الحدائق الناضرة - ج ٧

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]

الحدائق الناضرة - ج ٧

المؤلف:

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]


المحقق: محمّد تقي الإيرواني
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٥٦

محل المنع ويشير الى ما ذكرناه ما تقدم من كلام شيخنا المجلسي (قدس‌سره) ايضا ، وقال شيخنا المشار إليه أيضا زيادة على ما تقدم : ويحتمل ان يكون القباء وشبهه أيضا قائما مقام الرداء بل الرداء شامل له ، وقال الفاضلان الرداء هو ثوب يجعل على المنكبين. وفي القاموس انه ملحفة. انتهى. وهو جيد إلا ان قوله : «بل الرداء شامل له» محل نظر فان الرداء لغة وعرفا ثوب مخصوص كغيره من الثياب المخصوصة المتعينة في حد ذاتها فكيف يحتمل دخول القباء ونحوه تحت إطلاقه؟ وعبارة الفاضلين لا دلالة لها على ما ادعاه لان مرادهما الإشارة إلى أنه ثوب معلوم يجعل على المنكبين إشارة إلى تبادره ومعلوميته كغيره من أصناف الثياب لا ان مرادهما اي ثوب كان وبالجملة فإن المستفاد من الاخبار هو ما قدمنا تحقيقه من انه يستحب ان يكون على المصلي ثوبان أحدهما على الآخر كائنا من كان وكائنا ما كان.

(الثالثة) ـ قال شيخنا المجلسي (قدس‌سره) في البحث عن الرداء : واما ما هو الشائع من جعل منديل أو خيط على الرقبة في حال الاختيار مع لبس الأثواب المتعددة ففيه شائبة بدعة أقول : وجه البدعية ظاهر إذ فعل شي‌ء باعتقاد شرعيته وتوظيفه من الشارع والحال انه ليس كذلك تشريع. وقد حضرت في صغر سني بعض من يتسمى بالفضل ويدعيه يفعل ذلك في حال إمامته بالناس ولعل منشأ الشبهة عندهم اخبار وضع التكة وحمائل السيف ونحو ذلك ، ولم يتفطنوا الى ان ذلك مخصوص بمن كان ظهره مكشوفا كما هو مورد الأخبار.

(الرابعة) ـ روى في الكافي بسنده عن معلى بن خنيس عن الصادق (عليه‌السلام) (١) قال : «ان عليا (عليه‌السلام) اشترى ثلاثة أثواب بدينار : القميص الى فوق الكعب والإزار الى نصف الساق والرداء من بين يديه الى ثدييه ومن خلفه الى ألييه ثم رفع يده الى السماء فلم يزل يحمد الله على ما كساه حتى دخل منزله ثم قال هذا

__________________

(١) الوسائل الباب ٢٢ من أحكام الملابس.

١٤١

اللباس الذي ينبغي للمسلمين ان يلبسوه. قال أبو عبد الله (عليه‌السلام) ولكن لا يقدرون ان يلبسوا هذا اليوم ولو فعلنا لقالوا مجنون ولقالوا مراء والله تعالى يقول : «وَثِيابَكَ فَطَهِّرْ» (١) قال وثيابك ارفعها ولا تجرها وإذا قام قائمنا كان هذا اللباس».

أقول : وفي هذا الخبر فوائد : (منها) ما قدمنا ذكره ردا على شيخنا المجلسي (قدس‌سره) من ان الرداء ثوب معلوم معهود لا كل ما يتردى به ليشمل مثل القباء والعباء ونحوهما. و (منها) ان السنة في الرداء ان يكون عرض الثوب بحيث يصل الى الأليين وطوله بقدر ما يصل الى ثدييه. و (منها) ان الرداء في زمان الصادق (عليه‌السلام) كان يزيد على ذلك كما يستفاد من تتبع الاخبار والسير بحيث انه يجر على الأرض. و (منها) جواز ترك السنة ان كانت مهجورة بين الناس وكان عامة الناس يعيبونها ويتكلمون في عرض من يفعلها ، قال في الوافي في ذيل هذا الخبر : وفي الحديث دلالة على انه ينبغي عدم الإتيان بما لا يستحسنه الجمهور وان كان مستحبا كالتحنك بالعمامة في بلادنا. انتهى.

و (منها) ـ كراهة اللثام للرجل إذا لم يمنع القراءة والإحرام. وكذا الحكم في النقاب للمرأة ، وأطلق الشيخ المفيد في المقنعة المنع من اللثام للرجل وحمله في المعتبر على إرادته الكراهة. وهو حسن للأخبار الدالة على الجواز :

ومنها ـ ما رواه الشيخ في الصحيح عن الحلبي (٢) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) هل يقرأ الرجل في صلاته وثوبه على فيه؟ فقال لا بأس بذلك إذا سمع الهمهمة». وفيه دلالة على انه مع عدم سماع الهمهمة يحرم كما صرح به الأصحاب (رضوان الله عليهم) ايضا.

وما رواه الصدوق في الصحيح عن عبد الله بن سنان (٣) «انه سأل أبا عبد الله (عليه‌السلام) هل يقرأ الرجل في صلاته وثوبه على فيه؟ قال لا بأس بذلك».

__________________

(١) سورة المدثر ، الآية ٤.

(٢ و ٣) الوسائل الباب ٣٥ من لباس المصلي.

١٤٢

وما رواه الشيخ في التهذيب عن الحسن بن علي عن من ذكره من أصحابنا عن أحدهما (عليهما‌السلام) (١) «انه قال لا بأس بأن يقرأ الرجل في الصلاة وثوبه على فيه».

وما رواه الشيخ عن سماعة في الموثق (٢) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن الرجل يصلي ويقرأ القرآن وهو متلثم؟ فقال لا بأس به».

واما ما يدل على الكراهة فهو ما رواه الشيخ في الموثق عن سماعة (٣) قال : «سألته عن الرجل يصلي فيتلو القرآن وهو متلثم؟ فقال لا بأس به وان كشف عن فيه فهو أفضل. قال وسألته عن المرأة تصلي متنقبة؟ قال ان كشفت عن موضع السجود فلا بأس به وان أسفرت فهو أفضل».

