الحدائق الناضرة - ج ٧

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]

الحدائق الناضرة - ج ٧

المؤلف:

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]


المحقق: محمّد تقي الإيرواني
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٥٦

ومنها ـ ما رواه في الفقيه عن زياد بن المنذر عن ابي جعفر (عليه‌السلام) (١) «انه سأله رجل وهو حاضر عن الرجل يخرج من الحمام أو يغتسل فيتوشح ويلبس قميصه فوق إزاره فيصلي وهو كذلك؟ قال هذا من عمل قوم لوط. فقلت انه يتوشح فوق القميص؟ قال هذا من التجبر. الحديث». ورواه الشيخ في التهذيب (٢) ايضا.

ومنها ـ موثقة عمار عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٣) «سئل عن الرجل يؤم بقوم يجوز له ان يتوشح قال لا لا يصلي الرجل بقوم وهو متوشح فوق ثيابه وان كانت عليه ثياب كثيرة لأن الإمام لا يجوز له الصلاة وهو متوشح».

ومنها ـ ما رواه في كتاب العلل عن الهيثم بن واقد عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٤) قال : «انما كره التوشح فوق القميص لانه من فعل الجبابرة».

وما رواه فيه ايضا عن يونس عن جماعة من أصحابه عن ابي جعفر وابي عبد الله (عليهما‌السلام) (٥) «انه سئل ما العلة التي من أجلها لا يصلي الرجل وهو متوشح فوق القميص؟ فقال لعلة التكبر في موضع الاستكانة والذل».

وما رواه في كتاب الخصال عن ابي بصير ومحمد بن مسلم عن ابي عبد الله عن آبائه (عليهم‌السلام) (٦) قال : «قال أمير المؤمنين (عليه‌السلام) لا يصلي الرجل في قميص متوشحا به فإنه من أفعال قوم لوط».

واما ما يدل على الجواز فحسنة حماد بن عيسى (٧) قال : «كتب الحسن بن علي ابن يقطين الى العبد الصالح (عليه‌السلام) هل يصلي الرجل الصلاة وعليه إزار متوشح به فوق القميص؟ فكتب نعم».

وما رواه علي بن جعفر في كتاب المسائل وقرب الاسناد عن علي بن جعفر عن أخيه موسى (عليه‌السلام) (٨) قال : «سألته عن الرجل يتوشح بالثوب فيقع على

__________________

(١ و ٢ و ٣ و ٤ و ٥ و ٦ و ٧) الوسائل الباب ٢٤ من لباس المصلي.

(٨) الوسائل الباب ٢٣ و ٢٤ من لباس المصلى.

١٢١

الأرض أو يجاوز عاتقه أيصلح ذلك؟ قال لا بأس».

وقال في من لا يحضره الفقيه (١) بعد ان روى ما يدل على الكراهة : «وقد رويت رخصة في التوشح بالإزار فوق القميص عن العبد الصالح وعن ابي الحسن الثالث وعن ابي جعفر الثاني (عليهم‌السلام) وبها آخذ وافتي». وما ذكره من الرواية عن ابي جعفر الثاني وعن ابي الحسن الثالث (عليهما‌السلام) فلم تصل إلينا في ما وصل من المنقول ولكنه الصدوق في ما يقول.

وبما ذكرنا يظهر لك ما في كلام صاحب المدارك حيث نفى الكراهة فقال : ولا يبعد عدم كراهة التوشح لما رواه حماد بن عيسى ، ثم أورد الرواية المتقدمة. والعجب انه نقل في صدر الكلام روايتي أبي بصير ومحمد بن إسماعيل المتقدمتين في صدر هذه الروايات وهما صريحتان في الكراهة مع ما علم من طريقته من عدم المناقشة في أدلة الاستحباب والكراهة

وظاهر الصدوق في ما ذكرناه من عبارته الجمع بين أخبار المسألة بحمل اخبار الجواز على الرخصة. وظاهر الشيخ في الجمع بين ما ذكره في كتابه من اخبار الطرفين هو حمل أخبار النهي على الالتحاف بالثوب كما تلتحف اليهود وان يشتمل به كما يفعلونه واخبار الجواز على ان يتوشح بالإزار ليغطي ما قد كشف منه ويستر ما تعرى من بدنه ، واحتج لهذا بما رواه في الموثق عن سماعة (٢) قال : «سألته عن الرجل يشتمل في صلاته بثوب واحد؟ قال لا يشتمل بثوب واحد فاما ان يتوشح فيغطي منكبيه فلا بأس». وأنت خبير بأن حسنة حماد الدالة على الجواز صريحة في ان التوشح فوق القميص فلا يجري فيها ما ذكره ، وظاهر التعليلات الواردة في أخبار النهي ان المنع من ذلك انما هو حيث كونه فعل الجبابرة وأصحاب التكبر ، والتعليل بالتشبه باليهود انما ورد في إسدال الرداء واشتمال الصماء كما وقع في جملة من الأخبار فلا يتم

__________________

(١) الوسائل الباب ٢٤ من لباس المصلي.

(٢) الوسائل الباب ٢٥ من لباس المصلى.

١٢٢

ما ذكره أيضا في اخبار النهي. وبذلك يظهر ان الأظهر ما ذكره الصدوق (قدس‌سره) من الجمع بالحمل على الرخصة.

بقي الكلام في معنى التوشح وانه عبارة عما ذا فنقل السيد في المدارك عن الجوهري قال يقال توشح الرجل بثوبه وسيفه إذا تقلدهما. ونقل عن بعض أهل اللغة ان التوشح بالثوب هو إدخاله تحت اليد اليمنى وإلقاؤه على المنكب الأيسر كما يفعله المحرم. أقول : وبالأول من هذين المعنيين صرح في القاموس فقال : توشح بسيفه وثوبه تقلد. وبالثاني صرح الفيومي في المصباح المنير فقال : وتوشح به وهو ان يدخله تحت إبطه الأيمن ويلقيه على منكبه الأيسر كما يفعله المحرم. ونحوه في كتاب المغرب قال : توشح الرجل وهو ان يدخل الرجل ثوبه تحت يده اليمنى ويلقيه على منكبه الأيسر كما يفعل المحرم وكذلك الرجل يتوشح بحمائل سيفه فتقع الحمائل على عاتقه اليسرى وتكون اليمنى مكشوفة. وقال في نهاية ابن الأثير : فيه «انه كان يتوشح بثوبه» اي يتغشى به والأصل فيه من الوشاح. ونقل عن النووي في شرح مسلم (١) ان التوشح أن يأخذ طرف الثوب الذي ألقاه على منكبه الأيمن من تحت يده اليسرى ويأخذ طرفه الذي ألقاه على الأيسر تحت يده اليمنى ثم يعقد هما على صدره ، والمخالفة بين طرفيه والاشتمال بالثوب بمعنى التوشح. ولا يخفى ما في هذه العبارات من الاختلاف ولعل الأظهر ما ذكره في كتاب المصباح المنير وفي المغرب لما ذكره الفقهاء في لبس ثوب الإحرام الأعلى من التوشح على النحو المذكور.

