الحدائق الناضرة - ج ٧

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]

الحدائق الناضرة - ج ٧

المؤلف:

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]


المحقق: محمّد تقي الإيرواني
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٥٦

ومنها ـ ما رواه ثقة الإسلام والشيخ في الصحيح عن صفوان الجمال (١) قال : «سمعت أبا عبد الله (عليه‌السلام) يقول الأذان مثنى مثنى والإقامة مثنى مثنى». وما رواه في الكافي عن زرارة في الصحيح عن ابي جعفر (عليه‌السلام) (٢) قال : قال «يا زرارة تفتتح الأذان؟ بأربع تكبيرات وتختمه بتكبيرتين وبتهليلتين». وهذه الرواية موافقة للمشهور في الأذان.

وما رواه الشيخ في الصحيح عن عبد الله بن سنان (٣) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن الأذان قال تقول الله أكبر الله أكبر اشهد ان لا إله إلا الله اشهد ان لا إله إلا الله اشهد ان محمدا رسول الله اشهد ان محمدا رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) حي على الصلاة حي على الصلاة حي على الفلاح حي على الفلاح حي على خير العمل حي على خير العمل الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله لا إله إلا الله».

وهذه الرواية مخالفة للقول المشهور من حيث نقص التكبيرتين من أول الأذان ، وحملها الشيخ على انه قصد إفهام السائل كيفية التلفظ بالتكبير وكان معلوما ان التكبير في أول الأذان أربع مرات. وحمله غيره على الاجزاء وبقية الأحاديث على الأفضلية ، قيل ولذلك استقر عليه عمل الشيعة.

وما رواه عن المعلى بن خنيس (٤) قال : «سمعت أبا عبد الله (عليه‌السلام) يؤذن فقال الله أكبر الله أكبر اشهد ان لا إله إلا الله اشهد ان لا إله إلا الله.». وذكر ما في حديث عبد الله بن سنان المذكور. أقول : وهو منطبق على المشهور بالنسبة إلى الأذان.

وما رواه الشيخ في التهذيب عن زرارة والفضيل بن يسار عن ابي جعفر (عليه‌السلام) (٥) قال : «لما اسرى برسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) فبلغ البيت المعمور حضرت الصلاة فأذن جبرئيل (عليه‌السلام) واقام فتقدم رسول الله (صلى الله عليه

__________________

(١ و ٢ و ٣ و ٤ و ٥) الوسائل الباب ١٩ من الأذان والإقامة.

٤٠١

وآله) وصف الملائكة والنبيون خلف رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) قال فقلنا له كيف اذن؟ فقال الله أكبر الله أكبر اشهد ان لا إله إلا الله اشهد ان لا إله إلا الله.». ثم ساق الأذان كما في الحديثين المتقدمين. ثم قال «والإقامة مثلها إلا ان فيها (قد قامت الصلاة قد قامت الصلاة) بين (حي على خير العمل حي على خير العمل) وبين (الله أكبر) فأمر بها رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) بلالا فلم يزل يؤذن بها حتى قبض الله رسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله». أقول : هذا الخبر مخالف للقول المشهور في الأذان بنقصان تكبيرتين من اوله وفي الإقامة بزيادة تهليل في آخرها.

وما رواه الصدوق بإسناده عن ابي بكر الحضرمي وكليب الأسدي جميعا ـ ورواه الشيخ عنهما ايضا ـ عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (١) «انه حكى لهما الأذان قال الله أكبر الله أكبر الله أكبر الله أكبر اشهد ان لا إله إلا الله اشهد ان لا إله إلا الله اشهد ان محمدا رسول الله اشهد ان محمدا رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) حي على الصلاة حي على الصلاة حي على الفلاح حي على الفلاح حي على خير العمل حي على خير العمل الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله لا إله إلا الله ، والإقامة كذلك».

أقول : وهذا الخبر موافق للمشهور في الأذان ومخالف له في الإقامة من جهات ثلاث : (إحداها) زيادة تكبيرتين في الأول (الثانية) ترك (قد قامت الصلاة) بالكلية (الثالثة) زيادة تهليل في الآخر ، فهو أشد الأخبار مخالفة فيها.

وبالجملة فالمسألة لا تخلو من شوب الاشكال والأظهر عندي ان منشأ هذا الاختلاف انما هو التقية لا بمعنى قول العامة بذلك بل التقية بالمعنى الذي قدمناه في المقدمة الأولى من مقدمات الكتاب ، ولكن الأمر مجهول في تعيينه في أي منها والأظهر هو الجواز بكل ما وردت به الروايات لاذنهم (عليهم‌السلام) وتوسيعهم في العمل والرد الى العالم من آل محمد (صلى‌الله‌عليه‌وآله) وان كان القول المشهور لا يخلو من قوة لما ذكرناه

__________________

(١) الوسائل الباب ١٩ من الأذان والإقامة.

٤٠٢

في صدر الكلام. والله العالم.

وفي المقام فوائد (الأولى) قال شيخنا الصدوق في الفقيه بعد نقل خبر ابي بكر الحضرمي وكليب الأسدي : قال مصنف هذا الكتاب هذا هو الأذان الصحيح لا يزاد فيه ولا ينقص منه والمفوضة (لعنهم الله) قد وضعوا اخبارا وزادوا في الأذان «محمد وآل محمد خير البرية» مرتين وفي بعض رواياتهم بعد «اشهد ان محمدا رسول الله» «اشهد ان عليا ولي الله» مرتين ومنهم من روى بدل ذلك «اشهد ان عليا أمير المؤمنين حقا» مرتين ، ولا شك في ان عليا ولي الله وانه أمير المؤمنين حقا وان محمدا وآل محمد (صلوات الله عليهم) خير البرية ولكن ليس ذلك في أصل الأذان. وانما ذكرت ذلك ليعرف بهذه الزيادة المتهمون بالتفويض المدلسون أنفسهم في جملتنا. انتهى.

