الحدائق الناضرة - ج ٧

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]

الحدائق الناضرة - ج ٧

المؤلف:

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]


المحقق: محمّد تقي الإيرواني
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٥٦

وعن منصور بن حازم في الصحيح عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (١) قال : «صلاة المغرب والعشاء بجمع بأذان واحد وإقامتين». الى غير ذلك من الأخبار الآتية في كتاب الحج ان شاء الله تعالى.

انما الخلاف بينهم في حكم السقوط في حال الجمع مطلقا وخصوص عصري الجمعة وعرفة وعشاء المزدلفة هل هو على سبيل الرخصة وان كان مستحبا أو الكراهة كما في سائر مكروهات العبادات أو انه محرم؟ أقوال ، فذهب جمع من الأصحاب : منهم ـ العلامة إلى التحريم في الثلاثة الأخيرة وأطلق الباقون سقوطه مع مطلق الجمع.

واختلف كلام شيخنا الشهيد (قدس‌سره) في المسألة ففي الذكرى توقف في كراهته في الثلاثة المشار إليها استنادا الى عدم وقوفه فيه على نص ولا فتوى ثم حكم بنفي الكراهة وجزم بانتفاء التحريم فيها وببقاء الاستحباب في الجمع بغير الثلاثة المذكورة مأولا الساقط بأنه أذان الاعلام وان الباقي أذان الذكر والإعظام. وقريب منه كلامه في الدروس فإنه قال : وربما قيل بكراهته في الثلاثة وبالغ من قال بالتحريم. وقال في البيان ان الأقرب ان الأذان في الثلاثة حرام مع اعتقاد شرعيته. وتوقف في غيرها.

والمفهوم من كلام شيخنا الشهيد الثاني في الروض والروضة هو التحريم في المواضع الأربعة حيث قال في الروضة بعد ذكرها : وهل سقوط الأذان في هذه المواضع رخصة فيجوز الأذان أم عزيمة فلا يشرع؟ وجهان من انه عبادة توقيفية ولا نص عليها هنا بخصوصه والعموم مخصص بفعل النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) فإنه جمع بين الظهرين والعشاءين لغير مانع بأذان وإقامتين وكذا في تلك المواضع والظاهر انه لمكان الجمع لا لخصوصية البقعة ، ومن انه ذكر الله ولا وجه لسقوطه أصلا بل تخفيفا ورخصة. ثم استشكل في الوجه الثاني بمنع كونه بجميع فصوله ذكرا ، وبان الكلام في خصوصية العبادة لا في مطلق الذكر ، الى ان قال بعد نقل الخلاف : والظاهر التحريم في ما لا إجماع على

__________________

(١) الوسائل الباب ٣٤ من المواقيت.

٣٨١

استحبابه منها لما ذكرناه. انتهى.

وظاهر السيد السند في المدارك اختيار التحريم في خصوص عصر عرفة وعشاء المزدلفة خاصة حيث قال بعد إيراد صحيحة ابن سنان المتقدمة : وهل سقوط الأذان هنا على سبيل الرخصة أو الكراهة أو التحريم؟ أوجه ذهب الى كل منها ذاهب والأصح التحريم كما اختاره العلامة في المنتهى والشهيد في البيان لأنه مخالفة للسنة فيكون بدعة وقد صح عن الصادق (عليه‌السلام) (١) انه قال : «كل بدعة ضلالة وكل ضلالة سبيلها الى النار». وعلى نهجه نهج الفاضل الخراساني في الذخيرة أيضا للخبر المذكور وستعرف ما فيه ان شاء الله تعالى. واما في موضع الجمع فإنه قال : لا يبعد ان يقال انه مكروه في موضع يستحب الجمع بالمعنى المتعارف في العبادات بمعنى ان الإتيان به أقل ثوابا من الإتيان بالصلاة من غير تفريق ، قال واما في غير موضع استحباب الجمع فتركه مرخص فيه بمعنى عدم التأكيد في استحبابه كما في غيره لا انه مكروه أو مباح.

أقول وبالله التوفيق إلى هداية سواء الطريق : الأظهر عندي في هذه المسألة ما رجحه شيخنا الشهيد الثاني (روح الله روحه) من التحريم في المواضع الأربعة المتقدمة الراجعة في التحقيق الى مطلق الجمع :

(اما أولا) فلان العبادات توقيفية مبنية على التوظيف من الشارع ولم يعلم منه الأذان للثانية في صورة الجمع مطلقا بل المعلوم من الاخبار خلافه وانه لا أذان ثمة :

فمنها ـ ما دل على حكاية فعله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) وفعل الأئمة (عليهم‌السلام) كما تقدم في صحيحة الرهط ورواية صفوان الجمال وصحيحة عبد الله بن سنان ، ومثلها رواية عبد الله بن سنان (٢) قال : «شهدت المغرب ليلة مطيرة في مسجد رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) فحين كان قريبا من الشفق نادوا وأقاموا الصلاة فصلوا المغرب

__________________

(١) الوسائل الباب ١٠ من نافلة شهر رمضان.

(٢) الوسائل الباب ٣١ من المواقيت.

٣٨٢

ثم أمهلوا الناس حتى صلوا ركعتين ثم قام المنادي في مكانه في المسجد فأقام الصلاة فصلوا العشاء ثم انصرف الناس الى منازلهم ، فسألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن ذلك فقال نعم قد كان رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) عمل بهذا».

ومنها ـ ما دل على أمر المكلفين بذلك كصحيحتي عبد الله بن سنان ومنصور بن حازم المتقدمتين صدر هذه المسألة ونحوهما صحيحة حريز عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (١) «في رجل يقطر منه البول من انه يتخذ كيسا يجعل فيه قطنا ، الى ان قال يجمع بين الصلاتين الظهر والعصر بأذان وإقامتين يؤخر الظهر ويعجل العصر وكذا يؤخر المغرب ويعجل العشاء ويجمع بينهما بأذان وإقامتين».

ولم يرد في شي‌ء من روايات الجمع الإشارة فضلا عن التصريح الى أذان الثانية بالكلية ومنه يعلم انه لا أذان للثانية في صورة الجمع مطلقا من المواضع الثلاثة وغيرها لعدم ثبوت التعبد به ، والاستناد الى الأخبار المطلقة هنا ضعيف لان هذه الاخبار خاصة فيخصص بها إطلاق تلك الاخبار كما هو القاعدة المتفق عليها.

