الحدائق الناضرة - ج ٧

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]

الحدائق الناضرة - ج ٧

المؤلف:

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]


المحقق: محمّد تقي الإيرواني
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٥٦

والرجحان المطلق ـ ففيه انه مجرد دعوى بلا دليل بل الدليل على خلافه واضح النهج والسبيل كما حققناه في مقدمات الكتاب بالآيات والروايات ، مضافا الى ما حققه أئمة الأصول من القول بالوجوب وقد تقدم الكلام في ذلك في مواضع من الكتاب زيادة على ما في المقدمات ، وأوضحنا ان في هذا القول الذي تفرد به هذا الفاضل خروجا من الدين من حيث لا يشعر قائله عصمنا الله تعالى من زلات الاقدام وطغيان الأقلام في أحكام الملك العلام.

(المسألة الثانية) ـ قد أجمع الأصحاب على مشروعية الأذان للنساء إلا انه لا يتأكد في حقهن كما في الرجال ، قال في المنتهى : ليس على النساء أذان ولا اقامة ولا نعرف فيه خلافا لأنهما عبادة شرعية يتوقف توجه التكليف بهما على الشرع ولم يرد. ويجوز ان تؤذن المرأة للنساء ويعتددن به ذهب إليه علماؤنا ، الى ان قال قال علماؤنا إذا أذنت المرأة أسرت بصوتها لئلا يسمعه الرجال وهو عورة. وقال الشيخ يعتد بأذانهن للرجال وهو ضعيف لأنها إن جهرت ارتكبت معصية والنهي يدل على الفساد وإلا فلا اجتزاء به لعدم السماع. انتهى أقول : الظاهر ان المراد من صدر كلامه هو نفي الوجوب لدلالة باقي الكلام عليه ، ويؤيده ما ذكره في التذكرة حيث قال يستحب في صلاة جماعة النساء ان تؤذن إحداهن وتقيم لكن لا تسمع الرجال عند علمائنا والاستحباب في حق الرجال آكد ، ثم قال ويجزئها التكبير والشهادتان لقول الصادق (عليه‌السلام) ثم نقل الخبر وسيأتي ان شاء الله تعالى (١)

أقول : والذي وقفت عليه من الاخبار في هذا المقام ما رواه الشيخ في الصحيح عن عبد الله بن سنان (٢) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن المرأة تؤذن للصلاة فقال حسن ان فعلت وان لم تفعل أجزأها أن تكبر وان تشهد ان لا إله إلا الله وان محمدا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله».

وعن زرارة في الصحيح (٣) قال : «قلت لأبي عبد الله (عليه‌السلام) النساء

__________________

(١) وهو صحيح عبد الله بن سنان.

(٢) الوسائل الباب ١٤ من الأذان والإقامة.

(٣) الوسائل الباب ١٤ من الأذان والإقامة. والمروي عنه في كتب الحديث هو أبو جعفر «ع».

٣٦١

عليهن أذان؟ فقال إذا شهدت الشهادتين فحسبها».

وعن جميل بن دراج في الصحيح (١) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن المرأة أعليها أذان واقامة؟ فقال لا». ورواه في الكافي عن ابن ابي عمير في الصحيح مثله (٢).

وعن ابي مريم الأنصاري في الصحيح (٣) قال : «سمعت أبا عبد الله (عليه‌السلام) يقول إقامة المرأة ان تكبر وتشهد ان لا إله إلا الله وان محمد عبده ورسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله».

وروى الصدوق في الفقيه مرسلا (٤) قال : «قال الصادق (عليه‌السلام) ليس على المرأة أذان ولا إقامة إذا سمعت أذان القبيلة وتكفيها الشهادتان ولكن إذا أذنت وأقامت فهو أفضل». قال «وقال الصادق (عليه‌السلام) ليس على النساء أذان ولا اقامة. ولا جمعة ولا جماعة. الحديث».

وبإسناده في آخر الكتاب عن حماد بن عمرو وانس بن محمد عن أبيه عن جعفر ابن محمد عن آبائه (عليهم‌السلام) في وصية النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) لعلي (عليه‌السلام) (٥) قال : «ليس على المرأة أذان ولا اقامة».

وروى في كتاب العلل في الصحيح عن زرارة بن أعين عن ابي جعفر (عليه‌السلام) (٦) قال : «قلت له المرأة عليها أذان واقامة؟ فقال ان كانت سمعت أذان القبيلة فليس عليها أكثر من الشهادتين فان الله تبارك وتعالى قال للرجال أَقِيمُوا الصَّلاةَ (٧) وقال للنساء وَأَقِمْنَ الصَّلاةَ وَآتِينَ الزَّكاةَ وَأَطِعْنَ اللهَ وَرَسُولَهُ (٨). الخبر».

وروى في كتاب الخصال (٩) في ما اوصى به النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) عليا

__________________

(١ و ٢ و ٣ و ٤ و ٥ و ٦) الوسائل الباب ١٤ من الأذان والإقامة.

(٧) سورة الأنعام ، الآية ٧١.

(٨) سورة الأحزاب ، الآية ٣٣.

(٩) مستدرك الوسائل الباب ١٣ من الأذان والإقامة.

٣٦٢

(عليه‌السلام) «يا علي ليس على النساء جمعة ولا جماعة ولا أذان ولا اقامة».

وروى فيه بسنده عن جابر الجعفي عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (١) قال : «ليس على النساء أذان ولا اقامة».

والظاهر من مجموع هذه الاخبار بضم بعضها الى بعض هو استحباب الأذان والإقامة لهن لكن ليس على نحو ما ورد في حق الرجال فرخص لهن في تركه والاكتفاء بالتكبير والشهادتين خاصة عوضا عن الأذان وربما اجتزأت بالشهادتين ايضا عوضا عن الإقامة مع التكبير أو بدونه.

وظاهر هذه الأخبار هو أذانها لصلاتها منفردة فلا يدخل فيه الأذان الإعلامي كما تقدم تحقيقه في صدر المقام الأول ولا الأذان لجماعة النساء ، وما ذكره الأصحاب من أذانها لجماعة النساء والاعتداد به لهن فالظاهر انهم انما استندوا فيه الى الأدلة العامة في صلاة الجماعة وانه يجوز ان يتولى الأذان الإمام أو غيره وان هذا الحكم لا فرق فيه بين جماعة النساء والرجال.

