الحدائق الناضرة - ج ٧

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]

الحدائق الناضرة - ج ٧

المؤلف:

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]


المحقق: محمّد تقي الإيرواني
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٥٦

(المقام الرابع) ـ في الذهب ، اما تحريم لبس الذهب على الرجال فلا خلاف فيه بين الأصحاب ، وانما الخلاف في بطلان الصلاة في ما لا تتم الصلاة فيه كالخاتم ونحوه. فذهب الأكثر إلى البطلان وظاهر المحقق في المعتبر العدم حيث قال : لو صلى وفي يده خاتم من ذهب ففي فساد الصلاة تردد أقربه انها لا تبطل لما قلناه في الخاتم المغصوب ، ومنشأ التردد رواية موسى بن أكيل النميري عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (١) قال : «جعل الله الذهب حلية أهل الجنة فحرم على الرجال لبسه والصلاة فيه». انتهى وأشار بقوله «لما قلناه في الخاتم المغصوب» الى ما قدمه في مسألة الصلاة في الخاتم المغصوب من ان النهي عنه ليس عن فعل من أفعال الصلاة ولا عن شرط من شروطها.

أقول : ومما وقفت عليه من الأخبار في هذا المقام زيادة على الرواية التي نقلها ما رواه الصدوق في كتاب العلل في الموثق عن عمار الساباطي عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٢) «في الرجل يصلي وعليه خاتم حديد؟ قال لا ولا يتختم به الرجل لانه من لباس أهل النار. وقال لا يلبس الرجل الذهب ولا يصلي فيه لانه من لباس أهل الجنة».

وما رواه في كتاب الخصال بسنده عن جابر الجعفي عن ابي جعفر (عليه‌السلام) (٣) قال : «يجوز للمرأة لبس الديباج ، الى ان قال ويجوز ان تتختم بالذهب وتصلي فيه وحرم ذلك على الرجال».

وما رواه في التهذيب عن عمار الساباطي في الموثق عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٤) قال : «لا يلبس الرجل الذهب ولا يصلي فيه لانه من لباس أهل الجنة». وقال في كتاب الفقه الرضوي (٥) «لا تصل في ديباج ولا في حرير». وقد تقدمت هذه العبارة ، الى ان قال بعدها : ولا تصل في جلد الميتة على كل حال ولا في

__________________

(١ و ٤) الوسائل الباب ٣٠ من لباس المصلي.

(٢) الوسائل الباب ٣٢ و ٣٠ من لباس المصلي.

(٣) الوسائل الباب ١٦ من لباس المصلي.

(٥) ص ١٦.

١٠١

خاتم ذهب ولا تشرب في آنية الذهب والفضة ولا تصل على شي‌ء من هذه الأشياء. الى آخر ما تقدم قريبا.

وأنت خبير بأن الأخبار المذكورة قد اتفقت على النهي عن الصلاة في الخاتم من الذهب والنهي عن العبادة موجب لبطلانها بلا خلاف ولا اشكال ، وبه يظهر ضعف ما ذهب اليه المحقق (قدس‌سره) قال في الذكرى : ورابعها الذهب والصلاة فيه حرام على الرجال فلو موه به ثوبا وصلى فيه بطل بل لو لبس خاتما منه وصلى فيه بطلت صلاته. قال الفاضل لقول الصادق (عليه‌السلام) «جعل الله الذهب حلية لأهل الجنة فحرم على الرجال لبسه والصلاة فيه» رواه موسى بن أكيل النميري عنه (عليه‌السلام) (١). وفعل المنهي عنه مفسد للعبادة. وقوي في المعتبر عدم الابطال بلبس خاتم من ذهب لإجرائه مجرى خاتم مغصوب والنهي ليس عن فعل من أفعال الصلاة ولا عن شرط من شروطها. انتهى. وربما يوهم كلامه هنا من حيث اقتصاره على نقل قولي الفاضلين في الخاتم التوقف إلا ان كلامه في الدروس والبيان ظاهر في اختيار المشهور حيث حكم بالبطلان في الخاتم ولو مموها. أقول : والحكم بالبطلان من هذه الاخبار أظهر من ان ينكر. وظاهره في كتبه الثلاثة جعل المموه بالذهب من خاتم وغيره كالذهب لصدق الصلاة في الذهب. وهو جيد ونقل عن ابي الصلاح ما يؤذن بالكراهة في الذهب. وهو ضعيف.

وكيف كان فينبغي ان يستثني من ذلك ما إذا دعت الضرورة إلى شد الأسنان به لما رواه في الكافي في الصحيح عن محمد بن مسلم عن ابي جعفر (عليه‌السلام) (٢) في حديث «ان أسنانه استرخت فشدها بالذهب».

وروى الفضل بن الحسن الطبرسي في كتاب مكارم الأخلاق عن الحلبي عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٣) قال : «سألته عن الثنية تنفصم أيصلح ان تشبك

__________________

(١) ص ١٠١.

(٢ و ٣) الوسائل الباب ٣١ من لباس المصلي.

١٠٢

بالذهب وان سقطت يجعل مكانها ثنية شاة؟ قال نعم ان شاء فليضع مكانها ثنية شاة بعد ان تكون ذكية».

وعن عبد الله بن سنان عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (١) قال : «سألته عن الرجل تنفصم سنه أيصلح له ان يشدها بالذهب؟ وان سقطت أيصلح ان يجعل مكانها سن شاة؟ قال نعم ان شاء ليشدها بعد ان تكون ذكية».

أقول : ظاهر اشتراط الذكاة في السن التي يضعها انه لا يجوز وضع سن الميتة بل لا بد من تذكيتها بالذبح مع ان السن مما لا تحله الحياة فلا مانع من وضعه فإنه طاهر إجماعا كما تقدم تحقيقه في محله من كتاب الطهارة.

ويدل على ذلك زيادة على ما عرفت ما رواه في كتاب مكارم الأخلاق أيضا عن زرارة عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٢) قال : «سأله ابي وانا حاضر عن الرجل يسقط سنه فيأخذ سن انسان ميت فيجعله مكانه؟ قال لا بأس».

ولعل اشتراط الذكاة في السن في الخبرين المذكورين من جهة ما يصاحبها غالبا من اللحم عند قلعها من موضعها وإلا فالاشتراط مشكل. والله العالم.

