الحدائق الناضرة - ج ٧

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]

الحدائق الناضرة - ج ٧

المؤلف:

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]


المحقق: محمّد تقي الإيرواني
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٥٦

السابق لهما لكن يكره السجود على المشوي خصوصا إذا بلغ حد الخزف على الأقوى انتهى. أقول : لا يخفى ان هذه السبح المستعملة الآن من التربة المطبوخة فإنها تصير كالخزف فبعين ما يقال فيه من الخروج عن الأرضية بالطبخ وعدمه يقال فيها أيضا. ولي في ذلك توقف للشك في الخروج وعدمه والاحتياط فيها عندي واجب كما تقدم ويأتي ان شاء الله تعالى.

(الثالثة) ـ احتمل شيخنا المشار إليه في شرح النفلية حمل التربة في كلام المصنف على ما يعم ما اتخذ من قبر الحسين وغيره من الأئمة والأنبياء (عليهم‌السلام) الذين ثبت لهم تربة معينة وكذا الشهداء والصالحين ، قال إذ لا شك في تقدسها بواسطتهم كما تقدست التربة الحسينية بذلك وان كانت متظافرة بها ، وروى (١) «انهم كانوا يتخذون السبح من تربة حمزة (عليه‌السلام) قبل قتل الحسين (عليه‌السلام) وان فاطمة (عليها‌السلام) كانت لها سبحة منها فلما قتل الحسين (عليه‌السلام) اتخذت من تربته الشريفة وندب إليها الأئمة عليهم‌السلام». ومن قرائن إرادة العموم نقله عن سلار بعد ذلك اللوح المتخذ من خشب قبورهم (عليهم‌السلام) ولأن شرف التربة أقوى من شرف الخشب. انتهى.

أقول : يمكن تطرق البحث إليه بأن الاستحباب حكم شرعي يتوقف ثبوته على الدليل الواضح وما ذكره من التعليل المذكور لا يصلح لتأسيس الأحكام الشرعية. ولم لا يجوز اختصاص الحسين (عليه‌السلام) بذلك؟ كما خص بان الشفاء في تربته واجابة الدعاء تحت قبته وجعل الأئمة من ذريته (٢) وان كان غيره من الأئمة والأنبياء والصلحاء من يرجى بهم ذلك ايضا.

(التاسع) ـ قد عرفت دلالة الأخبار المتكاثرة على انه لا يجوز السجود إلا على الأرض أو ما أنبتت وقضية ذلك دوران الصحة مدار صدق الأرضية بالنسبة إلى الأرض.

__________________

(١) الوسائل الباب ١٦ من التعقيب.

(٢) الوسائل الباب ٧٦ من المزار.

٢٦١

وقد حصل الاشكال بسبب ذلك هنا في أشياء : (الأول) الخزف وفي خروجه بالطبخ عن الأرضية تردد ، وظاهر المشهور بين المتأخرين جواز السجود عليه من غير تردد ولا نقل خلاف حتى ان العلامة في التذكرة استدل على عدم خروجه بالطبخ عن اسم الأرض بجواز السجود عليه وهو مشعر بان جواز السجود عليه أمر مسلم بين الكل ، والمحقق في المعتبر مع منعه من التيمم به لخروجه بالطبخ عن اسم الأرض جوز السجود عليه فقال بعد المنع من التيمم لخروجه عن اسم الأرض : ولا يعارض بجواز السجود لانه قد يجوز السجود على ما ليس بأرض كالكاغذ وقد تقدم بيان ضعف هذا الكلام في باب التيمم من كتاب الطهارة. وبالجملة فالقائلون بالجواز انما جوزوا ذلك من حيث عدم خروج الخزف بالطبخ عن اسم الأرض كما صرح به الشهيدان وغيرهم وان صرحوا بالكراهة تفصيا من احتمال الخروج.

وممن صرح بالخروج المحقق كما عرفت واليه يميل كلام الفاضل الخراساني في الذخيرة والمتقدمون لم يتعرضوا لذكر هذه المسألة ، ويعضد هذا القول ما تقدم في كلامه (عليه‌السلام) في كتاب الفقه الرضوي من قوله في تعداد ما يمنع من السجود عليه : «ولا على آجر يعنى المطبوخ» وهذا التفسير يحتمل ان يكون منه (عليه‌السلام) أو من جامع الكتاب ، ومن الظاهر ان المنع انما هو من الجهة التي ذكرنا.

قال في المدارك : والاولى اجتنابه لما ذكره المصنف من خروجه بالطبخ عن اسم الأرض وان أمكن توجه المنع إليه فإن الأرض المحترقة يصدق عليها اسم الأرض عرفا. ويمكن ان يستدل على الجواز ايضا بما رواه الشيخ وابن بابويه في الصحيح عن الحسن ابن محبوب عن ابي الحسن (عليه‌السلام) (١) «انه سأله عن الجص يوقد عليه بالعذرة وعظام الموتى ثم يجصص به المسجد أيسجد عليه؟ فكتب اليه بخطه : ان الماء والنار قد طهراه». وجه الدلالة انها تدل بظاهرها على جواز السجود على الجص والخزف في معناه

__________________

(١) الوسائل الباب ٨١ من النجاسات و ١٠ من ما يسجد عليه.

٢٦٢

ويؤيده الأخبار الكثيرة المتضمنة لجواز السجود على القرطاس وصحيحة معاوية بن عمار المتضمنة لجواز السجود على القير (١) انتهى. وفيه بحث حررناه في شرحنا على الكتاب وبالجملة فالمسألة عندي محل توقف والاحتياط فيها واجب وقد تقدم في باب التيمم ما فيه زيادة بيان لما اخترناه في المقام. واما صحيحة الحسن بن محبوب المذكورة فقد تقدم تحقيق معناها في كتاب الطهارة في مسألة تطهير النار من المطهرات العشرة فليرجع اليه من أحب الوقوف عليه.

و (الثاني والثالث) الجص والنورة قبل الإحراق وبعد الإحراق ، وقد تقدم تحقيق البحث في ذلك في باب التيمم من كتاب الطهارة ، والحكم في البابين واحد فإنه متى ثبتت الأرضية ترتب عليها جواز السجود والتيمم ومتى انتفت انتفيا.