والعجب ان السيد السند (قدس‌سره) ذكر ـ في مسألة أذان المرأة للرجال الأجانب بناء على عدم تحريم سماع صوتها بعد ان نقل عن ظاهر المبسوط الجواز ـ ما صورته : ويمكن تطرق الإشكال إلى اعتداد الرجال بأذانهن على هذا التقدير ايضا لتوقف العبادة على التوقيف وعدم ورود النقل بذلك. انتهى ، وحينئذ فإذا احتاج الى التوقيف في هذه الصورة مع دخولها تحت إطلاق أخبار الأذان وعدم ورود نص في خصوصها بالمنع فكيف لا يحتاج الى التوقيف في ما دلت النصوص على السقوط فيه بل يعمل بإطلاق تلك الأخبار ويلغى هذه النصوص الدالة على السقوط أو يتأولها.

وقال أيضا في مسألة الأذان في قضاء الصلوات الخمس بعد ان نقل عن الأصحاب استحباب الأذان والإقامة لكل صلاة وكلام في البين : ولو قيل بعدم مشروعية الأذان

__________________

(١) الوسائل الباب ١٩ من نواقض الوضوء.

٣٨٣

لغير الاولى من الفوائت مع الجمع بينها كان وجها قويا لعدم ثبوت التعبد به على هذا الوجه. انتهى. وهذا بعينه آت في ما نحن فيه فان الروايات ـ كما قدمناها في تلك المسألة ـ دلت على ان الأذان للأولى خاصة وان ما بعدها بإقامة إقامة فيخص بها أخبار الأذان المطلقة ، وبه يظهر ان التعبد به في هذه الصورة غير ثابت وكذا ما نحن فيه فان الاخبار كما عرفت قد تكاثرت في صورة الجمع بأنه يؤذن للأولى خاصة ويقيم للثانية من غير أذان. والتقريب المذكور الذي رجح به عدم إعادة الأذان في بقية الفرائض المقضية آت في ما نحن فيه فكيف غفل عن ذلك وحكم بالتحريم بعصر عرفة وعشاء المزدلفة ومثله الفاضل الخراساني الذي تبعه في تينك المسألتين المتقدمتين ايضا.

و (اما ثانيا) فلصحيحة عبد الله بن سنان المتقدمة والتقريب فيها ان الظاهر ـ كما صرح به جملة من الأصحاب ـ ان ترك الأذان في الصورتين المذكورتين فيها ليس الا لخصوص الجمع لا للبقعة وقد دلت على ان السنة هو ترك الأذان فيكون الآتي به مخالفا للسنة وليس بعد ذلك إلا كونه بدعة وبه يثبت ان الإتيان به في مقام الجمع ـ حيثما كان ـ بدعة.

ويعضد ما ذكرناه من ان ترك الأذان في عصر عرفة وعشاء المزدلفة انما هو من حيث الجمع لا لخصوص البقعة خبر حريز المذكور في السلس فإنه من الظاهر ان ذلك ايضا ليس من حيث خصوصية السلس بل من حيث مقام الجمع وان السنة في مقام الجمع حيثما كان وكيفما كان هو سقوط أذان الثانية فيجب اطراد الحكم في روايات المستحاضة الدالة على الجمع وان لم يصرح فيها بالأذان والإقامة بالتقريب المذكور في هذه الأخبار.

واما ما ذكره الفاضل الخراساني في الذخيرة هنا من الاحتمالات والمناقشات التي ليس في التعرض لنقلها كثير فائدة فضعفها يعلم مما حققناه. والله العالم.

(المسألة الثامنة) ـ لو صليت الفريضة جماعة في المسجد ثم جاء آخرون وأرادوا الصلاة جماعة أو فرادى لم يؤذنوا ولم يقيموا وبنوا على أذان الجماعة السابقة وإقامتها ما لم تتفرق الصفوف وإلا أذنوا وأقاموا ، قال الشيخ : والوجه ان الأذان إعلام بدخول الوقت

٣٨٤

وقد حصل فلا معنى لإعادته اما إذا تفرقت الصفوف فان صلاته بعد ذلك كالصلاة المستأنفة. أقول : لا يخفى ما في هذا التعليل العليل من الضعف بل الوجه انما هو دلالة النصوص على ذلك :

ومنها ـ ما رواه الشيخ في التهذيب عن ابي علي (١) قال : «كنا عند ابي عبد الله (عليه‌السلام) فأتاه رجل فقال جعلت فداك صلينا في المسجد الفجر وانصرف بعضنا وجلس بعض في التسبيح فدخل علينا رجل المسجد فاذن فمنعناه ودفعناه عن ذلك؟ فقال أبو عبد الله (عليه‌السلام) أحسنت ادفعه عن ذلك وامنعه أشد المنع. فقلت فان دخلوا فأرادوا أن يصلوا فيه جماعة؟ قال يقومون في ناحية المسجد ولا يبدر بهم امام».

وما رواه في الكافي عن ابي بصير (٢) قال : «سألته عن الرجل ينتهي الى الامام حين يسلم؟ فقال ليس عليه ان يعيد الأذان فليدخل معهم في أذانهم فإن وجدهم قد تفرقوا أعاد الأذان».

وما رواه في التهذيب عن ابي بصير عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٣) قال : «قلت الرجل يدخل المسجد وقد صلى القوم أيؤذن ويقيم؟ قال ان كان دخل ولم يتفرق الصف صلى بأذانهم وإقامتهم وان كان تفرق الصف اذن واقام».

وعن عمرو بن خالد عن زيد بن علي عن آبائه (عليهم‌السلام) (٤) قال : «دخل رجلان المسجد وقد صلى علي (عليه‌السلام) بالناس فقال لهما ان شئتما فليؤم أحدكما صاحبه ولا يؤذن ولا يقيم».

وعن السكوني عن جعفر عن أبيه عن علي (عليهم‌السلام) (٥) انه كان يقول «إذا دخل الرجل المسجد وقد صلى اهله فلا يؤذنن ولا يقيمن ولا يتطوع حتى يبدأ بصلاة الفريضة ولا يخرج منه الى غيره حتى يصلي فيه».

__________________

(١) الوسائل الباب ٦٥ من صلاة الجماعة.

(٢ و ٣ و ٤ و ٥) الوسائل الباب ٢٥ من الأذان والإقامة.