و (منها) ـ انه يكره اشتمال الصماء ، ولا خلاف فيه بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) في ما اعلم ، والأصل فيه ما رواه الصدوق في الصحيح عن زرارة عن ابي جعفر (عليه‌السلام) (٢) قال : «إياك والتحاف الصماء. قلت وما التحاف الصماء؟ قال ان تدخل الثوب من تحت جناحك فتجعله على منكب واحد».

وروى في كتاب معاني الاخبار عن القاسم بن سلام بأسانيد متصلة بالنبي (صلى

__________________

(١) ج ٤ ص ٢٢٣.

(٢) الوسائل الباب ٢٥ من لباس المصلى.

١٢٣

الله عليه وآله) (١) «انه نهى عن لبستين : اشتمال الصماء وان يلتحف الرجل بثوب ليس بين فرجه وبين السماء شي‌ء» قال وقال الصادق (عليه‌السلام) «التحاف الصماء هو ان يدخل الرجل رداءه تحت إبطه ثم يجعل طرفيه على منكب واحد». وظاهر الخبرين المذكورين كراهيته مطلقا ، والظاهر ان ذكر الأصحاب لهذا الحكم في هذا المقام انما هو من حيث عموم الأخبار المذكورة لحال الصلاة.

بقي الكلام في معناه وانه عبارة عما ذا قال في كتاب معاني الأخبار بعد ذكر الخبر المذكور فيه : قال الأصمعي اشتمال الصماء عند العرب ان يشتمل الرجل بثوبه فيجلل به جسده كله ولا يرفع منه جانبا فيخرج منه يده. واما الفقهاء فإنهم يقولون هو ان يشتمل الرجل بثوب واحد ليس عليه غيره ثم يرفعه من أحد جانبيه فيضعه على منكبه فيبدو منه فرجه. ثم قال : قال الصادق (عليه‌السلام) التحاف الصماء. الى آخر ما قدمناه. ثم قال وهذا هو التأويل الصحيح. انتهى. وقال الجوهري : قال أبو عبيد واشتمال الصماء ان تجلل جسدك بثوبك نحو شملة الأعراب بأكسيتهم وهو ان يرد الكساء من قبل يمينه على يده اليسرى وعاتقه الأيسر ثم يرده ثانية من خلفه على يده اليمنى وعاتقه الأيمن فيغطيهما جميعا. وذكر أبو عبيد ان الفقهاء يقولون هو ان يشتمل بثوب واحد ليس عليه غيره ثم يرفعه من أحد جانبيه فيضعه على منكبه فيبدو منه فرجه فإذا قلت اشتمل فلان الصماء كأنك قلت اشتمل الشملة التي تعرف بهذا الاسم لان الصماء ضرب من الاشتمال. وذكر في القاموس نحوا منه. وقال الجزري : فيه «ولا تشتمل اشتمال اليهود» الاشتمال افتعال من الشملة وهو كساء يتغطى به ويتلفف فيه والمنهي عنه هو التجلل بالثوب وأسباله من غير ان يرفع طرفه ، ومنه الحديث «نهى عن اشتمال الصماء» وهو ان يتجلل الرجل بثوبه ولا يرفع منه جانبا ، وانما قيل له صماء لانه يسد على يديه ورجليه المنافذ كلها كالصخرة الصماء التي ليس فيها خرق ولا صدع والفقهاء

__________________

(١) الوسائل الباب ٢٥ من لباس المصلى.

١٢٤

يقولون هو ان يتغطى بثوب واحد ليس عليه غيره ثم يرفعه من أحد جانبيه فيضعه على منكبه فتنكشف عورته. وقال النووي في شرح مسلم : يكره على الأول لئلا تعرض له حاجة من دفع بعض الهوام أو غيره فيتعذر عليه أو يعسر ، ويحرم على الثاني ان انكشف بعض عورته وإلا يكره. وهو بمهملة ومد.

أقول : وعلى هذا النحو كلام جملة من علماء العامة ومنه يعلم معناه عند اللغويين منهم وعند فقهائهم. واما ما ذكره أصحابنا (رضوان الله عليهم) فقال الشيخ في المبسوط والنهاية هو ان يلتحف بالإزار ويدخل طرفيه تحت يده ويجمعهما على منكب واحد كفعل اليهود وهو المشهور والمراد بالالتحاف ستر المنكبين. وقال ابن إدريس في السرائر : ويكره السدل في الصلاة كما يفعل اليهود وهو ان يتلفف بالإزار ولا يرفعه على كتفيه ، وهذا تفسير أهل اللغة في اشتمال الصماء وهو اختيار السيد المرتضى فاما تفسير الفقهاء لاشتمال الصماء الذي هو السدل ، قالوا هو ان يلتحف بالإزار ويدخل طرفيه من تحت يده ويجعلهما جميعا على منكب واحد. أقول : ظاهر كلامه اتحاد السدل واشتمال الصماء وهو خلاف ما عليه الأصحاب كما سيأتي ان شاء الله تعالى قريبا ، وكيف كان فالعمل على ما دلت عليه صحيحة زرارة المتقدمة وهو قول الشيخ المتقدم وبه قال في المعتبر.

إلا انه بقي هنا شي‌ء وهو انه هل المراد من قوله (عليه‌السلام) في الخبر : «تدخل الثوب من تحت جناحك» بمعنى إدخال أحد طرفي الثوب من تحت أحد الجناحين والطرف الآخر من تحت الجناح الآخر ثم جعلهما على منكب واحد بان يراد بالجناح الجنس أو ان المراد إدخال طرفي الثوب معا من تحت جناح واحد سواء كان الأيمن أو الأيسر ثم وضعه على منكب واحد؟ كل محتمل إلا ان الأظهر الثاني حملا للفظ على ظاهره والا لكان الأظهر أن يقول «جناحيك».

