الحدائق الناضرة - ج ٧

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]

الحدائق الناضرة - ج ٧

المؤلف:

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]


المحقق: محمّد تقي الإيرواني
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٥٦

وما رواه الصدوق والشيخ في الصحيح عن سليمان بن جعفر الجعفري (١) قال : «رأيت أبا الحسن الرضا (عليه‌السلام) يصلي في جبة خز».

وما رواه الصدوق في الصحيح عن علي بن مهزيار (٢) قال : «رأيت أبا جعفر (عليه‌السلام) يصلي الفريضة وغيرها في جبة خز طاروني ، وكساني جبة خز وذكر انه لبسها على بدنه وصلى فيها وأمرني بالصلاة فيها».

وما رواه الشيخ في الصحيح عن الحلبي (٣) قال : «سألته عن لبس الخز فقال لا بأس به ان علي بن الحسين (عليه‌السلام) كان يلبس الكساء الخز في الشتاء فإذا جاء الصيف باعه وتصدق بثمنه وكان يقول اني لأستحيي من ربي ان آكل ثمن ثوب قد عبدت الله فيه».

وما رواه الشيخ في الموثق عن معمر بن خلاد (٤) قال : «سألت أبا الحسن الرضا (عليه‌السلام) عن الصلاة في الخز فقال صل فيه».

وما رواه الكليني في الصحيح أو الحسن عن زرارة (٥) قال : «خرج أبو جعفر (عليه‌السلام) يصلي على بعض أطفاله وعليه جبة خز صفراء ومطرف خز اصفر».

وعن ابن ابي يعفور (٦) قال : «كنت عند ابي عبد الله (عليه‌السلام) إذ دخل عليه رجل من الخزازين فقال له جعلت فداك ما تقول في الصلاة في الخز؟ فقال لا بأس بالصلاة فيه. فقال له الرجل جعلت فداك انه ميت وهو علاجي وانا أعرفه؟ فقال له أبو عبد الله (عليه‌السلام) انا أعرف به منك. فقال له الرجل انه علاجي وليس أحد أعرف به مني؟ فتبسم أبو عبد الله (عليه‌السلام) ثم قال له أتقول انه دابة تخرج من الماء أو تصاد من الماء فتخرج فإذا فقدت الماء ماتت؟ فقال الرجل صدقت جعلت فداك هكذا هو. فقال له أبو عبد الله (عليه‌السلام) فإنك تقول انه دابة تمشي على اربع وليس

__________________

(١ و ٢ و ٤ و ٥ و ٦) الوسائل الباب ٨ من لباس المصلي.

(٣) رواه في الوسائل في الباب ١٠ من لباس المصلي.

٦١

هو على حد الحيتان فتكون ذكاته خروجه من الماء؟ فقال الرجل اي والله هكذا أقول فقال أبو عبد الله (عليه‌السلام) فان الله تعالى أحله وجعل ذكاته موته كما أحل الحيتان وجعل ذكاتها موتها».

ومما يدل على ان الجلد كالوبر في هذا الحكم ما رواه الكليني والشيخ في الصحيح عن سعد بن سعد (١) قال : «سألت الرضا (عليه‌السلام) عن جلود الخز فقال هو ذا نحن نلبس. فقلت ذاك الوبر جعلت فداك فقال إذا حل وبره حل جلده». واستدل على ذلك أيضا بالأصل مضافا الى الرواية المذكورة.

ويؤيده إطلاق الخز في موثقة معمر بن خلاد فإنه شامل للجلد والوبر ، ونحوه ما رواه الصدوق عن يحيى بن عمران (٢) انه قال : «كتبت الى ابى جعفر الثاني (عليه‌السلام) في السنجاب والفنك والخز وقلت جعلت فداك أحب ان لا تجيبني بالتقية في ذلك فكتب الي بخطه : صل فيها».

ويؤيده أيضا إطلاق صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج وأمثالها مما دل على جواز اللبس فإنه شامل لحال الصلاة وغيرها ، وعدم الاستفصال في مقام الاحتمال يدل على العموم كما ذكروه في غير مقام.

وظاهر الفاضل الخراساني هنا الطعن في الصحيحة المذكورة بأنها لا تصلح للاستدلال بها وانما تصلح للتأييد إذ ليس فيها تصريح بالصلاة. وفيه ان ظاهر تعليق حل الجلد على حل الوبر الشامل بإطلاقه للصلاة مع حل الصلاة في الوبر إجماعا نصا وفتوى هو حل الصلاة في الجلد ايضا ومن أجل ذلك استدل الأصحاب بالخبر المذكور إلا انه نقل شيخنا المجلسي (عطر الله مرقده) في كتاب البحار (٣) عن كتاب العلل لمحمد بن علي بن إبراهيم انه قال فيه : «قال رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله)

__________________

(١) الوسائل الباب ١٠ من لباس المصلي.

(٢) الوسائل الباب ٣ من لباس المصلى.

(٣) البحار ج ١٨ الصلاة ص ١٠١.

٦٢

لا يصلى في ثوب مما لا يؤكل لحمه ولا يشرب لبنه ، فهذه جملة كافية من قول رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) ولا يصلى في الخز ، والعلة في ان لا يصلى في الخز ان الخز من كلاب الماء وهي مسوخ إلا ان يصفي وينقى ، الى ان قال : وعلة ان لا يصلى في السنجاب والسمور والفنك قول رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) المتقدم». ثم قال شيخنا المشار اليه بعد نقل الخبر : لعل مراده عدم جواز الصلاة في جلد الخز بقرينة الاستثناء وقد تقدم القول في الجميع.

أقول : وفي الاعتماد على مثل هذا الخبر اشكال مضافا الى عدم ثبوت الاعتماد على الكتاب المذكور وان مصنفه في عداد معتمدي العلماء غير مشهور.

حجة القول الثاني العمومات الدالة على المنع من كل شي‌ء من ما لا يؤكل لحمه خرج الوبر بالنص والإجماع وبقي الجلد تحت عموم المنع. والجواب عنه ما عرفت من دلالة صحيحة سعد ابن سعد المذكورة على ذلك بالتقريب الذي ذكرناه مع تأيدها بالأخبار المذكورة. إلا ان المسألة بعد لا تخلو من شوب الاشكال سيما مع ما عرفت من كتاب العلل لمحمد بن علي بن إبراهيم.