٣٨٥

وفي كتاب زيد النرسي عن عبيد بن زرارة عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (١) قال : «إذا أدركت الجماعة وقد انصرف القوم ووجدت الامام مكانه وأهل المسجد قبل ان يتفرقوا أجزأك أذانهم وإقامتهم فاستفتح الصلاة لنفسك ، وإذا وافيتهم وقد انصرفوا عن صلاتهم وهم جلوس أجزأ إقامة بغير أذان ، وان وجدتهم وقد تفرقوا وخرج بعضهم من المسجد فاذن وأقم لنفسك».

قال في المدارك : بعد ان أورد مستندا للحكم المذكور رواية أبي بصير الثانية ورواية ابي علي : وعندي في هذا الحكم من أصله توقف لضعف مستنده باشتراك راوي الأولى بين الثقة والضعيف وجهالة راوي الثانية فلا يسوغ التعلق بهما.

أقول : لا يخفى ما في هذه المناقشة الواهية لأن ضعف هذين الخبرين بناء على تسليم هذا الاصطلاح مجبور بعمل الطائفة بهما إذ لأراد لهذا الحكم ولا مخالف فيه ، وقد سلم في غير موضع العمل بالخبر الضعيف المجبور بعمل الأصحاب وان خالف في مواضع أخر كما في هذا الموضع ، وقد عرفت ان هذين الخبرين معتضدان بغيرهما من الأخبار المذكورة.

إلا انه قد ورد ايضا ما ظاهره المناقضة لهذه الاخبار في ما دلت عليه من سقوط الأذان في هذه الصورة :

ومنها ـ ما رواه في الفقيه في الموثق عن عمار عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٢) «انه سئل عن الرجل أدرك الإمام حين سلم؟ قال عليه ان يؤذن ويقيم ويفتتح الصلاة». ورواه الشيخ في التهذيب في الموثق عن عمار مثله (٣).

وما رواه في الفقيه ايضا عن معاوية بن شريح (٤) في حديث قال : «ومن

__________________

(١) مستدرك الوسائل الباب ٢٢ من الأذان والإقامة.

(٢ و ٣) الوسائل الباب ٢٥ من الأذان والإقامة.

(٤) الوسائل الباب ٦٥ من صلاة الجماعة.

٣٨٦

أدركه وقد رفع رأسه من السجدة الأخيرة وهو في التشهد فقد أدرك الجماعة وليس عليه أذان ولا اقامة ، ومن أدركه وقد سلم فعليه الأذان والإقامة».

والمحدث الكاشاني في الوافي حمل موثقة عمار على صورة التفرق ، والظاهر بعده حيث انها اشتملت على انه أدركه حين سلم وتفرق الناس حين التسليم خلاف المعروف المعهود بين الناس والموظف شرعا من الجلوس للتعقيب ولو قليلا. وذكر ايضا ـ بعد نقل رواية معاوية بن شريح وانها رويت في التهذيب عارية عن هذه الزيادة ـ انه يحتمل ان تكون هذه الزيادة من كلام الصادق (عليه‌السلام) ويحتمل ان تكون من كلام الصدوق

أقول : والظاهر حمل هذين الخبرين على الجواز على كراهية بمعنى حمل النهي في تلك الاخبار على الكراهة جمعا بين الأخبار ـ ولا ينافيه قوله في خبر ابي علي «ادفعه عن ذلك وامنعه أشد المنع» فإنه محمول على تأكيد الكراهة ، وبذلك يظهر ان السقوط هنا ليس كالسقوط في ما تقدم من تلك الصور التي وقع فيها الاختلاف.

بقي في المسألة فوائد يحسن التنبيه عليها لضرورة الرجوع إليها : (الأولى) قال شيخنا الصدوق (عطر الله مرقده) في كتاب الفقيه : لا يجوز جماعتان في مسجد في صلاة واحدة. ثم نقل حديث ابي علي المتقدم في صدر المسألة ، وتبعه على هذا القول المحدث الكاشاني ، وهو بناء منهما على ان قوله (عليه‌السلام) في آخر الخبر «لا يبدو لهم امام» بالواو أو «لا يبدر لهم امام» بالراء عوض الواو أو «لا يبدر بهم» على اختلاف النسخ في هذا الخبر بمعنى لا يظهر لهم امام وهو كناية عن عدم الصلاة جماعة ، والمفهوم من كلام الأصحاب هو الجواز من غير خلاف ينقل في كلامهم لكن يراعى في الأذان والإقامة التفرق وعدمه كما دلت عليه الاخبار المتقدمة حتى اني لم أقف على ناقل لخلاف الصدوق هنا مع ان عبارته ـ كما ترى ـ صريحة في ذلك.

وقال الشيخ المفيد (قدس‌سره) في المقنعة : وإذا صلى في مسجد جماعة لا يجوزان يصلى دفعة أخرى جماعة بأذان واقامة. وظاهر هذه العبارة تحريم الأذان والإقامة للجماعة

٣٨٧

الثانية ان خص النهي بالرجوع الى القيد كما هو المشهور ، وان رجع الى القيد والمقيد كان فيه دلالة على تحريم الجماعة مرة ثانية مع الأذان والإقامة. والأمران مشكلان ، والشيخ في التهذيب بعد ان ذكر هذه العبارة أورد حديث ابي علي دليلا عليها ، ثم قال بعد نقل الحديث بتمامه : والذي يدل على ما قلناه من انه لا يؤذن ولا يقيم متى أرادوا الجماعة ما رواه محمد بن احمد بن يحيى ، ثم ساق رواية زيد بن علي المتقدمة. وحينئذ فمعنى آخر الخبر على ما فهمه الأصحاب انما هو لا يبدو لهم أو يبدر يعني بأذان واقامة. وهذا الخبر وان كان مجملا في الدلالة على هذا المعنى إلا ان حديث زيد المذكور صريح في ذلك. وما ذكره المحدث الكاشاني في تأويله ـ حيث انه اختار مذهب الصدوق من حمله على الرخصة في خصوص الاثنين حيث انه مورد الخبر ـ بعيد غاية البعد. والاحتياط لا يخفى.

