الحدائق الناضرة - ج ٧

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]

الحدائق الناضرة - ج ٧

المؤلف:

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]


المحقق: محمّد تقي الإيرواني
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٥٦

العلل بسنده عن طلحة بن زيد مثله (١).

وروى الشيخ المفيد في الإرشاد عن ابي بصير عن ابي جعفر (عليه‌السلام) (٢) قال : «إذا قام القائم (عليه‌السلام) لم يبق مسجد على وجه الأرض له شرف إلا هدمها وجعلها جما».

والشرف ما يجعل في أعلى الجدران فتخرج عن الاستواء ، قال في النهاية : الجماء التي لا قرن لها ومنه حديث ابن عباس «أمرنا أن نبني المدائن شرفا والمساجد جما» الشرف التي طولت أبنيتها بالشرف واحدتها شرفة ، والجم التي لا شرف لها ، وجم جمع أجم ، شبه الشرف بالقرون.

ومنها ـ اتخاذ المحاريب في المسجد وقيدها جملة من الأصحاب (رضوان الله عليهم) بالداخلة في الحائط ، قال في المدارك بعد ذكر ما ذكرناه : هذا الحكم ذكره الشيخ وجمع من الأصحاب واستدل عليه في المعتبر بما رواه الشيخ عن طلحة بن زيد عن جعفر عن أبيه عن علي (عليهم‌السلام) (٣) «انه كان يكسر المحاريب إذا رآها في المساجد ويقول كأنها مذابح اليهود». وهذه الرواية غير صريحة في كراهة المحاريب الداخلة في الحائط بل الظاهر منها كراهة المحاريب الداخلة في المسجد لأنها التي تقبل الكسر ، وذكر الشارح ان المراد بالمحاريب الداخلة في الحائط الداخلة كثيرا ولم أقف على نص يتضمن كراهة المحاريب الداخلة بهذا المعنى مطلقا. انتهى كلامه زيد مقامه. وهو جيد.

أقول : قد تقدم خبر ابي هاشم الجعفري عن ابي محمد (عليه‌السلام) (٤) الدال على ان القائم (عليه‌السلام) إذا قام أمر بهدم المنابر والمقاصير التي في المساجد فيمكن حمل خبر طلحة المذكور على هذا ويختص الحكم حينئذ بالمقاصير وهي التي تبنى في المسجد دون المحاريب الداخلة في الحائط ويعضده أنه الأنسب بالكسر.

__________________

(١ و ٢) البحار ج ١٨ الصلاة ص ١٢٨ و ١٣٢ وفي الوسائل الباب ١٥ من أحكام المساجد.

(٣) الوسائل الباب ٣١ من أحكام المساجد.

(٤) ص ٢٧١.

٢٨١

وقال شيخنا الشهيد الثاني في الروض : وكذا يكره المحاريب الداخلة في الحائط كثيرا أو في المسجد ، اما الأول فذكره جماعة من الأصحاب (رضوان الله عليهم). منهم ـ المصنف ، واما الثاني فهو الظاهر من الرواية الدالة على الكراهة ، ثم ذكر مضمون رواية طلحة. وفيه انه متى كان ظاهر الرواية انما هو المعنى الثاني فاللازم خلو الأول من المستند إذ ليس إلا هذه الرواية فكيف قال بالكراهة على كلا المعنيين؟ إلا بان يكون مجرد المتابعة لما ورد نقله عن الجماعة المذكورين كما هو ظاهر كلامه ، وفيه ما لا يخفى.

قال شيخنا المجلسي (قدس‌سره) في البحار : حكم الأصحاب بكراهة المحاريب الداخلة وهي قسمان (الأول) الداخلة في المسجد بان يبنى جداران في قبلة المسجد ويسقف ليدخله الامام وكان خلفاء الجور يفعلون ذلك خوفا من أعاديهم. و (الثاني) الداخلة في البناء بان يبنى في أصل حائط المسجد موضع يدخله الامام ، والكسر الوارد في الخبر بالأول أنسب وان احتمل الثاني أيضا بهدم الجدار والأكثر اقتصروا على الثاني مع ان الأول أولى بالمنع ، والشهيد الثاني (قدس‌سره) عمم الحكم بالنسبة إليهما وقيد الدخول في الحائط بكونه كثيرا ، وبعض المتأخرين قصروا الحكم بالكراهة على الأول ولعله أوجه وان كان الأحوط تركهما. انتهى.

أقول : المفهوم من تتبع السير والاخبار وكلام جملة العلماء ولا سيما علمائنا الأبرار هو استحباب المحاريب في المساجد واستحباب صلاة الإمام فيه لا كراهته ، ومما يشير الى ذلك ما ذكروه في بحث القبلة من التعويل على محاريب المساجد وان محراب المعصوم (عليه‌السلام) موجب للعلم بالقبلة دون الظن ، وقد تقدم في بحث القبلة بالنسبة إلى محراب مسجد النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) كلام شيخنا الشهيد انه روى «انه لما أراد نصبه زويت له الأرض فجعله بإزاء الميزاب» (١).

ويعضد ذلك ما رواه الشيخ في الصحيح عن منصور بن حازم (٢) قال :

__________________

(١) ج ٦ ص ٢٩٥.

(٢) الوسائل الباب ٦١ من صلاة الجماعة.

٢٨٢

«قلت لأبي عبد الله (عليه‌السلام) اني أصلي في الطاق يعني المحراب؟ فقال لا بأس إذا كنت تتوسع به».

وما رواه جملة من الأصحاب (رضوان الله عليهم) : منهم ـ صاحب بصائر الدرجات وصاحب الخرائج والجرائح بسنديهما عن ابان بن تغلب عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) في حديث رؤية ابي بكر لرسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) بعد موته في مسجد قبا في المحراب لما احتج عليه أمير المؤمنين (عليه‌السلام) بنص الرسول (صلى‌الله‌عليه‌وآله) عليه فأنكر أبو بكر فقال له أترضى برسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله)؟ قال ومن لي به؟ قال فأخذ بيده فمضى به حتى ادخله مسجد قبا فإذا رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) قاعد في المحراب. الحديث (١).