قال المحقق في المعتبر ويجوز ان تؤذن للنساء ويعتددن به وعليه إجماع علمائنا لما روى من جواز إمامتها لهن (٢) وإذا جاز ان تؤمهن جاز ان تؤذن لهن لان منصب الإمامة أتم. وتسر أذانها. ولا تؤذن للرجال لان صوتها عورة ولا يجتزأ به ، وقال في المبسوط يعتد به ويقيمون لأنه لا مانع منه ، لنا ـ انها ان أجهرت فهو منهي عنه والنهي يدل على الفساد وان اخفتت لم يجتزأ به لعدم السماع.

أقول : وقد تقدم نحو هذا الكلام عن المنتهى ايضا وهو مبني على ما هو المشهور في كلامهم من تحريم سماع صوت الأجنبية ، وقد قدمنا انه لا دليل عليه بل ظاهر الاخبار الجواز ولعل كلام الشيخ في المبسوط مبني على ذلك ، الا انه يمكن تطرق الإشكال إلى

__________________

(١) مستدرك الوسائل الباب ١٣ من الأذان والإقامة وفي البحار ج ١٨ الصلاة ص ١٦٣ وكذا النسخ الخطية عن ابي جعفر «ع».

(٢) الوسائل الباب ٢٠ من صلاة الجماعة.

٣٦٣

اعتداد الرجال به وان جوزنا سماع صوت الأجنبية من حيث عدم ورود النقل بذلك والعبادات مبنية على التوقيف ، كذا صرح به في المدارك.

ويمكن الجواب بان ما يدل على الاعتداد بسماع الأذان وان كان ظاهره كون المؤذن رجلا إلا انه لا تعلم هنا خصوصية للرجل في ذلك ، فيتعدى الحكم بطريق المناط القطعي الى كل مؤذن من رجل وامرأة كما في سائر جزئيات الأحكام وان صرح بالرجل فإنهم لا يختلفون في تعدية الحكم الى النساء ما لم تعلم الخصوصية ، ولا يخفى على المتتبع ان أكثر الأحكام الشرعية المتفق على عمومها للرجال والنساء انما وردت في الرجال لكونه هو المسؤول عنه أو ان يقع ذلك ابتداء من الامام (عليه‌السلام) ولو خصت الأحكام بموارد الاخبار وان لم تعلم الخصوصية لضاقت الشريعة ولزم القول بجملة من الأحكام من غير دليل وهو ظاهر البطلان.

قال في الذكرى : وفي حكم المرأة الخنثى فتؤذن للمحارم من الرجال والنساء ولا جانب النساء لا لأجانب الرجال ، ثم قال ولعل الشيخ يجعل سماع الرجل صوت المرأة في الأذان كسماعها صوته فيه فان صوت كل منهما بالنسبة إلى الآخر عورة. انتهى.

أقول : لا يخفى ما بين هذين الكلامين من التدافع فان ظاهر الكلام الأخير انه يحرم على المرأة سماع صوت الرجل وانه عورة بالنسبة إليها كما يحرم عليها النظر اليه ومقتضى هذا ان الخنثى لا تؤذن لا جانب النساء من حيث احتمال الرجولية مع انه جوزه. ثم ان ما ذكره ـ من ان صوت الرجل عورة بالنسبة إلى المرأة كبدنه فيحرم عليها سماع صوته كما يحرم عليها النظر الى جسده ـ لم أقف له على دليل بل الدليل على خلافه واضح السبيل ، نعم تحريم النظر الى جسده منصوص اما سماع الصوت فلا ولا اعلم ايضا قائلا بذلك سواه ، وقد عرفت ان ما ظاهرهم الاتفاق عليه من تحريم سماع صوت المرأة لا دليل عليه بل الدليل دال على خلافه فالعكس اولى بالجواز. والله العالم.

(المسألة الثالثة) ـ قد عرفت انه لا يؤذن لشي‌ء من النوافل ولا الفرائض

٣٦٤

غير الخمس ، قال في المعتبر انه مذهب علماء الإسلام. ويعضده ان الأذان وظيفة شرعية فيتوقف كيفية وكمية ومحلا على الورود عن صاحب الشريعة والمنقول عنه فعله في الصلوات الخمس خاصة إلا ان الأصحاب ذكروا انه يقول المؤذن «الصلاة» ، ثلاثا ولم أقف عليه في غير صلاة العيد.

بقي هنا جملة من المواضع قد ورد فيها استحباب الأذان أو مع الإقامة غير الصلاة :

منها ـ الفلوات الموحشة كما ذكره في الذكرى ثم قال روى ابن بابويه عن الصادق (عليه‌السلام) (١) «إذا تغولت بكم الغول فأذنوا». وفي الجعفريات عن النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) (٢) «إذا تغولت بكم الغيلان فأذنوا بأذان الصلاة». ورواه العامة (٣) وفسره الهروي بان العرب تقول ان الغيلان في الفلوات تراءى للناس تتغول تغولا اي تتلون تلونا فتضلهم عن الطريق وتهلكهم وروى في الحديث «لا غول» وفيه إبطال لكلام العرب فيمكن ان يكون الأذان لدفع الخيال الذي يحصل في الفلوات وان لم يكن له حقيقة. انتهى كلام الذكرى.

أقول : قال في كتاب دعائم الإسلام : وعن علي (عليه‌السلام) (٤) قال : «قال رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) إذا تغولت بكم الغيلان فأذنوا بالصلاة». وقال في النهاية الأثيرية فيه : «لا غول ولا صفر» الغول أحد الغيلان وهي جنس من الجن والشياطين كانت العرب تزعم ان الغول في الفلاة تترآى للناس فتغول تغولا اي تتلون تلونا في صور شتى وتغولهم اي تضلهم عن الطريق وتهلكهم فنفاه النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) وأبطله. وقيل قوله «لا غول» ليس نفيا لعين الغول ووجوده وانما فيه إبطال زعم العرب

__________________

(١) الوسائل الباب ٤٦ من الأذان والإقامة.

(٢ و ٤) مستدرك الوسائل الباب ٣٥ من الأذان والإقامة.