(المقام الخامس) ـ في المغصوب ، ظاهر كلام الأصحاب (رضوان الله عليهم) الاتفاق على تحريم الصلاة في الثوب المغصوب ، ونسبه في المنتهى الى علمائنا مؤذنا بدعوى الإجماع عليه ، وصرح بذلك في النهاية فقال : لا تصح الصلاة في الثوب المغصوب مع العلم بالغصبية عند علمائنا اجمع. وإطلاق أكثر غباراتهم شامل لما هو أعم من ان يكون ساترا للعورة أو غير ساتر ، بل صرح بذلك العلامة في جملة من كتبه والشهيد في البيان حيث قال فيه : ولا يجوز الصلاة في الثوب المغصوب ولو خيطا فتبطل مع علمه بالغصب هذا مع ان صريح كلام الفضل بن شاذان من قدماء أصحابنا (رضوان الله عليهم) وخواص أصحاب الرضا (عليه‌السلام) هو الجواز كما نقله في الكافي في كتاب الطلاق

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ٣١ من لباس المصلي.

١٠٣

حيث قال ـ في مقام الرد على المخالفين في جواب من قاس صحة الطلاق في الحيض بصحة العدة مع خروج المعتدة من بيت زوجها ـ ما هذا لفظه : وانما قياس الخروج والإخراج كرجل دخل دار قوم بغير إذنهم فصلى فيها فهو عاص في دخوله الدار وصلاته جائزة لأن ذلك ليس من شرائط الصلاة لأنه منهي عن ذلك صلى أم لم يصل ، وكذلك لو ان رجلا غصب من رجل ثوبا أو أخذه فلبسه بغير اذنه فصلى فيه لكانت صلاته جائزة وكان عاصيا في لبسه ذلك الثوب لان ذلك ليس من شرائط الفرض لان ذلك انى على حدة والفرض جائز معه ، وكل ما لم يجب إلا مع الفرض ومن أجل ذلك الفرض فان ذلك من شرائطه لا يجوز الفرض إلا بذلك على ما بيناه. وليكن القوم لا يعرفون ولا يميزون ويريدون ان يلبسوا الحق بالباطل. الى آخر ما ذكره (قدس‌سره). ومرجعه إلى انه حيث لم يشترط الإباحة في المكان واللباس بالنسبة إلى الصلاة كما ورد اشتراطها بستر العورة والقبلة وطهارة الساتر ونحوها فلا يكون الإخلال بها مضرا بالصلاة وموجبا لبطلانها ، فتجوز الصلاة حينئذ في المكان والثوب المغصوبين غاية الأمر انه منهي عن التصرف في المغصوب صلى فيه أو لم يصل ، وغاية ما يوجبه هذا النهي هو الإثم في التصرف بأي نحو كان. وهو كلام متين ومن ثم مال اليه المحدث الكاشاني في المفاتيح.

قال شيخنا المجلسي (قدس‌سره) في كتاب البحار بعد نقل الكلام بطوله ما صورته : فظهر ان القول بالصحة كان بين الشيعة بل كان أشهر عندهم في تلك الأعصار. انتهى. أقول : ويؤيده ايضا ان صاحب الكافي قد نقل ذلك ولم ينكره ولم يطعن عليه في شي‌ء منه.

إذا عرفت ذلك فاعلم انه لا بد من نقل حجة القوم في هذا المقام وبيان ما يتوجه عليها من نقض وإبرام فنقول وبالله سبحانه الاعتصام من زيغ الافهام وطغيان الأقلام :

قال السيد السند (قدس‌سره) في كتاب المدارك بعد نقل كلام الأصحاب

١٠٤

(رضوان الله عليهم) وحكمهم بالبطلان في المسألة : واحتجوا عليه بان الحركات الواقعة في الصلاة منهي عنها لأنها تصرف في المغصوب والنهي عن الحركة نهى عن القيام والقعود والسجود وهو جزء الصلاة فتفسد لأن النهي في العبادة يقتضي الفساد فتكون الصلاة باطلة لفساد جزئها وبأنه مأمور بإبانة المغصوب عنه ورده الى مالكه فإذا افتقر الى فعل كثير كان مضادا للصلاة والأمر بالشي‌ء يقتضي النهي عن ضده فيفسد. ويتوجه على الأول ان النهي انما يتوجه الى التصرف في المغصوب الذي هو لبسه ابتداء واستدامة وهو أمر خارج عن الحركات من حيث هي حركات اعني القيام والعقود والسجود فلا يكون النهي متناولا لجزء الصلاة ولا لشرطها ومع ارتفاع النهي ينتفي البطلان. وعلى الثاني ما بيناه مرارا من ان الأمر بالشي‌ء انما يقتضي النهي عن ضده العام الذي هو نفس الترك أو الكف لا الأضداد الخاصة الوجودية. والمعتمد ما اختاره المصنف في المعتبر من بطلان الصلاة ان كان الثوب ساترا للعورة لتوجه النهي إلى شرط العبادة فيفسد ويبطل المشروط لفواته ، وكذا إذا قام فوقه أو سجد عليه لان جزء الصلاة يكون منهيا عنه وهو القيام والقعود حيث انه نفس الكون المنهي عنه ، اما لو لم يكن كذلك لم تبطل لتوجه النهي إلى أمر خارج عن العبادة. أقول : لا يخفى انه قد كفانا المؤنة في رد الدليل المشهور بما ذكره.