(الثانية) ـ قد علق إعادة الأذان في خبري أبي بصير على تفرق الصف فان تفرقوا اذن واقام ، والتفرق يصدق بذهاب بعضهم وبقاء بعض ، وحينئذ فيؤذن ويقيم في هذه الصورة ولا يترك الأذان والإقامة إلا مع بقائهم جميعا الذي هو مصداق عدم التفرق ، وعلى هذا تلزم المنافاة لخبر ابي علي الدال على انه مع انصراف بعضهم وبقاء بعض فإنه لا يؤذن ولا يقيم ، فالواجب حمل التفرق في الخبرين المذكورين على انصراف الجميع وذهابهم كلهم جمعا بين الاخبار ، فلو بقي بعضهم ولو واحدا كفى في سقوط الأذان وهو اختيار شيخنا الشهيد الثاني. ويمكن جعل المناط في سقوط الأذان بقاءهم كملا أو بقاء الأكثر وان ذهب الأقل. إلا ان ظاهر خبر زيد النرسي مما يؤيد ظاهر الخبرين المذكورين ، فان الظاهر ان معناه هو انك إذا أدركت الجماعة وقد انصرف القوم اي فرغوا من الصلاة ووجدت الامام مكانه وأهل المسجد لم يتفرقوا يعني لم يخرجوا من المسجد بل بقوا مشتغلين بالتعقيب والذكر فإنه يجزيك أذانهم وإقامتهم ، وإذا وافيتهم وقد فرغوا من صلاتهم وهم جلوس لغير التعقيب بل لأمور أخر فأقم بغير أذان ، وان وجدتهم قد تفرقوا وخرج بعضهم من المسجد فأذان وأقم. وهو غريب لا قائل به في ما اعلم.

٣٨٨

وقال الشيخ في المبسوط : إذا اذن في مسجد دفعة لصلاة بعينها كان ذلك كافيا لمن يصلي تلك الصلاة في ذلك المسجد ويجوز له ان يؤذن في ما بينه وبين نفسه وان لم يفعل فلا شي‌ء عليه. وظاهر كلامه يؤذن باستحباب الأذان سرا وان السقوط عام يشمل التفرق وعدمه وهو خلاف ظاهر الأخبار المتقدمة.

(الثالثة) ـ هل يكون الحكم هنا مقصورا على المسجد أو عام له ولغيره؟ وجهان بل قولان اختار أولهما المحقق في المعتبر والنافع والشهيد الثاني واختاره في المدارك عملا بمدلول الروايتين ، قال : ويجوز ان تكون الحكمة في السقوط مراعاة جانب امام المسجد الراتب بترك ما يحث على الاجتماع ثانيا. وقال في الذكرى : الأقرب انه لا فرق بين المسجد وغيره وذكره في الرواية على الأغلب.

أقول : لا يخفى ان أكثر أخبار المسألة المتقدمة قد اشتملت على المسجد وما أطلق منها فالظاهر حمله عليه لأن الأحكام الشرعية انما تبنى على الغالب المتكرر ولا ريب ان صلاة الجماعة انما تتكرر وتعاد في المساجد ووقوعها نادرا لعلة في بعض المواضع لا يقدح ، وحينئذ فإذا كان مورد النصوص المسجد فالخروج عن ذلك يحتاج الى دليل. وبالجملة فإنه يقتصر في ترك ما علم ثبوته واستحبابه بالأدلة القاطعة على الموضع المتيقن.

(الرابعة) ـ الظاهر شمول الحكم للجامع والمنفرد كما هو ظاهر كلام الأصحاب ونقل عن ابن حمزة انه خصه بالجماعة وهو ناشى‌ء عن الغفلة عن مراجعة الأخبار التي قدمناها فإنها صريحة في المنفرد.

(الخامسة) ـ هل يختص الحكم بالفريضة المؤداة أو يعم ما لو دخل الداخل وأراد ان يصلي قضاء؟ إشكال ينشأ من ان إطلاق النصوص بصلاة الداخل شامل للأداء والقضاء ، ومن ان قرائن الحال من قصد المسجد والمسارعة إلى الدخول مع الامام ونحو ذلك انما ينصرف إلى الأداء. ولم أقف على تصريح لأحد من الأصحاب بذلك.

(المسألة التاسعة) ـ الظاهر انه لا خلاف بين الأصحاب في انه لو اذن المنفرد

٣٨٩

ثم أراد الصلاة جماعة فإنه يعيد أذانه وإقامته.

ويدل على ذلك ما رواه الشيخ في الموثق عن عمار الساباطي عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (١) قال : «سئل عن الرجل يؤذن ويقيم ليصلي وحده فيجي‌ء رجل آخر فيقول له نصلي جماعة هل يجوز ان يصليا بذلك الأذان والإقامة؟ قال لا ولكن يؤذن ويقيم». ورواه الكليني مثله (٢).

وطعن في المعتبر ومثله في المدارك في الرواية بضعف السند لان رواتها فطحية لكن قال في المعتبر ان مضمونها استحباب تكرار الأذان والإقامة وهو ذكر الله وذكر الله حسن ، ثم استقرب الاجتزاء بالأذان والإقامة وان نوى الانفراد ، وأيد ذلك بما رواه صالح بن عقبة عن ابي مريم الأنصاري (٣) قال : «صلى بنا أبو جعفر (عليه‌السلام) في قميص بلا إزار ولا رداء ولا أذان ولا اقامة فلما انصرف قلت له عافاك الله صليت بنا في قميص بلا إزار ولا رداء ، ولا أذان ولا اقامة؟ فقال ان قميصي كثيف فهو يجزئ ان لا يكون علي إزار ولا رداء ، واني مررت بجعفر وهو يؤذن ويقيم فلم أتكلم فأجزأني ذلك». قال وإذا اجتزأ بأذان غيره مع الانفراد فبأذانه أولى. انتهى.

وقال الشهيد في الذكرى بعد ذكر الحكم المذكور والاستدلال بالرواية المذكورة ما صورته : وبها أفتى الأصحاب ولا راد لها سوى الشيخ نجم الدين فإنه ضعف سندها بأنهم فطحية وقرب الاجتزاء بالأذان والإقامة أولا لأنه قد ثبت جواز اجتزائه بأذان غيره فبأذان نفسه اولى. قلت ضعف السند لا يضر مع الشهرة في العمل والتلقي بالقبول والاجتزاء بأذان غيره لكونه صادف نية السامع للجماعة فكأنه اذن للجماعة بخلاف الناوي بأذانه الانفراد.

قال في المدارك : بعد ان نقل ملخص هذا الكلام عن الذكرى : ويشكل بما

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ٢٧ من الأذان والإقامة.

