الحدائق الناضرة - ج ٧

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]

الحدائق الناضرة - ج ٧

المؤلف:

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]


المحقق: محمّد تقي الإيرواني
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٥٦

وخاتم سليمان ومنه فار التنور ونجرت السفينة وهي صرة بابل ومجمع الأنبياء».

وفي حديث الكاهلي المروي في الكافي والتهذيب عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) (١) «يمينه يمن ويساره مكر وفي وسطه عين من دهن وعين من لبن وعين من ماء شراب للمؤمنين وعين من ماء طهر للمؤمنين. الى ان قال وصلى فيه سبعون نبيا وسبعون وصيا أنا أحدهم ، وقال بيده في صدره».

وروى مؤلف المزار الكبير على ما نقله في البحار (٢) بسنده عن حبة العرني عن أمير المؤمنين (عليه‌السلام) في حديث قال فيه «وصلى فيه ألف نبي وألف وصي وفيه عصا موسى وخاتم سليمان وشجرة يقطين ووسطه روضة من رياض الجنة وفيه ثلاث أعين : عين من ماء وعين من دهن وعين من لبن. الى ان قال ويحشر يوم القيامة منه سبعون ألفا ليس عليهم حساب ولا عذاب ، جانبه الأيمن ذكر وجانبه الأيسر مكر».

أقول : لا تنافي بين هذه الأخبار باعتبار ذكر عدد من صلى فيه من الأنبياء والأوصياء قلة وكثرة فجاز ان يذكرهم كلهم تارة وجاز ان يقتصر على أفضلهم أخرى إذ لا دلالة على الحصر في عدد.

واما الروضة التي في وسط المسجد بناء على رواية أبي بصير أو في وسطه ومقدمه وميمنته وميسرته ومؤخره بناء على الروايات الأخر فالظاهر انها عبارة عن الجنات التي تظهر بعد خروج القائم (عليه‌السلام) وينبغي حمل المسجد في هذه الاخبار على المسجد الأصلي الذي يأتي ذكره قريبا وبيان وقوع النقص فيه لما يستفاد من بعض الاخبار انه (عليه‌السلام) بعد ظهوره يعيده إلى أساسه الأصلي ويوسعه سعة زائدة ، وهذه العيون المذكورة من جملة ما في تلك الروضات التي تظهر بظهوره (عليه‌السلام).

ولا منافاة بين ما دل على ان ميسرته مكر وبين ما دل على ان ميسرته روضة لان

__________________

(١) الوسائل الباب ٤٥ من أحكام المساجد.

(٢) ج ٢٢ ص ٨٨.

٣٢١

المراد بالأول ما خرج عن هذه المسجد وبالثاني ما دخل في المسجد الأصلي من طرف اليسار

والظاهر ان تفسير المكر بمنازل الشيطان من كلام الصدوق (قدس‌سره) وهذا الخبر رواه في الكافي عن علي بن أبي حمزة عن ابي بصير (١) وفيه بعد قوله مكر «فقلت لأبي بصير ما يعني بقوله مكر؟ قال يعني منازل السلطان». وهذا الخبر ونحوه قد رواه العامة أيضا ، قال ابن الأثير في نهايته (٢) : أصل المكر الخداع ومنه حديث علي (ع) في مسجد الكوفة «جانبه الأيسر مكر» قيل كانت السوق الى جانبه الأيسر وفيها يقع المكر والخداع. انتهى. والأظهر ما ذكر في الخبرين من تفسير المكر بمنازل السلطان ، والظاهر ان المراد به قصر الامارة الذي هو محل الحكم والأمر والنهي ، وعليه ينطبق ايضا ما ذكره الصدوق لان منازل سلاطين الجور منازل الشياطين أو ان المراد بالشياطين هم حكام الجور.

واما ما قابل الميسرة في هذا الخبر ونحوه مما كان خارجا عن المسجد فيمكن حمله على الغري الذي هو موضع قبر أمير المؤمنين (عليه‌السلام) والإشارة إليه بذلك وقع تقية ، ومثله قوله (عليه‌السلام) في حديث حبة العرني «ويحشر منه يوم القيامة سبعون ألفا ليس عليهم حساب ولا عذاب». يعني يحشرون من جنبه ، والمراد به الغري أيضا الذي قد استفاضت الأخبار بأنه قطعة من جنة عدن تكون فيها أرواح المؤمنين في عالم البرزخ ، والإجمال في التعبير عن ذلك صريحا كله للتقية.

واما ما دل على ان فيه عصا موسى (عليه‌السلام) فيحتمل انها مودعة فيه الى ظهور صاحب الزمان (عجل الله فرجه) وكذا خاتم سليمان (عليه‌السلام) ويحتمل ان العصا نبتت فيه ومنه أخذت ، وعليه يحمل ايضا «وفيه شجرة يقطين» يعني فيه نبتت ، ويؤيده ما نقله بعض مشايخنا قال انه يظهر من بعض الاخبار ان يونس (عليه‌السلام) خرج من الفرات.

__________________

(١) الوسائل الباب ٤٤ من أحكام المساجد.

(٢) في مادة «مكر».

٣٢٢

بقي الكلام في نجر السفينة في المسجد مع كراهة الصنائع في المساجد ولا سيما هذا المسجد ، فيمكن الجواب بتخصيص هذا الحكم بهذه الشريعة أو استثناء ذلك من الحكم المذكور

واما قوله في رواية الحذاء : «وهي صرة بابل» ففيه إشارة الى ان الكوفة من أرض بابل إذ المراد بالصرة الكناية عن الشي‌ء النفيس العزيز ، لأن أصل الصرة بمعنى صرة الدراهم وهي أنفس الأموال وأعزها. والمفهوم من خبر رد الشمس الى أمير المؤمنين (عليه‌السلام) (١) ـ في أيام رجوعه من حرب الخوارج وتركه الصلاة الى ان عبر الفرات فصلى في الجانب الآخر ـ اختصاص بابل بذلك الجانب من الفرات ، ولعل الإضافة هنا مجاز باعتبار قربها من بابل وان ارض الخسف من بابل التي يكره الصلاة فيها مخصوص بذلك الموضع الذي عبر (عليه‌السلام) منه. والله العالم.