وقد تقدم في اخبار استحباب السترة قول الرجل له (عليه‌السلام) (٢) «يا ابن رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) خطر بينك وبين المحراب».

وهذا كله انما يترتب على استحباب المحاريب في المساجد لا على كراهتها المؤذنة بمرجوحية فعلها وجعلها في المساجد.

وقد ورد في حديث وفاة النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) المنقول في كتاب إرشاد الديلمي في خروج النبي في مرضه للصلاة لما علم ان أبا بكر يصلي بالناس (٣) ما هذا لفظه : «فأخذ بيد علي بن أبي طالب (عليه‌السلام) والفضل بن العباس فاعتمدهما ورجلاه يخطان على الأرض من الضعف فلما خرج الى المسجد وجد أبا بكر قد سبق الى المحراب فاومأ اليه بيده فتأخر أبو بكر وقام رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله. الحديث». وهو صريح في استحباب المحراب كما ذكرنا.

وقال الله عزوجل «فَخَرَجَ عَلى قَوْمِهِ مِنَ الْمِحْرابِ» (٤) وقال سبحانه «كُلَّما

__________________

(١) الخرائج والجرائح ص ١٣٢ طبعة ١٣٠١.

(٢) ص ٢٤١.

(٣) ج ٢ ص ١٧٤.

(٤) سورة مريم ، الآية ١٢.

٢٨٣

دَخَلَ عَلَيْها زَكَرِيَّا الْمِحْرابَ . الآية» (١).

والاخبار الدالة على اشتمال المساجد على المحاريب أكثر من ان تحصر وأشهر من ان تذكر ، وحينئذ فالواجب في هذا المقام تحقيق المعنى المراد بالمحراب وانه عبارة عما ذا فأقول قال في القاموس : المحراب الغرفة. وصدر البيت ، وأكرم مواضعه ، ومقام الامام من المسجد ، والموضع ينفرد فيه الملك فيتباعد عن الناس ، ومحاريب بني إسرائيل مساجدهم التي كانوا يجلسون فيها. وقال في كتاب مجمع البحرين بعد ذكر المعاني المتقدمة : وعن الأصمعي سمعي القصر محرابا لان المحراب مقدم المجالس وأشرفها وكذا من المسجد وعن ابن الأنباري سمى محرابا لانفراد الامام فيه وبعده من القوم ، يقال دخل الأسد محرابه اي غيلة والامام إذا دخل فيه يأمن من ان يلحق فهو حائز مكانا كأنه مأوى الأسد ، ويقال محراب المصلى مأخوذ من المحاربة لأن المصلي يحارب الشيطان ويحارب نفسه بإحضار قلبه. انتهى.

أقول : قد ظهر مما ذكرنا ان أحد معاني المحراب لغة هو المكان الذي ينفرد فيه الامام عن المأمومين ويدخله فهو حينئذ دائر بين أحد المعنيين المتقدمين إلا انه لما دلت أخبارنا على ان هذه المقاصير إنما أحدثت من خلفاء الجور ـ كما أشار إليه في خبر ابي هاشم الجعفري بقوله (عليه‌السلام) (٢) «انها محدثة مبتدعة لم يبنها نبي ولا حجة». وصحيح زرارة الوارد في صلاة المأموم خلف المقاصير (٣) قال (عليه‌السلام): «هذه المقاصير لم تكن في زمن أحد من الناس وانما أحدثها الجبارون وليس لمن صلى خلفها مقتديا بصلاة من فيها صلاة». ـ تعين حمل المحراب المستحب على المعنى الآخر وهو الداخل في الحائط.

بقي الكلام في قوله (عليه‌السلام) في خبر طلحة : «كأنها مذابح اليهود» قال

__________________

(١) سورة آل عمران ، الآية ٣٢.

(٢) ص ٢٧١.

(٣) الوسائل الباب ٥٩ من صلاة الجماعة.

٢٨٤

في كتاب مجمع البحرين : والمذبح بالفتح الحلقوم ومذبح الكنيسة كمحراب المسجد والجمع المذابح سميت بذلك للقرابين. وفي النهاية المذبح واحد المذابح وهي المقاصير وقيل المحاريب. وقال في القاموس المذابح المحاريب والمقاصير وبيوت كتب النصارى ، الواحد كمسكين. انتهى. والواجب بمعونة ما ذكرناه من ثبوت استحباب المحاريب بالمعنى المتقدم حمل هذه المحاريب التي رآها (عليه‌السلام) في حديث طلحة على المقاصير. والله العالم.

ومنها ـ ان يتخذ طريقا ، وانما يكره الاستطراق إذا لم يستلزم تغيير صورة المسجد وخروجه عن المسجدية وإلا حرم كما تقدم ، ويدل على أصل الحكم حديث المناهي المتقدم في استحباب صلاة التحية.

ومنها ـ البيع والشراء وتمكين المجانين والصبيان ورفع الصوت ، وقيد بعضهم الصبيان بالذين لا يوثق بهم في التحفظ من النجاسات ، وكأنهم فهموا ان العلة في النهي عنهم من حيث كونهم مظنة النجاسات ، ويجوز ان يكون الوجه في المنع منهم ايضا هو اللعب في المسجد المنافي لتوقيره واحتشامه.

والذي يدل على أصل الحكم ما رواه الشيخ في الموثق عن علي بن أسباط عن بعض رجاله (١) قال : «قال أبو عبد الله (عليه‌السلام) جنبوا مساجدكم البيع والشراء والمجانين والصبيان والأحكام والضالة والحدود ورفع الصوت».