(٣) نهاية ابن الأثير مادة «غول» كما يأتي منه «قدس‌سره».

٣٦٥

في تلونه بالصور المختلفة واغتياله فيكون المعنى بقوله «لا غول» انها لا تستطيع ان تضل أحدا ، ويشهد له الحديث الآخر «لا غول ولكن السعالى سحرة الجن» اي ولكن في الجن سحرة لهم تلبيس وتخبيل ، ومنه الحديث «إذا تغولت الغيلان فبادروا بالأذان». اي ادفعوا شرها بذكر الله تعالى ، وهذا يدل على انه لم يرد بنفيها عدمها. انتهى.

ومنها ـ المولود يستحب الأذان في اذنه اليمنى والإقامة في اليسرى كما ورد عن الصادق (عليه‌السلام) (١).

ومنها ـ من ساء خلقه ، روى في كتاب المحاسن عن هشام بن سالم في الصحيح (٢) قال : «اللحم ينبت اللحم ومن تركه أربعين يوما ساء خلقه ومن ساء خلقه فأذنوا في اذنه». ومثله رواه في الكافي عن هشام بن سالم عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) في الصحيح أو الحسن (٣).

وروى عن أبان الواسطي عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٤) قال : «ان لكل شي‌ء قرما وان قرم الرجل اللحم فمن تركه أربعين يوما ساء خلقه ومن ساء خلقه فأذنوا في اذنه اليمنى».

وروى فيه ايضا عن حفص (٥) الابار عن ابي عبد الله عن آبائه عن علي (عليهم‌السلام) (٦) قال «كلوا اللحم فان اللحم من اللحم ومن لم يأكل اللحم أربعين يوما ساء خلقه وإذا ساء خلق أحدكم من انسان أو دابة فأذنوا في اذنه الأذان».

ومنها ـ ما تقدم في حديث سليمان بن جعفر الجعفري (٧) قال : «سمعته يقول اذن في بيتك فإنه يطرد الشيطان ويستحب من أجل الصبيان». إلا انه يمكن حمله على أذان الصلاة. والله العالم.

__________________

(١) الوسائل الباب ٣٥ من أحكام الأولاد.

(٢ و ٣ و ٤ و ٦) الوسائل الباب ١٢ من الأطعمة المباحة.

(٥) وفي المحاسن ص ٤٦٦ والوسائل عن ابي حفص.

(٧) الوسائل الباب ١٨ من الأذان والإقامة.

٣٦٦

(المسألة الرابعة) ـ اختلف الأصحاب (رضوان الله عليهم) في تارك الأذان والإقامة حتى يدخل في الصلاة فنقل عن السيد المرتضى في المصباح والشيخ في الخلاف انه ان كان متعمدا مضى في صلاته وان كان ساهيا رجع ما لم يركع ، ونقل ذلك عن الأكثر. وقال الشيخ في النهاية من ترك الأذان والإقامة متعمدا ودخل في الصلاة فلينصرف وليؤذن وليقم ما لم يركع ثم يستأنف الصلاة ، وان تركهما ناسيا حتى دخل في الصلاة ثم ذكر مضى في صلاته ولا اعادة عليه ، وبه قال ابن إدريس وهو عكس القول الأول. وأطلق الشيخ في المبسوط فقال متى دخل منفردا في الصلاة من غير أذان واقامة استحب له الرجوع ما لم يركع ويؤذن ويقيم ويستقبل الصلاة فإن ركع مضى في صلاته. ولم يفرق بين العمد والنسيان. وقال ابن ابي عقيل من نسي الأذان في الصلاة الصبح والمغرب حتى اقام رجع فاذن واقام ثم افتتح الصلاة ، وان ذكر بعد ما دخل في الصلاة انه قد نسي الأذان قطع الصلاة واذن واقام ما لم يركع فان كان قد ركع مضى في صلاته ولا اعادة عليه ، وكذلك ان سها عن الإقامة من الصلوات كلها حتى دخل في الصلاة رجع الى الإقامة ما لم يركع فان كان قد ركع مضى في صلاته ولا اعادة عليه إلا ان يكون قد تركه متعمدا استخفافا فعليه الإعادة. وظاهر هذا القول هو الرجوع الى الأذان وحده في صلاتي الصبح والمغرب لو تركه ناسيا ما لم يركع ولو نسي الإقامة وحدها فإنه يرجع لها في جميع الصلوات ما لم يركع وان تركها عمدا فعليه الإعادة مطلقا. وما صرح به ابن ابي عقيل موافق لما قدمنا نقله عنه في صدر المسألة الاولى من قوله : واما الإقامة فإنه ان تركها متعمدا بطلت صلاته وعليه الإعادة.

والذي وقفت عليه من الأخبار المتعلقة بهذه المسألة ما رواه الشيخ في الصحيح عن الحلبي عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (١) قال : «إذا افتتحت الصلاة فنسيت أن تؤذن وتقيم ثم ذكرت قبل ان تركع فانصرف واذن وأقم واستفتح الصلاة وان كنت

__________________

(١) الوسائل الباب ٢٩ من الأذان والإقامة.

٣٦٧

قد ركعت فأتم على صلاتك».

وعن زرارة عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (١) قال : «قلت له رجل ينسى الأذان والإقامة حتى بكبر؟ قال يمضي على صلاته ولا يعيد».

وعن نعمان الرازي (٢) قال : «سمعت أبا عبد الله (عليه‌السلام) وسأله أبو عبيدة الحذاء عن حديث رجل نسي أن يؤذن ويقيم حتى كبر ودخل في الصلاة قال ان كان دخل المسجد ومن نيته ان يؤذن ويقيم فليمض في صلاته ولا ينصرف».

وعن ابي الصباح عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٣) قال : «سألته عن رجل نسي الأذان حتى صلى؟ قال لا يعيد».

وعن ابي بصير عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٤) قال : «سألته عن رجل نسي أن يقيم الصلاة حتى انصرف يعيد صلاته؟ قال لا يعيدها ولا يعود لمثلها».

وعن داود بن سرحان في الصحيح عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٥) «في رجل نسي الأذان والإقامة حتى دخل في الصلاة؟ قال ليس عليه شي‌ء».

