الحدائق الناضرة - ج ٧

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]

الحدائق الناضرة - ج ٧

المؤلف:

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]


المحقق: محمّد تقي الإيرواني
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٥٦

يكون في صلاته هل يصلح له ان تكون امرأة مقبلة بوجهها عليه في القبلة قاعدة أو قائمة؟ قال يدرأها عنه فان لم يفعل لم يقطع ذلك صلاته. وسألته عن الرجل هل يصلح له ان يصلى وامامه شي‌ء من الطير؟ قال لا بأس».

وروى في كتاب التوحيد بسنده عن منيف مولى جعفر بن محمد (١) قال : «حدثني سيدي جعفر بن محمد عن أبيه عن جده (عليهم‌السلام) قال كان الحسن بن علي بن ابي طالب (عليهما‌السلام) ـ وفي نسخة الحسين بدل الحسن ـ يصلي فمر بين يديه رجل فنهاه بعض جلسائه فلما انصرف من صلاته قال له لم نهيت الرجل؟ فقال يا ابن رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) خطر في ما بينك وبين المحراب. فقال ويحك ان الله عزوجل أقرب الي من ان يخطر في ما بيني وبينه أحد».

أقول : وتحقيق الكلام في هذا المقام يقع في مواضع (الأول) ـ قد استفاضت هذه الاخبار باستحباب السترة للمصلي والظاهر ان الغرض منها منع المرور من بين يدي المصلي لئلا يشغل فكره عن إقباله على صلاته فكأنها بمنزلة تحجير المكان عن غيره ، ولهذا انه يجوز دفع المار كما يأتي ان شاء الله تعالى ولو استلزم أذاه اما إذا لم يضع السترة ولم يحجر الموضع بذلك فليس له ذلك ، وظاهر الاخبار الدالة على قول الأئمة (عليهم‌السلام) «ان الذي أصلي له أقرب من الذي يمر قدامي» ونحوه مما اشتملت عليه تلك الاخبار هو عدم السترة يومئذ ، وفيه إيماء الى ان الغرض من السترة ـ وهو عدم توزع الفكر بمرور المار ـ انما هو بالنسبة الى من لم يكن فكره في حال الصلاة مستغرقا مع الله سبحانه ، واما من كان فكره مستغرقا معه سبحانه وليس في قلبه شي‌ء سواه في تلك الحال ولا يشغله عنه شاغل ـ حتى انه روى (٢) «ان السهام التي ثبتت في بدن أمير المؤمنين

__________________

(١) الوسائل الباب ١١ من مكان المصلى.

(٢) في أسرار الشهادة ص ٢٥٥ طبعة ١٣١٩ ما ملخصه : ان أمير المؤمنين (ع) أصابت رجله نبلة في غزوة صفين واستحكمت فيها فلم يطق إخراجها فأخرجت منه في حال السجود ولم يحس بذلك أصلا.

٢٤١

(عليه‌السلام) من الحرب انما كانت تنزع وقت الصلاة لعدم إحساسه بذلك». ـ فلا تستحب بالنسبة إليه لعدم ما يترتب عليها فإنه حاصل بدونها إلا ان الظاهر تخصيص هذه المرتبة بهم (عليهم‌السلام) ومن قرب منهم وقد تقدم خبر آخر بهذا المعنى في مسألة كراهة استقبال النار (١) ويعضده مرفوعة عمرو بن إبراهيم الهمداني المتقدمة أيضا (٢) (لا يقال) ان النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) كان يستتر كما دلت عليه الاخبار المتقدمة (لأنا نقول) انه (صلى‌الله‌عليه‌وآله) كان مكلفا بتشريع الشرائع وسن السنن والواجبات وتعليم الناس فلا منافاة وبالجملة فإن النهي عن الصلاة بدون السترة مخصوص بالفرد الأول والتجويز بالفرد الثاني ، وبذلك يظهر ما في كلامي صاحب الكافي والوافي من التكلف الذي لا ضرورة تلجئ اليه.

(الثاني) ـ قد دل خبر علي بن جعفر المذكور على استحباب السترة إذا صلى وفي قبلته حمار ولم يذكره أحد من الأصحاب في ما أعلم ، إلا ان الصدوق في الفقيه روى ذلك عن علي بن جعفر ايضا مع جملة من هذه السؤالات ، وهو يؤذن بقوله بذلك بناء على ما قدمه في صدر كتابه من انه لا يذكر فيه إلا ما يفتي به ويحكم بصحته.

(الثالث) ـ الظاهر من هذه الاخبار استحباب الارتفاع في السترة بأن تكون عنزة ونحوها ولو قدر ذراع فيرتفع عن الأرض وهكذا الى ان ينتهي إلى مجرد الخط في الأرض ، والعلة في ذلك ظهور امارة التحجير فكلما كانت ارفع كانت أظهر للناظر والمارين ، هذا إذا كان في فضاء من الأرض ولو صلى في مسجد أو بيت قرب من حائطه. ونقل عن الجعفي ان الاولى بلوغ السترة ذراعا فما زاد.

(الرابع) ـ يستحب الدنو من السترة ، قال في الذكرى : يستحب الدنو من السترة لما روى عن النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) (٣) «إذا صلى أحدكم إلى سترة فليدن منها لا يقطع الشيطان صلاته». وقدره ابن الجنيد بمربض الشاة لما صح من خبر سهل

__________________

(١) ص ٢٣١.

(٢) ص ٢٢٩.

(٣) تيسير الوصول ج ٢ ص ٢٥٨ عن ابى داود.

٢٤٢

الساعدي (١) قال : «كان بين مصلى النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) وبين الجدار ممر الشاة». انتهى وقدره بعض الأصحاب (رضوان الله عليهم) بمربض عنز الى مربط فرس ، ونسبه في المدارك إلى الأصحاب مؤذنا بعدم وجود الدليل عليه مع انه روى الصدوق في الصحيح عن عبد الله بن سنان عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٢) قال : «أقل ما يكون بينك وبين القبلة مربض عنز وأكثر ما يكون مربط فرس». ويؤيد ما ذكره في الذكرى ما رواه في كتاب دعائم الإسلام عن النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) (٣) قال : «إذا قام أحدكم في الصلاة الى سترة فليدن منها فان الشيطان يمر بينه وبينها وحد في ذلك كمربض الثور».