(المسألة السابعة) ـ قد تقدم نقل اتفاق الأصحاب على طهارة موضع السجود وانه لا يجوز السجود على النجس وان لم تتعد نجاسته الى المصلى. ومن قواعدهم ايضا ان المشتبه بالنجس في حكم النجس في المواضع المحصورة ، وحينئذ فلو حصل الاشتباه في موضع محصور امتنع السجود عليه. وقد تقدم البحث في هذه المسألة منقحا في كتاب الطهارة في المسألة الرابعة من البحث الأول من المقصد الثاني من الباب الخامس في الطهارة من النجاسات من أبواب الكتاب المذكور.

تتمة في أحكام المساجد

قد استفاضت الاخبار بفضل بناء المساجد والسعي إليها والصلاة فيها ، قال الله تعالى «إِنَّما يَعْمُرُ مَساجِدَ اللهِ مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللهَ فَعَسى أُولئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ» (٢).

وروى ثقة الإسلام في الكافي في الصحيح أو الحسن عن ابي عبيدة الحذاء (٣)

__________________

(١) ص ٢٥٦.

(٢) سورة التوبة ، الآية ١٨.

(٣) الوسائل الباب ٨ من أحكام المساجد.

٢٦٣

قال : «سمعت أبا عبد الله (عليه‌السلام) يقول من بنى مسجدا بنى الله له بيتا في الجنة قال أبو عبيدة فمر بي أبو عبد الله (عليه‌السلام) في طريق مكة وقد سويت بأحجار مسجدا فقلت له جعلت فداك نرجو ان يكون هذا من ذاك؟ فقال نعم».

وروى في الفقيه بإسناده عن ابي عبيدة الحذاء عن ابي جعفر (عليه‌السلام) (١) انه قال : «من بنى مسجدا كمفحص قطاة بنى الله له بيتا في الجنة. قال أبو عبيدة ومر بي وانا بين مكة والمدينة أضع الأحجار فقلت هذا من ذلك؟ فقال نعم».

وروى الصدوق في كتاب ثواب الأعمال بسنده عن السكوني عن جعفر بن محمد عن آبائه (عليهم‌السلام) (٢) قال : «ان الله إذا أراد ان يصيب أهل الأرض بعذاب قال لو لا الذين يتحابون في ويعمرون مساجدي ويستغفرون بالأسحار لو لا هم لأنزلت عذابي».

وروى احمد بن محمد البرقي في المحاسن بسنده عن هاشم الحلال (٣) قال : «دخلت انا وأبو الصباح على ابي عبد الله (عليه‌السلام) فقال له أبو الصباح ما تقول في هذه المساجد التي بنتها الحاج في طريق مكة؟ فقال بخ بخ تلك أفضل المساجد ، من بنى مسجدا كمفحص قطاة بنى الله له بيتا في الجنة».

وروى الشيخ في التهذيب عن علي بن الحكم عن رجل عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٤) قال : «من مشى الى المسجد لم يضع رجلا على رطب ولا يابس إلا سبحت له الأرض إلى الأرض السابعة».

وروى في كتاب عقاب الأعمال بسنده فيه عن رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) (٥) قال : «من مشى الى مسجد من مساجد الله تعالى فله بكل خطوة خطاها حتى يرجع الى منزله عشر حسنات ومحا عنه عشر سيئات ورفع له عشر درجات».

__________________

(١ و ٢ و ٣) الوسائل الباب ٨ من أحكام المساجد.

(٤ و ٥) الوسائل الباب ٤ من أحكام المساجد.

٢٦٤

وروى الشيخ في التهذيب بسنده عن الأصبغ عن علي بن أبي طالب (عليه‌السلام) (١) قال : «كان يقول من اختلف الى المسجد أصاب إحدى الثمان : أخا مستفادا في الله أو علما مستطرفا أو آية محكمة أو يسمع كلمة تدله على هدى أو رحمة منتظرة أو كلمة ترده عن ردى أو يترك ذنبا خشية أو حياء».

وروى في الكافي في الصحيح عن جابر عن ابي جعفر (عليه‌السلام) (٢) قال : «قال رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) لجبرئيل يا جبرئيل أي البقاع أحب الى الله تعالى؟ قال المساجد ، وأحب أهلها الى الله أولهم دخولا وآخرهم خروجا منها».

وقال في الفقيه (٣) : «وروى ان الله تبارك وتعالى ليريد عذاب أهل الأرض حتى لا يحاشي منهم أحدا فإذا نظر الى الشيب ناقلي أقدامهم إلى الصلوات والولدان يتعلمون القرآن رحمهم‌الله فاخر ذلك عنهم».

وروى الشيخ في التهذيب عن السكوني عن جعفر عن أبيه (عليهما‌السلام) (٤) قال : «قال النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) من كان القرآن حديثه والمسجد بيته بنى الله له بيتا في الجنة».

وعن طلحة بن زيد عن جعفر عن أبيه عن علي (عليهم‌السلام) (٥) قال : «لا صلاة لمن لم يشهد الصلوات المكتوبات من جيران المسجد إذا كان فارغا صحيحا».

وروى شيخ الطائفة في كتاب المجالس عن ابي ذر (رضي‌الله‌عنه) في حديثه الطويل مما أوصاه به رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) (٦) قال : «يا أبا ذر من أجاب داعي الله وأحسن عمارة مساجد الله كان ثوابه من الله الجنة. فقلت بأبي أنت وأمي

__________________

(١ و ٣ و ٤) الوسائل الباب ٣ من أحكام المساجد.

(٢) الوسائل الباب ٦٨ من أحكام المساجد.

(٥) الوسائل الباب ٢ من أحكام المساجد.

(٦) البحار ج ١٨ الصلاة ص ١٣٢ وفي الوسائل الباب ١٧ من أحكام المساجد و ٢ من المواقيت.

