الحدائق الناضرة - ج ٧

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]

الحدائق الناضرة - ج ٧

المؤلف:

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]


المحقق: محمّد تقي الإيرواني
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٥٦

والأرانب ولا الذي فوقه على ما وردت به الرواية وقال في المبسوط : لا تجوز الصلاة في الثوب الذي يكون تحت الثعالب ولا الذي فوقه على ما وردت به الرواية. كذا نقله عنه في المختلف. وقال الصدوق : وإياك ان تصلي في الثعلب ولا في الثوب الذي يليه من تحته وفوقه.

واستشكل جملة من الأصحاب حمل النهي في الاخبار المذكورة على التحريم إلا ان يقال بنجاسة هذه الأشياء وملاقاتها بالرطوبة ، قال الشيخ في المبسوط على اثر العبارة المتقدمة : وعندي ان هذه الرواية محمولة على الكراهة أو على انه إذا كان أحدهما رطبا لان ما هو نجس إذا كان يابسا لا تتعدى منه النجاسة إلى غيره. والعجب ان العلامة في المختلف نقل عنه العبارة المتقدمة خاصة وهو مما يؤذن بقوله بالتحريم مطلقا كما أطلقه في النهاية مع ان بقية كلامه في المبسوط يؤذن بالتأويل في تلك الرواية. وبما ذكره من التفصيل في المبسوط صرح المحقق في المعتبر وزاد : والخبر بالمنع مقطوع السند شاذ فيسقط اعتباره. وبنحو ذلك ايضا صرح العلامة في المختلف فقال : وعندي ان هذه الرواية محمولة على الكراهة أو على انه إذا كان أحدهما رطبا لان ما هو نجس إذا كان يابسا لا تتعدى منه النجاسة إلى غيره ، ثم نقل عن ابن إدريس انه قال : لا بأس بالصلاة في الثوب الذي تحته أو فوقه وبر الأرانب أو الثعالب ، ثم استقر به وقال : لنا ـ انه صلى على الوجه المأمور به شرعا فيخرج عن العهدة ، ولأن المقتضي للصحة موجود والمعارض لا يصلح للمانعية إذ المعارض هنا ليس إلا مماسة الوبر وليس هذا من الموانع إذ النجس العيني إذا ماس غيره وهما يابسان لم تتعد النجاسة إلى الغير فكيف بهذا الوبر الذي ليس بنجس؟ ثم نقل عن الشيخ (قدس‌سره) انه احتج بأن الصلاة في الذمة بيقين ولا تبرأ إلا بمثله ولا يقين للبراءة مع الصلاة في الثوب الملاصق للوبر ، وبما رواه علي بن مهزيار عن رجل ثم أورد الرواية إلى آخرها كما قدمناه ، وقال : والجواب عن الأول انه قد حصل اليقين بالبراءة حيث قد وقع الفعل على الوجه المأمور به شرعا. وعن الثاني ان الرجل مجهول فجاز

٨١

ان يكون غير عدل مع إمكان حمل النهي على الكراهة كما حمله الشيخ (قدس‌سره) في المبسوط.

أقول : لا يبعد عندي ان النهى في الاخبار المذكورة عن الصلاة في الثوب الذي تحت الجلد وفوقه انما هو باعتبار ما يسقط عليه من الوبر ويتناثر عليه في وقت لبسه له تحت الوبر كان أو فوقه ، وحينئذ فيكون فيه دلالة على عدم جواز الصلاة في الثوب الذي عليه شعر أو وبر ما لا يؤكل لحمه وسيأتي الكلام فيه ان شاء الله تعالى ، وإلا فالقول بالمنع من حيث النجاسة لا وجه له بالكلية لما ثبت من صحة التذكية لهذه الحيوانات خلافا للشيخ في السباع ، وانه مع اليبوسة لا تتعدى النجاسة لو ثبتت النجاسة ، وهذا كله ظاهر بل الظاهر انه لا وجه للمنع إلا ما ذكرناه. وان ثبت انه لا يتناثر من الوبر شي‌ء ولا يسقط منه شي‌ء على الثياب فلا مناص من جعل النهي تعبدا شرعيا أو محمولا على الكراهة ويؤيده ما ورد في رواية أبي بصير (١) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن الصلاة في الفراء فقال كان علي بن الحسين (عليه‌السلام) رجلا صردا لا تدفئه فراء الحجاز لان دباغها بالقرظ وكان يبعث الى العراق فيؤتى مما قبلكم بالفرو فيلبسه فإذا حضرت الصلاة ألقاه والقى القميص الذي يليه فكان يسأل عن ذلك فقال ان أهل العراق يستحلون لباس الجلود الميتة ويزعمون ان دباغه ذكاته». فإنه لا ريب ان نزع الفراء هنا محمول على الاستحباب لأصالة الطهارة كما تقدم تحقيقه وكذا الثوب الذي يليه بالطريق الأولى.

(المسألة الثامنة) ـ قطع الشهيدان وجماعة : منهم ـ صاحب المدارك ومن تبعه باختصاص المنع بالملابس فلو لم يكن كذلك كالشعرات الملقاة على الثوب لم يمنع عن الصلاة فيه ، وذهب الأكثر إلى عموم المنع كما نقله شيخنا المجلسي في كتاب البحار.

أقول : والذي وقفت عليه من الاخبار المتعلقة بذلك ما تقدم في موثقة ابن

__________________

(١) الوسائل الباب ٦١ من لباس المصلى.

٨٢

بكير (١) من قوله (عليه‌السلام): «وكل شي‌ء حرام أكله فالصلاة في وبره وشعره وجلده وبوله وروثه وألبانه وكل شي‌ء منه فاسدة. الحديث». فإنها شاملة للشعر الملقى على الثوب ، ورواية إبراهيم بن محمد الهمداني المتقدمة في صدر هذا المقام ، وهي صريحة في عدم جواز الصلاة في الشعر والوبر الملقى على الثوب ، وصحيحة محمد بن عبد الجبار المتقدمة في روايات المسألة الثالثة (٢) وهي صريحة في جواز الصلاة فيه إذا كان ذكيا.