(الخامس) ـ قال في الذكرى : إذا نصب بين يديه عنزة أو عودا لم يستحب الانحراف عنه يمينا ولا شمالا قاله في التذكرة ، وقال ابن الجنيد يجعله على جانبه الأيمن ولا يتوسطها فيجعلها مقصده تمثيلا بالكعبة ، وقال بعض العامة ليكن على الأيمن أو على الأيسر. انتهى. أقول المفهوم من ظواهر الأخبار المتقدمة هو المحاذاة لها وما ذكره ابن الجنيد لا نعرف له وجها.

(السادس) ـ قال في الذكرى : سترة الإمام سترة لمن خلفه لأن النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) لم يأمر المؤتمين بسترة (٤) ولان ظهر كل واحد منهم سترة لصاحبه. أقول : تعليله الثاني انما يجري في الصف الثاني وما بعده نعم الأول منهما ظاهر العموم ولو للواحد الذي يقوم بجنب الامام.

(السابع) ـ قال العلامة : لو كانت السترة مغصوبة لم يحصل الامتثال لعدم الإتيان بالمأمور به شرعا. واعترضه في الذكرى بأنه يشكل بأن المأمور به الصلاة الى السترة وقد حصل وغصبيتها أمر خارج عن الصلاة كالوضوء من الإناء المغصوب. اما

__________________

(١) صحيح مسلم ج ٤ ص ٢٢٥.

(٢) الوسائل الباب ١٢ من مكان المصلى.

(٣) مستدرك الوسائل الباب ٨ من مكان المصلى.

(٤) صحيح البخاري ج ١ ص ١٠١.

٢٤٣

لو كانت نجسة لم يضر إلا مع نجاسة ظاهرة. انتهى. أقول : ما ذكره في رد كلام العلامة جيد. واما ما ذكره من استثناء النجاسة الظاهرة فلا اعرف له وجها إلا ان كان خبر الفضيل بن يسار المتقدم في مسألة كراهة استقبال الغائط ومورده الغائط ولا عموم فيه ينهض بالدلالة ، أو اخبار نز الكنيف والبالوعة وهي كذلك خاصة ، إلا ان يستنبط منهما العموم لجميع النجاسات بأي نحو كانت. ونقل في الذكرى عن ابي الصلاح في جملة ما عده مما يكره الصلاة إليه النجاسة الظاهرة ونحوه في المقنعة ، والظاهر انه جرى هنا على ذلك.

(الثامن) ـ قال في الذكرى ايضا : يستحب دفع المار بين يديه لقوله (عليه‌السلام) (١) : «لا يقطع الصلاة شي‌ء فادرأوا ما استطعتم». أقول : الاستدلال بالخبر المذكور مبني على ان معناه كما فهمه هو وغيره من الأمر بدفع المار يعني ادفعوا المار بما استطعتم من إشارة أو رمي شي‌ء أو دفع باليد أو نحو ذلك ، والظاهر عندي انما هو الدفع بجعل السترة فهو كناية عن الأمر بالسترة بمعنى ادفعوا ضرر مروره بالاستتار بالسترة فإنها متى وضعت لم يمر بينها وبين المصلي ، ويظهر هذا المعنى من رواية أبي بصير المتقدمة المتضمنة انه لا يقطع الصلاة شي‌ء كلب ولا حمار. الحديث.

(التاسع) ـ قال في الكتاب المذكور : لو احتاج في الدفع الى القتال لم يجز ورواية أبي سعيد الخدري وغيره عن النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) (٢) «فان ابي فليقاتله فإنما هو شيطان». للتغليظ أو يحمل على دفاع مغلظ لا يؤدى الى حرج ولا ضرر. أقول : الظاهر ان ما نقل من خبر الخدري انما هو من طريق العامة إذ لم نجده في أخبارنا نعم روى في كتاب دعائم الإسلام عن علي (عليه‌السلام) (٣) «انه سئل عن المرور

__________________

(١) ص ٢٣٩.

(٢) صحيح البخاري ج ١ ص ١٠٣.

(٣) مستدرك الوسائل الباب ٧ من مكان المصلى. وليس فيه «ولو قاتلته» نعم هو موجود في البحار ج ١٨ الصلاة ص ١١٦.

٢٤٤

بين يدي المصلي فقال لا يقطع الصلاة شي‌ء ولا تدع من يمر بين يديك ولو قاتلته». والظاهر حمله على ما ذكره (قدس‌سره) من التغليظ والمبالغة في الدفع.

(العاشر) ـ قال ايضا : هل كراهة المرور وجواز الدفع مختص بمن استتر أو مطلقا؟ نظر من حيث تقصيره وتضييعه حق نفسه وفي كثير من الاخبار التقييد بما إذا كان له سترة ثم لا يضره ما يمر بين يديه ، ومن إطلاق باقي الاخبار. ويمكن ان يقال بحمل المطلق على المقيد. أقول : الوجه انما هو الأول كما أشرنا اليه ومطلق الاخبار محمول على مقيدها كما ذكره فإنه مقتضى القاعدة في هذا الباب. والله العالم.

(المسألة السادسة) ـ المشهور بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) انه لا يجوز السجود اختيارا إلا على الأرض أو ما أنبتت مما لا يؤكل ولا يلبس عادة ، ولم يستثنوا من هذه القاعدة إلا القرطاس ، ونقل عن المرتضى في المسائل الموصلية كراهة السجود على ثياب القطن والكتان وفي المصباح وافق الأصحاب ، ويدل على الأول الاخبار المستفيضة :

ومنها ـ ما رواه الشيخ في الصحيح عن حماد بن عثمان عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (١) قال : «سمعته يقول السجود على ما أنبتت الأرض إلا ما أكل أو لبس».

وعن الفضل ابي العباس (٢) قال : «قال أبو عبد الله (عليه‌السلام) لا يسجد إلا على الأرض أو ما أنبتت الأرض إلا القطن والكتان».

وعن زرارة في الصحيح عن ابي جعفر (عليه‌السلام) (٣) قال : «قلت له اسجد على الزفت يعني القير؟ فقال لا ولا على الثوب الكرسف ولا على الصوف ولا على شي‌ء من الحيوان ولا على طعام ولا على شي‌ء من ثمار الأرض ولا على شي‌ء من الرياش».

