الحدائق الناضرة - ج ٧

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]

الحدائق الناضرة - ج ٧

المؤلف:

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]


المحقق: محمّد تقي الإيرواني
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٥٦

«ان الصلاة خير من النوم بدعة بني أمية». ـ فالواجب حمل ما دل على جوازه من الأخبار المذكورة هنا وغيرها على التقية.

واما ما ذكره المحقق في هذا المقام حيث قال بعد ان نقل عن الشيخ حمل الأخبار المذكورة على التقية : ولست ارى هذا التأويل شيئا فإن من جملة الأذان (حي على خير العمل) وهو انفراد الأصحاب فلو كان للتقية لما ذكره لكن الأوجه ان يقال فيه روايتان عن أهل البيت (عليهم‌السلام) أشهرهما تركه. أقول : بل الأظهر هو ما ذكره الشيخ إذ هو الموافق لمقتضى الأخبار المستفيضة عن أئمة الهدى (عليهم‌السلام) من عرض الأخبار في مقام الاختلاف على مذهب العامة والأخذ بخلافهم وان كان هو وغيره قد الغوا هذه القواعد المنصوصة وألقوها ورواء ظهورهم واتخذوا قواعد لا أصل لها في الشريعة كما أوضحناه في غير مقام مما تقدم.

واما ما توهم منه المنافاة للحمل على التقية ـ من قوله (عليه‌السلام) في الخبر الذي نقله : فقل «الصلاة خير من النوم» بعد «حي على خير العمل» ـ فيجب ارتكاب التأويل فيه بحمل قول «حي على خير العمل» خفية إذ ليس في الخبر تصريح بالإعلان بها ويكون المعنى انه إذا قال ذلك سرا قال بعدها «الصلاة خير من النوم» ويمكن ايضا ـ كما ذكره شيخنا المجلسي (قدس‌سره) في البحار ـ حمله على المماشاة مع العامة بالجمع بين ما ينفرد به الشيعة وبين ما ينفردون به ، وهو جيد. ومما يؤيد حمل الرواية المذكورة على التقية اشتمالها على التهليل في آخر الأذان مرة واحدة فإن العامة أجمعوا على الوحدة (١) كما ان الشيعة أجمعت على التثنية كما نقله شيخنا في البحار. وبالجملة فالحكم بالتحريم في المسألة أظهر الأقوال. والله العالم.

__________________

(١) اتفقت كتبهم في بيان فصول الأذان على ذلك حتى انهم في مقام بيان الاختلاف في كيفيته لا يذكرون خلافا في ذلك وكذا اخبارهم ، راجع المحلى ج ٣ ص ٢٣٩.

٤٢١

(المقام الرابع) ـ في الأحكام وقد تقدم جملة منها في الأبحاث السابقة وبقي مواضع :

(الأول) ـ أنه يستحب حكاية الأذان بلا خلاف كما ذكره في المنتهى ويدل عليه جملة من الاخبار : منها ـ ما رواه في الكافي في الصحيح عن محمد بن مسلم عن ابي جعفر (عليه‌السلام) (١) قال : «كان رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) إذا سمع المؤذن يؤذن قال مثل ما يقول في كل شي‌ء».

وروى الصدوق في الفقيه مرسلا (٢) قال : «قال أبو جعفر (عليه‌السلام) لمحمد بن مسلم : يا ابن مسلم لا تدعن ذكر الله على كل حال ولو سمعت المنادي ينادي بالأذان وأنت على الخلاء فاذكر الله عزوجل وقل كما يقول المؤذن». ورواه في كتاب العلل مسندا في الصحيح عن محمد بن مسلم عن ابي جعفر (عليه‌السلام) (٣) انه قال «يا ابن مسلم. الحديث».

وروى في الفقيه مرسلا (٤) قال : «روى انه من سمع الأذان وقال كما يقول المؤذن زيد في رزقه».

وروى في العلل عن زرارة في الصحيح (٥) قال : «قلت لأبي جعفر (عليه‌السلام) ما أقول إذا سمعت الأذان؟ قال اذكر الله مع كل ذاكر».

وروى في الفقيه عن الحارث بن المغيرة عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٦) قال : «من سمع المؤذن يقول اشهد ان لا إله إلا الله واشهد ان محمدا رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) فقال مصدقا محتسبا وانا اشهد ان لا إله إلا الله واشهد ان محمدا رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) اكتفى بهما عن من ابى وجحد وأعين بهما من أقر وشهد كان له من الأجر عدد من أنكر وجحد ومثل عدد من أقر وعرف».

__________________

(١ و ٢ و ٤ و ٥ و ٦) الوسائل الباب ٤٥ من الأذان والإقامة. والرواية رقم «٢» مسندة كما في الوسائل واللفظ في رقم «٦» للكافي.

(٣) الوسائل الباب ٨ من أحكام الخلوة.

٤٢٢

وروى في كتاب العلل بسنده عن ابي بصير (١) قال : «قال أبو عبد الله (عليه‌السلام) ان سمعت الأذان وأنت على الخلاء فقل مثل ما يقول المؤذن ولا تدع ذكر الله عزوجل في تلك الحال لان ذكر الله حسن على كل حال. ثم قال لما ناجى الله عزوجل موسى بن عمران قال موسى يا رب أبعيد أنت مني فأناديك أم قريب فأناجيك؟ فأوحى الله تعالى اليه يا موسى انا جليس من ذكرني. فقال موسى يا رب اني أكون في حال أجلك أن ذكرك فيها قال يا موسى اذكرني على كل حال».

وروى في كتاب العلل بسنده عن سليمان بن مقبل (٢) قال : «قلت لموسى ابن جعفر (عليه‌السلام) لأي علة يستحب للإنسان إذا سمع الأذان ان يقول كما يقول المؤذن وان كان على البول والغائط؟ قال ان ذلك يزيد في الرزق».

وروى في الخصال بإسناده عن سعيد بن علاقة عن أمير المؤمنين (عليه‌السلام) (٣) قال : «إجابة المؤذن تزيد في الرزق».