(الخامسة) ـ ان ما دل عليه مرسل الفقيه من قول الصادق (عليه‌السلام) «حد مسجد الكوفة آخر السراجين. إلخ». مما يدل على وقوع النقص في المسجد والحديث بهذه الكيفية قد رواه الشيخ في التهذيب بسنده عن علي بن مهزيار بإسناد له (٢) قال : «قال أبو عبد الله (عليه‌السلام) حد مسجد الكوفة. الحديث». إلا ان الكليني في الروضة والعياشي في تفسيره قد نقلاه بوجه ابسط عن المفضل بن عمر (٣) قال : «كنت مع أبي عبد الله (عليه‌السلام) بالكوفة أيام قدم علي ابي العباس فلما انتهينا إلى الكناسة نظر عن يساره ثم قال يا مفضل ههنا قتل عمي زيد ثم مضى حتى اتى طاق الرواسين وهو آخر السراجين فنزل فقال لي انزل فإن هذا الموضع كان مسجد الكوفة الأول الذي خطه آدم (عليه‌السلام) وانا أكره ان ادخله راكبا فقلت له فمن غيره عن خطته؟ قال اما أول ذلك فالطوفان. الى آخر ما تقدم في خبر الفقيه».

__________________

(١) البحار ج ١٨ الصلاة ص ١٢١.

(٢) الوسائل الباب ٤٤ من أحكام المساجد.

(٣) الروضة ص ٢٧٩ ومستدرك الوسائل الباب ٣٥ من أحكام المساجد.

٣٢٣

ومما يدل على وقوع النقص في المسجد ما رواه في الكافي في خبر عن ابي بصير عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) (١) قال «وكان أمير المؤمنين (عليه‌السلام) يقوم على باب المسجد ثم يرمي بسمة فيقع في موضع التمارين فيقول ذلك من المسجد ، وكان يقول قد نقص من أساس مسجد الكوفة مثل ما نقص في تربيعه». وفي رواية أخرى نقلها في البحار (٢) عن مؤلف المزار الكبير قال «ولقد نقص منه اثنا عشر الف ذراع مما كان على عهدهم».

بقي الكلام في حكم هذا الناقص من المسجد الأول الزائد على ما هو عليه الآن هل يثبت له حكم المسجدية؟ إشكال ينشأ من ان ظاهر حديث المفضل ـ حيث ان الصادق (عليه‌السلام) نزل لما بلغ الى طاق الرواسين وأمر المفضل بالنزول معللا ذلك بأنه من المسجد وانه يكره دخوله راكبا ـ اجراء حكم المسجدية في ذلك الزائد ، ومن ان ظاهر خبر ابي بصير ـ الدال على ان عليا (عليه‌السلام) رمى بسهمه الى موضع التمارين وأخبر ان هذه المسافة كلها من المسجد مع انه لم ينقل عنه في زمانه إدخالها في المسجد ولا الأمر باحترامها واجراء حكم المسجدية عليها ، بل الظاهر انما هو العدم لتقريره الناس على تصرفهم في هذا الموضع بجعله سوقا وطريقا ومنازل ونحوها من التصرفات ـ هو العدم ، ولعل الترجيح للأخير إلا انه يمكن تطرق القدح اليه بعدم تمكنه (عليه‌السلام) من تغيير ما جرت عليه أئمة الجور قبله كما لا يخفى على من أحاط خبرا بما كان عليه في أيام خلافته وان جل رعيته انما يرونه بعين التبعية لمن تقدمه. وكيف كان فإنه يجب ان يحمل فعل الصادق (عليه‌السلام) على الفضل والاستحباب.

والظاهر ان الكلام ههنا كالكلام في المسجد الحرام قبل الزيادة التي زادتها بنو أمية ، فإن ظاهر خبر زرارة المتقدم (٣) ـ المتضمن لنوم الباقر (عليه‌السلام) معه في تلك الزيادة وتجويزه النوم فيها معللا ذلك بأنها ليست من المسجد الذي في زمنه (صلى الله

__________________

(١) الوسائل الباب ٤٤ من أحكام المساجد.

(٢) ج ٢٢ ص ٨٨.

(٣) ص ٢٩٣.

٣٢٤

عليه وآله) مع دلالة الأخبار الأخر على انها من المسجد القديم ـ هو عدم اجراء حكم المسجدية على ذلك الزائد وان كان داخلا في المسجد القديم ، وهو مؤيد لما ذكرناه من عدم ثبوت حكم المسجدية لما زاد على المسجد الموجود في زمنه (عليه‌السلام) وان كان داخلا في المسجد القديم.

ويمكن ان يكون الوجه في الجميع ان الاعتبار في رعاية حكم المسجدية على ما كان مسجدا في الإسلام بأن ثبت له المسجدية وسمى مسجدا بعد ظهور الشريعة المحمدية ، فإن البيع والكنائس السابقة في الملل المتقدمة كانت في تلك الملل يراعى فيها ما يراعى في المساجد من التوقير والتعظيم ، واما بعد الإسلام بالنسبة إلى المسلمين فإنه لا يراعى فيها ذلك لأنها ليست من مساجد الإسلام ، ولهذا ورد جواز نقضها وجعلها مساجد يجب احترامها كما يجب في المساجد المعمولة في الإسلام فكذلك المساجد التي في زمان الكفر وتلك الملل السابقة ، بل الاعتبار بما جرى عليه اسم المسجدية في الإسلام ، ويعضده تقرير النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) الناس على مسجدية المسجد الحرام الموجود في زمنه دون ما زاد عليه. والله العالم.

نعم يبقى اشكال آخر بالنسبة إلى تغيير زياد ابن أبيه الذي وقع بعد أمير المؤمنين (عليه‌السلام) وثبوت المسجدية للجميع الموجود يومئذ. ويمكن التفصي عن ذلك بأنه لعدم معلوميته لنا الآن لا يلزمنا حكمه.