أقول : ظاهر قوله «هذا هو الأذان الصحيح» من غير إشارة إلى الإقامة مع تضمن الخبر لها يومئ الى ان مذهبه في الإقامة ليس كما دل عليه الخبر ، فقول شيخنا في البحار ـ بعد ان نقل عنه في الهداية انه صرح بتثنية التهليل في آخر الإقامة ، الى ان قال بعد نقل كلام الصدوق المذكور : وظاهره العمل بهذا الخبر في الإقامة أيضا ـ لا يخفى ما فيه فإنه ـ كما ترى ـ انما حكم بصحة الأذان ولم يتعرض لذكر الإقامة في هذا الكلام ، وهذا مما يومئ الى توقفه في الإقامة وانها ليست كذلك لا الى ان مذهبه ان الإقامة كذلك.

ثم ان ما ذكره (قدس‌سره) من قوله : «والمفوضة لعنهم الله. إلخ» ففيه ما ذكره شيخنا في البحار حيث قال ـ ونعم ما قال ـ أقول لا يبعد كون الشهادة بالولاية من الاجزاء المستحبة للأذان لشهادة الشيخ والعلامة والشهيد وغيرهم بورود الاخبار بها ، قال الشيخ في المبسوط : واما قول «اشهد ان عليا أمير المؤمنين وآل محمد خير البرية» على ما ورد في شواذ الاخبار فليس بمعمول عليه في الأذان ولو فعله الإنسان لم يأثم به غير انه ليس من فضيلة الأذان ولا كمال فصوله. وقال في النهاية : فأما ما روي

٤٠٣

في شواذ الأخبار من قول «ان عليا ولي الله وان محمدا وآله خير البشر». فمما لا يعمل عليه في الأذان والإقامة فمن عمل به كان مخطئا. وقال في المنتهى : واما ما روى في الشاذ من قول «ان عليا ولي الله ومحمد وآل محمد خير البرية» فمما لا يعول عليه. ويؤيده ما رواه الشيخ احمد بن ابي طالب الطبرسي في كتاب الاحتجاج عن القاسم بن معاوية (١) قال : «قلت لأبي عبد الله (عليه‌السلام) هؤلاء يروون حديثا في معراجهم انه لما اسرى برسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) رأى على العرش (لا إله إلا الله محمد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أبو بكر الصديق) فقال سبحان الله غيروا كل شي‌ء حتى هذا؟ قلت نعم. قال ان الله عزوجل لما خلق العرش كتب عليه (لا إله إلا الله محمد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله علي أمير المؤمنين عليه‌السلام) ثم ذكر (عليه‌السلام) كتابة ذلك على الماء والكرسي واللوح وجبهة إسرافيل وجناحي جبرئيل وأكناف السموات والأرضين ورؤوس الجبال والشمس والقمر ، ثم قال (عليه‌السلام) فإذا قال أحدكم لا إله إلا الله محمد رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) فليقل علي أمير المؤمنين». فيدل على استحباب ذلك عموما والأذان من تلك المواضع ، وقد مر أمثال ذلك في أبواب مناقبه (عليه‌السلام) ولو قاله المؤذن أو المقيم لا بقصد الجزئية بل بقصد البركة لم يكن آثما فان القوم جوزوا الكلام في أثنائهما مطلقا وهذا من أشرف الأدعية والأذكار. انتهى. وهو جيد

أقول : أراد بالمفوضة هنا القائلين بأن الله عزوجل فوض خلق الدنيا الى محمد (صلى‌الله‌عليه‌وآله) وعلي (عليه‌السلام) والمشهور بهذا الاسم انما هم المعتزلة القائلون بأن الله عزوجل فوض الى العباد ما يأتون به من خير وشر.

(الثانية) ـ قد صرح جملة من الأصحاب بأن الأذان والإقامة يقصران مع العذر وفي السفر ، وقال ابن الجنيد إذا أفرد الإقامة من الأذان ثنى (لا إله إلا الله) في آخرها وان اتى بها معه فواحدة ، وقال لا بأس للمسافر ان يفرد كلمات الإقامة مرة مرة

__________________

(١) البحار ج ١٨ الصلاة ص ١٦٢.

٤٠٤

إلا التكبير في أولها فإنه مرتان.

أقول : روى الشيخ في الصحيح عن ابي عبيدة الحذاء (١) قال : «رأيت أبا جعفر (عليه‌السلام) يكبر واحدة واحدة في الأذان فقلت له لم تكبر واحدة واحدة؟ فقال لا بأس به إذا كنت مستعجلا».

وعن بريد بن معاوية عن ابي جعفر (عليه‌السلام) (٢) قال : «الأذان يقصر في السفر كما تقصر الصلاة الأذان واحدا واحدا والإقامة واحدة واحدة».

وعن نعمان الرازي (٣) قال : «سمعت أبا عبد الله (عليه‌السلام) يقول يجزئك من الإقامة طاق طاق في السفر».

وعن بريد مولى الحكم عن من حدثه عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٤) قال : «سمعته يقول لأن أقيم مثنى مثنى أحب إلى من ان أؤذن وأقيم واحدا واحدا». أقول : يعني الاكتفاء بالإقامة على وجهها عن الأذان أحب إليه من الإتيان بهما على جهة التقصير.

وعن عبد الله بن سنان في الصحيح عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٥) قال : «الإقامة مرة مرة إلا قول (الله أكبر الله أكبر) فإنه مرتان». وهذا الخبر ظاهر في ما تقدم نقله عن ابن الجنيد لكنه خص التكبير بالأول وظاهر الخبر الإطلاق فيشمل الأول والأخير.

(الثالثة) ـ الظاهر انه لا خلاف ولا إشكال في اشتراط الترتيب بين الأذان والإقامة وبين فصول كل منهما لأنها عبادة شرعية مبنية على التوقيف فالواجب الإتيان بها على الوجه الذي ورد به الأمر وبدونه لا يكون مجزئا.

ويدل على ذلك مضافا الى ما ذكرنا ما رواه ثقة الإسلام عن زرارة في الصحيح

__________________

(١ و ٢ و ٣ و ٥) الوسائل الباب ٢١ من الأذان والإقامة.