إذا عرفت ذلك فاعلم ان في المقام فوائد (الأولى) الظاهر من الحكاية في هذه الاخبار هو الإتيان بجميع الفصول التي يأتي بها المؤذن وقال الشيخ في المبسوط روى عن النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) «انه كان يقول إذا قال حي على الصلاة لا حول ولا قوة إلا بالله». قال في المدارك بعد نقل ذلك : وهذه الرواية مجهولة الإسناد. أقول : بل الظاهر انها عامية فإنه قد روى مسلم في صحيحة (٤) وغيره في غيره بأسانيد عن عمر ومعاوية «ان رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) قال إذا قال المؤذن الله أكبر الله أكبر قال أحدكم الله أكبر الله أكبر ثم قال اشهد ان لا إله إلا الله قال اشهد ان لا إله إلا الله ثم قال اشهد ان محمدا رسول الله قال اشهد ان محمدا رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) ثم قال حي على الصلاة قال لا حول ولا قوة إلا بالله ثم قال حي على الفلاح قال لا حول

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ٨ من أحكام الخلوة.

(٣) مستدرك الوسائل الباب ٣٤ من الأذان والإقامة.

(٤) ج ٤ ص ٨٥ وسنن النسائي ج ٢ ص ٢٥.

٤٢٣

ولا قوة إلا بالله ثم قال الله أكبر الله أكبر قال الله أكبر الله أكبر ثم قال لا إله إلا الله قال لا إله إلا الله من قلبه دخل الجنة».

(الثانية) ـ قال في المبسوط من كان خارج الصلاة وسمع المؤذن يؤذن فينبغي ان يقطع كلامه ان كان متكلما وان كان يقرأ القرآن فالأفضل له ان يقطع القرآن ويقول كما يقول المؤذن لأن الخبر على عمومه. وهو جيد عملا بعموم الأخبار المذكورة.

ثم انه (قدس‌سره) صرح أيضا بأنه لا يستحب حكايته في الصلاة وبه قطع العلامة في التذكرة على ما نقل عنه ، وقال ايضا متى قاله في الصلاة لم تبطل صلاته إلا في قوله (حي على الصلاة) فإنه متى قال ذلك مع العلم بأنه لا يجوز فإنه يفسد الصلاة لأنه ليس بتحميد وتكبير بل هو من كلام الآدميين المحض ، فان قال بدلا من ذلك «لا حول ولا قوة إلا بالله» لم تبطل صلاته. وتبعه على ذلك جمع من الأصحاب.

أقول : الظاهر ان الوجه فيه هو عدم تيقن العموم في الاخبار على وجه يشمل الصلاة مع ان بعض فصوله ليست ذكرا فيشكل الإتيان به في الصلاة فيكون موجبا لبطلانها كما ذكره ، وأنت خبير بان ظاهر هذه الاخبار إطلاق الذكر على الأذان بجميع فصوله من الحيعلات وغيرها فان ظاهر قوله (عليه‌السلام) في صحيحة محمد بن مسلم المروية في العلل المرسلة في الفقيه «لا تدعن ذكر الله على كل حال ولو سمعت المنادي ينادي بالأذان وأنت على الخلاء». هو كون مجموع الأذان ذكرا وان القصد إلى المبالغة في الإتيان بهذا الذكر ولو على هذه الحالة ثم أكده بقوله : «فاذكر الله عزوجل وقل كما يقول المؤذن» وهو كالصريح في ما ادعيناه والفصيح في ما وعيناه ، ونحوه رواية أبي بصير ايضا وقوله فيها : «فقل مثل ما يقول المؤذن ولا تدع ذكر الله في تلك الحال لان ذكر الله حسن على كل حال». وهو ظاهر في ان جميع ما يقوله المؤذن ذكر الله ولو خص ذكر الله بما عدا الحيعلات لاختل النظام في هذا الكلام ، على ان الحيعلات بمقتضى كلامهم من الكلام المتعارف الذي ليس بذكر الله وهو مكروه على الخلاء اتفاقا نصا

٤٢٤

وفتوى إلا ما استثنى فكيف يجامع هذا التأكيد بالإتيان به على الخلاء لو لم يكن ذكرا وبالجملة فإن ما ذكرناه هو ظاهر النصوص المذكورة كما عرفت وان كان الاحتياط في الوقوف على ما ذكروه.

(الثالثة) ـ لو فرغ من الصلاة ولم يحكه فالظاهر سقوط الحكاية لفوات محله صرح به جملة من الأصحاب : منهم ـ الشهيد وغيره ، وقال الشيخ في المبسوط انه مخير واختاره العلامة في التذكرة ، وقال في الخلاف يؤتى به لا من حيث كونه أذانا بل من حيث كونه ذكرا. ولا ريب في ضعفها.

(الرابعة) ـ قال في الذخيرة : لو دخل المسجد والمؤذن يؤذن ترك صلاة التحية إلى فراغ المؤذن استحبابا ، قاله المصنف وغيره وهو حسن. انتهى.

أقول : لا اعرف لهذا الحسن وجها وجيها فإن شرعية صلاة التحية وقت الدخول وتأخيرها عن ذلك الوقت إخلال بها ، وبالجملة فهنا مستحبان تعارضا وتقديم أحدهما على الآخر يحتاج الى دليل. نعم لو ثبت ان تأخير صلاة التحية عن وقت الدخول جائز وان وقتها لا يفوت بذلك تم ما ذكروه إلا ان الظاهر ان الأمر ليس كذلك.

(الخامسة) ـ ذكر جماعة من الأصحاب ان المستحب حكاية الأذان المشروع فلو لم يكن مشروعا كأذان العصر يوم عرفة ويوم الجمعة والأذان الثاني يوم الجمعة وكذا أذان المجنون والصبي الغير المميز لم يكن كذلك. وأنت خبير بان عد أذان العصر في يومي عرفة والجمعة ينبغي ان يكون مبنيا على القول بالتحريم وإلا فلو قيل بالكراهة كما هو أحد الأقوال المتقدمة في المسألة فلا.