بقي الكلام في ما لو خالط وبر الخز وبر غيره مما لا يجوز الصلاة فيه والمشهور كما عرفت المنع من الصلاة فيه.

ويدل عليه ما رواه في الكافي عن العدة عن احمد بن محمد رفعه عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (١) «في الخز الخالص انه لا بأس به فاما الذي يخلط فيه وبر الأرانب أو غير ذلك مما يشبه هذا فلا تصل فيه». وقد تقدم في عبارة كتاب الفقه الرضوي «وصل في الخز إذا لم يكن مغشوشا بوبر الأرانب».

وروى الصدوق في كتاب العلل في الصحيح عن أيوب بن نوح رفعه (٢) قال «قال أبو عبد الله (عليه‌السلام) الصلاة في الخز الخالص ليس به بأس واما الذي يخلط فيه الأرانب أو غيرها مما يشبه هذا فلا تصل فيه».

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ٩ من لباس المصلي.

٦٣

وقد ورد ما يدل على خلاف ما دلت عليه هذه الاخبار وهو ما رواه الشيخ في التهذيب عن داود الصرمي عن بشر بن يسار (١) قال : «سألته عن الصلاة في الخز يغش بوبر الأرانب فكتب يجوز ذلك». ورواه الشيخ في موضع آخر وكذلك الصدوق في الفقيه عن داود الصرمي (٢) قال : «سأل رجل أبا الحسن الثالث. الحديث». ونسبه الشيخ في التهذيبين الى الشذوذ واختلاف اللفظ في السائل والمسؤول ثم حمله على التقية. وما ذكره من الحمل على التقية جيد.

وقال المحقق في المعتبر : اما المغشوش بوبر الأرانب والثعالب ففيه روايتان إحداهما رواية محمد بن يعقوب ثم ساق مرفوعة أحمد ورواية أيوب بن نوح ، والثانية رواية داود الصرمي ثم ذكرها ، ثم قال والوجه ترجيح الروايتين الأوليين وان كانتا مقطوعتين لاشتهار العمل بهما بين الأصحاب ودعوى أكثرهم الإجماع على مضمونهما. انتهى. أقول : ويزيدهما تأييدا عبارة كتاب الفقه الرضوي المذكورة ، وبه يظهر قوة القول المشهور وان الأظهر حمل الرواية المنافية على التقية.

وقال الصدوق في الفقيه : هذه رخصة الآخذ بها مأجور ورادها مأثوم والأصل ما ذكره أبي في رسالته الي : وصل في الخز ما لم يكن مغشوشا بوبر الأرانب. أقول : بل الأقرب حملها على التقية كما ذكرنا وسيأتي في المقام ما يوضحه.

إلا انه روى الطبرسي في كتاب الاحتجاج مما كتبه محمد بن عبد الله بن جعفر الحميري إلى الناحية المقدسة (٣) : روى عن صاحب العسكر (عليه‌السلام) انه سئل عن الصلاة في الخز الذي يغش بوبر الأرانب فوقع : يجوز. وروى عنه ايضا انه لا يجوز فأي الأمرين نعمل به؟ فأجاب (عليه‌السلام) انما حرم في هذه الأوبار والجلود فأما الأوبار وحدها فحلال «وفي نسخة فكلها حلال». وقد سئل بعض العلماء عن معنى

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ٩ من لباس المصلي.

(٣) الوسائل الباب ١٠ من لباس المصلى.

٦٤

قول الصادق (عليه‌السلام): لا يصلى في الثعلب ولا الثوب الذي يليه فقال انما عنى الجلود دون غيره.

قال شيخنا المجلسي (قدس‌سره) في كتاب البحار بعد نقل الخبر المذكور : ما ذكر في الخبر من الفرق بين الجلد والوبر خلاف ما يعهد في كلام الأصحاب (رضوان الله عليهم) وذكروا اتفاق الأصحاب على عدم جواز الصلاة في جلد ما لا يؤكل لحمه وشعره ووبره عدا ما استثنى مما سيذكر. انتهى. أقول : بل خلاف ما دلت عليه الأخبار ايضا كما تقدم شطر منها في أول هذا المقام. وبالجملة فإن الرواية المذكورة غريبة مرجوعة إلى قائلها عجل الله فرجه.

فائدة

اعلم انه قد اختلف كلام العلماء في الخز فقال الشيخ الزاهد العابد الشيخ فخر الدين بن طريح النجفي (قدس‌سره) في كتاب مجمع البحرين : الخز بتشديد الزاي دابة من دواب الماء تمشي على اربع تشبه الثعلب ترعى في البر وتنزل البحر لها وبر يعمل منه الثياب تعيش في الماء ولا تعيش في خارجه وليس على حد الحيتان وذكاتها إخراجها من الماء حية ، قيل وقد كانت في أول الإسلام إلى وسطه كثيرة جدا. انتهى. وقال المحقق في المعتبر : والخز دابة بحرية ذات اربع تصاد من الماء وتموت بفقده ، قال أبو عبد الله (عليه‌السلام) «ان الله أحله وجعل ذكاته موته كما أحل الحيتان وجعل ذكاتها موتها» كذا روى محمد بن سليمان الديلمي عن قريب عن ابن ابي يعفور عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (١). وعندي في هذه الرواية توقف لضعف محمد بن سليمان ومخالفتها لما اتفقوا عليه من انه لا يؤكل من حيوان البحر إلا السمك ولا من السمك إلا ما له فلس وحدثني جماعة من التجار انها القندس ولم أتحققه وقال شيخنا الشهيد في الذكرى بعد نقل ما ذكره المحقق من التوقف : قلت مضمونها مشهور بين الأصحاب فلا يضر ضعف

__________________

(١) ص ٦١.

