الحدائق الناضرة - ج ٧

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]

الحدائق الناضرة - ج ٧

المؤلف:

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]


المحقق: محمّد تقي الإيرواني
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٥٦

وسلار والفاضلين. واما ما لا يستر الظهر أو يستره وله ساق وان قل كالخف والجورب ـ وظاهرهم انهما مما له ساق ـ والنعل العربية مما لا يستر ظهر القدم فلا خلاف فيه بينهم وقال في التذكرة انه موضع وفاق بين العلماء.

وغاية ما استدل به في المعتبر على القول بالتحريم فعل النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) وعمل الصحابة والتابعين فإنهم لم يصلوا في هذا النوع. قال في المدارك : وهو استدلال ضعيف (أما أولا) فلأنه شهادة على نفي غير محصور فلا يسمع. ثم لو سلمنا ذلك لم يدل على عدم الجواز لجواز ان يكون تركه لكونه غير معتاد لهم لا لتحريم لبسه و (اما ثانيا) فلان هذا الاستدلال لو تم لاقتضى تحريم الصلاة في كل ما لم يصل فيه النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) وهو معلوم البطلان. انتهى. وهو جيد.

ثم ان ظاهرهم ان مستندهم في الحكم بالكراهة انما هو تفصيا من ارتكاب ما وقع فيه الخلاف ، ولا يخفى ما فيه فان الكراهة حكم شرعي يتوقف على الدليل الواضح. نعم نقل العلامة في المختلف وغيره عن ابن حمزة انه عد النعل السندي والشمشك في ما يكره الصلاة فيه ، قال وروى ان الصلاة محظورة في النعل السندي والشمشك. وهذه الرواية لم تصل إلينا ، وروى الشيخ في كتاب الغيبة والطبرسي في كتاب الاحتجاج مما كتبه الحميري إلى الناحية المقدسة (١) «هل يجوز للرجل ان يصلي وفي رجليه بطيط لا يغطى الكعبين أم لا يجوز؟ فخرج الجواب جائز». قال في القاموس : البطيط رأس الخف بلا ساق. وهذا الخبر مما يؤيد القول بالجواز وهو المعتمد ، والاحتياط لا يخفى سيما مع دعوى ورود الخبر بالنهي كما يشعر به كلام ابن حمزة المتقدم.

و (منها) كراهة البرطلة جمعا بين ما رواه في الكافي في الصحيح أو الحسن عن هشام بن الحكم عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٢) «انه كره لباس البرطلة». وما رواه

__________________

(١) الوسائل الباب ٣٨ من لباس المصلي.

(٢) الوسائل الباب ٤٢ من لباس المصلى.

١٦١

الشيخ في الموثق عن يونس بن يعقوب (١) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن الرجل يصلى وعليه البرطلة؟ فقال لا يضره». ومما يؤيد الكراهة أيضا ما ورد من النهي عن الطواف بها (٢) معللا في بعض تلك الأخبار بأنها من زي اليهود ولأجل ذلك كرهوا الطواف فيها ، بل قيل بالتحريم ايضا كما سيأتي ان شاء الله تعالى في كتاب الحج. والبرطلة بضم الباء الموحدة وإسكان الراء وضم الطاء المهملة وتشديد اللام المفتوحة وربما خففت : قلنسوة طويلة كانت تلبس قديما.

المقدمة السادسة في المكان

ولهم فيه تعريفات عديدة لا تخلو من مناقشات ، والأجود في تعريفه ـ كما ذكره السيد السند (قدس‌سره) بالنسبة إلى الإباحة ـ انه الفراغ الذي يشغله بدن المصلي أو يستقر عليه ولو بوسائط ، وباعتبار الطهارة انه ما يلاقي بدن المصلي أو ثيابه.

والبحث هنا يقع في مسائل (الأولى) ـ المشهور بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) اشتراط الإباحة في المكان ونعني بها هنا ما قابل الغصب ، فيدخل فيها المملوك عينا ومنفعة ، والمأذون فيه بجملة أقسامه من الاذن الصريح خصوصا كأن يأذن بالصلاة فيه أو عموما كأن يأذن بالكون فيه أو بالفحوى كإدخال الضيف للضيافة ونحوه أو بشاهد الحال كالخانات والرباطات والصحاري وسائر الأماكن المأذون في غشيانها والاستقرار فيها كالحمامات ، ولا تجوز في المغصوب عينا أو منفعة كادعاء الوصية بها أو دعوى الاستيجار كذبا وكإخراج روشن أو ساباط في موضع يمنع فيه. والفرق بين غصب العين وغصب المنفعة مع استلزامه التصرف في العين انه في صورة غصب المنفعة لا يتعرض للعين بغير الانتفاع فلو أراد المالك بيعها أو هبتها لم يمنعه منها بخلاف غصب العين فإنه يمنعه من جميع التصرفات.

هذا ، وقد تقدم نقل كلام الفضل بن شاذان في المقدمة الخامسة وصراحته في

__________________

(١) الوسائل الباب ٤٢ من لباس المصلي.

(٢) الوسائل الباب ٣١ من أحكام الملابس.

١٦٢

جواز الصلاة في المكان المغصوب وان اثم من حيث التصرف بغير اذن المالك بشي‌ء من هذه الأنحاء المذكورة.

قال شيخنا الشهيد في الذكرى : اما المغصوب فتحريم الصلاة فيه مجمع عليه ، واما بطلانها فقول الأصحاب وعليه بعض العامة (١) لتحقق النهي المفسد للعبادة (قالوا) النهي عن أمر خارج عن الصلاة كرؤية غريق يحتاج إلى إنقاذه وليس هناك غير هذا المصلى (قلنا) الحركات والسكنات اجزاء حقيقية من الصلاة وهي منهي عنها وإنقاذ الغريق أمر خارج.