(٤) الوسائل الباب ٢٠ من الأذان والإقامة.

٤٠٥

عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (١) قال : «من سها في الأذان فقدم أو أخر أعاد على الأول الذي أخره حتى يمضي على آخره». ورواه الشيخ عن زرارة في الصحيح مثله (٢)

وعن عمار الساباطي في الموثق (٣) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) أو معته يقول ان نسي الرجل حرفا من الأذان حتى يأخذ في الإقامة فليمض في الإقامة فليس عليه شي‌ء فان نسي حرفا من الإقامة عاد الى الحرف الذي نسيه ثم يقول من ذلك الموضع الى آخر الإقامة. الحديث».

وروى الصدوق (نور الله مرقده) في الفقيه مرسلا (٤) قال : «قال أبو جعفر (عليه‌السلام) تابع بين الوضوء. الى ان قال وكذلك في الأذان والإقامة فابدأ بالأول فالأول ، فإن قلت «حي على الصلاة» قبل الشهادتين تشهدت ثم قلت حي على الصلاة».

وعن عمار الساباطي في الموثق (٥) «انه سئل أبو عبد الله (عليه‌السلام) عن رجل نسي من الأذان حرفا فذكره حين فرغ من الأذان والإقامة؟ قال يرجع الى الحرف الذي نسيه فليقله وليقل من ذلك الحرف الى آخره ولا يعيد الأذان كله ولا الإقامة».

وروى عبد الله بن جعفر الحميري في قرب الاسناد عن عبد الله بن الحسن عن جده علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر (عليه‌السلام) (٦) قال : «سألته عن الرجل يخطئ في أذانه وإقامته قبل ان يقوم في الصلاة ما حاله؟ قال ان كان أخطأ في أذانه مضى على صلاته وان كان في إقامته انصرف وأعادها وحدها وان ذكر بعد الفراغ من ركعة أو ركعتين مضى على صلاته وأجزأه ذلك».

أقول : ما اشتمل عليه موثق عمار الأول ـ من انه متى نسي حرفا من الأذان حتى أخذ في الإقامة فإنه يمضي في الإقامة ـ محمول على الرخصة بخلاف الإقامة فإنه لا رخصة في المضي ما لم يدخل في الصلاة بل يرجع ويرتب وهو من قبيل ما تقدم من الفروق بين الأذان والإقامة ، ويؤكده خبر الحميري المذكور هنا. واما ما اشتمل عليه موثق عمار الثاني من الرجوع

__________________

(١ و ٢ و ٣ و ٤ و ٥ و ٦) الوسائل الباب ٣٣ من الأذان والإقامة.

٤٠٦

إلى الحرف الذي نسيه ثم يرتب عليه ما بعده فإنه مبني على ما هو الأصل في الحكم المذكور فلا منافاة. ومعنى اشتراط الترتيب بينهما وفيهما عدم اعتبارهما بدونه فلا يعتد بهما في الجماعة ويأثم لو اعتقدهما أذانا واقامة وغير ذلك مما يترتب على صحتهما. وقد علم من الروايات المذكورة انه لا فرق في عدم الاعتداد بغير المرتب بين كون فعله عمدا أو سهوا لان الترتيب شرط والمشروط عدم عند عدم شرطه كالطهارة إلا ما خرج بدليل. والله العالم.

(الرابعة) ـ يجوز الاقتصار على الإقامة بغير أذان جماعة وفرادى لعذر كان أو غيره كما تكاثرت به الاخبار :

ومنها ـ ما رواه الصدوق عن عبد الرحمن بن ابي عبد الله عن الصادق (عليه‌السلام) (١) في الصحيح قال : «يجزئ في السفر اقامة بغير أذان».

وما رواه الشيخ في الصحيح عن الحلبي (٢) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن الرجل هل يجزئه في السفر والحضر اقامة ليس معها أذان؟ قال نعم لا بأس به».

وعن عبد الله بن سنان في الصحيح عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٣) قال : «يجزئك إذا خلوت في بيتك إقامة واحدة بغير أذان».

وعن الحلبي في الصحيح عن ابي عبد الله عن أبيه (عليهما‌السلام) (٤) «انه كان إذا صلى وحده في البيت أقام إقامة ولم يؤذن».

وعن محمد بن مسلم والفضيل بن يسار عن أحدهما (عليهما‌السلام) (٥) قال :

«يجزئك اقامة في السفر».

وعن الحسن بن زياد (٦) قال : «قال أبو عبد الله (عليه‌السلام) إذا كان القوم لا ينتظرون أحدا اكتفوا بإقامة واحدة».

وروى في كتاب قرب الاسناد عن علي بن رئاب في الصحيح (٧) قال : «سألت

__________________

(١ و ٢ و ٣ و ٤ و ٥ و ٦ و ٧) الوسائل الباب ٥ من الأذان والإقامة.

٤٠٧

أبا عبد الله (عليه‌السلام) قلت تحضر الصلاة ونحن مجتمعون في مكان واحد أتجزئنا اقامة بغير أذان؟ قال نعم».

أقول : والأصل في هذه الاخبار ان الأذان لما كان مستحبا وليس بواجب كما هو الأشهر الأظهر حسبما تقدم تحقيقه بخلاف الإقامة لما تقدم ايضا وردت الرخصة في تركه دونها لعذر كان أولا لعذر بخلافها فإنه لا بد من الإتيان بها ولم يرد الترخيص فيها في خبر من هذه الاخبار ولا غيرها وهو دليل ما قيل فيها من الوجوب كما لا يخفى على المتأمل المنصف.

(المسألة الثالثة) ـ قد تقدم في المقام الأول جملة من المستحبات في الأذان والإقامة في شروط المؤذن وبقي جملة من ذلك مما يتعلق بالأذان والإقامة كراهة واستحبابا :

فمنها ـ انه يستحب الوقوف على أواخر الفصول في الأذان والإقامة إجماعا كما ادعاه جملة من الأصحاب (رضوان الله عليهم).