ويمكن تخصيص تغيير زياد باعتبار القبلة دون ارض المسجد كما يشير اليه ما رواه الشيخ في كتاب الغيبة بسنده فيه عن الأصبغ بن نباتة (١) قال : «قال أمير المؤمنين (عليه‌السلام) في حديث له «حتى انتهى الى مسجد الكوفة وكان مبنيا بخزف ودنان وطين فقال ويل لمن هدمك وويل لمن سهل هدمك وويل لبانيك بالمطبوخ المغير قبلة

__________________

(١) البحار ج ١٣ ص ١٨٦.

٣٢٥

نوح (عليه‌السلام) طوبى لمن شهد هدمك مع قائم أهل بيتي أولئك خيار الأمة مع أبرار العترة».

وروى محمد بن إبراهيم النعماني في كتاب الغيبة بسنده إلى حبة العرني في حديث عنه (عليه‌السلام) (١) قال : «كأني انظر الى شيعتنا بمسجد الكوفة وقد ضربوا الفساطيط يعلمون الناس القرآن كما أنزل ، اما إن قائمنا إذا قام كسره وسوى قبلته».

واما نسبته (عليه‌السلام) في هذا الخبر زيادا الى ابي سفيان فلعله خرج مخرج التقية لاشتهار ذلك بين الأموية حيث ان معاوية استلحقه وجعله أخاه لأبيه وإلا فهو مشهور بين علماء التاريخ بنسبته الى امه سمية أو يقال زياد ابن أبيه.

(السادسة) ـ ما تضمنه مرسل الفقيه عن علي (عليه‌السلام) في فضل الصلاة في المساجد المذكورة قد ورد مثله في ما رواه الشيخ في التهذيب عن السكوني عن جعفر عن أبيه (عليهما‌السلام) (٢) إلا ان كتب الاخبار قد اختلفت في قوله : «وصلاة في المسجد الأعظم تعدل مائة صلاة». ففي التهذيب في حديث السكوني المذكور وكذا في كتاب المحاسن كما هنا ولكن في أكثر نسخ الفقيه «مائة ألف صلاة» وكذا في كتاب ثواب الأعمال ، والظاهر زيادة لفظ «الف» من النساخ في الصدر الأول أو أحد الرواة واستمر عليها النسخ ، وعلى تقديره فيحمل المسجد الأعظم على المسجد الحرام ، وعلى تقدير النسخة الأخرى يحمل على المسجد الجامع.

وبيت المقدس بتخفيف الدال بمعنى القدس والطهارة كأن من يدخل فيه يطهر من الذنوب ، والمراد بكون الصلاة فيه تعدل ألف صلاة أي في البيوت وغير المساجد ويحتمل الحمل على الترتيب بالنسبة إلى الجامع وكذا الجامع بالنسبة إلى مسجد القبيلة وهكذا ولعل الأول أقرب.

والمراد بمسجد القبيلة هو مسجد المحلة المذكور في كلام الأصحاب بعنوان المحلة ووجه خروج هذه التسمية في الخبر انه كان في تلك الأوقات ولا سيما في الكوفة قبائل

__________________

(١) البحار ج ١٣ ص ١٩٢.

(٢) الوسائل الباب ٦٤ من أحكام المساجد.

٣٢٦

العرب وكل قبيلة في محلة ولها مسجد فيها فنسب المسجد إلى القبيلة.

والمراد بمسجد السوق ما كان لأهل السوق واقعا في السوق أو الى جنبها لا ما اتصل بها وان كان جامعا أو مسجد قبيلة وإلا فكثير من المساجد الجامعة متصلة بالسوق ولا سيما المسجد الحرام ومسجد الرسول (صلى‌الله‌عليه‌وآله).

وفي رواية التهذيب (١) «وصلاة الرجل في بيته وحده صلاة واحدة». وكذا في بعض نسخ الفقيه وفي كتاب ثواب الأعمال ، قال المحدث الكاشاني في الوافي بعد نقله الخبر على ما في التهذيب : بيان ـ لفظة «وحده» ليست في بعض نسخ الفقيه فان قلنا ان التضعيف في الأجر باعتبار الجماعة وكثرتها فإثباتها أوضح في مقابلة الوحدة بالجماعة (وان قلنا) انه باعتبار فضل المسجد من غير نظر الى الجماعة فاسقاطها أوضح في مقابلة كل من الوحدة والجماعة بمثله. انتهى.

أقول : قد روى الشيخ في كتاب المجالس عن الحسين بن عبيد الله عن التلعكبري عن محمد بن همام عن عبد الله بن جعفر الحميري عن محمد بن خالد الطيالسي عن زريق الخلقاني (٢) قال : «سمعت أبا عبد الله (عليه‌السلام) يقول صلاة الرجل في منزله جماعة تعدل أربعا وعشرين صلاة وصلاة الرجل جماعة في المسجد تعدل ثمانيا وأربعين صلاة مضاعفة في المسجد. وان الركعة في المسجد الحرام ألف ركعة في سواه من المساجد وان الصلاة في المسجد فردا بأربع وعشرين صلاة. والصلاة في منزلك فردا هباء منثور لا يصعد منها الى الله تعالى شي‌ء. ومن صلى في بيته جماعة رغبة عن المساجد فلا صلاة له ولا لمن صلى معه إلا من علة تمنع من المسجد».

وروى فيه ايضا بالسند المذكور عن زريق المذكور (٣) قال : «سمعت أبا عبد الله

__________________

(١) الوسائل الباب ٦٤ من أحكام المساجد.

(٢) الوسائل الباب ٣٣ من أحكام المساجد.

(٣) الوسائل الباب ٢ من أحكام المساجد.

٣٢٧

(عليه‌السلام) يقول شكت المساجد الى الله تعالى الذين لا يشهدونها من جيرانها فأوحى الله عزوجل إليها وعزتي وجلالي لا قبلت لهم صلاة واحدة ولا أظهرت لهم في الناس عدالة ولا نالتهم رحمتي ولا جاوروني في جنتي». وفي جملة من الاخبار «لا صلاة لجار المسجد إلا فيه» (١).

ووجه الجمع بينها وبين الخبر المذكور وأمثاله مما دل على صحة الصلاة في البيت وجوازها اما حمل التخلف عن المسجد على ما إذا كان لمجرد التهاون والاستخفاف وعدم المبالاة بما ورد في الصلاة فيه من الأجر والثواب واليه يشير خبر زريق الأول ، أو على قلة الأجر والثواب المترتب عليها حتى كأنه في حكم العدم ولعله الأظهر فإنهم (عليهم‌السلام) كثيرا ما يبالغون في الزجر عن المكروهات بما يكاد يلحقها بالمحرمات والحث على المستحبات بما يكاد يدخلها في الواجبات.