بقي الكلام في ما استدل به واعتمده من كلام المحقق في المعتبر وظن انه جيد ومعتبر ، وينبغي ان يعلم أولا ان عبارة المعتبر هنا لا تخلو من قصور والسيد في ما نقله عنه قد أصلحه وزاد في العبارة ما يندفع به عنه الإيراد وان كان ما أصلحه به ايضا لا يوصل الى مطلوب ولا مراد كما سيظهر لك ان شاء الله تعالى بوجه لا يتطرق اليه الفساد ، وذلك فإن أصل عبارة المعتبر هكذا : ثم اعلم اني لم أقف على نص عن أهل البيت (عليهم‌السلام) بإبطال الصلاة وانما هو شي‌ء ذهب اليه المشايخ الثلاثة منا واتباعهم والأقرب انه ان كان ستر به العورة أو سجد عليه أو قام فوقه كانت الصلاة باطلة لأن

١٠٥

جزء الصلاة يكون منهيا عنه وتبطل الصلاة بفواته اما لو لم يكن كذلك لم تبطل وكان كلبس خاتم مغصوب ، انتهى. وظاهره ـ كما ترى ـ تعليل البطلان في المواضع الثلاثة بكون كل منها جزءا من الصلاة وهو منهي عنه ، مع ان ستر العورة ليس جزء من الصلاة وانما هو من شروط صحتها ، والسيد كأنه تفطن لذلك فعدل عن تعليله وعلله بأنه شرط لها ولكنه بالنهي عنه يفسد ويبطل المشروط لفوات شرطه. وفيه انا لا نسلم فساد الشرط وبطلانه إلا إذا كان عبادة وإلا فغايته حصول الإثم خاصة ، وما نحن فيه كذلك فان ستر العورة ليس عبادة بل هو كإزالة النجاسة فإنها شرط في صحة الصلاة مع انه لا يقدح في الصلاة إزالتها بماء مغصوب أو آلة مغصوبة ونحو ذلك ، وحينئذ فتصح الصلاة في الساتر وان كان مغصوبا وان اثم من حيث الغصب.

واما ما علل به البطلان لو قام أو قعد فوقه أو سجد عليه ـ من ان جزء الصلاة يكون منهيا عنه وهو القيام والقعود والسجود في الصورة المذكورة والنهي عن العبادة موجب لبطلانها وببطلان الجزء يبطل الكل ـ فالجواب عنه انه ان أريد به النهي عنه من حيث عدم جواز الصلاة فيه فما ذكره من البطلان مسلم لكن الحال ليست كذلك لانه لم يرد نهي بهذا المعنى في المقام وإلا لسقط البحث من أصله ، وان أريد النهي عنه من حيث الغصب وقبح التصرف في مال الغير بدون اذنه فما ذكره من البطلان المترتب على ذلك ممنوع لان القدر المقطوع به من بطلان العبادة بتوجه النهي إليها انما هو إذا توجه إليها من حيث كونها عبادة لأن التعليق على الوصف مشعر بالعلية لا من جهة أخرى كما نحن فيه ، والنهي هنا انما توجه الى القيام على هذا الثوب المغصوب من حيث تحريم التصرف في المغصوب من دون اذن المالك لا من حيث عدم جواز الصلاة عليه. ولزوم اجتماع الأمر والنهي في شي‌ء واحد مع اختلاف الحيثيتين غير ضائر إذ وجه المحالية بتكليف ما لا يطاق المترتب على ذلك انما يلزم مع اتحاد الجهة كما لا يخفى. ولم اطلع على من تفطن لهذه الدقيقة في المقام من علمائنا الاعلام وبها تنحل جميع الشبه التي طال فيها

١٠٦

الكلام واتسعت فيها دائرة الخصام وكثر فيها النقض والإبرام ، فإن ذلك مبني على شبهة النهي وانه متوجه إلى العبادة وهو موجب لبطلانها ، وهو على إطلاقه ممنوع كما عرفت فان ذلك مخصوص بما يتوجه إليها من حيث كونها عبادة مثل النهي عن السجود على ما لا يصح السجود عليه مما منع الشارع من السجود عليه ، واما النهي عن السجود على المغصوب فإنما هو من حيث كونه تصرفا في مال الغير بغير اذنه. وبذلك يظهر لك انه لا فرق بين استعمال المغصوب في هذه الأشياء الثلاثة التي عدها في المعتبر وتبعه من تبعه كالسيد المذكور وجده قبله وغيرهما ولا بين لبس المغصوب مطلقا لجريان ما ذكرناه في الموضعين والظاهر ان منشأ قولهم بالبطلان في الثلاثة المعدودة هو انه متى لم يكن أحد الثلاثة فإن النهي انما توجه الى ذلك اللباس والحركة فيه قياما وقعودا وركوعا وسجودا من حيث كونه تصرفا في مال الغير يغير اذنه وهذا أمر خارج عن الصلاة لا انه نهى عن ذلك من حيث كونها حركات في الصلاة ، بخلاف ما إذا كان أحد الثلاثة لعين ما تقدم نقله عن المدارك ، وقد عرفت ما فيه. ويمكن ان يكون للزوم اجتماع الأمر والنهي في شي‌ء واحد وهو محال لو قيل بصحة الصلاة في هذه المواضع الثلاثة. وفيه ما عرفت من انه لا مانع منه مع اختلاف الجهتين ولزوم المحال انما يحصل مع اتحادهما كما لا يخفى.

وقد تلخص من هذا البحث ان المشهور هو بطلان الصلاة في المغصوب مطلقا كما تقدم وعلى مذهب المحقق ومن تبعه كالشهيدين في الذكرى والروض والسيد تخصيص البطلان بما إذا كان المغصوب ساترا للعورة أو مكانا للقيام عليه أو مسجدا وإلا فهي صحيحة عندهم فالقدر المجمع عليه بينهم هو هذا ، وقد عرفت ما في الجميع وبه يظهر قوة ما قدمناه عن الفضل بن شاذان (قدس‌سره).

قال شيخنا المجلسي (قدس‌سره) في تتمة الكلام الذي قدمنا نقله ذيل كلام الفضل بن شاذان : وكلام الفضل يرجع الى ما ذكره محققو أصحابنا من ان التكليف الإيجابي ليس متعلقا بهذا الفرد الشخصي بل متعلق بطبيعة كلية شاملة لهذا الفرد وغيره