وعد شيخنا الشهيد ايضا من ذلك أذان الجنب في المسجد ، وتنظر فيه في الذخيرة بأن تحريم الكون في المسجد لا يقتضي فساد أذانه. أقول : فيه انه مناف لما حققه في مسألة الصلاة في المكان المغصوب فإن المسألتين من باب واحد ، وهم قد ذكروا ثمة ان العبادة منهي عنها في هذا المكان والنهي في العبادة يستلزم الفساد وهذا يجري في الأذان أيضا. وقد

٤٢٥

مضى تحقيق الكلام في ذلك وبيان الجواب عما احتجوا به على البطلان. وبالجملة فكلام شيخنا المشار اليه مبني على ذلك فلا وجه لاعتراضه عليه مع موافقته ثمة عليه.

(الموضع الثاني) ـ الكلام بعد الإقامة وقد اختلف كلام الأصحاب (رضوان الله عليهم) في ذلك فالمشهور الكراهة وقيل بالتحريم ذهب اليه الشيخان في المقنعة والنهاية والمرتضى في المصباح وابن الجنيد واختاره المحدث الكاشاني في كتبه الثلاثة على تفصيل يأتي ، وهو الأظهر عندي أيضا.

ويدل على القول بالتحريم ما رواه الشيخ في الصحيح عن ابن ابي عمير (١) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن الرجل يتكلم في الإقامة؟ قال نعم فإذا قال المؤذن قد قامت الصلاة فقد حرم الكلام على أهل المسجد إلا ان يكونوا قد اجتمعوا من شتى وليس لهم امام فيقول بعضهم لبعض تقدم يا فلان».

وما رواه في الفقيه عن زرارة في الصحيح عن ابي جعفر (عليه‌السلام) (٢) قال : «إذا أقيمت الصلاة حرم الكلام على الامام وأهل المسجد إلا في تقديم امام».

وعن سماعة في الموثق (٣) قال : «قال أبو عبد الله (عليه‌السلام) إذا أقام المؤذن الصلاة فقد حرم الكلام إلا ان يكون القوم ليس يعرف لهم امام».

ومما استدلوا به على القول المشهور صحيحة حماد بن عثمان عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٤) «في الرجل يتكلم بعد ما يقيم الصلاة؟ قال نعم».

ورواية الحلبي (٥) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن الرجل يتكلم في أذانه أو في إقامته؟ قال لا بأس».

وعن الحسن بن شهاب (٦) قال : «سمعت أبا عبد الله (عليه‌السلام) يقول لا بأس ان يتكلم الرجل وهو يقيم الصلاة وبعد ما يقيم ان شاء».

ونقل ابن إدريس في مستطرفات السرائر من كتاب محمد بن علي بن محبوب

__________________

(١ و ٢ و ٣ و ٤ و ٥ و ٦) الوسائل الباب ١٠ من الأذان والإقامة.

٤٢٦

عن جعفر بن بشير عن عبيد بن زرارة (١) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) قلت أيتكلم الرجل بعد ما تقام الصلاة؟ قال لا بأس».

ومنه ايضا من الكتاب المذكور عن جعفر بن بشير عن الحسن بن شهاب (٢) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) قلت أيتكلم الرجل بعد ما تقام الصلاة؟ قال لا بأس».

وأصحاب هذا القول حملوا الروايات المتقدمة على الكراهة الشديدة والشيخ (قدس‌سره) حمل هذه الأخبار على الضرورة أو ما يتعلق بالصلاة من تقديم إمام أو تسوية صف أو نحو ذلك.

وأنت خبير بأنه لا تنافي بين هذه الاخبار عند التأمل فيها بعين التحقيق والاعتبار ليحتاج الى الجمع بينها بما ذكره كل منهما ، وذلك فان مورد الأخبار المتقدمة الجماعة ومورد الأخبار الثانية المنفرد فالواجب في كل منهما بقاؤه على مورده ولا تنافي ، وبذلك يظهر لك ان الحق في هذه المسألة هو التفصيل بما ذكرناه لا ما ذكره كل منهما من العموم مع انه لا دليل عليه.

هذا. واما ما دلت عليه هذه الاخبار من جواز الكلام في الإقامة وبعدها فهي معارضة بالأخبار الدالة على النهي عن ذلك :

ومنها ـ ما رواه في الكافي عن ابي هارون المكفوف (٣) قال : «قال أبو عبد الله (عليه‌السلام) يا أبا هارون الإقامة من الصلاة فإذا أقمت فلا تتكلم ولا تومئ بيدك».

وما رواه الشيخ في الصحيح عن عمرو بن ابي نصر (٤) قال : «قلت لأبي عبد الله (عليه‌السلام) أيتكلم الرجل في الأذان؟ قال لا بأس. قلت في الإقامة؟ قال لا». ورواه في الكافي مثله (٥).

والقول بالتحريم كما هو ظاهر هذه الأخبار منقول عن الشيخ المفيد والمرتضى (رضي

__________________

(١ و ٢ و ٣ و ٤ و ٥) الوسائل الباب ١٠ من الأذان والإقامة.

٤٢٧

الله عنهما) ويؤيده ما تقدم في روايتي سليمان بن صالح ويونس الشيباني مما يدل على انه إذا أخذ في الإقامة فهو في الصلاة ، وحينئذ فيراعى فيها ما يراعى في الصلاة كما عرفت من الأخبار المتقدمة في اشتراط كون الإقامة قائما مستقبل القبلة متطهرا وإعادتها مع اختلال هذه الشروط.

ويعضده ما ورد هنا ايضا من انه متى تكلم في إقامته فإنه يعيدها كما رواه زرارة في الصحيح (١) قال : «قال أبو عبد الله (عليه‌السلام) لا تتكلم إذا أقمت الصلاة فإنك إن تكلمت أعدت الإقامة». وبهذا الخبر يقيد إطلاق تلك الأخبار الواردة في جواز التكلم حال الإقامة أو بعدها فإنه وان جاز له ذلك لكن لا بد من إعادتها وعدم الاعتداد بها وبه يتم المطلوب كما ادعاه مفيد الطائفة ومرتضاها (رضي‌الله‌عنهما).

