الحدائق الناضرة - ج ٧

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]

الحدائق الناضرة - ج ٧

المؤلف:

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]


المحقق: محمّد تقي الإيرواني
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٥٦

والمشهور بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) ان حكم الإقامة أيضا كذلك ، وقال الشيخ المفيد (قدس‌سره) في المقنعة : ولا تجوز الإقامة إلا وهو قائم متوجه إلى القبلة مع الاختيار. وهو صريح في اشتراطه القيام فيها وانها لا تجزئ مع القعود ، وقال ابن بابويه : ولا بأس بالأذان قائما وقاعدا ومستقبلا ومستدبرا وذاهبا وجائيا وهو على غير وضوء ، والإقامة على وضوء مستقبلا ، وان كان اماما فلا يؤذن إلا قائما.

أقول : والظاهر عندي من الاخبار المتكاثرة الواردة في هذا المقام هو ما ذكره شيخنا المفيد من وجوب القيام في الإقامة إلا مع العذر ، وها أنا أتلو عليك ما وقفت عليه من الأخبار المتعلقة بهذه المسألة :

ومنها ـ ما رواه الشيخ في الصحيح عن ابن سنان عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (١) قال : «لا بأس للمسافر أن يؤذن وهو راكب ، ويقيم وهو على الأرض قائم».

وعن محمد بن مسلم في الصحيح (٢) قال : «قلت لأبي عبد الله (عليه‌السلام) يؤذن الرجل وهو قاعد؟ قال نعم ولا يقيم إلا وهو قائم».

وعن احمد بن محمد عن عبد صالح (عليه‌السلام) (٣) قال : «يؤذن الرجل وهو جالس ولا يقيم إلا وهو قائم. وقال تؤذن وأنت راكب ولا تقيم الا وأنت على الأرض». ورواه الكليني بسنده عن احمد بن محمد بن ابي نصر عن ابي الحسن (عليه‌السلام) (٤) مثله.

وعن ابي بصير في الموثق (٥) قال : «قال أبو عبد الله (عليه‌السلام) لا بأس ان تؤذن راكبا أو ماشيا أو على غير وضوء ولا تقم وأنت راكب أو جالس إلا من علة أو تكون في أرض ملصة أي ذات لصوص».

وعن يونس الشيباني عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٦) قال : «قلت له أؤذن وانا راكب؟ قال نعم. قلت فأقيم وانا راكب؟ قال لا. قلت فأقيم ورجلي في الركاب؟

__________________

(١ و ٢ و ٣ و ٤ و ٥ و ٦) الوسائل الباب ١٣ من الأذان والإقامة.

٣٤١

قال لا. قلت فأقيم وانا قاعد؟ قال لا. قلت فأقيم وانا ماش؟ قال نعم ماش إلى الصلاة قال ثم قال إذا أقمت الصلاة فأقم مترسلا فإنك في الصلاة. قال قلت له قد سألتك أقيم وانا ماش قلت لي نعم فيجوز ان امشي في الصلاة؟ قال نعم إذا دخلت من باب المسجد فكبرت وأنت مع امام عادل ثم مشيت إلى الصلاة أجزأك ذلك ، وإذا الإمام كبر للركوع كنت معه في الركعة لأنه ان أدركته وهو راكع لم تدرك التكبير لم تكن معه في الركوع».

وروى في الكافي عن سليمان بن صالح عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) (١) قال : «لا يقيم أحدكم الصلاة وهو ماش ولا راكب ولا مضطجع إلا ان يكون مريضا وليتمكن في الإقامة كما يتمكن في الصلاة فإنه إذا أخذ في الإقامة فهو في صلاة».

وروى عبد الله بن جعفر الحميري في قرب الاسناد عن عبد الله بن الحسن عن جده علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر (عليه‌السلام) (٢) قال : «سألته عن المسافر يؤذن على راحلته وإذا أراد ان يقيم اقام على الأرض؟ قال نعم لا بأس».

وعن احمد بن محمد بن عيسى عن احمد بن محمد بن ابي نصر عن الرضا (عليه‌السلام) (٣) قال : «تؤذن وأنت جالس ولا تقيم إلا وأنت على الأرض وأنت قائم».

وروى على بن جعفر في كتابه عن أخيه (عليه‌السلام) (٤) قال : «سألته عن الأذان والإقامة أيصلح على الدابة؟ قال اما الأذان فلا بأس واما الإقامة فلا حتى تنزل على الأرض».

وما رواه عاصم بن حميد في كتابه (٥) قال : «قلت لأبي عبد الله (عليه‌السلام) المؤذن يؤذن وهو على غير وضوء؟ وقد تقدم الى ان قال فقلت يؤذن وهو جالس؟ فقال نعم ولا يقيم إلا وهو قائم».

__________________

(١ و ٢ و ٣ و ٤) الوسائل الباب ١٣ من الأذان والإقامة.

(٥) مستدرك الوسائل الباب ١٢ من الأذان والإقامة.

٣٤٢

وفي كتاب دعائم الإسلام عن جعفر بن محمد (عليهما‌السلام) (١) «لا بأس ان يؤذن الرجل على غير طهر ويكون على طهر أفضل ولا يقيم إلا على طهر».

وعنه (عليه‌السلام) (٢) «لا يؤذن الرجل وهو جالس إلا مريض أو راكب ولا يقيم إلا قائما على الأرض إلا من علة لا يستطيع معها القيام».

وأنت خبير بما فيها من الظهور ـ كالنور على الطور لا يعتريه خلل ولا قصور ـ في ما ادعيناه ، وتأويلها بتأكد الاستحباب في الإقامة زيادة على الأذان فرع وجود المعارض كما في الأذان وإلا فهو مجرد مجازفة في الأحكام المبنية على التوقيف عنهم (عليهم‌السلام)

و (تاسعها) ان يكون قيامه على مرتفع ، وهذا مخصوص بالأذان الإعلامي ليكون أبلغ في الاعلام ، ويدل عليه ما تقدم في رواية ابن سنان من أمر النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) بلالا ان يعلو جدار المسجد ويؤذن.