١٠٧

وكذا التكليف التحريمي متعلق بطبيعة الغصب لا بخصوص هذا الفرد ، والنسبة بين الطبيعتين عموم من وجه فطلب الفعل والترك غير متعلق بأمر واحد في الحقيقة حتى يلزم التكليف بما لا يطاق وانما جمع المكلف بينهما في فرد واحد باختياره ، فهو ممتثل للتكليف الإيجابي باعتبار ان هذا فرد الطبيعة المطلوبة وامتثال الطبيعة انما يحصل بالإتيان بفرد من إفرادها ، وهو مستحق للعقاب ايضا باعتبار كون هذا الفرد فرد الطبيعة المنهية. وقيل هذا القول غير صحيح على أصول أصحابنا لأن تعلق التكليف بالطبيعة مسلم لكن لا نزاع عندنا في ان الطبيعة المطلوبة يجب ان تكون حسنة ومصلحة راجحة متأكدة يصح للحكيم ارادتها وقد ثبت ذلك في محله ، وغير خفي أن الطبيعة لا تتصف بهذه الصفات إلا من حيث التحصل الخارجي باعتبار أنحاء وجوداته الشخصية ، وحينئذ نقول الفرد المحرم لا يخلو اما ان يكون حسنا ومصلحة متأكدة مرادة للشارع أم لا ، وعلى الأول لا يصح النهى عنه ، وعلى الثاني لم يكن القدر المشترك بينه وبين باقي الأفراد مطلوبا للشارع بل المطلوب الطبيعة المقيدة بقيد يختص به ما عدا ذلك الفرد فلا يحصل الامتثال بذلك الفرد لخروجه من افراد المأمور به. أقول : ويمكن المناقشة فيه بوجوه لو تعرضنا لها لخرجنا عما هو مقصودنا في هذا الكتاب. وبالجملة الحكم بالبطلان أحوط واولى وان كان إثباته في غاية الإشكال. انتهى كلام شيخنا المشار إليه.

أقول : لا يخفى ان القائل بما نقله هنا هو الفاضل الخراساني في الذخيرة حيث انه من القائلين بالقول المشهور من بطلان الصلاة في المغصوب مطلقا ، وشيخنا المذكور لم يتعرض لبيان المناقشة في كلامه بل اعتذر بما ذكره. ويمكن الجواب عما ذكره في خلاصة كلامه ونتيجة بحثه بقوله : «وحينئذ نقول الفرد المحرم لا يخلو اما ان يكون حسنا. إلخ» بأن يقال هنا فرد آخر غير ما ذكره من الفردين بان يكون حسنا من وجه وقبيحا من وجه ، وذلك بان يكون حسنا من حيث توقف العبادة عليه وان كان قبيحا من حيث التصرف في مال الغير بغير اذنه ، فهو ذو جهتين حسن من إحداهما قبيح من الأخرى فهو

١٠٨

داخل تحت كل من الطبيعتين باعتبار هاتين الجهتين والنهي انما صح عنه من الجهة الأخرى لا من الجهة الأولى التي هي جهة الحسن ، فلا يلزم ما ذكره وأطال به من اللازم على كل من الفردين اللذين ذكرهما إذ التقسيم غير منحصر فيهما مع وجود هذا الفرد الذي ذكرناه واما ما ذكره في الاعتراض على كلام شيخنا الشهيد الثاني في الروض حيث أجاب في الروض عن حجة القول المشهور المتقدمة بنحو ما أجاب به سبطه في المدارك فقال في الذخيرة بعد نقل ذلك عنه : وفيه نظر لأن الإنسان إذا كان متلبسا باللباس المغصوب في حال الركوع مثلا فلا خفاء في ان الحركة الركوعية حركة واحدة شخصية محرمة لكونها محركة للشي‌ء المغصوب فيكون تصرفا في مال الغير بغير اذنه محرما فلا يصح التعبد به مع انه جزء من الصلاة ، واعتبار الجهتين غير نافع في صحة تعلق الوجوب والحرمة إلا مع اختلاف المتعلق لا مطلقا. انتهى. وفيه انه لا ريب ان التصرف في المغصوب وما يترتب عليه من التحريم والعقاب قد حصل بنفس اللبس فالتحريم ثابت له ابتداء واستدامة صلى فيه أو لم يصل تحرك فيه أو لم يتحرك ، ولا يعقل لهذه الحركة الركوعية أو السجودية خصوصية في هذا المقام ليترتب عليها شي‌ء من الأحكام ، فلا معنى لتفريعه على الحركة الركوعية بقوله «فيكون تصرفا في مال الغير فلا يصح التعبد به» إذ هو متصرف فيه حال قيامه وقعوده بل جميع أحواله ، وبذلك يظهر انه لا معنى لقوله : «فلا يصح التعبد به» إذ هذا التفريع فرع صحة ما زعمه من الاختصاص بالحركة الركوعية ونحوها إذ التصرف والتحريم كما عرفت قد حصل بمجرد اللبس واستدامته صلى فيه أو لم يصل ، غاية الأمر انه قد قارن التصرف المحرم هذه الحركات والسكنات في الصلاة والنهي عن المقارن لا يوجب التعدي الى ما قارنه ، وحينئذ فلا يكون النهي متناولا لجزء من الصلاة ولا شرطها ، ومع تسليم ما ذكره فالجواب عنه ما تقدم. وقوله في الإشارة إلى الجواب عن ذلك «واعتبار الجهتين غير نافع. إلخ» ممنوع فإن العلة التي عللوا بها ذلك انما تتم في ما إذا كان تعلق الأمر والنهي من جهة واحدة كما لا يخفى.

١٠٩

وبالجملة فإنه يكفينا التمسك بامتثال الأمر المتفق على كونه يقتضي الاجزاء ، وذلك فإنه إذا قال الشارع «صل بعد الطهارة مستقبل القبلة مستترا بثوب طاهر» مثلا فامتثل المكلف ذلك فلا ريب في صحة صلاته لما ذكرناه ، والحكم ببطلان عبادته لو كان المكان أو الثوب مغصوبا يحتاج الى دليل حيث ان العبادة صحة وبطلانا وزيادة ونقصانا وكمية وكيفية توقيفية والشارع لم يذكر في ما اشترطه من شروط الصلاة إباحة مكانه ولا ثوبه ، والدليل عندنا منحصر في الكتاب والسنة دون هذه التخريجات الفكرية التي يزعمونها أدلة عقلية مع اختلاف العقول فيها نقضا وإبراما كما في هذه المسألة وغيرها وقد حققنا في مقدمات الكتاب عدم جواز الاعتماد على الأدلة العقلية بل عدم وجودها بالكلية.