(٣) التهذيب ج ١ ص ٢١٦ وفي الوسائل الباب ٣٠ من الأذان والإقامة.

٣٩٠

بيناه مرارا من ان مثل هذه الشهرة لا تقتضي تسويغ العمل بالخبر الضعيف ، وان ظاهر الخبر ترتب الاجزاء على سماع الأذان من غير مدخلية لما عدا ذلك فيه ، الى ان قال والمعتمد الاجتزاء بالأذان المتقدم كما اختاره في المعتبر وان كانت الإعادة أولى. انتهى.

أقول : لا يخفى ما في هذه المناقشة الواهية التي هي لبيت العنكبوت ـ وانه لا وهن البيوت ـ مضاهية.

والكلام في هذا المقام اما بالنسبة الى صاحب المعتبر ففيه (أولا) انه قد صرح في صدر كتابه وجعله من المقدمات لمثل هذه الأحكام والأصول التي يجب البناء عليها في كل مقام بما صورته : قد أفرط الحشوية في العمل بخبر الواحد حتى انقادوا الى كل خبر وما فطنوا الى ما تحته من التناقض فان من جملة الأخبار قول النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) (١) «ستكثر بعدي الفالة على». وقول الصادق (عليه‌السلام) (٢) «ان لكل رجل منا رجلا يكذب عليه». واقتصر بعض عن هذا الإفراط فقال كل سليم السند يعمل به وما علم ان الكاذب قد يصدق وما تنبه ان ذلك طعن في علماء الشيعة وقدح في المذهب إذ لا مصنف إلا وهو قد يعمل بخبر المجروح كما يعمل بخبر العدل ، وأفرط آخرون في رد الخبر حتى أحال استعماله عقلا ونقلا. الى ان قال وكل هذه الأقوال منحرفة عن السنن والتوسط أقرب ، فما قبله الأصحاب أو دلت القرائن على صحته عمل به وما أعرض الأصحاب عنه أو شذ وجب إطراحه ، ثم استدل على ذلك بأدلة من أحب الوقوف عليها فليرجع الى الكتاب المذكور. فانظر أيدك الله تعالى الى خروجه في هذا المقام عما قدمه وجعله أساسا لجملة الأحكام فان الخبر المذكور لا راد له من الأصحاب قبله كما سمعته من كلام شيخنا الشهيد فكيف استجاز هذا التناقض في كتابه.

و (ثانيا) انه قد اعتمد على الاخبار الموثقة في غير مقام من كتابه : منها ـ في باب غسل النفاس فإنه قال بعد نقل موثقة لعمار المذكور هنا ما صورته : وهذه وان كان

__________________

(١ و ٢) البحار ج ١ ص ١٣٧ و ١٣٩.

٣٩١

سندها فطحية لكنهم ثقات في النقل. وقال بعد نقل رواية عن السكوني : والسكوني عامي لكنه ثقة. فانظر الى هذا الاضطراب في كلامه.

و (ثالثا) انه من العجب طعنه في موثقة عمار واعتضاده برواية أبي مريم وهي في الضعف الى حد لا نهاية له ـ كما صرح به في المدارك ـ بصالح بن عقبة ، قال فقد قيل انه كان كذابا غاليا لا يلتفت اليه. انتهى.

واما بالنسبة الى صاحب المدارك فهو ايضا كذلك وأعظم من ذلك لتصريحه في غير موضع من كتابه بموافقة الأصحاب في مثل هذا الباب ، واستشكله بعد نقل كلام الذكرى ـ بقوله انه قد بين مرارا ان مثل هذه الشهرة لا تقتضي تسويغ العمل بالخبر الضعيف ـ مردود بما قلناه حيث قال ـ في مسألة ما إذا أدرك الطهارة وركعة من الوقت بعد إيراد بعض الأخبار الضعيفة دليلا على ذلك ـ ما صورته : وهذه الروايات وان ضعف سندها إلا ان عمل الطائفة عليها ولا معارض لها فينبغي العمل عليها. وقال في مسألة غسل التوبة نقلا عن المحقق في المعتبر بعد ذكر رواية مرسلة باستحباب الغسل والطعن فيها ـ ما صورته : والمعتمد فتوى الأصحاب منضما الى ان الغسل خير. إلخ.

وجمد عليه. وقال في مسألة غسل المولود بعد ان نقل رواية سماعة الدالة على ان غسل المولود واجب : والمعتمد الاستحباب. مع انه لا دليل عليه وراء الرواية إلا عمل الأصحاب حيث ان المشهور الاستحباب. وقال في مسألة جواز غسل الجمعة يوم الخميس بعد نقل بعض الروايات الضعيفة : ولو لا ما اشتهر من التسامح في أدلة السنن لأمكن المناقشة في هذا الحكم. مع انه رد هذه الشهرة في صدر الكتاب فقال : وما قيل من ان أدلة السنن يتسامح فيها بما لا يتسامح في غيرها فمنظور فيه لان الاستحباب حكم شرعي فيتوقف على الدليل الشرعي كسائر الأحكام. وقال ـ بعد نقل مرسلة ابن ابي عمير الواردة في ضبط الكر بألف ومأتي رطل بعد ما نقل عن المعتبر ان على هذا عمل الأصحاب ـ ما صورته : وظاهره اتفاق الأصحاب على العمل بمضمونها فيكون الإجماع جابرا لإرسالها. انتهى.

٣٩٢

وتستره في هذه العبارات في جبر الخبر الضعيف بالإجماع دون الشهرة وفرقه بين الأمرين مما لا يسمن ولا يغني من جوع ، فإنه لا مدعى للإجماع في هذه المواضع التي أشرنا إليها مما اعتمدوا فيها على تلك الأخبار الضعيفة وانما المدعى شهرة العمل بها وعدم وجود الراد لها والمخالف فيها ، فتسميته له ـ في بعض المواضع التي يضطر الى العمل بها إجماعا ويجعله جابرا لضعف الخبر وفي الموضع الذي لا يرتضيه شهرة ويمنع كونه جابرا لضعفه ـ ترجيح من غير مرجح ناشئ مما ذكرناه في غير موضع مما تقدم من ضيق الخناق في هذا الاصطلاح الذي هو الى الفساد أقرب من الصلاح. على ان الإجماع عنده ليس بدليل شرعي كما أشار إليه في صدر كتابه وذكر انه صنف رسالة في رده وان استسلقه تأييدا في بعض المواضع فكيف جاز له الاعتماد عليه في جبر الخبر الضعيف؟

هذا. واما ما ذكره في المعتبر ـ ومثله جمود السيد عليه في كتابه من تأييد ما ذكراه برواية أبي مريم الأنصاري ـ

ففيه (أولا) انه لا يخرج عن القياس لان المدعى الاجتزاء بأذان الإنسان نفسه متى أذن بنية الانفراد ومورد الرواية الاجتزاء بأذان الغير ، وكونه مفهوم أولوية لا يخرجه عن القياس كما تقدم تحقيقه في مقدمات الكتاب.

