في الأخبار المتعارضة ، أهنأ شريعة غير هذه الشريعة أو خوطب بها أحد غيرهم؟ ما هذه إلا غفلة عجيبة سامحنا الله وإياهم.

(الخامس) ـ قوله في رد كلام العلامة «وهو ضعيف. الى آخره» فان فيه ما كتبه عليه الفاضل الشيخ محمد بن الشيخ حسن ابن شيخنا الشهيد الثاني في حاشية الكتاب حيث قال ـ ونعم ما قال ـ لا يخلو كلام شيخنا من نظر ، لان الظاهر من القران قصد الجمع بين السورتين لأن العدول لا ريب في جوازه مع الشرط المذكور فيه ، وحينئذ فكلام العلامة متوجه لأن قصد السورتين يقتضي عدم الإتيان بالمأمور به إذ المأمور به السورة وحدها. وقول شيخنا ـ ان النهي عن الزيادة نهى عن أمر خارج ـ انما يتم لو تجدد فعل الزيادة بعد فعل الاولى قصدا للسورة الاولى منفردة واين هذا من القران؟ انتهى.

وبما حررناه وأوضحناه يظهر لك قوة القول بالتحريم وان القول بالكراهة انما نشأ عن عدم إعطاء التأمل حقه في الأخبار والتتبع لها والنظر فيها بعين الفكر والاعتبار. والله العالم.

وفي المقام فوائد يجب التنبيه عليها (الاولى) قال شيخنا الشهيد الثاني في المسالك : ويتحقق القران بقراءة أزيد من سورة وان لم يكمل الثانية بل بتكرار السورة الواحدة

١٥٠

أو بعضها ومثله تكرار الحمد. انتهى.

وفيه (أولا) ان اخبار القران التي قدمناها كلها قد اشتملت على السورة بمعنى ان القران انما هو عبارة عن قراءة سورة ثانية تامة ، وليس فيها ما ربما يحتمل ما ذكره إلا صحيحة منصور بن حازم لقوله (عليه‌السلام) (١) «بأقل من سورة ولا بأكثر». والواجب حمل إطلاقها على ما صرحت به تلك الأخبار العديدة من ان القران هو الجمع بين السورتين. و (ثانيا) انه لا خلاف في جواز العدول في الجملة ولا ريب في حصول الزيادة على سورة مع انه لا قائل بالتحريم. وبالجملة فالظاهر ضعف ما ذكره (قدس‌سره)

(الثانية) ـ الظاهر ان موضع الخلاف في القران جواز أو تحريما بالسورة تامة أو ما دونها هو ما إذا قصد بقراءته كونه جزء من القراءة الواجبة ، فإن الظاهر انه لا خلاف في جواز القنوت ببعض الآيات واجابة المسلم بلفظ القرآن والاذن للمستأذن بقوله : «ادْخُلُوها بِسَلامٍ آمِنِينَ» (٢) ونحو ذلك.

(الثالثة) ـ ينبغي ان يعلم ان محل الخلاف بغير خلاف يعرف هو الفريضة واما النافلة فلا بأس بالقران فيها كما تقدم التصريح به في رواية عمر بن يزيد ورواية قرب الاسناد ومرسلة الصدوق في كتاب الهداية.

ويزيد ذلك تأكيدا ما رواه الشيخ عن عبد الله بن أبي يعفور عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) (٣) قال : «لا بأس ان تجمع في النافلة من السور ما شئت».

وعن محمد بن القاسم (٤) قال : «سألت عبدا صالحا (عليه‌السلام) هل يجوز ان يقرأ في صلاة الليل بالسورتين والثلاث؟ فقال ما كان من صلاة الليل فاقرأ بالسورتين والثلاث وما كان من صلاة النهار فلا تقرأ إلا بسورة سورة». وفيه دلالة على ترجيح ترك القران في النافلة النهارية.

__________________

(١) ص ١٤٦.

(٢) سورة الحجر ، الآية ٤٦.

(٣ و ٤) الوسائل الباب ٨ من القراءة.

١٥١

(الرابعة) ـ يجب ان يستثني من الحكم بتحريم القران أو كراهته في الفريضة صلاة الآيات لما سيأتي ان شاء الله تعالى بيانه من جواز تعدد السورة فيها. والله العالم.