واما استحبابه في المنارة كما ذكره جملة من الأصحاب ففيه انه قد روى علي بن جعفر (٣) قال : «سألت أبا الحسن موسى (عليه‌السلام) عن الأذان في المنارة أسنة هو؟ فقال انما كان يؤذن النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) في الأرض ولم يكن يومئذ منارة».

قال الشيخ في المبسوط : لا فرق بين ان يكون الأذان في المنارة أو على الأرض. مع انه قال فيه يستحب ان يكون المؤذن على موضع مرتفع. والوجه (٤) استحبابه في المنارة (أما أولا) فللأمر بوضع المنارة مع حائط المسجد غير مرتفعة ، روى السكوني عن جعفر عن أبيه عن آبائه (عليهم‌السلام) (٥) «ان عليا (عليه‌السلام) مر على منارة طويلة فأمر بهدمها ثم قال لا ترفع المنارة إلا مع سطح المسجد». ولو لا استحباب الأذان فيها لكان الأمر بوضعها عبثا. و (اما ثانيا) فلما رواه عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله

__________________

(١) مستدرك الوسائل الباب ٨ من الأذان والإقامة.

(٢) مستدرك الوسائل الباب ١٢ من الأذان والإقامة.

(٣ و ٥) الوسائل الباب ٢٥ من أحكام المساجد.

(٤) هذا كلام العلامة في المختلف.

٣٤٣

(عليه‌السلام) (١) قال «كان طول حائط مسجد رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله). الحديث». وقد تقدم.

أقول : لا يخفى ان فيه زيادة على ما عرفت من حديث علي بن جعفر ان وضع المنارة والأمر بها لم يحصل من الامام (عليه‌السلام) حتى يسندها الى استحباب الأذان فيها بكون الأمر بوضعها عبثا ، والواضع لها انما هو الثاني في أيامه كما تقدم (٢) والظاهر انه (عليه‌السلام) لما كان غير متمكن من إزالة بدعة كما ينبغي فغاية ما امكنه المنع من ارتفاعها وأشرافها على بيوت الناس التي حول المسجد. وبالجملة فرواية علي بن جعفر صريحة في ان الأذان في المنارة ليس بسنة وان الأذان للنبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) انما كان على الأرض وغاية ما تدل عليه رواية ابن سنان هو الاستحباب على مرتفع ومفهوم رواية السكوني الاكتفاء في الارتفاع بسطح المسجد وان لم يكن في المنارة ، ولعل جعل المنارة حينئذ انما هو لأجل الطريق الى صعود السطح.

نعم يبقى الكلام في الجمع بين ما دل على كون الأذان له (صلى‌الله‌عليه‌وآله) انما كان على الأرض وبين ما دل على الأمر بعلو الجدار. ويمكن الجمع اما بحمل الأذان على الجدار على كونه في بعض الأوقات وإلا فالغالب انما هو الأذان على الأرض أو بعد الأذان على الجدار باعتبار عدم ارتفاعه كالمنارة الطويلة من الأرض فهو كأنه ارض بالنسبة إلى المنارة المتعارفة يومئذ والتجوز بمثل ذلك شائع في أمثال هذا الكلام.

و (عاشرها) ان يكون مستقبلا للقبلة ونقل عليه الاتفاق ويتأكد في الشهادتين لقوله (عليه‌السلام) (٣) في صحيحة ابن مسلم «وقد سأله عن الرجل يؤذن وهو يمشي قال نعم إذا كان التشهد مستقبل القبلة فلا بأس». والمشهور انه كذلك في الإقامة أيضا وقال الشيخ المفيد انه لا يجوز الإقامة إلا

__________________

(١) ص ٣٣٢.

(٢) الوافي باب شرائط الأذان والإقامة.

(٣) الوسائل الباب ١٣ من الأذان والإقامة.

٣٤٤

وهو قائم متوجه إلى القبلة. وظاهره وجوب الاستقبال فيها ، ونقله في المختلف عن المرتضى في المصباح والجمل. ونقل في الذخيرة عن المرتضى انه أوجب الاستقبال في الأذان والإقامة والمنقول في المختلف انما يدل على الإقامة خاصة.

والظاهر عندي من الاخبار هو ما ذهب اليه العمدتان المذكوران من وجوب الاستقبال في الإقامة لما تقدم في رواية يونس الشيباني ورواية سليمان بن صالح ، والتقريب فيهما انهما دلتا على ان الإقامة من الصلاة والداخل فيها داخل في الصلاة فيشترط في الإقامة ما يشترط في الصلاة من الشروط المتقدمة ، وسيأتي مزيد توضيح لذلك ان شاء الله تعالى يقطع مادة الاستبعاد.

ويكره الالتفات بالأذان عندنا يمينا وشمالا سواء كان على المنارة أم لا خلافا للعامة قال في المنتهى : المستحب ثبات المؤذن على الاستقبال في أثناء الأذان والإقامة ويكره له الالتفات يمينا وشمالا ، وقال أبو حنيفة يستحب له ان يدور بالأذان في المأذنة وقال الشافعي يستحب له ان يلتفت عن يمينه عند قوله «حي على الصلاة» وعن يساره عند قوله «حي على الفلاح» (١).

أقول : روى في كتاب دعائم الإسلام عن علي (عليه‌السلام) (٢) قال : «يستقبل المؤذن القبلة في الأذان والإقامة فإذا قال «حي على الصلاة حي على الفلاح» حول وجهه يمينا وشمالا». والظاهر حمله على التقية لموافقته لقول الشافعي المذكور.

(الثالث) ـ لو وقع التشاح في الأذان فقد صرح جملة من الأصحاب بأنه يقدم الأعلم بأحكام الأذان التي من جملتها معرفة الأوقات لأمن الغلط منه وتقليد أصحاب الأعذار له ومع التساوي يقرع بينهم.

قال في الروض : والاولى تقديم العدل على الفاسق والمبصر على الأعمى وجامع

__________________

(١) الفقه على المذاهب الأربعة قسم العبادات ص ٢٣٠ و ٢٣١.

(٢) البحار ج ١٨ الصلاة ص ١٧٥.

