الحدائق الناضرة - ج ٧

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]

الحدائق الناضرة - ج ٧

المؤلف:

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]


المحقق: محمّد تقي الإيرواني
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٥٦

قال في المدارك : ولفظ «لا ينبغي» ظاهر في الكراهة ، والظاهر ان الستر بالسين المهملة والتاء المثناة من فوق ، وقال الشيخ في التهذيب ان المعنى ان الرجل إذا كان متقدما على المرأة بشبر أجزأه وهو بعيد. انتهى. أقول : ظاهره ان مبنى استدلاله بالخبر المذكور على ما ذكره من ان لفظ «لا ينبغي» ظاهر في الكراهة. وفيه منع فإنه ان أراد ظهوره في عرف الناس فهو مسلم ولكن لا يجدي نفعا وان أراد في عرفهم (عليهم‌السلام) فهو ممنوع لما أوضحناه في غير مقام مما تقدم في مباحث الكتاب من ان الحق ان هذا اللفظ من الألفاظ المشتركة في عرفهم (عليهم‌السلام) فلا يحمل على أحد معنييه إلا مع القرينة والقرينة هنا ظاهرة في التحريم لان قوله (عليه‌السلام) «فان كان بينهما ستر أجزأه» يدل بمفهوم الشرط الذي هو حجة عنده وعند المحققين على عدم الاجزاء مع عدمه وحينئذ فتكون الرواية من أدلة الشيخين ومن تبعهما في القول بالتحريم. ومثل هذه الرواية ما رواه ابن إدريس في مستطرفات السرائر من نوادر البزنطي عن محمد الحلبي (١) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن الرجل يصلي في زاوية الحجرة وامرأته أو ابنته تصلي بحذائه في الزاوية الأخرى؟ قال لا ينبغي ذلك إلا ان يكون بينهما ستر فان كان بينهما ستر أجزأه». وهي أظهر في ما قلناه هذا كله على تقدير ما نقله من الرواية بلفظ الستر واما على ما في رواية الشيخ (قدس‌سره) في التهذيب من لفظ الشبر بالشين المعجمة والباء الموحدة فالوجه فيه ما ذكره الشيخ من تقدم الرجل بهذا المقدار واستبعاده له بعيد كما أشار إليه شيخنا البهائي في كتاب الحبل المتين.

ومنها ـ صحيحة حريز أو حسنته عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٢) «في المرأة تصلي إلى جنب الرجل قريبا منه؟ فقال إذا كان بينهما موضع رجل فلا بأس». والتقريب فيها ما تقدم في أمثالها من تقدم الرجل بذلك المقادير المذكورة إلا انه قدره هنا بموضع الرجل وهو ما يجعل على البعير كالسرج للفرس وهو يقرب من الذراع.

__________________

(١) الوسائل الباب ٨ من مكان المصلي.

(٢) الوسائل الباب ٥ من مكان المصلى.

١٨١

ومنها ـ رواية أبي بصير عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (١) «في الرجل والمرأة يصليان في وقت واحد المرأة عن يمين الرجل بحذائه؟ فقال لا إلا ان يكون بينهما شبر أو ذراع». والتقريب فيها ظاهر حيث نهى عن المحاذاة إلا مع تقدم الرجل بالشبر أو الذراع

وما رواه محمد بن مسلم في الصحيح (٢) قال : «سألته عن المرأة تزامل الرجل في المحمل يصليان جميعا؟ فقال لا ولكن يصلي الرجل فإذا فرغ صلت المرأة». وهي ظاهرة في التحريم كما اخترناه.

وصحيحة إدريس بن عبد الله القمي (٣) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن الرجل يصلي وبحياله امرأة نائمة على فراشها جنبا؟ فقال ان كانت قاعدة فلا تضره وان كانت تصلي فلا». وهي كسابقتها ظاهرة في التحريم.

ورواية عبد الرحمن بن ابي عبد الله البصري (٤) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن الرجل يصلي والمرأة بحذائه يمنة أو يسرة؟ قال لا بأس به إذا كانت لا تصلى». وهي ظاهرة في المدعى ايضا.

وموثقة ابن بكير عن من رواه عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٥) «في الرجل يصلي والمرأة تصلي بحذائه أو الى جانبه؟ فقال إذا كان سجودها مع ركوعه فلا بأس». وهي كالأخبار المتقدمة في الجواز بشرط تقدمه عليها بهذا المقدار الذي يقرب من شبر أو ذراع.

ورواية أبي بصير عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٦) قال : «سألته عن الرجل والمرأة يصليان جميعا في المحمل؟ قال لا ولكن يصلي الرجل وتصلي المرأة بعده». وهي صريحة في المطلوب كصحيحة محمد بن مسلم المتقدمة المتضمنة للصلاة في المحمل أيضا.

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ٥ من مكان المصلي.

(٣ و ٤) الوسائل الباب ٤ من مكان المصلي.

(٥) الوسائل الباب ٦ من مكان المصلي.

(٦) الوسائل الباب ١٠ من مكان المصلى.

١٨٢

وموثقة عمار الساباطي عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (١) «انه سئل عن الرجل يستقيم له ان يصلي وبين يديه امرأة تصلي؟ قال لا يصلي حتى يجعل بينه وبينها أكثر من عشرة أذرع ، وان كانت عن يمينه أو عن يساره جعل بينه وبينها مثل ذلك وان كانت تصلي خلفه فلا بأس وان كانت تصيب ثوبه. الحديث».

وروى في كتاب قرب الاسناد عن عبد الله بن الحسن عن جده علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر (عليه‌السلام) (٢) قال : «سألته عن الرجل يصلي الضحى وامامه امرأة تصلي بينهما عشرة أذرع؟ قال لا بأس ليمض في صلاته».

أقول : ان المستفاد من هذه الاخبار بعد ضم مجملها الى مفسرها ومطلقها الى مقيدها ان الواجب في صلاة الرجل مع المرأة في مكان دفعة ان المرأة ان كانت متقدمة فلا بد من حاجز أو قدر عشرة أذرع فصاعدا ، وهكذا إذا كانت الى أحد جانبيه محاذية له في الموقف فلا بد من أحد الأمرين ، واما مع تأخرها ولو بشي‌ء من المقادير المذكورة في تلك الاخبار فإنه لا بأس وصلاة كل منهما صحيحة ولا يشترط هنا أزيد من ذلك.