(المسألة الخامسة) ـ المشهور بين الأصحاب تحريم قراءة العزائم الأربع في الفرائض بل نقل عليه الإجماع جملة من الأصحاب : منهم ـ المرتضى في الانتصار والشيخ في الخلاف وابن زهرة في الغنية والعلامة في النهاية. وخالف في ذلك ابن الجنيد فقال لو قرأ سورة من العزائم في النافلة سجد وان كان في فريضة أومأ فإذا فرغ قرأها وسجد.

ومن اخبار المسألة ما رواه ثقة الإسلام والشيخ عن زرارة عن أحدهما (عليهما‌السلام) (١) قال : «لا تقرأ في المكتوبة بشي‌ء من العزائم فإن السجود زيادة في المكتوبة». وهذه الرواية كما ترى صريحة في القول المشهور.

ما رواه الشيخ في الصحيح أو الحسن عن الحلبي عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) (٢) «انه سئل عن الرجل يقرأ بالسجدة في آخر السورة قال يسجد ثم يقوم فيقرأ فاتحة الكتاب ثم يركع ويسجد».

ما رواه في الكافي والتهذيب عن أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) (٣) قال : «ان صليت مع قوم فقرأ الامام «اقرأ باسم ربك الذي خلق» أو شيئا من العزائم وفرغ من قراءته ولم يسجد فأومى إيماء ، والحائض تسجد إذا سمعت السجدة».

ما رواه الشيخ في التهذيب عن سماعة (٤) قال «من قرأ «اقرأ باسم ربك» فإذا ختمها ، فليسجد فإذا قام فليقرأ فاتحة الكتاب وليركع. قال وان ابتليت بها مع امام لا يسجد فيجزئك الإيماء والركوع ولا تقرأ في الفريضة اقرأ في التطوع».

عن وهب بن وهب عن أبي عبد الله عن أبيه عن علي (عليهم‌السلام) (٥) انه قال : «إذا كان آخر السورة السجدة أجزأك أن تركع بها».

__________________

(١) الوسائل الباب ٤٠ من القراءة.

(٢ و ٥) الوسائل الباب ٣٧ من القراءة.

(٣) الوسائل الباب ٣٨ من القراءة.

(٤) الوسائل الباب ٣٧ و ٤٠ من القراءة.

١٥٢

عن محمد بن مسلم في الصحيح عن أحدهما (عليهما‌السلام) (١) قال : «سألته عن الرجل يقرأ السجدة فينساها حتى يركع ويسجد قال يسجد إذا ذكر إذا كانت من العزائم».

عن عمار بن موسى في الموثق عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) (٢) «عن الرجل يقرأ في المكتوبة سورة فيها سجدة من العزائم؟ فقال إذا بلغ موضع السجدة فلا يقرأها وان أحب ان يرجع فيقرأ سورة غيرها ويدع التي فيها السجدة فيرجع إلى غيرها. وعن الرجل يصلي مع قوم لا يقتدي بهم فيصلي لنفسه وربما قرأوا آية من العزائم فلا يسجدون فيها فكيف يصنع؟ قال لا يسجد».

عن علي بن جعفر في الصحيح عن أخيه موسى (عليه‌السلام) (٣) قال : «سألته عن امام قوم قرأ السجدة فأحدث قبل ان يسجد كيف يصنع؟ قال يقدم غيره فيتشهد ويسجد وينصرف هو وقد تمت صلاتهم». وروى الحميري في كتاب قرب الاسناد مثله (٤) إلا انه قال : «يقدم غيره فيسجد ويسجدون وينصرف فقد تمت صلاتهم».

ما رواه الثقة الجليل عبد الله بن جعفر الحميري في كتاب قرب الاسناد عن عبد الله ابن الحسن عن جده علي بن جعفر عن أخيه (عليه‌السلام) (٥) قال : «سألته عن الرجل يقرأ في الفريضة سورة النجم أيركع بها أو يسجد ثم يقوم فيقرأ بغيرها؟ قال يسجد ثم يقوم فيقرأ بفاتحة الكتاب ويركع ولا يعود يقرأ في الفريضة بسجدة». ورواه علي بن جعفر في كتابه مثله (٦) إلا انه قال : «فيقرأ بفاتحة الكتاب ويركع وذلك زيادة في الفريضة فلا يعودن يقرأ السجدة في الفريضة».

هذا ما حضرني من الأخبار في المسألة ولا يخفى ما هي عليه من التدافع الظاهر لكل ناظر ، إلا انه يمكن ان يقال بتوفيق الملك المتعال وبركة الآل عليهم صلوات ذي الجلال :

__________________

(١) الوسائل الباب ٣٩ من القراءة.