وعن عبد الحميد عن أبي إبراهيم (عليه‌السلام) (٢) قال : «قال رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) جنبوا مساجدكم صبيانكم ومجانينكم وشراءكم وبيعكم. الحديث».

وقد تقدم في المقام الأول في استحباب جعل الميضاة على أبواب المساجد خبر الراوندي الدال على ذلك ايضا ، وفيه ما في الحديث الأول وزيادة السلاح ورفع الأصوات إلا بذكر الله.

قال شيخنا (قدس‌سره) في البحار في شرح هذا الخبر الأخير : لا خلاف

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ٢٧ من أحكام المساجد.

٢٨٥

في كراهة تمكين المجانين والصبيان لدخول المساجد ، وربما يقيد الصبي بمن لا يوثق به اما من علم منه ما يقتضي الوثوق به لمحافظته على التنزه من النجاسات وأداء الصلوات فإنه لا يكره تمكينه بل يستحب تمرينه ولا بأس به. والمشهور بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) كراهة رفع الصوت في المسجد مطلقا وان كان في القرآن للاخبار المطلقة واستثنى في هذا الخبر ذكر الله وكذا فعله ابن الجنيد ، ولعله المراد في سائر الأخبار لحسن رفع الصوت بالأذان والتكبير والخطب والمواعظ فيها وان كان الأحوط عدم رفع الصوت في ما لم يتوقف الانتفاع به عليه ومعه يقتصر على ما تتأدى به الضرورة. والمشهور كراهة البيع والشراء فان زاحم المصلين أو تضمن تغيير هيئة المسجد فلا يبعد التحريم وبه قطع جماعة. واما السلاح فالمراد به تشهيره أو عمله والأحوط تركهما ، وروى الشيخ عن محمد بن مسلم عن أحدهما (عليهما‌السلام) (١) قال : «نهى رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) عن سل السيف في المسجد وعن بري النبل في المسجد وقال انما بنى لغير ذلك». وقال ابن الجنيد ولا يشهر فيه السلاح. واستحباب التجمير لم أره في غير هذا الخبر والدعائم ولا بأس بالعمل به. انتهى.

ومنها ـ القضاء بين الناس وإنفاذ الأحكام واقامة الحدود ، واستدل عليه برواية علي بن أسباط المتقدمة. والحكم بالكراهة هو المشهور وحكم الشيخ في الخلاف وابن إدريس بعدم الكراهة واستقر به في المختلف محتجا بان الحكم طاعة فجاز إيقاعها في المساجد الموضوعة للطاعات ، وبان أمير المؤمنين (عليه‌السلام) حكم في مسجد الكوفة وقضى فيه بين الناس ودكة القضاء معروفة فيه الى يومنا هذا (٢) وأجاب عن الرواية بالطعن في السند واحتمال ان يكون متعلق النهي إنفاذ الأحكام كالحبس على الحقوق والملازمة عليها في المساجد. قال في المدارك بعد نقل ذلك : وهو حسن. وخص الراوندي الحكم المنهي عنه بما كان فيه جدل وخصومة. وربما قيل بتخصيص ذلك بدوام الحكم

__________________

(١) الوسائل الباب ١٧ من أحكام المساجد.

(٢) الخلاف ج ٢ ص ٢٣٠.

٢٨٦

فيها واما إذا اتفق في بعض الأحيان فلا ، أو تخصيص الكراهة بما يكون الجلوس لأجل ذلك بخلاف ما لو كان الجلوس للعبادة فاتفق صدور الدعوى. والظاهر من خبر دكة القضاء يدفع هذين الوجهين الأخيرين إذ الظاهر من دكة القضاء والمشهور في جملة من الاخبار الدالة على تحاكم الناس اليه (عليه‌السلام) في المسجد (١) وقوع ذلك غالبا بل لم يذكر موضع آخر في جلوسه للحكومة بين الناس. واحتمل بعض مشايخنا تخصيص المنع بأوقات الصلاة فإنها توجب شغل خواطر المصلين أو بغير المعصوم (عليه‌السلام) فإنه يحتمل منهم الخطأ. ولا بأس به. واما كراهة إقامة الحدود كما تضمنه الخبر المشار اليه فلعله لاحتمال تلويث المسجد بخروج الحدث كما ذكره في المنتهى.

ومنها ـ تعريف الضالة وطلبها في المسجد كما ذكره الأصحاب وخبر علي بن أسباط المتقدم محتمل لهما بل يشملهما.

ويدل على خصوص الثاني ما رواه في الفقيه مرسلا (٢) «ان النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) سمع رجلا ينشد ضالة في المسجد فقال قولوا له لا رد الله عليك ، فإنها لغير هذا بنيت».

وروى في العلل في الصحيح عن الأشعري رفعه (٣) «ان رجلا جاء الى المسجد ينشد ضالة فقال رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) قولوا له لا رد الله عليك فإنها لغير هذا بنيت». قال (٤) : ورفع الصوت في المساجد مكروه وان رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) مر برجل يبرى مشاقص له في المسجد فنهاه وقال انها لغير هذا بنيت.

وروى في الفقيه في حديث المناهي المذكور في آخر الكتاب عن شعيب بن واقد عن الحسين بن زيد عن الصادق عن آبائه (عليهم‌السلام) (٥) قال : «نهى رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) ان ينشد الشعر أو تنشد الضالة في المسجد».

__________________

(١) خلاف الشيخ ج ٢ ص ٢٣٠ وقد عقد الشيخ المفيد في إرشاده فصلا لقضاياه.

(٢ و ٣ و ٥) الوسائل الباب ٢٨ من أحكام المساجد.

(٤) العلل ص ١١٤.