وبذلك يظهر ما في كلامه في المدارك وكذا من تبعه حيث قال بعد نقل الأخبار التي أشرنا إلى انه استدل بها. ما صورته : وجه الدلالة من هذه الأخبار اشتراكها في عدم اعتبار الحائل أو التباعد بالعشرة وإذا انتفى ذلك ثبت الجواز مطلقا إذ لا قائل بالفصل ، وعلى هذا فيجب حمل الأخبار المقيدة على الاستحباب صونا للاخبار من التنافي ، ولا ينافي ذلك اختلاف القيود لان مراتب الفضيلة مختلفة ، وبالجملة فهذا الاختلاف قرينة الاستحباب. انتهى.

أقول : قد عرفت انه لا اختلاف هنا بين الأخبار المذكورة بل كلها متفقة الدلالة عدا رواية جميل المتقدمة أول الروايات على ما ذكرناه. قوله ـ وجه الدلالة من هذه الاخبار اشتراكها في عدم اعتبار الحائل أو التباعد ـ مردود بأن الحائل والتباعد المذكورين انما يعتبران في تقدم المرأة على الرجل أو محاذاتها لأحد جانبيه بحيث تساويه في الموقف

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ٧ من مكان المصلي.

١٨٣

لا في صورة تأخرها وان كان قليلا. ومنشأ الشبهة عنده ان أكثر الروايات الدالة على الشبر أو الذراع أو ما لا يتخطى ونحو ذلك من التقديرات المذكورة قد حملها على مساواة الرجل للمرأة في الموقف ولكن تتباعد عنه بهذه المقادير كما يشير اليه قوله : «ولا ينافي ذلك اختلاف القيود» يعني اختلاف التباعد بكونه بعشرة أذرع في بعض وقدر عظم الذراع في بعض وما لا يتخطى في ثالث وهكذا. وهو غلط محض فان هذه الروايات لإجمالها وان أوهمت ذلك لكن هنا أخبار أخر قد صرحت بما ذكرناه من ان المراد بهذه المقادير في تقدم الرجل على المرأة لا مع المحاذاة مثل موثقة ابن بكير الدالة على نفي البأس إذا كان سجودها مع موضع ركوعه ، وصحيحة زرارة الدالة على انه لا يجوز ان تصلي بحياله إلا ان يكون الرجل قدامها بصدره وهو مما يقرب من الشبر. وبذلك يظهر لك وجه حمل إجمال تلك الأخبار على هذين الخبرين وبه يحصل انتظام هذه الاخبار مع اخبار المنع الصريحة في التحريم كما قدمناها ، على ان ما ذكرناه ان لم يكن متعينا فلا أقل من ان يكون محتملا وبه يسقط استدلاله بهذه الأخبار وحينئذ فلا تصلح لمعارضة ما قدمناه من الأخبار الصريحة والظاهرة في التحريم حتى انه يرتكب الجمع بحمل ما ذكره من رواية عمار ونحوها على الكراهة زعما منه انحصار دليل التحريم في رواية عمار ونحوها مما ذكره ، واما على ما ذكرناه من القول بالتحريم وحمل إجمال تلك الروايات التي توهم فيها ما ذكرناه على الروايات المفصلة فإن الروايات تكون متفقة على تحريم تقدم المرأة ومساواتها للرجل إلا مع الحائل أو البعد بعشرة أذرع واما مع التأخر ولو بشي‌ء من تلك المقادير فلا إشكال في صحة صلاتهما.

ثم انه قال في المدارك بعد ما نقلناه عنه من الروايات وما ذيلها به مما أوضحنا بطلانه : احتج المانعون بموثقة عمار الساباطي عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) «انه سئل عن الرجل.». ثم ذكرها كما قدمناه ثم قال وصحيحة محمد عن أحدهما (عليهما‌السلام) قال : «سألته عن المرأة تزامل الرجل في المحمل. الخبر». وقد قدمناه ، ثم قال وصحيحة علي

١٨٤

ابن جعفر عن أخيه موسى (عليه‌السلام) (١) قال : «سألته عن امام كان في الظهر فقامت امرأة بحياله تصلي معه وهي تحسب انها العصر هل يفسد ذلك على القوم؟ وما حال المرأة في صلاتها معهم وقد كانت صلت الظهر؟ فقال لا يفسد ذلك على القوم وتعيد المرأة». والجواب بحمل النهي في الروايتين الأوليين على الكراهة وحمل الأمر بالإعادة في الرواية الأخيرة على الاستحباب صونا للاخبار عن التنافي ، مع ان الأمر بالإعادة لا يتعين كونه بسبب المحاذاة لاحتمال ان يكون بسبب اقتدائها في صلاة العصر بمن يصلي الظهر مع اعتقادها انها العصر فلا تدل على أحد الأمرين نصا. انتهى.

وفيه (أولا) ان دليل التحريم غير منحصر في ما ذكره لما عرفت من الاخبار التي قدمناها وبينا دلالتها على ذلك.

و (ثانيا) ما عرفته في غير موضع مما تقدم من انه لا دليل على هذا الجمع بين الاخبار من الحمل على الكراهة والاستحباب وان اتخذوه طريقا مهيعا في جميع الأبواب ، وكيف يحصل صون الاخبار عن التنافي مع تصريحهم في الأصول بأن الأصل في الأمر الوجوب وفي النهي التحريم وبموجب ذلك يلزم العقاب والعذاب على ترك ما أمر به وارتكاب ما نهى عنه ، مع ان الاستحباب مما يؤذن بجواز الترك والكراهة مما يؤذن بجواز الفعل ، فكيف مع هذا يحصل صون الاخبار عن التنافي ويخرج المكلف عن العهدة بما قالوه.

و (ثالثا) ما عرفت من انه لا معارض لهذه الأخبار الدالة على التحريم إلا ما توهمه من تلك الأخبار الواردة في المحاذاة المتضمنة للفصل بتلك المقادير المتقدمة ، والحال انك قد عرفت الوجه فيها وانها تنطبق مع هذه الاخبار على أحسن وجوه الانطباق وتتفق معها بأظهر وجوه الاتفاق. نعم تبقى رواية جميل المتقدمة وقد عرفت الجواب عنها.

و (رابعا) ان من العجيب قوله في الجواب عن صحيحة علي بن جعفر : «ان الأمر بالإعادة لا يتعين كونه بسبب المحاذاة. إلخ» وان تبعه فيه من تبعه فإن اسناد الابطال

__________________

(١) الوسائل الباب ٩ من مكان المصلي.