وقال في المدارك : اجمع العلماء كافة على تحريم الصلاة في المكان المغصوب مع الاختيار ، وأطبق علماؤنا على بطلانها أيضا لأن الحركات والسكنات الواقعة في المكان المغصوب منهي عنها كما هو المفروض فلا تكون مأمورا بها ضرورة استحالة كون الشي‌ء الواحد مأمورا به ومنهيا عنه. وخالف في ذلك أكثر العامة (٢) وحكموا بصحتها بناء على جواز كون الشي‌ء الواحد مأمورا به منهيا عنه ، واستدلوا عليه بان السيد إذا أمر عبده بخياطة ثوب ونهاه عن الكون في مكان مخصوص ثم خاطه في ذلك المكان فإنه يكون مطيعا عاصيا لجهتي الأمر بالخياطة والنهي عن الكون. وجوابه ان المأمور به في هذا المثال غير المنهي عنه إذ المأمور به الخياطة والمنهي عنه الكون وأحدهما غير الآخر بخلاف الصلاة الواقعة في المكان المغصوب فان متعلق الأمر والنهي فيهما واحد وهي الحركات والسكنات المخصوصة (فإن قلت) الكون في الخياطة واجب من باب المقدمة فإذا تعلق به النهي اجتمع الواجب والمحرم في الشي‌ء الواحد وهو الذي أنكرتموه (قلت) هذا الاجتماع انما يقتضي فساد ذلك الكون خاصة لا الخياطة ، ووجوبه على تقدير تسليمه انما هو من باب المقدمة والغرض من المقدمة التوصل الى الواجب وان كانت منهيا عنها

__________________

(١ و ٢) نسب القرافي المالكي في الفروق ج ٢ ص ٥٨ البطلان إلى الحنابلة والصحة إلى المالكية والشافعية والحنفية.

١٦٣

لسقوط الطلب عندها كما هو في سلوك الطريق المغصوب الى الميقات عند وجوب الحج فتأمل. انتهى.

أقول ـ وبالله التوفيق إلى هداية سواء الطريق ـ : الظاهر ان ما ذكره في الذكرى ـ من التعليل بكون الحركات والسكنات منهيا عنها والنهي في العبادة موجب للفساد ـ فهو عليل لا يهدي الى سبيل لما قدمنا تحقيقه في مسألة اللباس من ان القدر المعلوم المتفق عليه هو ان النهي إذا توجه للعبادة من حيث هي عبادة فهو مبطل لها ، واما إذا توجه إليها باعتبار أمر خارج فلا وعلى مدعى البطلان البيان واقامة الدليل والبرهان لما سيظهر لك ان شاء الله تعالى في هذا المكان زيادة على ما تقدم ، وهذه الحركات والسكنات انما توجه النهي إليها من حيث انها تصرف في مال الغير بغير اذنه ، على انا قد قدمنا ايضا منع توجه النهي بالكلية فإن النهي انما توجه الى لبس هذا الثوب من أول الأمر غاية الأمر أنه قارنه الحركات والسكنات في هذا الثوب وأحدهما غير الآخر.

واما ما ذكره في المدارك من التعليل فالظاهر ايضا انه عليل لا يبرد الغليل ، فان للقائل أن يقول ان ما ذكره ـ من ان اجتماع الأمر والنهي في شي‌ء واحد محال وهو الذي بنى عليه الاستدلال ـ ان أريد به مع اتحاد جهتي الأمر والنهي فهو مسلم ولكن الأمر هنا ليس كذلك لما عرفت في مسألة اللباس ، وان أريد ولو مع اختلافهما فهو ممنوع وعلى المدعى إثباته بالدليل القاطع والبرهان الساطع وانى به؟ ومستند المنع ما قدمنا ثمة من انه مأمور بإزالة النجاسة عن الثوب والبدن لأجل الصلاة ومنهي عن الإزالة بالمغصوب مع انه لو أزالها بالماء المغصوب صح ذلك وجاز الدخول به في الصلاة ، وكذلك ما ذكره من سلوك الطريق المغصوب الى الحج فإنه مأمور به من حيث كونه مقدمة للواجب ومنهي عنه من حيث كونه تصرفا في مال الغير بغير اذنه فقد اجتمع الأمر والنهي في شي‌ء واحد. وبعين ذلك نقول في الصلاة فإن الحركات والسكنات التي هي عبارة عن القيام والقعود والركوع والسجود مأمور بها من حيث كونها اجزاء من الصلاة

١٦٤

وواجبات فيها ومنهي عنها من حيث كونها تصرفا في مال الغير فتصح الصلاة وان كانت كذلك ، ويؤيد ذلك إطلاق الأمر بالصلاة ، ومدعى منع الاجتماع في ذلك ومحاليته في ذلك عليه الدليل.

وبذلك يظهر ان ادعاء كون اجتماع الأمر والنهي في شي‌ء واحد محالا ليس على إطلاقه بل انما هو مع اتحاد جهتي الأمر والنهي كما ذكرناه ، والعامة إنما حكموا في هذه المسألة بالصحة لما ذكرناه من اختلاف الجهتين وإلا فإنهم وغيرهم من كافة العقلاء لا يجوزون اجتماع الأمر والنهي مع اتحاد الجهة فيهما ، ويظهر لك ذلك من مثال الخياطة الذي أوردوه لاختلاف الجهتين فيه كما هو ظاهر في ذلك ولذلك جعلوه مطيعا عاصيا باعتبارين.

واما ما أجاب به عن كلام المخالفين بقوله : «وجوابه ان المأمور به في هذا المثال غير المنهي عنه.» فهو مردود بما استشعره أخيرا من ان حاصل استدلالهم على اجتماع الأمر والنهى في مثال الخياطة ان الكون في الخياطة واجب من باب المقدمة لأن الأمر بذي المقدمة أمر بها فيكون مأمورا به لأجل الخياطة وهو منهي عنه من حيث كونه تصرفا في المغصوب بغير اذن المالك فاجتمع الأمر والنهى في شي‌ء واحد.

واما جوابه عن ذلك بقوله : «قلت هذا الاجتماع انما يقتضي فساد ذلك الكون خاصة. إلخ» فهو خروج عن موضع البحث ، إذ الكلام في انه قد منع سابقا اجتماع الأمر والنهي في شي‌ء واحد وادعى انه محال ونقل عن العامة انهم حكموا بصحته واستدلوا على ذلك بمثال الخياطة ، والحال انه بمقتضى اعترافه بان الكون في الخياطة واجب من باب المقدمة فيكون مأمورا به والحال انه منهي عنه من جهة التصرف في مال الغير فقد سلم اجتماع الأمر والنهى الذي منعه سابقا وادعى محاليته ، وجوابه هذا خارج عن محل البحث لأن صحة الفعل بعد ارتكاب المنهي عنه وعدم صحته لا مدخل لها في المقام ، انما الكلام في أنهم بنوا استدلالهم في هذه المسألة على بطلان الصلاة في المكان المغصوب