والمفهوم من كلام شيخنا الشهيد الثاني (قدس‌سره) في الروض ان مستنده في ما ذهب اليه من الجواز في هذه المسألة هو الجمع بين الروايات المذكورة ، حيث انه بعد ذكر الأخبار المذكورة قال : وطريق الجمع حمل روايات المنع على الثوب المعمول من ذلك والجواز على ما طرح على الثوب من الوبر ، ثم قال وممن صرح بالجواز الشيخ والشهيد في الذكرى وهو ظاهر المعتبر ، وجمع الشيخ بينها بحمل الجواز على ما يعمل منها مما لا تتم الصلاة فيه وحده كالتكة والقلنسوة كما وقع التصريح به في مكاتبة العسكري (عليه‌السلام) (٣) انتهى.

أقول : فيه انك قد عرفت في ما قدمناه ان الأظهر حمل الجواز في صحيحة محمد ابن عبد الجبار على التقية ، على انه كيف يتم له الجمع بذلك وصحيحة محمد بن عبد الجبار المذكورة قد تضمنت جواز الصلاة في التكة المعمولة من وبر الأرانب ورواية إبراهيم بن محمد الهمداني المصرحة بالمنع تضمنت الشعر والوبر الذي يسقط على الثوب ، فكيف يتم له الجمع بما ذكره واخبار المسألة كما ترى؟ ما هذه إلا غفلة بعيدة من مثل شيخنا المذكور منحه الله بالرفعة والحبور. واما ما نقله عن الشيخ من الجمع بين الاخبار المذكورة بحمل الجواز على ما يعمل منها مما لا تتم الصلاة فيه وحده والمنع في غيره فهو وان تم له بالنسبة الى هذه الروايات إلا انه يضعف بما دلت عليه روايتا علي بن مهزيار واحمد بن إسحاق الأبهري من المنع عن الصلاة في الجوارب والتكك المعمولة من وبر الأرانب. وبالجملة

__________________

(١) ص ٥٨.

(٢) تقدمت في المسألة الرابعة ص ٧٦.

(٣) ص ٧٦.

٨٣

فإنه لا مخلص من هذه الإشكالات وكثرة هذه الاحتمالات إلا بحمل الروايات المذكورة على التقية كما ذكرناه. والله العالم.

(المسألة التاسعة) ـ الأظهر عندي عدم دخول فضلات الإنسان من شعره وريقه وعرقه ونحوها في حكم فضلات غير مأكول اللحم وان صدق عليه انه غير مأكول اللحم ، وكذا فضلة غير ذي النفس السائلة فإنها غير داخلة ايضا.

وبيان ذلك اما بالنسبة إلى فضلات الإنسان (فلو لا) ـ لا يخفى ان المتبادر من غير مأكول اللحم في تلك الاخبار المقابل ـ في كثير منها كموثقة ابن بكير وغيرها ـ بمأكول اللحم انما هو ما كان من سائر الحيوانات ذي النفس السائلة التي وقع ذكر جملة منها بالتفصيل في تلك الاخبار من الخز والسنجاب والفنك ونحوها مما تقدم ، وبعض الاخبار قد اشتمل على هذا العنوان وبعضها قد اشتمل على حيوانات معدودة وبعضها قد اشتمل على الأمرين ، وحينئذ فيحمل مطلقها على مقيدها ومجملها على مفصلها ، وبالجملة فإن الإنسان وان صدق عليه هذا العنوان لكن مرمى هذه العبارة في الاخبار والمتبادر منها بتقريب ما ذكرنا انما هو ما عداه من تلك الحيوانات التي جرت العادة باتخاذ الجلود منها والاشعار والأوبار والانتفاع بها في سائر وجوه المنافع.

و (ثانيا) ـ ما رواه علي بن الريان في الصحيح (١) قال : «كتبت الى ابي الحسن (عليه‌السلام) اسأله هل يجوز الصلاة في ثوب يكون فيه شعر من شعر الإنسان وأظفاره ثم يقوم إلى الصلاة من قبل ان ينفضه ويلقيه عنه؟ فوقع يجوز». وصحيحته الأخرى (٢) قال : «سألت أبا الحسن الثالث (عليه‌السلام) عن الرجل يأخذ من شعره وأظفاره ثم يقوم إلى الصلاة من غير ان ينفضه من ثوبه؟ قال لا بأس». والأولى شاملة لشعر الإنسان نفسه وأظفاره أو شعر غيره وأظفاره والثانية في شعر نفسه فقط ، ومنه يفهم غيرهما من الفضلات إذ العلة واحدة. ويعضد ذلك ما رواه في كتاب قرب الاسناد

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ١٨ من لباس المصلي.

٨٤

عن الحسين بن علوان عن الصادق عن أبيه (عليهما‌السلام) (١) «ان عليا (عليه‌السلام) سئل عن البزاق يصيب الثوب قال لا بأس به». وإطلاق نفي البأس شامل لما نحن فيه.

و (ثالثا) ـ استلزام ذلك المنع من ثوب يعرق فيه الإنسان نفسه لنفسه وغيره أو ثوب يمخط فيه أو يبصق فيه ، والمنع من المصافحة والمعانقة في البلاد الحارة مع العرق فيهما أو أحدهما ، واللوازم كلها باطلة منفية بالآية والرواية للزوم الحرج والعسر (٢).

واما بالنسبة الى ما لا نفس له فلما تقدم من عدم تبادر ذلك من العنوان المذكور وعدم عد شي‌ء مما لا نفس له في عداد تلك الافراد ، وأصالة العدم حتى يقوم الدليل الواضح البيان ، ولأن إطلاق الألفاظ في الأحكام الشرعية انما ينصرف الى الافراد الشائعة المتكثرة دون الفروض النادرة ، ولانه لو تم ذلك الزم الحكم بالمنع من الصلاة في الثوب والبدن الذي عليه فضلة الذباب ولزوم الحرج به ظاهر. ويعضد ذلك بابين وجه جواز الصلاة في الحرير الممزوج اتفاقا وما لا تتم الصلاة فيه وان كان خالصا على المشهور مع انه من فضلة ما لا يؤكل لحمه. وبذلك يظهر لك جواز الصلاة في الثوب الذي يسقط عليه العسل أو الشمع المتخذ منه وما يوضع منه تحت فص الخاتم ونحو ذلك. والله العالم.

تلخيص

قد ظهر مما قدمنا من الأبحاث وما سيأتي في المقام الثالث ان شاء الله تعالى ان ما دلت عليه موثقة ابن بكير المتقدمة (٣) من عموم التحريم في فضلة ما لا يؤكل لحمه لا بد فيه من ارتكاب التخصيص والتفصيل ، فان منه ما يجب إخراجه من هذه القاعدة كفضلات الإنسان وفضلات غير ذي النفس السائلة ، ومنه ما يجب استثناؤه للاخبار وإجماع الأصحاب كالحرير المنسوج بغيره ونحوه مما سيأتي والخز ، ومنه ما يجب إبقاؤه

__________________

(١) الوسائل الباب ١٧ من النجاسات.