١٨٥

الى ما ذكره وقيامه احتمالا في معنى الرواية المذكورة يتوقف على وجود دليل على ذلك من خارج مع انه لا دليل ولا قائل بذلك والاستناد الى هذه الرواية في ذلك مصادرة في البين.

وبالجملة فإن التحقيق عندي في المسألة هو ما كشفت عنه نقاب الإبهام وأوضحته لجميع الافهام. والله العالم.

بقي في المقام فوائد يحسن التنبيه عليها (الاولى) قد صرح جمع من الأصحاب : منهم ـ العلامة والشهيدان والسيد السند في المدارك بأنه يشترط في تعلق الحكم بكل منهما كراهة وتحريما صحة صلاة الأخر لو لا المحاذاة بأن تكون جامعة لجميع الشرائط المعتبرة في الصحة سوى المحاذاة ، فلا يتعلق الحكم بالفاسدة بل تصح الأخرى من غير كراهة إذ الفاسدة في حكم العدم. واحتمل شيخنا الشهيد الثاني عدم الاشتراط لصدق الصلاة على الفاسدة ونفى عنه البعد في الذخيرة. أقول : كأنه لصحة قولهم انها صلاة فاسدة فإطلاق الصلاة أعم من الصحيحة والفاسدة.

ثم انهم ذكروا انه على الأول فالمعتبر في رفع المنع العلم بالفساد قبل الشروع ولو علم بعد الفراغ لم يؤثر في الصحة لأن الصلاة صارت باطلة بالمحاذاة على القول بالتحريم أو متصفة بالكراهة على القول الآخر ، وظهور الفساد بعد الفراغ لا يؤثر في صحتها أو زوال الكراهة عنها بعد ما ثبت اتصافها به.

أقول : الظاهر ان ما ذكروه من الحكم ـ بأنه متى ظهر الفساد بعد الفراغ فإنه لا يؤثر في صحة الصلاة من حيث بطلانها ظاهرا بالمحاذاة ـ مبني على مسألة أخرى وهو ان الصلاة إذا كانت صحيحة بحسب الواقع ونفس الأمر وان كانت بالنظر الى الظاهر باطلة فهل يحكم بصحتها باعتبار ما كانت عليه في الواقع أو يحكم بالبطلان بالنظر الى الظاهر؟ المشهور الثاني وعليه يتجه ما ذكره الأصحاب هنا من بطلان صلاة المحاذي لمن كانت صلاته صحيحة بحسب الظاهر لو لا المحاذاة وان كانت باطلة في نفس الأمر بغيرها إلا انه

١٨٦

انما علم بعد الفراغ فإنه يصدق على الصلاة المذكورة انها صحيحة في الواقع لبطلان تلك الصلاة الأخرى في الواقع وباطلة في الظاهر من حيث المحاذاة في تلك الصلاة الصحيحة ظاهرا ، اما على ما ذهب اليه جمع من الأصحاب من القول الأول في تلك المسألة ـ ومنهم ـ السيد السند في كتابه حيث قال في مسألة الصلاة قبل الوقت جاهلا أو ناسيا : ولو صادف الوقت صلاة الناسي أو الجاهل بدخول الوقت ففي الإجزاء نظر من حيث عدم الدخول الشرعي ومن مطابقة العبادة ما في نفس الأمر وصدق الامتثال. والأصح الثاني وبه قطع شيخنا المحقق سلمه الله تعالى. الى آخر كلامه ـ فالوجه هو الصحة إذ لا ريب ان ما نحن فيه كذلك لان المفروض ان تلك الصلاة فاسدة واقعا فهي في حكم العدم وان لم يعلم المحاذي لها إلا بعد الفراغ ، والمحاذاة الموجبة لبطلان الصلاة انما هي محاذاة الصلاة الصحيحة وهذه الصلاة قد ظهر بطلانها فلا تؤثر المحاذاة لها في بطلان صلاة المحاذي بعد ظهور ذلك ، فصلاة المحاذي خالية من المبطل بحسب الواقع وقت صلاته فتدخل تحت تلك المسألة ، فكيف اختار هنا ما ذهب إليه الأصحاب (رضوان الله عليهم) والحال ان المسألتين من باب واحد.

والظاهر الرجوع في الفساد الى اخبار المصلي عن نفسه بفساد صلاته إلا ان يعلم ذلك بوجه آخر. واما ما ذكره في الذخيرة ـ حيث قال : «وهل يقبل قوله في الفساد؟ وجهان» مما يؤذن بتوقفه في ذلك ـ فالظاهر ضعفه وكيف لا يقبل قوله مع عموم «إقرار العقلاء على أنفسهم جائز» (١). ونحوه من الأدلة العامة.

(الثانية) ـ إطلاق كلام الأصحاب يقتضي عدم الفرق بين اقتران الصلاتين أو سبق إحداهما في بطلان كل منهما ، ونقل عن جمع من المتأخرين تخصيص البطلان بالمقارنة والمتأخرة دون السابقة ، وإطلاق الروايات المتقدمة ظاهر في الدلالة على القول

__________________

(١) قال في الوسائل في الباب ٣ من كتاب الإقرار : روى جماعة من علمائنا في كتب الاستدلال عن النبي «ص» انه قال : «إقرار العقلاء على أنفسهم جائز» ..

١٨٧

الأول ، وظاهر صحيحة علي بن جعفر المشتملة على قيام المرأة بحيال امام كان في صلاة الظهر يدل على الثاني فيمكن ان يقيد بها إطلاق تلك الاخبار ، ويؤيده ان المتبادر من جملة من عبارات تلك الأخبار ان المراد من قوله : «يصلي والمرأة بحياله» يعني يريد الصلاة ، وحاصل السؤال حينئذ انه هل يجوز له الدخول في الصلاة والحال هذه؟ ويؤكده ايضا انه لم يعهد في القواعد الشرعية بعد افتتاح الصلاة على الصحة تأثير فعل الغير بغير اختيار المكلف في إبطالها ، وبذلك يظهر قوة القول الثاني وهو الذي اختاره في المدارك فقال : وينبغي القطع بصحة الصلاة المتقدمة لسبق انعقادها وفساد المتأخرة خاصة ومع الاقتران تبطل الصلاتان لعدم الأولوية. انتهى. وظاهره الاستناد إلى أصالة الصحة حتى يقوم دليل الابطال وهو قوى بناء على ما ذكرناه. وكيف كان فالمسألة لا تخلو من شوب الاشكال فالاحتياط كما هو القول المشهور اولى. واما ما ذهب اليه بعضهم من عدم دلالة صحيحة علي بن جعفر على ما ذكرنا بناء على جواز استناد بطلان صلاتها الى ما قدمنا نقله عن صاحب المدارك ـ من ان العلة في فساد صلاتها الاقتداء في صلاة العصر بمن يصلي الظهر مع اعتقادها انها العصر ـ فقد عرفت انه خيال فاسد أوجبه التعصب في متابعة القول المشهور في تلك المسألة.