وعن عبيد بن زرارة عن أبيه في الصحيح (٦) قال : «سألت أبا جعفر (عليه‌السلام) عن رجل نسي الأذان والإقامة حتى دخل في الصلاة؟ قال فليمض في صلاته فإنما الأذان سنة».

وعن علي بن يقطين في الصحيح (٧) قال : «سألت أبا الحسن (عليه‌السلام) عن الرجل ينسى ان يقيم الصلاة وقد افتتح؟ الصلاة قال ان كان قد فرغ من صلاته فقد تمت صلاته وان لم يكن فرغ من صلاته فليعد».

وما رواه الكليني في الصحيح عن محمد بن مسلم عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٨) انه قال : «في الرجل ينسى الأذان والإقامة حتى يدخل في الصلاة؟ قال

__________________

(١ و ٢ و ٥ و ٦ و ٨) الوسائل الباب ٢٩ من الأذان والإقامة.

(٣ و ٤ و ٧) الوسائل الباب ٢٨ من الأذان والإقامة.

٣٦٨

ان كان ذكر قبل ان يقرأ فليصل على النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) وليقم وان كان قد قرأ فليتم صلاته».

وروى في الفقيه (١) قال : «سأل زيد الشحام أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن رجل نسي الأذان والإقامة حتى دخل في الصلاة. الحديث».

وما رواه الشيخ في الحسن عن الحسين بن ابي العلاء عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٢) قال : «سألته عن الرجل يستفتح صلاته المكتوبة ثم يذكر انه لم يقم؟ قال فان ذكر انه لم يقم قبل ان يقرأ فليسلم على النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) ثم يقيم ويصلي وان ذكر بعد ما قرأ بعض السورة فليتم على صلاته».

وعن زكريا بن آدم (٣) قال : «قلت لأبي الحسن الرضا (عليه‌السلام) جعلت فداك كنت في صلاتي فذكرت في الركعة الثانية وانا في القراءة اني لم أقم فكيف اصنع؟ قال اسكت موضع قراءتك وقل «قد قامت الصلاة قد قامت الصلاة» ثم امض في قراءتك وصلاتك وقد تمت صلاتك».

أقول : والمستفاد من هذه الأخبار بعد ضم بعضها الى بعض هو استحباب الرجوع الى الأذان والإقامة أو الإقامة وحدها ما لم يركع إذا ترك ذلك ساهيا ، إلا ان صحيح علي بن يقطين دل على وجوب الإعادة بنسيان الإقامة متى ذكر في أثناء الصلاة ، ولعله مستند ابن ابي عقيل في ما تقدم نقله عنه من وجوب الإعادة بترك الإقامة ، إلا ان مورد الرواية النسيان وكلام ابن ابي عقيل مقيد بالتعمد فلا يمكن جعلها مستندا له. والعلامة في المختلف قد حملها على ان المراد بما قبل الفراغ ما قبل الركوع ، ولا يخفى ما فيه من البعد والتمحل. وحملها الشيخ على الاستحباب قال في المعتبر وما ذكره محتمل لكن فيه تهجم على إبطال الفريضة بالخبر النادر. انتهى. أقول وكيف كان فهذا الخبر وان صح سنده لا يبلغ قوة في معارضة ما ذكرناه من الأخبار الدالة على صحة الصلاة بتركهما

__________________

(١ و ٢ و ٣) الوسائل الباب ٢٩ من الأذان والإقامة.

٣٦٩

أو أحدهما فلا بد من ارتكاب التأويل فيه وان بعد أو طرحه.

ومورد هذه الاخبار كلها النسيان ولا تعرض فيها لحكم العمد بالكلية ومقتضى الأصل صحة الصلاة سيما على القول المشهور من استحباب الأذان والإقامة ، وعلى تقدير القول بالوجوب فإنه لا قائل بدخولهما في حقيقة الصلاة بل غايتهما ان يكونا من الواجبات الخارجة كما تقدم بيانه ، ومن ذلك يظهر قوة القول الأول.

بقي الكلام في صحيحة محمد بن مسلم وحسنة الحسين بن ابي العلاء ورواية زيد الشحام الدالة على انه إذا نسي الأذان والإقامة أو الإقامة وحدها ثم ذكر قبل القراءة فإنه يصلي على النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) أو يسلم عليه ثم يقيم ويصلي ، فان ظاهر الأصحاب حملها على قطع الصلاة والرجوع.

قال في المدارك : والظاهر ان الصلاة على النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) والسلام عليه إشارة إلى قطع الصلاة ، ويمكن ان يكون ذلك نفسه قاطعا ويكون من خصوصيات هذا الموضع لان ذلك لا يقطع الصلاة في غير هذا المحل. انتهى.

أقول : من المحتمل قريبا في معنى الأخبار المذكورة ان المراد انما هو انه إذا ذكره في ذلك الوقت صلى على النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) وقال «قد قامت الصلاة قد قامت الصلاة» كما هو ظاهر خبر زكريا بن آدم بل صريحه ، ونحوه في كتاب الفقه الرضوي (١) حيث قال (عليه‌السلام) «فان استيقنت انك تركت الأذان والإقامة ثم ذكرت فلا بأس بترك الأذان وتصلي على النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) ثم قل قد قامت الصلاة قد قامت الصلاة». وعلى هذين الخبرين يحمل إجمال الأخبار المذكورة إذ لا تصريح ولا ظهور فيها بقطع الصلاة وابطالها ولا إعادتها من رأس ، وحينئذ فمعنى قوله في حسنة الحسين بن ابي العلاء «ثم يقيم ويصلي» يعني يأتي بهذه العبارة مرتين ويستمر في صلاته ، وقول السيد هنا وقبله الشهيد في الذكرى ـ ان الصلاة على النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) والسلام عليه إشارة إلى

__________________

(١) البحار ج ١٨ الصلاة ص ١٧٦.

٣٧٠

قطع الصلاة ويكون ذلك قاطعا ويكون من خصوصيات هذا الموضع ـ بعيد غاية البعد. وبالجملة فإن خبري زكريا بن آدم وكتاب الفقه ظاهران بل صريحان في ما ذكرناه وتلك الأخبار مجملة والقاعدة في مثله حمل المجمل على المفصل.