إلا انه قد ورد هنا بعض الاخبار مما يتسارع الى الفهم منها الدلالة على القول المشهور مثل ما رواه شيخنا المجلسي (قدس‌سره) في كتاب البحار (١) عن كتاب تحف العقول للحسن بن علي بن شعبة وكتاب بشارة المصطفى للطبري عن أمير المؤمنين (عليه‌السلام) في وصيته لكميل «يا كميل انظر في ما تصلي وعلى ما تصلي ان لم يكن من وجهه وحله فلا قبول». وقريب منه ما رواه الصدوق مرسلا والكليني مسندا عن الصادق (عليه‌السلام) (٢) قال : «لو ان الناس أخذوا ما أمرهم الله به فأنفقوه في ما نهاهم عنه ما قبله منهم ولو أخذوا ما نهاهم الله عنه فأنفقوه في ما أمرهم الله به ما قبله منهم حتى يأخذوه من حق وينفقوه في حق». وما ربما يقال ـ من ان عدم القبول انما هو بمعنى عدم ترتب الثواب ولا ينافي الصحة ـ فقد أبطلناه في جملة من زيرنا ولا سيما كتاب الدرر النجفية إلا ان باب التأويل فيهما غير منغلق.

وبالجملة فالمسألة لا تخلو من شوب الاشكال والاحتياط فيها مطلوب لا ينبغي تركه على كل حال فان كلام الفضل لا يخلو من قوة كما عرفت في هذا المجال. والله العالم.

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ٢ من مكان المصلي.

١١٠

فروع

(الأول) ـ قال في المنتهى : لا فرق بين ان يكون الثوب المغصوب ساترا أو غير ساتر بان يكون فوق الساتر أو تحته على اشكال. أقول : الظاهر ان وجه الاشكال عنده هو ما تقدم في كلام المحقق في المعتبر من تخصيصه التحريم بالساتر أو ما يقوم عليه أو يسجد عليه والجواز في ما عدا ذلك ، وهو في هذا الكتاب يحذو حذو المعتبر غالبا وفي هذا المقام توقف. وقد مضى تحقيق الكلام في المقام.

(الثاني) ـ قال في المنتهى ايضا : قيل تبطل الصلاة في الخاتم المغصوب وشبهه كالسوار والقلنسوة والعمامة. وفيه تردد أقربه البطلان. أقول : ومنشأ هذا التردد ايضا هو كلام المحقق في المعتبر حيث انه جزم بالصحة في الخاتم المغصوب ونحوه مما لا يستر العورة والعلامة هنا قد رجح القول المشهور.

(الثالث) ـ لو جهل أصل الغصب فالظاهر انه لا خلاف بينهم في الصحة لعدم توجه النهي ولزوم تكليف ما لا يطاق.

(الرابع) ـ لو علم بالغصب وجهل الحكم اعني تحريم الصلاة في المغصوب فالمشهور الحاقة بالعالم في عدم المعذورية ، وعلله في الذكرى بأنه جمع بين الجهل والتقصير في التعلم. ولا يخفى ما فيه ، ولهذا مال في المدارك إلى الحاقه بسابقه حيث قال بعد ان ذكر ان جاهل الغصب لا تبطل صلاته لارتفاع النهى : ولا يبعد اشتراط العلم بالحكم ايضا لامتناع تكليف الغافل فلا يتوجه إليه النهي المقتضي للفساد. وهو جيد إلا انه لم يقف عليه في غير هذا الموضع وغير هذا المقام من سائر الأحكام بل وافق الأصحاب في غير هذين المقامين في عدم معذورية جاهل الحكم كما ستقف عليه ان شاء الله تعالى. وقد تقدم في مقدمات الكتاب البحث في المسألة ورجحنا معذورية جاهل الحكم مطلقا على تفصيل تقدم بيانه.

١١١

(الخامس) ـ قال في المنتهى : لو علم بالغصب في أثناء الصلاة نزعه ثم ان كان عليه غيره أتم الصلاة لأنه دخل دخولا مشروعا ، ولو لم يكن عليه غيره أبطل الصلاة وستر عورته ثم استأنف. انتهى. وهو جيد إلا ان إطلاقه الإبطال في ما لو لم يكن عليه غيره غير خال من نظر ، لانه لو لم يكن عليه غيره وأمكن تناول ما يستر به العورة من غير استلزام مبطل تناوله وستر عورته وتمم صلاته ولا يحتاج الى استئناف.

(السادس) ـ لو علم بالغصب ونسي فإن كان ناسيا للحكم اعني تحريم الصلاة في المغصوب مع تذكره الغصب فظاهر الأصحاب عدم المعذورية ، وعلله في الذكرى باستناده الى تقصيره في التحفظ ، وان كان ناسيا للغصب فظاهر المنتهى المعذورية حيث قال : لو تقدمه علم بالغصبية ثم نسي حال الصلاة فصلى فيه صحت صلاته لقوله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) (١) «رفع عن أمتي الخطأ والنسيان». والقياس على النجاسة باطل. انتهى ونقله في المختلف والذكرى عن ابن إدريس. وظاهر كلام ابن إدريس في السرائر وجود قائل بوجوب الإعادة مطلقا. واختار في المختلف الإعادة في الوقت لا في خارجه ، قال : والوجه عندي الإعادة في الوقت لا خارجه (اما الأول) فلأنه لم يأت بالمأمور به على وجهه فيبقى في عهدة التكليف. و (اما الثاني) فلان القضاء فرض ثان يفتقر الى دليل مغاير لدليل التكليف المبتدأ. انتهى. وهو جيد واليه يميل كلام شيخنا في الذكرى واما القول بعدم وجوب الإعادة مطلقا ففيه ان ما استدلوا عليه به من الخبر المذكور لا يفي بالدلالة لاحتمال ان يكون المراد رفع المؤاخذة لا صحة الفعل.

ولصاحب الذخيرة هنا كلام لا يخلو من سهو وخلل لا بأس بنقله وبيان ما فيه قال (قدس‌سره) في الكتاب المذكور : والناسي للحكم كجاهل الحكم ، ولو نسي الغصبية ففيه أوجه : (الأول) الإعادة في الوقت والقضاء خارجه ولا اعلم به قائلا. و (الثاني) الإعادة في الوقت دون القضاء وفي كلام ابن إدريس دلالة على انه قول

__________________

(١) الوسائل الباب ٣٠ من الخلل في الصلاة.