(الثالثة) ـ قد صرحوا أيضا بأنهما لو صليا ولم يعلم أحدهما بالاخر إلا بعد الفراغ صحت الصلاتان جميعا واما في الأثناء فان كلا منهما يستمر لسبق الانعقاد ، وممن صرح بذلك واختاره السيد السند في المدارك ، وقال في الذخيرة : ويحتمل قويا وجوب الإبطال في سعة الوقت ان لم يمكن ازالة المانع بدون المبطل. انتهى. أقول : لا يخفى ما في هذا الاحتمال من القوة وهو الأنسب عندي بالقواعد الشرعية والضوابط المرعية ، فإن ما اعتمدوا عليه في تعليل الاستمرار من سبق الانعقاد لا يخلو من النظر ، ولا ريب ان هذه المسألة وان لم يقم عليها نص بالخصوص إلا ان النصوص في نظائرها من عروض البطلان في أثناء الصلاة كثيرة ولم يتضمن شي‌ء منها وجوب المضي على ذلك المبطل بل

١٨٨

فيها ما يدل على انه ان أمكن إزالته بما لا يبطل الصلاة وإلا قطع الصلاة كاخبار الرعاف في أثناء الصلاة (١) ووجود النجاسة في الثوب في الأثناء (٢) ونحو ذلك ، وبه يظهر قوة الاحتمال المذكور بل لا يبعد تعينه سيما مع موافقته للاحتياط. والمسألة حيث كانت عارية عن النصوص فالاحتياط فيها لازم والاعتماد على هذه التخريجات التي يذكرونها لا يخلو من مجازفة في أحكامه تعالى.

(الرابعة) ـ صرح شيخنا الشهيد الثاني بأنه يعتبر في الحائل ان يكون مانعا من الرؤية وهو ظاهر كلام سبطه السيد السند في المدارك ايضا حيث قال : ويعتبر فيه كونه جسما كالحائط والستر وكلام سائر الأصحاب (رضوان الله عليهم) مطلق في ذلك وقد روى الثقة الجليل علي بن جعفر (رضي‌الله‌عنه) في كتاب المسائل عن أخيه موسى (عليه‌السلام) (٣) قال : «سألته عن الرجل هل يصلح ان يصلي في مسجد وحيطانه كوى كله قبلته وجانباه وامرأة تصلي حياله يراها ولا تراه؟ قال لا بأس». ورواها الشيخ في التهذيب في الصحيح عن علي بن جعفر (عليه‌السلام) مثله (٤). وروى في كتاب قرب الاسناد عن عبد الله بن الحسن عن علي بن جعفر عن أخيه موسى (عليه‌السلام) (٥) قال : «سألته عن الرجل هل يصلح له ان يصلي في مسجد قصير الحائط وامرأة قائمة تصلي بحياله وهو يراها وتراه؟ قال ان كان بينهما حائط قصير أو طويل فلا بأس». وهما ـ كما ترى ـ صريحتا الدلالة في خلاف القول المذكور.

(الخامسة) ـ نقل عن العلامة في النهاية انه قال : ليس المقتضى للتحريم أو الكراهة النظر ، لجواز الصلاة وان كانت قدامه عارية ، ولمنع الأعمى ومن غمض عينيه وقريب منه في التذكرة. وقال الشهيد في البيان : وفي تنزيل الظلام أو فقد البصر منزلة الحائل نظر أقربه المنع ، واولى بالمنع منع الصحيح نفسه عن الأبصار. واستوجه

__________________

(١) الوسائل الباب ٢ من قواطع الصلاة.

(٢) الوسائل الباب ٤٤ من النجاسات.

(٣ و ٤ و ٥) الوسائل الباب ٨ من مكان المصلي.

١٨٩

العلامة في التحرير الصحة في الأعمى واستشكل في من غمض عينيه. وقال شيخنا الشهيد الثاني في الروض : والمراد بالحائل الحاجز بينهما بحيث يمنع الرؤية من جدار وستر وغيرهما. والظاهر ان الظلمة وفقد البصر كافيان فيه وهو اختيار المصنف في التحرير لا تغميض الصحيح عينيه مع احتماله. انتهى. والظاهر هو ما استظهره جملة من أفاضل متأخري المتأخرين من عدم اجزاء شي‌ء من ذلك ، لان الوارد في النصوص اما بلفظ الحاجز كما في صحيحة محمد بن مسلم «إذا كان بينهما حاجز» أو بلفظ «ستر» كما في قوله في صحيحته الثانية «أو كان بينهما ستر أجزأه» أو الحائط كما في روايتي علي بن جعفر المتقدمتين ، وشي‌ء من هذه الألفاظ لا يصدق على ما ذكروه فيكون ما ذكروه خاليا من الدليل.

(السادسة) ـ قد صرح جملة من الأصحاب (رضوان الله عليهم) بأنه لو اجتمعا في مكان واحد واتسع الوقت صلى الرجل أولا ، والظاهر ان الحكم على سبيل الأولوية والاستحباب وربما نقل عن الشيخ (قدس‌سره) القول بالوجوب إلا ان العلامة قال في المنتهى بعد ذكر الرواية : فلو خالف وصلت المرأة أولا صحت صلاتهما إجماعا. انتهى. ويدل عليه ما تقدم في صحيحة محمد بن مسلم في المرأة التي تزامل الرجل في المحمل حيث حكم فيها بصلاة الرجل أولا ونحوها رواية أبي بصير المتقدمة أيضا وان كان العطف فيها بالواو المفيدة لمطلق الجمع إلا ان سياق الخبر يدل على انها بمعنى «ثم» وهو كثير الاستعمال في الاخبار كما لا يخفى على من جاس خلال تلك الديار. ولا ينافي ذلك ما تقدم في صحيحة عبد الله بن ابي يعفور من قوله «إلا ان تتقدم هي أو أنت» فإنه محمول على الجواز. هذا في غير المكان الذي تختص به المرأة أو تشارك فيه عينا أو منفعة ومعه فلا أولوية لتسلطها على ملكها إلا ان الأفضل لها تقديم الرجل لفحوى الخبرين المذكورين. ولو ضاق الوقت سقط الوجوب والاستحباب كما صرح به جملة من الأصحاب (رضوان الله عليهم) وفيه إشكال تأتي الإشارة إليه.