(٢) ج ١ ص ١٥٥.

(٣) ص ٥٨.

٨٥

تحت القاعدة المذكورة ، وحمل الأخبار الدالة على الجواز فيه على التقية وان قيل بمضمون هذه الاخبار وحمل اخبار المنع على الكراهة إلا انك قد عرفت ما فيه ، واما ما لم ترد الاخبار بالمعارضة فيه من الافراد فيجب إبقاؤه على ما دلت عليه الموثقة المذكورة لصراحتها في ذلك وعدم وجود المعارض.

(المسألة العاشرة) ـ قال العلامة في المنتهى : لو شك في كون الصوف أو الشعر أو الوبر من غير مأكول اللحم لم تجز صلاته لانه مشروط بستر العورة مما يؤكل لحمه والشك في الشرط يوجب الشك في المشروط.

أقول : الظاهر ان هذه شبهة عرضت في هذا المقام وإلا فالظاهر من الاخبار وكلام الأصحاب ان الشرط في الصلاة ستر العورة مطلقا إلا انه قد دلت جملة من النصوص على النهي عن الصلاة في أشياء وهي المعدودة في هذه المقامات وان لم يستر بها العورة ومنها ما يتخذ مما لا يؤكل لحمه كما عرفت من اخبار هذا المقام ، والمنع عن ذلك موقوف على معلومية كونه مما لا يؤكل لحمه فما لم يعلم كونه كذلك فليس بداخل تحت تلك الاخبار فيبقى على أصل الصحة ، وتعضده الأخبار الصحيحة الصريحة في «ان كل شي‌ء فيه حلال وحرام فهو لك حلال حتى تعرف الحرام بعينه» (١). والمراد بالحل ما هو أعم من حل الأكل وهو حل الانتفاع. نعم ما ذكره هو الأحوط كما لا يخفى.

(المسألة الحادية عشرة) ـ قال في التذكرة : لو مزج صوف ما لا يؤكل لحمه وما يؤكل لحمه ونسج منهما ثوب لم تصح الصلاة فيه تغليبا للحرمة على اشكال ينشأ من اباحة المنسوج من الكتان والحرير ومن كونه غير متخذ من مأكول اللحم ، وكذا لو أخذ قطعا وخيطت ولم يبلغ كل واحد منها ما يستر العورة.

أقول : الذي ينبغي ان يعلم في هذا المقام هو انه قد دلت الاخبار على النهي عن الصلاة في ما لا يؤكل لحمه وعن الصلاة في الحرير ، ومقتضى هذا النهي هو العموم

__________________

(١) ص ٥٣.

٨٦

لكون كل منهما خالصا أو ممزوجا ، نعم قام الدليل بالنسبة إلى الحرير وانه متى مزج بغيره مما يجوز الصلاة فيه ونسج معه فكان ثوبا واحدا على جواز الصلاة فيه فوجب استثناؤه من روايات المنع مطلقا وبقي غيره على حكم العموم ، وإلحاق أحدهما بالآخر محض قياس لا يوافق أصول المذهب فلا اشكال بحمد الله المتعال. ويعضد ذلك ما تقدم في وبر الخز المغشوش بوبر الأرانب أو الثعالب فإن الأظهر الأشهر رواية وفتوى هو المنع من الصلاة فيه منسوجا أو ملقى على الثوب.

(المقام الثالث) ـ في الحرير ولا خلاف بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) في تحريم لبس الحرير المحض للرجال وبطلان الصلاة فيه ، قال في المعتبر : اما تحريم لبسه للرجال فعليه علماء الإسلام واما بطلان الصلاة فيه فهو مذهب علمائنا ووافقنا بعض الحنابلة (١).

أقول : اما ما يدل على تحريم لبسه للرجال فأخبار مستفيضة من طرق الخاصة والعامة ، فما ورد من طرق الأصحاب ما رواه الصدوق في الفقيه (٢) عن ابي الجارود عن ابي جعفر (عليه‌السلام) «ان النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) قال لعلي (عليه‌السلام) اني أحب لك ما أحب لنفسي واكره لك ما أكره لنفسي ، فلا تتختم بخاتم ذهب فإنه زينتك في الآخرة ، ولا تلبس القرمز فإنه من أردية إبليس ، ولا تركب بميثرة حمراء فإنها من مراكب إبليس ، ولا تلبس الحرير فيحرق الله جلدك يوم تلقاه». قال في الوافي : القرمز بالكسر صبغ أرمني يكون من عصارة دود يكون في آجامهم ، ولعل معنى الحديث الرداء المصبغ به من أردية إبليس ، وقد مضى نفى البأس عنه في كتاب الصلاة وجمع في الفقيه بين الخبرين بأن المنهي عنه ما كان من إبريسم محض. وميثرة الفرس بتقديم المثناة التحتانية على المثلثة لبدته. ويأتي تمام توضيحه في باب آلات الدواب. انتهى.

__________________

(١) المغني ج ١ ص ٥٨٨.

(٢) ج ١ ص ١٦٤ وفي الوسائل الباب ٣٠ من لباس المصلى.

٨٧

وما رواه الكليني في الموثق عن محمد بن مسلم عن ابي جعفر (عليه‌السلام) (١) قال : «لا يصلح لباس الحرير والديباج فاما بيعهما فلا بأس».

وعن ابي داود يوسف بن إبراهيم (٢) قال : «دخلت على ابي عبد الله (عليه‌السلام) وعلي قباء خز وبطانته خز وطيلسان خز مرتفع فقلت ان علي ثوبا اكره لبسه فقال وما هو؟ قلت طيلساني هذا. قال وما بال الطيلسان؟ قلت هو خز. قال وما بال الخز؟ قلت سداه إبريسم. قال وما بال الإبريسم؟ قال لا يكره ان يكون سدى الثوب إبريسم ولا زره ولا علمه وانما يكره المصمت من الإبريسم للرجال ولا يكره للنساء».

وما رواه الشيخ في التهذيب والصدوق في الفقيه عن يوسف بن محمد بن إبراهيم عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٣) قال : «لا بأس بالثوب ان يكون سداه وزره وعلمه حريرا وانما كره الحرير المبهم للرجال».