(٢) الوسائل الباب ٣٠ و ٣٨ من القراءة.

(٣ و ٤ و ٥ و ٦) الوسائل الباب ٤٠ من القراءة.

١٥٣

اما الخبر الأول فإنه ظاهر ـ كما أشرنا إليه آنفا ـ في القول المشهور. واما الثاني فليس فيه تصريح بكون القراءة في الفريضة فيحمل على النافلة لما سيأتي ان شاء الله تعالى من جواز ذلك فيها.

واما الثالث فيحمل على الصلاة خلف المخالف وانه مع الإلجاء والضرورة يومئ إيماء ، ويؤيده ما في موثقة سماعة من الأمر بالإيماء في هذه الصورة ، وما في آخر رواية عمار من الأمر له في هذه الصورة بعدم السجود لا ينافيه الإيماء كما في هذين الخبرين فيجب تقييد إطلاق خبر عمار بهذين الخبرين.

واما الرابع فصدره كالخبر الثاني مطلق فيحمل على النافلة كما حملنا عليه ذلك الخبر وعجزه يحمل على ما عرفت في الخبر الثالث ، وقوله في آخر الخبر «لا تقرأ في الفريضة اقرأ في التطوع» صريح الدلالة على القول المشهور من النهى عن القراءة في الفريضة وصريح في جواز ذلك في النافلة كما أشرنا إليه آنفا.

واما الخامس فقد حمله الشيخ (قدس‌سره) على ما إذا كان مع قوم لا يتمكن معهم من السجود. ولا بأس به في مقام الجمع. واما السادس فهو مطلق أيضا فيحمل على النافلة جمعا.

واما السابع فيمكن حمله على من شرع في السورة ساهيا ثم ذكر قبل قراءة السجدة فان حكمه ان يقرأ سورة أخرى غيرها ان أوجبنا السورة وتغتفر له هذه الزيادة وان اكتفينا بالتبعيض في السورة فإنه يكتفي بما قرأ ويتم صلاته. وفي الخبر بناء على ما ذكرنا إيماء إلى عدم جواز قراءة السجدة في الصلاة ففيه تأييد للقول المشهور.

واما الثامن فهو ظاهر في قراءة العزائم في الفريضة ، وحمله على النافلة بعيد لعدم جواز الجماعة فيها إلا في مواضع نادرة. ويمكن الجواب عنه بالحمل على النسيان كما قدمناه في الخبر السابع أو على التقية وهو الأقرب.

بقي الكلام في معنى الخبر وقد قال شيخنا (قدس‌سره) في البحار انه يحتمل وجوها :

١٥٤

(الأول) ان يكون فاعل التشهد والسجود والانصراف الامام الأول فيكون التشهد محمولا على الاستحباب للانصراف من الصلاة ، والسجود للتلاوة لعدم اشتراط الطهارة فيه (الثاني) ان يكون فاعل الأولين الإمام الثاني بناء على ان الامام قد ركع معهم فالمراد بقول السائل «قبل ان يسجد» قبل سجود الصلاة لا سجود التلاوة. ولا يخفى بعده (الثالث) ان يكون فاعل التشهد الإمام الثاني أي يتم الصلاة بهم ، وعبر عنه بالتشهد لانه آخر أفعالها ، ويسجد الإمام الأول للتلاوة وينصرف. (الرابع) ان يكون فاعل الأولين الإمام الثاني ويكون المراد بالتشهد إتمام الصلاة بهم وبالسجود سجود التلاوة أي يتم الصلاة بهم ويسجد للتلاوة بعد الصلاة. واما على ما في قرب الاسناد فالمعنى يسجد الإمام الثاني بالقوم اما في أثناء الصلاة كما هو الظاهر أو بعدها على احتمال بعيد وينصرف أي الإمام الأول بعد السجود منفردا أو قبله بناء على اشتراط الطهارة فيه وهو أظهر من الخبر. انتهى.

واما الخبر التاسع فينبغي حمله على الناسي أو التقية ، وفي خبر كتاب قرب الاسناد «ولا يعود يقرأ في الفريضة بسجدة» وقوله في خبر الكتاب «وذلك زيادة في الفريضة فلا يعودن يقرأ السجدة في الفريضة» وهو مؤيد للقول المشهور ، وخبر الكتاب أوضح دلالة في ذلك فإنه لو كان قراءته لها لا عن أحد الوجهين لم يكن لذكر هذا الكلام مزيد فائدة ان لم يكن منافيا.