٣٤٥

الصفات أو أكثرها على فاقدها وجامع الأقل ، فإن استووا فالأشد محافظة على الوقت على من ليس كذلك والأندى صوتا والأعف عن النظر ثم من يرتضيه الجيران ، ومع التساوي في جميع ذلك يقرع لقول النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) (١) : «لو يعلم الناس ما في الأذان والصف الأول ثم لم يجدوا إلا ان يستهموا عليه لفعلوا». ولقولهم (عليهم‌السلام) (٢) «كل أمر مجهول فيه القرعة». انتهى. ونحوه في الذكرى إلا انه لم يذكر الترجيح بالعدالة بل جعل ذلك منوطا بالعلم بالأوقات ثم أدرج هذه المعدودات تحته وعد الأندى صوتا ومن يرتضيه الجماعة والجيران.

وقال الشيخ في المبسوط : وإذا تشاح الناس في الأذان أقرع بينهم لقول النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) «لو يعلم الناس ما في الأذان والصف الأول ثم لم يجدوا إلا ان يستهموا عليه لفعلوا». ولم يذكر الترجيح بالأعلمية كما هو المشهور في كلام المتأخرين.

قال العلامة في التذكرة : وهذا القول جيد مع فرض التساوي في الصفات المعتبرة في التأذين وان لم يتساووا قدم من كان أعلى صوتا وأبلغ في معرفة الوقت وأشد محافظة عليه ومن يرتضيه الجيران واعف عن النظر. وقريب منه كلامه في المنتهى.

وقال المحقق الشيخ علي في شرح القواعد : والذي يقتضيه النظر تقديم من فيه الصفات المرجحة في الأذان على غيره فان اشتركوا قدم جامع الكل على فاقد البعض وجامع الأكثر على جامع الأقل ، وينبغي تقديم العدل على الفاسق مطلقا لأن المؤذن أمين ولا امانة للفاسق إذ هي غير موثوق بها فيه ، ومع التساوي يقدم الأعلم بأحكام الأذان أو الأوقات كما في الذكرى لأمن الغلط معه ولتقليد أرباب الأعذار له والمبصر على الأعمى لمثل ذلك ، فان استووا فالأشد محافظة على الأذان في الوقت على من ليس

__________________

(١) تيسير الوصول ج ٢ ص ٢٠٥ «ان رسول الله «ص» قال لو يعلم الناس ما في النداء والصف الأول ثم لم يجدوا إلا ان يستهموا عليه لاستهموا» ..

(٢) الوسائل الباب ١٣ من كيفية الحكم.

٣٤٦

كذلك لحصول غرض الأذان به ثم الأندى صوتا لقول النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) (١) «ألقه على بلال فإنه أندى منك صوتا». ثم الأعف عن النظر للأمن من تطلعه على العورات ثم من يرتضيه الجيران ثم القرعة. انتهى.

أقول : وكلامهم هنا يرجع الى ثلاثة أقوال في المسألة : (الأول) القول بتقديم الأعلم بأحكام الأذان التي من جملتها معرفة الأوقات ثم مع التساوي فالقرعة (الثاني) القول بتقديم ذي الأوصاف المعتبرة في المؤذن وهو قول الشهيدين والمحقق الشيخ علي وان اختلفوا في تلك الشروط زيادة ونقيصة (الثالث) الرجوع الى القرعة من أول الأمر كما هو ظاهر المبسوط والى الأول يميل كلامه في المدارك وجعل الثاني أولى ولم يتعرض للثالث

والمسألة عندي محل توقف لعدم النص القاطع لمادة الاشكال ، والرواية المنقولة في كلامهم الظاهر انها من روايات العامة إذ لم أقف عليها في أخبارنا بعد التفحص والتتبع

مع انها معارضة بما رواه الشيخ في التهذيب عن عيسى بن عبد الله عن أبيه عن جده عن أمير المؤمنين (عليه‌السلام) (٢) قال : قال رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) ورواه في الفقيه مرسلا (٣) قال : «قال رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) للمؤذن في ما بين الأذان والإقامة مثل أجر الشهيد المتشحط بدمه في سبيل الله. قلت يا رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) انهم يجتلدون على الأذان؟ قال كلا انه يأتي على الناس زمان يطرحون الأذان على ضعفائهم وتلك لحوم حرمها الله على النار».

ووجه المعارضة ان مقتضى الرواية الأولى رغبة الناس في الأذان بعد سماع ما فيه من الفضل حتى انهم ليقرعون عليه ودلالة هذا الخبر على عدم الرغبة فيه بعد سماع ما فيه من الفضل حتى انهم يطرحونه على ضعفائهم لذلك «وتلك لحوم» إشارة إلى أولئك الضعفاء المؤذنين.

__________________

(١) تيسير الوصول ج ٢ ص ٢١٠.

(٢ و ٣) الوسائل الباب ٢ من الأذان والإقامة.

٣٤٧

والظاهر ان أول من نقل هذا الخبر الشيخ في المبسوط وتبعه الأصحاب (رضوان الله عليهم) حيث لم يجدوا غيره في الباب إلا انه روى في كتاب دعائم الإسلام عن جعفر بن محمد عن آبائه عن علي (عليهم‌السلام) (١) قال : «قال رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) ثلاثة لو تعلم أمتي ما فيها لضربت عليها بالسهام : الأذان والغدو إلى الجمعة والصف الأول». وروى فيه ايضا عنه (صلى‌الله‌عليه‌وآله) (٢) «انه رغب الناس وحثهم علي الأذان وذكر لهم فضائله فقال بعضهم يا رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) لقد رغبتنا في الأذان حتى انا لنخاف ان تتضارب عليه أمتك بالسيوف فقال اما انه لن يعدو ضعفاءكم».

أقول : وهذا مضمون الحديث المتقدم نعم أخبار القرعة العامة (٣) ربما أيدت مذهب الشيخ في المبسوط.

قال في الذخيرة : والتحقيق ان اختلاف الصفات ان كان بحيث تختلف به مصالح المسلمين كان تقديم الراجح متجها وان لم يحصل التشاح وإلا فإثبات التقديم بهذه المرجحات محل اشكال لفقد النص الدال عليه وعدم استقلال العقل بإثبات هذه الأمور. انتهى. وهو جيد.