وكيف كان فمع العذر يكون مستثنى من الحكم المذكور ، ويدل عليه ما رواه في كتاب قرب الاسناد عن الصادق عن أبيه (عليهما‌السلام) (٢) قال : «قال علي (عليه‌السلام) ليس لجار المسجد صلاة إذا لم يشهد المكتوبة في المسجد إذا كان فارغا صحيحا». ومثله روى في التهذيب (٣) ايضا. والله العالم.

المقدمة السابعة في الأذان والإقامة

الأذان لغة الاعلام ومثله الإيذان ، ومنه قوله تعالى «فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ» (٤) اي اعلموا ، وعلى قراءة المد اي اعلموا من ورائكم بالحرب ، فالمد يفيد التعدي وفعله «أذن يأذن» ثم شدد للتعدية ، وشرعا أذكار مخصوصة موضوعة للاعلام بدخول أوقات الصلوات. والإقامة مصدر اقام بالمكان والتاء عوض عن الواو

__________________

(١ و ٢ و ٣) الوسائل الباب ٢ من أحكام المساجد.

(٤) سورة البقرة ، الآية ٢٧٩.

٣٢٨

المحذوفة لأن أصله (إقوام) أو مصدر (أقام الشي‌ء) بمعنى ادامه ومنه «يُقِيمُونَ الصَّلاةَ» وشرعا أذكار مخصوصة عند إقامة الصلاة.

والاخبار بفضله وثوابه ـ وانه من وكيد السنن وانه وحي من الله تعالى لا ما تزعمه العامة العمياء ـ حتى انهم أجمعوا عليه ـ من نسبته إلى رؤيا عبد الله بن زيد في منامه (١) ـ مستفيضة متواترة ، ولا بأس بنقل جملة منها لان كتابنا هذا ـ كما قدمنا ذكره ـ كتاب اخبار وأحكام :

فروى الصدوق في من لا يحضره الفقيه (٢) عن عبد الله بن علي قال : «حملت متاعي من البصرة إلى مصر فقدمتها فبينا انا في بعض الطريق إذا أنا بشيخ طويل شديد الادمة أبيض الرأس واللحية عليه طمران أحدهما أسود والآخر أبيض فقلت من هذا؟ فقالوا هذا بلال مولى رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) فأخذت الواحي فأتيته فسلمت عليه فقلت له السلام عليك ايها الشيخ فقال وعليك السلام فقلت يرحمك الله حدثني بما سمعت من رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) فقال وما يدريك من انا؟ فقلت أنت بلال مؤذن رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) قال فبكى وبكيت حتى اجتمع الناس علينا ونحن نبكي ، قال ثم قال يا غلام من اي البلاد أنت؟ قلت من أهل العراق. قال بخ بخ ثم سكت ساعة ثم قال اكتب يا أخا أهل العراق بسم الله الرحمن الرحيم سمعت رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) يقول المؤذنون أمناء المؤمنين على صلاتهم وصومهم ولحومهم ودمائهم لا يسألون الله عزوجل شيئا إلا أعطاهم ولا يشفعون في شي‌ء إلا شفعوا. قلت زدني رحمك الله تعالى قال اكتب بسم الله الرحمن الرحيم سمعت رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) يقول من اذن أربعين عاما محتسبا بعثه الله عزوجل يوم القيامة وله عمل أربعين صديقا عملا مبرورا متقبلا. قلت زدني رحمك الله قال اكتب بسم الله الرحمن

__________________

(١) تيسير الوصول ج ٢ ص ٢٠٩.

(٢) ج ١ ص ١٨٩ وفي الوسائل الباب ٢ من الأذان والإقامة.

٣٢٩

الرحيم سمعت رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) يقول من اذن عشرين عاما بعثه الله عزوجل يوم القيامة وله من النور مثل زنة السماء. قلت زدني رحمك الله قال اكتب بسم الله الرحمن الرحيم سمعت رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) يقول من اذن عشر سنين أسكنه الله مع إبراهيم الخليل في قبته أو في درجته. قلت زدني رحمك الله قال اكتب بسم الله الرحمن الرحيم سمعت رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) يقول من اذن سنة واحدة بعثه الله عزوجل يوم القيامة وقد غفرت له ذنوبه كلها بالغة ما بلغت ولو كانت مثل زنة جبل أحد. قلت زدني رحمك الله قال نعم فاحفظ واعمل واحتسب سمعت رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) يقول من اذن في سبيل الله صلاة واحدة إيمانا واحتسابا وتقريبا الى الله تعالى غفر الله له ما سلف من ذنوبه ومن عليه بالعصمة في ما بقي من عمره وجمع بينه وبين الشهداء في الجنة. قلت زدني يرحمك الله حدثني بأحسن ما سمعت من رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) قال ويحك يا غلام قطعت أنياط قلبي وبكى وبكيت حتى اني والله لرحمته ثم قال اكتب بسم الله الرحمن الرحيم سمعت رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) يقول إذا كان يوم القيامة وجمع الله عزوجل الناس في صعيد واحد بعث الله عزوجل إلى المؤذنين ملائكة من نور ومعهم ألوية واعلام من نور يقودون جنائب أزمتها زبرجد أخضر وخفائفها المسك الأذفر يركبها المؤذنون فيقومون عليها قياما تقودهم الملائكة ينادون بأعلى صوتهم بالأذان. ثم بكى بكاء شديدا حتى انتحب وبكيت فلما سكت قلت مم بكاؤك؟ فقال ويحك ذكرتني شيئا سمعت حبيبي وصفيي عليه‌السلام يقول والذي بعثني بالحق نبيا انهم ليمرون على الخلق قياما على النجائب فيقولون الله أكبر الله أكبر فإذا قالوا ذلك سمعت لأمتي ضجيجا ، فسأله أسامة بن زيد عن ذلك الضجيج ما هو؟ قال الضجيج التسبيح والتحميد والتهليل فإذا قالوا اشهد ان لا إله إلا الله قالت أمتي إياه كنا نعبد في الدنيا فيقال صدقتم فإذا قالوا اشهد ان محمدا رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) قالت أمتي هذا الذي أتانا برسالة ربنا جل جلاله وآمنا به ولم نره فيقال لهم صدقتم هذا