وعلى ما ذكرناه تجتمع الأخبار المذكورة في المقام ويظهر قوة القول المشهور بما لا يعتريه وصمة النقض والإبرام عند من يعمل بأخبار أهل البيت (عليهم‌السلام). واما ما ذكره في المدارك ـ بعد طعنه في روايتي زرارة وموثقة سماعة بضعف السند من القول بالجواز عملا بظاهر الصحاح المذكورة حيث انه ممن يدور مدار صحة الأسانيد ولا ينظر إلى ما اشتملت عليه متون الأخبار من العلل كما بيناه غير مرة ـ فهو جيد على أصله الغير الأصيل ، على ان صحيحة علي بن جعفر المنقولة في كتابه ظاهرة في ما

١٥٥

دلت عليه الروايتان المشار إليهما من النهي عن قراءة العزيمة في الفريضة مع إجماع المخالفين واتفاقهم على الجواز كما نقله في المعتبر.

وبالجملة فإنه مع العمل بجملة أخبار المسألة كما هو الحق الحقيق بالاتباع فالحكم في المسألة هو ما أوضحناه وشرحناه وعليه تجتمع الأخبار على وجه صحيح العيار واضح المنار إلا انه ينبغي الكلام هنا في مواضع

(الأول) ـ قال في المدارك ـ بعد ذكر عبارة المصنف الدالة على انه لا يجوز ان يقرأ في الفرائض شيئا من سور العزائم ـ ما صورته : هذا هو المشهور بين الأصحاب واحتجوا عليه بان ذلك مستلزم لأحد محذورين : اما الإخلال بالواجب ان نهيناه عن السجود واما زيادة سجدة في الصلاة متعمدا إن أمرناه به. ولا يخفى ان هذا مع ابتنائه على وجوب إكمال السورة وتحريم القران انما يتم إذا قلنا بفورية السجود مطلقا وان زيادة السجدة مبطل كذلك وكل من هذه المقدمات لا يخلو من نظر. انتهى.

أقول : بل الظاهر ان النظر انما هو في كلامه (قدس‌سره) لا في كلام الأصحاب

(أما أولا) فإن ما ذكره من ابتناء ما ذكروه على وجوب إكمال السورة وتحريم القران مما لا اعرف له وجها وجيها وان كان قد تقدمه فيه المحقق في المعتبر ، وذلك لأن غاية ما دل عليه النهي ـ وهو ظاهر إطلاق الأصحاب ـ انه لا يجوز قراءة سورة العزيمة في الصلاة لأحد محذورين سواء أوجبنا السورة أو جعلناها مستحبة وذلك كما تقدم ان الأصحاب في السورة على قولين الوجوب والاستحباب ، والمراد هنا ان هذه السورة التي تقرأ في هذا الموضع وجوبا أو استحبابا لا يجوز ان تكون سورة من سور العزائم الأربع للزوم المحذور. هذا غاية ما يفهم من النص وإطلاق كلامهم ولا ترتب لذلك على جواز القران ولا عدمه ، فلو قلنا ان السورة مستحبة فإن هذه السورة لا تصلح للإتيان بوظيفة الاستحباب للعلة المذكورة ، وكذا لو قلنا بجواز القران فإنه لا منافاة بالتقريب المذكور. وبالجملة فإن الغرض انما هو التنبيه على ان هذه السورة لا يجوز قراءتها في الصلاة

١٥٦

كغيرها من سور القرآن بأي كيفية كانت ، وهذا معنى صحيح لا يترتب عليه شي‌ء مما ذكره هو وغيره. بقي الكلام في انه لو قرأ منها ما عدا موضع السجدة فهل تصح صلاته ويمضي فيها أم لا؟ وهي مسألة أخرى يترتب الكلام فيها على وجوب السورة وعدمه ، وكذا لو عدل إلى سورة أخرى بعد ان قرأ منها بعضا فهل تصح صلاته أيضا أم لا؟ وهي مسألة أخرى أيضا مبنية على تحريم القران وانه أعم من زيادة سورة كاملة أو بعض منها وقد تقدم الكلام فيه ، وهذا هو مطمح نظره في اعتراضه على كلام الأصحاب والحق ان هذا شي‌ء خارج عما نحن فيه كما عرفت.