نعم يبقى الاشكال من وجه آخر نبه عليه شيخنا في الذكرى حيث قال بعد نقل خبر زكريا بن آدم : ويشكل بأنه كلام ليس من الصلاة ولا من الأذكار. وأجاب عنه شيخنا البهائي بالحمل على انه يقول ذلك مع نفسه من غير ان يتلفظ به وقوله (عليه‌السلام) «اسكت موضع قراءتك وقل.» ربما يؤذن بذلك إذ لو تلفظ بالإقامة لم يكن ساكتا في موضع القراءة ، وحمل السكوت على السكوت عن القراءة لا عن غيرها خلاف الظاهر. انتهى

وأنت خبير بأنه لقائل أن يقول ان ما ذكره شيخنا المتقدم من كونه ليس من الصلاة ولا من الأذكار وان كان كذلك إلا ان النص متى دل على جوازه فلا وجه لرده ولا استبعاد فيه سيما مع وجود النظائر المتفق عليها بينهم ، وليس هذا بأبعد مما دلت عليه النصوص وقالوا به من غير خلاف يعرف من جواز الأفعال الخارجة عن الصلاة في أثناء الصلاة من غسل دم الرعاف وقتل الحية وإرضاع الصبي ونحو ذلك من الأفعال الخارجة عن الصلاة التي لو لا هذه النصوص الواردة بها لأبطلوا بها الصلاة البتة لكونها أفعالا أجنبية عنها خارجة عن حقيقتها ، والأمر في الموضعين كذلك غاية الأمر انه قد تكاثرت الاخبار بهذا الحكم حتى عدوه الى غير موارد النصوص بتنقيح المناط القطعي دون هذا الجزئي الذي هو محل البحث فيجب الاقتصار فيه على مورد النص.

هذا. واما ما ذكره ابن ابي عقيل ـ من القطع ما لم يركع والرجوع الى الأذان خاصة في صلاة المغرب والصبح. ونحوه ما ذكره المحقق في الشرائع من الرجوع الى الأذان مطلقا ـ فلم أقف فيه على دليل وبذلك اعترف في المدارك فقال : واعلم ان هذه الروايات إنما تعطي استحباب الرجوع لاستدراك الأذان والإقامة أو الإقامة وحدها وليس فيها ما يدل على جواز القطع لاستدراك الأذان مع الإتيان بالإقامة ، ولم أقف على مصرح به سوى

٣٧١

المصنف في هذا الكتاب وابن ابي عقيل على ما نقل عنه ، وحكى فخر المحققين في الشرح الإجماع على عدم الرجوع اليه مع الإتيان بالإقامة وعكس الشارح (قدس‌سره) فحكم بجواز الرجوع لاستدراك الأذان وحده دون الإقامة وهو غير واضح. انتهى.

(المسألة الخامسة) ـ قد صرح الأصحاب (رضوان الله عليهم) بأن القاضي للصلوات الخمس وان استحب له الأذان والإقامة لكل صلاة صلاة إلا انه رخص له في الاقتصار على أذان واحد في أول ورده. وظاهرهم ان الأذان والإقامة لكل صلاة أفضل وان الاقتصار على الأذان في الاولى من ورده دونه في الفضل ، وهو صريح عبارة الشرائع ، وجملة منهم عبروا بالسقوط بقول مطلق.

اما استحباب الأذان والإقامة لكل فريضة فاستدل عليه في المنتهى بقوله (عليه‌السلام) (١) : «من فاتته فريضة فليقضها كما فاتته». وقد كان من حكم الفائتة استحباب تقديم الأذان والإقامة لها فكذا قضاؤها ، ورواية عمار الساباطي (٢) قال : «سئل أبو عبد الله (عليه‌السلام) عن الرجل إذا أعاد الصلاة هل يعيد الأذان والإقامة؟ قال نعم».

واعترضه في المدارك بان في الروايتين ضعفا في السند وقصورا من حيث الدلالة والظاهر ان ضعف الدلالة بالنسبة إلى الأول من حيث ان المتبادر من قوله : «كما فاتته» بجملة اجزائها وصفاتها الداخلة تحت حقيقتها دون الأمور الخارجة عنها. ويحتمل ـ ولعله الأظهر ـ حمل الخبر على كون الفائت فريضة واحدة فإنه يؤذن لها ويقيم. واما بالنسبة الى الثاني فلعدم دلالته على انه يعيد لكل صلاة مع انه يعارضه ما رواه الشيخ في التهذيب عن موسى بن عيسى (٣) قال : «كتبت اليه رجل يجب عليه إعادة الصلاة أيعيدها بأذان

__________________

(١) الوسائل الباب ٦ من قضاء الصلوات.

(٢) الوسائل الباب ٨ من قضاء الصلوات.

(٣) الوسائل الباب ٣٧ من الأذان والإقامة.

٣٧٢

واقامة؟ فكتب يعيدها بإقامة». وبالجملة فإن الدليل المذكور لا يخلو من القصور.

واما الاكتفاء بأذان واحد في أول ورده ثم الإقامة لكل صلاة فيدل عليه ما رواه الشيخ في الصحيح عن محمد بن مسلم (١) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن رجل صلى الصلوات وهو جنب اليوم واليومين والثلاثة ثم ذكر بعد ذلك؟ قال يتطهر ويؤذن ويقيم في أولادهن ثم يصلي ويقيم بعد ذلك في كل صلاة بغير أذان حتى يقضى صلاته».

وعن زرارة في الصحيح أو الحسن عن ابي جعفر (عليه‌السلام) (٢) قال : «إذا نسيت صلاة أو صليتها بغير وضوء وكان عليك قضاء صلوات فابدأ بأولادهن فأذن لها وأقم ثم صلها ثم صل ما بعدها بإقامة إقامة لكل صلاة».

وحكى الشهيد في الذكرى قولا بأن الأفضل ترك الأذان لغير الاولى لما روى (٣) «ان النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) شغل يوم الخندق عن اربع صلوات فأمر بلالا فأذن للأولى واقام ثم أقام للبواقي من غير أذان». وهو حسن. قال في المدارك وهو حسن بل لو قيل بعدم مشروعية الأذان لغير الاولى من الفوائت مع الجمع بينها كان وجها قويا لعدم ثبوت التعبد به على هذا الوجه. انتهى.