٣٣٠

الذي أدى إليكم الرسالة من ربكم وكنتم به مؤمنين فحقيق على الله عزوجل ان يجمع بينكم وبين نبيكم فينتهي بهم الى منازلهم وفيها ما لا عين رأت ولا اذن سمعت ولا خطر على قلب بشر. ثم نظر الي فقال ان استطعت ـ ولا قوة إلا بالله ـ ان لا تموت إلا وأنت مؤذن فافعل. فقلت يرحمك الله تفضل علي وأخبرني فاني فقير محتاج وأد الي ما سمعت من رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) فإنك قد رأيته ولم أره وصف لي كما وصف لك رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) بناء الجنة فقال اكتب. الحديث».

وروى الشيخ في الصحيح عن معاوية بن وهب عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (١) قال : «قال رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) من اذن في مصر من أمصار المسلمين سنة وجبت له الجنة».

وعن محمد بن مروان (٢) قال : «سمعت أبا عبد الله (عليه‌السلام) يقول المؤذن يغفر له مد صوته ويشهد له كل شي‌ء سمعه».

وروى الكليني في الصحيح أو الحسن عن الحلبي عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٣) قال : «إذا أذنت وأقمت صلى خلفك صفان من الملائكة وإذا أقمت صلى خلفك صف من الملائكة».

وروى الصدوق مرسلا (٤) «ان حد الصف ما بين المشرق والمغرب». وروى ايضا عن أمير المؤمنين (عليه‌السلام) (٥) انه قال : «من صلى بأذان واقامة صلى خلفه صفان من الملائكة لا يرى طرفاهما ومن صلى بإقامة صلى خلفه ملك».

وروى في الكافي عن عبد الرحمن بن ابي نجران رفعه (٦) قال : «ثلاثة يوم القيامة على كثبان المسك أحدهم مؤذن أذن احتسابا».

وروى الشيخ في التهذيب في الصحيح عن ابن ابي عمير عن زكريا صاحب السابري عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٧) قال «ثلاثة في الجنة على المسك الأذفر : مؤذن أذن ،

__________________

(١ و ٢ و ٦ و ٧) الوسائل الباب ٢ من الأذان والإقامة.

(٣ و ٤ و ٥) الوسائل الباب ٤ من الأذان والإقامة.

٣٣١

احتسابا ، وامام أم قوما وهم به راضون ، ومملوك يطيع الله ويطيع مواليه».

وروى في الكافي والتهذيب عن عبد الله بن سنان عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (١) قال : «كان طول حائط مسجد رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) قامة وكان يقول لبلال إذا دخل الوقت يا بلال اعل فوق الجدار وارفع صوتك بالأذان فإن الله تعالى قد وكل بالأذان ريحا ترفعه الى السماء وان الملائكة إذا سمعوا الأذان من أهل الأرض قالت هذه أصوات امة محمد (صلى‌الله‌عليه‌وآله) بتوحيد الله عزوجل فيستغفرون لامة محمد (صلى‌الله‌عليه‌وآله) حتى يفرغوا من تلك الصلاة».

ورؤيا في الكتابين المذكورين عن هشام بن إبراهيم (٢) «أنه شكى الى ابي الحسن الرضا (عليه‌السلام) سقمه وانه لا يولد له فأمره أن يرفع صوته بالأذان في منزله قال ففعلت ذلك فاذهب الله عني سقمي وكثر ولدي قال محمد بن راشد وكنت دائم العلة ما انفك منها في نفسي وجماعة خدمي وعيالي حتى كأنني كنت أبقى وما لي أحد يخدمني فلما سمعت ذلك من هشام عملت به فاذهب الله عني وعن عيالي العلل».

وروى في الكافي في الصحيح عن سليمان بن جعفر الجعفري (٣) قال : «سمعته يقول اذن في بيتك فإنه يطرد الشيطان ويستحب من أجل الصبيان».

وروى في التهذيب في الصحيح عن عبد الرحمن ابي عبد الله عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٤) قال : «إذا أذنت فلا تخفين صوتك فان الله يأجرك مد صوتك فيه».

إذا عرفت ذلك فالكلام في هذا المقام يقع في المؤذن وما يؤذن له ويقام من الصلوات وكيفية الأذان والإقامة والأحكام المتعلقة بهما فههنا مقامات أربعة :

(الأول) ـ قد صرح جملة من الأصحاب انه يشترط في المؤذن المنصوب في البلد للأذان ان يكون مسلما عاقلا ذكرا ولا يشترط فيه البلوغ بل يكفي كونه مميزا.

__________________

(١ و ٤) الوسائل الباب ١٦ من الأذان والإقامة.

(٢ و ٣) الوسائل الباب ١٨ من الأذان والإقامة.

٣٣٢

أقول : اما اشتراط الإسلام وان لا يكون كافرا فادعى عليه الإجماع جملة من الأصحاب ، ويدل عليه جملة من الاخبار الدالة على ان المؤذنين أمناء الناس على دينهم ومنها حديث بلال المتقدم والكافر ليس له أهلية الامانة.

وما رواه في الكافي في الموثق عن عمار عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (١) قال «سئل عن الأذان هل يجوز ان يكون من غير عارف؟ قال لا يستقيم الأذان ولا يجوز ان يؤذن به إلا رجل مسلم عارف فان علم الأذان فأذن به ولم يكن عارفا لم يجز أذانه ولا إقامته ولا يقتدى به. الحديث» وفي بعض النسخ «ولا يعتد به».