٢٦٥

يا رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) كيف يعمر مساجد الله؟ قال لا ترفع فيها الأصوات ولا يخاض فيها بالباطل ولا يشترى فيها ولا يباع واترك اللغو ما دمت فيها فان لم تفعل فلا تلومن يوم القيامة إلا نفسك ، يا أبا ذر ان الله يعطيك ما دمت جالسا في المسجد بكل نفس تتنفس فيه درجة في الجنة وتصلى عليك الملائكة ويكتب لك بكل نفس تنفست فيه عشر حسنات ويمحى عنك عشر سيئات. يا أبا ذر يقول الله ان أحب العباد الي المتحابون بجلالي المتعلقة قلوبهم بالمساجد المستغفرون بالأسحار أولئك إذا أردت بأهل الأرض عقوبة ذكرتهم فصرفت العقوبة عنهم ، يا أبا ذر كل جلوس في المسجد لغو إلا ثلاثة : قراءة مصل أو ذاكر الله تعالى أو مسائل عن علم. الحديث».

وروى في كتاب الهداية مرسلا (١) قال : «قال رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) في التوراة مكتوب ان بيوتي في الأرض المساجد فطوبى لعبد تطهر في بيته ثم زارني في بيتي إلا ان على المزور كرامة الزائر ألا بشر المشاءين في الظلمات الى المساجد بالنور الساطع يوم القيامة».

وروى الشيخ في كتاب المجالس بسنده فيه عن زريق بن الزبير الخلقاني (٢) قال : «سمعت أبا عبد الله (عليه‌السلام) يقول شكت المساجد الى الله تعالى الذين لا يشهدونها من جيرانها فأوحى الله تعالى إليها وعزتي وجلالي لا قبلت لهم صلاة واحدة ولا أظهرت لهم في الناس عدالة ولا نالتهم رحمتي ولا جاوروني في جنتي».

أقول : يمكن حمل هذا الخبر على ظاهره بالنسبة الى من هجر المساجد تهاونا بحرمتها واستخفافا بما حث الله تعالى عليه من إتيانها ، ومثله في الاخبار غير عزيز وإلا فحمله على ظاهره مطلقا مشكل.

وروى الشيخان ثقة الإسلام في الكافي والشيخ في التهذيب في الصحيح أو الحسن

__________________

(١) مستدرك الوسائل الباب ٣٠ من أحكام المساجد.

(٢) الوسائل الباب ٢ من أحكام المساجد.

٢٦٦

عن عبد الله بن سنان عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (١) قال : «سمعته يقول ان رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) بنى مسجده بالسميط ، ثم ان المسلمين كثروا فقالوا يا رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) لو أمرت بالمسجد فزيد فيه فقال نعم فأمر به فزيد فيه وبناه بالسعيدة ، ثم ان المسلمين كثروا فقالوا يا رسول الله (صلى الله عليه وآله) لو أمرت بالمسجد فزيد فيه فقال نعم فأمر به فزيد فيه وبنى جداره بالأنثى والذكر ، ثم اشتد عليهم الحر فقالوا يا رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) لو أمرت بالمسجد فظلل فقال نعم فأمر به فأقيمت فيه سواري من جذوع النخل ثم طرحت عليه العوارض والخصف والإذخر فعاشوا فيه حتى أصابتهم الأمطار فجعل المسجد يكف عليهم فقالوا يا رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) لو أمرت بالمسجد فطين فقال لهم رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) لا ، عريش كعريش موسى (عليه‌السلام) فلم يزل كذلك حتى قبض رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) وكان جداره قبل ان يظلل قامة فكان إذا كان الفي‌ء ذراعا وهو قدر مربض عنز صلى الظهر فإذا كان ضعف ذلك صلى العصر. وقال السميط لبنة لبنة والسعيدة لبنة ونصف والأنثى والذكر لبنتان متخالفتان».

إذا عرفت ذلك فاعلم ان الأصحاب (رضوان الله عليهم) قد ذكروا للمساجد أحكاما : مستحبات ومحرمات ومكروهات وغيرها ، فالواجب ذكر الجميع في مقامات أربعة :

(الأول) في المستحبات : ومنها ـ اتخاذ المساجد مكشوفة ، أما اتخاذها فقد عرفت استفاضة الاخبار به مضافا الى الإجماع من الخاصة والعامة ، واما استحباب كونها مكشوفة فاستدلوا عليه بما رواه الكليني في الصحيح أو الحسن عن الحلبي (٢) قال : «سئل أبو عبد الله (عليه‌السلام) عن المساجد المظلمة أيكره الصلاة فيها؟ قال نعم ولكن لا يضركم اليوم ولو قد كان العدل لرأيتم كيف يصنع في ذلك».

أقول : فيه ان ظاهر صحيحة عبد الله بن سنان أو حسنته المتقدمة هو استحباب

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ٩ من أحكام المساجد.

٢٦٧

التظليل وهو الذي فعله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) لما شكوا إليه شدة الحر والمكروه انما هو التسقيف وهو الذي امتنع منه لما شكوا اليه المطر.

وشيخنا الشهيد في الذكرى بعد ان ذكر الحكم المذكور استشعر ما ذكرناه فقال في الجمع بين الخبرين المذكورين جاعلا التأويل في جانب خبر الحلبي : ولعل المراد به تظليل جميع المسجد أو تظليل خاص أو في بعض البلدان وإلا فالحاجة ماسة إلى التظليل لدفع الحر والقر. وعلى هذا نسج من تأخر عنه.