ويدل عليه ما رواه ثقة الإسلام في الصحيح أو الحسن عن زرارة (١) قال : «قال أبو جعفر (عليه‌السلام) إذا أذنت فأفصح بالألف والهاء. الحديث».

وعن زرارة (٢) قال : «قال أبو جعفر (عليه‌السلام) الأذان جزم بإفصاح الألف والهاء والإقامة حدر».

ورواه الشيخ مثله (٣). وروى الصدوق عن خالد بن نجيح عن الصادق (عليه‌السلام) (٤) انه قال : «التكبير جزم في الأذان مع الإفصاح بالهاء والألف».

وعن خالد بن نجيح عنه (عليه‌السلام) (٥) انه قال : «الأذان والإقامة مجزومان». قال الصدوق وفي خبر آخر (٦) «موقوفان».

أقول : قد اشتملت هذه الاخبار على الأمر بالإفصاح بالألف والهاء ومثلها أيضا صحيحة زرارة عن ابي جعفر (عليه‌السلام) (٧) قال : «لا يجزئك من الأذان إلا

__________________

(١ و ٢ و ٣ و ٤ و ٥ و ٦ و ٧) الوسائل الباب ١٥ من الأذان والإقامة.

٤٠٨

ما أسمعت نفسك وافهمته (١) وأفصح بالألف والهاء. الحديث». وقد تقدم في صدر المقام الأول.

قال شيخنا الشهيد في الذكرى : قلت الظاهر انه ألف «الله» الأخيرة غير المكتوبة وهاؤه في آخر الشهادتين ، وعن النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) (٢) «لا يؤذن لكم من يدغم الهاء» وكذا الالف والهاء في الصلاة من «حي على الصلاة».

وقال في المنتهى : يكره ان يكون المؤذن لحانا ويستحب له ان يظهر الهاء في لفظتي «الله» و «الصلاة» والحاء من «الفلاح» لما روى عن النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) انه قال : «لا يؤذن لكم من يدغم الهاء. قلنا وكيف يقول؟ قال يقول اشهد ان لا إله إلا الله اشهد ان محمدا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله».

وقال ابن إدريس : ينبغي ان يفصح فيهما بالحروف وبالهاء في الشهادتين ، والمراد بالهاء هاء «إله» لا هاء «اشهد» ولا هاء «الله» لأن الهاء في «اشهد» مبينة يفصح بها لا لبس فيها ، وهاء «الله» موقوفة مبينة لا لبس فيها ، وانما المراد هاء «إله» فإن بعض الناس ربما أدغم الهاء في لا إله إلا الله. انتهى.

وقال الشيخ البهائي (قدس‌سره) بعد نقل ملخص ذلك عن ابن إدريس : هذا كلامه وكأنه فهم من الإفصاح بالهاء إظهار حركتها لا إظهارها نفسها.

واعترضه شيخنا المجلسي (قدس‌سره) فقال انه لا وجه لكلامه أصلا إذ كونها مبينة لا يستلزم عدم اللحن فيها وكثير من المؤذنين يقولون «أشد» وكثير منهم لا يظهرون الهمزات في أول الكلمات ولا الهاءات في أواخرها فالأولى حمله على تبيين كل الف وهمزة وهاء فيهما. انتهى.

أقول : الظاهر ضعف هذه المؤاخذة من شيخنا المجلسي على شيخنا البهائي (عطر الله

__________________

(١) كذا في الحبل المتين ص ٢٠٠ وفي كتب الحديث «أو فهمته».

(٢) المغني ج ١ ص ٤٣٠.

٤٠٩

مرقديهما) فان ما اعترض به عليه وارد ايضا على ابن إدريس فلا وجه لتخصيصه بهذه المؤاخذة وكلام شيخنا المذكور مبني على فهمه من كلام ابن إدريس وتخصيصه الإفصاح بهذا الموضع دون الموضعين المنفيين في كلامه ان الجميع مشترك في البيان والإفصاح بكل من الحروف المذكورة فلا وجه لافراده هذا الموضع إلا باعتبار الإفصاح بالحركة.

وقال شيخنا الشهيد الثاني في الروض : ولو فرض ترك الوقف أصلا سكن أواخر الفصول ايضا وان كان ذلك في أثناء الكلام ترجيحا لفضيلة ترك الاعراب على المشهور من حال الدرج ، ولو أعرب أواخر الفصول ترك الأفضل ولم تبطل الإقامة لأن ذلك لا يعد لحنا وانما هو ترك وظيفة وكذا القول في الأذان. اما اللحن ففي بطلانهما به وجهان وقد اختلف كلام المصنف فيه فحرمه في بعض كتبه وأبطلهما به والمشهور العدم. نعم لو أخل بالمعنى كما لو نصب لفظ «رسول الله» أو مد لفظة «أكبر» بحيث صار على صيغة «أكبار» جمع «كبر» وهو الطبل له وجه واحد اتجه البطلان. ولو أسقط الهاء من اسمه تعالى أو من الصلاة أو الحاء من الفلاح لم يعتد به لنقصان حروف الأذان فلا يقوم بعضه مقامه ولما روى عن النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) ، ثم أورد الحديث المتقدم في كلام المنتهى.

ومنها ـ ان يتأنى في الأذان ويحدر في الإقامة بمعنى انه لما كان الأفضل كما تقدم هو الوقوف على أواخر الفصول فالأفضل أن يجعل الوقف على آخر الفصول في الإقامة اقصر منه على آخر فصول الأذان وهو المراد من الحدر هنا ، فإنه وان كان لغة بمعنى الإسراع ـ قال في الصحاح حدر في قراءته وأذانه يحدر حدرا أي أسرع ـ لكن المراد هنا الإسراع على الوجه المذكور لا ترك الوقف بالكلية لما عرفت سابقا من استحبابه في حد ذاته.

والذي يدل على هذا الحكم روايات : منها ـ ما تقدم (١) من قوله (عليه‌السلام)

__________________

(١) ص ٤٠٨.