وعن هشام بن الحكم في الصحيح عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٤) قال له :

__________________

(١ و ٢ و ٤) الوسائل الباب ١ من ما يسجد عليه.

(٣) الوسائل الباب ٢ من ما يسجد عليه.

٢٤٥

«أخبرني عما يجوز السجود عليه وعما لا يجوز؟ قال السجود لا يجوز إلا على الأرض أو على ما أنبتت الأرض إلا ما أكل أو لبس».

وروى الصدوق في كتاب العلل بسنده عن هشام بن الحكم (١) قال : «قلت لأبي عبد الله (عليه‌السلام) أخبرني عما يجوز السجود عليه وعما لا يجوز؟ قال السجود لا يجوز إلا على الأرض أو ما أنبتت الأرض إلا ما أكل أو لبس. فقلت له جعلت فداك ما العلة في ذلك؟ قال لان السجود هو الخضوع لله عزوجل فلا ينبغي ان يكون على ما يؤكل ويلبس لأن أبناء الدنيا عبيد ما يأكلون ويلبسون والساجد في سجوده في عبادة الله عزوجل فلا ينبغي ان يضع جبهته في سجوده على معبود أبناء الدنيا الذين اغتروا بغرورها. والسجود على الأرض أفضل لأنه أبلغ في التواضع والخضوع لله عزوجل».

وروى في كتاب الخصال عن ابي بصير ومحمد بن مسلم عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٢) قال : «قال أمير المؤمنين (عليه‌السلام) لا يسجد الرجل على كدس حنطة ولا على شعير ولا على لون مما يؤكل ولا يسجد على الخبز».

وعن الأعمش عن الصادق (عليه‌السلام) (٣) قال : «لا يسجد إلا على الأرض أو ما أنبتت الأرض إلا المأكول والقطن والكتان».

وقال الرضا (عليه‌السلام) في كتاب الفقه (٤) : «كل شي‌ء يكون غذاء الإنسان في المطعم والمشرب من الثمر والكثر فلا يجوز الصلاة عليه ولا على ثياب القطن والكتان والصوف والشعر والوبر ولا على الجلد إلا على شي‌ء لا يصلح للبس فقط وهو مما يخرج من الأرض إلا ان تكون في حال ضرورة».

وقال أيضا في الكتاب المذكور : «إذا سجدت فليكن سجودك على الأرض أو على شي‌ء ينبت من الأرض مما لا يلبس ، ولا تسجد على الحصر المدينة لأن سيورها من جلود ، ولا تسجد على شعر ولا على وبر ولا على صوف ولا على جلد ولا على إبريسم ولا

__________________

(١ و ٢ و ٣) الوسائل الباب ١ من ما يسجد عليه.

(٤) البحار ج ٨ الصلاة ص ٣٦٦ و ٣٦٧.

٢٤٦

على زجاج ولا على ما يلبسه الإنسان ولا على حديد ولا على الصفر ولا على الشبه ولا على النحاس ولا على الرصاص ولا على آجر يعني المطبوخ ولا على الريش ولا على شي‌ء من الجواهر وغيره من الفنك والسمور والحواصل والثعالب ولا على بساط فيه الصور والتماثيل. وان كانت الأرض حارة تخاف على جبهتك ان تحرق أو كانت ليلة مظلمة خفت عقربا أو حية أو شوكة أو شيئا يؤذيك فلا بأس ان تسجد على كمك إذا كان من قطن أو كتان».

إذا عرفت ذلك فاعلم ان تحقيق البحث في هذه المسألة يتوقف على بسطه في مقامات

(الأول) الظاهر انه لا خلاف بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) في استثناء القرطاس من هذا الحكم في الجملة بل نقل شيخنا الشهيد الثاني في المسالك الإجماع على استثنائه مطلقا.

ويدل عليه مضافا الى ذلك صحيحة علي بن مهزيار (١) قال : «سأل داود بن فرقد أبا الحسن (عليه‌السلام) عن القراطيس والكواغذ المكتوب عليها هل يجوز السجود عليها أم لا؟ فكتب يجوز».

وصحيحة جميل بن دراج عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٢) «انه كره ان يسجد على قرطاس عليه كتابة». ولفظ الكراهة هنا مراد به المعنى المشهور لما دل عليه الخبر السابق من الجواز.

وصحيحة صفوان الجمال (٣) قال : «رأيت أبا عبد الله (عليه‌السلام) في المحمل يسجد على القرطاس وأكثر ذلك يومئ إيماء». والظاهر ان المعنى في هذا الخبر انه حيث كانت صلاته (عليه‌السلام) في المحمل وقت السير فربما تمكن من السجود فيضع جبهته على القرطاس وربما لا يتمكن فيومى للسجود إيماء. وإطلاق هذه الاخبار يقتضي جواز السجود على القرطاس مطلقا سواء اتخذ

__________________

(١ و ٢ و ٣) الوسائل الباب ٧ من ما يسجد عليه.

٢٤٧

من القطن أو الإبريسم أو غيرهما ونقل عن العلامة في التذكرة انه اعتبر فيه كونه مأخوذا من غير الإبريسم لأنه ليس بأرض ولا من نبتها ، ويظهر من الشهيد في كتبه الثلاثة التوقف والاستشكال في السجود على القرطاس بقول مطلق حيث قال في كتاب البيان : ويجوز على القرطاس المتخذ من النبات ويشكل بأجزاء النورة. وقال في الدروس : ولا بأس بالقرطاس ويكره المكتوبات للقارئ المبصر ولو اتخذ القرطاس من القطن أو الكتان أو الحرير لم يجز. وقال في كتاب الذكرى بعد ذكر روايتي داود ابن فرقد وصفوان : وفي النفس من القرطاس شي‌ء من حيث اشتماله على النورة المستحيلة إلا ان نقول الغالب جوهر القرطاس أو نقول جمود النورة يرد إليها اسم الأرض ، الى ان قال : فرع ـ الأكثر اتخاذ القرطاس من القنب فلو اتخذ من الإبريسم فالظاهر المنع إلا ان يقال ما اشتمل عليه من أخلاط النورة مجوز له. وفيه بعد لاستحالتها عن اسم الأرض ولو اتخذ من القطن والكتان أمكن بناؤه على جواز السجود عليهما وقد سلف.