وما رواه في الكافي في الموثق عن ابن بكير عن بعض أصحابنا عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٤) قال : «لا يلبس الرجل الحرير والديباج إلا في الحرب». قال في الوافي الديباج يقال للحرير المنقوش فارسي معرب وكأن الحرير يطلق على ما لا نقش له ويقابل بالديباج. أقول : في كتاب مجمع البحرين ـ بعد ان ذكر ان الديباج ثوب سداه ولحمته إبريسم ـ وفي الخبر «لا تلبسوا الحرير والديباج». يريد به الإستبرق وهو الديباج الغليظ. ويمكن الجمع بين الكلامين بان اللفظ الذي وصفه به هنا باعتبار النقش كما ذكره في الوافي فلا منافاة.

وعن ليث المرادي (٥) قال : «قال أبو عبد الله (عليه‌السلام) ان رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) كسى سامة بن زيد حلة حرير فخرج فيها فقال مهلا يا أسامة إنما

__________________

(١) الوسائل الباب ١١ من لباس المصلي.

(٢) الوسائل الباب ١٠ و ١٦ من لباس المصلي.

(٣) الوسائل الباب ١٣ من لباس المصلي.

(٤) الوسائل الباب ١٢ من لباس المصلي.

(٥) الوسائل الباب ١٦ من لباس المصلى.

٨٨

يلبسها من لا خلاق له فاقسمها بين نسائك».

وعن سماعة في الموثق (١) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن لباس الحرير والديباج؟ فقال اما في الحرب فلا بأس به وان كان فيه تماثيل». الى غير ذلك من الاخبار.

ومما يدل على تحريم الصلاة فيه للرجال ما تقدم قريبا (٢) في صحيحة محمد بن عبد الجبار من قوله (عليه‌السلام) «لا تحل الصلاة في حرير محض».

وما رواه في الكافي في الصحيح عن محمد بن عبد الجبار ايضا (٣) قال : «كتبت الى ابي محمد (عليه‌السلام) هل يصلى في قلنسوة حرير محض أو قلنسوة ديباج؟ فكتب لا تحل الصلاة في حرير محض».

وعن إسماعيل بن سعد الأحوص (٤) قال : «سألت أبا الحسن الرضا (عليه‌السلام) هل يصلى الرجل في ثوب إبريسم؟ فقال لا».

وما رواه الشيخ في التهذيب عن إسماعيل بن سعد الأحوص (٥) قال : «سألته عن الثوب الإبريسم هل يصلي فيه الرجال؟ قال لا».

وعن الحلبي عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٦) قال : «كل ما لا تجوز الصلاة فيه وحده فلا بأس بالصلاة فيه مثل التكة الإبريسم والقلنسوة والخف والزنار يكون في السراويل ويصلى فيه».

واما ما رواه محمد بن إسماعيل بن بزيع في الصحيح (٧) قال : «سألت أبا الحسن (عليه‌السلام) عن الصلاة في ثوب ديباج ، فقال ما لم يكن فيه التماثيل فلا بأس». فقد أجاب عنه الشيخ (قدس‌سره) بالحمل على حال الحرب لما ورد من جواز لبسه حينئذ

__________________

(١) الوسائل الباب ١٢ من لباس المصلى.

(٢) ص ٧٦.

(٣ و ٦) الوسائل الباب ١٤ من لباس المصلي.

(٤ و ٧) الوسائل الباب ١١ من لباس المصلى.

(٥) التهذيب ج ١ ص ١٩٥ وفي الوسائل أشار إليه في الباب ١١ من لباس المصلي.

٨٩

أو على ما إذا كان سداه أو لحمته غزلا أو كتانا. والأقرب عندي حمله على التقية.

ومن الاخبار المتعلقة بالمسألة ما رواه في الكافي عن سفيان بن السمط (١) قال : «قرأت في كتاب محمد بن إبراهيم الى ابي الحسن (عليه‌السلام) يسأله عن ثوب حشوه قز يصلى فيه؟ فكتب لا بأس به». وروى في التهذيب عن الحسين بن سعيد (٢) قال : «قرأت في كتاب محمد بن إبراهيم الى ابي الحسن الرضا (عليه‌السلام) يسأله عن الصلاة في ثوب حشوه قز ، فكتب اليه وقرأته : لا بأس بالصلاة فيه». وروى في الفقيه والتهذيب (٣) قال : «كتب إبراهيم بن مهزيار الى ابي محمد الحسن (عليه‌السلام) في الرجل يجعل في جبته بدل القطن قزا هل يصلي فيه؟ فكتب نعم لا بأس به».

وروى في الكافي في الصحيح عن احمد بن محمد بن ابي نصر (٤) قال : «سأل الحسن بن قياما أبا الحسن (عليه‌السلام) عن الثوب الملحم بالقز والقطن والقز أكثر من النصف أيصلى فيه؟ قال لا بأس وقد كان لأبي الحسن (عليه‌السلام) منه جبات». أقول : قال في المصباح المنير : القز معرب قال الليث هو ما يعمل منه الإبريسم ولهذا قال بعضهم القز والإبريسم مثل الحنطة والدقيق. وقال في الوافي : القز بالفتح والتشديد نوع من الحرير فارسي معرب.

وروى في كتاب الاحتجاج مما كتبه الحميري إلى الناحية المقدسة (٥) «انا نجد بأصبهان ثيابا عتابية على عمل الوشي من قز وإبريسم هل تجوز الصلاة فيها أم لا؟ فأجاب (عليه‌السلام) لا تجوز الصلاة إلا في ثوب سداه أو لحمته قطن أو كتان». أقول : في القاموس الوشي نقش الثوب ويكون من كل لون ، وشى الثوب كوعى وشيا وشية حسنة نمنمه ونقشه وحسنه. وفي كتاب المصباح وشيت الثوب وشيا من باب وعد رقمته ونقشته فهو موشى والأصل على مفعول ، والوشي نوع من الثياب الموشية تسمية بالمصدر.

وقال في كتاب الفقه الرضوي (٦) «لا تصل في ديباج ولا في حرير ولا في

__________________

(١ و ٢ و ٣) الوسائل الباب ٤٧ من لباس المصلي.

(٤ و ٥) الوسائل الباب ١٣ من لباس المصلي.

(٦) ص ١٦.

٩٠

وشي ولا في ثوب من إبريسم محض ولا في تكة إبريسم وإذا كان الثوب سداه إبريسم ولحمته قطن أو كتان أو صوف فلا بأس بالصلاة فيها». انتهى.