و (منها) ـ كراهة الصلاة في عمامة لا حنك لها على المشهور وأسنده في المعتبر إلى علمائنا مؤذنا بدعوى الإجماع عليه ، وقال الصدوق في كتابه : وسمعت مشايخنا

١٢٥

(رضوان الله عليهم) يقولون لا تجوز الصلاة في الطابقية ولا يجوز للمعتم ان يصلي إلا وهو متحنك. وجملة من الأصحاب : منهم ـ صاحب المدارك وغيره صرحوا بان المستفاد من الاخبار كراهة ترك التحنك حال الصلاة وغيرها ولا خصوصية للصلاة بذلك وانما يكون دخولها من حيث العموم على نحو ما أشرنا إليه في اشتمال الصماء.

أقول : والذي وقفت عليه من الاخبار المتعلقة بالتحنك ما رواه الشيخ في الحسن عن ابن ابي عمير عن من ذكره عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (١) قال : «من تعمم ولم يتحنك فاصابه داء لا دواء له فلا يلومن إلا نفسه».

وعن عيسى بن حمزة عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٢) قال : «من اعتم فلم يدر العمامة تحت حنكه فاصابه ألم لا دواء له فلا يلومن إلا نفسه».

وروي ابن بابويه في الفقيه في الموثق عن عمار الساباطي عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٣) قال : «من خرج في سفر فلم يدر العمامة تحت حنكه فاصابه ألم لا دواء له فلا يلومن إلا نفسه».

وقال في الفقيه (٤) : وقال (عليه‌السلام) «اني لا عجب ممن يأخذ في حاجة وهو معتم تحت حنكه كيف لا تقضى حاجته». وقال النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) الفرق بين المسلمين والمشركين التلحي بالعمائم. وذلك في أول الإسلام وابتدائه» ثم قال وقد نقل عنه أهل الخلاف ايضا انه أمر بالتلحي ونهى عن الاقتعاط الى هنا كلام الفقيه.

ونقل العلامة في المختلف وكذا من تأخر عنه عن الصدوق القول بالتحريم وكلامه المتقدم نقله وان كان ظاهره التحريم إلا انه إنما أسنده إلى مشايخه إلا ان يقال انه باعتبار عدم إنكاره ورده دال على القول به وفيه ما فيه لإمكان توقفه.

وقال شيخنا البهائي (قدس‌سره) لم نظفر في شي‌ء من الأحاديث بما يدل على استحبابه لأجل الصلاة ، ومن ثم قال في الذكرى واستحباب التحنك عام ولعل حكمهم

__________________

(١ و ٢ و ٣ و ٤) الوسائل الباب ٢٦ من لباس المصلي.

١٢٦

في كتب الفروع بذلك مأخوذ من كلام علي بن بابويه فإن الأصحاب كانوا يتمسكون بما يجدونه في كلامه عند إعواز النصوص ، فالأولى المواظبة على التحنك في جميع الأوقات ومن لم يكن متحنكا وأراد ان يصلي به فالأولى ان يقصد انه مستحب في نفسه لا انه مستحب لأجل الصلاة. انتهى.

أقول : وعندي في ما ذكروه هنا من استحباب التحنك دائما إشكال لأن ذلك وان كان هو ظاهر الاخبار المتقدمة إلا ان هنا جملة من الاخبار ظاهرة المنافاة لذلك حيث ان ظاهرها ان المستحب للمعتم دائما انما هو الإسدال دون التحنك :

ومنها ـ ما رواه الكليني في الصحيح عن الرضا (عليه‌السلام) (١) «في قول الله عزوجل «مُسَوِّمِينَ» (٢) قال العمائم اعتم رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) فسدلها من بين يديه ومن خلفه واعتم جبرئيل فسدلها من بين يديه ومن خلفه».

وعن ابي جعفر (عليه‌السلام) (٣) قال : «كانت على الملائكة العمائم البيض المرسلة يوم بدر».

وعن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٤) قال : «عمم رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) عليا (عليه‌السلام) بيده فسدلها بين يديه من وقصرها من خلفه قدر أربع أصابع ثم قال أدبر فأدبر ثم قال اقبل فأقبل ثم قال هكذا تيجان الملائكة».

وعن ياسر الخادم (٥) قال : «لما حضر العيد بعث المأمون إلى الرضا (عليه‌السلام) يسأله أن يركب ويحضر العيد ويصلي ويخطب فبعث الرضا (عليه‌السلام) اليه يستعفيه فألح عليه فقال ان لم تعفني خرجت كما خرج رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) وأمير المؤمنين (عليه‌السلام) فقال له المأمون اخرج كيف شئت ، وساق الحديث الى ان قال : فلما طلعت الشمس قام (عليه‌السلام) فاغتسل واعتم بعمامة بيضاء من قطن القى طرفا

__________________

(١ و ٣ و ٤ و ٥) الوسائل الباب ٣ من أحكام الملابس.

(٢) سورة آل عمران ، الآية ١٢١.

١٢٧

منها على صدره وطرفا بين كتفيه. الخبر».

وروى الطبرسي في المكارم (١) بسنده «ان علي بن الحسين (عليه‌السلام) دخل المسجد وعليه عمامة سوداء القى طرفا منها على صدره وطرفا بين كتفيه. الخبر».

ونقل السيد الزاهد رضي الدين بن طاوس في كتاب الأمان عن ابي العباس بن عقدة (٢) في كتابه الذي سماه كتاب الولاية بإسناده قال : «بعث رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) يوم غدير خم الى علي (عليه‌السلام) فعممه واسدل العمامة بين كتفيه وقال هكذا أيدني ربي يوم حنين بالملائكة معممين قد أسدلوا العمائم وذلك حجز بين المسلمين والمشركين. الى آخر الخبر». وقال في الحديث الآخر (٣) «عمم رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) عليا (عليه‌السلام) يوم غدير خم عمامة سدلها بين كتفيه وقال هكذا أيدني ربي بالملائكة». ثم قال السيد أقول : هذا لفظ ما رويناه أردنا أن ندكره ليعلم وصف العمامة في السفر الذي نخشاه. انتهى.

أقول : وهذه الاخبار كلها ظاهرة في ما ذكرناه نيرة في ما سطرناه ومفهومها ان السنة في لبس العمامة انما هو بهذه الكيفية كما فعلوه (عليهم‌السلام) من إسدال أحد طرفي العمامة على الصدر والآخر بين الكتفين أو الاكتفاء بأحد الاسدالين دون الإدارة تحت الحنك الذي هو معنى التحنك.