أقول : الظاهر ان وجه الجمع بين الخبرين انما هو حمل التظليل في خبر الحلبي على التسقيف الذي ظهر كراهته من خبر عبد الله بن سنان ، ويؤيده انه هو الذي صار معمولا عليه بعد موته (صلى‌الله‌عليه‌وآله) إذ المستفاد من الاخبار ان المساجد في زمن خلفاء الجور من الأموية والعباسية كانت مسقفة بل مزخرفة كما ستأتي الإشارة اليه ان شاء الله تعالى ، واليه يشير قوله (عليه‌السلام) : «ولو كان العدل لرأيتم. إلخ» إشارة إلى كسر تلك السقوف بعد قيام القائم (عجل الله فرجه) كما يدل عليه ما رواه في الفقيه مرسلا عن ابي جعفر (عليه‌السلام) (١) انه قال : «أول ما يبدأ به قائمنا سقوف المساجد فيكسرها ويأمر بها فتجعل عريشا كعريش موسى عليه‌السلام». وما رواه الشيخ في كتاب الغيبة بسنده عن ابي بصير (٢) قال : «إذا قام القائم (عليه‌السلام) دخل الكوفة وأمر بهدم المساجد الأربعة حتى يبلغ أساسها ويصيرها عريشا كعريش موسى عليه‌السلام.». أقول : قال الجوهري العرش والعريش ما يستظل به. ومن ذلك يظهر ان المراد بالتظليل في خبر الحلبي انما هو السقوف فإنها هي التي يكسرها (عليه‌السلام) لا التظليل فإنه يجعل تلك المساجد بعد خراب السقوف مظللة. وهذا بحمد الله سبحانه أظهر ظاهر لكل ناظر.

ومنها ـ جعل الميضاة على أبوابها ، والمراد بالميضاة الموضع الذي يتطهر فيه من

__________________

(١) الوسائل الباب ٩ من أحكام المساجد.

(٢) مستدرك الوسائل الباب ٧ من أحكام المساجد.

٢٦٨

البول والغائط وهو كناية عن مواضع قذف النجاسة والتطهير منها.

ويدل على ذلك ما رواه الشيخ عن إبراهيم بن عبد الحميد عن أبي إبراهيم (عليه‌السلام) (١) قال : «قال رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) جنبوا مساجدكم صبيانكم ومجانينكم وشراءكم وبيعكم واجعلوا مطاهركم على أبواب مساجدكم».

ونقل في البحار (٢) عن أصل من أصول أصحابنا بسنده فيه عن السكوني عن جعفر بن محمد عن أبيه عن آبائه (عليهم‌السلام) قال : «قال رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) ضعوا المطاهر على أبواب المساجد».

ونقل في البحار (٣) عن الراوندي في النوادر بإسناده عن موسى بن جعفر عن آبائه (عليهم‌السلام) قال : «قال رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) جنبوا مساجدكم مجانينكم وصبيانكم ورفع أصواتكم إلا بذكر الله تعالى وبيعكم وشراءكم وسلاحكم وجمروها في كل سبعة أيام وضعوا المطاهر على أبوابها».

وأيد بعض الأصحاب الحكم المذكور بأنها لو جعلت داخلها لتأذى المسلمون برائحتها وهو مطلوب الترك.

ونقل عن ابن إدريس انه منع من جعل الميضاة في وسط المسجد قال في الذكرى : وهو حق ان لم تسبق المسجد وهو جيد لانه متى بنى المسجد بعد تقدم المطهرة وجعل حولها بحيث تكون في وسطه فإنه لا موجب للمنع إلا من حيث عدم رعاية الأدب والاحترام المطلوب في هذا المكان.

واما حكم الوضوء في المسجد فقد تقدم في المسألة الثامنة عشرة من المسائل الملحقة بالوضوء من كتاب الطهارة إلا انه قال السيد السند هنا في المدارك : ولم يتعرض المصنف لحكم الوضوء في المسجد وقد قطع العلامة ومن تأخر عنه بكراهته من البول والغائط لما

__________________

(١) الوسائل الباب ٢٧ و ٢٥ من أحكام المساجد والراوي في كتب الحديث هو (عبد الحميد).

(٢) ج ١٨ الصلاة ص ١٣٦.

(٣) ج ١٨ الصلاة ص ١٠٧.

٢٦٩

رواه الشيخ في الصحيح عن رفاعة (١) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن الوضوء في المسجد فكرهه من الغائط والبول». ويمكن حمل الوضوء فيها على الاستنجاء أو على ما يتناوله كما أومأ إليه في المعتبر. انتهى.

أقول : ظاهره انه مع حمل الوضوء في الخبر على الاستنجاء فغاية ما يدل عليه هو الكراهة. وهو على إطلاقه مشكل لأنهم وان صرحوا بطهارة ماء الاستنجاء إلا ان ذلك مشروط بشروط مذكورة ثمة وليس كل استنجاء يكون كذلك بل المعلوم عادة هو اختلال بعض الشروط وحينئذ فيكون نجسا ، وظاهر الأصحاب الاتفاق على تحريم إدخال النجاسة المتعدية الى المسجد وآلاته وبه صرح هو ايضا ، واليه يشير جملة من الاخبار مثل رواية تعاهد النعلين عند دخول المسجد (٢) ورواية أمر النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) بتطهير بول الأعرابي في المسجد (٣) وظاهر قوله عزوجل «. فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرامَ (٤) وعلى هذا فالأظهر بناء على حمل الوضوء على الاستنجاء هو حمل الكراهة في الخبر على التحريم فإن إطلاقها بهذا المعنى أكثر كثير كما أشرنا إليه في غير موضع وبه اعترف السيد المشار إليه في مواضع من شرحه. والله العالم.

ومنها ـ تجمير المساجد في كل سبعة أيام وهذا الحكم وان لم يذكره الأصحاب (رضوان الله عليهم) إلا انه مدلول خبر الراوندي المذكور في سابق هذا الموضع ونحوه في كتاب دعائم الإسلام حيث قال عن علي (عليه‌السلام) (٥) قال : «جنبوا مساجدكم رفع أصواتكم وبيعكم وشراءكم وسلاحكم وجمروها في كل سبعة أيام وضعوا فيها المطاهر». وأصحابنا يكتفون في أدلة السنن بأمثال هذه الاخبار بل ما هو أضعف. وما تضمنه هذا الخبر من قوله : «وضعوا فيها المطاهر» الظاهر جعل «في» تعليلية مثل قوله (صلى الله

__________________

(١) الوسائل الباب ٥٧ من الوضوء.

(٢) الوسائل الباب ٢٤ من أحكام المساجد.

(٣) ج ١ ص ٣٠٩.

(٤) سورة التوبة ، الآية ٢٨.