فائدة

روى الصدوق في كتاب المجالس بسنده عن عبد الله بن الحسين بن زيد عن أبيه عن الصادق عن آبائه (عليهم‌السلام) (٢) قال : «قال رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) ان الله كره الكلام بين الأذان والإقامة في صلاة الغداة حتى تقضى الصلاة ونهى عنه».

أقول : ظاهر هذا الخبر كراهة الكلام بين الأذان والإقامة في خصوص صلاة الغداة ولم يذكره أكثر الأصحاب وانما حكموا بكراهة الكلام أو تحريمه كما عرفت في خلال الإقامة أو بعد تمامها ، نعم نقل ذلك عن الفقيه يحيى بن سعيد في الجامع فإنه قال يكره الكلام بين الأذان والإقامة في صلاة الغداة. ونحوه قال شيخنا الشهيد في النفلية ورواه ايضا الصدوق في وصية النبي لعلي عليهما الصلاة والسلام (٣).

__________________

(١) الوسائل الباب ١٠ من الأذان والإقامة. والراوي لهذه الرواية في كتب الحديث هو محمد بن مسلم ولم نعثر على رواية لزرارة بهذا اللفظ.

(٢) مستدرك الوسائل الباب ٩ من الأذان والإقامة.

(٣) الوسائل الباب ١٠ من الأذان والإقامة.

٤٢٨

(الموضع الثالث) ـ الظاهر انه لا خلاف بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) في انه إذا سمع الإمام أذان مؤذن جاز له ان يجتزئ به في الجماعة.

ويدل عليه من الاخبار ما رواه الشيخ في الصحيح عن ابن سنان عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (١) قال : «إذا أذن مؤذن فنقص الأذان وأنت تريد ان تصلي بأذانه فأتم ما نقص هو من أذانه».

وعن ابي مريم الأنصاري (٢) قال : «صلى بنا أبو جعفر (عليه‌السلام) في قميص بلا إزار ولا رداء ولا أذان ولا اقامة فلما انصرف قلنا له عافاك الله صليت بنا في قميص بلا إزار ولا رداء ولا أذان ولا اقامة؟ فقال ان قميصي كثيف فهو يجزئ ان لا يكون علي إزار ولا رداء ، واني مررت بجعفر وهو يؤذن ويقيم فلم أتكلم فأجزأني ذلك».

وعن عمرو بن خالد عن ابي جعفر (عليه‌السلام) (٣) قال : «كنا معه فسمع اقامة جار له بالصلاة فقال قوموا فقمنا فصلينا معه بغير أذان ولا اقامة وقال يجزئكم أذان جاركم».

بقي الكلام هنا في مواضع (الأول) إطلاق النص والفتوى يقتضي انه لا فرق في المؤذن بين كونه مؤذن مصر أو مسجد أو منفردا ، وخصه شيخنا الشهيد الثاني في المسالك بالأولين ومنع من الاجتزاء بأذان المنفرد. وأنت خبير بأنه لا يظهر لهذا التخصيص وجه بل لو ادعى عليه العكس لكان أظهر فإن الظاهر من الخبرين المذكورين كون كل من المؤذن والمقيم منفردا.

(الثاني) ـ قال في المدارك : الظاهر انه لا فرق في هذا الحكم بين الامام والمنفرد وان كان المفروض في عبارات الأصحاب اجتزاء الإمام ، لأنه إذا ثبت اجتزاء الامام بسماع الأذان فالمنفرد اولى. انتهى.

__________________

(١ و ٣) الوسائل الباب ٣٠ من الأذان والإقامة.

(٢) التهذيب ج ١ ص ٢١٦ وفي الوسائل الباب ٣٠ من الأذان والإقامة.

٤٢٩

أقول : لا يخفى عليك ما في هذا الكلام من الوهن وتطرق الاشكال وان كان قد سبقه اليه الشهيد في الذكرى حيث قال : وفي اجتزاء المنفرد بهذا الأذان نظر أقربه ذلك لانه من باب التنبيه بالأدنى على الأعلى. وفيه انه متى اعترف بكون مورد النصوص انما هو الامام كما يظهر من كلامهم فحمل المنفرد عليه قياس محض ، والتستر بكونه اولى وانه من باب التنبيه بالأدنى على الأعلى لا يجدي نفعا ، على انه لو ثبتت الأولوية فالخروج عن القياس محل بحث قد سلف تحقيقه في مقدمات الكتاب. نعم يمكن ان يقال ان ظاهر إطلاق صحيحة ابن سنان المتقدمة يشمل المصلي منفردا وأكثر الأصحاب لم يذكروها في أدلة المسألة وانما ذكروا الروايتين الأخيرتين المشتملتين على الجماعة ، إلا أن لقائل أن يقول يمكن ان يكون إطلاقها محمولا على تقييد الروايتين المذكورتين. وبالجملة فإن مقتضى الأدلة ثبوت الأذان والإقامة مطلقا إلا ما قام الدليل الواضح على خروجه فيجب الحكم به ويبقى ما عداه ، ويعضده اقتضاء الاحتياط ذلك.

(الثالث) ـ المستفاد من روايتي أبي مريم وعمرو بن خالد الاجتزاء بسماع الإقامة أيضا إلا أن رواية أبي مريم قيدته بعدم الكلام بعد الإقامة أو في خلالها. وهو جيد لما عرفت آنفا من ان الكلام في الإقامة أو بعدها موجب لإعادتها ففي السماع بطريق اولى (١).

(الرابع) ـ هل يستحب إعادة الأذان والإقامة في هذه الصورة للسامع المنفرد على القول به أو للإمام أو لمؤذنه في الجماعة أم لا؟ وجهان أقربهما نعم لظاهر صحيحة ابن سنان فان ظاهر قوله : «وأنت تريد ان تصلي بأذانه» التخيير بين الصلاة وعدمها ، ويؤيده ان ظاهر سياق رواية أبي مريم المذكورة ان جميع ما ذكر فيها انما خرج مخرج الرخص ، والى ما ذكرنا يميل كلام السيد السند في المدارك والفاضل الخراساني

__________________

(١) انظر الى انه كيف عمل بالأولوية في المقام مع نفيه ذلك في غير مقام لا سيما الموضع الثاني المتقدم على هذا الموضع فافهم. سيد على «قدس‌سره».