أقول : الظاهر ان ما تكلفه هذان الفاضلان في المقام ـ بارتكاب تخصيص اخبار القرطاس بالمتخذ مما يجوز السجود عليه كما يعطيه قوله في التذكرة في تعليل المنع من السجود على المتخذ من الإبريسم بأنه ليس بأرض. وقوله في الذكرى في المتخذ من القطن والكتان ببناء ذلك على جواز السجود عليهما ـ منشأه الجمع بين اخبار المنع من السجود على غير الأرض وما أنبتت ما لم يكن مأكولا ولا ملبوسا وبين اخبار القرطاس بإرجاع اخبار القرطاس الى تلك الاخبار وتقييدها بها ، وهو مما لا يسمن ولا يغني من جوع وذلك فإنه لا ريب ان القرطاس قد خرج عن تلك الأشياء المتخذ منها كائنة ما كانت إلى حقيقة أخرى فلا يفيد كونه متخذا مما يصح السجود عليه فائدة ، ألا ترى انه قد امتنع السجود على المعادن وان كان أصلها الأرض باعتبار الحيلولة والانتقال من الأرضية إلى حقيقة أخرى والقرطاس لا يصدق عليه انه أرض ولا ما أنبتت ، وكونه كان قبل الاستحالة الى هذه الحقيقة مما يسجد عليه لا يجدى نفعا وإلا لجاز السجود

٢٤٨

على المعادن بالتقريب المذكور. والحق انما هو استثناء القرطاس بهذه الاخبار من القاعدة المستفادة من تلك الاخبار ، وجميع ما ذكراه تقييد للنصوص من غير دليل واضح ولا برهان لائح فلا ينبغي ان يلتفت اليه ولا يعرج في مقام التحقيق عليه.

إذا عرفت ذلك فاعلم انه قد صرح الأصحاب بكراهة السجود على القرطاس المكتوب وعليه تدل صحيحة جميل المتقدمة إلا انه يشترط في صحة السجود عليه متى كان مكتوبا ان يقع السجود على مكان خال من الكتابة إذا كان المكتوب به مما لا يصلح السجود عليه ولا فرق في ذلك بين القارئ والأمي ، ونقل عن الشيخ في المبسوط وابن إدريس تخصيص الكراهة بالقارئ البصير كما تقدم في عبارة الدروس وانه لا يكره في حق الأمي ولا في حق القارئ الذي لا يبصر ، وإطلاق النص يرده.

(الثاني) ـ المشهور بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) المنع من السجود على القطن والكتان سواء كان قبل النسج أو بعده بل قال في المختلف انه قول علمائنا اجمع ، وخالف في ذلك المرتضى في المسائل الموصلية مع انه ذهب في الجمل والانتصار الى المنع ونقل فيه إجماع الطائفة ، وظاهر المحقق في المعتبر الميل الى الجواز على كراهية أيضا ، وهو ظاهر المحدث الكاشاني في الوافي أيضا كما ستقف عليه.

ونقل عن المرتضى انه احتج على ذلك بأنه لو كان السجود على الثوب المنسوج من القطن والكتان محرما محظور الجري في القبح ووجوب إعادة الصلاة واستئنافها مجرى السجود على النجاسة ومعلوم ان أحدا لا ينتهي الى ذلك. ولا يخفى ما فيه.

نعم يدل على ذلك جملة من الاخبار عنهم (عليهم‌السلام) وكان الاولى الاستدلال بها في المقام دون هذه التخريجات الغثة التي تمجها الافهام :

ومنها ـ ما رواه الشيخ عن داود الصرمي (١) قال : «سألت أبا الحسن الثالث (عليه‌السلام) هل يجوز السجود على الكتان والقطن من غير تقية؟ فقال جائز».

__________________

(١) الوسائل الباب ٢ من ما يسجد عليه.

٢٤٩

وعن منصور بن حازم عن غير واحد من أصحابه (١) قال : «قلت لأبي جعفر (عليه‌السلام) انا نكون بأرض باردة يكون فيها الثلج أفنسجد عليه؟ قال لا ولكن اجعل بينك وبينه شيئا قطنا أو كتانا».

وعن الحسين بن علي بن كيسان الصنعائي (٢) قال : «كتبت الى ابي الحسن الثالث (عليه‌السلام) اسأله عن السجود على القطن والكتان من غير تقية ولا ضرورة فكتب الي : ذلك جائز».

وعن ياسر الخادم (٣) قال : «مر بي أبو الحسن (عليه‌السلام) وانا أصلي على الطبري (٤) وقد ألقيت عليه شيئا اسجد عليه فقال لي مالك لا تسجد عليه أليس هو من نبات الأرض؟».

وأجاب الشيخ عن جميع هذه الاخبار بالحمل على حالة الضرورة أو التقية (٥) ورده المحقق في المعتبر بان في رواية الصنعائي التنصيص على الجواز مع انتفاء التقية والضرورة واستحسن حمل الأخبار المانعة على الكراهة. قال في المدارك : وهو محتمل لكن هذه الاخبار لا تخلو من ضعف في سند أو قصور في دلالة فلا تصلح لمعارضة الأخبار الصحيحة الدالة بظاهرها على المنع المؤيدة بعمل الأصحاب. وظاهره الميل الى ما ذكره في المعتبر لو لا ضعف روايات الجواز. والمحدث الكاشاني في الوافي بعد ان نقل حمل الشيخ (قدس‌سره) لروايات الجواز استبعده وقال : والاولى ان يحمل النهي عنهما على الكراهة.

أقول وبالله التوفيق : لا يخفى ان ما ذكره الشيخ (قدس‌سره) هنا من الجمع

__________________

(١) الوسائل الباب ٤ من ما يسجد عليه.

(٢ و ٣) الوسائل الباب ٢ من ما يسجد عليه.

(٤) الطبري ثوب ينسب الى طبرستان أو طبرية بالفتح محلة من واسط. قال في الوافي ذيل هذا الخبر : الطبري كأنه كان من القطن أو الكتان كما يظهر من الاستبصار. انتهى. منه (قدس‌سره).