وظاهر الخبر اشتراط الايمان فان لفظ العارف في الاخبار انما يطلق على العارف بالإمامة كما وقع في مواضع عديدة منها وهو الذي اختاره الشهيدان ، وظاهر عبارات أكثر الأصحاب اشتراط مجرد الإسلام فيكفي أذان المخالف بناء على حكمهم بإسلامه قال شيخنا الشهيد الثاني في الروض : وهل يشترط في المؤذن مع الإسلام الإيمان؟ ظاهر العبارة عدم اشتراطه وينبه عليه ايضا حكمهم باستحباب قول ما يتركه المؤذن فإنه يشمل بإطلاقه المخالف ، وهو ظاهر فيه فان غير الناسي من المؤمنين لا يترك منه شيئا بل لو تركه اختيارا لم يعتد بأذانه ، وروى ابن سنان عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٢) «إذا نقص المؤذن الأذان وأنت تريد ان تصلي بأذانه فأتم ما نقص هو من أذانه». والأصح اشتراط الايمان مع الإسلام لقول النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) (٣) «يؤذن لكم خياركم». خرج منه ما اجمع على جوازه فيبقى الباقي ولقول الصادق (عليه‌السلام) (٤) «لا يجوز ان يؤذن إلا رجل مسلم عارف». ولكونه أمينا. وهو الذي اختاره الشهيد فلا يعتد بأذانه وان أتمه لأن المانع الخلاف لا نقص الفصول. انتهى. وهو جيد وقوله «لان المانع الخلاف

__________________

(١ و ٤) الوسائل الباب ٢٦ من الأذان والإقامة.

(٢) الوسائل الباب ٣٠ من الأذان والإقامة.

(٣) الوسائل الباب ١٦ من الأذان والإقامة.

٣٣٣

أي كونه مخالفا غير مؤمن ، وربما يتوهم الخلاف يعني في المسألة ، وهو غلط محض.

وهل يصير الكافر بتلفظه بالشهادتين في الأذان أو الصلاة مسلما فيعتد بأذانه أم لا؟ المنقول عن العلامة في التذكرة الأول لأن الشهادة صريح في الإسلام ، وقد قال (صلى‌الله‌عليه‌وآله) (١) «أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها». وفيه ان مجرد التلفظ بذلك غير موجب للإسلام لوقوعه من غير العارف بمعنى اللفظ كالأعجم أو على جهة الاستهزاء أو الحكاية أو الغفلة أو التأويل كما يقوله النصارى من ان محمدا نبي إلى العرب خاصة (لا يقال) ان هذا يجري أيضا في ما لو تلفظ بالشهادتين حال دعوته إلى الإسلام فيلزم ان لا يتحقق به إسلامه مع انه خلاف النص والإجماع (لأنا نقول) ذكر الشهادتين في الأذان وفي الصلاة ليس موضوعا للدلالة على الإسلام والإنباء عن اعتقاده والتدين به بل للإعلام في الأذان وكونهما جزء من العبادة في الصلاة بخلاف التلفظ بهما عند الدعوة الى الإسلام فإنهما موضوعان للدلالة على اعتقاد قائلهما بمضمونهما وان لم يكن في الواقع معتقدا لذلك فلذلك حقن بهما ماله ودمه ، وبذلك صرح الشهيدان ايضا.

واما اشتراط كونه عاقلا غير مجنون فلرفع القلم عن المجنون (٢) فلا يعتد بعبادته والأمر فيه أظهر من ان يحتاج الى مزيد تطويل. نعم لو كان الجنون مما يعتوره أدوارا فلا مانع من الاعتداد بأذانه وقت إفاقته.

واما اشتراط الذكورة فهو على إطلاقه محل كلام إذ الظاهر انه لا خلاف في اعتداد النساء بأذان المرأة لهن ، قال في الذكرى : الأذان مشروع للنساء فيعتد بأذان المرأة لهن عند علمائنا وكذا لو أذنت للمحارم. وانما الإشكال في أذانها للأجانب ولعل المشترط هنا بنى على الأذان الإعلامي الذي على المنارة مثلا فيندفع عنه الإيراد بناء على ما اشتهر في

__________________

(١) صحيح مسلم ج ١ ص ٣٩.

(٢) الوسائل الباب ٤ من مقدمة العبادات والباب ٨ من مقدمات الحدود.

٣٣٤

كلامهم من ان صوت المرأة عورة فلا يجوز لها إسماعه الأجانب ، إلا ان المنقول عن المبسوط هنا جواز إسماعها الأجانب والاعتداد به وان منعه من تأخر عنه ورد عليه في ذلك. وبالجملة فالمسألة مبنية عندهم على تحريم إسماع المرأة صوتها الرجال وهو مشهور عندهم ، والذي ثبت عندي ـ من تتبع الأخبار الكثيرة الدالة على تكلم النساء مع الناس في مجالس الأئمة (عليهم‌السلام) وكذا كلام فاطمة (عليها‌السلام) مع جملة من الصحابة وخروجها للمخاصمة في فدك في المسجد لجملة من فيه من الصحابة وإتيانها بعد المخاصمة والمجادلة بتلك الخطبة الطويلة المروية عند العامة والخاصة كما ذكرناها في كتابنا سلاسل الحديد في تقييد ابن ابي الحديد ـ هو خلاف ما ذكروه وبه يظهر جواز اذانهن للأجانب ولو الأذان الإعلامي ، إلا انه ينبغي التوقف فيه من جهة أخرى وهو ان الأذان الإعلامي عبادة شرعية مبنية على التوقيف ولم يرد عنهم (عليهم‌السلام) الاذن للنساء في ذلك ولا وقوعه من النساء في زمانهم ولا الإشارة إلى شي‌ء من ذلك في أخبارهم بل انما يقع في جميع الأعصار ـ وبه خرجت الاخبار ـ من الرجال خاصة فيبقى التوقف فيه من هذه الجهة لا من جهة كون سماع صوتهن عورة فإنه لم يثبت على إطلاقه وان دل ظواهر بعض النصوص النادرة على ذلك فهو محمول على حصول الريبة بذلك ولا إشكال في التحريم مع ذلك. واما الاعتداد بأذان المميز فنقل في الذكرى الإجماع عليه ، قال فاما المميز فيعتد بأذانه إجماعا منا. أقول : ويدل عليه

ما رواه الشيخ في التهذيب مسندا عن إسحاق بن عمار عن ابي عبد الله عن أبيه (عليهما‌السلام) (١) «ان عليا (عليه‌السلام) كان يقول لا بأس ان يؤذن الغلام قبل ان يحتلم».