٦٥

الطريق ، والحكم بحله جاز ان يستند الى حل استعماله في الصلاة وان لم يذك كما أحل الحيتان بخروجها من الماء حية فهو تشبيه للحل بالحل لا في جنس الحلال ، ثم قال قلت لعله ما يسمى في زماننا بمصر وبر السمك وهو مشهور هناك ، ومن الناس من يزعم انه كلب الماء وعلى هذا يشكل ذكاته بدون الذبح لان الظاهر انه ذو نفس سائلة. والله اعلم. انتهى

أقول : والذي وقفت عليه من الروايات المتعلقة بذلك زيادة على ما تقدم في صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج ورواية ابن ابي يعفور المتقدمين ما رواه في التهذيب في باب المطاعم والمشارب عن محمد بن احمد عن احمد بن حمزة القمي عن محمد بن خلف عن محمد بن سنان عن عبد الله ابن سنان عن ابي يعفور (١) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن أكل لحم الخز قال كلب الماء ان كان له ناب فلا تقربه وإلا فاقربه». وقال أحمد حدثني محمد بن علي القرشي عن الحسن بن احمد عن ابن بكير عن حمران بن أعين (٢) قال : «سألت أبا جعفر (عليه‌السلام) عن الخز فقال سبع يرعى في البر ويأوي الماء».

وروى في التهذيب ايضا عن محمد بن احمد عن احمد بن حمزة عن زكريا بن آدم (٣) قال : «سألت أبا الحسن (عليه‌السلام) فقلت ان أصحابنا يصطادون الخز فآكل من لحمه قال فقال ان كان له ناب فلا تأكله ثم مكث ساعة فلما هممت بالقيام قال اما أنت فإني أكره لك اكله فلا تأكله».

ويستفاد من مجموع أخبار المسألة بضم بعضها الى بعض أمور : (الأول) ـ ان الخز دابة تمشي على اربع وانه كلب الماء كما نقل في الذكرى عن بعض الناس ، وقد وقع التصريح بكونه كلب الماء في صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج وهو وان كان في كلام السائل إلا ان الامام (عليه‌السلام) أقرّه عليه ، وفي رواية ابن ابي يعفور الثانية وقريب منها رواية حمران الدالة على انه سبع.

(الثاني) ـ ان منه ما له ناب ومنه ما لا ناب له وان الثاني يحل أكل لحمه كما صرحت

__________________

(١ و ٢ و ٣) الوسائل الباب ٣٩ من الأطعمة المحرمة.

٦٦

به رواية ابن ابي يعفور الثانية ورواية زكريا بن آدم دون الأول وهو ظاهر رواية ابن ابي يعفور الاولى ، وحينئذ فلا يلتفت الى استبعاد صاحب المعتبر ولا الى جواب صاحب الذكرى لاختصاص ما ذكراه بالبحري المحض كالسمك وهذا ليس كذلك كما عرفت وما اشتمل عليه خبر حمران من انه سبع يحمل على ذي الناب منه.

(الثالث) ـ انه بري بحري يرعى في البر ويأوي إلى البحر كما ذكره في كتاب مجمع البحرين وعليه دلت رواية حمران بن أعين ، وانه لو أخذ ومنع من البحر مات وان ذكاته موته في البر كما صرحت به رواية ابن ابي يعفور الاولى وهو ظاهر صحيحة عبد الرحمن وحكمه في ذلك حكم الحيتان ، ومن هنا ينقدح الإشكال الذي أشار إليه في الذكرى إذ الظاهر من كونه كلب الماء وانه على اربع قوائم يرعى في البر وانه سبع وذو ناب انه ذو نفس سائلة وان ذكاته انما هي بالذبح مع انه (عليه‌السلام) جعل حكمه حكم الحيتان في كون ذكاته بالموت خارج الماء ، وحينئذ فيجب القول باستثنائه من القاعدة المذكورة كما انه يجب استثناؤه من قاعدة تخصيص حل ما كان في البحر بما كان له فلس من السمك ، فان هذه الاخبار دلت على خروجه من القاعدتين المذكورتين بالنسبة الى ما لا ناب له منهما ، وقد حكم (عليه‌السلام) بالحل والذكاة كذلك في رواية عبد الله ابن ابي يعفور الاولى وبالثاني في صحيحة عبد الرحمن حيث ان ظاهرها نفى البأس عن الصلاة في جلده ، وبذلك يظهر ضعف ما نقله في المعتبر عن جماعة من التجار وكذلك ما ذكره في الذكرى مما يسمى في زمانه بوبر السمك ، ومن المحتمل قريبا حدوث هذه الأسماء لهذه الأشياء.

قال شيخنا المجلسي (قدس‌سره) في كتاب البحار بعد كلام في المقام : إذا عرفت هذا فاعلم ان في جواز الصلاة في الجلد المشهور في هذا الزمان بالخز وشعره ووبره اشكالا للشك في انه هل هو الخز المحكوم عليه بالجواز في عصر الأئمة (عليهم‌السلام) أم لا بل الظاهر انه غيره لانه يظهر من الاخبار انه مثل السمك يموت بخروجه من

٦٧

الماء وذكاته إخراجه منه ، والمعروف بين التجار ان الخز المعروف الآن دابة تعيش في البر ولا تموت بالخروج من الماء ، الا ان يقال انهما صنفان بري وبحري وكلاهما يجوز الصلاة فيه وهو بعيد. ويشكل التمسك بعدم النقل واتصال العرف من زماننا الى زمانهم (عليهم‌السلام) إذ اتصال العرف غير معلوم إذ وقع الخلاف في حقيقته في أعصار علمائنا السالفين ايضا ، وكون أصل عدم النقل في مثل ذلك حجة في محل المنع ، فالاحتياط في عدم الصلاة فيه. انتهى. وهو جيد إلا ان قوله «مثل السمك يموت بخروجه من الماء» ليس كذلك إذ الظاهر منها انه يرعى في البر وانه لا يموت بمجرد الخروج كالسمك وانما يموت بحبسه عن الماء وعدم رجوعه اليه كما قدمنا ذكره. والله العالم.

(المسألة الثالثة) ـ اختلف الأصحاب (رضوان الله عليهم) في جواز الصلاة في جلد السنجاب ووبره ، فذهب الشيخ في المبسوط وكتاب الصلاة من النهاية وأكثر المتأخرين إلى الجواز حتى قال في المبسوط : اما السنجاب والحواصل فلا خلاف في انه يجوز الصلاة فيهما. ونسبه في المنتهى الى الأكثر. وذهب الشيخ في الخلاف وفي كتاب الأطعمة والأشربة من النهاية إلى المنع واختاره ابن البراج وابن إدريس وهو ظاهر ابن الجنيد والمرتضى وابي الصلاح بل ظاهر ابن زهرة نقل الإجماع عليه واختاره في المختلف ونسبه الشهيد الثاني إلى الأكثر. وذهب ابن حمزة إلى الكراهة. وقال الصدوق في الفقيه وقال ابي في رسالته الي : لا بأس بالصلاة في شعر ووبر كل ما أكل لحمه وان كان عليك غيره من سنجاب أو سمور أو فنك وأردت الصلاة فيه فانزعه وقد روى فيه رخصة. انتهى.