(الرابع) ـ قد صرح جملة من الأصحاب (رضوان الله عليهم) : منهم ـ الفاضلان بجواز الاجتماع في الأذان دفعة واحدة من جماعة والأفضل ان يؤذن كل واحد بعد فراغ الآخر ، وقيد بعضهم الأفضلية بسعة الوقت لذلك وفسرت سعة الوقت هنا بعدم اجتماع الأمر المطلوب في الجماعة من الامام ومن يعتاد حضوره معه من المأمومين فيجوز التعدد في هذه الصورة الى ان يجتمع الجميع لا ان المراد سعة الوقت باعتبار امتداد الوقت الى آخر وقت الاجزاء فان تأخير الصلاة عن أول وقتها لأمر غير موظف شرعا مستبعد جدا. أقول : وبموجب هذا التفسير لا يكون الحكم كليا مع ان ظاهر القائل به كون ذلك كليا لا بخصوص الجماعة.

__________________

(١ و ٢) مستدرك الوسائل الباب ٢ من الأذان والإقامة.

(٣) ص ٣٤٦.

٣٤٨

ونقل عن الشيخ في الخلاف انه قال لا ينبغي الزيادة على اثنين واستدل بإجماع الفرقة على ما رووه من «ان الأذان الثالث بدعة» (١). وقال ولده الشيخ أبو علي في شرح نهاية والده : والزائد على اثنين بدعة بإجماع أصحابنا.

وقال الشيخ في المبسوط يجوز ان يكون المؤذنون اثنين اثنين إذا أذنوا في موضع واحد فإنه أذان واحد فاما إذا أذان واحد بعد واحد فليس ذلك بمسنون ولا مستحب. ولا بأس ان يؤذن جماعة كل واحد منهم في زاوية من المسجد لانه لا مانع منه. انتهى.

وفسر الفاضلان في المعتبر والمنتهى قوله : «واحدا بعد واحد» بان يبنى كل واحد على فصول الآخر وهو المعبر عنه بالتراسل فإنه على هذه الكيفية لا يصدق على واحد منهما انه مؤذن. واستبعد هذا التفسير جملة ممن تأخر عنهما وفسروه بما يدل عليه ظاهر اللفظ من الإتيان بأحد الاذانين بعد تمام الأخر ، وعللوا الكراهة فيه بأنه يقتضي تأخير الصلاة عن أول وقتها من غير موجب. وهو جيد. أقول : والظاهر ان الفاضلين انما اضطرهما الى هذا التفسير البعيد عن ظاهر اللفظ حكمهم بأفضلية أن يؤذن أحدهما بعد الآخر ولو كانوا أكثر من اثنين كما تقدم.

وبالجملة فإن كلامهم في هذه المسألة كما سبق في سابقتها خال من النص والذي يقتضيه النظر هنا هو الفرق بين الأذان الإعلامي وبين أذان الصلاة جماعة (اما الأول) فإن مقتضى التوقيف في العبادات وانها مبنية على الورود عن صاحب الشريعة هو كراهة الاجتماع في الأذان مطلقا دفعة أو ترتيبا بل ربما احتمل عدم المشروعية نعم لو اختلف الوقت أو المحل فلا بأس. و (اما الثاني) فالظاهر انه لا مانع منه مع تعدد الجماعات كما ذكره الشيخ في آخر عبارته في المبسوط من الجماعات المجتمعة في مسجد يؤذن لكل منها على حيالها وان اتفق في وقت واحد.

(الخامس) ـ اختلف الأصحاب في جواز أخذ الأجرة على الأذان فنقل عن

__________________

(١) الوسائل الباب ٤٩ من صلاة الجمعة.

٣٤٩

الشيخ في الخلاف وجمع من الأصحاب انه لا يجوز أخذ الأجرة عليه لما رواه الشيخ مسندا عن السكوني عن جعفر عن أبيه عن آبائه عن علي (عليهم‌السلام) ورواه الصدوق مرسلا عن علي (عليه‌السلام) (١) انه قال : «آخر ما فارقت عليه حبيب قلبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) انه قال : يا علي إذا صليت فصل صلاة أضعف من خلفك ولا تتخذن مؤذنا يأخذ على أذانه أجرا». ونقل عن السيد المرتضى (رضي‌الله‌عنه) القول بالكراهة وهو ظاهر المحقق في المعتبر والشهيد في الذكرى واختاره في المدارك ، قال للأصل وانتفاء دلالة الخبر المتقدم على التحريم مع ضعف سنده بالسكوني وغيره.

أقول : قد روى الصدوق أيضا في الفقيه (٢) مرسلا قال : «اتى رجل أمير المؤمنين (عليه‌السلام) فقال يا أمير المؤمنين والله اني لأحبك فقال له ولكني أبغضك قال ولم؟ قال لأنك تبغي في الأذان كسبا وتأخذ على تعليم القرآن اجرا».

وروى في كتاب دعائم الإسلام عن علي (عليه‌السلام) (٣) انه قال : «من السحت أجر المؤذن». ثم قال في الكتاب المذكور : يعني إذا استأجره القوم يؤذن لهم. وقال لا بأس ان يجرى عليه من بيت المال.

وهذه الاخبار إذا ضم بعضها الى بعض لا تقصر عن افادة التحريم ، وقوله في المدارك بانتفاء دلالة الخبر المتقدم على التحريم لا اعرف له وجها مع تضمنه للنهي الذي هو حقيقة في التحريم ، نعم تطرق التأويل اليه بحمل النهي على الكراهة ممكن إلا انه فرع وجود المعارض واما طعنه فيه بضعف السند فقد عرفت ما فيه في غير مقام.

وبالجملة فالمتجه على قواعد أصحاب هذا الاصطلاح المحدث هو القول بالكراهة لضعف الأخبار المذكورة باصطلاحهم واما من لا يعمل به فالظاهر هو التحريم واقتران هذا الحكم في خبر السكوني ومرسل الفقيه بما هو متفق على استحبابه

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ٣٨ من الأذان والإقامة.

(٣) مستدرك الوسائل الباب ٣٠ من الأذان والإقامة.