إذا عرفت ذلك فاعلم ان الكلام في المسألة وما دلت عليه هذه الاخبار يقع في مواضع

(الأول) قد عرفت إجماع الأصحاب (رضوان الله عليهم) على بطلان الصلاة في الحرير المحض ، ولا فرق في ظاهر الأصحاب بين ما كان ساترا للعورة ولا غيره ، ونسبه المحقق في المعتبر والعلامة في المنتهى الى الشيخين والمرتضى واتباعهم. واستدل على البطلان مطلقا بأن الصلاة فيه منهي عنها والنهي في العبادة يستلزم الفساد لاستحالة كون الفعل الواحد مأمورا به منهيا عنه فمتى كان منهيا عنه لا يكون مأمورا به وهو معنى الفساد أقول : الأظهر في تعليل الفساد في هذا المقام انما هو من حيث استلزام مخالفة النهي عدم الامتثال لأوامر الشارع ولا ريب ان مبنى الصحة والبطلان انما هو على الامتثال وعدمه واما ما دلت عليه صحيحة محمد بن إسماعيل المتقدمة من صحة الصلاة في ثوب الديباج ما لم يكن فيه تماثيل فقد تقدم الجواب عنه.

(الثاني) ـ الظاهر انه لا خلاف بينهم في ان البطلان انما هو مع الاختيار وإلا فلو اضطر الى لبسه لبرد أو حر أو نحوهما فلا بأس ، ونقل الإجماع عليه جمع من الأصحاب وكذا في حال الحرب وان لم يكن ضرورة ، نقل عليه الإجماع الشهيد في الذكرى ، ويدل على الأول مضافا الى الإجماع المنقول جملة من عمومات الاخبار مثل قولهم (عليهم‌السلام) (١) : «ليس شي‌ء مما حرم الله تعالى إلا وقد أحله لمن اضطر اليه». وقولهم (عليهم‌السلام) (٢) «كل ما غلب الله عليه فالله اولى بالعذر». وقوله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) (٣) «رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما أكرهوا عليه وما لا يطيقون». ونحو ذلك. واما على الثاني فما تقدم من موثقة ابن بكير عن بعض أصحابنا وموثقة سماعة (٤)

__________________

(١) الوسائل الباب ١ من القيام.

(٢) الوسائل الباب ٣ من قضاء الصلوات.

(٣) الوسائل الباب ٣٠ من الخلل في الصلاة.

(٤) ص ٨٨ و ٨٩.

٩١

ومثلهما ما رواه في الكافي عن إسماعيل بن الفضل عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (١) قال : «لا يصلح للرجل ان يلبس الحرير إلا في الحرب». وما رواه عبد الله بن جعفر في قرب الاسناد بسنده عن الحسين بن علوان عن جعفر عن أبيه (عليهما‌السلام) (٢) «ان عليا (عليه‌السلام) كان لا يرى بلبس الحرير والديباج في الحرب إذا لم يكن فيه التماثيل بأسا». وما يظهر من المنافاة بين هذا الخبر وخبر سماعة المتقدم ـ من حيث نفى البأس وان كان فيه تماثيل في خبر سماعة واشتراط نفي البأس في هذا الخبر بما إذا لم يكن فيه تماثيل ـ فيمكن الجواب عنه بان نفى البأس في خبر سماعة محمول على نفي البأس عن التحريم خاصة وان بقيت الكراهة وهذا الخبر على نفي البأس عنهما أو بحمل ذلك الخبر على عدم الصلاة فيه وحمل هذا على الصلاة فيه.

واستثنى بعض الأصحاب لبسه للقمل قال في المعتبر : ويجوز لبسه للقمل لما روى (٣) «ان عبد الرحمن بن عوف والزبير شكوا الى رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) القمل فرخص لهما في قميص الحرير». وقال الراوندي في الرائع : لم يرخص لبس الحرير لأحد إلا لعبد الرحمن بن عوف فإنه كان قملا ، والمشهور ان الترخيص لعبد الرحمن والزبير ويعلم من الترخيص لهما بطريق القمل جوازه لغيرهما بفحوى اللفظ. ويقوى عندي عدم التعدية. انتهى. وقال الصدوق في الفقيه «ولم يطلق النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) لبس الحرير لأحد من الرجال إلا لعبد الرحمن بن عوف وذلك انه كان رجلا قملا» وتوهم صاحب الذخيرة ان هذه العبارة من تتمة خبر ابي الجارود المتقدم فذكرها في الذخيرة في ذيل الخبر المذكور وهو سهو محض بل الظاهر انها من كلام الصدوق الذي يداخل به الاخبار فيقع فيه الاشتباه ولهذا لم يذكرها المحدثان في الوافي والوسائل ، ويدل عليه ايضا ان الصدوق نقل خبر ابي الجارود في كتاب العلل عاريا من ذلك. أقول : الظاهر ان هذه الرواية المشار إليها وان اشتهر نقلها حتى في كلام الصدوق انما وردت من طرق

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ١٢ من لباس المصلي.

(٣) المغني ج ١ ص ٥٨٩.

٩٢

العامة لعدم وجودها في أخبارنا كما لا يخفى على من تتبعها من مظانها ولا سيما كتاب البحار الجامع لشوارد الاخبار وحينئذ فيضعف الاعتماد عليها.

(الثالث) ـ الظاهر انه لا خلاف أيضا في ان المعتبر في التحريم كون الثوب حريرا محضا كما دلت عليه صحيحتا محمد بن عبد الجبار واليه أشار بالمبهم في رواية يوسف بن محمد بن إبراهيم ، وعلى هذه الروايات يحمل ما أطلق من الاخبار وظاهر الأصحاب انه يحصل الحل بالامتزاج وان كان الخليط أقل بل ولو لم يكن إلا العشر كما نص عليه في المعتبر إلا ان يكون مستهلكا بحيث يصدق على الثوب انه حرير محض ، والى ذلك يشير قوله في صحيحة البزنطي : «والقز أكثر من النصف» المؤذن بغلبة القز على القطن الذي فيه ، وأظهر من ذلك موثقة إسماعيل بن الفضل عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (١) «في الثوب يكون فيه الحرير؟ فقال ان كان فيه خلط فلا بأس». وحينئذ فما ذكر في خبر الاحتجاج ونحوه من السدي أو اللحمة يمكن حمله على التمثيل كما يستفاد من ذكر المزج بالقطن والكتان فإنه لا ينحصر ذلك فيهما إجماعا بل كل ما تجوز الصلاة فيه من صوف ووبر ونحوهما مما يخرج به عن كونه حريرا محضا كما تشعر به عبارة كتاب الفقه.