أقول : ما استدل به شيخنا الشهيد (قدس‌سره) هنا من الرواية عن النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) وانه شغل عن اربع صلوات يوم الخندق انما هي من طرق المخالفين وليس في أخبارنا لها اثر ولا توافق أصولنا ، فإن ظاهر الأصحاب الاتفاق على عدم جواز ذلك عليه (صلى‌الله‌عليه‌وآله) لعصمته المانعة عن جواز ذلك عليه ، ولأن الصلاة لها مراتب لا يحصل الفوات فيها إلا مع انقطاع الشعور بالكلية كما ذكروه في صلاة الحرب وصلاة المريض ، فلا حجة في الخبر المذكور ولا ضرورة تلجئ اليه حتى انه يتكلف بالذب عنه ودفع ما يرد عليه من الاشكال حيث قال (قدس‌سره) في المقام : ولا ينافي العصمة

__________________

(١) الوسائل الباب ١ من قضاء الصلوات.

(٢) الوسائل الباب ٦٣ من المواقيت.

(٣) تيسير الوصول ج ٢ ص ١٩٠.

٣٧٣

لوجهين (أحدهما) ما روى (١) من ان الصلاة كانت تسقط أداء مع الخوف ثم تقضى حتى نسخ ذلك بقوله تعالى «وَإِذا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ ... الآية» (٢). (الثاني) جاز ان يكون ذلك لعدم تمكنه من استيفاء أفعال الصلاة ولم يكن قصر الكيفية مشروعا ، وهو عائد إلى الأول وعليه المعمول. انتهى.

أقول : وفي الثاني الذي عليه المعول عنده ان الاعتماد في ذلك على مجرد الاحتمال والجواز ـ بان يكون المعنى انه يحتمل ان يكون تركه (صلى‌الله‌عليه‌وآله) الصلاة من حيث عدم التمكن من استيفاء أفعالها ـ من قبيل الرمي في الظلام من حيث الخروج بذلك عن ظواهر الأدلة من غير مخصص في المقام ، إذ الأحاديث الدالة على قصر الكيفية في المواضع المنصوصة من خوف ومرض ونحوهما لا اشعار فيها بوقت دون وقت ولا زمان دون زمان ولا حال دون حال على ان الظاهر ان الرواية التي أشار إليها في الوجه الأول ليست من طرقنا ولعله لهذا عدل عن الاستناد إليها واعتمد على مجرد هذا الاحتمال والتجويز.

والعجب منه (قدس‌سره) وكذا من السيد السند في نقله له وجموده عليه بل استحسانه ذلك ، وكيف عولوا في الاستدلال على هذه الرواية العامية وروايات الأصحاب ظاهرة الدلالة واضحة المقالة في ما دلت عليه هذه الرواية العامية كصحيحتي زرارة ومحمد ابن مسلم المتقدمتين ونحوهما ما في كتاب الفقه الرضوي (٣) حيث قال (عليه‌السلام) «وقال العالم من أجنب ثم لم يغتسل حتى يصلي الصلوات كلهن فذكر بعد ما صلى فان عليه الإعادة يؤذن ويقيم ثم يفصل بين كل صلاتين بإقامة». ويمكن حمل رواية «من فاتته فريضة» وكذا رواية عمار على الفريضة الواحدة لقوله في الأول «من فاتته فريضة» وفي الثاني «أعاد الصلاة» ولا كلام في استحباب الإعادة في الصلاة الواحدة وحينئذ فلا تنافي بين أخبار المسألة ، ومنه يظهر قوة ما ذكره السيد السند من قوله : بل لو قيل بعدم مشروعية الأذان لغير الاولى

__________________

(١) لم نعثر على هذه الرواية حتى الآن بعد الفحص عنها في مظانها.

(٢) سورة النساء ، الآية ١٠٣.

(٣) البحار ج ١٨ الصلاة ص ١٧٦.

٣٧٤

من الفوائت مع الجمع لكان وجها قويا. واما ما دلت عليه رواية موسى بن عيسى فهو محمول على الرخصة والجواز.

ثم انه مما يجب التنبيه عليه انه لا يخفى ان طعن السيد في سند خبر «من فاتته فريضة» بالضعف ليس في محله فان سنده حسن بإبراهيم بن هاشم على المشهور الذي هو صحيح عندنا وعند جملة من المحققين إلا ان يكون ذلك طعنا منه في إبراهيم بن هاشم كما في غير موضع من اضطراب كلامه فيه ، لكن يرد عليه انه وصف رواية زرارة التي نقلها هنا بالصحة وفي سندها إبراهيم بن هاشم ايضا.

وقال الشهيد (قدس‌سره) في الدروس : ويجتزئ القاضي بالأذان لأول ورده والإقامة للباقي وان كان الجمع بينهما أفضل ، وهو ينافي سقوطه عن من جمع في الأداء إلا ان يقول السقوط فيه تخفيف أو ان الساقط أذان الإعلام لحصول العلم بأذان الاولى لا الأذان الذكرى ويكون الثابت في القضاء الأذان الذكرى. وهذا متجه. انتهى واعترضه في المدارك بعدم المنافاة بين الحكمين لو ثبت دليلهما.

أقول : الظاهر ان مبنى المنافاة في كلام الدروس على انه لما كان الدليل على استحباب الجمع بين الأذان والإقامة في القضاء هو حديث «من فاتته فريضة.» بالتقريب الذي ذكره العلامة في المنتهى فجعل القضاء تابعا في ذلك للأداء والحال انهم صرحوا انه لو جمع بين الفرضين في الأداء سقط الأذان للثانية فحصول المنافاة والحال هذه مما لا ريب فيه ، فان إثباتهم له في القضاء انما هو بالتفريع على الأداء كما عرفته من استدلال العلامة والحال انه في الأداء ساقط في مقام الجمع كما عرفت. والظاهر ان هذا هو مراد شيخنا الشهيد (قدس‌سره) بالمنافاة في هذا المقام وهو ظاهر وان كان للمناقشة في أصل دليل المنافاة مجال ـ كما عرفت ـ آنفا من عدم ظهور الدليل الذي استند اليه العلامة في ما استدل به عليه.