١٩٠

(السابعة) ـ قال شيخنا في الروض : مبدأ التقدير في العشرة أذرع من موقف المصلي إلى موقفها وهو واضح مع المحاذاة اما مع تقدمها فالظاهر انه كذلك ، لانه المفهوم من التباعد عرفا وشرعا كما نبهوا عليه في تقدم الامام على المأموم. ويحتمل اعتباره من موضع السجود لعدم صدق التباعد بين بدنيهما حالة السجود بذلك القدر ، وليس في كلامهم تصريح في ذلك بشي‌ء ، انتهى. أقول : ويؤيد الأول أيضا اعتبار ما لا يتخطى بين الامام والمأموم والمأمومين بعضهم مع بعض فإن مبدأ ذلك من الموقف الى الموقف.

(الثامنة) ـ قال الشيخ في المبسوط : فان صلت خلفه في صف بطلت صلاة من على يمينها وشمالها ومن يحاذيها من خلفها ولا تبطل صلاة غيرهم ، وان صلت بجنب الامام بطلت صلاتها وصلاة الامام ولا تبطل صلاة غيرهم. انتهى. ولا يخفى ما فيه من الاشكال ، والأظهر هو ما فصله في الروض حيث قال : لو صلت المرأة معه جماعة محاذية له فعلى القول بالتحريم تبطل صلاتها وصلاة الامام ومن على يمينها ويسارها ومن تأخر عنها مع علمهم بالحال ومع عدم العلم تبطل صلاتها لا غير ، ولو علم الإمام خاصة بطلت صلاتهما معا دون المأمومين ، وأطلق الشيخ (قدس‌سره) صحة صلاة المأمومين. وهذا كله انما يتم مع القول بأن الصلاة الطارئة تؤثر في السابقة أو على جواز تكبير المأموم مع تكبير الامام وإلا صحت صلاة الإمام لتقدمها ويبقى الكلام في المأمومين. انتهى. وهو جيد.

(التاسعة) ـ قد أطلق جمع من الأصحاب (رضوان الله عليهم) ان هذا الحكم انما هو في حال الاختيار فلو ضاق الوقت والمكان فلا كراهة ولا تحريم ، قال في الفروض وربما استشكل الحكم مطلقا بناء على ان التحاذي مانع من الصحة مطلقا ، والنصوص مطلقة فالتقييد بحالة الاختيار يحتاج الى دليل. انتهى. ولا يخلو من قوة إلا انه يمكن ان يقال ان شروط الصحة انما تعتبر مع الإمكان كما تقدمت الإشارة إليه في غير مكان.

(العاشرة) ـ روى الصدوق في كتاب العلل في الصحيح عن الفضيل عن

١٩١

ابي جعفر (عليه‌السلام) (١) قال : «انما سميت مكة بكة لأنها يبتك بها الرجال والنساء والمرأة تصلي بين يديك وعن يمينك وعن شمالك ومعك ولا بأس بذلك انما يكره في سائر البلدان». أقول : والظاهر ان معنى «يبتك بها الرجال والنساء» اي يزدحمون ولم أقف في اللغة على معنى لهذا اللفظ والموجود في هذه المادة «يبتك» بمعنى القطع ومنه قوله سبحانه «فَلَيُبَتِّكُنَّ آذانَ الْأَنْعامِ» (٢) اي قطعها ، وهذا المعنى غير مناسب في الخبر والمناسب فيه ما قدمناه (٣) وفي هذا الخبر ما يدل على استثناء مكة شرفها الله تعالى من هذا الحكم ، وربما أشعر ظاهره بتعلق الحكم بالبلد مطلقا إلا انه لا يبعد ارادة المسجد من هذا اللفظ باعتبار كونه مجمعا للرجال والنساء ولا سيما في حال صلاة الطواف ولا يحضرني الآن كلام لأحد من الأصحاب في ذلك.

(الحادية عشرة) ـ قال في الروض : لو كانت أعلى منه أو أسفل بحيث لا يتحقق التقدم والتأخر وأمكنت المشاهدة فهل هو ملحق بالتأخر أم بالتقدم؟ اشتراط العشرة في الرواية بالتقدم والمحاذاة يقتضي عدم اعتبارها هنا ، واشتراط نفي البأس بالصلاة خلفه يقتضي اعتبار العشرة هنا لعدم تحقق الخلفية فمفهوما الشرط متدافعان ، والظاهر انه ملحق بالتأخر لأصالة الصحة وعدم المانع خرج منه حالة التقدم والمحاذاة فيبقى الباقي ، مع ان فرض الرؤية في ذلك بعيد. انتهى. أقول : فرض المسألة المذكورة هو كون المرأة في مكان عال أو أسفل بحيث ان موقفها يكون محاذيا لموقف الرجل في جهة العلو أو السفل ، ومجرد فرض العلو والسفل في العبارة أعم من ذلك فكان الأولى ان يقول بحيث لا يتحقق التقدم والتأخر ولا المحاذاة يمينا أو يسارا فإنها

__________________

(١) الوسائل الباب ٥ من مكان المصلي.

(٢) سورة النساء ، الآية ١١٩.

(٣) لا يخفى ان المصنف ضبط الكلمة في الحديث من مادة «بتك» ففرع عليه ما فرع والوارد في كتب الحديث «يبك» من مادة «بكك» وهي في اللغة بالمعنى المذكور. وقد أورد في مجمع البحرين هذه الفقرة من الحديث في المادة المذكورة. راجع الوسائل الباب ١١ من مكان المصلى.

١٩٢

قد تكون أعلى منه ولكنها في جهة اليمين عنه أو اليسار فتحصل المحاذاة والمساواة في فالموقف وان كانت في محل ارفع.

(الثانية عشرة) ـ قد طعن جملة من الأصحاب القائلين بالجواز في رواية عمار بأنها قد تضمنت أكثر من عشرة أذرع وهو خلاف الإجماع. وفيه ان الظاهر ـ وان كان غريبا غير مأنوس في كلامهم ـ ان المراد من هذه العبارة ونحوها عشرة أذرع فأكثر من قبيل قوله سبحانه «فَإِنْ كُنَّ نِساءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ» (١) اي اثنتين فما فوق ومثله في الأخبار غير عزيز مع ان رواية قرب الاسناد المتقدمة قد تضمنت العشرة.