١١٢

لبعض الأصحاب واختاره المصنف. و (الثالث) عدم الإعادة مطلقا واختاره ابن إدريس وهو أقرب ، لنا ـ ان النهي غير متعلق به في صورة النسيان فيبقى إطلاق التكليف بالصلاة سالما عن المعارض ، ووجوب التحفظ بحيث لا يعرض له النسيان غير ثابت. واما الاستدلال بقوله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) «رفع عن أمتي الخطأ والنسيان» ، وذكر الحديث ثم رده بنحو ما ذكرناه. ثم قال : احتج القائلون بوجوب الإعادة دون القضاء بأن الناسي مفرط لقدرته على التكرار الموجب للتذكار فإذا أخل به كان مفرطا ، ولانه لما علم كان حكمه المنع من الصلاة والأصل بقاء ذلك عملا بالاستصحاب. واما عدم وجوب القضاء فلانه تكليف جديد ولم يثبت. والجواب منع وجوب التكرار ومنع كونه موجبا للتذكار. إلخ.

وفيه (أولا) ان كلام ابن إدريس في السرائر ظاهر في وجود القول بوجوب الإعادة مطلقا لا التفصيل كما لا يخفى على من راجعه. و (ثانيا) ان من ذهب الى التفصيل ووجوب الإعادة في الوقت كالعلامة في المختلف والشهيد في الذكرى انما علل ذلك بأنه متى ذكر في الوقت دخل تحت عهدة الخطاب لانه لم يأت بالمأمور به على وجهه والوقت باق فيبقى تحت عهدة الخطاب حتى يأتي به كما عرفت من كلام المختلف ومثله الشهيد في الذكرى ، حيث قال : ويمكن القول بالإعادة في الوقت لقيام السبب وعدم تيقن الخروج من العهدة. لا انهم عللوه بما زعمه من ان الناسي مفرط. الى آخر كلامه. وبذلك يظهر لك ضعف ما اختاره من عدم وجوب الإعادة في الوقت لاعتماده في ذلك على رد دليل القائلين بالإعادة بزعمه وإلا فهو قد صرح بعدم دلالة الحديث الذي اعتمده في المنتهى والسرائر. قوله : لنا ـ ان النهي غير متعلق به في صورة النسيان (قلنا) نعم هذا الكلام تام لو استمر النسيان الى ان خرج الوقت اما لو ذكر في الوقت فما ذكره ممنوع لظهور ان ما اتى به ليس كما أمر به الشارع فهو باق تحت عهدة الخطاب لبقاء الوقت وتوجه الخطاب وهو السبب في التكليف بالعبادة. وبالجملة فالظاهر ان كلامه هنا ناشى‌ء عن عدم

١١٣

المراجعة لكلام القائلين بالتفصيل وما ذكروه من التعليل.

(السابع) ـ لو اذن المالك للغاصب وغيره جازت الصلاة لكل من دخل تحت الاذن بلا اشكال ، بل الظاهر عدم تحقق الغصبية في حال الصلاة مع تعلق الاذن بالغاصب لان الاستيلاء في تلك الحال لا عدوان فيه : ولو اذن مطلقا فالظاهر ـ كما استظهره جملة من الأصحاب ـ عدم دخول الغاصب في ذلك لقيام العادة بحقد المغصوب منه على الغاصب وميله عليه وطلب التشفي منه والغلبة عليه والانتقام منه ، والقلوب ـ كما قال سيد الأنبياء (صلى‌الله‌عليه‌وآله) ـ مجبولة على حب من أحسن إليها وبغض من أساء إليها (١) فيكون هذا الظاهر بحسب العادة بمنزلة المخصص لذلك الإطلاق ، ولو فرض انتفاء ذلك بالقرائن وجب العمل بمقتضى الإطلاق.

(المطلب الثالث) ـ في ما يستحب ويكره. وتفصيل ذلك يقع في مواضع :

(منها) ـ انه يستحب الصلاة في النعل العربية عند علمائنا بغير خلاف يعرف.

ويدل عليه ما رواه الصدوق في الفقيه والشيخ في التهذيب في الصحيح عن عبد الرحمن بن ابي عبد الله عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٢) انه قال : «إذا صليت فصل في نعليك إذا كانت طاهرة فإن ذلك من السنة». وفي التهذيب «فإنه يقال ذلك من السنة».

وما رواه الشيخ في التهذيب في الصحيح عن معاوية بن عمار (٣) قال «رأيت أبا عبد الله (عليه‌السلام) يصلي في نعليه غير مرة ولم أره ينزعهما قط».

وعن علي بن مهزيار في الصحيح (٤) قال «رأيت أبا جعفر (عليه‌السلام) صلى حين زالت الشمس يوم التروية ست ركعات خلف المقام وعليه نعلاه لم ينزعهما».

وما رواه في الكافي عن محمد بن الحسين عن بعض الطالبيين يلقب برأس

__________________

(١) نهج الفصاحة ص ٢٧٥.

(٢ و ٣ و ٤) الوسائل الباب ٣٧ من لباس المصلي.

١١٤

المدري (١) قال : «سمعت الرضا (عليه‌السلام) يقول أفضل موضع القدمين للصلاة النعلان».

وروى في كتاب العلل في الصحيح أو الحسن (٢) قال : «وكان رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) إذا أقيمت الصلاة لبس نعليه وصلى فيهما».

وأنت خبير بأنه قد وقع في عبارات الأصحاب التصريح بالعربية بمعنى انهم خصوا الاستحباب بالنعل العربية والروايات ـ كما ترى ـ مطلقة ، ولعل الوجه في ذلك فهمهم انها هي التي كانت متعارفة في وقتهم (عليهم‌السلام) والاحتياط يقتضي الاقتصار على ذلك وان كان ظواهر الأخبار الدلالة على ما هو أعم من العربية وغيرها.

وقد تقدم جملة من المستحبات في هذا الباب في الأبحاث السابقة كاستحباب ستر البدن كملا للرجل إذ الواجب هو ستر العورتين ، واستحباب وضع شي‌ء على عاتقه إذا صلى مكشوف الظهر ونحو ذلك مما تقدم ، وتقدمت الأخبار الدالة على جميع ذلك فلا ضرورة إلى إعادتها

و (منها) استحباب الطيب بالمسك وغيره ، فروى في الكافي في الصحيح عن عبد الله بن سنان عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٣) قال : «كانت لرسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) ممسكة إذا هو توضأ أخذها بيده وهي رطبة وكان إذا خرج عرفوا انه رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) برائحته».

وعن الحسن بن علي عن ابي الحسن (عليه‌السلام) (٤) قال : «كان يعرف موضع سجود ابي عبد الله (عليه‌السلام) بطيب ريحه».