و (ثانيا) ما ذكره شيخنا الشهيد (قدس‌سره) من الفرق. وما أجاب به في المدارك ـ من ان الظاهر ترتب الاجزاء على سماع الأذان وعدم مدخلية لما عدا ذلك ـ مردود بأنه لا ريب ان ظاهر سياق الخبر ان الباقر (عليه‌السلام) حين سماعه لأذان جعفر (عليه‌السلام) وإقامته كان قاصدا إلى الجماعة لقوله في الاعتذار إلى المأمومين عن ترك الأذان والإقامة «إني مررت بجعفر وهو يؤذن ويقيم» يعني في حال خروجه قاصدا الى المكان الذي فيه الجماعة ، فظاهر الخبر يدل على مدخلية قصد الجماعة كما ذكره شيخنا المذكور.

واما قوله في المدارك : «والمعتمد الاجتزاء بالأذان المتقدم كما اختاره في المعتبر» فقد ظهر لك بما ذكرناه انه غير معتمد ولا معتبر ، ونزيده بأنه متى ثبت استحباب الأذان

٣٩٣

للجماعة وتأكده فيها بالأخبار حتى قيل بوجوبه كما عرفت فسقوطه في موضع من المواضع يحتاج الى دليل واضح وبرهان لائح سيما مع ورود الموثقة المذكورة بتأييد عموم تلك الأخبار. واما رواية أبي مريم فهي مع ضعف سندها عنده كما صرح به لا دلالة فيها على المدعى ، فبأي دليل استجاز الخروج عن مقتضى الاستحباب والتأكيد في تلك الاخبار؟ ما هذه إلا مجازفات ظاهرة ومناقشات قاصرة ، ولله در الفاضل الخراساني في الذخيرة في هذا المقام مع متابعته لصاحب المدارك في جل الأحكام حيث عدل عنه هنا وصرح باختيار القول المشهور. والله العالم.

(المقام الثالث) ـ في كيفية الأذان والإقامة

وفيه أيضا مسائل : (الأولى) ـ لا خلاف بين الأصحاب انه في غير الصبح لا يؤذن إلا بعد دخول الوقت واما في الصبح فالمشهور الرخصة في تقديمه قبل الصبح ثم إعادته بعد طلوع الصبح ، قال ابن ابي عقيل. الأذان عند آل الرسول (صلوات الله عليهم) للصلوات الخمس بعد دخول وقتها إلا الصبح فإنه جائز ان يؤذن لها قبل دخول وقتها ، بذلك تواترت الأخبار عنهم (عليهم‌السلام) (١) وقالوا «كان لرسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) مؤذنان أحدهما بلال والآخر ابن أم مكتوم وكان أعمى وكان يؤذن قبل الفجر ويؤذن بلال إذا طلع الفجر وكان (صلى‌الله‌عليه‌وآله) يقول إذا سمعتم أذان بلال فكفوا عن الطعام والشراب».

ومنع ابن إدريس من تقديمه في الصبح ايضا وهو اختيار المرتضى في المسائل الناصرية ، ونقل عن ابن الجنيد وابي الصلاح والجعفي ، قال السيد (رضي‌الله‌عنه) في الكتاب المذكور : قد اختلفت الرواية عندنا في هذه المسألة فروى انه لا يجوز الأذان لصلاة قبل دخول وقتها على كل حال ، وروى انه يجوز ذلك في صلاة الفجر خاصة (٢) وقال أبو حنيفة ومحمد والثوري لا يؤذن للفجر حتى يطلع الفجر ، وقال مالك وأبو يوسف

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ٨ من الأذان والإقامة.

٣٩٤

والأوزاعي والشافعي يؤذن للفجر قبل طلوع الفجر (١) والدليل على صحة مذهبنا ان الأذان دعاء إلى الصلاة وعلم على حضورها فلا يجوز قبل وقتها لانه وضع للشي‌ء في غير موضعه ، وايضا ما روى (٢) «ان بلالا اذن قبل طلوع الفجر فأمره النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) ان يعيد الأذان». وروى عياض بن عامر عن بلال (٣) «ان رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) قال له لا تؤذن حتى يستبين لك الفجر هكذا». ومد يديه عرضا.

قال في المختلف بعد نقله : والجواب المنع من حصر فائدة الأذان في إعلام وقت الصلاة بل قد ذكرنا له فوائد قبل طلوع الفجر ، قال المفيد (قدس‌سره) الأذان الأول لتنبيه النائم وتأهبه لصلاته بالطهور ونظر الجنب في طهارته ثم يعاد بعد الفجر ولا يقتصر على ما تقدم ، إذ ذاك لسبب غير الدخول في الصلاة وهذا للدخول فيها. وعن الحديث الثاني بأنا نقول بموجبه إذ يستحب للمؤذن إعادة أذانه بعد الفجر. وعن الثالث بأنه (صلى‌الله‌عليه‌وآله) امره بذلك لان ابن أم مكتوم كان يؤذن قبل الفجر فجعل أذان بلال علامة على طلوعه. انتهى.

أقول : ومما يدل على القول المشهور زيادة على ما ذكره ابن ابي عقيل ما رواه الشيخان في الكافي والتهذيب في الصحيح عن عمران بن علي (٤) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن الأذان قبل الفجر فقال إذا كان في جماعة فلا وإذا كان وحده فلا بأس».

وروى الشيخ في الصحيح عن ابن سنان عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٥) قال : «قلت له ان لنا مؤذنا يؤذن بليل؟ فقال اما ان ذلك ينفع الجيران لقيامهم إلى الصلاة واما السنة فإنه ينادى مع طلوع الفجر ولا يكون بين الأذان والإقامة إلا الركعتان».