١٦٥

على انه يلزم من القول بالصحة اجتماع الأمر والنهي في شي‌ء واحد وهو محال عقلا وكل ما استلزم المحال فهو باطل ، والحال انه قد اعترف بصحة الاجتماع في مثال الخياطة بالتقريب المذكور ، وبه يتحقق بطلان دليلهم على بطلان الصلاة في المكان المغصوب. وجوابه بان هذا الاجتماع انما يقتضي. إلخ لا تعلق له بأصل المسألة بل يكفي الخصم اعترافه بصحة الاجتماع إذ منى دليلهم على عدم جواز الاجتماع كما عرفت. على ان التحقيق ان ما ذكره من صحة الحج وسقوط الواجب مع قطع الطريق المغصوب انما نشأ من حيث اختلاف جهتي الأمر والنهي كما ذكرنا لا من حيث ما ذكره ، الا ترى انه لو نهى الشارع عن سلوك الطريق المغصوب الى الحج وحج مع سلوكه للزم اجتماع الأمر والنهى في شي‌ء واحد من جهة واحدة ولزم منه فساد الحج البتة لرجوع النهي إليه بطريق الآخرة المستلزم لفساده ، والقول بصحة الحج هنا ممنوع ولا أظنه يقول به. ومثله يأتي في مثال الخياطة لو نهى السيد عن الخياطة في مكان مخصوص فإنه يلزم اجتماع الأمر والنهي من جهة واحدة في أمر واحد ، وحينئذ فحصول الامتثال ممنوع ، وحصول الامتثال في الفرض الأول انما نشأ من حيث اختلاف جهتي الأمر والنهي وان كانا في شي‌ء واحد لا من حيث ما ذكره. وجوابه بان الاجتماع انما يقتضي فساد الكون خاصة انما يتجه على الثاني واما على الأول فإنه يقتضي فساد الخياطة وعدم الامتثال لما أمر به السيد البتة. نعم يمكن الجواب عن مثال الخياطة بأن يقال انه على تقدير وجوب المقدمة مطلقا لنا ان نقول ان الكون هنا ليس مقدمة حتى يلزم ان يكون مأمورا به بل هو من لوازم وجود الجسم ، إذ المقدمة هي الطريق التي يتوصل بها الى الشي‌ء وظاهر ان الكون ليس كذلك فلا يلزم اجتماع الأمر والنهي في شي‌ء واحد. ولو انه (قدس‌سره) أجاب بذلك لاندفع عنه ما ذكرناه من الإيراد وتم له المراد.

وبالجملة فالمسألة ـ كما قدمنا في حكم اللباس ـ لا تخلو من شوب الاشكال والاحتياط فيها بالعمل على القول المشهور ، ويؤيده ما رواه ابن ابي جمهور في كتاب عوالي اللئالي

١٦٦

مرسلا عن الصادق (عليه‌السلام) (١) قال : «روى عن الصادق (عليه‌السلام) انه سأله بعض أصحابه فقال يا ابن رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) ما حال شيعتكم في ما خصكم الله إذا غاب غائبكم واستتر قائمكم؟ فقال (عليه‌السلام) ما أنصفناهم إن آخذناهم ولا أحببناهم إن عاقبناهم بل نبيح لهم المساكن لتصح عباداتهم ونبيح لهم المناكح لتطيب ولادتهم ونبيح لهم المتاجر لتزكو أموالهم». ولو لا إرسال الخبر في هذا الكتاب الذي قد اشتمل على نوع من التساهل في نقل الاخبار لما كان عنه معدل في الحكم بما ذكره الأصحاب إلا ان تأييده ظاهر بلا ارتياب. وقد تقدم في اللباس خبران آخران لا يخلوان من التأييد أيضا في هذا المقام.

ثم انه قال في المدارك على اثر الكلام المتقدم : ومن هنا يظهر رجحان القول بصحة الطهارة الواقعة في المكان المغصوب كما قطع به في المعتبر لان الكون ليس جزء منها ولا شرطا فيها فلا يؤثر تعلق النهي في فسادها.

أقول : فيه ان الكون وان كان كما ذكره ليس جزء من الطهارة ولا شرطا فيها إلا ان حركاته في حال الوضوء كالحركات التي في الصلاة فيأتي فيها ما ذكره في الحركات في الصلاة بعينه ، فان الوضوء شرعا عبارة عن هذه الأفعال المخصوصة من أخذ الماء باليد مثلا وصبه على الوجه وغسله به وهكذا في باقي الأعضاء. وبالجملة فإن الفرق بين حركات الوضوء وحركات الصلاة غير ظاهر فبعين ما يقال هناك يقال هنا.

قال شيخنا المجلسي (عطر الله مرقده) في كتاب البحار : واختلفوا في بطلان الطهارة في المكان المغصوب فذهب المحقق الى العدم بناء على ان الكون ليس جزء منها ولا شرطا فيها واليه ذهب العلامة في المنتهى ، والفرق بين الطهارة والصلاة في ذلك مشكل إذ الكون كما انه مأخوذ في مفهوم السكون مأخوذ في مفهوم الحركة وليس الوضوء والغسل إلا حركات مخصوصة ، وليس المكان منحصرا في ما يعتمد عليه الجسم فقط

__________________

(١) المستدرك الوسائل الباب ٤ من الأنفال.

١٦٧

فإن الملك والأحكام الشرعية لا تتعلق به خاصة بل يعم الفراغ الموهوم أو الموجود فكل منهما عبارة حقيقة عن الكون أو يشتمل عليه. انتهى.

أقول : قال في المعتبر : مسألة ـ لا تصح الصلاة في مكان مغصوب مع العلم بالغصب اختيارا وهو مذهب الثلاثة واتباعهم ووافق الجبائيان واحمد في إحدى الروايتين وخالف الباقون (١) لنا ـ أنها صلاة منهي عنها والنهي يدل على فساد المنهي عنه (لا يقال) هذا باطل بالوضوء في المكان المغصوب ، وبإزالة عين النجاسة بالماء المغصوب وبان النهي يدل على الفساد حيث يكون متناولا لنفس العبادة ، وليس في صورة النزاع كذلك بل النهي متناول لعارض خارج عن ماهية الصلاة فلا يكون مبطلا (لأنا نقول) الفرق بين الوضوء في المكان المغصوب والصلاة فيه ان الكون بالمكان ليس جزء من الوضوء ولا شرطا فيه وليس كذلك الصلاة فإن القيام جزء من الصلاة وهو منهي عنه لانه استقلال في المكان المنهي عن الاستقلال فيه وكذا السجود وإذا بطل القيام والسجود وهما ركنان بطلت الصلاة ، وازالة النجاسة ليست بعبادة إلا مع نية التقرب وإذا جاز ان تقع غير عبادة أمكن إزالة النجاسة وان كان المزيل عاصيا بالإزالة كما يصح ازالة عين النجاسة من الكافر والطفل ، اما الصلاة فإنها لا تقع إلا عبادة فلا تقع صحيحة مع النهى عنها. وقوله «النهى لم يتناول العبادة» قلنا النهى يتناول العبادة بطريق اللزوم لانه يتناول القيام والسجود ويلزم من بطلانهما بطلان الصلاة. انتهى.