(الثالثة عشرة) ـ قال في الروض : المراد بالمرأة البالغ لانه المتعارف ولأنها مؤنث المرء ، يقال مرء ومرأة وامرؤ وامرأة ، والمرء هو الرجل كما نص عليه أهل اللغة فلا يتعلق الحكم بالصغيرة وان قلنا ان عبادتها شرعية لعدم المقتضى له. ولا فرق فيها بين كونها مقتدية به أو منفردة للعموم. وكذا القول في الصبي. وفي بعض حواشي الشهيد (قدس‌سره) على القواعد ان الصبي والبالغ يقرب حكمهما من الرجل والمرأة وعنى بالبالغ المرأة لأن الصفة التي على «فاعل» يشترك فيها المذكر والمؤنث وكيف كان فالعمل على المشهور من اختصاص الحكم بالمكلفين لعدم الدليل الدال على الإلحاق. انتهى.

أقول : يمكن ان يكون مستند ما نقله عن الشهيد (قدس‌سره) ما يوجد في كتب اللغة من إطلاق الرجل على غير المكلف البالغ ، قال في القاموس : الرجل بالضم معروف وانما هو لمن شب واحتلم أو هو رجل ساعة يولد. وفي الصحاح هو الذكر من الناس. والاخبار قد اشتملت على لفظ الرجل كما عرفت فمتى صح إطلاقه على غير البالغ لغة صح ما ذكره الشهيد (قدس‌سره) إلا ان المستفاد من إطلاق العرف العام والخاص اعني عرفهم (عليهم‌السلام) انما هو البالغ خاصة ومتى أريد غيره عبر بلفظ الصبي ونحوه. والله العالم.

__________________

(١) سورة النساء ، الآية ١٢.

١٩٣

(المسألة الثالثة) ـ المشهور بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) انه لا بأس ان يصلي الرجل في الموضع النجس إذا كانت النجاسة لا تتعدى الى ثوبه أو بدنه وكان موضع الجبهة طاهرا.

والكلام في مقامين (الأول) انه قد نقل عن ابي الصلاح انه اشترط طهارة مواضع المساجد السبعة ، وعن المرتضى (رضي‌الله‌عنه) انه اعتبر طهارة مكان المصلي ، وربما نقل عنه انه اعتبر طهارة ما يلاصق البدن وان لم يسقط عليه. فاما القول الأول من هذين القولين فلم نقف له على دليل ولم ينقلوا له دليلا وقائله أعرف به. واما الثاني فنقلوا ان قائله احتج بنهيه (صلى‌الله‌عليه‌وآله) عن الصلاة في المجزرة وهي المواضع التي تذبح فيها الانعام والمزبلة والحمامات وهي مواطن النجاسة (١) فتكون الطهارة معتبرة. وأجيب عن ذلك بأنه يجوز ان يكون النهي عن هذه المواضع من جهة الاستقذار والاستخباث الدالة على مهانة نفس من يستقر بها فلا يلزم التعدية إلى غيرها ، وبالجملة فإن النهي عن ذلك نهى تنزيه فلا يلزم التحريم.

أقول : والمعتمد في رد هذين القولين الأخبار الدالة على جواز الصلاة في الأماكن النجسة مع عدم التعدي :

ومنها ـ ما رواه الصدوق في الصحيح عن علي بن جعفر عن أخيه موسى (عليه‌السلام) (٢) «انه سأله عن البيت والدار لا يصيبهما الشمس ويصيبهما البول ويغتسل فيهما من الجنابة أيصلى فيهما إذا جفا؟ قال نعم».

وما رواه الصدوق والشيخ في الصحيح عن زرارة عن ابي جعفر (عليه‌السلام) (٣) قال : «سألته عن الشاذكونة تكون عليها الجنابة أيصلى عليها في المحمل؟ فقال لا بأس».

__________________

(١) تيسير الوصول ج ٢ ص ٢٥٠ عن الترمذي.

(٢ و ٣) الوسائل الباب ٣٠ من النجاسات.

١٩٤

قال في الوافي : الشاذكونة بالفارسية الفراش الذي ينام عليه. انتهى (١).

وما رواه الشيخ عن ابن ابي عمير (٢) قال : «قلت لأبي عبد الله (عليه‌السلام) أصلي على الشاذكونة وقد أصابتها الجنابة؟ قال لا بأس».

وما رواه الشيخ في الصحيح عن علي بن جعفر (٣) قال : «سألته عن البواري يصيبها البول هل يصلح الصلاة عليها إذا جفت من غير ان تغسل؟ قال نعم لا بأس».

وعن علي بن جعفر في الصحيح عن أخيه موسى (عليه‌السلام) (٤) قال : «سألته عن البواري يبل قصبها بماء قذر أيصلى عليها؟ قال إذا يبست فلا بأس».

وما رواه في الفقيه والتهذيب عن عمار في الموثق (٥) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن البارية يبل قصبها بماء قذر هل يجوز الصلاة عليها؟ فقال إذا جفت فلا بأس بالصلاة عليها».

فاما ما رواه الشيخ في الموثق عن ابن بكير (٦) ـ قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن الشاذكونة يصيبها الاحتلام أيصلى عليها؟ فقال لا». وما رواه الحميري في كتاب قرب الاسناد (٧) عن محمد بن الوليد عن ابن بكير قال : سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام). مثله ـ فحمله الأصحاب على الكراهة ، ويحتمل الحمل على تعدى النجاسة وكيف كان فهو لا يبلغ قوة في معارضة ما نقلناه من الاخبار المعتضدة بالأصل.

(الثاني) ـ ظاهر الأصحاب الاتفاق على اشتراط طهارة موضع الجبهة ، وقد نقل الإجماع عليه جماعة : منهم ـ العلامة في المنتهى والمختلف والشهيد في الذكرى وابن

__________________

(١) قال في البحار في ذيل حديث قرب الاسناد الآتي «بيان : الشاذكونة في أكثر النسخ بالذال المعجمة وفي كتب اللغة بالمهملة وقد يقال انه معرب شاديانه ، قال الفيروزآبادي الشادكونة بفتح الدال ثياب غلاظ مضربة تعمل باليمن.

(٢ و ٤ و ٥ و ٦) الوسائل الباب ٣٠ من النجاسات.