ولم أقف على من تفطن لهذا الإشكال إلا شيخنا المجلسي (عطر الله مرقده) في البحار إلا انه وقع في ما هو أشكل منه فزعم حمل ما ذكرناه من الاخبار الدالة على الإسدال على انه التحنك المأمور به في تلك الأخبار المتقدمة مع ان التحنك لغة وعرفا كما ذكره علماؤنا (رضوان الله عليهم) انما هو ادارة جزء من العمامة تحت الحنك من أحد الجانبين الى الآخر والإسدال انما هو إرسال طرف العمامة على الصدر أو على القفاء من خلفه ، ولا بأس بنقل كلامه وبيان ما فيه من نقضه وإبرامه لئلا يغتر به من لم يعض

__________________

(١ و ٢ و ٣) الوسائل الباب ٣٠ من أحكام الملابس.

١٢٨

على المسألة بضرس قاطع ويحسبه الظمآن ماء وهو سراب لامع ، قال (طيب الله مرقده) بعد نقل اخبار التحنك المتقدمة ما صورته : ولنرجع الى معنى التحنك فالظاهر من كلام بعض المتأخرين هو ان يدير جزء من العمامة تحت حنكه ويغرزه في الطرف الآخر كما يفعله أهل البحرين في زماننا ويوهمه كلام بعض اللغويين ايضا ، والذي نفهمه من الاخبار هو إرسال طرف العمامة من تحت الحنك وإسداله كما مر في تحنيك الميت وكما هو المضبوط عند سادات بني حسين أخذوه عن أجدادهم خلفا عن سلف ولم يذكر في تعمم رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) والأئمة (عليهم‌السلام) الا هذا ، ولنذكر بعض عبارات اللغويين وبعض الاخبار ليتضح لك الأمر في ذلك ، قال الجوهري : التحنك التلحي وهو ان تدير العمامة من تحت الحنك. وقال الاقتعاط شد العمامة على الرأس من غير ادارة تحت الحنك ، وفي الحديث «انه نهى عن الاقتعاط وأمر بالتلحي». وقال التلحي تطويق العمامة تحت الحنك ، ثم ذكر الخبر. وقال الفيروزآبادي : اقتعط تعمم ولم يدر تحت الحنك. وقال العمة الطابقية هي الاقتعاط. وقال تحنك أدار العمامة تحت حنكه. وقال الجزري : فيه «انه نهى عن الاقتعاط» هو ان يعتم بالعمامة ولا يجعل منها شيئا تحت ذقنه وقال : فيه «انه نهي عن الاقتعاط وأمر بالتلحي» هو جعل بعض العمامة تحت الحنك والاقتعاط ان لا يجعل تحت حنكه منها شيئا. وقال الزمخشري في الأساس : اقتعط العمامة إذا لم يجعلها تحت حنكه ، ثم ذكر الحديث. وقال الخليل في العين : يقال اقتعط بالعمامة إذا اعتم بها ولم يدرها تحت الحنك. واما الاخبار ، ثم نقل جملة ما قدمناه من الأخبار الدالة على الإسدال ، الى ان قال : وقال السيد ابن طاوس (قدس‌سره) روينا عن ابي العباس احمد بن عقدة. إلى آخر ما قدمنا نقله عنه ، ثم قال : وأقول : ولم يتعرض في شي‌ء من تلك الروايات لإدارة العمامة تحت الحنك على الوجه الذي فهمه أهل عصرنا مع التعرض لتفصيل أحوال العمائم وكيفيتها ، وأكثر كلمات اللغويين لا يأبى عما ذكرناه إذ إدارة رأس العمامة من خلف الى الصدر إدارة أيضا ، بل كلام الجزري والزمخشري ـ حيث قالا ان

١٢٩

لا يجعل شيئا منها تحت حنكه ـ فيما ذكرناه أظهر ، والظاهر من كلام السيد ايضا ان فهمه موافق لفهمنا لانه قال أولا : الفصل الثاني في ما نذكره من التحنك بالعمامة عند تحقق عزمك على السفر لتسلم من الخطر ، ثم قال بعد إيراد الروايتين ما قدمنا ذكره ، فظهر انه فسر التحنك بما ورد شرحه في الروايتين من إسدال العمامة وروى الكليني والشيخ عن عثمان النوا (١) قال : «قلت لأبي عبد الله (عليه‌السلام) اني اغسل الموتى قال أو تحسن؟.» ثم ساق الرواية وفيها قال : «خذ العمامة من وسطها وانشرها على رأسه ثم ردها الى خلفه واطرح طرفيها على صدره». ثم قال : وكذا سائر أخبار تعميم الميت ليس فيها غير إسدال طرفي العمامة على صدره كما عرفت في باب التكفين. انتهى.

أقول : لا يخفى ان ما ذكره (قدس‌سره) لا يخلو من تعسف ظاهر وتكلف لا يخفى على الخير الماهر ، وينبغي ان يعلم أولا انه لا ريب ان كلمات أهل اللغة كلها منطبقة على الاخبار المتقدمة في التحنك ومتفقة معها على وجه لا يداخله التشكيك. والاخبار الأخيرة الدالة على الإسدال مخالفة لتلك الاخبار ولكلام أهل اللغة مخالفة ظاهرة والجمع بما ذكره بين الجميع تعسف ظاهر ، نعم يمكن الجمع بما سيأتي ذكره في آخر البحث.

إذا عرفت ذلك فاعلم أن وجوه النظر في كلامه (قدس‌سره) عديدة :

(أحدها) ـ انه لا يخفى على ذي الذوق السليم والفهم القويم ان كلمات أهل اللغة التي نقلها كلها متفقة الدلالة ظاهرة المقالة في الانطباق على المعنى المشهور وان تفاوتت في البيان والظهور ولا سيما قول الجوهري «التلحي تطويق العمامة تحت الحنك» يعني جعلها كالطوق كما نقله عن علماء البحرين وهو مرادف لقوله أولا «التحنك التلحي وهو ان تدير العمامة من تحت الحنك» وإلا لزم الاضطراب في كلامه ، وحينئذ فحيثما ذكرت هذه العبارة أعني قوله : «تدير العمامة من تحت الحنك» فإنما المراد بها التطويق وجعلها كالطوق واين هذا من الإسدال الذي دلت عليه تلك الأخبار؟ وكذا قول الجزري في تفسير

__________________

(١) الوسائل الباب ١٦ من التكفين.