(٥) البحار ج ١٨ الصلاة ص ١٣٦.

٢٧٠

عليه وآله) (١) «دخلت امرأة النار في هرة ربطتها». فلا ينافي ما تقدم من استحباب جعلها على أبواب المساجد.

ومنها ـ جعل المنارة في الحائط لا في وسط المسجد ، وعلله العلامة في النهاية بما فيه من التوسعة ورفع الحجاب بين المصلين ، وأطلق الشيخ في النهاية المنع من جعل المنارة في وسط المسجد. قيل وهو حق ان تقدمت المسجدية على بنائها.

أقول : لم أقف في هذا المقام على خبر عنهم (عليهم‌السلام) نعم ورد ما يدل على النهي عن ارتفاع المنارة وبه قال الأصحاب أيضا حيث صرحوا بكراهة ارتفاع المنارة زيادة على سطح المسجد لئلا يشرف المؤذنون على جيران المسجد ، ويدل عليه ما رواه السكوني عن جعفر عن أبيه عن آبائه (عليهم‌السلام) (٢) «ان عليا (عليه‌السلام) مر على منارة طويلة فأمر بهدمها ثم قال لا ترفع المنارة إلا مع سطح المسجد». ونقل شيخنا في البحار (٣) عن كتاب كشف الغمة نقلا من دلائل الحميري عن ابي هاشم الجعفري قال : «كنت عند ابي محمد (عليه‌السلام) فقال إذا خرج القائم أمر بهدم المنار والمقاصير التي في المساجد فقلت في نفسي لأي معنى هذا؟ فاقبل علي فقال معنى هذا أنها محدثة مبتدعة لم يبنها نبي ولا حجة».

أقول : قد ذكر بعض مشايخنا (عطر الله مراقدهم) ان تطويل المنارة من بدع عمر. ويؤيده ما رواه الشيخ في الموثق عن علي بن جعفر (٤) قال : «سألت أبا الحسن (عليه‌السلام) عن الأذان في المنارة أسنة هو؟ فقال انما كان يؤذن للنبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) في الأرض ولم يكن يومئذ منارة». واما المقاصير وهي المحاريب الداخلة كما يأتي بيانه ان شاء الله تعالى فهي من بدع الأموية.

__________________

(١) تيسير الوصول ج ٢ ص ١١٤ عن ابن عمر قال : «قال رسول الله (ص) دخلت امرأة النار في هرة ربطتها فلم تطعمها ولم تدعها تأكل من خشاش الأرض» ..

(٢ و ٤) الوسائل الباب ٢٥ من أحكام المساجد.

(٣) ج ١٨ الصلاة ص ١٣٤.

٢٧١

ومنها ـ تقديم الرجل اليمنى للدخول والرجل اليسرى للخروج ، قال في المدارك علله في المعتبر بان اليمين أشرف فيدخل بها الى الموضع الشريف وبعكسه الخروج. أقول : ظاهر اقتصار هذين الفاضلين على هذا التعليل عدم وقوفهما على نص يدل على ذلك مع انه روى ثقة الإسلام في الكافي بسنده عن يونس عنهم (عليهم‌السلام) (١) قال قال : «الفضل في دخول المسجد ان تبدأ برجلك اليمنى إذا دخلت وباليسرى إذا خرجت».

ومنها ـ تعاهد نعله عند الدخول لما رواه الشيخ عن عبد الله بن ميمون القداح عن جعفر عن أبيه (عليهما‌السلام) (٢) «قال قال النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) تعاهدوا نعالكم عند أبواب مساجدكم».

وروى الحسن بن الفضل الطبرسي في كتاب مكارم الأخلاق عن النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) (٣) «في قوله تعالى خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ (٤). قال تعاهدوا نعالكم عند أبواب المساجد».

والمشهور في كلام الأصحاب (رضوان الله عليهم) هو تفسير التعاهد باستعلام حالها عند الدخول استظهارا للطهارة. واحتمل بعض مشايخنا ان المراد بتعاهد النعل ان يودعه عند أمين ونحوه لئلا يشتغل قلبه في حال الصلاة به. والظاهر بعده ، قال الجوهري : التعهد التحفظ بالشي‌ء وتجديد العهد به وهو أفصح من قولك تعاهدت لان التعاهد انما يكون بين اثنين. قال شيخنا في البحار بعد نقل ذلك عنه : أقول ورود الرواية عن أفصح الفصحاء يدل على خطأ الجوهري بل يطلق التفاعل في ما لم يكن بين اثنين للمبالغة إذ ما يكون بين اثنين يكون المبالغة والاهتمام فيه أكثر. أقول : لا يخفى ان لفظ التعاهد قد ورد كثيرا في الاخبار وكلام البلغاء بمعنى التعهد كما ورد في تعاهد

__________________

(١) الوسائل الباب ٤٠ من أحكام المساجد.

(٢ و ٣) الوسائل الباب ٢٤ من أحكام المساجد.

(٤) سورة التوبة ، الآية ٢٩.

٢٧٢

الجيران وتعاهد القرآن وقولك فلان يتعاهدنا اي يراعينا ويحنو علينا ، وبالجملة فإن استعمال التعاهد بمعنى التعهد كثير شائع فلا منافاة بين ما ذكره الجوهري وبين وروده في الاخبار ولا ضرورة إلى تخطئة الجوهري فإن استعمال المجاز شائع في القرآن والاخبار أكثر من استعمال الحقائق ، فالتعاهد وان كان من حيث الأصل والحقيقة لا يستعمل إلا بين اثنين كما هو قاعدة باب التفاعل إلا انه يستعمل بمعنى التعهد مجازا شائعا.

ومنها ـ الدعاء عند دخول المسجد وعند الخروج منه واستحباب الوقوف والدعاء بعد الخروج فروى ثقة الإسلام في الصحيح عن عبد الله بن سنان عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (١) قال : «إذا دخلت المسجد فصل على النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) وإذا خرجت فافعل ذلك».