وما رواه الشيخ في الصحيح عن عبد الله بن سنان عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٢) قال : «لا بأس ان يؤذن الغلام الذي لم يحتلم».

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ٣٢ من الأذان والإقامة.

٣٣٥

وفي كتاب دعائم الإسلام عن جعفر بن محمد (عليهما‌السلام) (١) قال : «لا بأس ان يؤذن العبد والغلام الذي لم يحتلم».

قال شيخنا في الروض والمراد بالمميز من يعرف الأضر من الضار والأنفع من النافع إذا لم يحصل بينهما التباس بحيث يخفى على غالب الناس. واعترضه سبطه في المدارك بأنه مع عدم وضوح مأخذه رد إلى الجهالة.

أقول : لا يخفى ان الوارد في الاخبار المذكورة التي هي مستند الحكم المذكور انما هو الغلام قبل الاحتلام والتقييد بكونه مميزا انما وقع في كلامهم (رضوان الله عليهم) ولعل من عبر بذلك من المتقدمين فإنما أراد المراهق للبلوغ فإنه الأقرب الى عبارة الأخبار المذكورة. والظاهر ان ما أورده السيد على جده غير وارد ولو ثبت وجود هذا اللفظ في الاخبار فإنه متى ورد ذلك فالواجب بمقتضى قواعدهم الرجوع في معناه الى العرف ، وما ذكره جده هو مقتضى العرف في معنى التمييز.

(الثاني) قد صرح الأصحاب (رضوان الله عليهم) انه يستحب اتصاف المؤذن للاعلام بأمور (أحدها) العدالة لقوله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) (٢) «يؤذن لكم خياركم». وقوله (عليه‌السلام) (٣) «المؤذن مؤتمن». ولانه ربما قلده ذوو الاعذار. وقطع الأصحاب عدا ابن الجنيد بصحة أذان الفاسق لكونه عاقلا كاملا فيعتبر أذانه عملا بالإطلاق ومنع ابن الجنيد ضعيف. قال في الروض واعلم ان استحباب كون المؤذن عدلا لا يتعلق بالمؤذن لصحة أذان الفاسق مع كونه مأمورا بالأذان بل الاستحباب راجع الى الحاكم بان ينصبه مؤذنا لتعم فائدته.

و (ثانيها) ان يكون صيتا اي رفيع الصوت ليحصل الغرض من الأذان وهو

__________________

(١) مستدرك الوسائل الباب ٢٦ من الأذان والإقامة.

(٢) الوسائل الباب ١٦ من الأذان والإقامة.

(٣) الوسائل الباب ٣ من الأذان والإقامة.

٣٣٦

الاعلام ، ويدل عليه ما تقدم من رواية عبد الله بن سنان الدالة على أمر الرسول (صلى‌الله‌عليه‌وآله) بلالا بالعلو على الجدار وان يرفع صوته بالأذان.

وفي الصحيح عن زرارة عن ابي جعفر (عليه‌السلام) (١) قال : «لا يجزئك من الأذان إلا ما أسمعت نفسك وافهمته (٢) وأفصح بالألف والهاء وصل على النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) كلما ذكرته أو ذكره ذاكر عندك في أذان أو غيره ، وكلما اشتد صوتك من غير ان تجهد نفسك كان من يسمع أكثر وكان أجرك في ذلك أعظم».

أقول : في هذا الحديث الشريف فوائد : منها ـ عدم اجزاء الأذان إذا لم يسمع نفسه والمراد منه الأذان الموظف في الصلاة عند إيقاعها جماعة أو فرادى إذا كان هو المؤذن.

ومنها ـ عدم الاجتزاء بسماع الهمهمة الغير المفهمة إذا كان المؤذن غيره كما أشار إليه بقوله «وافهمته» فإنه على ما ذكره شيخنا البهائي (قدس‌سره) بالبناء للمجهول ، قال وهو مضبوط كذلك في الكتب المعتبرة. ويحتمل عطفه على إسماع نفسه بان يكون عطفا تفسيريا واما الحمل على فهم معاني الأذان فبعيد جدا.

ومنها ـ استحباب الإفصاح بالألف والهاء وسيأتي ذكره في الباب ان شاء الله تعالى

ومنها ـ الصلاة على النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) كلما ذكره الإنسان أو سمعه سواء كان في أذان أو غيره ، وهو ظاهر في الوجوب كما حققناه في موضع أليق خلافا للمشهور بين الأصحاب.

ومنها ـ رفع الصوت بالأذان من غير ان يتعب نفسه والمراد به الأذان الإعلامي ، ويؤيده في ذلك ايضا ما ورد في رواية محمد بن مروان عن الصادق (عليه‌السلام) (٣) «المؤذن يغفر له مد صوته ويشهد له كل شي‌ء سمعه».

و (ثالثها) ان يكون حسن الصوت ، ذكره جمع منهم وعللوه بإقبال القلوب على

__________________

(١) الوسائل الباب ١٥ و ١٦ و ٤٢ من الأذان والإقامة.

(٢) كذا في الحبل المتين ص ٢٠٠ وفي كتب الحديث «أو فهمته».

(٣) الوسائل الباب ٢ من الأذان والإقامة.

٣٣٧

استماعه. وفيه ما لا يخفى فان الاستحباب حكم شرعي وإثبات الأحكام الشرعية بمثل هذه التعليلات العليلة مجازفة.

و (رابعها) ان يكون مبصرا ليتمكن من معرفة الأوقات ، ولو كان له من يسدده جاز بلا كراهة.

وروى في كتاب دعائم الإسلام عن جعفر بن محمد (عليهما‌السلام) (١) انه قال : «لا بأس ان يؤذن الأعمى إذا سدد وقد كان ابن أم مكتوم يؤذن لرسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) وهو أعمى».