١٣٠

الاقتعاط : «هو ان يعتم بالعمامة ولا يجعل شيئا منها تحت ذقنه» المؤذن بان التلحي الذي هو مقابل الاقتعاط هو جعل شي‌ء من العمامة تحت الذقن ، وحينئذ فقوله في تتمة كلامه في تفسير التلحي : «هو جعل بعض العمامة تحت الحنك» يعني تحت الذقن والذقن مجمع عظمي اللحيين واين هذا من الإسدال؟ ومن هاتين العبارتين يعلم ما قلناه من انه حيثما قيل : «التحنك إدارة العمامة تحت الحنك» فان المراد به التطويق وجعلها تحت الذقن بان يخرج طرفها الى الجانب الآخر الذي هو غير ما دخلت منه.

و (ثانيها) ـ ان الحنك على ما يفهم من كلام أهل اللغة انما هو ما انحدر عن الذقن أو ما حاذاه من داخل الفم ، قال في القاموس : الحنك محركة باطن أعلى الفم من داخل والأسفل من طرف مقدم اللحيين. وقال في كتاب مجمع البحرين : والحنك ما تحت الذقن من الإنسان وغيره وأعلى داخل الفم والأسفل في طرف مقدم اللحيين من أسفلهما. انتهى. أقول : ومنه ما ورد في الاخبار من استحباب تحنيك المولود عند الولادة بالتمر أو الحلو أو ماء الفرات أو التربة الحسينية على مشرفها أفضل السلام والتحية (١) بمعنى إدخال ذلك الى حنكه وهو أعلى داخل الفم ، ولا ريب أن الإسدال الذي تضمنته تلك الروايات انما يمر بأعلى أحد اللحيين من اليسار أو اليمين لا بالأسفل والأسفل من كل من اللحيين هو مجمعهما المسمى بالذقن وهذا هو الذي أشارت إليه العبارتان المتقدمتان ، وحينئذ فالتحنك انما هو عبارة عن المرور بالعمامة على الحنك الذي هو هذا الموضع الذي يرجع الى الذقن واين هذا من الإسدال؟ وبذلك يظهر لك ما في قوله : «ان أكثر كلمات اللغويين لا يأبى عما ذكرنا. إلخ» فإن فيه (أولا) منع صدق الإدارة لأن طرف العمامة لم يأت من الخلف حتى يحصل إدارته إلى الصدر وانما اتى من جانب واسدل من المكان الذي خرج منه ، ومع تسليمه فالمراد الإدارة تحت الحنك لا مطلقا والحنك قد عرفت معناه والإسدال لا يتصل به ولا يصل إليه.

__________________

(١) الوسائل الباب ٣٦ من أحكام الأولاد.

١٣١

و (ثالثها) ـ ان قوله : «لم يتعرض في شي‌ء من تلك الروايات لإدارة العمامة. إلخ» مسلم ومنه نشأ الاشكال وحصل في المسألة الداء العضال ، حيث ان هذه الروايات كلها اتفقت على ان السنة في العمامة انما هو الإسدال وتلك الأخبار المعتضدة بكلام أهل اللغة دلت على ان السنة في العمامة هو التحنك بها وهو الإدارة تحت الحنك كما عرفت ، وكيف كان فإنهم (عليهم‌السلام) لم يتعرضوا في هذه الاخبار الأخيرة إلى لفظ التحنك حتى يمكن تفسير التحنك بالإسدال كما زعمه (طاب ثراه) وجعله وجه جمع بين أخبار المسألة. وبحثنا وكلامنا انما هو في معنى التحنك وهو غير موجود فيها ، على ان روايات الإسدال مختلفة فبعضها يدل على إسدال طرف على الصدر وطرف من خلف وبعضها يدل على الإسدال من خلف خاصة ، وهو قد حمل الجميع على التحنك مع ظهور أن الإسدال من خلف لا يدخل في التحنك قطعا.

و (رابعها) ـ ان من العجب قوله بعد نقل كلام السيد رضي الدين بن طاوس (قدس‌سره) وكلامه الذي في البين «والظاهر من كلام السيد ايضا ان فهمه موافق لفهمنا لانه قال. إلخ» فإن فيه (أولا) ان الخبرين اللذين نقلهما عن السيد انما تضمنا إسدال العمامة من خلف بين الكتفين فكيف يمكن تفسير التحنك الذي هو الإدارة تحت الحنك كما عرفت بالإسدال من خلف؟ ما هو إلا سهو ظاهر نشأ من الاستعجال ، وهل يفهم أحد ممن له ذوق فضلا عن السيد المزبور وعن من مثله (طاب ثراه) لو لا الاستعجال في هذا المجال دخول الإسدال بين الكتفين تحت التحنك؟ و (ثانيا) ان نقله هنا عن السيد المزبور قد اشتمل على خلل وقصور. فان ظاهر كلامه هنا ونقله عن السيد ان السيد المذكور قال في الفصل المذكور في التحنك بالعمامة ولم يورد إلا هذين الخبرين فكلامه يدل حينئذ على انه فسر الإسدال في الخبرين بالتحنك الذي عنون به الفصل ، والحال ان الأمر ليس كذلك بل السيد لما عنون الفصل بما ذكره صدره أولا بما يدل على التحنك فقال : روينا ذلك من كتاب الآداب الدينية عن الطبرسي في ما رواه عن مولانا

١٣٢

موسى بن جعفر (عليه‌السلام) (١) انه قال : «انا ضامن ثلاثا لمن خرج يريد سفرا معتما تحت حنكه : ان لا يصيبه السرق ولا الغرق ولا الحرق». ورويناه ايضا عن البرقي من كتاب المحاسن بإسناده الى ابي الحسن (عليه‌السلام) ثم قال أقول : وقد روينا في العمامة عند التوجه للمهمات روايات عن ابي العباس احمد بن عقدة. إلى آخر ما قدمناه ، الى ان قال في آخر الكلام : أقول : هذا لفظ ما رويناه أردنا أن نذكره ليعلم وصف العمامة في السفر الذي نخشاه. ومن الظاهر ان الرواية الأولى التي نقلها عن الطبرسي والمحاسن هي التي عنون لها الفصل المذكور حيث اشتملت على ذكر التحنك وما نقله أخيرا عن ابن عقدة فإنما قصد به بيان استحباب العمامة على هذه الكيفية مطلقا لا بخصوص السفر ، ويشير اليه كلامه في الأخير وهو قوله : «هذا لفظ ما رويناه. إلخ» بمعنى بيان وصف العمامة في السفر ووصفها في الحضر ، ولو أراد السيد ما زعمه من حمل الروايتين الأخيرتين على الرواية الأولى بمعنى ان التحنك عبارة عما اشتملت عليه روايتا ابن عقدة لورد على السيد ايضا ما أوردناه عليه من ان دعوى كون الإسدال بين الكتفين تحنكا مما لا يقول به ادنى من له روية من الرجال فضلا عن العلماء الأعلام ذوي الكمال ، والشبهة التي عرضت لشيخنا المذكور انما هو من حيث الإسدال على الصدر بمرور العمامة على أحد اللحيين لا ما إذا كانت بين الكتفين وهذا بحمد الله ظاهر لكل ذي عينين.