(٣) الوسائل الباب ٢٩ من النجاسات.

(٧) ص ٨٠.

١٩٥

زهرة في الغنية ، ولا اعرف لهم دليلا على الحكم المذكور زيادة على الإجماع ، مع ان صاحب الذخيرة اعترضهم في دعوى الإجماع هنا حيث قال في هذا المقام بعد نقل دعوى الإجماع ما لفظه : لكن لا يخفى انه قد مر في كتاب الطهارة ان المحقق نقل عن الراوندي وصاحب الوسيلة أنهما ذهبا الى ان الأرض والبواري والحصر إذا أصابها البول وجففتها الشمس لا تطهر بذلك لكن يجوز السجود عليها. واستجوده المحقق ، وعلى هذا فدعوى الإجماع كلية محل تأمل. انتهى. أقول : الذي في المعتبر في ما حضرني من نسخه في مسألة تطهير الشمس هكذا : «وقيل لا تطهر ويجوز الصلاة عليها وبه قال الراوندي منا وصاحب الوسيلة وهو جيد» والموجود في هذه العبارة انما هو لفظ الصلاة لا السجود نعم لفظ السجود في عبارة الراوندي خاصة على ما نقله في المختلف واما عبارة صاحب الوسيلة فإنما هي بلفظ الصلاة ايضا على ما نقله في الذخيرة أيضا حيث قال في مسألة تطهير الشمس : وذهب صاحب الوسيلة ـ على ما في النسخة الموجودة عندي ـ إلى انها لا تطهر بذلك ولكن يجوز الصلاة عليها إذا لم يلاق شيئا منها بالرطوبة دون السجود عليها. وهي ـ كما ترى ـ ظاهرة في صحة الصلاة مع استثناء موضع السجود كما عليه الأصحاب. والذي يقرب عندي ان المحقق انما عبر بلفظ الصلاة في العبارة المتقدمة مع ان الموجود في عبارة الراوندي لفظ السجود حملا للسجود على الصلاة مجازا ، إلا انه لا يخفى على من راجع عبارة الرواندي المنقولة في المختلف انها لا تقبل ذلك. وكيف كان فالمخالفة لما ادعوه من الإجماع منحصرة في الراوندي

وأنت خبير بأن إطلاق الاخبار المتقدمة ظاهر في شمول موضع السجود والمسألة لذلك محل إشكال لأن الخروج عما ظاهرهم الاتفاق عليه مشكل والخروج عن ظواهر هذه الأخبار أشكل ، والاحتياط لا يخفى.

وكيف كان فههنا فوائد لا بد من التنبيه عليها (الاولى) قد صرح جملة منهم بأنه يجب تقييد النجاسة المتعدية المانعة من الصلاة فيها بغير المعفو عنها إذ لا منع من المعفو

١٩٦

وبذلك صرح شيخنا في الذكرى فقال ولو كان المكان نجسا بما عفى عنه كدون الدرهم دما ويتعدى فالظاهر انه لا يزيد على ما هو على المصلي. ونقل المحقق الشيخ علي في شرح القواعد عن فخر المحققين انه قال : الإجماع منا واقع على اشتراط خلو المكان من نجاسة متعدية وان كانت معفوا عنها في الثوب والبدن. وإطلاق عبارة المنتهى وان وافقت ما ذكره إلا ان دليله يؤذن بخلاف ذلك ، وكذا عبارة التذكرة تشعر بأن الإجماع مختص بالنجاسة التي لم يعف عنها.

والتحقيق عندي انه لا ثمرة مهمة في هذا التقييد بل ولا لذكر ذلك بالكلية ، وذلك فإنه من المعلوم ان المنع من الصلاة في الموضع النجس إذا استلزم ذلك تعدى النجاسة إلى ثوب المصلي أو بدنه انما هو الدليل العام الدال على اشتراط صحة الصلاة بطهارة بدن المصلي وثوبه مما لا يعفى عنه ، قال العلامة في المنتهى : ويشترط في المكان ان يكون خاليا من نجاسة متعدية إلى ثوب المصلي أو بدنه ، ذهب إليه علماؤنا أجمع لأن طهارة الثوب والبدن شرط في الصلاة ومع النجاسة المتعدية يفقد الشرط. انتهى. وحينئذ فإذا صلى الإنسان في موضع فيه نجاسة وتعدت اليه روعي فيها ما يراعى في غيرها من النجاسات الخارجة منه أو الواقعة عليه من كونها معفوا عنها أو غير معفو عنها ولا خصوصية للمكان تقتضي إفراده بالذكر إلا ان يكون الحامل لهم على ذلك خلاف فخر المحققين في المسألة كما قدمنا ذكره. وضعفه أظهر من ان يحتاج الى بيان.

(الثانية) ـ لو كانت الأرض نجسة وفرش عليها فرشا طاهرا فالظاهر انه على مذهب المرتضى لا مانع من الصلاة إذ المكان باعتبار الطهارة والنجاسة غيره باعتبار الإباحة والغصب كما تقدم في تعريف كل منهما.

ويدل على ذلك ما رواه الشيخ في الصحيح عن عبد الله بن سنان (١) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن المسجد يكون في الدار ، الى ان قال : وسألته

__________________

(١) اللفظ المذكور انما هو لحديث ابى الجارود برواية الكافي إلا الذيل ، راجع الوسائل الباب ١٠ و ١١ من أحكام المساجد.

١٩٧

عن المكان يكون خبيثا ثم ينظف ويجعل مسجدا؟ قال يطرح عليه من التراب حتى يواريه فان ذلك يطهره ان شاء الله». ورواه الصدوق في الفقيه في الصحيح عن عبيد الله الحلبي (١) انه سأل أبا عبد الله (عليه‌السلام). الحديث.

وفي رواية محمد بن مصادف عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٢) قال : «لا بأس بأن يجعل على العذرة مسجدا». وعن مسعدة بن صدقة عن جعفر بن محمد (عليهما‌السلام) (٣) قال : «سئل أيصلح مكان حش ان يتخذ مسجدا؟ فقال إذا القى عليه من التراب ما يوارى ذلك ويقطع ريحه فلا بأس ، وذلك لان التراب يطهره وبه مضت السنة».

(الثالثة) ـ لو كان في مسجد الجبهة نجاسة لا تتعدى أو على نفس الجبهة نجاسة معفو عنها في الصلاة فإن استوعبت النجاسة المسجد والجبهة بطلت الصلاة وإلا صحت صلاته إذا حصل السجود على الطاهر منها في الصورتين المذكورتين.