وعن علي بن إبراهيم رفعه عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٥) في حديث قال : «صلاة متطيب أفضل من سبعين صلاة بغير طيب».

وعن عبد الله بن الحارث (٦) قال : «كانت لعلي بن الحسين (عليه‌السلام)

__________________

(١) الوسائل الباب ٣٧ من لباس المصلي.

(٢) الوسائل الباب ٦٣ من لباس المصلي.

(٣ و ٤ و ٥ و ٦) الوسائل الباب ٤٣ من لباس المصلي.

١١٥

قارورة مسك في مسجده فإذا دخل للصلاة أخذ منه فتمسح به».

وروى الصدوق في كتاب ثواب الأعمال بسنده عن المفضل بن عمر عن الصادق (عليه‌السلام) (١) قال : «ركعتان يصليهما متعطر أفضل من سبعين ركعة يصليهما غير متعطر». الى غير ذلك من الاخبار.

و (منها) ـ انه يكره الصلاة في الثياب السود عدا العمامة والخف والكساء وهو ثوب من صوف ومنه العباء ، كذا نقل عن الجوهري.

ويدل عليه ما رواه ثقة الإسلام في الكافي عن احمد بن محمد رفعه عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٢) قال : «يكره السواد إلا في ثلاثة : الخف والعمامة والكساء».

وروى في كتاب الزي من الكتاب المذكور عن احمد بن ابي عبد الله عن بعض أصحابه رفعه (٣) قال : «كان رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) يكره السواد إلا في ثلاث : الخف والعمامة والكساء».

وعن حذيفة بن منصور (٤) قال : «كنت عند ابي عبد الله (عليه‌السلام) بالحيرة فأتاه رسول ابي العباس الخليفة يدعوه فدعا بممطر أحد وجهيه اسود والآخر أبيض فلبسه ثم قال أبو عبد الله (عليه‌السلام) اما إني ألبسه وانا اعلم انه لباس أهل النار».

أقول : في القاموس الممطر والممطرة بكسرهما ثوب صوف يتوقى به من المطر. ثم أقول : يحتمل ان يكون لبسه (عليه‌السلام) له في تلك الحال لضرورة دفع المطر أو تقية حيث انه المعمول عليه عند المخالفين يومئذ.

وروى الصدوق في الفقيه (٥) مرسلا عن أمير المؤمنين (عليه‌السلام) انه قال في ما علم أصحابه «لا تلبسوا السواد فإنه لباس فرعون».

وروى بإسناده عن إسماعيل بن مسلم عن الصادق (عليه‌السلام) (٦) انه قال

__________________

(١) الوسائل الباب ٤٣ من لباس المصلي.

(٢ و ٣ و ٤ و ٥ و ٦) الوسائل الباب ١٩ من لباس المصلي.

١١٦

«أوحى الله الى نبي من أنبيائه قل للمؤمنين لا يلبسوا ملابس أعدائي ولا يطعموا مطاعم أعدائي ولا يسلكوا مسالك أعدائي فيكونوا أعدائي كما هم أعدائي».

أقول : قال الصدوق في كتاب عيون الاخبار بعد نقل هذا الخبر بسند آخر عن علي بن ابي طالب عن رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) : قال المصنف (رضي‌الله‌عنه) : لباس الأعداء هو السواد ، ومطاعم الأعداء هو النبيذ والمسكر والفقاع والطين والجري من السمك والمارماهي والزمير والطافي وكل ما لم يكن له فلس من السمك والأرنب والضب والثعلب وما لم يدف من الطير وما استوى طرفاه من البيض والدبا من الجراد وهو الذي لا يستقل بالطيران والطحال ، ومسالك الأعداء مواضع التهمة ومجالس شرب الخمر والمجالس التي فيها الملاهي ومجالس الذين لا يقضون بالحق والمجالس التي تعاب فيها الأئمة والمؤمنون ومجالس أهل المعاصي والظلم والفساد. انتهى. وحاصله يرجع الى التخصيص بالمحرمات في ما عدا اللباس حملا للنهي علي التحريم. والأظهر الحمل على ما هو أعم من التحريم أو الكراهة مثل لباس اليهود والنصارى ومآكلهم وكذا لباس المخالفين ومآكلهم المعلومة مخالفة ذلك للسنن النبوية والشريعة المحمدية (صلى‌الله‌عليه‌وآله) ويؤيده وقوع المناهي في الاخبار عن جملة من الأشياء من حيث دخولها في مضمون هذا الخبر مثل النهي عن البرطلة لأنها من زي اليهود (١) وإسدال الرداء لانه من زيهم (٢) وشم النرجس في الصوم لانه من فعل المجوس (٣) والأكل بالملاعق كما يفعله الروم والمخالفون لمخالفته لسنة الأكل باليد (٤) وجر الثياب على الأرض كما يفعلونه ايضا لمنافاته التشمير المأمور به (٥) وجز اللحى واعفاء الشوارب كما يفعلونه لمخالفته للسنة النبوية

__________________

(١) الوسائل الباب ٣١ من أحكام الملابس.

(٢) الوسائل الباب ٢٥ من لباس المصلي.

(٣) الوسائل الباب ٣٢ من ما يمسك عنه الصائم.

(٤) الوسائل الباب ٦٨ من آداب المائدة.

(٥) الوسائل الباب ٢٢ من أحكام الملابس.

١١٧

في العكس (١) وأمثال ذلك. فان الظاهر دخول الجميع تحت الخبر.

ثم أقول : لا يبعد استثناء لبس السواد في مأتم الحسين (عليه‌السلام) من هذه الاخبار لما استفاضت به الاخبار من الأمر بإظهار شعائر الأحزان ، ويؤيده ما رواه شيخنا المجلسي (قدس‌سره) عن البرقي في كتاب المحاسن (٢) انه روى عن عمر بن زين العابدين (عليه‌السلام) انه قال «لما قتل جدي الحسين المظلوم الشهيد لبس نساء بني هاشم في مأتمه ثياب السواد ولم يغيرنها في حر أو برد وكان الامام زين العابدين (عليه‌السلام) يصنع لهن الطعام في المأتم». والحديث منقول من كتاب جلاء العيون بالفارسية ولكن هذا حاصل ترجمته.