٤٣٠

في الذخيرة. واولى بالإعادة ما إذا اتسع الوقت بين الأذان المسموع وبين صلاة المصلي به

وظاهر الشهيد في الذكرى التوقف في ذلك حيث قال : وهل يستحب تكرار الأذان والإقامة للإمام السامع أو لمؤذنه أو للمنفرد؟ يحتمل ذلك وخصوصا مع اتساع الوقت. أقول قد تقدم ان المنفرد إذا أذن ثم أراد الجماعة أعاد أذانه والفرق بينه وبين السامع غير ظاهر.

وكيف كان فإنه يجب ان يستثني من هذا الحكم المؤذن والمقيم للجماعة فإنه لا يستحب الإعادة معه لأن أذانه وإقامته لهم ، واستدل عليه بإطباق المسلمين كافة على تركه ولو كان مستحبا لما أطبقوا على تركه.

(الخامس) ـ قال الشيخ في المبسوط إذا اذن في مسجد دفعة لصلاة بعينها كان ذلك كافيا لكل من يصلي تلك الصلاة في ذلك المسجد ويجوز له ان يؤذن ويقيم في ما بينه وبين نفسه وان لم يفعل فلا شي‌ء عليه. انتهى. ووجهه غير واضح.

(الموضع الرابع) قال في الشرائع : من أحدث في أثناء الصلاة تطهر وأعادها ولا يعيد الإقامة إلا ان يتكلم. انتهى. وظاهره ان الحدث في الصلاة لا يوجب إعادة الإقامة مع انه قد صرح قبل هذه المسألة بان من أحدث في أثناء الإقامة فالأفضل أن يعيد الإقامة. وربما ظهر من كلامه في الموضعين الفرق بين الحدث في أثناء الإقامة فإنه يعيدها وبينه في أثناء الصلاة فلا يعيدها. وهو مشكل.

ومما يدل على إعادة الإقامة بتخلل الحدث ما رواه الحميري في قرب الاسناد عن علي بن جعفر عن أخيه (عليه‌السلام) (١) قال : «سألته عن المؤذن يحدث في أذانه أو في إقامته؟ قال ان كان الحدث في الأذان فلا بأس وان كان في الإقامة فليتوضأ وليقم اقامة».

والسيد السند في المدارك انما استدل على ذلك بخبر ابي هارون المكفوف المتقدم

__________________

(١) الوسائل الباب ٩ من الأذان والإقامة.

٤٣١

وقوله (عليه‌السلام) فيه : «الإقامة من الصلاة» ثم قال ومن حكم الصلاة الاستئناف بطرو الحدث في أثنائها فتكون لإقامة كذلك انتهى. وهو ناشى‌ء عن عدم اطلاعه على الخبر المذكور.

وكيف كان فالظاهر هو إعادة الإقامة في صورة بطلان الصلاة بتخلل الحدث لانه لا يخرج عن وقوع الحدث بعد الإقامة وهو موجب لإعادتها.

(الموضع الخامس) ـ من صلى خلف من لا يقتدى به اذن لنفسه واقام فإن خشي فوت الركعة اقتصر على «قد قامت الصلاة» مرتين وتثنية التكبير والتهليل مرة ، قالوا ويأتي ببقية ما يتركه المؤذن بمعنى انه إذا أخل بشي‌ء من فصول الأذان استحب للمأموم الإتيان به.

فاما ما يدل على الحكم الأول فما رواه الشيخ عن محمد بن عذافر عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (١) قال : «اذن خلف من قرأت خلفه». ورواه الصدوق مرسلا (٢) وما تقدم في موثقة عمار المتقدمة في صدر المقام الأول (٣) من قوله (عليه‌السلام) حيث «سئل عن الأذان هل يجوز ان يكون من غير عارف؟ قال لا يستقيم الأذان ولا يجوز ان يؤذن به إلا رجل مسلم عارف فان علم الأذان واذن به ولم يكن عارفا لم يجزئ أذانه ولا إقامته ولا يقتدى به».

واما ما يدل على الحكم الثاني فهو ما رواه في الكافي عن معاذ بن كثير عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٤) قال : «إذا دخل الرجل المسجد وهو لا يأتم بصاحبه وقد بقي على الإمام آية أو آيتان فخشي ان هو اذن واقام أن يركع فليقل (قد قامت الصلاة قد قامت الصلاة الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله) وليدخل في الصلاة».

وعبارات الأصحاب هنا لا تخلو من خلل حيث انهم عبروا بقولهم اقتصر على تكبيرتين وقوله «قد قامت الصلاة».

__________________

(١ و ٢ و ٣ و ٤) الوسائل الباب ٣٤ من الأذان والإقامة.

(٣) الوسائل الباب ٢٦ من الأذان والإقامة.

٤٣٢

قال في المدارك بعد ذكر عبارة المصنف بالصورة المذكورة والاستدلال لهم بالرواية المذكورة : وعبارات الأصحاب قاصرة عن افادة ما تضمنته فصولا وترتيبا ، ثم اعترض الرواية بأنها ضعيفة السند ومقتضاها تقديم الذكر المستحب على القراءة الواجبة وهو مشكل جدا ، قال ومن ثم حمل جدي (قدس‌سره) في بعض حواشيه عبارة المصنف على ان المراد بفوات الصلاة فوات ما يعتبر في الركعة من القراءة وغيرها ، وهو مع مخالفته للظاهر بعيد عن مدلول الرواية إلا انه لا بأس بالمصير اليه. انتهى.

أقول : اما الطعن بضعف الرواية فقد عرفت ما فيه في غير موضع. واما الاستشكال من حيث دلالتها على تقديم الذكر المستحب على القراءة الواجبة فليس في محله مع دلالة النص عليه.

ويؤيد ذلك ما هو أظهر دلالة على هذا الحكم كما رواه الشيخ في التهذيب عن احمد بن محمد بن ابي نصر عن احمد بن عائذ (١) قال : «قلت لأبي الحسن (عليه‌السلام) اني ادخل مع هؤلاء في صلاة المغرب فيعجلونني الى ما ان أؤذن وأقيم فلا أقرأ شيئا حتى إذا ركعوا واركع معهم أفيجزئني ذلك؟ قال نعم».