وروى الشيخ في الموثق عن سماعة (٢) قال : «إذا دخلت المسجد فقل بسم الله والسلام على رسول الله (ص) ان الله وملائكته يصلون على محمد وآل محمد والسلام عليهم ورحمة الله وبركاته رب اغفر لي ذنوبي وافتح لي أبواب فضلك. وإذا خرجت فقل مثل ذلك».

وعن عبد الله بن الحسن (٣) قال : «إذا دخلت المسجد فقل اللهم اغفر لي وافتح لي أبواب رحمتك وإذا خرجت فقل اللهم اغفر لي وافتح لي أبواب فضلك».

ورواه الحسن بن الشيخ الطوسي في مجالسه بسنده عن عبد الله بن الحسن عن امه فاطمة عن جدته فاطمة (عليها‌السلام) (٤) قالت : «كان رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) إذا دخل المسجد صلى على النبي وقال اللهم اغفر لي ذنوبي وافتح لي أبواب رحمتك وإذا خرج من الباب صلى على النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) وقال اللهم اغفر لي ذنوبي وافتح لي أبواب فضلك». أقول : ومن هذا الخبر يعلم ان عبد الله بن الحسن في رواية التهذيب هو عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب (عليهما‌السلام) وامه فاطمة

__________________

(١) الوسائل الباب ٤٠ من أحكام المساجد.

(٢ و ٣) الوسائل الباب ٣٩ من أحكام المساجد.

(٤) الوسائل الباب ٤١ من أحكام المساجد.

٢٧٣

بنت الحسين (عليه‌السلام) وجدته فاطمة الزهراء (عليها‌السلام).

وروى في الكافي عن ابي حفص العطار شيخ من أهل المدينة (١) قال : «سمعت أبا عبد الله (عليه‌السلام) يقول قال رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) إذا صلى أحدكم المكتوبة وخرج من المسجد فليقف بباب المسجد ثم ليقل اللهم دعوتني فأجبت دعوتك وصليت مكتوبتك وانتشرت في أرضك كما أمرتني فأسألك من فضلك العمل بطاعتك واجتناب سخطك والكفاف من الرزق برحمتك».

ومنها ـ التطهير لدخول المسجد فروى الصدوق (٢) قال : «روى ان في التوراة مكتوبا ان بيوتي في الأرض المساجد فطوبى لعبد تطهر في بيته ثم زارني في بيتي. الحديث». وقد تقدم نقلا عن هداية الصدوق ، ورواه أيضا في ثواب الأعمال وفي العلل (٣) كما مر.

وروى الشيخ في التهذيب بسنده عن العلاء بن الفضيل عن من رواه عن ابي جعفر (عليه‌السلام) (٤) قال : «إذا دخلت المسجد وأنت تريد ان تجلس فلا تدخله إلا طاهرا وإذا دخلته فاستقبل القبلة ثم ادع الله واسأله وسم حين تدخله واحمد الله وصل على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله.

ومنها ـ كنسها وإخراج الكناسة ولا سيما يوم الخميس وليلة الجمعة لما رواه الشيخ عن عبد الحميد عن أبي إبراهيم (عليه‌السلام) (٥) قال : «قال رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) من كنس المسجد يوم الخميس وليلة الجمعة فاخرج منه من التراب ما يذر في العين غفر الله له». ورواه الصدوق في كتبه مسندا في بعض ومرسلا في آخر (٦).

وروى في الأمالي بسنده عن سلام بن غانم عن الصادق عن آبائه (عليهم‌السلام) (٧) «ان رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) قال من قم مسجدا كتب الله له عتق رقبة ومن اخرج منه

__________________

(١) الوسائل الباب ٤١ من أحكام المساجد.

(٢ و ٣ و ٤) الوسائل الباب ٣٩ من أحكام المساجد.

(٥ و ٦ و ٧) الوسائل الباب ٣٢ من أحكام المساجد.

٢٧٤

ما يقذي عينا كتب الله عزوجل له كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ ». ورواه البرقي في المحاسن مثله.

ومنها ـ الإسراج فيها لما رواه الشيخ في التهذيب بسنده عن انس (١) قال : «قال رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) من أسرج في مسجد من مساجد الله سراجا لم تزل الملائكة وحملة العرش يستغفرون له ما دام في ذلك المسجد ضوء من ذلك السراج». ورواه الصدوق في كتبه مرسلا في بعض ومسندا في آخر (٢) وإطلاق الخبر أعم من ان يكون في المسجد من يصلى أم لا وبه صرح بعض الأصحاب.

قالوا ولا يتوقف ذلك على اذن الناظر إذا كان ما يسرج به من مال المسرج نعم لو كان من مال المسجد توقف عليه. ولو لم يكن له ناظر معين وتعذر استئذان الحاكم جاز لآحاد ثقات المؤمنين تولى ذلك فعلا وإذنا كما في سائر الأمور الحسبية.

ومنها ـ تحية المسجد لما رواه الصدوق في كتاب معاني الاخبار والخصال بسنده فيهما عن ابي ذر (رضي‌الله‌عنه) (٣) قال : «دخلت على رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) وهو في المسجد جالس فقال يا أبا ذر ان للمسجد تحية. قلت وما تحيته؟ قال ركعتان تركعهما. الحديث».

وروى الصدوق في الفقيه عن الحسين بن زيد عن الصادق عن آبائه (عليهم‌السلام) (٤) في حديث المناهي قال : «قال رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) لا تجعلوا المساجد طرقا حتى تصلوا فيها ركعتين».

وروى في الذكرى عن أبي قتادة عن النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) (٥) قال : «إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يركع» وليدع الله تعالى عقيبهما وليصل على النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) وان لم يصل جلس مستقبل القبلة وحمد الله وصلى على النبي ودعا

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ٣٤ من أحكام المساجد.

(٣) الوسائل الباب ٤٢ من أحكام المساجد.

(٤) الوسائل الباب ٦٧ من أحكام المساجد.

(٥) ارجع الى التعليقة ١ ص ٢٧٦.

٢٧٥

الله وسأل حاجته. أقول : لا يبعد ان يكون هذا الخبر من طريق العامة (١) فإني لم أقف عليه في كتب أخبارنا ولا سيما البحار الجامع لجميع الاخبار.