٣٥٠

وكراهته لا يوجب انسحاب ذلك الى الحكم المذكور لجواز اشتمال الخبر على أحكام متعددة كما ذكروه في غير موضع.

ثم ان ظاهرهم الاتفاق على جواز الارتزاق من بيت المال إذا اقتضته المصلحة لأنه معد لمصالح المسلمين والأذان من أهمها. والظاهر انه لو وجد من يتطوع به قدم على المرتزق ، صرح بذلك في الذكرى.

قيل والظاهر ان الإقامة كالأذان ، ونقل عن العلامة في النهاية عدم جواز الاستئجار عليها وان قلنا بجواز الاستئجار على الأذان فارقا بينهما بأن الإقامة لا كلفة فيها بخلاف الأذان فإن فيه كلفة مراعاة الوقت. قال في المدارك وهو غير جيد إذ لا يعتبر في العمل المستأجر عليه اشتماله على الكلفة.

أقول : لا يخفى ان مورد الأخبار المتقدمة انما هو الأذان الإعلامي الذي هو محل البحث غالبا في المقام واما الأذان والإقامة المستحبان لكل من صلى الإتيان بهما من منفرد أو جامع فلا نص فيهما بوجه ، وتكلف البحث فيهما كما ذكروه لا وجه له وهو من باب «اسكتوا عما سكت الله عنه» (١). ولانه من المعلوم من الاخبار توجه الخطاب بهما الى المصلى نفسه والاكتفاء بفعل غيره عنه يحتاج الى دليل ، نعم قام الدليل بالنسبة الى الامام بأنه يجوز ان يؤذن له ويقام له ، فإن أرادوا هذا الموضع فهو ـ مع كونه خلاف المتبادر من ظواهر النصوص المتقدمة ـ مدخول بان الظاهر ان الخطاب فيه انما هو للإمام غاية الأمر انه ورد جواز فعل الغير له رخصة لأن الناس مكلفون بالاقتداء به في صلاته وهذا من جملة أفعال صلاته فلو لم يتبرع غيره بالأذان والإقامة له رجع الحكم اليه وكان عليه القيام بذلك ، ولا دليل على انه يجوز له الاستئجار على أذان ولا إقامة إذ غاية ما دل عليه الدليل حصول الرخصة له بتبرع الغير به والا فاصل الخطاب انما تعلق به من حيث ان الأذان والإقامة من جملة أفعال صلاته ومندوباتها ومكملاتها المطلوب إيقاعه

__________________

(١) راجع ج ١ ص ٥٠.

٣٥١

منه ، وهذا بخلاف الأذان الإعلامي فإن الأمر به لم يتعلق بشخص بعينه وانما هو من قبيل المستحبات الكفائية التي من قام بها كفى في امتثال الأمر. وبالجملة فإنك إذا حققت النظر في المقام وتأملت في ما ذكرناه من الكلام علمت ان بحثهم هنا في غير الأذان الإعلامي لا معنى له بالكلية. والله العالم.

(المقام الثاني) ـ في ما يؤذن له ويقام من الصلوات ، لا ريب ولا إشكال في رجحان الأذان والإقامة في الصلوات الخمس المفروضة أداء وقضاء الجملة المصلين ذكورا واناثا فرادى وجماعة ، وهل هما على جهة الاستحباب في جميع هذه المواضع أو الوجوب أو في بعض دون بعض؟ خلاف يأتي تفصيله ان شاء الله تعالى ولا يؤذن لشي‌ء من النوافل ولا لشي‌ء من الفرائض غير الخمس اليومية بل يقول المؤذن «الصلاة» ثلاثا وورد ترك الأذان والاقتصار على الإقامة في مواضع ، وورد ايضا استحبابهما في غير الصلاة أيضا في مواضع.

وتفصيل هذه الجملة كما هو حقه يتوقف على بسطه في مسائل (الأولى) اختلف الأصحاب (رضوان الله عليهم) في الأذان والإقامة وجوبا واستحبابا عموما وخصوصا فذهب الشيخ في الخلاف إلى انهما مستحبان ليسا بواجبين في جميع الصلوات جماعة صليت أو فرادى. وهو اختيار السيد المرتضى (رضي‌الله‌عنه) في المسائل الناصرية وهو مذهب ابن إدريس وسلار ، والظاهر انه هو المشهور بين المتأخرين.

وأوجب الشيخان الأذان والإقامة في صلاة الجماعة واختاره ابن البراج وابن حمزة. وأوجبهما السيد المرتضى في الجمل على الرجال دون النساء في كل صلاة جماعة في حضر أو سفر وأوجبهما عليهم في السفر والحضر في الفجر والمغرب وصلاة الجمعة وأوجب الإقامة خاصة على الرجال في كل فريضة. وقال في المبسوط ومتى صلى جماعة بغير أذان ولا اقامة لم تحصل فضيلة الجماعة والصلاة ماضية.

وقال ابن الجنيد : الأذان والإقامة واجبان على الرجال للجمع والانفراد والسفر

٣٥٢

والحضر في الفجر والمغرب والجمعة يوم الجمعة والإقامة في باقي الصلوات المكتوبات التي تحتاج الى التنبيه على أوقاتها. وجعلهما أبو الصلاح شرطا في الجماعة.

وقال المرتضى في المسائل الناصرية : اختلف قول أصحابنا في الأذان والإقامة فقال قوم انهما من السنن المؤكدة في جميع الصلوات وليسا بواجبين وان كانا في صلاة الجماعة وفي الفجر والمغرب وصلاة الجمعة أشد تأكيدا ، وهذا الذي اختاره واذهب اليه وذهب بعض أصحابنا إلى انهما واجبان على الرجال خاصة دون النساء في كل صلاة جماعة في سفر أو حضر ، ويجبان عليهم جماعة وفرادى في الفجر والمغرب وصلاة الجمعة والإقامة دون الأذان تجب عليهم في باقي الصلوات المكتوبات. وجعل في الجمل قوله في المسائل الناصرية رواية.

وقال ابن ابي عقيل : من ترك الأذان والإقامة متعمدا بطلت صلاته إلا الأذان في الظهر والعصر والعشاء الآخرة فإن الإقامة مجزية عنه ولا اعادة عليه في تركه واما الإقامة فإنه ان تركها متعمدا بطلت صلاته وعليه الإعادة.