ومنشأ الخلاف في المقام اختلاف اخبارهم (عليهم‌السلام) واختلاف الانظار في الجمع بينها والافهام :

ومما يدل على القول بالجواز ما تقدم في المسألة السابقة من رواية علي بن أبي حمزة وصحيحة ابي علي بن راشد ورواية مقاتل بن مقاتل.

٦٨

وما رواه في التهذيب في الصحيح عن الحلبي عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (١) قال : «سألته عن الفراء والسمور والسنجاب والثعالب وأشباهه؟ قال لا بأس بالصلاة فيه».

وعن الوليد بن ابان (٢) قال : «قلت للرضا (عليه‌السلام) أصلي في الفنك والسنجاب؟ قال نعم. فقلت نصلي في الثعالب إذا كانت ذكية؟ قال لا تصل فيها».

وعن بشر بن يسار (٣) قال : «سألته عن الصلاة في الفنك والفراء والسنجاب والسمور والحواصل التي تصاد ببلاد الشرك أو بلاد الإسلام أصلي فيها لغير تقية؟ قال فقال صل في السنجاب والحواصل الخوارزمية ولا تصل في الثعالب ولا السمور».

وروى الصدوق بسنده عن يحيى بن عمران (٤) انه قال : «كتبت الى ابي جعفر الثاني (عليه‌السلام) في السنجاب والفنك والخز وقلت جعلت فداك أحب ان لا تجيبني بالتقية في ذلك فكتب بخطه الي صل فيها».

وروى الحميري في كتاب قرب الاسناد عن عبد الله بن الحسن عن جده علي ابن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر (عليه‌السلام) (٥) قال : «سألته عن لبس السمور والسنجاب والفنك فقال لا يلبس ولا يصلى فيه إلا ان يكون ذكيا».

ويؤيد ذلك إطلاق الاخبار الدالة على جواز لبسه وهي كثيرة.

واما ما يدل على المنع فجملة أخرى من الاخبار الدالة على المنع من الصلاة في ما لا يؤكل لحمه وعلى الخصوص ما تقدم من موثقة عبد الله بن بكير المشتملة على المنع من السنجاب خصوصا ومن جميع ما لا يؤكل لحمه على أبلغ وجه ، وكلامه (عليه‌السلام)

__________________

(١ و ٥) الوسائل الباب ٤ من لباس المصلي.

(٢) الوسائل الباب ٣ و ٧ من لباس المصلي.

(٣) الوسائل الباب ٣ من لباس المصلى. وفي بعض النسخ «بشير بن يسار» وفي بعضها «بشير بن بشار».

(٤) الوسائل الباب ٣ من لباس المصلى. وفي الفقيه المطبوع «يحيى بن ابى عمران».

٦٩

في كتاب الفقه الرضوي وهو عين ما نقله الصدوق عن رسالة أبيه إليه بتغيير ما.

والمحقق في المعتبر حيث اختار القول بالجواز كما هو المشهور أجاب عن خبر ابن بكير بان خبر ابي على بن راشد خاص والخاص مقدم على العام ، وبان ابن بكير مطعون فيه وليس كذلك أبو علي بن راشد. ورد الأول بأن رواية ابن بكير وان كانت عامة إلا ان ابتناءها على السبب الخاص وهو السنجاب وما ذكر معه يجعلها كالنص في المسؤول عنه. والثاني بأن ابن بكير وان كان فطحيا لكنه من الشهرة والجلالة بمكان حتى قال الكشي انه ممن أجمعت العصابة على تصحيح ما يصح عنه وأقروا له بالفقه واما أبو علي بن راشد فلم يذكره النجاشي ولا الشيخ في الفهرست نعم ذكره في كتاب الرجال ووثقه وترجيحه على ابن بكير محل نظر.

أقول : والحق هو حصول التعارض بين الأدلة المذكورة فلا بد من الجمع بينها ، ويمكن الجمع بأحد وجهين : اما حمل الأخبار الدالة على الجواز على التقية لموافقته أقوال العامة (١) واما حمل خبر المنع على الكراهة. ورجح الثاني بكثرة الأدلة الدالة على الجواز كما تقدم ومطابقة الأصل وان الحمل على التقية لا يخلو من اشكال ، فإن مذهب العامة جواز الصلاة في جلود ما لا يؤكل لحمه مطلقا والروايات الدالة على الجواز قد اشتملت على الجواز في السنجاب مع نفي ذلك عن غيره من السمور والثعالب وأمثالهما. ومن هذا الكلام يظهر قوة القول بالكراهة كما تقدم نقله عن ابن حمزة ، وهو ظاهر الصدوق في كتاب المجالس حيث قال : ولا بأس بالصلاة في شعر ووبر كل ما أكل لحمه ، وما لا يؤكل لحمه فلا يجوز الصلاة في شعره ووبره إلا ما خصته الرخصة وهي الصلاة في السنجاب والسمور والفنك والخز ، والاولى ان لا يصلى فيها ومن صلى فيها جازت صلاته. وقال في المقنع : لا بأس بالصلاة في السنجاب والسمور والفنك لما روى في ذلك من الرخص. والى ذلك يشير كلامه (عليه‌السلام) في كتاب الفقه الرضوي المتقدم

__________________

(١) حياة الحيوان ج ٢ ص ٤١ والمغني ج ٨ ص ٥٩٢.

٧٠

حيث انه بعد ان منع من الصلاة في السنجاب والفنك والسمور قال : «واروي فيه رخصة» ونحو ذلك عبارة الشيخ في الخلاف وسلار على ما نقله في المختلف فإنهما بعد ان ذكرا المنع مما لا يؤكل لحمه قالا ورويت رخصة في الصلاة في السنجاب والفنك والسمور. وظاهرهم جواز الصلاة في هذه الثلاثة على كراهة جمعا بين أخبار المسألة.