وهذا الخبر وان حمله الشيخ في التهذيب على انه لم يزد على الحمد إلا انه جوز ايضا تخصيصه بحال التقية وهو الأظهر بسياق الخبر المذكور مع الخبر المتقدم. واما حمله على قراءة الحمد وانه لم يتمكن من الزيادة عليها فهو أبعد بعيد عن سياق الخبر.

واما حمل جده الفوات على ما ذكره ففيه ان الرواية ظاهرة في خوف فوات الركوع لقوله «فخشي ان هو أذان واقام أن يركع» لا فوات الصلاة. ثم تأويله بفوات ما يعتبر في الركعة من القراءة فإنه تكلف لا ضرورة تلجئ اليه مع وضوح النصوص

__________________

(١) التهذيب ج ١ ص ٢٥٦ ورواه أيضا في ص ٢٥٦ عن البزنطي عن ابى الحسن «ع» إلا ان فيه هكذا «ولا اقرأ إلا الحمد حتى يركع». ورواه في الوسائل بالإسناد الثاني في الباب ٣٣ من صلاة الجماعة.

٤٣٣

في المطلوب ، وهذا الاستبعاد الذي أوجب لهم هذه التكلفات مدفوع بظاهر الخبرين المذكورين.

واما ما ذكروه من استحباب إتيان المأموم بما أخل به الامام المخالف أو مؤذنه من الفصول فهو لا يخلو من الإشكال لدلالة الخبرين المتقدمين على عدم الاعتداد بأذان المخالف وانه يستحب للمأموم الإتيان بالأذان والإقامة لنفسه كما هو أصل المسألة فكيف يعتد بأذان المخالف ويبنى عليه ويتم ما نقصه؟ وما تكلفه شراح كلامهم في هذا المقام لهذه العبارة ـ من ان ذلك مستحب برأسه وان كان الأذان غير معتد به أو جعل هذه المسألة منفصلة عن الكلام السابق وانها محمولة على غير المخالف كناسي بعض فصول الأذان أو تاركه أو تارك الجهر تقية ـ فهو تمحل بعيد عن سياق كلام أولئك القائلين والله العالم.

ختام به الإتمام يشتمل على فصول من الأحكام

فصل

الأذان عند أهل البيت (صلوات الله عليهم) وحي نزل به جبرئيل (عليه‌السلام) على رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) واذن له به في صلاته بالنبيين والملائكة في حديث المعراج. وأطبق المخالفون على خلاف ذلك واحتجوا

بما رواه عبد الله بن زيد (١) قال «لما أمر رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) بالناقوس ليجتمع به الناس طاف بي وانا نائم رجل يحمل ناقوسا في يده فقلت أتبيع الناقوس؟ فقال وما تصنع به؟ قلت ندعو به الناس الى الصلاة. فقال ألا ادلك على ما هو خير من ذلك؟ قلت بلى. قال تقول : الله أكبر. إلى آخر الأذان ، قال ثم استأخر غير بعيد ثم قال تقول إذا قمت إلى الصلاة : الله أكبر. إلى آخر الإقامة ، فلما أصبحت أتيت رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله)

__________________

(١) تيسير الوصول ج ٢ ص ٢٠٩ باختلاف في بعض الألفاظ.

٤٣٤

فأخبرته بما رأيت فقال إنها رؤيا حق ان شاء الله تعالى فقم مع بلال فالق عليه ما رأيت فليؤذن به فإنه أندى صوتا منك فقمت مع بلال فجعلت القى عليه ويؤذن به فسمع ذلك عمر بن الخطاب وهو في بيته فخرج يجر رداءه فقال يا رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) والذي بعثك بالحق لقد رأيت مثل الذي رأى فقال رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) فلله الحمد».

أقول : وقد كذب أهل البيت (عليهم‌السلام) هذه الرواية واستفاضت اخبارهم بأن الأذان والإقامة وحي من الله عزوجل كما ذكرناه :

فروى ثقة السلام في الكافي في الصحيح أو الحسن عن منصور بن حازم عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (١) قال : «لما هبط جبرئيل (عليه‌السلام) بالأذان على رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) كان رأسه في حجر علي (عليه‌السلام) فأذن جبرئيل واقام فلما انتبه رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) قال يا علي سمعت؟ قال نعم قال حفظت؟ قال نعم. قال ادع لي بلالا فعلمه فدعا علي (عليه‌السلام) بلالا فعلمه». ورواه الصدوق بطريقه إلى منصور بن حازم.

وفي الصحيح عن زرارة والفضيل عن ابي جعفر (عليه‌السلام) (٢) قال : «لما اسرى برسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) الى السماء فبلغ البيت المعمور وحضرت الصلاة فأذن جبرئيل (عليه‌السلام) واقام فتقدم رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) وصف الملائكة والنبيون خلف محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله».

الى غير ذلك من الاخبار الكثيرة الدالة على صلاة النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) بالملائكة في السماء ايضا وكلها واردة في اخبار المعراج.

قال ابن ابي عقيل من متقدمي علمائنا : أطبقت الشيعة (٣) على ان الصادق (عليه‌السلام) لعن قوما زعموا ان النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) أخذ الأذان من عبد الله بن

__________________

(١ و ٢ و ٣) الوسائل الباب ١ من الأذان والإقامة.

٤٣٥

زيد فقال ينزل الوحي على نبيكم فتزعمون انه أخذ الأذان من عبد الله بن زيد.

أقول : هذه الرواية قد نقلها في كتاب دعائم الإسلام عن الحسين (عليه‌السلام) (١) قال : «وروينا عن جعفر بن محمد (عليهما‌السلام) عن أبيه عن جده عن الحسين بن علي (عليهما‌السلام) انه سئل عن قول الناس في الأذان ان السبب كان فيه رؤيا رآها عبد الله بن زيد فأخبر النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) فأمر بالأذان؟ فقال (عليه‌السلام) الوحي ينزل على نبيكم وتزعمون انه أخذ الأذان من عبد الله بن زيد والأذان وجه دينكم؟ وغضب وقال بل سمعت ابي علي بن ابي طالب (عليه‌السلام) يقول اهبط الله ملكا حتى عرج برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله.». وساق حديث المعراج بطوله وما وقع فيه من الأذان والإقامة والصلاة.