واما جوابه في الدروس عن الاشكال المذكور ـ بان الساقط في صورة الجمع

٣٧٥

في الأداء انما هو أذان الإعلام. إلخ» واليه يشير قوله في الذكرى كما سيأتي نقله ان شاء الله تعالى في مسألة الجمع : ان الساقط مع الجمع الغير المستحب أذان الاعلام ويبقى أذان الذكر والإعظام ـ ففيه انه لا يخفى ان المستفاد من الاخبار على وجه لا يقبل الاستتار ولا الإنكار هو ان الأذان على نوعين (أحدهما) المقصود به الاعلام بدخول الوقت لكافة الناس وهذا الذي تقدمت أكثر الروايات في صدر المقدمة بالحث عليه وعلى ما فيه من الثواب. و (ثانيهما) الأذان والإقامة بالنسبة الى كل مكلف من ذكر وأنثى وهذا هو الذي تقدم الاختلاف فتوى ورواية في وجوبه واستحبابه في مواضع وافراد معينة. وهذا النوع الثاني لا ارتباط له بأول الوقت بل اي وقت صلى المصلي استحب له الإتيان به ، وهذا هو الذي خرجت فيه روايات القضاء بأنه يؤذن في أول ورده ثم يقيم لكل صلاة صلاة ولا تعلق لهذا بالإعلام لوقوعه في سائر أجزاء الوقت ، فقول شيخنا المشار اليه ـ ان الساقط في صورة الجمع في الثانية أذان الإعلام لحصول العلم بأذان الاولى لا الأذان الذكرى ـ لا معنى له بالكلية لأنه لا يلزم ان تكون صلاته في أول الوقت حتى يكون أذان الاولى أذان إعلام ، ومع فرض كون صلاته في أول الوقت لا يعتبر في أذانه للصلاة الاولى ولا يشترط فيه قصد الاعلام ولا شروط الأذان الإعلامي بالكلية بل لو اذن خفيا وحده في مكان لا يراه أحد ولا يسمع صوته سامع فقد أدى السنة الموظفة. وبالجملة فإن هذا الذي تعلق به الخطاب لهذا المكلف بخصوصه من حيث صلاته المخصوصة لا مدخل له في أذان الإعلام. نعم قام الدليل على الاجتزاء بأذان الاعلام لمن سمعه على الخلاف الآتي ان شاء الله تعالى في العموم للإمام وغيره أو التخصيص بالإمام. وبالجملة فإن كلامه (قدس‌سره) هنا لا اعرف له وجها وجيها. والله العالم.

(المسألة السادسة) ـ اختلف الأصحاب في أذان العصر يوم الجمعة فأطلق الشيخ في المبسوط سقوطه وهو ظاهر المفيد في المقنعة على ما نقله الشيخ في التهذيب ، وقال الشيخ في النهاية انه غير جائز.

٣٧٦

وقال ابن إدريس انه يسقط عن من صلى الجمعة دون من صلى الظهر ونقل ، ذلك عن ابن البراج في الكامل.

ونقل عن المفيد في الأركان وابن البراج انهما استحبا الأذان لعصر يوم الجمعة كغيره من الأيام ، قال في المدارك وهو اختيار المفيد (قدس‌سره) في المقنعة على ما وجدته فيها ، قال بعد ان أورد تعقيب الاولى : ثم قم فاذن للعصر وأقم الصلاة. قال والى هذا القول ذهب شيخنا المعاصر سلمه الله تعالى وهو المعتمد لإطلاق الأمر الخالي من التقييد ثم نقل عن الشيخ في التهذيب انه احتج على ما حكاه من كلام المقنعة المتضمن للسقوط بما رواه في الصحيح عن ابن أذينة عن رهط : منهم ـ الفضيل وزرارة عن ابي جعفر (عليه‌السلام) (١) «ان رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) جمع بين الظهر والعصر بأذان وإقامتين وجمع بين المغرب والعشاء بأذان واحد وإقامتين». وعن حفص ابن غياث عن جعفر عن أبيه (عليهما‌السلام) (٢) قال : «الأذان الثالث يوم الجمعة بدعة». ثم قال : ويتوجه عليه ان الرواية الأولى انما تدل على جواز ترك الأذان للعصر والعشاء مع الجمع بين الفرضين في يوم الجمعة وغيره وهو خلاف المدعى. واما الرواية الثانية فضعيفة السند قاصرة المتن فلا تصلح لمعارضة الأخبار الصحيحة المتضمنة لمشروعية الأذان في الصلوات الخمس. انتهى المقصود من نقل كلامه.

احتج ابن إدريس على ما نقل عنه بأن الإجماع منعقد على استحباب الأذان لكل صلاة من الخمس خرج عنه المجمع عليه وهو من صلى الجمعة فيبقى الباقي على العموم. واعترض عليه بمنع الإجماع على السقوط مع صلاة الجمعة لتصريح بعض الأصحاب بالاستحباب مطلقا كما تقدم.

أقول وبالله التوفيق والهداية إلى سواء الطريق لا يخفى ان محل الخلاف في هذه المسألة

__________________

(١) الوسائل الباب ٣٦ من الأذان والإقامة.

(٢) الوسائل الباب ٤٩ من صلاة الجمعة.