ولو خيط الحرير بغيره من قطن ونحوه وان كثر لم يخرج عن التحريم ، وكذا لو جعل الثوب ملفقا من قطع حرير وغيره مما تجوز الصلاة فيه فإنه لا يخرج بذلك عما هو عليه من التحريم ، واولى من ذلك ما لو كانت بطانته أو ظهارته حريرا.

بقي الكلام في المحشو بالحرير فهل يكون كذلك في المنع أم تجوز الصلاة فيه؟ والى الثاني مال الشهيد في الذكرى ويظهر من شيخنا المجلسي في البحار الميل إليه أيضا. وبالأول قطع الفاضلان في المعتبر والمنتهى وهو الظاهر من الصدوق. ويدل على ما ذكره في الذكر الروايات الثلاث المتقدمة ، وحمل الصدوق في الفقيه القز هنا على قز الماعز والظاهر ان مراده شعره ، ولا يخفى ما فيه. وفي المعتبر نقل رواية الحسين بن سعيد التي

__________________

(١) الوسائل الباب ١٣ من لباس المصلي.

٩٣

هي إحدى الثلاث المتقدمة وردها بالضعف لاستناد الراوي الى ما وجده في كتاب لم يسمعه من محدث ثم نقل تأويل الصدوق المذكور. وفي المنتهى نقلها ايضا وأجاب عنها بما ذكره الصدوق ولم يطعن بالضعف لما فيه من الضعف كما لا يخفى. والكل بمحل من التمحل كما لا يخفى على المصنف. قال في الذكرى ـ بعد ذكر الكلام في المسألة ونقل تأويل الصدوق وجواب صاحب المعتبر ـ ما لفظه : قلت يضعف الأول بأنه خلاف الحقيقة الظاهرة ، والثاني بان إخبار الراوي بصيغة الجزم والمكاتبة المجزوم بها في قوة المشافهة ، مع ان الخاص مقدم على العام فلو قيل بالعمل برواية الحسين لم يكن بعيدا. ويؤيده ما ذكره الصدوق في الفقيه انه كتب إبراهيم بن مهزيار الى ابي محمد (عليه‌السلام) ثم ساق الخبر كما تقدم ثم قال أورده الصدوق بصيغة الجزم ايضا. انتهى. وهو جيد. وعلى هذا فيكون هذا الفرد مستثنى من كلية المنع من الصلاة في الحرير للأخبار المذكورة ، إلا ان ظاهر عبارتي المعتبر والمنتهى ـ حيث لم يسندا الخلاف إلا الى الشافعي وكذا ظاهر عبارة الذكرى حيث قال فلو قيل. إلخ ـ كون الحكم بالمنع إجماعيا وقوفا على عموم اخبار المنع من الصلاة في الحرير فيشكل الخروج عنه ، إلا ان إلغاء هذه الاخبار مع تأيدها بمطابقة القاعدة في تقديم الخاص على العام وتخصيصه به أشكل. وبالجملة فالمسألة لا تخلو من شوب الاشكال لما عرفت ولما سيأتي في المقام ايضا ان شاء الله تعالى.

(الرابع) ـ الظاهر انه لا خلاف في جواز لبس الحرير في غير الصلاة للنساء نقل الإجماع على ذلك الفاضلان والشهيدان وغيرهم ، وانما وقع الخلاف في الصلاة لهن فيه فذهب الأكثر إلى الجواز ونقل عن الصدوق المنع ، قال في الفقيه ، وقد وردت الاخبار بالنهي عن لبس الديباج والحرير والإبريسم المحض والصلاة فيه للرجال ووردت الرخصة في لبس ذلك للنساء ولم ترد بجواز صلاتهن فيه ، فالنهي عن الصلاة في الإبريسم المحض على العموم للرجال والنساء حتى يخصهن خبر بالإطلاق لهن في الصلاة فيه كما خصهن بلبسه. انتهى. وفي هذا الكلام عندي نظر لم أقف على من تعرض له وذلك من

٩٤

وجهين (أحدهما) ـ ان ظاهر كلامه انه انما استند في منع صلاة النساء في الحرير الى ان الرخصة إنما وردت لهن في لبسه ولم ترد بجواز صلاتهن فيه. ويرد عليه انه يكفي في صحة صلاتهن فيه العمومات الآمرة باللباس وستر العورة مطلقا خرج ما خرج بدليل وبقي ما بقي ، وحينئذ فيجوز لهن الصلاة فيه حتى يقوم دليل على المنع. و (ثانيهما) ان ما يؤذن به كلامه ـ من ان الاخبار الواردة بالنهي عن الصلاة في الحرير المحض شاملة بإطلاقها أو عمومها للرجال والنساء ـ محل منع ، فإن أكثر الاخبار انما اشتملت على السؤال عن الرجل فموردها الرجال خاصة ، وصحيحتا محمد بن عبد الجبار المتقدمتان وان دلتا بإطلاقهما على المنع من الصلاة في الحرير المحض إلا أنهما مبنيتان على سبب خاص وهو القلنسوة التي هي من لباس الرجال خاصة فيضعف الاستناد إليهما في ذلك بحمل إطلاقهما على ما يشمل النساء.

إذا عرفت ذلك فاعلم ان ظواهر الاخبار في المسألة لا تخلو من اختلاف ، ومنها موثقة ابن بكير عن بعض أصحابه عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (١) قال : «النساء تلبس الحرير والديباج إلا في الإحرام». وقضية الاستثناء جواز لبسهن له في الصلاة.

وقد تقدم في صدر المقام قوله (عليه‌السلام) في رواية أبي داود يوسف بن إبراهيم (٢) «وانما يكره المصمت من الإبريسم للرجال ولا يكره للنساء». إلا انه غير صريح في جواز الصلاة ، ونحوها رواية ليث المرادي في أمر الرسول (صلى‌الله‌عليه‌وآله) لأسامة بقسمة حلة الحرير بين نسائه.

ومنها ـ موثقة سماعة عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٣) قال : «لا ينبغي للمرأة ان تلبس الحرير المحض وهي محرمة فاما في الحر والبرد فلا بأس». وفيها اشعار ما بعدم لبسه في الصلاة.