وقال السيد الزاهد العابد المجاهد رضي الدين بن طاوس (نور الله تعالى مرقده) في كتاب الطرائف : ومن طريف ما سمعت ووقفت عليه ان أبا داود وابن ماجة ذكرا في كتاب السنن (٢) «ان النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) هم بالبوق وأمر بالناقوس فأرى عبد الله بن زيد في المنام رجلا عليه ثوبان أخضران فعلمه الأذان».

أقول : وقد وقع في بعض الاخبار نسبة الرؤيا المذكورة الى ابي بن كعب وهو ما رواه في الكافي في الصحيح أو الحسن عن عمر بن أذينة عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٣) قال : «ما تروي هذه الناصبة؟ فقلت جعلت فداك فيما ذا؟ فقال في أذانهم وركوعهم وسجودهم. فقلت انهم يقولون ان ابي بن كعب رآه في النوم فقال كذبوا فان دين الله أعز من ان يرى في النوم. قال فقال له سدير الصيرفي جعلت فداك فأحدث لنا من ذلك ذكرا فقال أبو عبد الله (عليه‌السلام) ان الله تعالى لما عرج بنبيه

__________________

(١) مستدرك الوسائل الباب ١ من الأذان والإقامة.

(٢) سنن ابى داود ج ١ ص ١٩٥ الى ٢٠٠ وسنن ابن ماجة ج ١ ص ٢٣٩.

(٣) الوافي باب بدو الصلاة وعللها وروى في الوسائل قطعة منه في الباب ١٥ من الوضوء.

٤٣٦

(صلى‌الله‌عليه‌وآله) الى سماواته السبع.». ثم ساق (عليه‌السلام) الخبر وهو طويل جدا يشتمل على الأذان والصلاة وان ذلك كان في مبدأ التكليف. وما اشتمل عليه هذا الخبر من نسبة الرؤيا الى ابي بن كعب خلاف ما اشتهر بين الخاصة والعامة من انه عبد الله بن زيد كما تقدم. والله العالم.

فصل

روى الصدوق في كتاب العلل والعيون عن الفضل بن شاذان في ما رواه من العلل عن الرضا (عليه‌السلام) (١) «فان قال : أخبرني عن الأذان لم أمروا به؟ قيل لعلل كثيرة : منها ـ ان يكون تذكيرا للساهي وتنبيها للغافل وتعريفا لمن جهل الوقت واشتغل عن الصلاة وليكون ذلك داعيا الى عبادة الخالق مرغبا فيها مقرا له بالتوحيد مجاهرا بالايمان معلنا بالإسلام مؤذنا لمن ينساها وانما يقال مؤذن لأنه يؤذن بالصلاة ، فإن قال فلم بدئ فيه بالتكبير قبل التهليل؟ قيل لأنه أراد ان يبدأ بذكره واسمه لان اسم الله تعالى في التكبير في أول الحرف وفي التهليل في آخر الحرف فبدأ بالحرف الذي اسم الله في أوله لا في آخره ، فان قال فلم جعل مثنى مثنى؟ قيل لان يكون مكررا في آذان المستمعين مؤكدا عليهم ان سها أحد عن الأول لم يسه عن الثاني ولأن الصلاة ركعتان ركعتان فلذلك جعل الأذان مثنى مثنى ، فان قال لم جعل التكبير في أول الأذان أربعا؟ قيل لأن أول الأذان إنما يبدو غفلة وليس قبله كلام ينبه المستمع له فجعل ذلك تنبيها للمستمعين لما بعده في الأذان ، فإن قال لم جعل بعد التكبير شهادتين؟ قيل لأن أول الإيمان انما هو التوحيد والإقرار لله عزوجل بالوحدانية والثاني الإقرار للرسول بالرسالة وان طاعتهما ومعرفتهما مقرونتان ، ولأن أصل الإيمان انما هو الشهادة فجعل شهادتين شهادتين في الأذان كما جعل في سائر الحقوق شهادتين ، فإذا أقر لله بالوحدانية وأقر للرسول بالرسالة فقد أقر بجملة

__________________

(١) الوسائل الباب ١٩ من الأذان والإقامة.

٤٣٧

الايمان لأن أصل الإيمان انما هو الإقرار بالله وبرسوله ، فان قال فلم جعل بعد الشهادتين الدعاء إلى الصلاة؟ قيل لأن الأذان إنما وضع لموضع الصلاة وهو نداء إلى الصلاة فجعل النداء إلى الصلاة في وسط الأذان فقدم المؤذن قبلها أربعا : التكبيرتين والشهادتين وأخر بعدها أربعا : يدعو الى الفلاح حثا على البر والصلاة ثم دعا الى خير العمل مرغبا فيها وفي عملها وفي أدائها ثم نادى بالتكبير والتهليل ليتم بعدها أربعا كما أتم قبلها أربعا وليختم كلامه بذكر الله تعالى كما فتحه بذكر الله ، فان قال فلم جعل آخرها التهليل ولم يجعل آخرها التكبير كما جعل في أولها التكبير؟ قيل لان التهليل اسم الله في آخره فأحب الله ان يختم الكلام باسمه كما فتحه باسمه ، فان قال فلم لم يجعل بدل التهليل التسبيح والتحميد مع ان اسم الله في آخرهما؟ قيل لان التهليل هو إقرار لله تعالى بالتوحيد وخلع الأنداد من دون الله تعالى وهو أول الايمان وأعظم من التسبيح والتحميد».