__________________

(١) عمدة القارئ ج ٢ ص ٦٥٠.

(٢) سنن البيهقي ج ١ ص ٣٨٣.

(٣) سنن ابى داود ج ١ ص ٢١١ والراوي فيه شداد مولى عياض.

(٤ و ٥) الوسائل الباب ٨ من الأذان والإقامة.

٣٩٥

وعن ابن سنان (١) قال «سألته عن النداء قبل طلوع الفجر؟ فقال لا بأس واما السنة فمع الفجر وان ذلك لينفع الجيران يعني قبل الفجر».

وروى الصدوق عن معاوية بن وهب في الصحيح عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٢) في حديث قال : «لا تنتظر بأذانك وإقامتك إلا دخول وقت الصلاة واحدر إقامتك حدرا. قال وكان لرسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) مؤذنان أحدهما بلال والآخر ابن أم مكتوم وكان ابن أم مكتوم أعمى وكان يؤذن قبل الصبح وكان بلال يؤذن بعد الصبح فقال النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) ان ابن أم مكتوم يؤذن بليل فإذا سمعتم أذانه فكلوا واشربوا حتى تسمعوا أذان بلال. فغيرت العامة هذا الحديث عن جهته وقالوا انه (صلى‌الله‌عليه‌وآله) قال ان بلالا يؤذن بليل فإذا سمعتم أذانه فكلوا واشربوا حتى تسمعوا أذان ابن أم مكتوم».

أقول : قد نقل صاحب الوسائل الحديث المذكور كما نقلناه وظاهره حمل قوله : «فغيرت العامة هذا الحديث. إلخ» على انه من قول الامام (عليه‌السلام) والأقرب انه من كلام الصدوق كما هي عادته في إدخال كلامه في الاخبار على وجه يحصل به الالتباس كما في هذا الموضع ، وهو ظاهر شيخنا الشهيد في الذكرى فإنه نسب هذه الزيادة الى الصدوق.

وروى ثقة الإسلام في الصحيح وبسند آخر في الصحيح أو الحسن عن الحلبي عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٣) قال : «كان بلال يؤذن للنبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) وابن أم مكتوم ـ وكان أعمى ـ يؤذن بليل ويؤذن بلال حين يطلع الفجر».

وعن زرارة عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٤) «ان رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) قال هذا ابن أم مكتوم وهو يؤذن بليل فإذا أذن بلال فعند ذلك فأمسك».

أقول : والى هذه الاخبار أشار ابن ابي عقيل بتواتر الاخبار وهي ـ كما ترى ـ

__________________

(١ و ٢ و ٣ و ٤) الوسائل الباب ٨ من الأذان والإقامة.

٣٩٦

واضحة الدلالة في المدعى إلا ان من شأن للسيد وابن إدريس الاعتماد على الأدلة العقلية بزعمهما وعدم مراجعة الأدلة السمعية كما لا يخفى على المتتبع لكلامهما العارف بقواعدهما ، ولا سيما المرتضى (رضي‌الله‌عنه) كما تصفحت جملة من كتبه فإنه في مقام الاستدلال على الأحكام التي يذكرها انما يورد أدلة عقلية ولا يلم بالأخبار بالكلية.

إلا ان هنا جملة من الروايات الدالة على مذهب المرتضى (رضي‌الله‌عنه) ومن تبعه نقلها شيخنا المجلسي في كتاب البحار (١) من كتاب زيد النرسي :

منها ـ عن ابي الحسن (عليه‌السلام) «انه سمع الأذان قبل طلوع الفجر فقال شيطان ثم سمعه عند طلوع الفجر فقال الأذان حقا».

ومنها ـ عن ابي الحسن (عليه‌السلام) قال : «سألته عن الأذان قبل طلوع الفجر فقال لا إنما الأذان عند طلوع الفجر أول ما يطلع. قلت فان كان يريد ان يؤذن الناس بالصلاة وينبههم؟ قال فلا يؤذن ولكن ليقل وينادي ب «الصلاة خير من النوم الصلاة خير من النوم» يقولها مرارا وإذا طلع الفجر فلم يكن بينه وبين ان يقيم إلا جلسة خفيفة بقدر الشهادتين وأخف من ذلك».

ومنها ـ ايضا عن ابي الحسن (عليه‌السلام) قال «الصلاة خير من النوم بدعة بني أمية وليس ذلك من أصل الأذان ولا بأس إذا أراد الرجل ان ينبه الناس للصلاة ان ينادي بذلك ولا يجعله من أصل الأذان فإنا لا نراه أذانا».

أقول : وكان الاولى بمن ذهب الى القول المذكور الاستناد الى هذه الاخبار إلا ان صحة الكتاب المذكور والاعتماد عليه محل اشكال. وكيف كان فالظاهر ان هذه الاخبار لا تبلغ قوة المعارضة لما قدمناه من الأخبار المعتضدة بعمل أكثر الأصحاب وروايتها في الأصول المعتمدة ، ولا يبعد خروج هذه الاخبار مخرج التقية فإنه مذهب أبي حنيفة واتباعه كما تقدم ذكره (٢).

__________________

(١) ج ١٨ الصلاة ص ١٧٩.

(٢) ص ٣٩٤.

٣٩٧

فرع

قال في الذكرى : لأحد لهذا التقديم عندنا بل ما قارب الفجر ، وتقديره بسدس الليل أو نصفه تحكم وروى (١) «انه كان بين اذاني بلال وابن أم مكتوم نزول هذا وصعود هذا» وينبغي ان يجعل ضابطا في التقديم ليعتمد عليه الناس. ولا فرق بين رمضان وغيره في التقديم. ولا يشترط في التقديم مؤذنان فلو كان واحدا جاز له تقديمه نعم يستحب له إعادته بعده ليعلم بالأول قرب الوقت وبالثاني دخوله لئلا يتوهم طلوع الفجر بالأول.