وقد روى ابن إدريس في مستطرفات السرائر من كتاب مسائل الرجال لمولانا الهادي (عليه‌السلام) لمحمد بن علي بن عيسى من طريق احمد بن محمد بن عياش الجوهري وعبد الله بن جعفر الحميري عن محمد بن احمد بن محمد بن زياد وموسى بن محمد عن محمد بن علي بن عيسى (١) قال : «كتبت الى الشيخ أعزه الله وأيده أسأله عن الصلاة في الوبر أي أصنافه أصلح؟ فأجاب لا أحب الصلاة في شي‌ء منه. قال فرددت الجواب انا مع قوم في تقية وبلادنا بلاد لا يمكن أحدا أن يسافر فيها بلا وبر ولا يأمن على نفسه ان هو نزع وبره وليس يمكن الناس كلهم ما يمكن الأئمة (عليهم‌السلام) فما الذي ترى ان نعمل به في هذا الباب؟ قال فرجع الجواب الى : تلبس الفنك والسمور».

أقول : ومن هذه الرواية يمكن استنباط وجه جمع بين أخبار المسألة بإبقاء ما دل على المنع من الصلاة في غير المأكول على عمومه وحمل الرخصة الواردة في الثلاثة المتقدمة على أولوية هذه الثلاثة في مقام الضرورة والتقية ، وبه يندفع الاشكال المتقدم عن الحمل على التقية من حيث تضمن الأخبار للجواز في هذه الثلاثة مع المنع عن غيرها فإنه لا منافاة فيه من حيث الضرورة إلى لبس ما كان كذلك واندفاع التقية بأحد هذه الثلاثة. بقي الكلام في وجه الخصوصية لاختيار هذه الثلاثة وهو موكول إليهم (عليهم‌السلام).

ومما يعضد الحمل على التقية ما قدمناه في مقدمات الكتاب من ان الحمل على ذلك لا يختص بوجود قائل من العامة بل انهم (عليهم‌السلام) يقصدون إيقاع الاختلاف بين الشيعة لينزلوا من نظر العامة ويكذبوهم في النقل عن أئمتهم (عليهم‌السلام) ولا يعبأوا

__________________

(١) الوسائل الباب ٤ من لباس المصلى.

٧١

بمذهبهم كما قدمنا تحقيقه ، وأنت إذا تأملت في اخبار هذه المسألة وجدتها كذلك ، فإنهم (عليهم‌السلام) تارة يفتون الشيعة بالحق وهو المنع من الصلاة في ما لا يؤكل لحمه بأتم تأكيد كما اشتملت عليه موثقة ابن بكير ونحوها وان لم يكن مثلها في التأكيد ، وتارة يفتونهم بجواز الصلاة في الجميع كصحيحة علي بن يقطين ، وتارة يخصصون الجواز بأفراد مخصوصة ، فمنها ـ ما اشتمل على استثناء السنجاب خاصة كرواية مقاتل بن مقاتل ، ومنها ـ ما أضيف إليه فيها الفنك كرواية ابي علي بن راشد ورواية الوليد بن أبان ، ومنها ـ ما أضيف إليه الحواصل الخوارزمية خاصة كرواية بشر بن يسار ، ومنها ـ ما دل على الجواز في الجميع إلا الثعالب كصحيحة الريان بن الصلت (١) قال : «سألت أبا الحسن الرضا (عليه‌السلام) عن لبس الفراء والسمور والسنجاب والحواصل وما أشبهها والمناطق والكيمخت والمحشو بالقز والخفاف من أصناف الجلود؟ فقال لا بأس بهذا كله إلا الثعالب». فانظر الى هذا الاختلاف العظيم فهل له وجه غير ما ذكرناه؟

ويؤيد ذلك ايضا ما قدمناه في غير مقام من ان حمل النهي الذي هو حقيقة في التحريم على الكراهة في تلك الأخبار الدالة على النهي مجاز لا يصار اليه إلا مع القرينة ، واختلاف الاخبار ليس من قرائن المجاز لجواز الجمع بوجه آخر وان اشتهر بينهم الجمع بين الأخبار بذلك ، على انه لو سلم فلا يجري في موثقة ابن بكير التي هي عمدة أخبار المسألة لوقوع النهي فيها على أبلغ وجه كما لا يخفى. وبالجملة فالمسألة غير خالية من شوب الاشكال والاحتياط في أمثال ذلك مما لا ينبغي تركه.

هذا ، وقد صرح جمع من الأصحاب (رضوان الله عليهم) بأنه انما تجوز الصلاة فيه بناء على القول بالجواز مع تذكيته لانه ذو نفس سائلة قطعا ، قال في الذكرى : قد اشتهر بين التجار والمسافرين انه غير مذكى ولا عبرة بذلك حملا لتصرف المسلمين على

__________________

(١) الوسائل الباب ٥ من لباس المصلى.

٧٢

ما هو الأغلب ، وأيده بعضهم بان متعلق الشهادة إذا كان غير محصور فلا يسمع نعم لو علم بذلك حرم.

فائدة

روى في التهذيب (١) عن أبي حمزة الثمالي قال : «سأل أبو خالد الكابلي علي بن الحسين (عليه‌السلام) عن أكل لحم السنجاب والفنك والصلاة فيهما؟ قال أبو خالد ان السنجاب يأوي الأشجار قال فقال له ان كان له سبلة كسبلة السنور والفأرة فلا يؤكل لحمه ولا تجوز الصلاة فيه ، ثم قال اما انا فلا آكله ولا احرمه». وفي اللغة السبلة بالتحريك الشارب (٢) ومفهوم هذا الخبر ان ما ليس له سبلة فهو حلال اكله وتجوز الصلاة فيه ، ويؤيده قوله : «اما انا فلا آكله ولا احرمه» بحمل كلامه على ما ليس له سبلة بمعنى انه حلال على كراهية وتجوز الصلاة فيه. والحديث غريب والحكم به مشكل إذ لا أعرف قائلا به بل الظاهر الاتفاق على تحريمه مطلقا وان استثنى جواز الصلاة في جلده ووبره على القول بذلك.