والأصل في هذا الاختلاف ما يتراءى من اختلاف الأخبار والواجب أولا نقل الأخبار الواردة في هذا الباب ثم الكلام فيها بما يميز القشر من اللباب وتحصل به الهداية إلى جادة الحق والصواب بتوفيق الملك الوهاب.

فأقول : الأول ـ ما رواه في الكافي عن ابي بصير عن أحدهما (عليهما‌السلام) (١) قال : «سألته أيجزئ أذان واحد؟ قال ان صليت جماعة لم يجزئ إلا أذان واقامة وان كنت وحدك تبادر امرا تخاف ان يفوتك يجزئك إقامة إلا الفجر والمغرب فإنه ينبغي ان تؤذن فيهما وتقيم من أجل انه لا يقصر فيهما كما يقصر في سائر الصلوات».

الثاني ـ ما رواه الشيخ في التهذيب عن الصباح بن سيابة (٢) قال : «قال لي أبو عبد الله

__________________

(١) الوسائل الباب ٦ و ٧ من الأذان والإقامة.

(٢) الوسائل الباب ٦ من الأذان والإقامة.

٣٥٣

(عليه‌السلام) لا تدع الأذان في الصلوات كلها فان تركته فلا تتركه في المغرب والفجر فإنه ليس فيهما تقصير».

الثالث ـ ما رواه ايضا عن الحسن بن زياد (١) قال : «قال أبو عبد الله (عليه‌السلام) إذا كان القوم لا ينتظرون أحدا اكتفوا بإقامة واحدة».

الرابع ـ ما رواه أيضا في الصحيح عن الحلبي عن ابي عبد الله عن أبيه (عليهما‌السلام) (٢) «انه كان إذا صلى وحده في البيت أقام إقامة واحدة ولم يؤذن».

الخامس ـ ما رواه أيضا في الصحيح عن عبد الله بن سنان عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٣) قال : «يجزئك إذا خلوت في بيتك إقامة واحدة بغير أذان».

السادس ـ ما رواه في الموثق عن سماعة (٤) قال : «قال أبو عبد الله (عليه‌السلام) لا تصلى الغداة والمغرب إلا بأذان واقامة ورخص في سائر الصلوات بالإقامة والأذان أفضل».

السابع ـ ما رواه في الصحيح عن ابن سنان عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٥) قال : «يجزئك في الصلاة إقامة واحدة إلا الغداة والمغرب».

الثامن ـ ما رواه في الصحيح عن عمر بن يزيد (٦) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن الإقامة بغير أذان في المغرب فقال ليس به بأس وما أحب ان يعتاد».

التاسع ـ ما رواه الصدوق في الصحيح عن زرارة عن ابي جعفر (عليه‌السلام) (٧) «ان ادنى ما يجزئ من الأذان ان تفتتح الليل بأذان واقامة وتفتتح النهار بأذان واقامة ويجزئك في سائر الصلوات اقامة بغير أذان».

العاشر ـ ما رواه المشايخ الثلاثة في الموثق عن عمار عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٨)

__________________

(١ و ٢ و ٣ و ٤) الوسائل الباب ٥ من الأذان والإقامة.

(٥ و ٦ و ٧) الوسائل الباب ٦ من الأذان والإقامة.

(٨) الوسائل الباب ٢٧ من الأذان والإقامة.

٣٥٤

قال : «سئل عن الرجل يؤذن ويقيم ليصلي وحده فيجي‌ء رجل آخر فيقول له نصلي جماعة هل يجوز ان يصليا بذلك الأذان والإقامة؟ قال لا ولكن يؤذن ويقيم».

الحادي عشر ـ ما رواه الشيخ عن عبد الرحمن بن ابي عبد الله عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (١) قال : «سمعته يقول يقصر الأذان في السفر كما تقصر الصلاة تجزئ إقامة واحدة».

الثاني عشر ـ ما رواه الصدوق في الفقيه في الصحيح عن عبد الرحمن بن ابي عبد الله عن الصادق (عليه‌السلام) (٢) قال : «يجزئ في السفر إقامة بغير أذان».

الثالث عشر ـ ما رواه الشيخ في الصحيح عن الحلبي (٣) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن الرجل هل يجزئه في السفر والحضر اقامة ليس معها أذان؟ قال نعم لا بأس به».

الرابع عشر ـ ما رواه أيضا في الصحيح عن محمد بن مسلم والفضيل بن يسار عن أحدهما (عليهما‌السلام) (٤) قال : «تجزئك اقامة في السفر».

الخامس عشر ـ ما رواه عبد الله بن جعفر الحميري في كتاب قرب الاسناد في الصحيح عن علي بن رئاب (٥) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) قلت تحضر الصلاة ونحن مجتمعون في مكان واحد أتجزئنا اقامة بغير أذان؟ قال نعم».

السادس عشر ـ ما رواه الصدوق في كتاب العلل في الصحيح عن صفوان بن مهران عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٦) في حديث قال : «ولا بد في الفجر والمغرب من أذان واقامة في الحضر والسفر لانه لا يقصر فيهما في حضر ولا سفر وتجزئك اقامة بغير أذان في الظهر والعصر والعشاء الآخرة ، والأذان والإقامة في جميع الصلوات أفضل».

إذا عرفت ذلك فاعلم ان ما يدل على الوجوب في الجماعة ـ كما هو أحد قولي

__________________

(١ و ٢ و ٣ و ٤ و ٥) الوسائل الباب ٥ من الأذان والإقامة.

(٦) الوسائل الباب ٦ من الأذان والإقامة.

٣٥٥

الشيخين ومن تبعهما ـ الخبر الأول وبه احتج في التهذيب على ذلك.

وأجاب عنه في المدارك بضعف السند أولا ، وثانيا بالحمل على الاستحباب لان الاجزاء كما يجوز ان يراد به الاجزاء في الصحة يجوز ان يكون المراد به الاجزاء في الفضيلة ، ويؤيد ذلك قوله (عليه‌السلام) «وان كنت وحدك تبادر امرا تخاف ان يفوتك تجزئك اقامة» قال وهذا التنزيل لازم للشيخ حيث لا يقول بوجوب الإقامة.