٢٨٧

ولا ينافي ذلك ما رواه الشيخ عن علي بن جعفر عن أخيه موسى (عليه‌السلام) (١) قال : «سألته عن الشعر أيصلح ان ينشد في المسجد؟ فقال لا بأس. وسألته عن الضالة أيصلح ان تنشد في المسجد؟ قال لا بأس». ورواه علي بن جعفر في كتابه والحميري في كتاب قرب الاسناد بسنده عنه (٢) فإنه دال على الجواز وان كان على كراهة.

وروى في كتاب دعائم الإسلام (٣) عن علي (عليه‌السلام) قال : «نهى رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) ان تقام الحدود في المساجد وان يرفع فيها الأصوات وان تنشد فيها الضالة أو يسل فيها السيف ويرمى فيها بالنبل أو يباع فيها أو يشترى أو يعلق في القبلة منها سلاح أو يبرئ نبل».

ولم أقف في الاخبار على خبر صريح في تعريف الضالة كراهة أو جوازا بغير كراهة إلا على إطلاق خبر علي بن أسباط المتقدم ولعله كاف في ذلك.

ومنها ـ إنشاد الشعر لما رواه الكليني في الصحيح عن عبد الرحمن بن الحجاج عن جعفر بن إبراهيم ـ وكأنه الجعفري ـ عن علي بن الحسين (عليهما‌السلام) (٤) قال : «قال رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) من سمعتموه ينشد الشعر في المساجد فقولوا له فض الله فاك انما نصبت المساجد للقرآن». وقد تقدم في حديث المناهي عنه (صلى‌الله‌عليه‌وآله) «انه نهى ان ينشد الشعر» وقد تقدم في رواية علي بن جعفر نفى البأس عن ذلك وهو غير مناف للكراهة.

إلا انه قد صرح جمع من الأصحاب باستثناء بعض الاشعار ، قال في الذكرى بعد إيراد خبر علي بن جعفر : وليس ببعيد حمل إباحة إنشاد الشعر على ما يقل منه وتكثر

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ١٤ و ٢٨ من أحكام المساجد.

(٣) ج ١ ص ١٨٠ طبعة مصر ١٣٧٠.

(٤) الوسائل الباب ١٤ من أحكام المساجد.

٢٨٨

منفعته كبيت حكمة أو شاهد على لغة في كتاب الله أو سنة نبيه (صلى‌الله‌عليه‌وآله) وشبهه لأن من المعلوم ان النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) كان ينشد بين يديه البيت والأبيات من الشعر في المسجد ولم ينكر ذلك. والحق به المحقق الشيخ علي (قدس‌سره) مدح النبي ومرائي الحسين (صلوات الله عليهم) قال في المدارك : ولا بأس بذلك كله لصحيحة علي بن يقطين (١) «انه سأل أبا الحسن (عليه‌السلام) عن إنشاد الشعر في الطواف فقال ما كان من الشعر لا بأس به فلا بأس به». وقال في البحار بعد نقل ما ذكره الشهيد والشيخ علي : أقول ما ذكراه لا يخلو من قوة ويؤيده استشهاد أمير المؤمنين (عليه‌السلام) بالاشعار في الخطب وكانت غالبا في المسجد وما نقل من إنشاد المداحين كحسان وغيره أشعارهم عندهم (عليهم‌السلام) ولان مدحهم (عليهم‌السلام) عبادة عظيمة والمسجد محلها فيخص المنع بالشعر الباطل لما روى في الصحيح ، ثم نقل صحيحة علي بن يقطين المذكورة.

أقول ويؤيد ما ذكروه ما رواه الصدوق في كتاب إكمال الدين وإتمام النعمة (٢) قال : حدثني ابي قال حدثنا سعد بن عبد الله عن احمد بن محمد بن عيسى عن الحسن بن محبوب عن العلاء بن رزين عن محمد بن مسلم عن ابي جعفر (عليه‌السلام) قال : «بينا رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) ذات يوم بفناء الكعبة يوم افتتح مكة إذ أقبل إليه وفد فسلموا عليه فقال رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) من القوم؟ قالوا وفد بكر ابن وائل فقال وهل عندكم علم من خبر قس بن ساعدة الأيادي؟ قالوا بلى يا رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) قال فما فعل؟ قالوا مات ، ثم ساق الحديث الى ان قال : ثم قال رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) رحم الله قسا يحشر يوم القيامة أمة واحدة ، قال هل فيكم أحد يحسن من شعره شيئا؟ فقال بعضهم سمعته يقول :

في الأولين الذاهبين

من القرون لنا بصائر

__________________

(١) الوسائل الباب ٥٤ من الطواف.

(٢) ص ٩٩.

٢٨٩

لما رأيت مواردا

للموت ليس لها مصادر

ورأيت قومي نحوها

تمضي الأصاغر والأكابر

لا يرجع الماضي الي

ولا من الباقين غابر

أيقنت اني لا محالة

حيث صار القوم صائر ... الحديث

انظر الى صراحة هذا الخبر مع صحة سنده في جواز الإنشاد في المسجد الحرام الذي هو أشرف البقاع بين يديه (صلى‌الله‌عليه‌وآله) وطلبه لذلك ، وبذلك يظهر لك قوة ما ذكره أولئك الفضلاء (رضوان الله عليهم).

ومنها ـ البصاق والتنخم لما رواه الشيخ عن غياث بن إبراهيم عن جعفر عن أبيه عن آبائه (عليهم‌السلام) (١) : «ان عليا (عليه‌السلام) قال البزاق في المسجد خطيئة وكفارته دفنه».

وعن عبد الله بن سنان (٢) قال : «سمعت أبا عبد الله (عليه‌السلام) يقول : من تنخع في المسجد ثم ردها في جوفه لم تمر بداء في جوفه إلا أبرأته».

وعن إسماعيل بن مسلم الشعيري عن جعفر عن أبيه عن آبائه (عليهم‌السلام) (٣) قال : «من وقر بنخامته المسجد لقي الله يوم القيامة ضاحكا قد اعطى كتابه بيمينه».