والسنجاب ـ على ما ذكره في كتاب مجمع البحرين ـ حيوان على حد اليربوع أكبر من الفأرة شعره في غاية النعومة يتخذ من جلده الفراء يلبسه المتنعمون وهو شديد الختل إن أبصر الإنسان صعد الشجرة العالية وهو كثير في بلاد الصقالبة وأحسن جلوده الأزرق الأملس. وقال في كتاب المصباح المنير : السمور كتنور دابة معروفة يتخذ من جلدها فراء مثمنة تكون في بلاد الترك تشبه النمس ومنه اسود لامع وأشقر ، وحكي لي بعض الناس ان

__________________

(١) ج ٢ ص ٢٩٥ وفي الوسائل الباب ٤١ من الأطعمة المحرمة. وفي ما وقفنا عليه من نسخ الحدائق المطبوعة والمخطوطة (الكافي) بدل (التهذيب) ولم نجده في الكافي في مظانه وصاحب الوسائل لم يروه الا عن التهذيب كما في الوافي ج ١١ ص ١٥.

(٢) في مجمع البحرين مادة (سبل) : وفي حديث السنجاب إذا كان له سنبلة كسنبلة السنور والفأرة.

٧٣

أهل تلك الناحية يصيدون الصغار منها فيخصون الذكر ويتركونه يرعى فإذا كان أيام الثلج خرجوا للصيد فما كان مخصيا استلقى على قفاه فأدركوه وقد سمن وحسن شعره. وقال في كتاب المجمع : الفنك كعسل دويبة برية غير مأكولة اللحم يؤخذ منها الفرو يقال ان فروها أطيب من جميع أنواع الفراء يجلب كثيرا من بلاد الصقالبة وهو أبرد من السمور واعدل وأحر من السنجاب صالح لجميع الأمزجة المعتدلة. وقال في كتاب حياة الحيوان الحواصل جمع حوصل وهو طير كبير له حوصلة عظيمة يتخذ منها الفرو ، قيل وهذا الطائر يكون بمصر كثيرا.

(المسألة الرابعة) ـ قد اختلف الاخبار في الثعالب والأرانب ، وقد تقدم في موثقة ابن بكير المنع من الثعالب بخصوصه مع المنع من كل ما لا يؤكل لحمه ، وصحيحة ابي علي بن راشد وفيها نهى عن الثعالب وعن الثوب الذي يليه ، ورواية مقاتل بن مقاتل وفيها أيضا النهي عن الثعالب ، وعبارة الفقه الرضوي فيها «إياك ان تصلي في الثعالب ولا في ثوب تحته جلد ثعالب» وهذه الروايات كلها قد تقدمت في صدر المقام ومنها ـ أيضا رواية الوليد بن ابان وفيها النهي عن الثعالب وان كانت ذكية ، ورواية بشر بن يسار وفيها «لا تصل في الثعالب» وقد تقدمتا في المسألة الثانية.

ويدل على المنع أيضا صحيحة محمد بن مسلم (١) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن جلود الثعالب أيصلى فيها؟ قال ما أحب ان أصلي فيها». ورواية جعفر بن محمد بن ابي زيد (٢) قال : «سئل الرضا (عليه‌السلام) عن جلود الثعالب الذكية؟ قال لا تصل فيها».

ويدل على ذلك ما رواه علي بن جعفر في كتابه عن أخيه موسى (عليه‌السلام) (٣) قال : «سألته عن الرجل يلبس فراء الثعالب والسنانير؟ قال لا بأس ولا يصلي فيه».

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ٧ من لباس المصلي.

(٣) مستدرك الوسائل الباب ٧ من لباس المصلى.

٧٤

ويدل على ذلك أيضا صحيحة علي بن مهزيار (١) «عن رجل سأل الماضي (عليه‌السلام) عن الصلاة في جلود الثعالب فنهى عن الصلاة فيها وفي الثوب الذي يليها فلم أدر أي الثوبين الذي يلصق بالوبر أو الذي يلصق بالجلد؟ فوقع بخطه (عليه‌السلام) الثوب الذي يلصق بالجلد. قال وذكر أبو الحسن (عليه‌السلام) انه سأله عن هذه المسألة فقال لا تصل في الثوب الذي فوقه ولا في الثوب الذي تحته». هذا بالنسبة إلى الثعالب.

واما بالنسبة إلى الأرانب فمما يدل على ذلك صحيحة علي بن مهزيار (٢) قال : «كتب إليه إبراهيم بن عقبة : عندنا جوارب وتكك تعمل من وبر الأرانب فهل تجوز الصلاة في وبر الأرانب من غير ضرورة ولا تقية؟ فكتب لا تجوز الصلاة فيها».

ورواية أحمد بن إسحاق الأبهري (٣) قال : «كتبت اليه : جعلت فداك عندنا جوراب. الحديث المتقدم».

ورواية سفيان بن السمط (٤) قال : «قرأت في كتاب محمد بن إبراهيم الى ابي الحسن (عليه‌السلام) يسأله عن الفنك يصلى فيه؟ قال لا بأس. وكتب يسأله عن جلود الأرانب فقال مكروه».

ورواية محمد بن إبراهيم (٥) قال : «كتبت إليه أسأله عن الصلاة في جلود الأرانب فكتب مكروهة».

ويعضد ذلك ما دل على المنع من الصلاة في ما لا يؤكل لحمه مطلقا وما دل على النهي عن وبر الخز إذا كان مغشوشا بوبر الأرانب والثعالب وقد تقدم الجميع ، هذا ما وقفت عليه من الاخبار الدالة على المنع.

وبإزائها من الأخبار ما يدل على الجواز ، ومن ذلك صحيحة الحلبي المتقدمة في سابق هذه المسألة ، وصحيحة علي بن يقطين (٦) قال : «سألت أبا الحسن (عليه

__________________

(١ و ٢ و ٣ و ٥) الوسائل الباب ٧ من لباس المصلي.

(٤) الوسائل الباب ٤ من لباس المصلي.

(٦) الوسائل الباب ٥ من لباس المصلى.

٧٥

السلام) عن لباس الفراء والسمور والفنك والثعالب وجميع الجلود؟ قال لا بأس بذلك».

وصحيحة جميل عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (١) قال : «سألته عن الصلاة في جلود الثعالب فقال إذا كانت ذكية فلا بأس».