٤١٠

في رواية زرارة «والإقامة حدر».

وما رواه الصدوق في الصحيح عن معاوية بن وهب (١) «انه سأل أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن الأذان فقال اجهر وارفع به صوتك فإذا أقمت فدون ذلك ، ولا تنتظر بأذانك ولا إقامتك إلا دخول وقت الصلاة ، واحدر إقامتك حدرا».

وما رواه في الكافي عن الحسن بن السري عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٢) قال : «الأذان ترتيل والإقامة حدر». ورواه الشيخ مثله (٣) والترتيل لغة التأني.

ومنها ـ انه يستحب ان يفصل بين الأذان والإقامة بركعتين أو سجدة أو نحوهما مما يأتي ذكره ، قال في المعتبر ويستحب الفصل بينهما بركعتين أو بجلسة أو سجدة أو خطوة خلا المغرب فإنه لا يفصل بين اذانيها إلا بخطوة أو سكتة أو تسبيحة وعليه علماؤنا. ونحوه في المنتهى. وكلامهما يشعر بدعوى الإجماع على ذلك. وقال الشيخ في النهاية ويستحب ان يفصل الإنسان بين الأذان والإقامة بجلسة أو خطوة أو سجدة وأفضل ذلك السجدة إلا في المغرب خاصة فإنه لا يسجد بينهما ويكفي الفصل بينهما بخطوة أو جلسة خفيفة. وقال ابن إدريس من صلى منفردا فالمستحب له ان يفصل بين الأذان والإقامة بسجدة أو جلسة أو خطوة والسجدة أفضل إلا في الأذان للمغرب خاصة فإن الجلسة أو الخطوة السريعة فيها أفضل ، وإذا صلى جماعة فمن السنة ان يفصل بين الأذان والإقامة بشي‌ء من نوافله ليجتمع الناس في زمان تشاغله بها إلا صلاة المغرب فإنه لا يجوز ذلك فيها.

أقول : قد ذكر جملة من المتأخرين ومتأخريهم انهم لم يقفوا على نص يتعلق بالخطوة وبه اعترف في الذكرى ، ولا على ما يتعلق بالفصل بالسجدة حتى ان الشهيد الثاني انما التجأ إلى إمكان دلالة ما ورد في حديث الجلوس عليه فإنه جلوس وزيادة وسيأتي لك ما يدل على الجميع.

__________________

(١) الوسائل الباب ١٦ و ٨ من الأذان والإقامة.

(٢ و ٣) الوسائل الباب ٢٤ من الأذان والإقامة.

٤١١

والواجب أولا ذكر ما وصل إلينا من الأخبار عنهم (عليهم‌السلام) ليتضح لك ما في كلام أصحابنا (رضوان الله عليهم) في مواضع من هذا المقام من الغفلة الناشئة عن عدم إعطاء التأمل حقه في الأخبار :

فمن الأخبار المذكورة ما رواه في الكافي عن احمد بن محمد بن ابي نصر عن ابى الحسن (عليه‌السلام) (١) قال : «القعود بين الأذان والإقامة في الصلوات كلها إذا لم يكن قبل الإقامة صلاة يصليها».

وما رواه الشيخ عن الحسن بن شهاب عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٢) «لا بد من قعود بين الأذان والإقامة».

وعن سليمان بن جعفر الجعفري في الصحيح (٣) قال : «سمعته يقول افرق بين الأذان والإقامة بجلوس أو ركعتين».

وعن إسحاق الجريري عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٤) قال قال : «من جلس في ما بين أذان المغرب والإقامة كان كالمتشحط بدمه في سبيل الله».

وعن سيف بن عميرة عن بعض أصحابنا عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٥) قال : «بين كل أذانين قعدة إلا المغرب فان بينهما نفسا».

أقول : لا يخفى ان جملة هذه الأخبار المتقدمة عموما في بعض وخصوصا في آخر ما عدا الرواية الأخيرة ظاهرة الدلالة في الفصل بالجلوس بين أذان المغرب وإقامتها.

ويعضدها ايضا ما رواه الشيخ في كتاب المجالس بسنده فيه عن زريق (٦) قال «سمعت أبا عبد الله (عليه‌السلام) يقول : من السنة الجلوس بين الأذان والإقامة في صلاة الغداة وصلاة المغرب وصلاة العشاء ليس بين الأذان والإقامة سبحة ، ومن السنة ان يتنفل بركعتين بين الأذان والإقامة في صلاة الظهر والعصر».

وما رواه السيد الزاهد العابد المجاهد رضي الدين بن طاوس في كتاب فلاح

__________________

(١ و ٢ و ٣ و ٤ و ٥ و ٦) الوسائل الباب ١١ من الأذان والإقامة.

٤١٢

السائل بإسناده عن هارون بن موسى التلعكبري عن محمد بن همام عن حميد بن زياد عن الحسن ابن محمد بن سماعة عن الحسن بن معاوية بن وهب عن أبيه (١) قال «دخلت على ابي عبد الله (عليه‌السلام) وقت المغرب فإذا هو قد اذن وجلس فسمعته وهو يدعو بدعاء ما سمعت بمثله فسكت حتى فرغ من صلاته ثم قلت يا سيدي لقد سمعت منك دعاء ما سمعت بمثله قط؟ قال هذا دعاء أمير المؤمنين (عليه‌السلام) ليلة بات على فراش رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) وهو : يا من ليس معه رب يدعى يا من ليس فوقه خالق يخشى يا من ليس دونه إله يتقى يا من ليس له وزير يرشى يا من ليس له بواب ينادى يا من لا يزداد على كثرة السؤال إلا كرما وجودا يا من لا يزداد على عظم الجرم الا رحمة وعفوا صل على محمد وآل محمد وافعل بي ما أنت أهله فإنك أهل التقوى وأهل المغفرة وأنت أهل الجود والخير والكرم».