٣٧٧

في كلامهم غير مشخص ولا معين من انه حال الجمع أو حال التفريق والمسألة بخصوصها خالية من النص إلا ان الذي يقتضيه النظر في الأخبار هو ان القول بالسقوط في عصر الجمعة انما يتم مع الجمع ، وذلك فإن السنة يوم الجمعة في صلاة الظهر حيث لا نافلة بعد الزوال كما في سائر الأيام هو ان يبادر بالصلاة بعد تحقق الزوال ، والسنة في صلاة العصر حيث لا نافلة يومئذ أن يصليها في وقت الظهر في سائر الأيام كما استفاضت بجميع ذلك الاخبار ومن هنا يعلم ان السقوط انما هو من حيث الجمع وان استدلال الشيخ على ما نقله عن المقنعة بصحيحة الرهط المذكورة جيد واعترض السيد عليه بأنه خلاف المدعى ليس في محله. لان المدعى ليس إلا ان عصر الجمعة يسقط أذانها يعني إذا اتى بها على الوجه المندوب اليه والمأمور به والموظف فيها من الجمع بينها وبين الظهر في وقت واحد كما ذكرناه. وقد صرح بذلك الشيخ المفيد (قدس‌سره) في المقنعة في باب عمل ليلة الجمعة ويومها حيث قال : والفرق بين الصلاتين في سائر الأيام مع الاختيار وعدم العوارض أفضل قد ثبتت السنة به إلا في يوم الجمعة فإن الجمع بينهما أفضل وهو السنة. انتهى. وهذا الكلام قد تقدم نقله في كلام السيد في المدارك في المسألة الخامسة من المسائل المرسومة في شرح قول المصنف «الثانية في المواقيت. إلخ» ومراد شيخنا المشار اليه الفرق بين الصلاتين بالنوافل الموظفة أو بالتأخير إلى المثل الثاني الذي هو وقت فضيلة العصر عندهم كما تقدم ، هذا في غير الجمعة واما يوم الجمعة فإن السنة فيه هو الجمع وعدم التفريق لا بنافلة ولا بزمان ، وحينئذ فما نقله السيد عن عبارة المقنعة من ذكر الأذان للعصر في العبارة المذكورة يمكن حمله على حصول التفريق بالوقت كما هو ظاهر سياق العبارة من الاشتغال بالأعمال والأذكار بعد صلاة الظهر الى دخول وقت العصر.

واما ما نقله السيد عن شيخه نور الله تربتيهما واختاره ان أريد به استحباب الأذان يوم الجمعة مطلقا ولو في صورة الجمع فهو باطل مردود بالصحيحة المذكورة وغيرها

٣٧٨

مما دل على ما دلت عليه ، وان أريد مع التفريق فهو في محله وليس فيه منافاة لكلام الشيخ كما عرفت.

واما رواية غياث المذكورة فإنها لإجمالها وتعدد الاحتمال فيها لا يمكن الاعتماد عليها في إثبات حكم شرعي ، وسيجي‌ء تحقيق الكلام في معناها في باب صلاة الجمعة ان شاء الله تعالى.

ومما يدل على سقوط أذان الثانية في صورة الجمع زيادة على صحيحة الرهط المتقدمة رواية صفوان الجمال (١) قال : «صلى بنا أبو عبد الله (عليه‌السلام) الظهر والعصر عند ما زالت الشمس بأذان وإقامتين. الحديث».

وصحيحة عبد الله بن سنان عن الصادق (عليه‌السلام) (٢) «ان رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) جمع بين الظهر والعصر بأذان وإقامتين وجمع بين المغرب والعشاء في الحضر من غير علة بأذان وإقامتين».

ومما يدل على ان الجمع عبارة عن عدم النافلة بين الفرضين وانه مع النافلة لا جمع وان كان في وقت واحد موثقة محمد بن حكيم (٣) قال : «سمعت أبا الحسن (عليه‌السلام) يقول الجمع بين الصلاتين إذا لم يكن بينهما تطوع فإذا كان بينهما تطوع فلا جمع». وفي رواية أخرى له ايضا (٤) قال : «سمعت أبا الحسن (عليه‌السلام) يقول إذا جمعت بين الصلاتين فلا تطوع بينهما».

ومن هذه الاخبار يعلم حصول التفريق الموجب للأذان للثانية بالنافلة ، والظاهر ايضا حصوله بالتأخير إلى وقت الصلاة الثانية كما يفهم من كلام الشيخ والجماعة بل حصوله بالفصل بما يعتد به سيما مع تخلل بعض العوارض الخارجة الغير المرتبطة بالصلاة كما اختاره الفاضل الخراساني في الذخيرة.

__________________

(١) الوسائل الباب ٣١ من المواقيت.

(٢) الوسائل الباب ٣٢ من المواقيت.

(٣ و ٤) الوسائل الباب ٣٣ من المواقيت.

٣٧٩

قال في الذكرى : ولو جمع الحاضر أو المسافر بين الصلاتين فالمشهور ان الأذان يسقط في الثانية ، قاله ابن ابي عقيل والشيخ وجماعة سواء جمع بينهما في وقت الأولى أو الثانية لأن الأذان إعلام بدخول الوقت وقد حصل بالأذان الأول ، وليكن الأذان للأولى ان جمع بينهما في وقت الاولى وان جمع بينهما في وقت الثانية اذن للثانية ثم اقام وصلى الاولى لمكان الترتيب ثم أقام للثانية. انتهى.

أقول : ما ذكره في تعليل سقوط أذان الثانية من ان الأذان إعلام بدخول الوقت عليل كما عرفت مما قدمنا بيانه إذ لا دليل عليه ، والأذان الإعلامي منفرد لا تعلق له بأذان الصلاة المخاطب به كل فرد فرد من افراد المكلفين بخطابهم بالصلاة لما أسلفناه من الأخبار المتعلقة بكل منهما على حدة والفروع والأحكام المترتبة على كل منهما على حدة. وأضعف من ذلك قوله : «وليكن الأذان للأولى ان جمع بينهما في وقت الأولى. إلخ» فإنه لا دليل عليه وان وافقه الشهيد الثاني على ذلك وصار اليه والنصوص خالية من هذا التفصيل. والظاهر ان هذا الكلام مبني على ما ذكره أولا من ان الأذان للإعلام فإنه متى كان القصد به الاعلام يكون وظيفة صاحبة الوقت فيقصد به صاحبة الوقت خاصة وهو كالمبني عليه في الضعف وعدم الدليل. وأشد ضعفا في كلامه في هذا المقام ما ذكره من انه لو اتفق الجمع مع عدم استحبابه فإنه يسقط أذان الاعلام ويبقى أذان الذكر والإعظام ، وقد تقدم ما فيه. والله العالم.

(المسألة السابعة) ـ لا خلاف بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) في سقوط أذان عصر عرفة وعشاء المزدلفة.

ويدل عليه من الأخبار ما رواه الشيخ في الصحيح عن ابن سنان عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (١) قال : «السنة في الأذان يوم عرفة ان يؤذن ويقيم للظهر ثم يصلي ثم يقوم فيقيم للعصر بغير أذان وكذلك في المغرب والعشاء بمزدلفة».

__________________

(١) الوسائل الباب ٣٦ من الأذان والإقامة.

٣٨٠