أقول : فيه (أولا) ما أشرنا إليه في مسألة اللباس من انه بمجرد لبس الثوب المغصوب يتحقق الغصب ويترتب الإثم ابتداء واستدامة وهو أمر خارج عن الحركات المخصوصة من حيث هي حركات اعنى القيام والقعود والركوع والسجود ، غاية ما في الباب انها قارنت ذلك التصرف المحرم المنهي عنه والنهي عن المقارن لا يوجب النهي عن المقارن الآخر ، فتوجه النهي إلى القيام والسجود كما ذكره ممنوع.

__________________

(١) ارجع الى التعليقة ص ١٦٣.

١٦٨

و (ثانيا) ـ انه مع تسليم تعلق النهي بذلك فانا لا نسلم الفساد إلا إذا كان النهي عن هذه الأشياء من حيث الصلاة ، لأن النهي عن العبادة إنما يبطلها إذا توجه لها من حيث كونها عبادة ، واما لو توجه إليها باعتبار أمر خارج كما في ما نحن فيه فإنه في معنى النهي عن أمر خارج. ومدعى الإبطال في الصورة المذكورة عليه البيان فان المحال الذي رتبوه على الصحة في العبادة متى كانت منهيا عنها من حيث لزوم اجتماع الأمر والنهي في شي‌ء واحد انما هو في ما إذا اتحدت جهتا الأمر والنهي كما تقدم ذكره لا مع التعدد كما عرفت.

و (ثانيا) ـ ان ما ذكره في الفرق بين الصلاة والوضوء غير موجه ولا ظاهر ، وذلك لان المكان كما يطلق على ما يستقل عليه الإنسان ويعتمد عليه كذلك يطلق على الفراغ الذي يشغله بدن الإنسان كما عرفت في تعريفه الذي ذكروه في هذا المقام من انه الذي يشغله بدن المصلي أو يعتمد عليه ، وحينئذ فللقائل ان يقول كما ان القيام في الصلاة منهي عنه لانه استقلال في المكان المنهي عن الاستقلال فيه كذلك حركات اليد في الوضوء في هذا الفراغ منهي عنها لأنها حركات في المكان المنهي عن الحركة فيه وإذا بطلت هذه الحركات المنهي عنها بطل الوضوء. وبذلك يظهر انه لا فرق ـ لو ثبت ما ذكره ـ بين الصلاة والطهارة في المكان المغصوب.

و (رابعا) ـ ما ذكره في الذكرى من ان الأفعال المخصوصة من ضرورتها المكان فالأمر بها أمر بالكون مع انه منهي عنه. أقول كأنه يشير بذلك الى لزوم اجتماع الأمر والنهي في شي‌ء واحد إلا انك قد عرفت ما فيه من انه مع تعدد جهتي الأمر والنهي فلا مانع من ذلك ولا محذور فيه.

واما ما أطال به في الذخيرة في الرد عليه فمما لا طائل تحته متى أحطت خبرا بما ذكرناه من التحقيق في المقام.

وبالجملة فالمسألة لخلوها من النصوص لا تخلو من شوب الاشكال ، والاعتماد على

١٦٩

التعليلات العقلية في الأحكام الشرعية مجازفة بل جرأة علي ذي الجلال ، ولا سيما مع ما عرفت من قبول الأمور العقلية للاختلاف باختلاف الأفكار والافهام وتطرق الاختلال.

هذا ، وممن صرح بطلان الطهارة في المكان المغصوب العلامة في النهاية والتذكرة قال : وكذا لو أدى الزكاة وقرأ القرآن المنذور في المكان المغصوب لا يجزئان. اما الصوم في المكان المغصوب فجزم بصحته لانه لا مدخل للكون فيه. وأورد عليه بعدم الفرق بين الصوم وقراءة القرآن مثلا.

إذا عرفت ذلك فتنقيح البحث في المسألة يتوقف على بيان أمور :

(الأول) ـ الظاهر انه لا خلاف في معذورية جاهل أصل الغصب ، واما جاهل الحكم فالمشهور فيه عدم المعذورية ، ومال في المدارك تبعا لبعض مشايخه المحققين ـ والظاهر انه المحقق الأردبيلي (قدس‌سره) ـ إلى المعذورية.

واما ناسي الغصب فظاهر الأصحاب ان الكلام فيه هنا كالكلام في اللباس ونحن قد قدمنا في ذلك البحث قوة التفصيل بين الوقت وخارجه والإعادة في الأول دون الثاني ، وصاحب المدارك قد اختار هنا ما اختاره المصنف من عدم الإعادة مطلقا ، حيث قال بعد ان ذكر ان صحة صلاة الجاهل بالغصب موضع وفاق بين العلماء : لان البطلان تابع للنهي وهو انما يتوجه الى العالم والأصح ان الناسي كذلك لارتفاع النهي بالنسبة اليه ولهذا اتفق الكل على عدم تأثيمه. انتهى. أقول لا يخفى ان هذا الكلام على إطلاقه لا يخلو من الإشكال لأنه لو تم لاقتضى اطراده في غير مقام من عبادات الناسي مع انه لا خلاف في بطلان صلاة من نسي ركنا من الصلاة ، وأيضا فإنه استفاضت الاخبار بوجوب إعادة الصلاة على من صلى في النجاسة ناسيا ، وقد علل (عليه‌السلام) في بعض تلك الأخبار وجوب الإعادة بإهماله التذكر حيث قال (عليه‌السلام) (١) «يعيد صلاته كي يهتم بالشي‌ء إذا كان في ثوبه عقوبة لنسيانه». وهو ـ كما ترى ـ صريح

__________________

(١) الوسائل الباب ٤٢ من النجاسات.