وصحيحة محمد بن عبد الجبار (٢) قال : «كتبت الى ابي محمد (عليه‌السلام) اسأله هل يصلى في قلنسوة عليها وبر ما لا يؤكل لحمه أو تكة حرير أو تكة من وبر الأرانب؟

فكتب لا تحل الصلاة في حرير محض وان كان الوبر ذكيا حلت الصلاة فيه ان شاء الله».

ورواية الحسين بن شهاب (٣) قال : «سألته عن جلود الثعالب إذا كانت ذكية أيصلى فيها؟ قال نعم».

ورواية عبد الرحمن بن الحجاج (٤) قال : «سألته عن اللحاف من الثعالب أو الجرز منه أيصلى فيها أم لا؟ قال إذا كان ذكيا فلا بأس به». قال في الوافي : هكذا في نسخ التهذيب التي رأيناها ، قيل الجرز بكسر الجيم وتقديم المهملة على المعجمة من لباس النساء وفي الاستبصار «أو الخوارزمية» وكأنها الصحيح فيكون المراد بها الحواصل. انتهى ، وما استصحه هو الصحيح لما علم من حال الشيخ في التهذيب وما وقع له فيه من التحريف والتصحيف مما لا يعد ولا يحصى.

إذا عرفت ذلك فالظاهر من تتبع كلام الأصحاب انه لا قائل بهذه الأخبار الأخيرة إلا ما يظهر من المحقق في المعتبر ونحوه السيد السند في المدارك ، قال في المعتبر واعلم ان المشهور في فتوى الأصحاب المنع في ما عدا السنجاب ووبر الخز والعمل به احتياط في الدين ، ثم قال بعد ان أورد روايتي الحلبي وعلي بن يقطين المتقدمتين : وطريق هذين الخبرين أقوى من تلك الطرق ولو عمل بهما عامل جاز وعلى الأول عمل الظاهرين من الأصحاب منضما الى الاحتياط للعبادة. وقال في المدارك ـ بعد ذكر

__________________

(١ و ٢ و ٤) الوسائل الباب ٧ من لباس المصلي.

(٣) الوسائل الباب ٧ من لباس المصلي.

٧٦

المسألة والاستدلال على الجواز بصحيحتي علي بن يقطين والحلبي وصحيحة جميل ونقل كلام المحقق في المعتبر ما صورته : والمسألة قوية الإشكال من حيث صحة اخبار الجواز واستفاضتها واشتهار القول بالمنع بين الأصحاب بل إجماعهم عليه بحسب الظاهر وان كان ما ذكره في المعتبر لا يخلو من قرب. انتهى.

أقول : لما كان نظر المتصلبين من أصحاب هذا الاصطلاح الذي هو الى الفساد أقرب منه الى الصلاح انما هو الى الأسانيد من غير تأمل في متون الاخبار وكونها موافقة للقواعد الشرعية أم لا وموافقة لفتاوى الأصحاب أم لا ونحو ذلك من العلل المتطرقة إليها وقعوا في ما وقعوا فيه من هذه الإشكالات والترددات ، والمسألة بحمد الله سبحانه واضحة السبيل مكشوفة الدليل ، فان مقتضى القاعدة المنصوصة عن أصحاب العصمة (عليهم‌السلام) بعرض الاخبار عند الاختلاف على مذهب العامة والأخذ بخلافه هو العمل باخبار المنع المؤيدة باتفاق الأصحاب عليها سلفا وخلفا ، وهاتان الروايتان أعني صحيحتي ابن يقطين والحلبي قد دلتا على جواز الصلاة في جميع الجلود مما لا يؤكل لحمه لا بخصوص الأشياء المعدودة فيهما لقوله في إحداهما «وجميع الجلود» وفي الأخرى «وأشباهه» وهذا عين ما اتفقت عليه العامة (١) وخلاف ما اتفقت عليه الإمامية فأي أمر أظهر في الحمل على التقية من ذلك؟ ولكنهم حيث الغوا القواعد المروية عن أئمتهم (عليهم‌السلام) واعتمدوا على افكارهم وأنظارهم بل اخترعوا لهم في مقابلتها قواعد لم يرد بها نص ولا اثر عنهم (عليهم‌السلام) وقعوا في ما وقعوا فيه من أمثال هذا الكلام المنحل الزمام والمختل النظام. والى ما ذكرنا يشير كلام شيخنا في الذكرى حيث قال بعد نقل كلام المعتبر المتقدم الدال على اختياره الجواز : قلت هذان الخبران مصرحان بالتقية لقوله في الأول «وأشباهه» وفي الثاني «وجميع الجلود» وهذا العموم لا يقوله الأصحاب (رضوان الله عليهم). وبالجملة فإن الحكم بالنظر الى ما ذكرناه

__________________

(١) المغني ج ١ ص ٦٨.

٧٧

من التقريب ظاهر لا اشكال فيه ولا شبهة تعتريه.

(المسألة الخامسة) ـ ظاهر الشيخ في المبسوط جواز الصلاة في الحواصل حيث قال في ما تقدم من عبارته المذكورة في صدر المسألة : واما السنجاب والحواصل فلا خلاف في انه يجوز الصلاة فيهما. وقيدها ابن حمزة وبعضهم بالخوارزمية ، وقد تقدم في رواية بشر بن يسار ما يدل على الجواز في الحواصل الخوارزمية. ومنع من ذلك الشيخ في النهاية وهو ظاهر الأكثر حيث لم يتعرضوا له. قال في الدروس وفي الحواصل الخوارزمية رواية بالجواز متروكة. وهو إشارة إلى رواية بشر المذكورة. وروى في كتاب البحار (١) عن كتاب الخرائج في حديث يتضمن خروج التوقيع من الناحية المقدسة بعد السؤال عما يحل ان يصلى فيه من الوبر ، وفيه «وان لم يكن لك ما تصلي فيه فالحواصل جائز لك ان تصلي فيه». وظاهره الجواز مع الضرورة. والقول بالجواز لا يخلو من قرب والاحتياط ظاهر. واما الفنك ونحوه مما عدا الخز والسنجاب والحواصل فلم أقف على قائل بجواز الصلاة فيه إلا ما يظهر من عبارتي الصدوق في المجالس والمقنع المتقدمتين بالنسبة إلى الفنك وان اختلفت فيه الاخبار كما عرفت مما تقدم.