و (خامسها) ـ ان ما استند اليه ـ من اخبار تحنيك الميت وإيراده رواية عثمان النوا الدالة على صورة التعميم وقوله بعدها «وكذا سائر أخبار تعميم الميت.» ـ ففيه انه لا يخفى ان ههنا حكمين أحدهما استحباب التعميم والآخر استحباب تحنيكه بالعمامة وليس كل خبر دال على التعميم يستلزم التحنيك كما لا يخفى على من أحاط خبرا بأخبار المسألة ، والتحنيك على ما ذكره الأصحاب (رضوان الله عليهم) ومنهم المحقق

__________________

(١) الوسائل الباب ٥٩ من آداب السفر.

١٣٣

في الشرائع هو ان يلف رأسه بها لفا ويخرج طرفاها من تحت الحنك ويلقيان على صدره وقد استندوا في ذلك الى رواية يونس ، قال السيد السند في المدارك بعد ذكر عبارة المصنف : واما استحباب إخراج طرفي العمامة من تحت الحنك وإلقائهما على صدره فمستنده رواية يونس عنهم (عليهم‌السلام) (١) قال : «ثم يعمم يؤخذ وسط العمامة فيثنى على رأسه بالتدوير ثم يلقى فضل الأيمن على الأيسر والأيسر على الأيمن ويمد على صدره». ولا ريب ان هذه الهيئة تشتمل على التحنيك كما هو المشهور لا الإسدال ، لأنه متى أخذ طرف العمامة الذي من اليمين واخرج من تحت حنك الميت الى الجانب الأيسر وأخذ الخارج من الجانب الأيسر واخرج كذلك الى الجانب الأيمن فإن العمامة من الجانبين قد استوعبت الحنك وغطته وحصل بها التحنيك الذي ندعيه. والرواية التي أوردها لم يذكر فيها أزيد من التعميم وانه يطرح طرفي العمامة على صدره وليس فيها تعرض لذكر التحنيك بل هي مجملة كما يمكن حملها على التحنيك كما ذكرناه في رواية يونس يمكن حملها على مجرد الإسدال على الصدر من غير ان يدار بكل من الطرفين الى الجانب الآخر ويحنك بهما كما لا يخفى ، وهذا المعنى الثاني هو الذي فهمه منها السيد في المدارك فقال بعد نقل رواية يونس أولا ثم نقل جملة من الروايات ومنها رواية عثمان المذكورة :

والرواية الأولى هي المشهورة بين الأصحاب (رضوان الله عليهم). وبالجملة فكلام شيخنا المشار اليه (قدس‌سره) في هذا المجال لا يخلو من غفلة واستعجال أو اشتغال وتوزع في البال نعم يبقى الكلام في الجمع بين أخبار المسألة فإن الروايات المشتملة على التحنك لمن اعتم دالة بظاهرها على ما فهمه الأصحاب (رضوان الله عليهم) من استحباب التحنك بالعمامة مطلقا لا بخصوص الصلاة وان السنة فيها ذلك ويعضده كلام أهل اللغة والروايات المشتملة على الإسدال دالة على انه المستحب دائما وهو خلاف التحنك كما ظهر لك ، والذي يقرب بخاطري العليل ويدور في فكري الكليل هو ان يقال لا ريب ان

__________________

(١) الوسائل الباب ١٤ من أبواب التكفين.

١٣٤

اخبار التحنك بعضها دل على استحبابه في السفر وبعضها دل على استحبابه في السعي لقضاء الحاجة وبعضها بمجرد التعمم ، ولا يخفى ان المنافي لاخبار الإسدال ظاهرا انما هو اخبار القسم الثالث حيث انها ـ كما فهمه الأصحاب (رضوان الله عليهم) ـ تدل على دوام ذلك واستمراره ما دام معتما ، وحينئذ فيمكن القول ببقاء اخبار الفردين الآخرين على ظاهرها من غير تأويل إذ لا منافاة فيهما فان موردها خاص بهذين الفردين فيختص بها أخبار الإسدال ، ووجه الجمع حينئذ هو حمل اخبار القسم الثالث على ان المراد التحنك وقت التعمم بان يدير العمامة بعد فراغه من التعمم تحت حنكه لا دائما كما فهمه الأصحاب وبما ذكرنا يشعر ظاهر الأخبار المذكورة فإن ظاهر قوله «ولم يتحنك» ـ من حيث كونه حالا من الفاعل في قوله : «من تعمم» والحال قيد في فاعلها ـ يعطي أن التحنك وقت التعمم ، واما استمرار ذلك فيحتاج الى دليل وليس إلا ما قدمنا مما هذه صورته ، وحينئذ تبقى اخبار الإسدال على ظاهرها فيكون المستحب دائما هو الإسدال والتحنك مخصوص بهذه الصور الثلاث. ولا قدح يتطرق الى ما ذكرناه إلا مجرد مخالفة الأصحاب في ما فهموه من هذه الاخبار حيث لم أقف على قائل بما ذكرناه لكن لا يحضرني وجه للجمع بينها غير ذلك ، والظاهر انه الى ذلك يشير ما قدمناه من كلام السيد ابن طاوس بالتقريب الذي قدمنا ذكره. والله العالم.

و (منها) ـ كراهة الإمامة بغير رداء ، والحكم بذلك مشهور بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) لا اعرف فيه مخالفا. وظاهر الشهيدين استحباب الرداء للمصلي مطلقا.

وقال شيخنا المجلسي في كتاب البحار : والذي يظهر لنا من الأخبار ان الرداء انما يستحب للإمام وغيره إذا كان في ثوب واحد لا يستر منكبيه أو لا يكون صفيقا وان ستر منكبيه لكنه في الإمام آكد ، وإذا لم يجد ثوبا يرتدي به مع كونه في إزار وسراويل فقط يجوز ان يكتفي بالتكة والسيف والقوس ونحوها ، ويمكن القول باستحباب

١٣٥

الرداء مع الأثواب المتعددة أيضا لكن الذي ورد التأكيد الشديد فيه يكون مختصا بما ذكرناه.