١٧٠

في عدم معذورية الناسي لان العقوبة على النسيان وعدم التذكر لا تجتمع مع المعذورية ، وغاية ما يفيده حديث رفع القلم (١) هو عدم العقوبة لا صحة الصلاة وأحدهما غير الآخر وبذلك يظهر ما في استناده الى الاتفاق على عدم التأثيم.

وبالجملة فالمسألة بالنسبة إلى المكان واللباس غير منصوصة والتعليل المذكور لا يصلح لتأسيس حكم شرعي لما عرفت ، وأحكام الناسي في الاخبار في جملة من الأحكام مختلفة ففي بعضها كما تقدم انه غير معذور وفي بعض كنسيان الصوم والأكل فيه حكموا (عليهم‌السلام) بصحة الصوم وعدم وجوب الإعادة مطلقا. ومن ذلك يعلم انه ليس له حكم كلي ولا قاعدة مطردة فالواجب الوقوف على موارد النصوص في كل جزئي ورد الحكم فيه بالعموم أو الخصوص وإلا فالوقوف على ساحل الاحتياط. والله العالم.

(الثاني) ـ المشهور بين الأصحاب انه لا فرق في عدم جواز الصلاة في الملك المغصوب بين الغاصب وغيره ممن علم بالغصب. وجوز المرتضى والشيخ أبو الفتح الكراجكي الصلاة في الصحاري المغصوبة استصحابا لما كانت عليه قبل الغصب ، ونفى عنه البعد شيخنا المجلسي في البحار. ولو صلى المالك في المكان المغصوب صحت صلاته إجماعا إلا من الزيدية على ما ذكره في الذكرى. ولو اذن المالك للغاصب أو لغيره في الصلاة صحت لارتفاع المانع.

وقال الشيخ في المبسوط : لو صلى في مكان مغصوب مع الاختيار لم تجزئ الصلاة فيه ولا فرق بين ان يكون هو الغاصب أو غيره ممن اذن له في الصلاة فيه لأنه إذا كان الأصل مغصوبا لم تجز الصلاة فيه.

قال شيخنا الشهيد في الذكرى بعد نقل هذه العبارة : واختلف في معناه ففي المعتبر ان الآذن المالك لانه قال الوجه الجواز لمن اذن له المالك ، وقال الفاضل الآذن

__________________

(١) المراد به حديث الرفع المروي في الوسائل في الباب ٥٦ من جهاد النفس وهو قوله «ص» «رفع عن أمتي تسعة أشياء : السهو والخطأ والنسيان. الحديث» ..

١٧١

الغاصب. وكلاهما مشكل (اما الأول) فلما قاله في المعتبر. و (اما الثاني) فلانه لا يذهب الوهم الى احتمال جواز اذن الغاصب فكيف ينفيه الشيخ معللا بما لا يطابق هذا الحكم؟ ويمكن توجيه الأول بأن المالك لما لم يكن متمكنا من التصرف فيه لم يفد إذنه الإباحة كما لو باعه فإنه باطل ولا يجوز للمشتري التصرف فيه. ويجوز ان يقرأ «إذن» بصيغة المجهول ويراد به الاذن المطلق المستند الى شاهد الحال فان طريان الغصب يمنع من استصحابه كما صرح به ابن إدريس ويكون فيه التنبيه على مخالفة المرتضى (رضي‌الله‌عنه) وتعليل الشيخ مشعر بهذا. انتهى.

وقال شيخنا المجلسي في البحار بعد نقل عبارة الشيخ المذكورة : والظاهر ان مراده بالإذن إذن الغاصب وان كان الوهم لا يذهب إلى تأثير إذنه في الصحة ، إذ يمكن ان يكون الاشتراط مبنيا على العرف وان الغالب انه لا يتمكن الغير من الصلاة فيه الا بإذن الغاصب الغالب. وحمله على ارادة المالك كما هو ظاهر المعتبر بعيد جدا إذ لا جهة للبطلان حينئذ ووجهه في الذكرى بان المالك لما لم يكن متمكنا من التصرف فيه لم يفد إذنه الإباحة كما لو باعه فإنه باطل ولا يجوز للمشتري التصرف فيه. وفيه نظر لمنع الأصل وبطلان القياس فلا يتم الحكم في الفرع. ثم نقل ما احتمله في الذكرى من القراءة بصيغة المجهول وما فرعه عليه ، ثم قال : وليت شعري ما المانع من الحمل على ما ذكرناه مع انه أظهر في عبارته لفظا ومعنى وما الداعي إلى الحمل على ما يوجب تلك التكلفات؟ وسمعنا ان بعض أفاضل المتأخرين ممن ولى عصرنا زاد في الطنبور نغمة وحكم بأنه لا يجوز للمالك ايضا ان يصلي فيه لانه يصدق عليه انه مغصوب ، وهذا فرع ورود تلك العبارة في شي‌ء من النصوص ولا نص فيه على الخصوص بل انما يستدلون بعموم ما دل على عدم جواز التصرف في ملك الغير ثم يحتجون للبطلان بأن النهي في العبادة موجب للفساد ولا يجري ذلك في المالك ومن اذن له ، فكم بين من يحكم بجواز الصلاة وصحتها للغاصب وغيره وان منع المالك صريحا وبين من يقول بهذا القول؟ انتهى كلام شيخنا المشار اليه. وهو جيد. ولعمري ان

١٧٢

من عرف الشيخ وطريقته يقطع ويجزم بأنه لا يذهب الى هذه التدقيقات التي وجه بها في الذكرى كلام المحقق في المعتبر واحتمال القراءة بصيغة المجهول.

(الثالث) ـ الظاهر انه لا خلاف في انه لو امره الآذن بالكون في المكان صريحا أو فحوى بالخروج قبل الاشتغال بالصلاة والوقت متسع فإنه يجب عليه الخروج على الفور لمنع التصرف في مال الغير بغير اذنه فكيف مع النهى صريحا؟ فلو اشتغل بالصلاة والحال هذه بطلت عندهم كما تقدم ذكره لتوجه النهي إلى العبادة الموجب لفسادها وفيه ما عرفت مما تقدم تحقيقه.

انما الخلاف في ما إذا اشتغل بالصلاة قبل الأمر بالخروج ، وفيه وجوه بل أقوال : (الأول) ـ وهو مختار العلامة في الإرشاد وجماعة ـ انه يجب عليه الخروج ويتمها وهو خارج ولا يقطعها ، وعللوه بان فيه جمعا بين حق الله تعالى وامره بإتمام العمل وعدم إبطال العمل وبين حق الآدمي. وأورد عليه بأنه يشكل باستلزامه فوات كثير من أركان الصلاة وبعض شرائطها مع إمكان الإتيان بها كاملة متى كان الوقت متسعا كما هو المفروض ووجوب أتمم العمل مطلقا بحيث يشمل محل النزاع ممنوع.