أقول : قد ورد أيضا في جملة من الاخبار عنه (صلى‌الله‌عليه‌وآله) (٢) «إذا أذن ابن أم مكتوم فكلوا فإنه يؤذن بليل وإذا أذن بلال فأمسكوا». إلا ان يحمل أذان ابن أم مكتوم في هذا الخبر على بعض الأوقات التي يحصل له من يسدده فيها فلا اشكال

و (خامسها) ان يكون فصيحا ذكره بعضهم ، قال شيخنا الشهيد الثاني : الاولى ان يراد بالفصاحة هنا معناها اللغوي بمعنى خلوص كلماته وحروفه عن اللكنة واللثغة ونحوهما بحيث تتبين حروفه بيانا كاملا لا المعنى الاصطلاحي لأن الملكة التي يقتدر بها على التعبير عن المقصود بلفظ فصيح لا دخل لها في ألفاظ الأذان المتلقاة من غير زيادة ولا نقصان. انتهى.

أقول : وبهذا الشرط صرح في كتاب دعائم الإسلام نقلا عن علي (عليه‌السلام) (٣) انه قال : «ليؤذن لكم أفصحكم وليؤمكم أفقهكم».

و (سادسها) ان يكون بصيرا بالأوقات عارفا بها ليأمن من الغلط ويقلده ذوو الاعذار. ولو اذن الجاهل في الوقت صح واعتد به لحصول المطلوب.

__________________

(١) مستدرك الوسائل نوادر ما يتعلق بأبواب الأذان والإقامة.

(٢) الوسائل الباب ٨ من الأذان والإقامة.

(٣) مستدرك الوسائل الباب ١٥ من الأذان والإقامة.

٣٣٨

و (سابعها) ان يكون متطهرا من الحدثين الأكبر والأصغر ، وهذا لا اختصاص له بالأذان الإعلامي بل يكون جاريا فيه وفي المؤذن لصلاته وحده أو جماعة. قال في المعتبر وعليه فتوى العلماء. وقال في المنتهى وعليه إجماع العلماء.

واستدل على استحباب الطهارة بقوله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) (١) «حق وسنة ان لا يؤذن أحد إلا وهو طاهر». قالوا ولانه من سنن الصلاة ويستحب فيها الطهارة كالتوجه.

وأنت خبير بما في هذه الأدلة ، اما الرواية فالظاهر انها عامية لعدم وجودها في أخبارنا. واما التعليل الأخير فعليل ولا اعرف لهم دليلا غير الإجماع المدعى في المقام. نعم سيأتي في رواية كتاب دعائم الإسلام ما يدل على ذلك.

واما الأخبار الدالة على صحة الأذان من غير طهارة فهي مستفيضة : منها ـ ما رواه الصدوق في الصحيح عن زرارة عن ابي جعفر (عليه‌السلام) (٢) انه قال : «تؤذن وأنت على غير وضوء في ثوب واحد قائما أو قاعدا وأينما توجهت ولكن إذا أقمت فعلى وضوء متهيأ للصلاة».

وما رواه في الكافي في الصحيح أو الحسن عن الحلبي عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٣) قال : «لا بأس ان يؤذن الرجل من غير وضوء ولا يقيم إلا وهو على وضوء».

وما رواه الشيخ في الصحيح عن محمد بن مسلم عن أحدهما (عليهما‌السلام) (٤) قال : «سألته عن الرجل يؤذن على غير طهور؟ قال نعم».

وعن ابي بصير في الموثق (٥) قال : «قال أبو عبد الله (عليه‌السلام) في حديث لا بأس ان تؤذن على غير وضوء».

وعن إسحاق بن عمار عن ابي عبد الله عن أبيه (عليهما‌السلام) (٦) «ان عليا (عليه‌السلام) كان يقول في حديث : ولا بأس ان يؤذن المؤذن وهو جنب ولا يقيم حتى يغتسل».

__________________

(١) منتخب كنز العمال على هامش مسند احمد بن حنبل ج ٣ ص ٢٧٦.

(٢ و ٣ و ٤ و ٥ و ٦) الوسائل الباب ٩ من الأذان والإقامة.

٣٣٩

وما رواه عبد الله بن جعفر الحميري في كتاب قرب الاسناد عن عبد الله بن الحسن عن علي بن جعفر عن أخيه (عليه‌السلام) (١) قال : «سألته عن المؤذن يحدث في أذانه أو في إقامته؟ قال ان كان الحدث في الأذان فلا بأس وان كان في الإقامة فليتوضأ وليقم اقامة».

وما رواه عاصم بن حميد في كتابه عن عمرو بن ابي نصر (٢) قال : «قلت لأبي عبد الله (عليه‌السلام) المؤذن يؤذن وهو على غير وضوء؟ قال نعم ولا يقيم إلا وهو على وضوء.».

وما رواه علي بن جعفر في كتابه عن أخيه موسى بن جعفر (عليه‌السلام) (٣) قال : «سألته عن الرجل يؤذن أو يقيم وهو على غير وضوء أيجزئه ذلك؟ قال اما الأذان فلا بأس واما الإقامة فلا يقيم إلا على وضوء. قلت فإن أقام وهو على غير وضوء أيصلي بإقامته؟ قال لا».

أقول : وهذه الأخبار المشتملة على ذكر الإقامة قد اشتركت كلها في عدم صحة الإقامة إلا متطهرا وهي صريحة في مذهب المرتضى في المصباح والعلامة في المنتهى من القول بوجوب الطهارة في الإقامة وهو الأصح وان كان المشهور الاستحباب كالأذان ولا اعرف لهم دليلا على الاستحباب زيادة على التمسك بمقتضى الأصل. وحملهم هذه الاخبار على تأكد الطهارة في الإقامة يحتاج الى المعارض وليس إلا الأصل الذي قد قرروا في غير موضع انه يجب الخروج عنه بالدليل والدليل ـ كما ترى ـ واضح.

و (ثامنها) ان يكون قائما وهذا ايضا كسابقه في عدم الاختصاص لما رواه الشيخ عن حمران (٤) قال : «سألت أبا جعفر (عليه‌السلام) عن الأذان جالسا؟ قال لا يؤذن جالسا إلا راكب أو مريض».

__________________

(١ و ٣) الوسائل الباب ٩ من الأذان والإقامة.

(٢) مستدرك الوسائل الباب ٨ من الأذان والإقامة.

(٤) الوسائل الباب ١٣ من الأذان والإقامة.

٣٤٠