وما رواه في الخصال بسنده عن جابر الجعفي (٤) قال سمعت أبا جعفر (عليه

__________________

(١ و ٢ و ٣ و ٤) الوسائل الباب ١٦ من لباس المصلي.

٩٥

السلام) يقول : «ليس على النساء أذان ، الى ان قال ويجوز للمرأة لبس الحرير والديباج في غير صلاة وإحرام وحرم ذلك على الرجال إلا في الجهاد ، ويجوز ان تتختم بالذهب وتصلي فيه وحرم ذلك على الرجال إلا في الجهاد».

والخبر ظاهر في ما ذهب اليه الصدوق. ورواية زرارة عن ابي جعفر (عليه‌السلام) (١) قال : «سمعته ينهى عن لباس الحرير للرجال والنساء إلا ما كان من حرير مخلوط ، الى ان قال وانما يكره الحرير المحض للرجال والنساء».

وهذه الرواية ان حملت على مجرد اللبس فهي معارضة بالأخبار المستفيضة والإجماع المدعى في جواز لبس النساء له في غير الصلاة فلا يتم تحريم لبسه عليهن كما في الرجال ، والأظهر حمل إطلاقها على الصلاة وحينئذ فتكون دالة على ما دلت عليه رواية جابر من التحريم في الصلاة فتكون مؤيدة لقول الصدوق ايضا ، فلو استدل الصدوق على ما ذهب اليه بهذه الروايات لكان وجها لا ما ذكره من التعليل العليل كما عرفت.

ومما يدل على ما ذهب اليه الصدوق ايضا ما يأتي في كتاب الحج ان شاء الله من تصريح الأصحاب والاخبار بأنه لا يجوز الإحرام إلا في ما تجوز الصلاة فيه مع تصريح جملة من الاخبار المعتمدة بأنه لا يجوز للمرأة الإحرام في الحرير وان اختلف الأصحاب والاخبار في ذلك ايضا ولكن الترجيح للروايات الدالة على المنع كما يأتي تحقيقه ان شاء الله تعالى ، وبه يظهر قوة قول الصدوق (قدس‌سره) هنا ، وغاية ما يفهم من موثقة ابن بكير المتقدمة هو الدلالة بالمفهوم وهو ضعيف في مقابلة ما قلنا من الاخبار في الموضعين.

واما حمل بعض مشايخنا لما دل من الاخبار هنا على مذهب الصدوق على الكراهة فلا اعرف له وجها مع عدم المعارض لها صريحا بل يؤيدها ما ذكرنا مما يأتي في كتاب الحج ان شاء الله تعالى.

__________________

(١) الوسائل الباب ١٣ من لباس المصلى.

٩٦

(الخامس) ـ اختلف الأصحاب في الصلاة في ما لا تتم فيه الصلاة منفردا من الحرير بمعنى ما لا يكون ساترا للعورة كالقلنسوة والتكة ونحوهما ، فالمشهور الجواز ونقل عن الشيخ المفيد والصدوق وابن الجنيد المنع ، والى هذا القول مال جملة من أفاضل متأخري المتأخرين : منهم ـ السيد السند في المدارك وشيخنا المجلسي في كتاب البحار والفاضل الخراساني في الذخيرة والمحدث الكاشاني في المفاتيح وقواه العلامة في المختلف وجعله الأقرب في المنتهى بعد الاستشكال في المسألة ، وبالغ الصدوق في الفقيه فقال : لا يجوز الصلاة في تكة رأسها من إبريسم.

ويدل على القول الأول رواية الحلبي المتقدمة في صدر هذا المقام (١) وعلى القول الثاني صحيحتا محمد بن عبد الجبار المتقدمتان (٢) ويؤيدهما عموم الأخبار المانعة من الصلاة في الحرير المحض وجمع الأصحاب بين الاخبار بحمل الصحيحتين المذكورتين على الاستحباب. وفيه (أولا) ان الجمع فرع التعارض كما صرحوا به في غير مقام والرواية المذكورة لضعفها لا تبلغ قوة في معارضة الصحيحتين المذكورتين سيما مع تأيدهما بما ذكرناه و (ثانيا) ما عرفت في هذا الجمع في غير مقام. و (ثالثا) انه كما يمكن الجمع بما ذكروه يمكن الجمع ايضا بحمل الرواية المذكورة على التقية فإن المنقول عن أبي حنيفة والشافعي واحمد في إحدى الروايتين جواز الصلاة في الحرير المحض (٣) وبالجملة فقوة القول الثاني ظاهرة وحمل الرواية المذكورة على التقية متعين.

بقي الكلام في مطلق الحرير مثل ما يخلط به الثوب أو يزر به أو يجعل علما فيه أو يكف به بان يجعل في رؤوس الأكمام والذيل وحول الزيق والجيب ، وظاهر كلام الصدوق كما تقدم المنع من جميع ذلك حيث منع من تكة رأسها من إبريسم ، واما كلام أكثر الأصحاب فهو صريح في الجواز :

فاما بالنسبة الى ما يكف به فاستدل عليه الفاضلان بما رواه العامة عن عمر (٤)

__________________

(١ و ٢) ص ٨٩.

(٣) المغني ج ١ ص ٥٨٧ و ٥٨٨.

(٤) المغني ج ١ ص ٥٨٨.

٩٧

«ان النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) نهى عن الحرير إلا في موضع إصبعين أو ثلاث أو أربع». ومن طريق الأصحاب بما رواه جراح المدائني عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (١) «انه كان يكره ان يلبس القميص المكفوف بالديباج».

وأنت خبير بان الاستدلال بهذه الرواية مبني على كون الكراهة في أخبارهم (عليهم‌السلام) بهذا المعنى المصطلح عليه ، وهو ليس بظاهر فان استعمالها في التحريم أكثر كثير فيها ، والحق كما حققناه في ما تقدم ان هذا اللفظ من الألفاظ المتشابهة التي لا تحمل على أحد المعنيين إلا مع القرينة ، على ان الرواية المذكورة معارضة بما دل على تحريم لبس الحرير مطلقا وعدم جواز الصلاة في حرير محض.

واما بالنسبة الى ما عدا ذلك فتدل عليه رواية يوسف بن إبراهيم عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٢) قال : «لا بأس بالثوب ان يكون سداه وزره وعلمه حريرا وانما كره الحرير المبهم للرجال». وهي كما ترى دالة على استثناء الزر والعلم ـ كسبب ـ ما يجعل في الثوب علامة كطراز وغيره نص عليه في المصباح المنير. ويعضد ذلك ما تقدم من الاخبار الدالة على جواز الصلاة في الثوب الذي حشوه قز.