ولا يعارض هذه الاخبار إلا مرسلة سيف المذكورة وهي تقصر عن ذلك فرد هذه الأخبار على كثرتها وصحة بعضها في مقابلة هذا الخبر الضعيف مشكل مع إمكان حمله على ضيق الوقت.

قال السيد ابن طاوس في الكتاب المذكور : وقد رويت روايات ان الأفضل ان لا يجلس بين أذان المغرب وإقامتها وهو الظاهر من عمل جماعة من أهل التوفيق ، ولعل الجلوس بينهما في وقت دون وقت أو لفريق دون فريق. انتهى. وظاهره (قدس‌سره) الميل الى القول المشهور وحمل هذه الرواية على ما ذكره. وفيه ان ما ذكره من الروايات الدالة على ان الأفضل ان لا يجلس بين أذان المغرب وإقامتها لم يصل إلينا منها إلا المرسلة المذكورة والروايات كلها على خلافها كما عرفت.

ومن اخبار المسألة ما رواه السيد المذكور أيضا في الكتاب المشار اليه بسنده فيه

__________________

(١) مستدرك الوسائل الباب ١١ من الأذان والإقامة.

٤١٣

عن ابي علي الأنماطي عن ابي عبد الله أو أبي الحسن (عليهما‌السلام) (١) قال : «يؤذن للظهر على ست ركعات ويؤذن للعصر على ست ركعات بعد الظهر». أقول : ورواه الشيخ في التهذيب عن ابي علي صاحب الأنماط عن ابي عبد الله أو أبي الحسن (عليهما‌السلام) مثله (٢).

وقد تقدم في رواية زريق المنقولة عن مجالس الشيخ «ان من السنة ان يتنفل بركعتين بين الأذان والإقامة في صلاة الظهر والعصر». وهو مطلق فيجب حمله على هذا الخبر بان تكون الركعتان من الثمان الموظفة قبل كل من الفرضين.

وفي كتاب دعائم الإسلام عن جعفر بن محمد (عليهما‌السلام) (٣) «ولا بد من فصل بين الأذان والإقامة بصلاة أو بغير ذلك ، وأقل ما يجزئ في ذلك في صلاة المغرب التي لا صلاة قبلها ان يجلس بعد الأذان جلسة يمس فيها الأرض بيده».

وفيه إشارة الى أن الفريضة التي تكون قبلها صلاة يستحب ان يجعل منها ركعتين بين أذان تلك الفريضة وإقامتها ، وعلى ذلك تدل رواية أحمد بن محمد بن ابي نصر المتقدمة

ويعضدها ما تقدم في صحيحة ابن سنان عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٤) في حديث أذان الصبح قال : «السنة ان ينادى مع طلوع الفجر ولا يكون بين الأذان والإقامة إلا الركعتان».

وربما أشعرت هذه الروايات بان استحباب الفصل بالركعتين مخصوص بهذه الصلوات حيث ان قبلها صلاة إلا ان صحيحة الجعفري المتقدمة مطلقة في الأمر بالفرق بجلوس أو ركعتين فيمكن حمل إطلاقها على هذه الأخبار.

والمشهور بين الأصحاب هو استحباب الفصل بالركعتين مطلقا ولعلهم يحملون

__________________

(١) مستدرك الوسائل الباب ٣١ من الأذان والإقامة.

(٢ و ٤) الوسائل الباب ٣٩ من الأذان والإقامة.

(٣) مستدرك الوسائل الباب ١٠ من الأذان والإقامة.

٤١٤

هذه الروايات على تأكد الفصل بالركعتين في هذه المواضع الثلاثة.

وروى الشيخ في الصحيح عن الحلبي (١) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن الأذان في الفجر قبل الركعتين أو بعدهما؟ فقال إذا كنت اماما تنتظر جماعة فالأذان قبلهما وان كنت وحدك فلا يضرك قبلهما أذنت أو بعدهما». وهذه الرواية تدل على أفضلية الفصل بركعتي الفجر في الجماعة زيادة على ما تقدم من حيث انتظار الاجتماع للصلاة.

ومنها ـ ما رواه السيد المتقدم ذكره في كتاب فلاح السائل أيضا بسنده فيه عن بكر بن محمد عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٢) قال «كان أمير المؤمنين (عليه‌السلام) يقول لأصحابه من سجد بين الأذان والإقامة فقال في سجوده «رب سجدت لك خاضعا خاشعا ذليلا» يقول الله تعالى ملائكتي وعزتي وجلالي لأجعلن محبته في قلوب عبادي المؤمنين وهيبته في قلوب المنافقين».

وما رواه ايضا فيه بسنده عن ابن ابي عمير عن أبيه عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٣) قال : «رأيته أذن ثم أهوى للسجود ثم سجد سجدة بين الأذان والإقامة فلما رفع رأسه قال يا أبا عمير من فعل مثل فعلى غفر الله له ذنوبه كلها. وقال من اذن ثم سجد فقال (لا إله إلا أنت ربي سجدت لك خاضعا خاشعا) غفر الله له ذنوبه».

أقول : وهذان الخبران هما مستند المتقدمين في ما ذكروه من استحباب الفصل بالسجدة إلا انه لم يصل الى أكثر المتأخرين فوقعوا في ما وقعوا فيه من الاشكال وتمحلوا في طلب الدليل بالاحتمال.

ومنها ـ ما ذكره في كتاب الفقه الرضوي (٤) فقال (عليه‌السلام) «وان أحببت أن تجلس بين الأذان والإقامة فافعل فان فيه فضلا كثيرا وانما ذلك على الإمام

__________________

(١) الوسائل الباب ٣٩ من الأذان والإقامة.

(٢ و ٣) الوسائل الباب ١١ من الأذان والإقامة.

(٤) ص ٦.

٤١٥

واما المنفرد فيخطو تجاه القبلة خطوة برجله اليمنى ثم يقول بالله استفتح وبمحمد أستنجح وأتوجه اللهم صل على محمد وآل محمد واجعلني بهم وجيها في الدنيا والآخرة ومن المقربين. وان لم تفعل أيضا أجزأك». أقول : وهذا هو دليل الخطوة التي ذكرها المتقدمون إلا ان كلامهم مطلق في ذلك بالنسبة الى كل مصل وظاهر الخبر التخصيص بالمنفرد.