(٥) ارجع الى التعليقة رقم (١) ص ٢٥١.

٢٥٠

بين الاخبار بحمل هذه الاخبار المجوزة على التقية أو الضرورة حمل جيد ، اما بالنسبة إلى التقية فلما استفاض عنهم (عليهم‌السلام) من عرض الاخبار في مقام الاختلاف على مذهب العامة والأخذ بخلافهم والجواز مذهب العامة (١) من غير اشكال ، ويعضد ذلك صحة الاخبار الدالة على التحريم وتكاثرها عموما وخصوصا واعتضادها بعمل الطائفة قديما ودعوى الإجماع في المقام. واما ما ذكره في المعتبر من ان رواية الصنعاني نصت على الجواز مع انتفاء التقية والضرورة فليس بشي‌ء لأن المفهوم من الاخبار على وجه لا يعتريه الإنكار انهم انما يجيبون على ما يرونه من المصلحة لا بما يريد السائل فربما تركوا الجواب بالكلية وربما أجابوا بالتقية وربما أجابوا بما فيه التباس واشتباه لا يستفاد منه معنى ظاهر بالكلية ، وقد ورد عنهم (عليهم‌السلام) (٢) «ان الله سبحانه قد فرض عليكم السؤال ولم يفرض علينا الجواب بل ذلك إلينا ان شئنا أجبنا وان شئنا لم نجب». وبالجملة فإن مجرد طلب السائل لأن يكون الجواب لا على وجه التقية لا يوجب حمل الجواب على ما طلبه لما عرفت ، ويؤيد الحمل على التقية قوله (عليه‌السلام) في صحيحة علي بن يقطين (٣) : «لا بأس بالسجود على الثياب في حال التقية». واما الحمل على الضرورة فلما تقدم من كلامه (عليه‌السلام) في كتاب الفقه الرضوي ونحوه ما رواه علي بن جعفر في كتابه والحميري في قرب الاسناد عنه عن أخيه موسى (عليه‌السلام) (٤) قال : «سألته عن الرجل يؤذيه حر الأرض في الصلاة ولا يقدر على السجود هل يصلح له ان يضع ثوبه إذا كان قطنا أو كتانا؟ قال إذا كان مضطرا فليفعل». وفي كثير من الأخبار الآتية ما يدل على ذلك. والله العالم.

(الثالث) ـ لا خلاف ولا إشكال في جواز السجود على ما منعت منه الاخبار المتقدمة في حال التقية والضرورة لسقوط التكليف في الحالين المذكورين وعلى ذلك

__________________

(١) الفقه على المذاهب الأربعة قسم العبادات ص ١٦١.

(٢) أصول الكافي ج ١ ص ٢١٠.

(٣) ص ٢٥٢.

(٤) الوسائل الباب ٤ من ما يسجد عليه.

٢٥١

ايضا دلت الأخبار المتكاثرة :

ومنها ـ ما رواه الشيخ في الصحيح عن علي بن يقطين (١) قال : «سألت أبا الحسن الماضي (عليه‌السلام) عن الرجل يسجد على المسح والبساط؟ قال لا بأس إذا كان في حال التقية». ورواه أيضا في موضع آخر (٢) وزاد «ولا بأس بالسجود على الثياب في حال التقية».

ومنها ـ ما تقدم في كلامه (عليه‌السلام) في كتاب الفقه الرضوي وكذا صحيحة علي بن جعفر المتقدمة.

ومنها ـ ما رواه الشيخ عن ابي بصير (٣) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن الرجل يسجد على المسح؟ فقال إذا كان في تقية فلا بأس».

وعن عيينة بياع القصب (٤) قال : «قلت لأبي عبد الله (عليه‌السلام) ادخل المسجد في اليوم الشديد الحر فأكره أن أصلي على الحصى فابسط ثوبي فاسجد عليه؟ قال نعم ليس به بأس».

وعن القاسم بن الفضيل (٥) قال : «قلت للرضا (عليه‌السلام) جعلت فداك الرجل يسجد على كمه من أذى الحر والبرد؟ قال لا بأس به».

وعن احمد بن عمر (٦) قال : «سألت أبا الحسن (عليه‌السلام) عن الرجل يسجد على كم قميصه من أذى الحر والبرد أو على ردائه إذا كان تحته مسح أو غيره مما لا يسجد عليه؟ فقال لا بأس به».

وعن ابي بصير عن ابي جعفر (عليه‌السلام) (٧) قال : «قلت له أكون في السفر فتحضر الصلاة وأخاف الرمضاء على وجهي كيف اصنع؟ قال تسجد على بعض ثوبك. قلت ليس علي ثوب يمكنني ان اسجد على طرفه ولا ذيله؟ قال اسجد على ظهر كفك فإنها أحد المساجد».

__________________

(١ و ٢ و ٣) الوسائل الباب ٣ من ما يسجد عليه.

(٤ و ٥ و ٦ و ٧) الوسائل الباب ٤ من ما يسجد عليه.

٢٥٢

وروى الصدوق في كتاب العلل عن ابي بصير (١) قال : «قلت لأبي عبد الله (عليه‌السلام) جعلت فداك الرجل يكون في السفر فيقطع عليه الطريق فيبقى عريانا في سراويل ولا يجد ما يسجد عليه يخاف ان سجد على الرمضاء أحرقت وجهه؟ قال يسجد على ظهر كفه فإنها أحد المساجد». قال في الوافي : لعل المراد ان كفك أحد مساجدك على الأرض فإذا وضعت جبهتك عليها صارت موضوعة على الأرض بتوسطها.

ويستفاد من رواية أبي بصير الاولى تصريحا ومن الثانية تلويحا انه لا ينتقل الى السجود على بدنه إلا مع تعذر الثياب ، وبذلك ايضا صرح جملة من الأصحاب (رضوان الله عليهم) قال في الشرائع : ولا يسجد على شي‌ء من بدنه فان منعه الحر عن السجود على الأرض سجد على ثوبه فان لم يمكن فعلى كفه.