فصل

روى الصدوق في كتاب العلل بسنده عن ابن ابي عمير (١) «انه سأل أبا الحسن (عليه‌السلام) عن (حي على خير العمل) لم تركت من الأذان؟ فقال تريد العلة الظاهرة أو الباطنة؟ قلت أريدهما جميعا. فقال اما العلة الظاهرة فلئلا يدع الناس الجهاد اتكالا على الصلاة واما الباطنة فإن خير العمل الولاية فأراد من أمر بترك (حي على خير العمل) من الأذان ان لا يقع حث عليها ودعاء إليها».

وروى في الكتاب المذكور بسنده عن عكرمة (٢) قال : «قلت لابن عباس أخبرني لأي شي‌ء حذف من الأذان «حي على خير العمل»؟ قال أراد عمر بذلك ان لا يتكل الناس على الصلاة ويدعوا الجهاد فلذلك حذفها من الأذان».

ونظير هذا التعليل العليل ما نقله أولياؤه عنه أيضا في تحريم متعة الحج من قوله (٣)

__________________

(١) الوسائل الباب ١٩ من الأذان والإقامة.

(٢) البحار ج ١٨ الصلاة ص ١٧٠.

(٣) الوسائل الباب ٢ من أقسام الحج.

٤٣٨

«كرهت ان يخرجوا الى الحج ورؤوسهم تقطر من نسائهم» وقوله (١) «كرهت ان يكونوا معرسين تحت الأراك ثم يخرجون الى الحج ورؤوسهم تقطر من نسائهم» أرأيت ان الله عزوجل الذي أمر بهذين الحكمين لا يعلم بهذا الأمر الذي علل هذا المرتد به في كل من الموضعين فذهب ذلك عن علم الله سبحانه وانما اهتدى إليه هو؟ ولقد صدق عليه قوله عزوجل «ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا ما أَنْزَلَ اللهُ فَأَحْبَطَ أَعْمالَهُمْ» (٢).

وروى في كتاب معاني الأخبار بسنده عن محمد بن مروان عن ابي جعفر (عليه‌السلام) (٣) قال : «أتدري ما تفسير (حي على خير العمل)؟ قال قلت لا. قال دعاك الى البر أتدري بر من؟ قلت لا. قال الى بر فاطمة وولدها (عليهم‌السلام)».

أقول : لا منافاة بين هذه الاخبار وبين ما تقدم في علل الفضل بن شاذان من تفسير خير العمل بالصلاة فإن اخبارهم كالقرآن لها ظهر وبطن.

وفي كتاب العلل لمحمد بن علي بن إبراهيم بن هاشم (٤) قال : «علة الأذان ان تكبر الله وتعظمه وتقر بتوحيد الله وبالنبوة والرسالة وتدعو إلى الصلاة وتحث على الزكاة ، ومعنى الأذان الاعلام لقوله تعالى «وَأَذانٌ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النّاسِ» (٥) أي إعلام وقال أمير المؤمنين (عليه‌السلام) «كنت أنا الأذان في الناس بالحج» وقوله «وَأَذِّنْ فِي النّاسِ بِالْحَجِّ» (٦) أي أعلمهم وادعهم ، فمعنى «الله» انه يخرج الشي‌ء من حد العدم الى حد الوجود ويخترع الأشياء لا من شي‌ء وكل مخلوق دونه يخترع الأشياء من شي‌ء إلا الله فهذا معنى «الله» وذلك فرق بينه وبين المحدث ، ومعنى «أكبر» أي أكبر من ان يوصف في الأول وأكبر من كل شي‌ء لما خلق الشي‌ء ،

__________________

(١) تيسير الوصول ج ١ ص ٢٨٨.

(٢) سورة محمد ، الآية ١٠.

(٣) البحار ج ١٨ الصلاة ص ١٧٠.

(٤) مستدرك الوسائل نوادر ما يتعلق بأبواب الأذان والإقامة.

(٥) سورة التوبة ، الآية ٣.

(٦) سورة الحج ، الآية ٢٨.

٤٣٩

ومعنى قوله «اشهد ان لا إله إلا الله» إقرار بالتوحيد ونفي الأنداد وخلعها وكل ما يعبد من دون الله ، ومعنى «اشهد ان محمد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله» إقرار بالرسالة والنبوة وتعظيم لرسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) وذلك قول الله عزوجل «وَرَفَعْنا لَكَ ذِكْرَكَ» (١) اي تذكر معي إذا ذكرت ، ومعنى «حي على الصلاة» أي حث على الصلاة ومعنى «حي على الفلاح» اي حث على الزكاة ، وقوله «حي على خير العمل» اي حث علي الولاية ، وعلة أنها خير العمل ان الأعمال كلها بها تقبل (٢) «الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله محمد رسول الله» فالقى معاوية من آخر الأذان «محمد رسول الله» (صلى‌الله‌عليه‌وآله) فقال أما يرضى محمد ان يذكر في أول الأذان حتى يذكر في آخره. ومعنى الإقامة هي الإجابة والوجوب ومعنى كلماتها فهي التي ذكرناها في الأذان ، ومعنى «قد قامت الصلاة» أي قد وجبت الصلاة وحانت وأقيمت ، واما العلة فيها فقال الصادق (عليه‌السلام) إذا أذنت وصليت صلى خلفك صف من الملائكة وإذا أذنت وأقمت صلى خلفك صفان من الملائكة. ولا يجوز ترك الأذان إلا في صلاة الظهر والعصر والعتمة يجوز في هذه الصلوات الثلاث اقامة بلا أذان والأذان أفضل ولا تجعل ذلك عادة. ولا يجوز ترك الأذان والإقامة في صلاة المغرب وصلاة الفجر ، والعلة في ذلك ان هاتين الصلاتين تحضرهما ملائكة الليل وملائكة النهار».

قال في البحار بعد نقل ذلك : لعل الحث على الزكاة في الأذان لكون قبول الصلاة مشروطا بها وكون الشهادة بالرسالة في آخر الأذان غريب لم أره في غير هذا الكتاب

فصل

روى الصدوق في كتاب ثواب الأعمال والمجالس والعيون بسنده عن عباس

__________________

(١) سورة الانشراح ، الآية ٤.

(٢) هكذا عبارة الحديث في المستدرك والبحار ج ١٨ الصلاة ص ١٧٨.

٤٤٠