وقال السيد السند في المدارك : وهذا الحكم أعني كراهة الإمامة بغير رداء مشهور بين الأصحاب واحتجوا عليه بصحيحة سليمان بن خالد (١) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن رجل أم قوما في قميص ليس عليه رداء؟ قال لا ينبغي إلا ان يكون عليه رداء أو عمامة يرتدي بها». وهي انما تدل كراهة الإمامة بدون الرداء في القميص وحده لا مطلقا ويؤكد هذا الاختصاص قول ابي جعفر (عليه‌السلام) لما أم أصحابه في قميص بغير رداء (٢) : «ان قميصي كثيف فهو يجزئ ان لا يكون علي إزار ولا رداء». ثم نقل عن جده (قدس‌سره) انه قال وكما يستحب الرداء للإمام يستحب لغيره من المصلين وان كان للإمام آكد. قال واحتج عليه بتعليق الحكم على مطلق المصلي في عدة أخبار كصحيحة زرارة عن ابي جعفر (عليه‌السلام) (٣) انه قال : «ادنى ما يجزئك ان تصلي فيه بقدر ما يكون على منكبيك مثل جناحي الخطاف». وصحيحة عبد الله بن سنان (٤) قال : «سئل أبو عبد الله (عليه‌السلام) عن رجل ليس معه إلا سراويل فقال يحل التكة فيضعها على عاتقه ويصلي وان كان معه سيف وليس معه ثوب فليتقلد السيف ويصل قائما». وصحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما (عليهما‌السلام) (٥) قال : «إذا لبس السراويل فليجعل على عاتقه شيئا ولو حبلا». ثم قال : ولا يخفى ما في هذا الاستدلال من الضعف لاختصاص الروايتين الأخيرتين بالعاري وعدم ذكر الرداء في الرواية الاولى بل أقصى ما تدل عليه استحباب ستر المنكبين سواء كان بالرداء أم بغيره. وبالجملة فالأصل في هذا الباب رواية سليمان بن خالد وهي انما تدل على كراهة الإمامة بدون الرداء في القميص وحده فإثبات ما زاد على ذلك يحتاج الى دليل. انتهى.

أقول وبالله التوفيق لبلوغ المأمول ونيل المسؤول : لا يخفى ان المفهوم من تتبع

__________________

(١ و ٣ و ٤) الوسائل الباب ٥٣ من لباس المصلي.

(٢ و ٥) الوسائل الباب ٢٢ من لباس المصلي.

١٣٦

الأخبار ـ كما لا يخفى على من جاس خلال الديار ـ ان الرداء في الصدر الأول ليس إلا من جملة الثياب التي يلبسها الناس يومئذ مثل القميص والقباء ونحوهما لا اختصاص له بمصل ولا غيره فضلا عن ان يكون إماما أو غير امام ، والمستفاد من اخبار هذا الباب انه يستحب للمصلي إماما كان أو غيره ان يصلي في ثوبين أحدهما فوق الآخر رداء كان الثوب الأعلى أو قباء أو غيرهما ، وانه متى كان ظهره مكشوفا فإنه يستحب تغطيته بان يضع على عاتقه رداء أو قباء أو نحو ذلك مما يستر ظهره ، ولو تعذر فإنه يجزئه ولو مثل حمائل السيف وتكة السروال ونحوهما ، وانه يتأكد ذلك في الموضعين في الامام ، وحينئذ فالسؤال والجواب في صحيحة سليمان بن خالد التي استندوا إليها في استحباب الرداء للإمام لا دلالة فيها على خصوصية الرداء ولا الإمام إلا من حيث السؤال ، والكلام فيها انما خرج مخرج التمثيل وإلا فهما من قبيل الأسئلة الآتية في كل مصل وفي كل ثوب ، وبه يظهر انه لا دلالة في الرواية على ما ادعوه ، ويؤيد ذلك ما أشار إليه السيد من الرواية عن ابي جعفر (عليه‌السلام) وقوله : «ان قميصي كثيف فهو يجزئ ان لا يكون علي إزار ولا رداء» فان فيه ما يشير الى عدم استحباب الرداء من حيث هو رداء ، ولا ينافي ما ذكرناه من استحباب الثوبين لجواز خروجها مخرج الجواز لأنهم كثيرا ما يتركون المستحبات ويفعلون المكروهات لبيان الجواز كما صرح به غير واحد من الأصحاب.

ثم ان مما يدل على ما ذكرناه من الأحكام مضافا الى الروايات المتقدمة صحيحة علي بن جعفر المذكورة في كتابه عن أخيه موسى (عليه‌السلام) (١) قال : «سألته عن الرجل هل يصلح له ان يصلي في قميص واحد أو قباء وحده؟ قال ليطرح على ظهره شيئا. وسألته عن الرجل هل يصلح له ان يؤم في سراويل ورداء؟ قال لا بأس به وسألته عن المرأة هل يصلح لها ان تصلى في ملحفة ومقنعة ولها درع؟ قال لا يصلح لها إلا ان تلبس درعها. وسألته عن المرأة هل يصلح لها ان تصلي في إزار وملحفة ومقنعة ولها درع؟

__________________

(١) ارجع الى ص ٢٦.

١٣٧

قال إذا وجدت فلا يصلح لها الصلاة إلا وعليها درع وسألته عن المرأة هل يصلح لها ان تصلي في إزار وملحفة تقنع بها ولها درع؟ قال لا يصلح ان تصلي حتى تلبس درعها. وسألته عن السراويل هل يجزئ مكان الإزار؟ قال نعم. وسألته عن الرجل هل يصلح له ان يصلي في إزار وقلنسوة وهو يجد رداء؟ قال لا يصلح. وسألته عن الرجل هل يصلح له ان يؤم في سراويل وقلنسوة قال لا يصلح. وسألته عن الرجل هل يصلح له ان يؤم في ممطر وحده أوجبه وحدها؟ قال إذا كان تحته قميص فلا بأس. وسألته عن الرجل هل يؤم في قباء وقميص؟ قال إذ كان ثوبين فلا بأس».

وأنت خبير بأنه يستفاد من مجموع هذه الأجوبة المنقولة عنه (عليه‌السلام) ما قدمنا ذكره من ستر أعالي البدن متى كان مكشوفا وعليه تدل صحيحة زرارة المتقدمة وما بعدها ، واستحباب الصلاة للرجل في ثوبين كما تدل عليه صحيحة سليمان بن خالد ، فإنها ليست إلا من قبيل هذه الأسئلة المتضمنة للثوبين ، وان وقع فيها السؤال عن الامام والرداء فليس الإمام إلا كغيره من المصلين وليس الرداء إلا كغيره من الثوبين في هذا الخبر ، نعم لو كان الرداء انما يختص لبسه بحال الصلاة لكان للتخصيص به وجه إلا ان الأمر ليس كذلك كما أشرنا إليه آنفا بل هو من جملة الثياب المتعارفة اللبس دائما فسبيله كسبيل غيره منها ، وبذلك يظهر انه لا اثر لاستحباب الرداء في الصلاة لإمام كان أو غيره كما يشير اليه كلام شيخنا المجلسي (قدس‌سره).