(الرابع) ـ ينبغي ان يعلم ان ما دلت عليه الاخبار المتقدمة من المنع من السجود إلا على الأرض أو ما أنبتت انما هو بالنسبة إلى مسجد الجبهة خاصة لا غيرها من المساجد فإنه يجوز وقوعها على اي شي‌ء كان ، والظاهر ان الحكم بذلك إجماعي.

وعليه يدل من الاخبار ما رواه في الكافي في الصحيح أو الحسن عن الفضيل ابن يسار ويزيد بن معاوية عن أحدهما (عليهما‌السلام) (٢) قال : «لا بأس بالقيام على المصلى من الشعر والصوف إذا كان يسجد على الأرض ، فإن كان من نبات الأرض فلا بأس بالقيام عليه والسجود عليه».

وما رواه في التهذيب في الصحيح عن علي بن جعفر عن أخيه موسى (عليه‌السلام) (٣) قال : «سألته عن فراش حرير ومثله من الديباج ومصلى حرير ومثله من الديباج يصلح للرجل النوم عليه والتكأة والصلاة؟ قال يفترشه ويقوم عليه ولا يسجد عليه.

__________________

(١) الوسائل الباب ٤ من ما يسجد عليه.

(٢) الوسائل الباب ١ من ما يسجد عليه.

(٣) الوسائل الباب ١٥ من لباس المصلى.

٢٥٣

وروى في الكافي عن الحلبي (١) قال : «قال أبو عبد الله (عليه‌السلام) دعا أبي بالخمرة فأبطأت عليه فأخذ كفا من حصباء فجعله على البساط ثم سجد».

وعن حمران في الصحيح عن أحدهما (عليهما‌السلام) (٢) قال : «كان ابي يصلي على الخمرة يجعلها على الطنفسة ويسجد عليها فإذا لم تكن خمرة جعل حصى على الطنفسة حيث يسجد».

أقول : الطنفسة بتثليث الطاء والفاء بساط له خمل ، والخمرة بضم الخاء المعجمة وإسكان الميم سجادة صغيرة ، قال في كتاب مجمع البحرين : قد تكرر في الحديث ذكر الخمرة والسجود عليها وهي بالضم سجادة صغيرة تعمل من سعف النخل وتزمل بالخيوط وفي النهاية هي مقدار ما يضع الرجل عليه وجهه في سجوده ولا يكون خمرة إلا هذا المقدار. ومنه كان ابي يصلي على الخمرة يضعها على الطنفسة. انتهى. وقال في النهاية : وفي حديث أم سلمة «قال لها وهي حائض ناوليني الخمرة» هي مقدار ما يضع الرجل عليه وجهه في سجوده من حصير أو نسجية خوص ونحوه من النبات ولا تكون خمرة إلا في هذا المقدار ، وسميت خمرة لان خيوطها مستورة بسعفها ، وقد تكررت في الحديث وهكذا فسرت. وقد جاء في سنن ابي داود عن ابن عباس قال : «جاءت فأرة فأخذت تجر الفتيلة فجاءت بها فألقتها بين يدي رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) على الخمرة التي كان قاعدا عليها فأحرقت منها مثل موضع درهم» قال وهذا صريح في إطلاق الخمرة على الكبير من نوعها.

أقول : بقي هنا شي‌ء وهو انه قد تقدم في كلام الرضا (عليه‌السلام) في كتاب الفقه النهي عن السجود على الحصر المدنية لان سيورها من جلود ، والمراد منها الخمرة لما رواه في الكافي والتهذيب عن علي بن الريان (٣) قال : «كتب بعض أصحابنا بيد

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ٢ من ما يسجد عليه.

(٣) الفروع ج ١ ص ٩٢ والتهذيب ج ١ ص ٢٢٣ وفي الوسائل في الباب ١١ من ما يسجد عليه.

٢٥٤

إبراهيم بن عقبة إليه ـ يعني أبا جعفر (عليه‌السلام) ـ يسأله عن الصلاة على الخمرة المدنية فكتب : صل فيها ما كان معمولا بخيوطة ولا تصل على ما كان معمولا بسيورة. قال فتوقف أصحابنا فأنشدتهم بيت شعر ل (تأبط شرا) العدواني (١) «فكأنها خيوطة ماري تغار وتفتل». وماري كان رجلا حبالا يعمل الخيوط» وظاهر هذين الخبرين النهي عن الخمرة المدنية لأنها تعمل بالسيور وهي الجلود مع ان الظاهر ان ما تعمل به من سيور أو خيوط يكون مستورا بسعف النخل الذي تعمل منه فالسجود انما يقع على السعف ، ولعل بناء الفرق في رواية علي بن الريان على ان ما يعمل بالخيوط تكون الخيوط فيه مستورة بالسعف واما ما يعمل بالسيور فإنها تظهر بين السعف أو تغطى على السعف فلا يقع السجود على السعف بالكلية فيكون النهي محمولا على التحريم ، أولا يحصل الجزء الأكمل من السجود فيكون النهي للكراهة ، قال في الذكرى : لو عملت بالخيوط من جنس ما يجوز السجود عليه فلا إشكال في جواز السجود عليها ولو عملت بسيور فان كانت مغطاة بحيث تقع الجبهة على الخوص صح السجود ايضا ولو وقعت على السيور لم يجز وعليه دلت رواية ابن الريان. وأطلق في المبسوط جواز السجود على المعمولة بالخيوط. انتهى. وظني ان ما ذكرناه من التفصيل أظهر.

(الخامس) اختلفت الرواية في جواز السجود على القير ففي صحيحة زرارة المتقدمة النهي عن ذلك ، وروى الشيخ في التهذيب عن محمد بن عمرو بن سعيد عن ابي الحسن الرضا (عليه‌السلام) (٢) قال : «لا تسجد على القير ولا على القفر ولا على الصاروج». ورواه الكليني مثله إلا انه ترك ذكر القفر. وعن صالح بن الحكم (٣) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن الصلاة في السفينة؟ فقال ان رجلا سأل ابي عن الصلاة في السفينة فقال له أترغب عن صلاة نوح (عليه‌السلام) فقلت له آخذ معي مدرة

__________________

(١) كذا في فروع الكافي وفي التهذيب (الفهمي) بدل (العدواني) وكذا في تاج العروس مادة (إبط).