وما رواه في الكافي والفقيه في الصحيح عن محمد بن مسلم عن ابي جعفر (عليه‌السلام) (٤) قال : «قلت له أيصلى الرجل وهو متلثم؟ فقال اما على وجه الأرض فلا واما على الدابة فلا بأس». قال في الوافي : لعل الوجه في الفرق ان الراكب ربما يتلثم لئلا يدخل فاه الغبار فيلزمه ذلك بخلاف الواقف على الأرض.

والشيخ قد حمل روايات نفي البأس على ما إذا سمع الهمهمة لصحيحة الحلبي المتقدمة والأظهر حمل ذلك على الجواز وان كان الأفضل عدمه لموثقة سماعة إلا ان الجواز مقيد بما إذا لم يمنع السماع لصحيحة الحلبي.

ومنها ـ ما ذكره جملة من الأصحاب من كراهة الصلاة في القباء المشدود إلا في الحرب ، وقال الشيخ المفيد في المقنعة : ولا يجوز لأحد ان يصلي وعليه قباء مشدود إلا ان يكون في الحرب فلا يتمكن ان يحله فيجوز ذلك للاضطرار. وظاهره التحريم ونقل عن صاحب الوسيلة انه حرمة. قال الشيخ في التهذيب : ذكر ذلك علي بن الحسين ابن بابويه وسمعناه من الشيوخ مذاكرة ولم اعرف به خبرا مسندا. وحاول الشهيد (قدس

__________________

(١ و ٢ و ٣ و ٤) الوسائل الباب ٣٥ من لباس المصلي.

١٤٣

سره) في الذكرى الاستدلال عليه بما رواه العامة عن النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) (١) انه قال : «لا يصلي أحدكم وهو محزم». ورد بأنه فاسد لان شد القباء غير التحزم ونقل في البيان عن الشيخ كراهة شد الوسط. ومنهم من حمل القباء المشدود على القباء الذي شدت أزراره مع انهم صرحوا بكراهة حل الأزرار في الصلاة وانه من عمل قوم لوط كما ورد به الخبر (٢) إلا ان يخص كراهة حل الأزرار بالقميص الواسع الجيب كما تقدم تحقيقه. وبالجملة فإن الحكم لا مستند له ولا دليل عليه كما عرفت فتطويل البحث فيه مما لا ثمرة له مهمة.

ومنها ـ كراهة الصلاة في الحديد إذا كان بارزا غير مستور على المشهور وربما قيل بالتحريم ، قال الشيخ في النهاية : ولا تجوز الصلاة إذا كان مع الإنسان شي‌ء من حديد مشهر مثل السكين والسيف فان كان في غمد أو قراب فلا بأس بذلك. ونقل في المختلف عن ابن البراج انه عد في جملة ما لا تصح الصلاة فيه على حال ثوب الإنسان إذا كان فيه سلاح شهير مثل سكين أو سيف ، قال : وكذلك إذا كان في كمه مفتاح حديد إلا ان يلفه بشي‌ء وإذا كان معه دراهم سود إلا ان يلفها بشي‌ء.

والذي وقفت عليه من الاخبار الواردة في هذا المقام كلها دالة على هذا القول ومنها ـ ما رواه الشيخ عن السكوني عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٣) قال : «قال رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) لا يصلي الرجل وفي يده خاتم حديد». وعن موسى بن أكيل النميري عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٤) «انه حلية أهل

__________________

(١) لم نعثر عليه فيما وقفنا عليه من اخبار العامة نعم في نهاية ابن الأثير مادة «حزم» : وفيه «نهى ان يصلى الرجل بغير حزام». ومنه الحديث «نهى ان يصلى الرجل حتى يحتزم» والحديث الآخر انه أمر بالتحزم في الصلاة. وفي التذكرة في ما يكره فيه الصلاة «و» عن النبي «ص» «لا يصلى أحدكم إلا وهو محزم».

(٢) الوسائل الباب ٢٣ من لباس المصلي.

(٣ و ٤) الوسائل الباب ٣٢ من لباس المصلي.

١٤٤

النار ، قال : وجعل الله الحديد في الدنيا زينة الجن والشياطين فيحرم على الرجل المسلم ان يلبسه في الصلاة إلا ان يكون قبال عدو فلا بأس به. قال قلت فالرجل في السفر يكون معه السكين في خفه لا يستغني عنه أو في سراويله مشدودا ، والمفتاح يخشى ان وضعه ضاع أو يكون في وسطه المنطقة من حديد؟ قال لا بأس بالسكين والمنطقة للمسافر في وقت ضرورة وكذلك المفتاح إذا خاف الضيعة والنسيان ، ولا بأس بالسيف وكل آلة السلاح في الحرب ، وفي غير ذلك لا يجوز الصلاة في شي‌ء من الحديد فإنه نجس ممسوخ».

وروى في كتاب العلل في الموثق عن عمار الساباطي عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (١) «في الرجل يصلي وعليه خاتم حديد؟ قال لا ولا يتختم به الرجل لانه من لباس أهل النار. الحديث».

وعن احمد بن محمد بن ابي الفضل المدائني عن من حدثه عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٢) قال : «لا يصلي الرجل وفي تكته مفتاح حديد». قال الكليني : وروى إذا كان المفتاح في غلاف فلا بأس.

وهذه الاخبار ـ كما ترى ـ ظاهرة في القول المذكور والأصحاب لم يتمسكوا في مقابلتها الا بالأصل ، قال في المدارك بعد نقل قول الشيخ (قدس‌سره) في النهاية : والمعتمد الكراهة ، لنا على الجواز الأصل وإطلاق الأمر بالصلاة فلا يتقيد إلا بدليل ، وعلى الكراهة ما رواه الشيخ ، ثم نقل روايتي السكوني وموسى بن أكيل المذكورتين. وهذا الكلام جيد على أصله من رد الأخبار الضعيفة والاعتماد على الأصل في مقابلتها وان عمل بها في الكراهة والاستحباب وقد عرفت ما فيه في غير باب ، بل قال في المدارك هنا : ويمكن القول بانتفاء الكراهة مطلقا لضعف المستند. انتهى. وهو خلاف ما هو عليه في غير مقام من الأحكام كما لا يخفى على من لاحظ كتابه.