والثاني ـ وهو الظاهر من كلام الشيخ والمحقق واختاره في المدارك ـ قطع الصلاة مع سعة الوقت وإتمامها مشتغلا بالخروج مع ضيقه (اما الأول) فلعدم جواز الإتمام مستقرا لانه تصرف في ملك الغير بغير رضاه ، وعدم جواز الإتمام خارجا لاستلزامه فوات كثير من الأركان والشرائط والحال انه يمكن الإتيان بها على وجهها بعد الخروج و (اما الثاني) فلأنهما حقان مضيقان فيجب الجمع بينهما بحسب الإمكان وليس إلا ما ذكر

والثالث ـ الإتمام مستقرا مطلقا وهو اختيار الشهيد في الذكرى والبيان تمسكا بمقتضى الاستصحاب وان الصلاة على ما افتتحت عليه (١) وأورد عليه ان منعه ظاهر لتعلق النهي المنافي للصحة. ويزيده تأييدا بناء حق العبادة على التضييق.

__________________

(١) الوسائل الباب ٢ من نية الصلاة.

١٧٣

و (الرابع) ـ الفرق بين الاذن بالصلاة والاذن بالكون المطلق فيتم في الأول مستقرا وهو مختار العلامة في أكثر كتبه ، واما في الثاني فاحتمل الأوجه الثلاثة في القواعد والتذكرة وفي النهاية احتمل الأوجه الثلاثة في صورة سعة الوقت واستقرب بطلان الصلاة في صورة الضيق.

و (الخامس) ـ الفرق بين الاذن في الصلاة أو في الكون المطلق أو بشاهد الحال أو الفحوى فيتمها في الأول مطلقا ويخرج في الباقي مصليا مع الضيق ويقطعها مع السعة ، ذهب اليه شيخنا الشهيد الثاني في الروض قال وهذا هو الأجود ، ثم قال ووجهه في الأول ان اذن المالك في الأمر اللازم شرعا يفضي الى اللزوم فلا يجوز له الرجوع بعد التحريم كما لو اذن في دفن الميت في أرضه أو اذن في رهن ماله على دين الغير فإنه لا يجوز له الرجوع بعدهما. وفي البواقي ان الاذن في الاستقرار لا يدل على إكمال الصلاة بإحدى الدلالات فإنه أعم من الصلاة والعام لا يدل على الخاص وشاهد الحال أضعف من الإطلاق. واما القطع مع السعة فلاستلزام التشاغل بها فوات كثير من أركانها مع القدرة على الإتيان بها على الوجه الأكمل بخلاف ما لو ضاق الوقت فإنه يخرج مصليا مومئا للركوع والسجود بحيث لا يتثاقل في الخروج عن المعتاد مستقبلا ما أمكن قاصدا أقرب الطرق تخلصا من حق الآدمي المضيق بحسب الإمكان. انتهى كلامه زيد مقامه.

قالوا وكذا يخرج متشاغلا بالصلاة لو امره بالخروج مع ضيق الوقت قبل الشروع في الصلاة جمعا بين الحقين كما تقدم.

أقول : لا يخفى ان المسألة لما كانت عارية من النصوص كثرت فيها الاحتمالات وتصادمت فيها التخريجات والحكم فيها مشكل لما عرفت ، والاحتياط مطلوب بل واجب لأن المسألة من الشبهات التي يجب فيها الاحتياط عندنا إلا ان الأقرب الى قواعدهم والأنسب بضوابطهم هو قطع الصلاة مع الاشتغال بها في سعة الوقت والإتيان بها كاملة الأفعال بعد الخروج ، واما مع ضيق الوقت فان مقتضى قواعدهم في مثل هذه الصورة

١٧٤

هو وجوب الإتمام مستقرا آتيا بأفعالها في المكان المغصوب ، وذلك فان اباحة المكان عندهم انما هو من شروط الصحة كستر العورة وطهارة الساتر ونحوهما ، وقد قرروا في الأصول ان شروط الصحة انما تجب مع الإمكان وإلا سقط اعتبارها ، وقد ساعدتهم الاخبار على ذلك لما ورد في من فقد الساتر انه يصلي عاريا ، ومن فقد الطهارة صلى بالنجاسة على أشهر القولين وأظهرهما ، ومن فقد القبلة صل الى اي جهة شاء أو الى أربع جهات (فان قيل) انا لا نمنع من الصلاة والإتيان بها بالكلية ليلزم ما ذكرتم فانا نوجب عليه الصلاة لكن بهذه الكيفية المتقدمة مشتغلا بالخروج (قلنا) من الظاهر ان الصلاة المأمور بها شرعا المنصرف إليها الإطلاق هي الصلاة المعهودة المشتملة على الإتيان بالأركان والواجبات على وجهها واستقبال القبلة ونحوها وهي المعلومة عن صاحب الشرع ، خرج ما خرج منها بدليل كصلاة المريض وصلاة الحرب وصلاة الخوف والصلاة في السفينة ونحو ذلك مما دلت عليه الأدلة الشرعية وبقي ما بقي. ويعضده انه لم يقم دليل على هذا الشرط من أصله أعني اشتراط الإباحة في المكان ، وبالجملة فالوقوف على جادة الاحتياط طريق السلامة من الوقوع في هذا الاحتباط. والله العالم.

(الرابع) ـ هل تبطل الصلاة تحت السقف والخيمة المغصوبين مع اباحة المكان أم لا؟ اشكال لا من حيث المكان إذ لا يدخل ذلك في تعريف المكان المتقدم وانما هو من حيث ان هذا تصرف في المغصوب إذ التصرف في كل شي‌ء بحسب ما يليق به وما أعد له ولا ريب ان الغرض من الخيمة والسقف هو الجلوس تحتهما ، قال شيخنا الشهيد الثاني في الروض بعد تعريف المكان بتعريفين ذكرهما والبحث فيهما ما لفظه : وعلى التعريفين لا تبطل صلاة المصلي تحت سقف مغصوب أو تحت خيمة مغصوبة مع اباحة مكانهما لانتفاء اسم المكان فيهما ، هذا من حيث المكان اما من حيث استلزام ذلك التصرف في مال الغير فيبني على ان منافاة الصلاة لحق الآدمي هل يعد مبطلا لها أم لا؟ بل يمكن بناؤها على حكم الصلاة في المستصحب المغصوب غير الساتر ، وقد تقدم الكلام فيه وان

١٧٥

الدليل العقلي لا يساعد على البطلان فإن النهي ضمنا انما يتوجه الى الضد العام للتخلص من المغصوب وهو تركه لا للاضداد الخاصة. وبالجملة فلا نص يعول عليه في أمثال ذلك ولا يتحقق بدونه الحكم ببطلان الصلاة بالنهي عما ليس شرطا للصلاة ولا جزء. والله أعلم بحقيقة الحال. انتهى. أقول : وملخصه هو صحة الصلاة وان اثم من حيث التصرف في المغصوب بناء على ما قدمناه من ان التصرف في كل شي‌ء بحسب ما يليق به وما يترتب عليه من المنفعة. وهو جيد.