أقول : قد عرفت في غير موضع مما تقدم ان الطعن بضعف السند غير وارد على الشيخ ونحوه ممن لا اثر لهذا الاصطلاح عندهم. واما الحمل على الاستحباب فهو فرع وجود المعارض فالواجب عليه ذكره ليتم له الجمع بينه وهذه الروايات بالحمل على الاستحباب مع الإغماض عما فيه مما عرفته سابقا في غير باب. واما الاستناد الى قوله (عليه‌السلام) «وان كنت وحدك. إلخ» ففيه ان الشيخ قائل بوجوب الإقامة أيضا كما هو أحد قوليه وان كان انما عبر هنا بالأذان فلا منافاة.

والأظهر عندي في الجواب عن ذلك انما هو بما دل عليه الخبر الثالث والخامس عشر من اكتفاء القوم مع الحضور بإقامة واحدة في الجماعة ، وفيهما إشعار بأن الغرض من الأذان هو الاعلام لمن لم يكن حاضرا من الجماعة المعتادين للصلاة جماعة في هذا المكان فمتى كانوا جميعا حاضرين سقط استحبابه واكتفى بالإقامة إلا انه أخص من المدعى.

ويمكن تأييد ذلك ايضا بالحديث التاسع الدال على الاكتفاء بالأذان في الصبح والمغرب وظاهر إطلاقه شمول الجماعة أيضا. وبالجملة فالاحتياط في الملازمة عليه في الجماعة.

ويظهر من المحدث الكاشاني الميل الى القول بالوجوب في الجماعة حيث قال في المفاتيح : وقيل بوجوبهما في الجماعة وفيه قوة.

واما ما يدل على الوجوب في الصبح والمغرب فالخبر الثاني والسادس والسابع والتاسع والسادس عشر إلا انه يعارضها جملة من الاخبار عموما وخصوصا كالخبر الثالث والرابع والخامس والثامن والخامس عشر ، لكن الجميع انما دل على ترك الأذان خاصة

٣٥٦

دون الإقامة والتعارض بينهما انما حصل في الأذان وهذا الجمع بالاستحباب انما يتم فيه خاصة كما سيظهر لك في المقام ان شاء الله تعالى. وبالجملة فالظاهر من الأخبار المذكورة بضم بعضها الى بعض وحمل مطلقها على مقيدها ومجملها على مفصلها هو استحباب الأذان دون وجوبه في جماعة كانت أو فرادى.

وانما الإشكال في الإقامة فإن المشهور عندهم كونها كالأذان في ذلك مع ان الاخبار المتقدمة ـ كما رأيت ـ متفقة على الإتيان بها ولم ترخص في تركها صريحا ولا اشارة بل كلها مصرحة بالإتيان بها.

وأصحاب هذا القول انما استندوا في القول باستحبابها إلى الإجماع المركب حيث اعوزتهم النصوص بالعموم والخصوص الدالة على استحبابها أو تركها لتعارض ما دل على الأمر بالإتيان بها ، فقالوا ان كل من قال بوجوب الأذان قال بوجوب الإقامة ومن قال بالاستحباب فيه قال بالاستحباب فيها فالقول باستحبابه ووجوبها خرق للإجماع المركب ، كذا احتج به العلامة في المختلف وتبعه جملة ممن تأخر عنه وعليه جمد في المدارك والذخيرة ولا يخفى على المصنف ما فيه من الضعف وهل هو إلا من قبيل التشبث بالحشيش للغريق مع ما يعلم من عدم النجاة به من ذلك المضيق؟ وكيف لا ومثل هذين العمدتين قد تكلما في الإجماع وخرقاه في مواضع من كتابيهما وان استسلقوه في مثل هذا الموضع ومما يؤيد ما ذكرنا من الفرق بينهما وانه لا يلزم من استحبابه استحبابها انه قد رخص في الاخبار في الأذان على غير طهارة ولم يرخص في الإقامة إلا مع الطهارة ورخص في الأذان الى غير القبلة ولم يرخص في الإقامة إلا الى القبلة ، ورخص في الأذان قاعدا وراكبا وماشيا وكيف شاء ولم يرخص في الإقامة إلا قائما مستقبل القبلة ، وقد تقدمت الأخبار الدالة على جميع ذلك.

بل صرح جملة منها بما يومئ الى كونها من الصلاة كما صرحت به رواية سليمان بن صالح المتقدمة وكذا رواية يونس الشيباني المتقدمة أيضا.

٣٥٧

وتؤكده رواية أبي هارون المكفوف (١) قال : «قال أبو عبد الله (عليه‌السلام) يا أبا هارون الإقامة من الصلاة فإذا أقمت فلا تتكلم ولا تومئ بيدك».

وفي موثقة عمرو بن ابي نصر (٢) قال : «قلت لأبي عبد الله (عليه‌السلام) أيتكلم الرجل في الأذان؟ قال لا بأس. قلت في الإقامة؟ قال لا».

وما دل عليه بعض الأخبار من جواز الكلام فيها معارض بما دل على إعادتها لو تكلم كصحيحة محمد بن مسلم (٣) قال : «قال أبو عبد الله (عليه‌السلام) لا تتكلم إذا أقمت الصلاة فإنك إذا تكلمت أعدت الإقامة».

الى غير ذلك من المؤيدات لما قلناه ولم أعثر على من تنبه لما قلناه في هذا المقام إلا على مجمل كلام لشيخنا غواص بحار الأنوار حيث قال في الكتاب المذكور بعد نقل الخلاف في وجوب الأذان والإقامة واستحبابهما ما صورته : إذا علمت هذا فاعلم ان الاخبار مختلفة جدا ومقتضى الجمع بينها استحباب الأذان مطلقا واما الإقامة ففيها إشكال إذ الاخبار الدالة على جواز الترك انما هي في الأذان وتمسكوا في الإقامة بخرق الإجماع المركب وفيه ما فيه. والأحوط عدم ترك الإقامة في الغداة والمغرب والجمعة ولا سيما في الحضر. انتهى.