و (اما ثانيا) فان ما ذكره ـ من النظر في فورية سجود التلاوة وفي الإبطال بزيادة السجدة ـ مردود ، أما فورية السجود فلانه لا خلاف بين الأصحاب في الفورية مطلقا وهو ممن صرح بذلك فقال في بحث السجود وذكر سجدة التلاوة بعد قول المصنف : «ولو نسيها اتى بها في ما بعد» ما هذا لفظه : أجمع الأصحاب على ان سجود التلاوة واجب على الفور. إلخ. وقضية الوجوب فورا هو انه يجب عليه السجود بعد قراءتها في الصلاة البتة والاستثناء في هذا المكان يحتاج إلى دليل وليس فليس ، بل اعترف بذلك في هذا المقام في الرد على ابن الجنيد حيث نقل عنه انه يومئ إيماء فإذا فرغ قرأها وسجد ، فقال في الرد عليه : وهو مشكل لفورية السجود. ولو تم ما ذكره من النظر الذي أورده على كلام الأصحاب في الفورية فأي إشكال هنا يلزم به كلام ابن الجنيد؟ فانظر إلى هذه المخالفات في مقام واحد ليس بين الكلامين إلا أسطر يسيرة. واما الإبطال بالسجدة فقد صرحت به رواية زرارة المتقدمة بقوله «فان السجود زيادة في المكتوبة» أي زيادة مبطلة وإلا فالزيادات فيها كثيرة ، وقوله في صحيحة علي بن جعفر المذكورة في كتابه «فإن ذلك زيادة في الفريضة فلا يعودن يقرأ السجدة في الفريضة» ويشير اليه قوله في موثقة عمار «إذا بلغ موضع السجدة فلا يقرأها. إلخ».

(الثاني) ـ قال شيخنا الشهيد الثاني في الروض تفريعا على القول بالتحريم مطلقا

١٥٧

ان قرأ العزيمة عمدا بطلت صلاته بمجرد الشروع في السورة وان لم يبلغ موضع السجود للنهي المقتضي للفساد.

أقول : فيه ان الظاهر من الأخبار كما عرفت هو ان العلة في التحريم انما هو محذور السجود وعدمه فإنه ان سجد لزم بطلان الصلاة بزيادة السجدة وان لم يسجد لزم الإخلال بالواجب الفوري وبذلك علله الأصحاب أيضا ، وحينئذ فالنهي في الحقيقة لم يتوجه إلى مجرد القراءة بل انما توجه إلى قراءة السجدة. نعم يتجه ما ذكره لو أوجبنا السورة تامة وحرمنا الزيادة عليها لأن اللازم من قراءتها باعتقاد كونها الواجب في هذا المكان مع عدم جواز السجود زيادة واجب ان اتى بسورة بعدها والإخلال بواجب ان اقتصر عليها

(الثالث) ـ قال في الذكرى : لو قرأ العزيمة سهوا في الفريضة ففي الرجوع عنها ما لم يتجاوز النصف وجهان مبنيان على ان الدوام كالابتداء أولا؟ والأقرب الأول ، وان تجاوز ففي جواز الرجوع أيضا وجهان من تعارض عمومين أحدهما المنع من الرجوع هنا مطلقا والثاني المنع من زيادة سجدة وهو أقرب ، وان منعناه أومأ بالسجود ثم يقضيها ويحتمل وجوب الرجوع ما لم يتجاوز السجدة وهو قريب أيضا مع قوة العدول مطلقا ما دام قائما. وابن إدريس قال : ان قرأها ناسيا مضى في صلاته ثم قضى السجود بعدها وأطلق. انتهى.

وقال في الروض : ان قرأها سهوا فان ذكر قبل تجاوز السجدة عدل إلى غيرها وجوبا سواء تجاوز النصف أم لا مع احتمال عدم الرجوع لو تجاوز النصف لتعارض عمومي المنع من الرجوع بعده والمنع من زيادة سجدة فيومى للسجود بها ثم يقضيها ، وان لم يذكر حتى تجاوز السجدة ففي الاعتداد بالسورة وقضاء السجدة بعد الصلاة لانتفاء المانع أو وجوب العدول مطلقا ما لم يركع لعدم الاعتداد بالعزيمة في قراءة الصلاة فيبقى وجوب السورة بحاله لعدم حصول المسقط لها وجهان ومال في الذكرى إلى الثاني ، وعلى ما بيناه من ان الاعتماد في تحريم العزيمة على السجود يتجه الاجتزاء بها حينئذ ، وقال ابن إدريس

١٥٨

ثم نقل قوله المتقدم ذكره.