وأشد السواد كراهة القلنسوة السوداء لما رواه في الكافي عن محسن بن احمد عن من ذكره عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٣) قال : «قلت له أصلي في القلنسوة السوداء؟ فقال لا تصل فيها فإنها لباس أهل النار». ورواه في الفقيه مرسلا (٤)

هذا ، ومما يدل على كراهة بعض الألوان غير السواد ما رواه الكليني والشيخ في الموثق عن حماد بن عثمان عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٥) قال : «تكره الصلاة في الثوب المصبوغ المشبع المفدم». أقول : المفدم لغة الشديد الحمرة أو اللون ، وعلى الثاني فيكون تأكيدا للمشبع فيكون فيه دلالة على كراهة كل لون مشبع من حمرة أو صفرة أو خضرة أو نحو ذلك ، ومن هنا نقل عن الشيخ وابن الجنيد وابن إدريس كراهة الصلاة في الثياب المقدمة بلون من الألوان.

وما رواه في التهذيب عن يزيد بن خليفة عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٦) «انه كره الصلاة في المشبع بالعصفر المضرج بالزعفران». قال في الوافي : المضرج

__________________

(١) الوسائل الباب ٦٧ من آداب الحمام.

(٢) ص ٤٢٠.

(٣ و ٤) الوسائل الباب ٢٠ من لباس المصلي.

(٥ و ٦) الوسائل الباب ٥٩ من لباس المصلي.

١١٨

بالضاد المعجمة والجيم المصبوغ بالحمرة دون المفدم وفوق المورد.

وما رواه في الكافي عن مالك بن أعين (١) قال : «دخلت علي ابي جعفر (عليه‌السلام) وعليه ملحفة حمراء شديدة الحمرة فتبسمت حين دخلت فقال كأني أعلم لم ضحكت ضحكت من هذا الثوب الذي هو علي ، ان الثقفية أكرهتني عليه وانا أحبها فأكرهتني على لبسها ، ثم قال انا لا نصلي في هذا ولا تصلوا في المشبع المضرج. قال ثم دخلت عليه وقد طلقها فقال سمعتها تبرأ من علي (عليه‌السلام) فلم يسعني ان أمسكها وهي تبرأ منه».

وبالجملة فالظاهر من الاخبار كراهية الصلاة في المفدم بمعنييه المتقدمين والمعصفر المضرج بالزعفران ، وبذلك صرح ايضا الفاضلان في المعتبر والمنتهى. اما لبسه في غير الصلاة فظاهر جملة من الاخبار جوازه وان الأئمة (عليهم‌السلام) كانوا يلبسونه في مقام استحباب إظهار الزينة كما عرفت من حديث مالك بن أعين المذكور ومثله اخبار أخر نقلها في الكافي في كتاب الزينة واللباس.

و (منها) ـ انه يكره ان يأتزر فوق القميص على المشهور ذكره الشيخان وأتباعهما ، ويدل عليه ما رواه ثقة الإسلام في الكافي في الصحيح عن هشام بن سالم عن ابي بصير عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٢) قال : «لا ينبغي ان تتوشح بإزار فوق القميص وأنت تصلي ولا تتزر بإزار فوق القميص إذا أنت صليت فإنه من زي الجاهلية».

وانما حملنا لفظ «لا ينبغي» على الكراهة في الرواية مع ورود استعماله في الاخبار بمعنى التحريم كثيرا كما تقدم ذكره في غير مقام لما رواه الشيخ في الصحيح عن موسى بن القاسم البجليّ (٣) قال : «رأيت أبا جعفر الثاني (عليه‌السلام) يصلي في قميص قد اتزر فوقه بمنديل وهو يصلي». وفي الصحيح عن موسى بن عمر

__________________

(١) الوسائل الباب ٥٩ من لباس المصلي.

(٢ و ٣) الوسائل الباب ٢٤ من لباس المصلي.

١١٩

بن بزيع (١) قال «قلت للرضا (عليه‌السلام) أشد الإزار والمنديل فوق قميصي في الصلاة؟ فقال لا بأس به».

وأكثر المتأخرين ومنهم صاحب المدارك انما نقلوا رواية أبي بصير عن التهذيب وهي فيه هكذا قال : «لا ينبغي ان تتوشح بإزار فوق القميص إذا أنت صليت فإنه من زي الجاهلية» ولهذا اعترض في المدارك بعد نقله عن الشيخ الرواية بهذه الصورة بأنها غير دالة على المدعى وانما تدل على كراهة التوشح فوق القميص وهو خلاف الاتزار. وأنت خبير بان الظاهر ان الرواية المذكورة في الكتابين واحدة لأن الشيخ انما رواها في التهذيب عن محمد بن يعقوب بالسند الذي في الكافي وأسقط منها موضع الاستدلال وهو ناشى‌ء عن الغفلة والاستعجال وانتقل نظره من لفظ القميص الأول الى الثاني فسقط ما بين ذلك. وأكثرهم لم يراجع الكافي في المقام. وما ذكرناه ظاهر لا يخفى على من له أنس بملاحظة كتاب التهذيب وتدبره ما وقع للشيخ في اخباره متنا وسندا من التغيير والتبديل والتحريف والتصحيف وقلما يخلو خبر من شي‌ء من ذلك. وبذلك يظهر ان ما اعترض به (قدس‌سره) على هذه الرواية ـ من عدم الدلالة في المقام وان تبعه من تبعه من الاعلام وطعنوا به على المتقدمين من عدم وجود مستند للقول بالكراهة ـ ليس في محله وممن وقع في ذلك ايضا صاحب المعتبر فنقل رواية أبي بصير من التهذيب وتبعه من تأخر عنه من غير ملاحظة لكتاب الكافي ، وحيث لم تكن مشتملة على الاتزار حكم بالجواز بغير كراهة للصحيحتين المتقدمتين ، والحق ما ذكرناه.

و (منها) ـ انه يكره التوشح والاخبار بذلك متكاثرة : منها ـ ما تقدم في رواية أبي بصير ، ومنها ـ ما رواه الشيخ عن محمد بن إسماعيل عن بعض أصحابه عن أحدهما (عليهما‌السلام) (٢) قال : «الارتداء فوق التوشح في الصلاة مكروه والتوشح فوق القميص مكروه».

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ٢٤ من لباس المصلي.

١٢٠