وربما تعلق بعضهم هنا بحديث حماد (٤) وتعليم الصادق (عليه‌السلام) له الصلاة حيث لم يشتمل على الأذان ولا الإقامة ولو كانا واجبين لذكرا في مقام البيان. وهو أوهن متشبث لان ظاهر سياق الخبر ـ وامره حمادا بالصلاة بين يديه ثم قوله : «ما أقبح بالرجل منكم. إلخ» ووصف حماد لما فعله (عليه‌السلام) في تلك الركعتين ـ أن إنكاره (عليه‌السلام) انما كان بالنسبة إلى السنن والمستحبات التي وصفها حماد في حكايته فالمقصود بالتعليم انما هو ذلك ولم يكن القصد الى تعليمه الواجبات لان حمادا أجل من ان يجهل الواجبات في ذلك ، إلا ترى انه قال : «انا أحفظ كتاب حريز في الصلاة»

__________________

(١ و ٢ و ٣) الوسائل الباب ١٠ من الأذان والإقامة.

(٤) الوسائل الباب ١ من الأفعال الصلاة.

٣٥٨

مما يشعر بمعرفته بجميع أحكام الصلاة من واجب ومستحب. فكيف يدعى ان المراد تعليم حماد للصلاة كملا من واجب وغيره حتى يتجه الاحتجاج بالخبر على ان المقام مقام بيان فلو كان الأذان والإقامة واجبين لذكرا ، ما هذه إلا غفلة أو تغافل ولكن المضطر يتشبث بالاحتمالات البعيدة والتمحلات الغير السديدة.

وبما حققناه في المقام وكشفنا عنه نقاب الاشكال والإبهام يظهر لك ما في كلام الفاضل الخراساني في الذخيرة ، فإنه ـ بعد ان نقل الخلاف في المسألة وجملة من الاخبار واستشكل في الحكم باستحباب الإقامة من حيث عدم الترخيص فيها في الأخبار بل وقع الأمر بها في اخبار كثيرة واعترف بان في كثير من الأخبار التي قدمها ظهورا في وجوبها ، ونقل عن الشيخ انه ذكر أخبارا ثلاثة دالة على ان الإقامة من الصلاة لكن في طريقها ضعف ـ قال ما صورته : والأصح استحبابها للأصل بناء على انه خارج عن حقيقة الصلاة ، للاتفاق ، ولما دل على ان أول الصلاة التكبير فلا يتوقف تحصيل اليقين بالبراءة من التكليف بالصلاة عليه ، ولعدم القائل بالفصل كما نقله المصنف في المختلف ولا شعار خبر زرارة وحماد بالاستحباب وعدم وضوح دلالة الأوامر في الاخبار السالفة على أكثر من التأكيد والرجحان المطلق. والاحتياط ان لا يترك بحال. انتهى.

وفيه زيادة على ما قد مر هنا ان الاستناد الى الأصل في مقابلة الدليل مما لا يعول عليه عند ذوي التحصيل ، وخروجها عن حقيقة الصلاة لا منافاة فيه للقول بالوجوب فان من قال بوجوب الأذان لم يدع كونه جزء من الصلاة فيجوز ان يكون واجبا خارجا فلا منافاة ، ولا ينافيه حينئذ ما دل على ان أول الصلاة التكبير ولا خبر حماد الذي استند اليه ، مع ما عرفت في الاستناد الى خبر حماد في هذا المقام من الوهن الذي لا يخفى على ذوي الأفهام.

واما قوله ـ فلا يتوقف تحصيل اليقين بالبراءة من التكليف بالصلاة عليه ـ فممنوع فان يقين البراءة متوقف على الإتيان بالصلاة التي أولها التكبير كما ذكر مع كل ما

٣٥٩

توقفت عليه من الشروط الواجبة الخارجة مما تقدم في المقدمات المتقدمة ومنها الإقامة المذكورة في هذه المقدمة كما هو المدعى ، والمدعى للوجوب ـ كما عرفت ـ لا يدعى دخولها في حقيقة الصلاة وانها جزء منها حتى انه متى انتفت الجزئية انتفى توقف اليقين بالبراءة من الصلاة عليها.

واما قوله ـ «ولعدم القائل بالفصل» إشارة إلى الإجماع المركب الذي احتج به في المختلف ـ فهو أوهن من بيت العنكبوت وانه لا وهن البيوت كما تقدم القول في ذلك مرارا ومن رجع الى كلامه وما أطال به في القدح في الإجماع في باب غسل الجنابة في مسألة الوطء في الدبر يعرف حقيقة ما سجلنا به عليه هنا.

واما قوله ـ «ولا شعار خبر زرارة» وهو ما قدمه في صدر البحث وصورته (١) «انه سأل أبا جعفر (عليه‌السلام) عن رجل نسي الأذان والإقامة حتى دخل في الصلاة قال فليمض في صلاته فإنما الأذان سنة». ـ ففيه وان كان قد سبقه الى الاستناد الى هذا الخبر وخبر حماد صاحب المدارك ايضا انه ليس في الخبر ـ كما ترى ـ أزيد من الدلالة على صحة الصلاة مع نسيان الإقامة الى ان دخل في الصلاة وهو لا يمنع من وجوبها فان واجبات الصلاة مغتفرة بالنسيان في أثناء الصلاة اتفاقا متى فات محل تداركها ، على ان هذه الرواية معارضة بما دل على خلافها كصحيحة محمد بن مسلم عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٢) انه قال : «في رجل نسي الأذان والإقامة حتى دخل في الصلاة؟ قال ان كان ذكره قبل ان يقرأ فليصل على النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) وليقم وان كان قد قرأ فليتم صلاته». ومثلها صحيحة الحسين بن ابي العلاء (٣) وصحيحة الحلبي (٤) «انه يعود للأذان والإقامة متى نسيهما ما لم يركع. الحديث». وهذه الروايات أرجح من تلك الرواية لصحتها وتعددها.

واما قوله ـ وعدم وضوح دلالة الأوامر في الاخبار السالفة على أكثر من التأكيد

__________________

(١ و ٢ و ٣ و ٤) الوسائل الباب ٢٩ من الأذان والإقامة.

٣٦٠