أقول : لا يخفى ان المسألة المذكورة لما كانت عارية عن النص كثرت فيها الاحتمالات قربا وبعدا واختلفت فيها الافهام نقضا وإبراما إلا أن الأقرب إلى القواعد الشرعية والضوابط المرعية هو انا متى قلنا بوجوب سورة كاملة لا زيادة عليها وقلنا بالنهي عن العزائم وبطلان الصلاة بها لما عرفت فان الواجب على من قرأها ساهيا هو العدول عنها متى ذكر ولم يقرأ السجدة وان يقرأ غيرها ، وهذه الزيادة مغتفرة لمكان السهو كسائر الزيادات الواقعة في الصلاة مما لا تبطل الصلاة به تجاوز النصف أم لم يتجاوز وهذا هو الذي اختاره في الروض. واما احتماله فيه عدم الرجوع لو تجاوز النصف ـ بناء على عموم الأخبار المانعة من جواز العدول من سورة إلى أخرى مع تجاوز النصف ـ ففيه ان هذه الأخبار لا وجود لها وانما وقع ذلك في كلام الأصحاب كما سيأتي ذكره قريبا ان شاء الله تعالى في مسألة العدول.

وبذلك يظهر لك ما في كلام صاحب المدارك هنا أيضا ردا على جده حيث ان جده كما عرفت اختار ما اخترناه من العدول قبل بلوغ السجدة وان تجاوز النصف فاعترض عليه بأنه مشكل لإطلاق الأخبار المانعة من جواز العدول من سورة إلى أخرى مع تجاوز النصف. انتهى. وفيه انه قد اعترف في بحث صلاة الجمعة بعدم وجود النص المذكور في هذا المقام حيث ان المصنف ذكر انه يستحب العدول إلى سورة الجمعة والمنافقين ما لم يتجاوز نصف السورة فقال (قدس‌سره) : اما استحباب العدول مع عدم تجاوز النصف في غير هاتين السورتين فلا خلاف فيه بين الأصحاب ، إلى ان قال واما تقييد الجواز بعدم تجاوز النصف فلم أقف له على مستند واعترف الشهيد في الذكرى بعدم الوقوف عليه أيضا. انتهى. وحينئذ فأين هذه الأخبار المانعة من جواز العدول مع تجاوز النصف التي أورد بها الاشكال على جده؟ وبذلك يظهر لك ما في كلام الذكرى في هذا المقام.

١٥٩

وعلى ما ذكرناه هنا تحمل موثقة عمار كما أشرنا إليه آنفا من حملها على الساهي وانه يعدل إلى سورة أخرى. هذا كله في ما لو ذكر قبل قراءة السجدة واما لو قرأ السجدة أيضا ساهيا ولم يذكر إلا بعد قراءتها فإشكال لما ذكره من الاحتمالين في المقام. والله العالم.

(الرابع) ـ الظاهر انه لا خلاف في جواز قراءة العزائم في النوافل وعلى ذلك تدل موثقة سماعة المتقدمة حيث قال فيها «ولا تقرأ في الفريضة اقرأ في التطوع» وهو مبني على اغتفار زيادة السجدة في التطوع ، وحينئذ فإذا قرأها في أثناء القراءة سجد ثم قام وأتم القراءة وركع ، ولو كانت السجدة في آخر السورة فقد صرح بعضهم بأنه بعد السجود يقوم ثم يقرأ الحمد استحبابا ليكون ركوعه عن قراءة واستند في ذلك إلى رواية الحلبي المتقدمة بحملها على النافلة ، ونقل عن الشيخ انه يقرأ الحمد وسورة أو آية معها. ولو نسي السجدة حتى ركع سجد إذا ذكر لصحيحة محمد بن مسلم بحملها على النافلة كما تقدم ، وبذلك صرح العلامة من غير خلاف يعرف ، ويعضده ان السجود واجب وسقوطه يحتاج إلى دليل ، ومجرد السهو عنه في محله لا يصلح لأن يكون دليلا على السقوط ويخرج النص شاهدا على ذلك.

(الخامس) ـ قال في المنتهى : يستحب له إذا رفع رأسه من السجود ان يكبر رواه الشيخ في الصحيح عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) (١) قال : «إذا قرأت شيئا من العزائم التي يسجد فيها فلا تكبر قبل سجودك ولكن تكبر حين ترفع رأسك ، والعزائم أربعة. الحديث».

وروى في المنتهى عن الشيخ انه روى في الموثق عن سماعة قال : «قال أبو عبد الله (عليه‌السلام) إذا قرأت السجدة فاسجد ولا تكبر حتى ترفع رأسك».

__________________

(١) الوسائل الباب ٤٢ من قراءة القرآن.

١٦٠