(المسألة الرابعة) ـ قد اتفقت الاخبار وكلمة الأصحاب على المنع من الصلاة في مواضع زيادة على ما قدمناه إلا ان أكثرها كون المنع فيها منع كراهة وبعضها محل خلاف ، وها انا افصل ذلك كلا في موضع على حياله :

فأقول ـ وبالله تعالى الهداية إلى إدراك المأمول ـ روى الصدوق في الفقيه مرسلا وثقة الإسلام في الكافي مسندا عن عبد الله بن الفضل عن من حدثه عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٤) قال : «عشرة مواضع لا يصلى فيها : الطين والماء والحمام والقبور ومسان الطريق وقرى النمل ومعاطن الإبل ومجرى الماء والسبخ والثلج».

قال الصدوق في كتاب الخصال بعد نقل الخبر المذكور مسندا (٥) إلا انه أسقط منه «القبور» وزاد فيه «وادي ضجنان» ما صورته : هذه المواضع لا يصلي فيها الإنسان في حال الاختيار ، فإذا حصل في الماء والطين واضطر إلى الصلاة فيه فإنه يصلي إيماء ويكون

__________________

(١ و ٢ و ٣) الوسائل الباب ١١ من أحكام المساجد.

(٤ و ٥) الوسائل الباب ١٥ من مكان المصلي.

١٩٨

ركوعه اخفض من سجوده. واما الطريق فإنه لا بأس ان يصلى على الظواهر التي بين الجواد فاما على الجواد فلا يصلى. واما الحمام فإنه لا يصلى فيه على كل حال فاما مسلخ الحمام فلا بأس بالصلاة فيه لانه ليس بحمام. واما قرى النمل فلا يصلى فيها لانه لا يتمكن من الصلاة لكثرة ما يدب عليه من النمل فيؤذيه ويشغله عن الصلاة. واما معاطن الإبل فلا يصلى فيها إلا إذا خاف على متاعه الضيعة فلا بأس حينئذ بالصلاة فيها. واما مرابض الغنم فلا بأس بالصلاة فيها. واما مجرى الماء فلا يصلى فيه على كل حال لانه لا يؤمن ان يجري الماء اليه وهو في صلاته. واما السبخة فإنه لا يصلي فيها نبي ولا وصي نبي واما غيرهما فإنه متى دق مكان سجوده حتى تتمكن الجبهة فيه مستوية في سجوده فلا بأس. واما الثلج فمتى اضطر الإنسان إلى الصلاة عليه فإنه يدق موضع جبهته حتى يستوي عليه في السجود. واما وادي ضجنان وجميع الأودية فلا يجوز الصلاة فيها لأنها مأوى الحياة والشياطين. انتهى.

وها انا اذكر المواضع التي اشتمل عليها الخبر المذكور وما ذكره الأصحاب زيادة على ذلك ووردت به الاخبار :

فأقول منها ـ الحمام والمشهور بين الأصحاب كراهة الصلاة فيه ، ونقل عن ابي الصلاح انه منع من الصلاة فيه وتردد في الفساد ، والأظهر الأول لمرسلة عبد الله بن الفضل المتقدمة وما رواه الشيخ في الموثق عن عمار الساباطي (١) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن الصلاة في بيت الحمام؟ قال إذا كان الموضع نظيفا فلا بأس». وما رواه في الفقيه في الصحيح عن علي بن جعفر (٢) «انه سأل أخاه موسى (عليه‌السلام) عن الصلاة في بيت الحمام؟ فقال إذا كان الموضع نظيفا فلا بأس». وهذان الخبران صريحان ـ كما ترى ـ في الجواز ، والأصحاب قد حملوا النهي في الحمام على الكراهة جمعا بينه وبين ما تقدم.

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ٣٤ من مكان المصلي.

١٩٩

وظاهر ذلك عدم الفرق بين المسلخ وغيره والمفهوم من كلامي الصدوق في الفقيه والخصال كما تقدم والشيخ في التهذيب تخصيص روايتي الجواز بالمسلخ حيث قال في الفقيه : لا بأس بالصلاة في مسلخ الحمام وانما يكره في الحمام لأنه مأوى الشياطين. والشيخ بعد ان ذكر موثقة عمار حملها على المسلخ وصرح الشهيدان بنفي الكراهة في المسلخ ايضا. ولم نقف في الاخبار على تعرض لخصوص المسلخ بنفي ولا إثبات وإطلاق لفظ الحمام شامل له إلا ان الصدوق في الخصال بعد ان نفى البأس عن الصلاة فيه ادعى انه ليس بحمام. وفيه منع ظاهر فان كان ما ذكروه وجه جمع بين الأخبار فحمل النهى على الكراهة في غير المسلخ يحتاج الى دليل إذ هو حقيقة في التحريم واما تعليل الصدوق بأنه مأوى الشياطين فغير ظاهر من الاخبار ليصلح وجها للكراهة. ونقل عن العلامة في التذكرة انه احتمل ثبوت الكراهة في المسلخ وبنى الاحتمال على علة النهى فان كانت النجاسة لم تكره وان كانت كشف العورة فيكون مأوى للشياطين كره. ورد بأنه ضعيف لجواز ان لا يكون الحكم معللا أو تكون العلة غير ما ذكره. ولو جعل وجه الجمع بين هذه الأخبار ما صرحت به الروايتان الأولتان من تعليق نفي البأس على النظافة فيحمل ما دل على النهى على عدم النظافة لكان أقرب ، وعلى هذا فيكون النهي محمولا على التحريم لعدم نظافة المكان.

وكيف كان فإنه لا تكره الصلاة في سطح الحمام كما صرح به غير واحد من الأصحاب. والله العالم.

ومنها ـ بيوت الغائط ، عدها الأصحاب في هذا الباب ولم أقف في النصوص عليه بهذا العنوان ، والظاهر ان المراد به بيت الخلاء الذي هو بيت لذلك ، وظاهر الشيخ المفيد في المقنعة التحريم حيث قال : لا تجوز الصلاة في بيوت الغائط. وحمله الأصحاب على الكراهة لعدم ما يوجب التحريم إذ ليس إلا انها مظنة النجاسة وغاية ما يوجب ذلك الكراهة.

والأصحاب قد استدلوا على هذا الحكم بما رواه الشيخ في الصحيح عن محمد

٢٠٠