(٢) الوسائل الباب ٦ من ما يسجد عليه.

(٣) الوسائل الباب ١٣ من القبلة.

٢٥٥

اسجد عليها؟ قال نعم».

وروى الصدوق في الفقيه في الصحيح (١) قال : «سأل معاوية بن عمار أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن السجود على القار قال لا بأس به». وروى في الصحيح عن منصور بن حازم عنه (عليه‌السلام) (٢) انه قال : «القير من نبات الأرض». وفي كتاب المسائل لعلي ابن جعفر عن أخيه موسى (عليه‌السلام) (٣) قال : «سألته عن الرجل هل يجزئه ان يسجد في السفينة على القير؟ قال لا بأس». وقد تقدم في اخبار الصلاة في السفينة (٤) في صحيحة معاوية بن عمار قال (عليه‌السلام) «ويصلى على القير والقفر ويسجد عليه». وروى الشيخ في التهذيب عن معاوية بن عمار (٥) قال : «سأل المعلى بن خنيس أبا عبد الله (عليه‌السلام) وانا عنده عن السجود على القفر وعلى القير فقال لا بأس به». وحمل الشيخ هذه الروايات على الضرورة أو التقية.

قال في الوافي : ويجوز حمل النهي على الكراهة. وقال في المدارك بعد ذكر صحيحة زرارة وصحيحة معاوية بن عمار الواردة في الصلاة في السفينة : ولو قيل بالجواز وحمل النهي على الكراهة أمكن ان لم ينعقد الإجماع على خلافه.

أقول : فيه (أولا) ان اخبار الجواز وان صح سندها كما هو المدار عليه عنده إلا ان اخبار النهي قد اعتضدت باتفاق الأصحاب ظاهرا وبالأخبار المتقدمة المصرحة بأنه لا يجوز السجود إلا على الأرض أو ما أنبتت. و (ثانيا) ما عرفت في غير مقام مما تقدم مما في هذا الحمل من النظر. و (ثالثا) ان العامة متفقون على جواز السجود عليه كما نقله في البحار ، وحينئذ فالأنسب بالقواعد الشرعية والضوابط المرعية المقررة عن أئمة الهدى (عليهم‌السلام) هو حمل اخبار الجواز على التقية ، لكنك قد عرفت في غير موضع مما تقدم انهم (رضوان الله عليهم) قد نبذوا هذه القواعد وراء ظهورهم

__________________

(١ و ٢ و ٤ و ٥) الوسائل الباب ٦ من ما يسجد عليه.

(٣) مستدرك الوسائل الباب ٥ من ما يسجد عليه.

٢٥٦

وعكفوا على قاعدة الجمع بين الاخبار بالكراهة والاستحباب.

ثم انه لا يخفى عليك انا قد أشرنا في غير موضع مما تقدم الى اضطراب كلام السيد السند (قدس‌سره) في حديث إبراهيم بن هاشم وعده في الضعيف تارة وفي الحسن اخرى وفي الصحيح تارة ، وفي هذا الموضع قد وصف رواية زرارة المتقدمة بالصحة في موضعين وفي طريقها إبراهيم بن هاشم ووصفها بالصحة أيضا في شرح قول المصنف : «وفي القطن والكتان روايتان» وفي شرح قوله : «المقدمة السابعة في الأذان والإقامة» قال وروى الكليني في الصحيح عن الحلبي عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (١) قال : «إذا أذنت وأقمت. الحديث».

(السادس) ـ المراد بالمأكول هو ما يطرد اكله ويعتاد فلو أكل نادرا أو في الضرورة كالعقاقير التي تجعل في الأدوية من النباتات التي لم يكثر أكلها لم يعد مأكولا ولو أكل شائعا في قطر دون قطر فإشكال ينشأ من احتمال اختصاص كل قطر بمقتضى عادته ومن صدق المأكول عليه. ولعله أرجح مع كونه أوفق بالاحتياط ولو كان له حالتان يؤكل في إحداهما دون الأخرى جاز السجود عليه في إحداهما دون الثانية.

والظاهر انه لا يشترط في المأكول كونه بحيث ينتفع به بالفعل بل تكفي القوة القريبة فلو توقف الأكل على طحن أو طبخ أو نحوهما واللبس على غزل ونسج وخياطة لم يخرجه ذلك عن صدق المأكول والملبوس عليه قبل تلك الحال ، ونقل عن العلامة في التذكرة والمنتهى انه جوز السجود على الحنطة والشعير قبل الطحن ، وعلله في المنتهى بكونهما غير مأكولين عادة ، وعلله في التذكرة بأن القشر حائل بين المأكول والجبهة. ورد الأول بأن الافتقار الى العلاج لا يخرجهما عن كونهما مأكولين عادة. والثاني بأن العادة في الصدر الأول جرت بأكلهما غير منخولين كما لا يخفى على من راجع الاخبار ، ونقل ان أول من نخل الدقيق معاوية. مع ان النخل لا يأتي على جميع الاجزاء القشرية

__________________

(١) الوسائل الباب ٤ من الأذان والإقامة.

٢٥٧

لان الاجزاء الصغيرة تنزل مع الدقيق فتؤكل ، وكونها تابعة للدقيق في الأكل لا يمنع من كونها مأكولة لصدق الأكل في الجملة. ونقل عن العلامة في النهاية انه جوز السجود على القطن والكتان قبل غزلهما وقوى جواز السجود على الكتان قبل غزله ونسجه وتوقف فيه بعد غزله. والمشهور بين الأصحاب المنع في الكل إلا انه نقل في كتاب البحار (١) عن كتاب تحف العقول قال «قال الصادق (عليه‌السلام) : وكل شي‌ء يكون غذاء الإنسان في مطعمه أو مشربه أو ملبسه فلا تجوز الصلاة عليه ولا السجود إلا ما كان من نبات الأرض من غير ثمر قبل ان يصير مغزولا فإذا صار غزلا فلا تجوز الصلاة عليه إلا في حال الضرورة». وهو ظاهر في ما ذكره في النهاية ، وربما استفيد منه بطريق الفحوى الدلالة على جواز السجود على ما كان كذلك مما يتوقف الانتفاع به على علاج بان يكون ذكر الغزل من قبيل التمثيل.