وبالجملة فالحكم عند من يحكم بصحة الاخبار ولا يرى العمل بهذا الاصطلاح

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ٣٢ من لباس المصلي.

١٤٥

المحدث لا يخلو من اشكال إلا ان ظاهر حديث النميري ان العلة في المنع من الصلاة فيه انما هو من حيث انه نجس ممسوخ ، وقد قدمنا في كتاب الطهارة ان الأصح طهارته وحينئذ فيضعف الاعتماد على هذه الاخبار.

ويعضد ذلك ما رواه في كتاب الاحتجاج عن محمد بن عبد الله بن جعفر الحميري في ما كتبه الى صاحب الزمان عجل الله فرجه (١) «انه سأله عن الرجل يصلي وفي كمه أو سراويله سكين أو مفتاح حديد هل يجوز ذلك؟ فكتب في الجواب جائز».

ورواه الشيخ في كتاب الغيبة. وروى الصدوق في كتاب العلل بإسناده عن عبد خير (٢) قال : «كان لعلي ابن ابي طالب (عليه‌السلام) أربعة خواتيم يتختم بها : ياقوت لنيله وفيروزج لنصره والحديد الصيني لقوته وعقيق لحرزه. الحديث». وفيه دلالة على جواز لبس الحديد الصيني إلا انه لا يدل على جواز الصلاة فيه صريحا ، مع ان ظاهر سند الخبر انه عامي فيضعف الاعتماد عليه في تخصيص اخبار المنع من الحديد مطلقا سيما وقد روى الشيخ في التهذيب في باب فضل الكوفة حديثا يتضمن كراهة التختم به.

وكيف كان فتسقط الكراهة بستره كما دلت عليه مرسلة الكليني وبه صرح الأصحاب ، قال في المعتبر وتسقط الكراهة مع ستره وقوفا بالكراهة على موضع الاتفاق ممن كرهه.

و (منها) ـ كراهة الصلاة في ثوب المتهم بعدم توقي النجاسات وكذا من يعلم انه لا يتوقى النجاسات على المشهور بين الأصحاب ومنهم الشيخ في النهاية حيث قال إذا عمل مجوسي ثوبا لمسلم يستحب ان لا يصلي فيه إلا بعد غسله وكذا إذا استعار ثوبا من شارب خمرا ومستحل شي‌ء من النجاسات يستحب ان يغسل أولا ثم يصلى فيه. وقال الشيخ في المبسوط إذا عمل كافر ثوبا لمسلم فلا يصلي فيه إلا بعد غسله وكذلك إذا صنعه له لأن

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ٣٢ من لباس المصلي.

١٤٦

الكافر نجس وسواء كان كافر أصل أو كافر ردة أو كافر ملة. وهو ظاهر في التحريم واختاره ابن إدريس وجعل قول الشيخ في النهاية خبرا واحدا أورده إيرادا لا اعتقادا بل اعتقاده وفتواه ما ذكره في المبسوط. وقال ابن الجنيد : فان كان استعاره من ذمي أو ممن الأغلب على ثوبه النجاسة أعاد خرج الوقت أو لم يخرج. وهو مؤذن بقول الشيخ في المبسوط مع انه قبل ذلك ـ على ما نقله العلامة في المختلف عنه ـ قال : واستحب تجنب ثياب المشركين ومن لا يؤمن على النجاسة من ثوبه والتنظيف لجسده منها وخاصة منازلهم وما سفل من أثوابهم التي يلبسونها وما يجلسون عليه من فرشهم ، ولو صلى عليه أو فيه ثم علم بنجاسته اخترت له الإعادة في الوقت وغير الوقت وهي في الوقت أوجب منها إذا خرج. انتهى ولا يخفى ما بين الكلامين من المدافعة إلا ان يحمل كلامه الأول على الاستحباب وان كان خلاف ظاهره اعتمادا على ما قدمه من هذا الكلام المذكور. وقال الشيخ : يجوز للرجل ان يصلي في ثوب المرأة إذا كانت مأمونة. وعد ابن البراج في المكروه ثوب المرأة للرجل وأطلق.

وأقول : قد تقدم في مباحث المقصد الثاني من الباب الخامس من كتاب الطهارة تحقيق ان الأصل في الأشياء الطهارة وانه لا يخرج عن أصالة الطهارة بمجرد ظن النجاسة بل لا بد من العلم ، وجملة الأخبار الدالة على هذا الأصل ، ومنها جملة من الاخبار في الثياب التي يعملها المجوس. وان بإزائها أخبارا دالة على خلاف ذلك من العمل بظن النجاسة ، وان الشيخ ومن تبعه قد حملوا الأخبار المخالفة على الاستحباب ، ولا بأس بنقل بعض اخبار الطرفين في المقام إذ ربما يعسر على الناظر هنا الرجوع الى ذلك الكتاب

فنقول : مما يدل على ما هو مقتضى القاعدة المتفق عليها صحيحة معاوية بن عمار (١) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن الثياب السابرية يعملها المجوس وهم أخباث وهم يشربون الخمر ونساؤهم على تلك الحال ألبسها ولا اغسلها وأصلي فيها؟

__________________

(١) الوسائل الباب ٧٣ من النجاسات.

١٤٧

قال نعم قال معاوية فقطعت له قميصا وخطته وفتلت له أزرارا ورداء من السابري ثم بعثت بها إليه في يوم جمعة حين ارتفع النهار فكأنه عرف ما أريد فخرج فيها إلى الجمعة».

وصحيحة عبد الله بن سنان (١) قال : «سأل أبي أبا عبد الله (عليه‌السلام) وانا حاضر : اني أعير الذمي ثوبي وانا اعلم انه يشرب الخمر ويأكل لحم الخنزير فيرده علي فاغسله قبل ان أصلي فيه؟ فقال أبو عبد الله (عليه‌السلام) صل فيه ولا تغسله من أجل ذلك فإنك أعرته إياه وهو طاهر ولم تستيقن أنه نجسه.».

ورواية المعلى بن خنيس (٢) قال : «سمعت أبا عبد الله (عليه‌السلام) يقول لا بأس بالصلاة في الثياب التي يعملها المجوس والنصارى واليهود». الى غير ذلك من الاخبار المتعلقة بالثياب وغيرها.