والاحتياط في الاجتناب في الجميع لما يظهر من الصحيحتين المتقدمتين من النهى عن الصلاة في الحرير المحض وعمومهما شامل لهذه الأشياء المذكورة. وكون ذلك جوابا عن شي‌ء مخصوص لا يوجب التخصيص لما تقرر من ان خصوص السؤال لا يوجب تخصيص عموم الجواب بل الجواب باق على عمومه. مع احتمال حمل الأخبار المذكورة كملا على التقية ، ويؤيده ما ورد في موثقة عمار عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٣) قال : «سألته عن الثوب الذي يكون علمه ديباجا قال لا يصلى فيه». وهي ظاهرة في معارضة الرواية المذكورة بالنسبة إلى العلم ، وحملها في الذكرى على الكراهة. وفيه ما عرفت في

__________________

(١ و ٣) الوسائل الباب ١١ من لباس المصلي.

(٢) الوسائل الباب ١٣ من لباس المصلي.

٩٨

غير مقام ، على انه لا يخفى ان غاية ما تدل عليه الرواية الاولى هو نفي البأس عن الثوب الذي يكون سداه وزره وعلمه حريرا وهو مطلق فيمكن حمله على غير الصلاة ، ومورد الموثقة المذكورة النهي عن الصلاة في الثوب الذي يكون علمه ديباجا ، فيمكن الجمع بين الخبرين بتخصيص إطلاق الأول بالموثقة المذكورة ويكون المعنى فيه انه لا بأس في ما عدا الصلاة فلا منافاة. وبالجملة فالمسألة عندي محل توقف واشكال والاحتياط فيها مطلوب على كل حال.

(السادس) المشهور بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) جواز افتراش الحرير والقيام عليه ، وتردد فيه في المعتبر ونسب الجواز إلى الرواية إيذانا بالتوقف ، وأشار بالرواية الى ما رواه ثقة الإسلام والشيخ في الصحيح عن علي بن جعفر (١) قال : «سألت أبا الحسن (عليه‌السلام) عن الفراش الحرير ومثله من الديباج والمصلى الحرير هل يصلح للرجل النوم عليه والتكأة والصلاة عليه؟ قال يفترشه ويقوم عليه ولا يسجد عليه». قال في المعتبر بعد ذكر الرواية ، ومنشأ التردد عموم التحريم على الرجال. ورده في الذكرى بان الخاص مقدم على العام مع اشتهار الرواية. وقال في المدارك بعد نقل ذلك عن المعتبر : وهو ضعيف لأن النهي انما تعلق بلبسه ومنع اللبس لا يقتضي منع الافتراش لافتراقهما في المعنى. ثم قال وفي حكم الافتراش التوسد عليه والالتحاف به اما التدثر به فالأظهر تحريمه لصدق اسم اللبس عليه. انتهى. وقال في المختلف بعد ذكر الحكم المذكور : ومنع بعض المتأخرين من ذلك لعموم المنع من لبس الحرير. وليس بمعتمد لان منع اللبس لا يقتضي منع الافتراش لافتراقهما في المعنى. انتهى. أقول لا يبعد ان يكون كلام المختلف إشارة إلى منع صاحب المعتبر وان كان على جهة التردد حيث لم ينقل في ما وصل إلينا عن غيره. وبالجملة فالقول بما هو المشهور هو المعتمد للصحيحة المذكورة إلا انه قال (عليه‌السلام) في كتاب الفقه الرضوي (٢) ـ في تتمة العبارة المتقدم نقلها

__________________

(١) الوسائل الباب ١٥ من لباس المصلى.

(٢) ص ١٦.

٩٩

عنه في عداد الروايات المتقدمة في أول هذا المقام ـ ما صورته : «ولا تصل على شي‌ء من هذه الأشياء إلا ما يصلح لبسه». وظاهره تحريم افتراش هذه الأشياء حال الصلاة والقيام عليها وكذا غيرها من جلد الميتة والذهب المعدود ايضا بعد الأشياء المذكورة في عبارته والأحوط المنع وان كان الجواز أظهر لما عرفت ، واما ما رجحه في المدارك من تحريم التدثر به لما ذكره من صدق اللبس عليه فلا يخلو من بعد فان دعوى صدق اللبس عرفا على التدثر غير خال من النظر ولهذا ان جده (قدس‌سره) جعل التدثر كالافتراش في الجواز.

(السابع) ـ هل يحرم على الولي تمكين الصبي من لبس الحرير؟ المشهور العدم وبه صرح الفاضلان في المعتبر والمنتهى ، قال في المعتبر يحرم على الولي تمكين الصغير من لبس الحرير لقوله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) (١) : «حرام على ذكور أمتي» وقال جابر : «كنا ننزعه عن الصبيان ونتركه على الجواري» (٢) والأشبه عندي الكراهة لأن الصبي ليس بمكلف فلا يتناوله الخبر ، وما فعله جابر وغيره يحمل على التنزه والمبالغة في التورع. انتهى. وبنحوه صرح في المنتهى ومثلهما الشهيد في الذكرى بعد التردد ، ونقل في الذخيرة قولا بالتحريم استنادا الى ما تقدم. والظاهر ان الرواية الاولى لا دلالة فيها كما أشار إليه المحقق والثانية عامية ، وقضية الأصل العدم حتى يقوم الدليل.

(الثامن) ـ قد صرح غير واحد منهم بأنه لو لم يجد المصلي إلا الحرير ولا ضرر في التعري صلى عاريا عندنا لان وجوده كعدمه مع تحقق النهي عنه ، وجوزه العامة بل أوجبوه (٣) لأن ذلك من الضرورات. قالوا ولو وجد النجس والحرير واضطر إلى أحدهما لبرد ونحوه فالأقرب لبس النجس لأن مانعه عرضي. أقول : ويؤيده الأخبار الدالة على جواز الصلاة في الثوب النجس إذا لم يجد غيره وان لم يكن مضطرا الى لبسه وانه لا يصلي عاريا والحال كذلك (٤).

__________________

(١ و ٢) المغني ج ١ ص ٥٩١.

(٣) المغني ج ١ ص ٥٩٥.

(٤) ج ٥ ص ٣٥١.

١٠٠