(الخامس) ـ هل يكفي في شاهد الحال في هذا المقام الدلالة الظنية أو لا بد من العلم؟ قولان ظاهر المشهور الأول وصرح جمع : منهم ـ السيد السند في المدارك بالثاني ، وأكثر الأصحاب فسره بما إذا كان هناك امارة تشهد بان المالك لا يكره وهو أعم من العلم.

ويمكن ان يؤيد القول المشهور بعمومات الأخبار الدالة على جعل الأرض مسجدا له (صلى‌الله‌عليه‌وآله) (١) فان المراد به محل الصلاة كما فسره به الأصحاب (رضوان الله عليهم) وأطلق السجود على الصلاة تسمية للكل باسم الجزء ، وفي بعض تلك الأخبار «جعلت لك ولأمتك الأرض كلها مسجدا. الحديث» (٢). وفي بعض آخر «ان الله تعالى جعل لي الأرض مسجدا وطهورا أينما كنت أتيمم من تربتها وأصلي عليها» (٣).

وأنت خبير بأن الأنسب بسعة هذا الامتنان منه سبحانه على رسوله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) وعلى أمته هو الاكتفاء بمجرد ظن الرضا ، على ان اعتبار العلم ينفي فائدة هذا الحكم إذ قلما يتحقق ذلك في مادة.

والظاهر ـ كما استظهره جملة من الأصحاب (رضوان الله عليهم) : منهم ـ الفاضل الخراساني في الذخيرة وشيخنا المجلسي في البحار ـ هو جواز الصلاة في كل موضع لا يتضرر المالك بالكون فيه وكان المتعارف بين الناس عدم المضايقة في أمثاله وان فرضنا عدم

__________________

(١) الوسائل الباب ٧ من التيمم.

(٢ و ٣) مستدرك الوسائل الباب ٥ من التيمم.

١٧٦

العلم برضا المالك هناك على الخصوص ، نعم لو ظهرت كراهة المالك لامارة لم تجز الصلاة فيه مطلقا. وكيف كان فالظاهر انه لا خلاف بين الأصحاب في جواز الصلاة في الصحاري والبساتين إذا لم يتضرر المالك بها ولم تكن امارة تشهد بعدم الرضا وان لم يأذن المالك صريحا أو فحوى. وفي حكم الصحاري الأماكن المأذون في غشيانها على وجه مخصوص إذا اتصف به المصلي كالحمامات والخانات والأرحية ونحوها. ولا يقدح في الجواز كون الصحراء لمولى عليه بشهادة الحال ولو من الولي ، قال في الذكرى : ولو علم انها لمولى عليه فالظاهر الجواز لإطلاق الأصحاب وعدم تخيل ضرر لا حق به فهو كالاستظلال بحائطه ولو فرض ضرر امتنع منه ومن غيره. ووجه المنع ان الاستناد الى ان المالك اذن بشاهد الحال والمالك هنا ليس أهلا للإذن. إلا ان يقال ان الولي أذن هنا والطفل لا بد له من ولي. انتهى. وبالجملة فالعمدة عموم الأخبار المشار إليها آنفا إذا لم تخرج تلك الافراد منها بدليل. والله العالم.

(المسألة الثانية) ـ اختلف الأصحاب (رضوان الله عليهم) في جواز تساوي الرجل والمرأة في موقف الصلاة وكذا تقدم المرأة مع عدم البعد والحائل ، فقال الشيخان وأبو الصلاح وابن حمزة بالمنع والظاهر انه المشهور بين المتقدمين وهو المختار ، وقال المرتضى في المصباح انه مكروه غير مبطل لصلاة أحدهما وبه قال ابن إدريس وهو المشهور بين المتأخرين.

والأصل في ذلك اختلاف الاخبار وبه اختلفت الانظار والأفكار ، وها انا اذكر لك ما وقفت عليه من الاخبار مذيلا لكل منها بما يكشف عن معناه نقاب الإبهام ومنبها على ما هو المستفاد منها في المقام على وجه تذعن اليه ثواقب الافهام :

فمن أخبار المسألة ما رواه الصدوق في الصحيح عن جميل عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (١) قال : «لا بأس ان تصلي المرأة بحذاء الرجل وهو يصلي فإن النبي (صلى

__________________

(١) الوسائل الباب ٤ من مكان المصلى.

١٧٧

الله عليه وآله) كان يصلي وعائشة مضطجعة بين يديه وهي حائض وكان إذا أراد ان يسجد غمز رجليها فرفعت رجليها حتى يسجد».

أقول : هذا الخبر بحسب ظاهره مما يدل على الجواز وبه استدل في المدارك على ذلك إلا انه لم يذكر منه إلا الى قوله «وهو يصلي» وأسقط قوله «فإن النبي كان يصلي. إلخ» وأنت خبير بأنه وان دل على الجواز كما ذكروه إلا ان التعليل الذي اشتمل عليه الخبر لا يلائمه ولا ينطبق عليه ولهذا استظهر المحدث الكاشاني في الوافي حصول التصحيف في الخبر وان الصواب في العبارة «انه لا بأس ان تضطجع المرأة بحذاء الرجل وهو يصلي» وتأوله بعض بتأويلات تخرجه عن الاستدلال لينطبق التعليل فيه على الكلام المتقدم ، وحينئذ فالخبر من حيث هذه العلة لا يصلح للاستدلال. والعجب من السيد (قدس‌سره) في تركه تتمة الخبر والحال كما ترى ومثل هذا معيب عند المحدثين كما نبه عليه غير واحد ، فإن التتمة المذكورة مما لها مدخل في الخبر من حيث التعليل ، ولهذا ان الناظر في الخبر بتمامه لا يخفى عليه ما فيه من العلة الموجبة لتوقفه عن الاستدلال به والناظر في ما ذكره من الخبر يجزم بصحة الاستدلال به على الجواز ، وبذلك يظهر العيب في ترك نقله بتمامه.