ومنها ـ التطيب ولبس الثياب الفاخرة عند قصد المسجد والدعاء فيه لما رواه في الكافي عن الحسين بن يزيد عن بعض أصحابه عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٢) قال : «ان علي بن الحسين (عليهما‌السلام) استقبله مولى له في ليلة باردة وعليه جبة خز ومطرف خز وعمامة خز وهو متغلف بالغالية فقال جعلت فداك في مثل هذه الساعة على هذه الهيئة إلى أين؟ فقال الى مسجد جدي رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) اخطب الحور العين الى الله عزوجل».

وعن محمد بن جعفر بن محمد (عليهما‌السلام) (٣) قال : «خرج علي بن الحسين (عليهما‌السلام) ليلة وعليه جبة خز وكساء خز قد غلف لحيته بالغالية فقالوا في هذه الساعة في هذه الهيئة إلى أين؟ فقال اني أريد أن أخطب الحور العين الى الله عزوجل في هذه الليلة».

ومنها ـ تعدد الصلاة في بقاع المسجد لما رواه الصدوق في كتاب المجالس (٤) عن مرازم عن الصادق (عليه‌السلام) انه قال : «عليكم بإتيان المساجد فإنها بيوت الله في الأرض ومن أتاها متطهرا طهره الله من ذنوبه وكتب من زواره فأكثروا فيها من الصلاة والدعاء وصلوا من المساجد في بقاع مختلفة فإن كل بقعة تشهد للمصلي عليها يوم القيامة».

(المقام الثاني) ـ في المحرمات وهي ـ على ما ذكره الأصحاب ـ أمور :

__________________

(١) في صحيح مسلم ج ٥ ص ٢٢٦ عن أبي قتادة «إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يركع ركعتين» ..

(٢ و ٣) الوسائل الباب ٢٣ من أحكام المساجد.

(٤) ص ٢١٦ وفي الوسائل في الباب ١٠ من الوضوء و ٤٢ من مكان المصلي.

٢٧٦

(الأول) إدخال النجاسة إليها ، وقد تقدم البحث في ذلك في صدر البحث الثاني من المقصد الثاني من الباب الخامس من كتاب الطهارة ، وقد أوضحنا ثمة انهم لا دليل لهم وراء الإجماع بالنسبة إلى النجاسة المتعدية إلا ان في اخبار تعاهد النعل عند دخول المسجد ما يشير الى ذلك والاحتياط ظاهر. وذكر جملة منهم تحريم إزالة النجاسة فيها وعلله في المعتبر بان ذلك يعود إليها بالتنجيس. ومقتضاه اختصاص التحريم بما إذا استلزمت الإزالة تنجيس المسجد ، ونقل عن المحقق الشيخ على عموم المنع وان كانت الإزالة في ما لا ينفعل كالكثير لما فيه من الامتهان المنافي لقوله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) (١) «جنبوا مساجدكم النجاسة». وهو ضعيف.

و (الثاني) ـ زخرفتها ونقشها بالصور ، والمراد بالزخرفة النقش بالزخرف وهو الذهب وبالصور ما هو أعم من ذوات الأرواح وغيرها ، وبعضهم كالمحقق في المعتبر والشهيد في الذكرى عبر بالنقش مطلقا ، والشهيد في البيان حرم زخرفتها ونقشها وتصويرها بما فيه روح وكره غيره كالشجرة ، وفي الدروس كره الجميع.

واستدل عليه في المعتبر والمنتهى بأنه بدعة لم يفعل في زمن النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) ولا أحد من الصحابة ، وبما رواه الشيخ عن عمرو بن جميع (٢) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن الصلاة في المساجد المصورة فقال اكره ذلك ولكن لا يضركم ذلك اليوم ولو قد قام العدل لرأيتم كيف يصنع في ذلك».

ورده جملة من المتأخرين ـ الظاهر ان أولهم السيد السند في المدارك ـ بضعف سند الرواية المذكورة لاشتماله على عدة من المجاهيل والضعفاء ، قال والتعليل الأول لا يعطى أزيد من الكراهة.

__________________

(١) قال في الوسائل في الباب ٢٤ من أحكام المساجد : روى جماعة من أصحابنا في كتب الاستدلال عن النبي «ص» انه قال «جنبوا مساجدكم النجاسة» ..

(٢) الوسائل الباب ١٥ من أحكام المساجد.

٢٧٧

أقول : ما ذكره في الجواب عن الأول جيد. واما الجواب عن الرواية فالأظهر ان يقال انما اشتملت على لفظ الكراهة وهو أعم من التحريم فلا تقوم حجة على التحريم ويعضد ذلك ما رواه الحميري في كتاب قرب الاسناد بإسناده عن علي بن جعفر عن أخيه (عليه‌السلام) (١) قال : «سألته عن المسجد يكتب في القبلة القرآن أو شي‌ء من ذكر الله قال لا بأس. وسألته عن المسجد ينقش في قبلته بجص أو اصباغ قال لا بأس». فإنه ظاهر في جواز النقش مطلقا. وما ذكره في الخبر من جواز كتابة القرآن والذكر في قبلة المسجد لا ينافي كراهة النظر اليه حال الصلاة كما تقدم. وبذلك يظهر لك ان ما ذكروه من التحريم هنا لا مستند له يعتمد عليه ، نعم الظاهر هو الكراهة في الصور واما النقش فلا.

و (الثالث) ـ بيع آلاتها وقيده جملة منهم بعدم الحاجة الى بيعها لعمارته أو عمارة غيره من المساجد فلو بدت الحاجة الى ذلك لما ذكر لم يحرم بيعها وكذا لو اقتضت المصلحة بيعها كما لو خيف عليها التلف أو كانت رثة لا ينتفع بها في المسجد ، قالوا وكما يجوز بيعها لعمارة مسجد آخر يجوز صرفها فيه بطريق اولى لاتحاد المالك وهو الله تعالى. أقول : والمسألة وان كانت عارية عن النصوص على الخصوص لكن كلامهم (رضوان الله عليهم) لا يخرج عن مقتضى الأصول المقررة والقواعد المعتبرة.