وروى السيد الرضي في كتاب المجازات النبوية (٤) قال : «قال رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) ان المسجد لينزوي من النخامة كما تنزوي الجلدة من النار إذا انقبضت واجتمعت». قال في النهاية : لينزوي اي ينضم وينقبض ، وقيل أراد أهل المسجد وهم الملائكة. انتهى.

وروى في كتاب دعائم الإسلام عن علي (عليه‌السلام) (٥) قال : «من وقر

__________________

(١) الوسائل الباب ١٩ من أحكام المساجد.

(٢ و ٣ و ٤) الوسائل الباب ٢٠ من أحكام المساجد.

(٥) مستدرك الوسائل الباب ١٥ من أحكام المساجد.

٢٩٠

المسجد من نخامته لقي الله يوم القيامة ضاحكا قد اعطى كتابه بيمينه ، وان المسجد ليلتوي عند النخامة كتلوي أحدكم بالخيزران إذا وقع به».

وروى في كتاب ثواب الأعمال بسنده عن طلحة بن زيد عن الصادق عن أبيه (عليهما‌السلام) (١) قال : «قال رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) من رد ريقه تعظيما لحق المسجد جعل الله ريقه صحة في بدنه وعوفي من بلوى في جسده».

وروى في كتاب المحاسن عن النوفلي عن السكوني عن جعفر عن أبيه (عليهما‌السلام) (٢) قال : «من رد ريقه تعظيما لحق المسجد جعل الله ذلك قوة في بدنه وكتب له بها حسنة وحط عنه بها سيئة ، وقال لا تمر بداء في جوفه إلا أبرأته».

وروى في ثواب الأعمال عن عبد الله بن سنان عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٣) قال : «من تنخع في مسجد ثم ردها في جوفه لم تمر بداء إلا أبرأته».

وبإزاء هذه الاخبار جملة من الاخبار الدالة على الجواز مثل ما رواه الشيخ عن عبد الله بن سنان عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٤) قال : «قلت له الرجل يكون في المسجد في الصلاة فيريد ان يبصق؟ فقال عن يساره وان كان في غير صلاة فلا يبزق حذاء القبلة ويبزق عن يمينه وشماله».

وعن طلحة بن زيد عن جعفر بن محمد عن أبيه (عليهما‌السلام) (٥) قال : «لا يبزقن أحدكم في الصلاة قبل وجهه ولا عن يمينه وليبزق عن يساره وتحت قدمه اليسرى».

وروى في الفقيه (٦) مرسلا قال : «نهى رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) عن البزاق في القبلة ،. قال ورأى (صلى‌الله‌عليه‌وآله) نخامة في المسجد فمشى إليها بعرجون من عراجين ابن

__________________

(١ و ٢ و ٤ و ٥) الوسائل الباب ١٩ من أحكام المساجد.

(٣) الوسائل الباب ٢٠ من أحكام المساجد.

(٦) ج ١ ص ١٧٩ وفي الوسائل الباب ٤٤ من مكان المصلى و ٢٦ من قواطع الصلاة.

٢٩١

طاب فحكها ثم رجع القهقرى فنى على صلاته». قال «وقال الصادق (عليه‌السلام) وهذا يفتح من الصلاة أبوابا كثيرة».

وروى الشيخ عن عبيد بن زرارة (١) قال : «سمعت أبا عبد الله (عليه‌السلام) يقول كان أبو جعفر (عليه‌السلام) يصلى في المسجد فيبصق امامه وعن يمينه وعن شماله وخلفه على الحصى ولا يغطيه». وعن محمد بن علي بن مهزيار (٢) قال : «رأيت أبا جعفر الثاني (عليه‌السلام) تفل في المسجد الحرام في ما بين الركن اليماني والحجر الأسود ولم يدفنه».

ومورد هذه الاخبار الأخيرة البصاق خاصة ، وربما صار بعض الأصحاب الى عدم كراهته لهذه الاخبار وضعف ما دل على الكراهة ترجيحا لهذه الاخبار وخص الكراهة بالتنخم لسلامة أخبار النهي عن المعارض.

قال في الذخيرة بعد نقل جملة من هذه الاخبار : ولا يخفى ان ما دل على كراهة التنخم سالمة عن المعارض واما البصاق فيعارضه الروايات المذكورة مع كونها أكثر وأقوى منه فالحكم بكراهته محل تأمل.

أقول : لا يخفى انه لا منافاة بين ما دل على الجواز وبين ما دل على الكراهة لأن المرجع إلى انه جائز على كراهة ، ومجرد كثرة الأخبار الدالة على الجواز زيادة على ما قابلها لا يستلزم المنع من تقييدها بما دل على الكراهة وان قل كما هو القاعدة الجارية في غير مقام ، إذ متى صحت الاخبار في الباب فالعمل بها كملا بحسب الإمكان أولى من طرح بعضها ، نعم يفهم من ذلك ان البصاق أخف كراهة من التنخم ، على ان ما دل من هذه الاخبار على فعل الأئمة (عليهم‌السلام) يمكن استثناؤه وعدم تطرق الكراهة اليه واختصاص هذا الحكم بهم (صلوات الله عليهم) لتشرف المسجد ببصاقهم فلا كراهة في حقهم أو على بيان الجواز.

ومنها ـ قتل القمل ذكره الأصحاب ، قال في الذكرى بعد ان عد في المكروهات

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ١٩ من أحكام المساجد.

٢٩٢

ترك قصع القمل : قاله الجماعة. وهو مؤذن بعدم الوقوف فيه على نص. وقال في المدارك واما كراهة قتل القمل واستحباب ستره بالتراب فلم أقف فيه على نص وأسنده في الذكرى الى الجماعة ولا بأس به لان فيه استقذارا تكرهه النفس فينبغي تركه وتغطيته بالتراب مع فعله.