ومنها ـ ما رواه الصدوق والشيخ في الموثق عن عمار عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (١) قال : «إذا قمت إلى صلاة فريضة فأذن وأقم وافصل بين الأذان والإقامة بقعود أو تسبيح أو كلام». وزاد في الفقيه (٢) قال : «وسألته كم الذي يجزئ بين الأذان والإقامة من القول؟ قال الحمد لله».

وروى الشيخ في التهذيب عن عمار في الموثق (٣) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن الرجل نسي أن يفصل بين الأذان والإقامة بشي‌ء حتى أخذ في الصلاة أو أقام للصلاة؟ قال ليس عليه شي‌ء وليس له ان يدع ذلك عمدا. سئل ما الذي يجزئ من التسبيح بين الأذان والإقامة؟ قال الحمد لله». أقول : والعمل بجميع ما اشتملت عليه هذه الاخبار حسن وان تفاوت في الفضل.

وروى الشيخ في الصحيح عن ابن مسكان (٤) قال : «رأيت أبا عبد الله (عليه‌السلام) اذن واقام من غير ان يفصل بينهما بجلوس». أقول : لعله فصل بتسبيح أو تحميد أو نفس ان كان في المغرب.

وربما قيد بعضهم استحباب الفصل بالركعتين بما إذا لم يدخل وقت فضيلة الفريضة والظاهر انه استند في ذلك الى ما تقدم في مقدمة الأوقات من المنع من النافلة بعد دخول وقت الفريضة. وفيه اشكال لتعارض العمومين فتخصيص أحدهما بالآخر يحتاج الى دليل وان كان الاحتياط في ما ذكره. والله العالم.

ومنها ـ الترجيع وقد اختلف الأصحاب (رضوان الله عليهم) فيه (أولا) كراهة

__________________

(١ و ٢ و ٣ و ٤) الوسائل الباب ١١ من الأذان والإقامة.

٤١٦

وتحريما فقال الشيخ في المبسوط والخلاف انه غير مسنون ، وقال ابن إدريس وابن حمزة انه محرم وهو ظاهر الشيخ في النهاية ، وذهب آخرون إلى الكراهة ، قال في المنتهى : الترجيع مكروه ذهب إليه علماؤنا. وهو مشعر بالاتفاق على الكراهة ولعله ـ وان بعد ـ أراد ما هو أعم من التحريم.

وثانيا ـ في حقيقته وانه عبارة عما ذا؟ فقال الشيخ في المبسوط انه تكرار التكبير والشهادتين في أول الأذان. وقال العلامة في المنتهى انه تكرار الشهادتين مرتين. وقال الشهيد في الذكرى انه تكرار الفصل زيادة على الموظف. وذكر جماعة من أهل اللغة : منهم ـ صاحب القاموس وصاحب المغرب انه تكرار الشهادتين جهرا بعد إخفائهما. ونقل عن بعض أهل اللغة انه فسره بترديد القراءة.

أقول : لا يخفى ان الترجيع بأي معنى فسر مما ذكره الأصحاب ان اتى به المكلف من حيث اعتقاد كونه من الأذان فلا ريب في تحريمه لأن الأذان عبادة شرعية متلقاة من الشارع فالزيادة فيها باعتقاد انها منها تشريع محرم ، وان كان لا باعتبار ذلك فلا يبعد القول بالكراهة ، وبه يجمع بين القولين المتقدمين إذ مرجع قول الشيخ انه ليس بمسنون إلى انه مكروه أو محرم لأنها عبادة ومتى انتفت عنها المسنونية فليس إلا أحد الفردين المذكورين إذ لا معنى للجواز هنا بالمعنى الأخص. والى القول بالتحريم متى اعتقد الشرعية مال في المدارك والذخيرة ولا ريب فيه كما عرفت.

وذكر الشيخ وجمع من الأصحاب ـ بل نقل عليه في المختلف الاتفاق ـ انه لو قصد بالترجيع اشعار المصلين فلا منع فيه.

ويدل عليه ما رواه الشيخ في الصحيح عن ابن محبوب عن علي بن أبي حمزة عن ابي بصير عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (١) قال : «لو ان مؤذنا أعاد في الشهادة وفي (حي على الصلاة أو حي على الفلاح) المرتين والثلاث وأكثر من ذلك إذا كان اماما يريد

__________________

(١) الوسائل الباب ٢٣ من الأذان والإقامة.

٤١٧

جماعة القوم ليجمعهم لم يكن به بأس». وظاهر هذه الرواية ربما دل على ما ذهب إليه في الذكرى من تفسير معنى الترجيع بحمل ما ذكر في الرواية على مجرد التمثيل.

ومما يدل على النهي عن الترجيع ما في كتاب الفقه الرضوي (١) حيث قال (عليه‌السلام) بعد ذكر فصول الأذان وعددها «ليس فيها ترجيع ولا تردد ولا الصلاة خير من النوم». والظاهر ان عطف التردد تفسيري للترجيع. أقول : ومن المحتمل قريبا ان المراد بالترجيع المنهي عنه هنا هو ترجيع الصوت وترديده على جهة الغناء لا تكرار الكلمات كلا أو بعضا. والتعبير بالترجيع لم أقف عليه في شي‌ء من الأخبار سوى هذا الخبر وانما وقع ذلك في كلام الأصحاب وقد عرفت اختلافهم في معناه ورواية أبي بصير المذكورة انما اشتملت على لفظ الإعادة ، وذكرهم الترجيع والاختلاف فيه تحريما وكراهة وكذا في معناه مع عدم وروده في الأخبار عجيب إلا ان يكون المستند فيه هو كتاب الفقه المذكور ولا بعد فيه لما عرفت في غير موضع مما تقدم من وجود كثير من الأدلة التي أنكرها المتأخرون على المتقدمين في كتاب المذكور. والله العالم.