ومما يدل على خلاف ذلك من البناء على ظن النجاسة كما هو مذهب المبسوط وابن إدريس صحيحة عبد الله بن سنان (٣) قال : «سأل أبي أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن الذي يعير ثوبه لمن يعلم أنه يأكل الجري ويشرب الخمر فيرده أيصلي فيه قبل ان يغسله؟ قال لا يصلي فيه حتى يغسله». ومن ذلك صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج ورواية أبي بصير المتقدمتان في المقام الأول من المطلب الثاني في ما يجوز لبسه للمصلي وما لا يجوز (٤) ونحوهما غيرهما مما تقدم ثمة.

واما ما يدل على الحمل على الاستحباب كما فهمه الأصحاب فرواية ابي علي البزاز عن أبيه (٥) قال : «سألت جعفر بن محمد (عليهما‌السلام) عن الثوب يعمله أهل الكتاب أصلي فيه قبل ان يغسل؟ قال لا بأس وان يغسل أحب الي».

وصحيحة الحلبي (٦) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن الصلاة في ثوب المجوسي فقال يرش بالماء». والتقريب في هذا الخبر ما علم من الاخبار المتكاثرة من

__________________

(١ و ٣) الوسائل الباب ٧٤ من النجاسات.

(٢ و ٥ و ٦) الوسائل الباب ٧٣ من النجاسات.

(٤) ص ٥٢.

١٤٨

استحباب الرش في موضع يقين الطهارة إذا عرض ما يؤذن بظن النجاسة أو النفرة أو نحو ذلك كملاقاة الكلب والخنزير باليبوسة ونحوهما.

ومن الأخبار الظاهرة في هذه المسألة بالنسبة إلى المتهم بعدم توقي النجاسات ما رواه الكليني والشيخ عن العيص بن القاسم (١) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن الرجل يصلي في ثوب المرأة وفي إزارها ويعتم بخمارها؟ قال نعم إذا كانت مأمونة». ورواه الصدوق عن العيص وطريقه إليه في المشيخة صحيح فيكون الخبر صحيحا ، وهو دال بمفهومه على المنع من غير المأمونة.

و (منها) ـ كراهة صلاة المرأة في خلخال له صوت فلو كان أصم جاز من غير كراهة ، ويدل على كل من الحكمين ما رواه علي بن جعفر في الصحيح عن أخيه موسى (عليه‌السلام) (٢) «انه سأله عن الخلاخل هل يصلح لبسها للنساء والصبيان؟ قال ان كانت صماء فلا بأس وان كان لها صوت فلا يصلح». ولا اختصاص للرواية بحال الصلاة كما يظهر من كلام الأصحاب (رضوان الله عليهم) نعم تدل على ذلك بإطلاقها وقال ابن البراج لا تصح الصلاة في خلاخل النساء إذا كان لها صوت.

و (منها) ـ كراهة الصلاة في ثوب فيه تماثيل أو خاتم كذلك على المشهور ، وقال الشيخ في المبسوط : الثوب إذا كان فيه تماثيل وصور لا تجوز الصلاة فيه. وقال فيه ايضا : لا تصل في ثوب فيه تماثيل ولا خاتم كذلك. ونحوه في النهاية. ونقل عن ابن البراج انه حرم الصلاة في الخاتم الذي فيه صورة ولم يذكر الثوب. وظاهر كلام الأكثر عدم الفرق في المثال بين صور الحيوان وغيره وقال ابن إدريس : إنما تكره الصلاة في الثوب الذي عليه الصور والتماثيل من الحيوان فاما صور غير الحيوان فلا بأس. وقال في الذكرى : ولعله نظر الى تفسير قوله تعالى «يَعْمَلُونَ لَهُ ما يَشاءُ مِنْ مَحارِيبَ وَتَماثِيلَ» (٣)

__________________

(١) الوسائل الباب ٤٩ من لباس المصلي.

(٢) الوسائل الباب ٦٢ من لباس المصلي.

(٣) سورة السبإ ، الآية ١٢.

١٤٩

فعن أهل البيت (عليهم‌السلام) (١) انها كصور الأشجار.

أقول : وها انا انقل هنا ما وصل الي من الاخبار المتعلقة بهذا المقام مما تضمن الثياب وغيرها واذيلها بما يفهم منها من الأحكام بتوفيق الملك العلام وبركة أهل الذكر عليهم الصلاة والسلام :

ومنها ـ ما رواه ثقة الإسلام في الصحيح عن محمد بن مسلم (٢) قال : «سألت أحدهما (عليهما‌السلام) عن التماثيل في البيت؟ فقال لا بأس إذا كانت عن يمينك وعن شمالك ومن خلفك أو تحت رجلك ، وان كانت في القبلة فالق عليها ثوبا».

وعن عبد الله بن سنان بسند فيه محمد بن عيسى عن يونس عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٣) «انه كره ان يصلى وعليه ثوب فيه تماثيل».

وعن عمار بن موسى في الموثق (٤) «انه سأل أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن الصلاة في ثوب في علمه مثال طير أو غير ذلك؟ قال لا. وعن الرجل يلبس الخاتم فيه نقش مثال الطير أو غير ذلك؟ قال لا تجوز الصلاة فيه».

وروى الصدوق في حديث المناهي المذكور في الفقيه (٥) قال : «نهى رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) ان ينقش شي‌ء من الحيوان على الخاتم».

وما رواه الصدوق عن عبد الرحمن بن الحجاج في الصحيح عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٦) «انه سأله عن الدراهم السود تكون مع الرجل وهو يصلي مربوطة أو غير مربوطة؟ قال ما اشتهى ان يصلي ومعه هذه الدراهم التي فيها التماثيل ، ثم قال ما للناس بد من حفظ بضائعهم فإن صلى وهي معه فلتكن من خلفه ولا يجعل شيئا منها بينه وبين القبلة».

__________________

(١) الوسائل الباب ٣ من أحكام المساكن.

(٢ و ٣ و ٤ و ٦) الوسائل الباب ٤٥ من لباس المصلي.