أقول : روى الكليني في الصحيح عن محمد بن مسلم (١) قال : «كان أبو جعفر (عليه‌السلام) إذا وجد قملة في المسجد دفنها في الحصى».

وعن عبد الله بن سنان عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٢) قال : «إذا وجدت قملة وأنت تصلي فادفنها في الحصى».

ويمكن الاستدلال بهما للأصحاب على كراهة قتل القملة حيث انه (عليه‌السلام) بعد رؤيته لها لم يقتلها ولم بأمر بقتلها بل دفنها في الحصى وأمر بدفنها ففيه اشعار بما ذكروه ، فالأولى ان يجعل الحكم هكذا : ويكره قتل القمل بل ينبغي ان يدفن بالتراب حسبما دل عليه الخبر ، والأصحاب جعلوا الدفن بالتراب بعد القتل.

ومنها ـ النوم على المشهور في كلام المتقدمين ، واستدل عليه في المعتبر بما رواه الشيخ عن أبي أسامة زيد الشحام (٣) قال : «قلت لأبي عبد الله (عليه‌السلام) قول الله عزوجل لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكارى (٤)؟ قال سكر النوم».

واعترضها جملة من المتأخرين : منهم ـ السيد السند في المدارك بأنها ضعيفة السند قاصرة الدلالة قال : والأجود قصر الكراهة على النوم في المسجد الحرام ومسجد النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) للأصل وما رواه الشيخ في الحسن عن زرارة (٥) قال : «قلت لأبي جعفر (عليه‌السلام) ما تقول في النوم في المساجد؟ فقال لا بأس

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ٢٠ من قواطع الصلاة.

(٣) الوسائل الباب ١ و ٣٥ من قواطع الصلاة.

(٤) سورة النساء ، الآية ٤٦.

(٥) الوسائل الباب ١٨ من أحكام المساجد.

٢٩٣

إلا في المسجدين مسجد النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) والمسجد الحرام. قال وكان يأخذ بيدي في بعض الليل فيتنحى ناحية ثم يجلس فيتحدث في المسجد الحرام فربما نام فقلت له في ذلك فقال انما يكره ان ينام في المسجد الذي كان على عهد رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) فأما الذي في هذا الموضع فليس به بأس». انتهى.

وظاهره ـ كما ترى ـ عدم وجود دليل للقول المشهور بل الدليل على خلافه واضح الظهور لقوله (عليه‌السلام) في هذا الخبر لما سأله عن النوم في المساجد «لا بأس» ومن ثم قال في الذكرى بعد ذكر الحكم المذكور «قاله الجماعة» ثم ذكر حسنة زرارة المذكورة إيذانا بالطعن في القول المذكور.

أقول لا يخفى على من راجع الأخبار الواردة في هذا المقام انها لا تخلو من الاشكال الظاهر لذوي الأفهام لا بالنسبة إلى أصل الحكم المذكور فانا لم نقف فيه على دليل حسبما ذكره المتأخرون بل في موضعين مما تضمنته الحسنة المذكورة :

(أحدهما) ـ ما تضمنته من كراهية النوم في المسجدين فان فيه انه قد روى ثقة الإسلام في الكافي عن معاوية بن وهب (١) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن النوم في المسجد الحرام والمسجد الرسول (صلى‌الله‌عليه‌وآله)؟ قال نعم فأين ينام الناس».

ونقل شيخنا المجلسي في كتاب البحار (٢) عن كتاب محمد بن المثنى انه روى عن جعفر بن محمد بن شريح عن ذريح المحاربي قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن النوم في المسجد الحرام ومسجد الرسول (صلى‌الله‌عليه‌وآله) فقال نعم».

وروى عبد الله بن جعفر الحميري في كتاب قرب الاسناد عن محمد بن خالد الطيالسي عن إسماعيل بن عبد الخالق (٣) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام)

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ١٨ من أحكام المساجد.

(٣) الوسائل الباب ١٨ من أحكام المساجد.

٢٩٤

عن النوم في المسجد الحرام فقال هل للناس بد ان يناموا في المسجد الحرام؟ لا بأس به. قلت الريح تخرج من الإنسان؟ قال لا بأس».

وعن السندي بن محمد عن أبي البختري عن جعفر بن محمد عن أبيه (عليهما‌السلام) (١) «ان المساكين كانوا يبيتون في المسجد على عهد رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله). الحديث».

وعن عبد الله بن الحسن عن جده علي بن جعفر عن أخيه (عليه‌السلام) (٢) قال : «سألته عن النوم في المسجد الحرام قال لا بأس وسألته عن النوم في المسجد الرسول (صلى‌الله‌عليه‌وآله) قال لا يصلح».

وهذه الاخبار كلها ـ كما ترى ـ دالة على الجواز وظاهرها عدم الكراهة إلا انها ربما أشعرت بكون ذلك ضرورة ولا سيما حديث المساكين في المسجد الرسول (صلى‌الله‌عليه‌وآله) ولعل ذلك قبل بناء الصفة لهم.

و (ثانيهما) ـ ما تضمنته من قوله (عليه‌السلام) «انما يكره ان ينام في المسجد الذي كان على عهد رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) فأما الذي في هذا الموضع فليس به بأس» فإنه يؤذن بجواز النوم في هذه الزوائد التي زادتها الأموية في المسجد الحرام على ما كان في زمن النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) مع ان جملة من الاخبار قد دلت على ان هذه الزيادة لم تبلغ بعد مسجد إبراهيم وإسماعيل (عليهما‌السلام) :

ومنها ـ رواية جميل بن دراج (٣) قال : «قال له الطيار وانا حاضر هذا الذي زيد هو من المسجد؟ قال نعم انهم لم يبلغوا بعد مسجد إبراهيم وإسماعيل عليهما‌السلام». وروى في الكافي عن الحسن بن النعمان (٤) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عما زادوا في المسجد الحرام فقال ان إبراهيم وإسماعيل (عليهما‌السلام) حدا

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ١٨ من أحكام المساجد.