(المسألة السادسة) ـ اختلف الأصحاب في التكة والقلنسوة المعمولتين من وبر غير المأكول ، فقال الشيخ في النهاية : لا تجوز الصلاة في القلنسوة والتكة إذا عملا من وبر الأرانب ويكره إذا عملا من حرير محض. واختاره ابن إدريس والعلامة في المختلف والشهيد في الذكرى. وتردد في الدروس ثم قال ان الأشبه المنع والظاهر انه المشهور. وقال في المبسوط يكره الصلاة في القلنسوة والتكة إذا عملا من وبر ما لا يؤكل لحمه وكذا إذا كانا من حرير محض.

أقول : ويدل على الأول ما تقدم قريبا من صحيحة علي بن مهزيار (٢) قال : «كتب إليه إبراهيم بن عقبة عندنا جوارب وتكك تعمل من وبر الأرانب. الحديث».

__________________

(١) ج ١٨ الصلاة ص ٩٨.

(٢) الوسائل الباب ٧ من لباس المصلى.

٧٨

ونحوها رواية أحمد بن إسحاق الأبهري ، ويعضدهما رواية إبراهيم بن محمد الهمداني (١) قال : «كتبت اليه : يسقط على ثوبي الوبر والشعر مما لا يؤكل لحمه من غير تقية ولا ضرورة؟ فكتب لا تجوز الصلاة فيه». ويؤكد ذلك ما دل على النهي عن الصلاة في ذلك خصوصا وعموما.

ونقل في المختلف عن الشيخ الاستدلال على الجواز ـ كما ذهب إليه في المبسوط ـ بأنه قد ثبت للتكة والقلنسوة حكم مغاير لحكم الثوب من جواز الصلاة فيهما وان كانا نجسين أو من حرير محض فكذا يجوز لو كانا من وبر الأرانب وغيرها. ثم أجاب عنه بالفرق بين الأمرين واحاله على ما بينه في ما مضى.

أقول : والأظهر الاستدلال للشيخ على هذا القول بصحيحة محمد بن عبد الجبار المتقدمة قريبا وقوله فيها بعد السؤال عن تكة تعمل من وبر الأرانب «وان كان الوبر ذكيا حلت الصلاة فيه».

وأجاب الشهيد في الذكرى عن هذه الرواية (أولا) بأنها مكاتبة. و (ثانيا) بأنها تضمنت قلنسوة عليها وبر فلا يلزم منه جوازها من الوبر. ونحوه المحقق في المعتبر ايضا.

وأنت خبير بما فيه فان المكاتبة لا تقصر عن المشافهة متى كان المخبر عن كل من الأمرين ممن يوثق به ويعتمد عليه. واما قوله ـ وقبله المحقق كما أشرنا إليه ـ بأنها إنما تضمنت قلنسوة عليها وبر. إلخ فعجيب غاية العجب فإن الرواية وان تضمنت ذلك لكنها ايضا تضمنت التكة المعمولة من الوبر والجواب وقع عن الأمرين.

وبالجملة فتعارض الأخبار المذكورة ظاهر لا ينكر والأظهر عندي في الجمع هو حمل خبر الجواز على التقية لاستفاضة الأخبار بالمنع عموما وخصوصا عما لا يؤكل لحمه ، والجمع بالحمل على الكراهة ـ كما عليه من ذهب الى الجواز كما يظهر من المدارك ومثله المحقق في المعتبر ـ قد عرفت ما فيه في غير مقام مما تقدم.

__________________

(١) الوسائل الباب ٢ من لباس المصلى.

٧٩

ثم انه لا يخفى عليك ما في مدافعة ما اختاره المحقق من القول بالجواز هنا لما اختاره في مسألة وبر الخز المغشوش بوبر الأرانب من المنع للروايتين المتقدمتين وقد تقدم نقل كلامه ، فإنه ان كان الوبر المذكور مما لا تجوز الصلاة فيه فلا فرق بين كونه مغشوشا به غيره وبين كونه منفردا يصنع منه قلنسوة أو تكة بل الثاني أولى بالمنع وإلا فلا وجه لقوله بالجواز هنا ، وكذلك يرد على صاحب المدارك ايضا حيث انه في تلك المسألة نقل كلام المحقق وجمد عليه وهو مؤذن باختياره. والجواب ـ بأن صحيحة محمد بن عبد الجبار قد دلت على الجواز هنا وروايتا احمد وأيوب بن نوح دلتا على المنع في تلك المسألة فوجب القول بكل منهما في ما دل عليه ـ مردود بان هذه الروايات أيضا متعارضة متصادمة إذ المدار على جواز الصلاة في الوبر وعدمه منسوجا كان أو غير منسوج ، إذ لا يعقل لنسجه خصوصية تخرجه عما كان عليه أولا من حل أو حرمة ، فالقول بكل من الروايتين قول بالمتناقضين بل لا بد من الترجيح فيهما أو الجمع بينهما ، وقضية الترجيح العمل بالصحيحة المذكورة فيمتنع قولهما بالمنع في الوبر المخلوط والحال كما عرفت. وبالجملة فالتعارض والتدافع بين قوليهما ظاهر كما لا يخفى.

ثم انه لا يخفى انه قد وقع لصاحب المدارك سهو في هذا المقام حيث انه بعد ان نقل عن النهاية أولا القول بالمنع نقل عن النهاية أيضا القول بالجواز على كراهة ، وهذا القول انما هو في المبسوط لا النهاية كما جرى به قلمه هنا.

(المسألة السابعة) ـ قد تقدم في صحيحة ابي علي بن راشد النهي عن الصلاة في الثعالب وفي الثوب الذي يليه ، وتقدم أيضا في صحيحة علي بن مهزيار النهي عن الصلاة فيها وفي الثوب الذي يليها ثم فسره (عليه‌السلام) بالثوب الذي يلصق بالجلد ونقل في بقية الرواية ما يدل على الثوب الذي فوقه والثوب الذي تحته ، وتقدم أيضا في عبارة كتاب الفقه «وإياك ان تصلي في الثعالب ولا في ثوب تحته جلد ثعالب». وبذلك صرح الشيخ (قدس‌سره) في النهاية فقال : لا تجوز الصلاة في الثوب الذي يكون تحت وبر الثعالب

٨٠