(٥) الوسائل الباب ٤٦ من لباس المصلي.

١٥٠

وعن محمد بن إسماعيل بن بزيع في الصحيح عن ابي الحسن الرضا (عليه‌السلام) (١) «انه سأله عن الصلاة في الثوب المعلم فكره ما فيه من التماثيل».

وما رواه في التهذيب عن محمد بن مسلم عن ابي جعفر (عليه‌السلام) (٢) قال : «لا بأس ان تكون التماثيل في الثوب إذا غيرت الصورة منه».

وما رواه في كتاب الخصال بإسناده عن علي (عليه‌السلام) في حديث الأربع مائة (٣) قال : «لا يسجد الرجل على صورة ولا على بساط فيه صورة ويجوز ان تكون الصورة تحت قدميه أو يطرح عليها ما يواريها ، ولا يعقد الرجل الدراهم التي فيها صورة في ثوبه وهو يصلي ويجوز ان تكون الدراهم في هميان أو في ثوب إذا خاف ويجعلها في ظهره».

وما رواه الشيخ في الصحيح عن محمد بن مسلم (٤) قال : «قلت لأبي جعفر (عليه‌السلام) أصلي والتماثيل قدامي وانا انظر إليها؟ قال لا. اطرح عليها ثوبا ولا بأس بها إذا كانت عن يمينك أو شمالك أو خلفك أو تحت رجلك أو فوق رأسك ، وان كانت في القبلة فالق عليها ثوبا وصل».

وعن محمد بن ابي عمير في الصحيح عن بعض أصحابه عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٥) قال : «سألته عن التماثيل تكون في البساط لها عينان وأنت تصلي؟ فقال

__________________

(١ و ٣ و ٤ و ٥) الوسائل الباب ٤٥ من لباس المصلي.

(٢) الوسائل الباب ٤٥ من لباس المصلى. ولم يصف هذه الرواية بالصحة فيما وقفنا عليه من النسخ والظاهر انها هي صحيحة محمد بن مسلم الآتية بعد صحيحة ليث المرادي التي يرويها عن الشيخ بمقتضى سياق كلامه ولم نعثر في كتب الحديث على رواية بهذا اللفظ إلا في موضع واحد من التهذيب فقط. نعم في مكارم الأخلاق ص ٢٩ رواية بهذا اللفظ : «لا بأس ان تكون التماثيل في البيوت إذا غيرت الصورة» وعليه فالرواية المذكورة تكون مكررة في كلامه (قدس‌سره).

١٥١

ان كان لها عين واحدة فلا بأس وان كان له عينان فلا» ورواه في الكافي الا انه قال : «تقع عينك عليه وأنت تصلي».

وعن حماد بن عثمان في الصحيح (١) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن الدراهم السود فيها التماثيل أيصلي الرجل وهي معه؟ فقال لا بأس بذلك إذا كانت مواراة».

وعن محمد بن مسلم في الصحيح عن ابي جعفر (عليه‌السلام) (٢) قال : «لا بأس ان تصلي على كل التماثيل إذا جعلتها تحتك».

وعن ليث المرادي في الصحيح (٣) قال : «قلت لأبي عبد الله (عليه‌السلام) الوسائد تكون في البيت فيها التماثيل عن يمين أو شمال؟ فقال لا بأس ما لم تكن تجاه القبلة فإن كان شي‌ء منها بين يديك مما يلي القبلة فغطه وصل ، وإذا كان معك دراهم سود فيها تماثيل فلا تجعلها من بين يديك واجعلها من خلفك».

وعن محمد بن مسلم في الصحيح عن ابي جعفر (عليه‌السلام) (٤) قال : «لا بأس ان تكون التماثيل في الثوب إذا غيرت الصورة منه».

وما رواه في كتاب قرب الاسناد عن عبد الله بن الحسن عن جده على بن جعفر عن أخيه موسى (عليه‌السلام) (٥) قال : «سألته عن فراش حرير ومصلى حرير ومثله من الديباج ، الى ان قال : وسألته عن الرجل هل يصلح له ان يصلي في بيت فيه أنماط فيها تماثيل قد غطاها؟ قال لا بأس. وسألته عن الرجل هل يصلح له ان يصلي في بيت على بابه ستر خارجه فيه التماثيل ودونه مما يلي البيت ستر آخر ليس فيه تماثيل؟ هل يصلح له ان يرخي الستر الذي ليس فيه تماثيل حتى يحول بينه وبين الستر الذي فيه تماثيل أو يجيف الباب دونه ويصلي؟ قال نعم لا بأس. وسألته عن البيت قد صور فيه طير أو سمكة أو شبهه يعبث به أهل البيت هل تصلح الصلاة فيه؟ قال لا حتى يقطع رأسه أو يفسده وان كان قد صلى فليس عليه اعادة. وسألته عن الدار والحجرة فيها التماثيل أيصلى فيها؟

__________________

(١ و ٢ و ٣ و ٤ و ٥) الوسائل الباب ٤٥ من لباس المصلي.

١٥٢

قال : لا تصل فيها وشي‌ء منها مستقبلك إلا ان لا تجد بدا فتقطع رؤوسها وإلا فلا تصل».

ورواه في كتاب المحاسن عن موسى بن القاسم عن علي بن جعفر عن أخيه موسى (عليه‌السلام) (١) قال : «سألته عن الرجل هل يصلح له ان يصلي في بيت على بابه ستر. الى آخر الأسئلة والأجوبة».

وما رواه في كتاب المكارم عن الحلبي عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٢) قال : «ربما قمت أصلي وبين يدي وسادة فيها تماثيل طائر فجعلت عليه ثوبا. وقال قد أهديت الي طنفسة من الشام فيها تماثيل طائر فأمرت به فغير رأسه فجعل كهيئة الشجر. وقال ان الشيطان أشد ما يهم بالإنسان إذا كان وحده».

وعن محمد بن مسلم (٣) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن تماثيل الشجر والشمس والقمر؟ قال لا بأس ما لم يكن فيه شي‌ء من الحيوان».

وعن ابي بصير (٤) قال : «قلت لأبي عبد الله (عليه‌السلام) انما نبسط عندنا الوسائد فيها التماثيل ونفر شبها؟ قال لا بأس بما يبسط منها ويفترش ويوطأ إنما يكره منها ما نصب على الحائط والسرير».