بقي في المقام فوائد يجب التنبيه عليها (الاولى) قد اضطرب كلام جملة من علماء الخاصة والعامة في معنى الإسدال للرداء بعد اتفاقهم على كراهة السدل ، فقال في التذكرة : يكره السدل وهو ان يلقى طرف الرداء من الجانبين ولا يرد أحد طرفيه على الكتف الأخرى ولا يضم طرفيه بيده. وقال الشهيد (قدس‌سره) في النفلية هو ان يلتف بالإزار فلا يرفعه على كتفيه. وقال شيخنا الشهيد الثاني : واعلم انه ليس في الاخبار وأكثر عبارات الأصحاب بيان كيفية لبس الرداء بل هي مشتركة في انه يوضع على

١٣٨

المنكبين. وفي التذكرة هو الثوب الذي يوضع على المنكبين ، ومثله في النهاية. فيصدق أصل السنة بوضعه كيف اتفق ، لكن لما روى كراهة سدله ـ وهو ان لا يرفع أحد طرفيه على المنكب وانه فعل اليهود وروى علي بن جعفر عن أخيه موسى (عليه‌السلام) (١) قال : «سألته عن الرجل هل يصلح ان يجمع طرفي ردائه على يساره؟ قال لا يصلح جمعهما على اليسار ولكن اجمعهما على يمينك أودعهما». ـ تعين ان الكيفية الخالية عن الكراهة هي وضعه على المنكبين ثم يرد ما على الأيسر على الأيمن ، وبهذه الهيئة فسره بعض الأصحاب (رضوان الله عليهم) لكن لو فعله على غير هذه الهيئة خصوصا ما نص على كراهته هل يثاب عليه؟ لا يبعد ذلك لصدق مسمى الرداء وهو في نفسه عبادة لا يخرجها كراهتها عن أصل الرجحان ، ويؤيده إطلاق بعض الاخبار وكونها أصح من الاخبار المقيدة. انتهى. وقد تقدم كلام ابن إدريس الدال على كراهية السدل كما تفعله اليهود وهو ان يتلفف بالإزار ولا يرفعه على كتفيه وان هذا هو اشتمال الصماء عند أهل اللغة.

أقول : مما وقفت عليه من الاخبار الدالة على النهي عن السدل ما رواه الصدوق في الفقيه في الصحيح عن زرارة (٢) قال : «قال أبو جعفر (عليه‌السلام) خرج أمير المؤمنين (عليه‌السلام) على قوم فرآهم يصلون في المسجد قد سدلوا أرديتهم فقال لهم ما لكم قد سدلتم ثيابكم كأنكم يهود خرجوا من فهرهم؟ ـ يعني بيعتهم ـ إياكم وسدل ثيابكم». وهذا الخبر هو الذي أشار إليه شيخنا الشهيد (قدس‌سره) وكذلك ابن إدريس ، ولا ريب ان هذا الخبر بحسب ظاهره مناف لصحيحة علي بن جعفر المذكورة في كلام شيخنا المشار إليه ، فإنها دالة على التخيير بين إرسال طرفي الثوب وبين وضعهما على اليمين وانما كره (عليه‌السلام) جمعهما على اليسار ، والظاهر ان تخصيص شيخنا المذكور الكيفية الخالية من الكراهة بصورة الجمع على اليمين حيث ان حديث زرارة قد عارض صورة الإسدال الذي هو أحد الفردين المخيرين واما صورة الوضع على اليمين فلا معارض

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ٢٥ من لباس المصلي.

١٣٩

لها فبقيت على أصل الاستحباب. وفيه ان ظاهر التخيير مساواة الأمرين في الاستحباب ويؤيده ما رواه في الفقيه عن عبد الله بن بكير (١) «انه سأل أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن الرجل يصلي ويرسل جانبي ثوبه؟ قال لا بأس به».

والأظهر عندي في وجه الجمع بين الصحيحتين المذكورتين أحد أمرين : اما حمل رواية النهي عن الإسدال على ما إذا صلى في إزار بغير قميص كما يدل عليه ما رواه في كتاب قرب الاسناد عن الحسن بن ظريف عن الحسين بن علوان عن الصادق عن أبيه (عليهما‌السلام) (٢) قال : «انما كره السدل على الأزر بغير قميص فاما على القميص والجباب فلا بأس». واما على وضع الرداء على الرأس والتقنع به وإسداله ، وبه فسر الخبر المذكور في النهاية قال : فيه «انه نهى عن السدل في الصلاة» وهو ان يلتحف بثوبه ويدخل يديه من داخل فيركع ويسجد وهو كذلك وكانت اليهود تفعله فنهوا عنه ، وهذا مطرد في القميص وغيره من الثياب. وقيل هو ان يضع وسط الإزار على رأسه ويرسل طرفيه عن يمينه وشماله من غير ان يجعلهما على كتفيه ، ومنه حديث على (عليه‌السلام) انه رأى قوما يصلون قد سدلوا ثيابهم فقال كأنهم اليهود خرجوا من فهرهم. انتهى. وظاهر كلام جملة من علمائنا وعلماء العامة ان اليهود كذلك يفعلون ، وحينئذ فيبقى ما دل عليه صحيح علي بن جعفر من التخيير بين الإسدال والوضع على اليمين صحيحا لا اشكال فيه ولا كراهة تعتريه. وكلامه في النهاية متضمن لتفسير الإسدال المكروه بمعنيين آخرين غير المعنيين المتقدمين.

(الثانية) ـ قال في المدارك : وينبغي الرجوع في الرداء الى ما يصدق عليه الاسم عرفا وانما تقوم التكة ونحوها مقامه مع الضرورة كما تدل عليه رواية ابن سنان واما ما اشتهر في زماننا من اقامة غيره مقامه مطلقا فلا يبعد ان يكون تشريعا. انتهى.

أقول : فيه انه مبني على ثبوت استحباب الرداء بخصوصه وقد عرفت ما فيه وانه

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ٢٥ من لباس المصلي.

١٤٠