ومنها ـ ما رواه الشيخ في التهذيب بسند فيه ابن فضال عن من أخبره عن جميل بن دراج عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (١) «في الرجل يصلي والمرأة تصلي بحذائه؟ قال لا بأس». وهذه الرواية بحسب ظاهرها دالة على الجواز إلا انه سيأتي في معارضتها ما هو أرجح سندا وأكثر عددا وأصرح دلالة فيجب حملها على وجود الحائل أو بعد عشرة أذرع كما ذكره الشيخ (قدس‌سره) وهو وان كان بعيدا في حد ذاته إلا انه في مقام الجمع بينها وبين أخبار المسألة الآتية غير بعيد كما سيظهر لك ان شاء الله تعالى من انطباق أخبار المسألة كملا على المنع ، فإنه إذا اتفقت الأخبار كلها على ذلك ولم تخرج

__________________

(١) الوسائل الباب ٥ من مكان المصلي.

١٧٨

إلا هذه الرواية فالواجب ردها إليها وإلا فطرحها البتة.

ومنها ـ صحيحة زرارة عن ابي جعفر (عليه‌السلام) (١) قال : «إذا كان بينها وبينه قدر ما يتخطى أو قدر عظم الذراع فساعدا فلا بأس». أقول : وهذه الرواية مما استدل بها في المدارك على الجواز ايضا. وفيه انه لا يظهر وجه لاشتراط هذا المقدار المذكور في الرواية مع جواز المساواة ، فالظاهر حملها ـ كما سيظهر لك ان شاء الله تعالى من غيرها ـ على تقدم الرجل بهذا المقدار على المرأة فإنه كاف للجواز لحصول التقدم بذلك وانما الممنوع منه هو المساواة ، وكيف كان فظهور هذا الاحتمال مما يمنع من الاستناد إليها في الاستدلال.

ومنها ـ صحيحة معاوية بن وهب عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٢) «انه سأل عن الرجل والمرأة يصليان في بيت واحد فقال إذا كان بينهما قدر شبر صلت بحذائه وحدها وهو وحده لا بأس». وهذه الرواية مما استدل بها في المدارك ايضا على الجواز والظاهر هو حملها على ما حمل عليه سابقها من تقدم الرجل بالشبر ، والمراد بالمحاذاة في الخبر مجرد القرب لا المساواة في الموقف كما سيأتي نحوه في موثقة عبد الله بن بكير فلا منافاة. وبذلك صرح شيخنا البهائي زاده الله بهاء وشرفا في كتاب الحبل المتين فقال بعد حمل الخبر المذكور على ما ذكرناه : واما ما يترائى من منافاته لقوله (عليه‌السلام) «صلت بحذائه» فيمكن توجيهه بحصول المحاذاة بين بعض أعضائه وأعضائها في حالتي الركوع والسجود وهو كاف في إطلاق كون صلاتها بحذائه. انتهى.

ومنها ـ صحيحة عبد الله بن ابي يعفور (٣) قال : «قلت لأبي عبد الله (عليه‌السلام) أصلي والمرأة إلى جنبي وهي تصلي؟ فقال لا إلا ان تتقدم هي أو أنت ، ولا بأس ان تصلي وهي بحذائك جالسة أو قائمة». وهذه الرواية مما استدل بها في المدارك على ما اختاره من الجواز ، والظاهر ان بناء الاستدلال بها من حيث توهم حملها على جواز تقدم المرأة على

__________________

(١ و ٢ و ٣) الوسائل الباب ٥ من مكان المصلي.

١٧٩

الرجل حال صلاتهما معا ، وهو غلط بل سياق الرواية ينادي بأن المراد بالتقدم انما هو في ان يصلي الرجل أولا وحده أو المرأة وحدها ثم يصلي الآخر بعده وإلا فكيف يمنع (عليه‌السلام) المحاذاة ويجوز تقدم المرأة وهي أشد في المنع؟ ويعضده ايضا قوله في الخبر : «ولا بأس ان تصلي وهي بحذائك جالسة» وهو إشارة إلى ثبوت البأس في ما منع منه من المحاذاة حال الصلاة الذي تعلق به السؤال.

ومنها ـ صحيحة زرارة عن ابي جعفر (عليه‌السلام) (١) قال : «سألته عن المرأة تصلى عند الرجل؟ فقال لا تصلى المرأة بحيال الرجل إلا ان يكون قدامها ولو بصدره». وهذه الرواية مما استدل بها في المدارك على ما ذهب اليه من الجواز ايضا وهي ظاهرة كغيرها مما عرفت من أكثر الأخبار المتقدمة في العدم ، نعم هي ظاهرة في الاكتفاء في تقدم الرجل المجوز لصلاته مع المرأة في مكان واحد بالتقدم ولو بمقدار صدره ، وهذا مما يقرب من اشتراط التقدم بشبر ونحوه.

ومنها ـ صحيحة محمد بن مسلم عن ابي جعفر (عليه‌السلام) (٢) «في المرأة تصلي عند الرجل؟ فقال إذا كان بينهما حاجز فلا بأس». وهذه ايضا مما استدل بها في المدارك على الجواز وهي في الدلالة على خلافه أظهر إذ ظاهرها انما هو الجواز مع الحائل ومفهومها ثبوت البأس مع عدم الحائل فهي عليه لا له.

ومنها ـ صحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما (عليهما‌السلام) (٣) قال : «سألته عن الرجل يصلي في زاوية الحجرة وامرأته أو ابنته تصلي بحذائه في الزاوية الأخرى؟ فقال لا ينبغي له ذلك فان كان بينهما ستر أجزأه». هكذا في رواية الكافي للخبر المذكور ورواه الشيخ في التهذيب بلفظ «شبر» وزاد «يعني إذا كان الرجل متقدما على المرأة بشبر» وهذه الزيادة يحتمل ان تكون من كلام الشيخ ويحتمل ان تكون من الراوي.

__________________

(١) الوسائل الباب ٦ من مكان المصلي.

(٢) الوسائل الباب ٨ من مكان المصلي.

(٣) الوسائل الباب ٥ من مكان المصلى.

١٨٠