وما رواه الشيخ في الصحيح عن محمد بن مسلم (٥) قال : «سألت أبا جعفر (عليه‌السلام) عن الرجل يصلي وفي ثوبه دراهم فيها تماثيل؟ فقال لا بأس بذلك».

وما رواه الكليني في الصحيح عن البزنطي عن الرضا (عليه‌السلام) (٦) «انه أراه خاتم ابي الحسن (عليه‌السلام) وفيه وردة وهلال في أعلاه».

__________________

(١ و ٥) الوسائل الباب ٤٥ من لباس المصلي.

(٢) الوسائل الباب ٤ من أحكام المساكن.

(٣) مكارم الأخلاق ص ٦٩.

(٤) مكارم الأخلاق ص ٦٩ ورواه في الوسائل عن الشيخ في الباب ٩٤ من ما يكتسب به.

(٦) الوسائل الباب ٤٦ من أبواب لباس المصلى.

١٥٣

وروى في الصحيح عن زرارة عن ابي جعفر (عليه‌السلام) (١) قال : «لا بأس بتماثيل الشجر».

وفي الصحيح عن محمد بن مسلم (٢) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن تماثيل الشجر والشمس والقمر؟ فقال لا بأس ما لم يكن شيئا من الحيوان».

وما رواه في كتاب الخصال عن ابي بصير ومحمد بن مسلم عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٣) قال : «قال أمير المؤمنين (عليه‌السلام) لا يعقد الرجل الدراهم التي فيها صورة في ثوبه وهو يصلي ، ويجوز ان تكون الدراهم في هميان أو في ثوب إذا خاف ويجعلها في ظهره».

هذا ما حضرني من الاخبار المتعلقة بهذا المقام والكلام فيها يقع في مواضع :

(الأول) لا يخفى ان أكثر هذه الاخبار وان كان ظاهره التحريم باعتبار ظاهر النهي وما ورد من المبالغة في الزجر عن ذلك إلا ان جملة منها مما يدل على الجواز مثل صحيحة محمد بن مسلم الأخيرة الدالة على نفى البأس عن صلاة الرجل وفي ثوبه دراهم وفيها تماثيل ، وصحيح البزنطي الدال على الوردة والهلال في خاتم ابي الحسن (عليه‌السلام) كما تقدم ، وصحيحة محمد بن مسلم الدالة على نفي البأس عن تماثيل الشجر والشمس والقمر ، وحديث الطنفسة المنقول من المكارم الدال على تغيير صورة الطير إلى صورة الشجر ، وبعض الأخبار الواردة بلفظ «لا اشتهي ولا أحب» مضافا ذلك الى اتفاق جمهور الأصحاب على الكراهة ، فالقول بالتحريم ضعيف.

(الثاني) ـ ان ظاهر أكثر الأخبار عموم الكراهة في الصورة من ذوي الأرواح وغيرها إلا ان صحيح زرارة الدال على نفي البأس عن تماثيل الشجر ـ وصحيحة

__________________

(١) الوسائل الباب ٩٤ من ما يكتسب به.

(٢) الوسائل الباب ٣ من أحكام المساكن.

(٣) الوسائل الباب ٤٥ من لباس المصلى ولا يخفى ان رواية أبي بصير ومحمد بن مسلم هي حديث الأربعمائة وقد تقدمت في الحديث ٨ من هذه الأحاديث.

١٥٤

محمد بن مسلم الدالة على زيادة الشمس والقمر على الشجر في ذلك ، وكذلك حديث الطنفسة ، وكذلك خبر البزنطي المذكور فيه خاتم ابي الحسن (عليه‌السلام) ـ يدل على تخصيص الكراهة بذي الروح كما ذهب اليه ابن إدريس.

ومن ذلك ينقدح هنا اشكال باعتبار الاستدلال بهذه الاخبار على عموم الكراهة حيث انها دلت على الجواز فتحمل أخبار النهي على الكراهة جمعا بينها وبين هذه الاخبار كما تقدم ، ومتى حملت هذه الاخبار على عدم تعلق الكراهة بغير ذي الروح وخصت الكراهة بذي الروح لم يبق دليل على الكراهة لأن الأخبار دالة على النهي الذي هو حقيقة في التحريم مؤكدا ذلك بما اشتملت عليه الاخبار من المبالغة في ذلك ولا معارض لها مع قول البعض بالتحريم كما عرفت.

نعم يمكن ان يستدل على ما ذهب اليه ابن إدريس من ان محل الخلاف في المسألة تجويزا ومنعا انما هو التماثيل من ذي الروح بما تضمنه جملة من هذه الاخبار مما يدل على كون المثال من ذوي الأرواح كالتصريح بالطائر في بعض وقطع الرأس في بعض وطمس العين في بعض ونحو ذلك.

ويعضده الأخبار الدالة على ان التحريم مخصوص بتصوير ذي الروح واما غير ذي الروح من الأشجار ونحوها فلا بأس بها فعن ابي جعفر (عليه‌السلام) (١) «في تفسير قوله تعالى : «إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ ...» (٢) هم المصورون يكلفون يوم القيامة ان ينفخوا فيها الروح». وفي حديث المناهي المروي في الفقيه عن النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) (٣) «من صور صورة كلفه الله يوم القيامة ان ينفخ فيها وليس بنافخ. الخبر».

ويعضد ذلك كلام بعض اللغويين الدال على ان التمثال انما هو ذو الروح ، قال المطرزي في المغرب التمثال ما تصنعه وتصوره مشبها بخلق الله من ذوات الروح والصورة عام ، ويشهد لهذا ما ذكر في الأصل انه صلى وعليه ثوب فيه تماثيل كره له ذلك ، قال

__________________

(١ و ٣) الوسائل الباب ٣ من أحكام المساكن و ٩٤ من ما يكتسب به.

(٢) سورة الأحزاب ، الآية ٥٧.