(٣ و ٤) الوسائل الباب ٥٥ من أحكام المساجد.

٢٩٥

المسجد الحرام ما بين الصفا والمروة». قال : وفي رواية أخرى عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (١) قال : «خط إبراهيم (عليه‌السلام) بمكة ما بين الحزورة إلى المسعى فذلك الذي خط إبراهيم يعني المسجد».

وروى في التهذيب عن الحسين بن نعيم (٢) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عما زادوا في المسجد الحرام عن الصلاة فيه؟ فقال ان إبراهيم وإسماعيل (عليهما‌السلام) حدا المسجد الحرام ما بين الصفا والمروة فكال الناس يحجون من المسجد الى الصفا».

وهذه الاخبار ـ كما ترى ـ ظاهرة في كون هذه الزيادة التي وقع النوم فيها من المسجد القديم فتخصيصه (عليه‌السلام) حكم المسجدية بما كان على عهد رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) دون المسجد القديم مشكل إلا ان يقال بزوال حكم المسجدية عن ذلك المسجد القديم وتخصيص ذلك بما كان في زمانه (صلى‌الله‌عليه‌وآله) وهو أشكل لدلالة الأخبار المذكورة ولا سيما رواية جميل على بقاء المسجدية في الموضع الذي خطه إبراهيم وإسماعيل (عليهما‌السلام). وبالجملة فإني لا يحضرني الآن الجواب عن هذا الاشكال ولم أعثر على من تعرض اليه من أصحابنا في هذا المجال.

ومنها ـ دخول من في فمه رائحة مؤذية من ثوم أو بصل أو نحوهما وتتأكد الكراهة في الثوم حتى روى إعادة الصلاة بأكله (٣).

والذي يدل على أصل الحكم جملة من الاخبار : منها ـ ما رواه الشيخ في التهذيب عن ابي بصير عن ابي عبد الله عن آبائه عن علي (عليهم‌السلام) (٤) قال : «من أكل شيئا من المؤذيات ريحها فلا يقربن المسجد».

ومنها ـ ما رواه ثقة الإسلام في الصحيح أو الحسن عن محمد بن مسلم عن ابي جعفر (عليه‌السلام) (٥) قال : «سألته عن أكل الثوم فقال انما نهى رسول الله

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ٥٥ من أحكام المساجد.

(٣) يأتي في الحديث الأخير.

(٤ و ٥) الوسائل الباب ٢٢ من أحكام المساجد.

٢٩٦

(صلى‌الله‌عليه‌وآله) عنه لريحه فقال من أكل هذه البقلة الخبيثة فلا يقرب مسجدنا فاما من اكله ولم يأت المسجد فلا بأس».

وعن ابي بصير عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (١) «انه سئل عن أكل الثوم والبصل والكراث فقال لا بأس بأكله نيا وفي القدور ، ولا بأس بأن يتداوى بالثوم ولكن إذا أكل ذلك أحدكم فلا يخرج الى المسجد».

وعن الحسن الزيات (٢) قال : «لما ان قضيت نسكي مررت بالمدينة فسألت عن ابي جعفر (عليه‌السلام) فقالوا هو بينبع فأتيت ينبع فقال لي يا حسن مشيت الى ههنا؟ فقلت نعم جعلت فداك كرهت ان اخرج ولا أراك فقال اني أكلت من هذه البقلة يعني الثوم فأردت أن أتنحى عن مسجد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله».

وروى احمد بن محمد بن خالد البرقي في المحاسن عن الوشاء عن ابن سنان (٣) قال «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن الكراث فقال لا بأس بأكله مطبوخا وغير مطبوخ ولكن ان أكل منه شيئا له أذى فلا يخرج الى المسجد كراهية أذاه من يجالس». ورواه الصدوق في العلل (٤) إلا انه قال : «عن أكل البصل والكراث».

وروى في كتاب العلل عن داود بن فرقد عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٥) قال «قال رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) من أكل هذه البقلة فلا يقرب مسجدنا ، ولم يقل انه حرام».

وروى الشيخ في الاستبصار بسند صحيح عن زرارة (٦) قال : «حدثني من أصدق من أصحابنا قال سألت أحدهما (عليهما‌السلام) عن الثوم فقال أعد كل صلاة صليتها ما دمت تأكله». ثم قال فالوجه في هذا الخبر ان نحمله على ضرب من التغليظ في

__________________

(١ و ٣ و ٤ و ٥) الوسائل الباب ٣٢ من أحكام المساجد.

(٢) الوسائل الباب ٢٢ من أحكام المساجد و ١٢٨ من الأطعمة المحرمة.

(٦) الوسائل الباب ١٢٨ من الأطعمة المحرمة.

٢٩٧

كراهته دون الحظر الذي يكون من أكل ذلك يقتضي استحقاقه الذم والعقاب بدلالة الأخبار الأولة والإجماع الواقع على ان أكل هذه الأشياء لا يوجب إعادة الصلاة. انتهى.

ومنها ـ عمل الصنائع لما رواه الشيخ في الصحيح عن محمد بن مسلم عن أحدهما (عليهما‌السلام) (١) قال : «نهى رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) عن سل السيف في المسجد وعن بري النبل في المسجد ، قال انما بنى لغير ذلك». قالوا ويستفاد من هذا التعليل كراهة عمل جميع الصناعات.

أقول : لم أقف لهذا الحكم على دليل ظاهر ولهذا نسبه في الذكرى الى الأصحاب مؤذنا بعدم الدليل عليه فقال في عد المكروهات : وترك عمل الصنائع مطلقا قاله الأصحاب وعليه نبه حديث بري النبل. انتهى. وأنت خبير بأنه قد مر هذا التعليل في غير خبر مما تقدم ولا ريب في إشعاره بذلك ولعله كاف في إثبات الحكم المذكور.