و (الرابع) ـ اتخاذها أو بعضها في ملك أو طريق بان يتملك ويتصرف فيه تصرف الملاك في أملاكهم أو يتخذ طريقا دائما بحيث تنمحي صورة المسجدية على كلا الأمرين ، ولا ريب في التحريم حينئذ لأن ذلك تغيير للوقف وتخريب لموضع العبادة وكلاهما محرم لقوله سبحانه «وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَساجِدَ اللهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعى فِي خَرابِها ... الآية» (٢) وحينئذ فيجب عليه إعادتها الى ما كانت عليه بل يجب ذلك على كل ذي قدرة ويد مبسوطة. واما جعلها طريقا مع بقاء المسجدية فسيأتي

__________________

(١) الوسائل الباب ١٥ من أحكام المساجد.

(٢) سورة البقرة ، الآية ١٠٨.

٢٧٨

ذكره ان شاء الله تعالى في المكروهات. وكذا لو زالت آثار المسجدية بالكلية فإنه لا يجوز تملكها لأن العرصة لا تخرج عن الوقف وما كانت عليه من المسجدية بزوال العمارة وخراب البناء بل أحكام المسجدية ثابتة لها وان كانت كذلك من غير شك ولا اشكال.

و (الخامس) ـ تمكين اليهود والنصارى من دخولها فروى الراوندي بسنده عن موسى بن جعفر عن آبائه (عليهم‌السلام) (١) قال : «قال رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) ليمنعن أحدكم مساجدكم يهودكم ونصاراكم وصبيانكم ومجانينكم أو ليمسخن الله تعالى قردة وخنازير ركعا سجدا».

وروى في كتاب دعائم الإسلام عن علي (عليه‌السلام) (٢) انه قال : «لتمنعن مساجدكم يهودكم ونصاراكم وصبيانكم ومجانينكم أو ليمسخنكم الله تعالى قردة وخنازير ركعا سجدا».

وظاهر الأصحاب ان منعهم على جهة الوجوب ، قال في الذكرى لا يجوز لأحد من المشركين الدخول في المساجد على الإطلاق ولا عبرة بإذن المسلم له لان المانع نجاسته للآية (٣) (فإن قلت) لا تلويث هنا (قلت) معرض له غالبا وجاز اختصاص هذا التغليظ بالكافر وقول النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) (٤) «من دخل المسجد فهو آمن». منسوخ بالآية وكذا ربط ثمامة في المسجد ان صح (٥). انتهى. قال شيخنا في البحار ويحتمل ان يكون القوم الممسوخة من النصاب والمخالفين وقد مسخوا الآن معنى بتركهم الولاية فلم يبق فيهم شي‌ء من الإنسانية وقد مسح الصادق (عليه‌السلام) يده على عين بعض شيعته فرآهم في الطواف بصور القردة والخنازير (٦). انتهى. أقول : وحينئذ فما ورد في هذين الخبرين من اضافة المجانين والصبيان محمول على

__________________

(١ و ٢) البحار ج ١٨ الصلاة ص ١٢٧ و ١٣٦.

(٣) ص ٢٧٠.

(٤) الكامل لابن الأثير ج ٢ ص ٦٦ في فتح مكة.

(٥) أسد الغابة ج ١ ص ٢٤٦.

(٦) البحار ج ١١ ص ٧٤ والحديث بين الباقر «ع» وابى بصير.

٢٧٩

الكراهة كما سيأتي في المقام الثالث ان شاء الله تعالى ويكون النهي هنا مستعملا في التحريم والكراهة ، واستعمال اللفظ في حقيقته ومجازه كثير في الاخبار وقد تقدم أمثاله في غير موضع.

و (السادس) ـ إخراج الحصى وقيدها بعضهم بما إذا كانت تعد من اجزاء المسجد أو من آلاته اما لو كانت قمامة كان إخراجها مستحبا. واستدل القائلون بالتحريم على ذلك بما رواه وهب بن وهب عن الصادق عن أبيه (عليهما‌السلام) (١) قال : «إذا أخرج أحدكم الحصاة من المسجد فليردها مكانها أو في مسجد آخر فإنها تسبح». وردها جملة من متأخري المتأخرين : أولهم ـ صاحب المدارك بضعف وهب بن وهب المذكور وانه لا تعويل على روايته (٢) وظاهرهم نفى الحكم بالكلية وان كان على جهة الكراهة ، واختار المحقق في المعتبر وجماعة كراهة ذلك. والأكثر حكموا بوجوب الإعادة الى ذلك المسجد ، وقال الشيخ لو ردها الى غيره من المساجد أجزأ كما دل عليه الخبر. ولعل قوله (عليه‌السلام) في الخبر «فإنها تسبح» إشارة إلى قوله عزوجل «وَإِنْ مِنْ شَيْ‌ءٍ إِلّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ» (٣) وكأن المراد بهذا الكلام التنبيه على انكم لا تقولوا انها جماد لا يضر إخراجها بل هي من المسبحين الذاكرين الله عزوجل فلا ينبغي إخراجها وأخلاء المسجد من تسبيحها «وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَساجِدَ اللهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ» (٤).

(المقام الثالث) ـ في المكروهات وهي أمور منها ـ ان يجعل لها شرفا بضم الشين وفتح الراء جمع شرفة بسكون الراء كغرف وغرفة لما رواه الشيخ عن طلحة بن زيد عن جعفر عن أبيه عن علي (عليهم‌السلام) (٥) «انه رأى مسجدا بالكوفة قد شرف فقال كأنه بيعة وقال ان المساجد تبنى جما لا تشرف». ورواه الصدوق في

__________________

(١) الوسائل الباب ٢٦ من أحكام المساجد.

(٢) ارجع الى التعليقة ١ ص ٨١ ج ٢.

(٣) سورة بني إسرائيل ، الآية ٤٦.

(٤) سورة البقرة ، الآية ١٠٨.

(٥) الوسائل الباب ١٥ من أحكام المساجد.

٢٨٠