١٥٥

وإذا قطعت رؤوسها فليس بتماثيل. وقوله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) (١) : «لا تدخل الملائكة بيتا فيه تماثيل أو تصاوير». كأنه شك من الراوي. واما قولهم ويكره التصاوير والتماثيل فالعطف للبيان ، واما تماثيل شجر فمجاز ان صح. انتهى. وقال في المصباح المنير : التمثال الصورة المصورة ، وفي ثوبه تماثيل اي صور حيوانات مصورة.

قال في الذكرى : خص ابن إدريس (قدس‌سره) الكراهة بتماثيل الحيوان لا غيرها كالأشجار وكأنه نظر الى تفسير قوله تعالى «يَعْمَلُونَ لَهُ ما يَشاءُ مِنْ مَحارِيبَ وَتَماثِيلَ» (٢) فعن أهل البيت (عليهم‌السلام) انها كصور الأشجار. وقد روى العامة في الصحاح (٣) «ان رجلا قال لابن عباس إني أصور هذه الصور فأفتني فيها فقال سمعت رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) يقول كل مصور في النار يجعل له بكل صورة صورها نفسا فيعذبه في جهنم ، وقال ان كنت لا بد فاعلا فاصنع الشجر وما لا نفس له». وفي مرسل ابن ابي عمير عن الصادق (عليه‌السلام) «في التماثيل في البساط لها عينان. الحديث». كما قدمناه (٤) ثم قال وعن محمد بن مسلم عن ابي جعفر (عليه‌السلام) (٥) قال : «لا بأس ان تكون التماثيل في الثوب إذا غيرت الصورة منه». وأكثر هذه يشعر بما قاله ابن إدريس وان أطلقه كثير من الأصحاب (رضوان الله عليهم) انتهى كلامه زيد مقامه. وهو يؤذن بميله الى ما ذهب اليه ابن إدريس ولا يخلو من قوة كما عرفت وان كان العمل بالقول المشهور أحوط إلا انه ـ كما قدمنا ذكره ـ يلزم ما ذكره في المبسوط من القول بالتحريم في تمثال ذي الروح وهو الذي جعله ابن إدريس محل الخلاف في المسألة إذ الاخبار التي قدمناها ظاهرة في الجواز موردها تمثال غير ذي الروح وهو خارج عن محل البحث بناء على مذهب ابن إدريس. نعم يمكن الاستدلال على الكراهة

__________________

(١) الوسائل الباب ٣٣ من مكان المصلي.

(٢) سورة السبإ ، الآية ١٢.

(٣) صحيح مسلم باب «لا تدخل الملائكة بيتا فيه كلب ولا صورة» من كتاب اللباس والزينة.

(٤) ص ١٥١.

(٥) الوسائل الباب ٤٥ من لباس المصلي.

١٥٦

حينئذ بما في ألفاظ بعض تلك الاخبار من لفظ الكراهة ولفظ «لا أحب ولا اشتهي» ونحو ذلك. وفيه ما فيه سيما مع تصريح موثقة عمار المتقدمة المشتملة على تمثال الطير بعدم الجواز والنهي.

وبالجملة فالمسألة عند التأمل في أدلتها لا تخلو من شوب الاشكال ، والمتأخرون قد أخذوها مسلمة ولم يذكروا للكراهة دليلا منقحا ورواء نقل بعض هذه الاخبار وهي على ما عرفت ، وبذلك على ما ذكرنا ان صاحب الذخيرة قد استدل للقول بالكراهة هنا بموثقة عمار المذكورة وصحيحة محمد بن إسماعيل المشتملة على سؤاله من الرضا (عليه‌السلام) عن الثوب المعلم فكره ما فيه التماثيل ، ولم يذكر غيرهما ، وظاهره الاعتماد في الحكم بالكراهة على لفظه «كره» في هذه الرواية فنظمها مع موثقة عمار الدالة على عدم الجواز والنهي عن تمثال الطير دليلا واحدا لأجل هذا اللفظ مع ما صرح به هو وغيره من ان ورود لفظ الكراهة في الاخبار أكثر كثير في التحريم كما تقدم قريبا ، ومع هذا الاستدلال الظاهر الاختلال نقل قول ابن إدريس بالتخصيص بصور الحيوان وقول الشيخ في المبسوط وردهما بالضعف والحال ما ترى.

(الثالث) ـ ظاهر كثير من هذه الاخبار زوال الكراهة أو التحريم على القول به بقلع رأس الصورة لو كانت صورة حيوان أو طمس عين منها ، وظاهر ذلك نقص عضو من أعضاء تلك الصورة كما يشير اليه قوله (عليه‌السلام) في صحيحة محمد ابن مسلم : «إذا غيرت الصورة منه» وفي هذا ما يؤيد أيضا قول ابن إدريس لأنه إذا زالت الكراهة عن صورة الحيوان بمجرد نقص عضو مع ان سائر اجزائه مماثلة لما وجد منها في الخارج فالشجر وأمثاله أولى بالجواز. وتزول الكراهة بما لو لم تكن الصورة في القبلة بل كانت عن يمين أو شمال أو تحت أو فوق ، وتزول ايضا بما لو كانت في القبلة والقى عليها سترا. واما ما رواه في كتاب المحاسن في الموثق عن علي بن جعفر (١)

__________________

(١) الوسائل الباب ٣٢ من مكان المصلى.

١٥٧

قال : «سألت أبا الحسن موسى (عليه‌السلام) عن البيوت يكون فيها التماثيل أيصلى فيها قال لا». فالظاهر تقييده بالأخبار المذكورة.