(المسألة الثانية) ـ قد اختلفت الأخبار وكذا كلمة الأصحاب في عدد فصول الأذان والإقامة ، والمشهور ان فصول الأذان ثمانية عشر فصلا : التكبير أولا أربعا ثم الشهادة بالتوحيد ثم الشهادة بالرسالة ثم (حي على الصلاة) ثم (حي على الفلاح) ثم (حي على خير العمل) ثم التكبير ثم التهليل مرتين في كل منها. واما الإقامة فهي سبعة عشر بإسقاط تكبيرتين من الأربع التي في الأذان وزيادة عوضهما (قد قامت الصلاة) مرتين قبل التكبير الأخير والاقتصار في التهليل على مرة في الآخر. قال في المعتبر : وفصوله على أشهر الروايات خمسة وثلاثون فصلا : الأذان ثمانية عشر والإقامة سبعة عشر ، وهو مذهب السبعة ومن وليهم. وقال في المنتهى ذهب إليه علماؤنا ونقل ابن زهرة إجماع الفرقة عليه. وحكى الشيخ في الخلاف عن بعض الأصحاب انه جعل فصول الإقامة مثل فصول الأذان وزاد فيها (قد قامت الصلاة) مرتين. وقال ابن الجنيد التهليل في آخر الإقامة مرة واحدة إذا كان المقيم قد اتى بها بعد الأذان فإن كان قد اتى بها بغير أذان ثنى (لا إله إلا الله) في آخرها. وقال الشيخ في النهاية بعد ما ذكر الأذان والإقامة كما هو المشهور : هذا الذي ذكرناه هو المختار المعمول عليه ، وقد روى سبعة وثلاثون فصلا

__________________

(١) سنن البيهقي ج ١ ص ٣٨٢.

٣٩٨

في بعض الروايات وفي بعضها ثمانية وثلاثون فصلا وفي بعضها اثنان وأربعون فصلا ، فاما من روى سبعة وثلاثين فصلا فإنه يقول في أول الإقامة أربع مرات (الله أكبر) ويقول في الباقي كما قدمناه ، ومن روى ثمانية وثلاثين فصلا يضيف الى ما قدمناه قول (لا إله إلا الله) مرة أخرى في آخر الإقامة ، ومن روى اثنين وأربعين فصلا فإنه يجعل في آخر الأذان التكبير اربع مرات وفي أول الإقامة أربع مرات وفي آخرها ايضا مثل ذلك اربع مرات ويقول (لا إله إلا الله) مرتين في آخر الإقامة. فإن عمل عامل على احدى هذه الروايات لم يكن مأثوما. انتهى. وظاهره التخيير في جميع ما ورد والجمع بين الاخبار بذلك.

واما الاخبار الواردة في المسألة فمنها ـ ما رواه ثقة الإسلام عن إسماعيل الجعفي (١) قال : «سمعت أبا جعفر (عليه‌السلام) يقول الأذان والإقامة خمسة وثلاثون حرفا فعد ذلك بيده واحدا واحدا : الأذان ثمانية عشر حرفا والإقامة سبعة عشر حرفا». وهذه الرواية إنما تنطبق على القول المشهور في عدد الفصول في كل منهما إلا انها مجملة في بيان الفصول وعدم معلومية النقص والزيادة.

ويؤيدها بالنسبة إلى عدد فصول الأذان وبيان الإجمال الذي فيه جملة من الروايات الآتية المشتملة على هذا العدد في فصول معينة وهي التكبير أربعا والشهادة بالتوحيد والرسالة. إلى آخر الفصول المذكورة فيها مرتين مرتين في الجميع. ولكن ينافيها بعض الأخبار الآتية الدالة على تثنية التكبير في الأول.

واما بالنسبة إلى الإقامة فأكثر الأخبار قد دل على التثنية في الفصول المتوسطة وانما الإشكال في التكبير في أولها والتهليل في آخرها فإن الأخبار قد اضطربت فيه ، وحينئذ فمتى دل الخبر المذكور على انها سبعة عشر فصلا مع ما عرفت من تثنية الفصول المتوسطة وعدم الاشكال فيها فهذا العدد لا يتم إلا بجعل التكبير مرتين في أولها والتهليل

__________________

(١) الوسائل الباب ١٩ من الأذان والإقامة.

٣٩٩

مرة واحدة في آخرها وإلا فلو جعل التكبير أربعا كما تدل عليه الأخبار الآتية زاد العدد على السبعة عشر سيما إذا ثني التهليل في آخرها فإنها تصير عشرين فصلا.

وبالجملة فإنك متى لا حظت هذا العدد ـ وضممت إليه دلالة الأخبار على تثنية الفصول المتوسطة وانما الخلاف في الطرفين وان هذا العدد لا يتجه ولا يحصل إلا بتثنية التكبير في الأول ووحدة التهليل في الآخر ـ ظهر لك صحة ما ذكرناه. ويعضد ذلك شهرة العمل بها بين الأصحاب حتى ادعى عليه الإجماع كما عرفت. والشهرة وان لم تكن عندنا دليلا شرعيا لكنها مؤيدة.

ويؤكد ذلك ايضا ما رواه الشيخ في الصحيح عن معاذ بن كثير عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (١) قال : «إذا دخل الرجل المسجد وهو لا يأتم بصاحبه وقد بقي على الإمام آية أو آيتان فخشي ان هو اذن واقام أن يركع فليقل قد قامت الصلاة قد قامت الصلاة الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله». فإنها ظاهرة في تخصيص النقص في تلك الرواية من بين سائر فصول الإقامة بالتهليل ، إذ الظاهر من هذه الرواية هو الاكتفاء عن الإقامة ـ عند ضيق الوقت عن الإتيان بها كملا. حيث قد عرفت سابقا ان الظاهر من الأخبار عدم جواز الإخلال بها في الصلاة ـ بهذه الفصول الثلاثة الأخيرة منها.

ويؤيده أيضا ما في كتاب فقه الرضا (عليه‌السلام) (٢) من وحدة التهليل في آخر الإقامة وان كان قد جعل التكبير في أولها أربعا فجعل فصولها تسعة عشر.

وما في كتاب دعائم الإسلام عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٣) قال : «الأذان والإقامة مثنى مثنى وتفرد الشهادة في آخر الإقامة تقول (لا إله إلا الله) مرة واحدة». وهذه الرواية منطبقة على المشهور بالنسبة إلى الإقامة. والكتاب المذكور وان كانت اخباره تقصر عن إثبات الأحكام الشرعية لعدم شهرة الاعتماد عليه لكنها لا تقصر عن التأييد.

__________________

(١) الوسائل الباب ٣٤ من الأذان والإقامة.

(٢) البحار ج ١٨ الصلاة ص ١٧٢.

(٣) مستدرك الوسائل الباب ١٨ من الأذان والإقامة.

٤٠٠