(السابع) ـ لو وضع الإنسان تربة أو شيئا مما يصح السجود عليه تحت كور عمامته وسجد عليه ، أو لو كانت قلنسوته من النبات الغير المأكول ولا الملبوس عادة وسجد عليها فلا إشكال في صحة السجود كذلك ، ونقل عن الشيخ المنع من السجود على ما هو حامل له ككور العمامة وطرف الرداء ، قال في الذكرى : فان قصد لكونه من جنس ما لا يسجد عليه فمرحبا بالوفاق وان جعل المانع نفس الحمل كمذهب بعض العامة (٢) طولب بدليل المنع ، مع انه قد روى أبو بصير عن ابي جعفر (عليه‌السلام) ثم أورد الرواية وقد تقدمت في المقام الثالث (٣) وأورد رواية أحمد بن عمر (٤) الدالتين على السجود على المحمول ، ثم قال وان احتج برواية الأصحاب عن عبد الرحمن بن ابي عبد الله عن الصادق (عليه‌السلام) (٥) في السجود على العمامة «لا يجزئه ذلك حتى تصل جبهته إلى الأرض». قلنا لا دلالة فيه على كون المانع الحمل بل جاز لفقد كونه مما يسجد عليه. انتهى. وهو جيد

__________________

(١) ج ١٨ الصلاة ص ٣٦٦.

(٢) الفقه على المذاهب الأربعة قسم العبادات ص ١٦٢.

(٣) ص ٢٥٢.

(٤) ص ٢٥٢.

(٥) الوسائل الباب ١٤ من ما يسجد عليه.

٢٥٨

(الثامن) ـ لا خلاف ولا إشكال في ان السجود على الأرض أفضل مما أنبتت لأنه أبلغ في التذلل والخضوع المطلوب في هذا المقام.

ويعضد ذلك جملة من الأخبار : منها ـ ما رواه الشيخ عن إسحاق بن الفضل (١) «انه سأل أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن السجود على الحصر والبواري فقال لا بأس وان تسجد على الأرض أحب الي فان رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) كان يحب ذلك ان يمكن جبهته من الأرض فأنا أحب لك ما كان رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) يحبه».

وروى الصدوق في الصحيح عن هشام بن الحكم عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٢) في حديث قال : «السجود على الأرض أفضل لأنه أبلغ في التواضع والخضوع لله عزوجل». قال وقال الصادق (عليه‌السلام) (٣) «السجود على الأرض فريضة وعلى غير الأرض سنة».

أقول : قيل في معناه وجوه : (الأول) ما ذكره الأكثر من ان السجود على الأرض ثوابه ثواب الفريضة وعلى ما أنبتته ثوابه ثواب السنة.

(الثاني) ـ ان المستفاد من أمر الله تعالى بالسجود انما هو وضع الجبهة على الأرض إذ هو غاية الخضوع والعبودية واما جواز وضعها على غير الأرض فإنما استفيد من فعل النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) وقوله رخصة ورحمة.

(الثالث) ـ ان يكون المراد بالأرض أعم منها ومما أنبتته والمراد بغير الأرض تعيين شي‌ء خاص للسجود كالخمرة واللوح أو الخريطة من طين قبر الحسين (عليه‌السلام). ولا يخلو من بعد إلا انه يؤيده ما رواه الكليني مرسلا (٤) انه قال : «السجود على الأرض فريضة وعلى الخمرة سنة». لكن يمكن إرجاع هذا الخبر الى الوجه الثاني بأن يحمل ذكر الخمرة على التمثيل لما كان غير ارض ، وحاصل المعنى ان السجود على الأرض فريضة

__________________

(١ و ٢ و ٣) الوسائل الباب ١٧ من ما يسجد عليه.

(٤) الوسائل الباب ١١ من ما يسجد عليه.

٢٥٩

وغيرها مما أمر به النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) ووردت به السنة المطهرة من الخمرة ونحوها سنة ، وحينئذ فيبقى هذا الوجه على ما هو عليه من الضعف كما ذكرنا.

وأفضل افراد الأرض في السجود التربة الحسينية على مشرفها أفضل الصلاة والسلام والتحية ، فروى الصدوق (١) قال : «قال الصادق (عليه‌السلام) السجود على طين قبر الحسين (عليه‌السلام) ينور إلى الأرضين السبعة ، ومن كانت معه سبحة من طين قبر الحسين (عليه‌السلام) كتب مسبحا وان لم يسبح بها».

وروى الطبرسي في كتاب الاحتجاج عن محمد بن عبد الله بن جعفر الحميري عن صاحب الزمان عجل الله تعالى فرجه (٢) «انه كتب إليه يسأله عن السجدة على لوح من طين القبر هل فيه فضل؟ فأجاب (عليه‌السلام) يجوز ذلك وفيه الفضل».

وروى الشيخ في كتاب المصباح عن معاوية بن عمار (٣) قال : «كان لأبي عبد الله (عليه‌السلام) خريطة ديباج صفراء فيها تربة ابي عبد الله (عليه‌السلام) فكان إذا حضرته الصلاة صبه على سجادته وسجد عليه ، ثم قال ان السجود على تربة ابي عبد الله (عليه‌السلام) يخرق الحجب السبع».

وروى الحسن بن محمد الديلمي في كتاب الإرشاد (٤) قال : «كان الصادق (عليه‌السلام) لا يسجد إلا على تربة الحسين (عليه‌السلام) تذللا لله واستكانة إليه».

فوائد : (الأولى) الحق سلار بالتربة الحسينية في استحباب السجود عليها اللوح المتخذ من خشب قبورهم (عليهم‌السلام) سواء في ذلك قبر الحسين وغيره من الأئمة (عليهم‌السلام) ولم نقف على مأخذه وبذلك اعترف شيخنا الشهيد الثاني في شرح النفلية بعد نقل المصنف ذلك عنه.

(الثانية) ـ قال شيخنا المشار إليه في الشرح المذكور : ولا فرق في التربة الشريفة بين ما شوى منها بالنار وغيره في أصل الأفضلية لشمول التربة الواردة في الخبر

__________________

(١ و ٢ و ٣ و ٤) الوسائل الباب ١٦ من ما يسجد عليه.

٢٦٠