(الرابع) ـ قد اتفقت الاخبار على النهي عن الصلاة في الدراهم السود مصحوبة أو مطروحة بين يديه ، وتزول الكراهة بشدها في ثوب أو جعلها الى خلفه ، إلا ان ظاهر صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج تضمنت انه يشدها في صلاته على ظهره ولا يجعلها مما يلي القبلة لأنه أبعد من توهم المشابهة لعبادة الأصنام التي على تلك الدراهم وهي السبب الموجب لكراهة الصلاة وهي بارزة ، لا بمعنى انه يطرحها خلفه وقت الصلاة فإنه مناف للحفظ الذي لأجله سوغ الصلاة فيها بل ربما كان ذلك أعظم في تشويش باله وعدم توجهه في الصلاة وإقباله ، وأوضح منه في الدلالة على ما ذكرنا حديث ابي بصير ومحمد ابن مسلم وهو الأخير من الاخبار. واما صحيحة ليث المرادي فالظاهر حملها على صورة عدم الخوف عليها وان تكون مطروحة على الأرض فإنه يجعلها من خلفه وان لم يشدها في شي‌ء. واما صحيحة حماد بن عثمان فغاية ما تدل عليه زوال الكراهة بمواراتها في أي جهة كانت وان كان الأفضل ان تكون مواراتها في جهة الخلف كما تدل عليه صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج. والمستفاد من هذه الاخبار واخبار الدراهم البيض ان الدراهم في الصدر الأول بيض اي من فضة بيضاء ويكتب عليها أسماء الله تعالى كما تقدم في باب الحيض في حديث الدراهم البيض توضع على لحم الخنزير وتأخذها الزانية وفيها أسماء الله تعالى (١) وسود اى من فضة سوداء وعليها صور الأصنام. ولا يخفى ما في هذه المناسبة من الحسن في المقام.

(الخامس) ـ جميع ما ذكره الأصحاب (رضوان الله عليهم) في هذا الباب مخصوص بالتماثيل والصور المنقوشة على الثياب أو الستور أو الخاتم أو الجدران أو نحو ذلك ، اما لو كانت الصورة مستقلة غير منقوشة على شي‌ء كصورة طير ونحوه فلم يتعرضوا للكلام فيها ولا ذكرها في ما أعلم أحد. وظاهر قوله (عليه‌السلام) في حديث علي بن جعفر المتقدم

__________________

(١) ج ٣ ص ٤٨.

١٥٨

المنقول في كتابي قرب الاسناد والمحاسن وقوله فيه : «وسألته عن البيت قد صور فيه طير أو سمكة يعبث به أهل البيت. إلخ» هو كراهة الصلاة في ذلك البيت الذي فيه تلك الصورة حتى يقطع رأس الصورة أو يفسدها بنقص بعض أعضائها ، ويحتمل كون تلك الصورة منقوشة على جدران البيت إلا ان الظاهر من كونها يعبث بها أهل البيت بمعنى اللعب بها انما هو الأول ، وحينئذ فالأحكام المذكورة جارية في التماثيل والصور منقوشة كانت أو مستقلة.

و (منها) ـ كراهة الخضاب عند الشيخ (قدس‌سره) ومن تبعه ، والاخبار الواردة في الصلاة في الخضاب لا تخلو من تدافع ، والشيخ جمع بينها بما ذكره من الكراهة فأثبته في مكروهات الصلاة ، والظاهر انه غير متعين للجمع ليكون حكما شرعيا بذلك.

ولا بد من نقل الأخبار المتعلقة بذلك وبيان ما اشتملت عليه ، ومنها ما رواه الشيخ في الصحيح عن علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر (عليه‌السلام) (١) قال : «سألته عن الرجل والمرأة يختضبان أيصليان وهما بالحناء والوسمة؟ فقال إذا أبرز الفم والمنخر فلا بأس».

وعن رفاعة (٢) قال : «سألت أبا الحسن (عليه‌السلام) عن المختضب إذا تمكن من السجود والقراءة أيصلي في حنائه؟ قال نعم إذا كانت خرقة طاهرة وكان متوضئا».

وعن محمد بن سهل بن اليسع الأشعري عن أبيه عن ابي الحسن (عليه‌السلام) (٣) قال : «سألته أيصلي الرجل في خضابه إذا كان على طهر؟ فقال نعم».

وعن عمار الساباطي في الموثق (٤) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن المرأة تصلي ويداها مربوطتان بالحناء؟ فقال ان كانت توضأت للصلاة قبل ذلك فلا

__________________

(١ و ٢ و ٣ و ٤) الوسائل الباب ٣٩ من لباس المصلي.

١٥٩

بأس بالصلاة وهي مختضبة ويداها مربوطتان».

وما رواه في الكافي عن ابي بكر الحضرمي في الصحيح اليه (١) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن الرجل يصلي وعليه خضابه؟ قال لا يصلي وهو عليه ولكن ينزعه إذا أراد ان يصلي. قلت ان حناءه وخرقته نظيفة؟ فقال لا يصلي وهو عليه والمرأة أيضا لا تصلي وعليها خضابها».

وما رواه الصدوق في كتاب العلل في الحسن عن مسمع بن عبد الملك (٢) قال : «سمعت أبا عبد الله (عليه‌السلام) يقول لا يصلي المختضب. قلت ولم؟ قال لانه محتضر».

وعن يونس بن عبد الرحمن عن جماعة من أصحابنا (٣) قال : «سئل أبو عبد الله (عليه‌السلام) ما العلة التي من أجلها لا يحل للرجل ان يصلى وعلى شاربه الحناء؟ قال لانه لا يتمكن من القراءة والدعاء».

وما رواه في كتاب قرب الاسناد عن عبد الله بن الحسن عن جده علي بن جعفر عن أخيه (عليه‌السلام) (٤) قال : «سألته عن الرجل والمرأة يصلح لهما ان يصليا وهما مختضبان بالحناء والوسمة؟ قال إذا برز الفم والمنخر فلا بأس».

وأنت خبير بأنه كما يحتمل حمل رواية الحضرمي على الكراهة كما ذكره الشيخ (قدس‌سره) ومن تبعه وجعلوه بذلك حكما شرعيا ومسألة مستقلة ، يمكن ـ بل هو الأظهر ـ حمل الخبر المذكور على المانع من القراءة أو من الإتيان بها على الوجه الأكمل كما يدل عليه خبر يونس المذكور ، وعلى هذا فالمنع محمول على التحريم على الأول وعلى الكراهة على الثاني.

و (منها) ـ كراهة ما يستر ظهر القدم مما لا ساق له وان قل على المشهور بين أكثر المتأخرين وبه صرح الشيخ في المبسوط وابن حمزة ، ومثلوا له بالشمشك والنعل السندي ، وصرح جملة من المتقدمين بالتحريم كالشيخين في المقنعة والنهاية وابن البراج

__________________

(١ و ٢ و ٣ و ٤) الوسائل الباب ٣٩ من لباس المصلي.

١٦٠