ومنها ـ سل السيف وتعليق السلاح ذكرهما جملة من الأصحاب (رضوان الله عليهم) : منهم ـ الشهيد في البيان ، وفي الذكرى خص الكراهة بتعليق السلاح في المسجد الأكبر».

أقول : والذي وقفت عليه من الاخبار في ذلك صحيحة محمد بن مسلم المتقدمة الدالة على النهي عن سل السيف في المسجد.

وصحيحة الحلبي عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٢) قال : «سألته أيعلق الرجل السلاح في المسجد؟ فقال نعم واما في المسجد الأكبر فلا فإن جدي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) نهى رجلا بري مشقصا في المسجد».

وروى في كتاب قرب الاسناد عن علي بن جعفر عن أخيه (عليه‌السلام) (٣) قال : «سألته عن السيف هل يصلح ان يعلق في المسجد؟ قال اما في القبلة فلا واما في

__________________

(١) الوسائل الباب ١٧ من أحكام المساجد.

(٢ و ٣) الوسائل الباب ١٣ من أحكام المساجد.

٢٩٨

جانب فلا بأس». ورواه علي بن جعفر في كتابه مثله (١).

وفي حديث المناهي المذكور في آخر كتاب الفقيه (٢) «نهى رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) ان يسل السيف في المسجد». ورواه في الأمالي مثله (٣).

أقول : المستفاد من هذه الاخبار باعتبار ضم بعضها الى بعض هو كراهة سل السيف في المسجد وتعليق السيف في القبلة خاصة واما في سائر جوانبه فلا بأس. واما تعليق السلاح الذي هو أعم من السيف والقوس والعصا ونحوها مما يتخذ سلاحا فجائز في المساجد إلا في المسجد الأكبر وفاقا للذكرى وخلافا للبيان ، وظاهر التعليل في صحيحة الحلبي ان النهي عن بري المشقص انما كان لكونه سلاحا لا لكونه صنعة كما تقدم في خبر محمد بن مسلم ، وكل من الخبرين المذكورين محمول على ظاهره. وهل المراد بالمسجد الأكبر المسجد الحرام أو جامع البلد؟ كل محتمل.

ومنها ـ كشف العورة مع عدم المطلع وإلا حرم والرمي بالحصى ورطانة الأعاجم. اما الأول فلما رواه في التهذيب عن السكوني عن جعفر عن أبيه (عليهما‌السلام) (٤) «ان النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) قال كشف السرة والفخذ والركبة في المسجد من العورة».

وهذا الخبر يدل على كراهة كشف هذه الأشياء المذكورة في المسجد وهي ليست من العورة على الأشهر الأظهر كما تقدم تحقيقه ولكنه جعلها في حكم العورة تأكيدا للكراهة ، وحينئذ فالظاهر ان المراد بالعورة انما هو ما يستحب ستره لا ما يجب.

واما الثاني فلما رواه الشيخ عن السكوني عنه عن آبائه (عليهم‌السلام) (٥) «ان

__________________

(١) الوسائل الباب ١٣ من أحكام المساجد.

(٢ و ٣) الوسائل الباب ١٧ من أحكام المساجد.

(٤) الوسائل الباب ٣٧ من أحكام المساجد.

(٥) الوسائل الباب ٣٦ من أحكام المساجد.

٢٩٩

النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) أبصر رجلا يخذف بحصاة في المسجد فقال ما زالت تلعن حتى وقعت ، ثم قال الخذف في النادي من أخلاق قوم لوط ثم تلا «وَتَأْتُونَ فِي نادِيكُمُ الْمُنْكَرَ» (١) قال هو الخذف».

ويستفاد من هذا الخبر كراهة الخذف في غير المسجد ايضا ، ويدل عليه ما رواه الشيخ عن زياد بن المنذر عن ابي جعفر (عليه‌السلام) (٢) في جملة حديث قال : «ان حل الأزرار في الصلاة والخذف بالحصى ومضغ الكندر في المجالس وعلى ظهر الطريق من عمل قوم لوط». ونقل في الروض عن الشيخ القول بالتحريم هنا.

وقال في الروض : المراد بالخذف هنا رمى الحصى بالكف كيف اتفق وان لم يكن على الوجه المذكور في رمى حصاة الجمار ، قال في الصحاح الخذف بالحصى الرمي به بالأصابع. انتهى. واعترضه في الذخيرة بأن كلام أهل اللغة يخالف ذلك ثم نقل جملة من عبارتهم الدالة على نوع مخصوص كما سيأتي ان شاء الله تعالى في كتاب الحج. أقول : ظاهر عبارة شيخنا المشار إليه انه لا يمنع ولا يخالف في كون الخذف عبارة عن هذا المعنى الذي نقله عن أهل اللغة وانما غرضه بيان ان هذه الخصوصية لا يترتب عليها معنى في هذا المقام ، فالقول بالتعميم أظهر لأن الظاهر ان النهي عنه من حيث كونه عبثا ولعبا منافيا للوقار والسكينة المطلوبين من المؤمن وحينئذ فلا يرد عليه ما أورده.

واما الثالث فلما رواه الشيخ ايضا عن السكوني عن جعفر عن أبيه عن آبائه (عليهم‌السلام) (٣) قال : «نهى رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) عن رطانة الأعاجم في المساجد». ورواه في الكافي عن مسمع بن عبد الملك عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) مثله (٤).

قال في الوافي : الرطانة بفتح الراء وكسرها والتراطن كلام لا يفهمه الجمهور وانما

__________________

(١) سورة العنكبوت ، الآية ٢٨.

(٢) الوسائل الباب ٢٤ من لباس المصلي.

(٣ و ٤) الوسائل الباب ١٦ من أحكام المساجد.

٣٠٠