ومنها ـ التثويب وقد وقع الخلاف هنا أيضا في حقيقته وحكمه والمشهور بين الأصحاب انه عبارة عن قول «الصلاة خير من النوم» صرح به الشيخ في المبسوط وابن ابي عقيل والسيد المرتضى وغيرهم (رضوان الله عليهم) قال في المنتهى التثويب في أذان الغداة وغيرها غير مشروع وهو قول : «الصلاة خير من النوم» ذهب إليه أكثر علمائنا وهو قول الشافعي ، وأطبق أكثر الجمهور على استحبابه في الغداة ، لكن عن أبي حنيفة روايتان في كيفيته فرواية كما قلناه والأخرى ان التثويب عبارة عن قول المؤذن بين أذان الفجر وإقامته «حي على الصلاة» مرتين «حي على الفلاح» مرتين (٢)

__________________

(١) ص ٦.

(٢) بدائع الصنائع ج ١ ص ١٤٨ والبحر الرائق ج ١ ص ٢٧٤ والمبسوط ج ١ ص ١٣٠ الا ان فيهما «قدر ما يقرأ عشرين آية».

٤١٨

ثم قال في موضع آخر من المنتهى ايضا : يكره ان يقول بين الأذان والإقامة «حي على الصلاة حي على الفلاح» وبه قال الشافعي ، وقال محمد بن الحسن كان التثويب الأول «الصلاة خير من النوم» مرتين بين الأذان والإقامة ثم أحدث الناس بالكوفة «حي على الصلاة حي على الفلاح» مرتين بينهما وهو حسن. وقال بعض أصحاب أبي حنيفة يقول بعد الأذان «حي على الصلاة حي على الفلاح» بقدر ما يقرأ عشر آيات. انتهى كلام المنتهى. وقال الشيخ في النهاية التثويب تكرير الشهادتين والتكبيرات زائدا على العدد الموظف شرعا. وقال ابن إدريس هو تكرير الشهادتين دفعتين لأنه مأخوذ من «ثاب» إذا رجع.

واما كلام أهل اللغة هنا فإنه قال في النهاية : الأصل في التثويب أن يجي‌ء الرجل مستصرخا فيلوح بثوبه ليرى ويشهر فسمى الدعاء تثويبا لذلك وكل داع مثوب. وقيل انما سمى تثويبا من «ثاب يثوب» إذا رجع فهو رجوع الى الأمر بالمبادرة إلى الصلاة فإن المؤذن إذا قال «حي على الصلاة» فقد دعاهم إليها فإذا قال بعدها «الصلاة خير من النوم» فقد رجع الى كلام معناه المبادرة إليها. واما في القاموس فإنه فسره بمعان : منها ـ الدعاء إلى الصلاة وتثنية الدعاء وان يقول في أذان الفجر «الصلاة خير من النوم» مرتين. وقال في المغرب التثويب القديم هو قول المؤذن في أذان الصبح «الصلاة خير من النوم» والمحدث «الصلاة الصلاة» أو «قامت قامت».

واختلفوا أيضا في حكمه لو لم يكن المقام مقام تقية فذهب ابن إدريس وابن حمزة وجمع من المتأخرين إلى التحريم وهو ظاهر الشيخ في النهاية ، وقال الشيخ في المبسوط والمرتضى في الانتصار بالكراهة وهو اختيار المحقق ، وعن ابن الجنيد انه لا بأس به في أذان الصبح ، وعن الجعفي يقول في أذان صلاة الصبح بعد قوله «حي على خير العمل حي على خير العمل» «الصلاة خير من النوم» مرتين وليستا من أصل الأذان. هذا ما يتعلق بالمقام من كلام العلماء الاعلام.

٤١٩

واما ما يتعلق بذلك من اخبار أهل الذكر عليهم الصلاة والسلام. فمنه ما رواه الشيخ في الصحيح عن معاوية بن وهب (١) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن التثويب الذي يكون بين الأذان والإقامة فقال ما نعرفه». ورواه الكليني والصدوق وابن إدريس في السرائر نقلا من كتاب محمد بن علي بن محبوب (٢).

وعن زرارة في الصحيح (٣) قال : «قال لي أبو جعفر (عليه‌السلام) يا زرارة تفتتح الأذان بأربع تكبيرات وتختمه بتكبيرتين وتهليلتين وان شئت زدت على التثويب «حي على الفلاح» مكان الصلاة خير من النوم».

وعن محمد بن مسلم في الموثق عن ابي جعفر (عليه‌السلام) (٤) قال : «كان ابي ينادي في بيته ب (الصلاة خير من النوم) ولو رددت ذلك لم يكن به بأس».

وعن ابي بصير في الموثق عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٥) قال : «النداء والتثويب في الإقامة من السنة».

وروى المحقق في المعتبر نقلا من كتاب احمد بن محمد بن ابي نصر عن عبد الله ابن سنان عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٦) قال : «إذا كنت في أذان الفجر فقل (الصلاة خير من النوم) بعد (حي على خير العمل) ولا تقل في الإقامة (الصلاة خير من النوم) انما هذا في الأذان».

أقول : التحقيق في هذا المقام هو ما ذكرناه في سابقه من ان كلا من الأذان والإقامة عبادة شرعية متلقاة من الشارع ، وأخبارهما الواردة في كيفيتهما عن أئمة الهدى (عليهم‌السلام) خالية من هذه الزيادات في أثناء أحدهما أو بينهما كما تقدم ذكره وبه يظهر التحريم متى اعتقد دخولها في الكيفية أو التعبد بها ، ولما كان جمهور العامة على استحباب ذلك ـ كما تقدم في كلام المنتهى ويعضده ما تقدم في رواية زيد النرسي (٧)

__________________

(١ و ٢ و ٤ و ٥ و ٦) الوسائل الباب ٢٢ من الأذان والإقامة.

(٣) الوسائل الباب ١٩ و ٢٢ من الأذان والإقامة.

(٧) ص ٣٩٧.

٤٢٠